الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 40971" data-attributes="member: 329"><p>ثانياً : الاضطرار</p><p> 13 - " الاضطرار هو الخوف على النّفس من الهلاك علماً أو ظنّاً " أو " بلوغ الإنسان حدّاً إن لم يتناول الممنوع يهلك " وهو سبب من أسباب حلّ الانتفاع بالمحرّم لإنقاذ النّفس من الهلاك . وهو في الحقيقة نوع من الإباحة الشّرعيّة للنّصوص الواردة في حال الضّرورة . ويشترط لحلّ الانتفاع به أن يكون الاضطرار ملجئاً ، بحيث يجد الإنسان نفسه في حالةٍ يخشى فيها الموت ، وأن يكون الخوف قائماً في الحال لا منتظراً ، وألاّ يكون لدفعه وسيلة أخرى . فليس للجائع أن ينتفع من الميتة قبل أن يجوع جوعاً يخشى منه الهلاك ، وليس له أن يتناول من مال الغير إذا استطاع شراء الطّعام أو دفع الجوع بفعلٍ مباحٍ . وكذلك يشترط للانتفاع بالحرام حال الاضطرار ألاّ يتجاوز القدر اللّازم لدفعه . </p><p>والأصل في حلّ الانتفاع من المحرّم حال الاضطرار قوله تعالى : { فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه } وقوله تعالى : { وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إلاّ ما اضطررتم إليه } . والبحث في الانتفاع بالمحرّم حال الاضطرار يتناول الموضوعات الآتية :</p><p>أ - الانتفاع من الأطعمة المحرّمة :</p><p>14 - إذا خاف الإنسان على نفسه الهلاك ، ولم يجد من الحلال ما يتغذّى به ، جاز له الانتفاع بالمحرّم لكي ينقذ حياته من الهلاك ، ميتةً كان أو دماً أو مال الغير أو غير ذلك . وهذا ممّا لا خلاف فيه بين الفقهاء . </p><p>لكنّهم اختلفوا في صفة الانتفاع من المحرّم حال الاضطرار ، هل هو واجب يثاب عليه فاعله ويعاقب تاركه ، أم هو جائز لا ثواب ولا عقاب في فعله أو تركه . ؟</p><p> فالجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ووجه عند الحنابلة ) على الوجوب ، لأنّ الامتناع من الأكل والشّرب حال الاضطرار إلقاء بالنّفس إلى التّهلكة المنهيّ عنه بقوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة } .</p><p> فالأكل للغذاء ولو من حرامٍ أو ميتةٍ أو مال غيره حال الاضطرار واجب يثاب عليه إذا أكل مقدار ما يدفع به الهلاك عن نفسه " ومن خاف على نفسه موتاً أو مرضاً مخوفاً ووجد محرّماً لزمه أكله " . وقال الشّافعيّة في مقابل الأصحّ ، وهو وجه عند الحنابلة ، ورواية عن أبي يوسف من الحنفيّة : إنّ الانتفاع من الأطعمة المحرّمة ليس بواجبٍ ، بل هو مباح فقط ، لأنّ إباحة الأكل في حالة الاضطرار رخصة ، فلا تجب عليه كسائر الرّخص .</p><p>15 - واتّفقوا على أنّه إذا لم يكن صاحب المال مضطرّاً إليه لزمه بذله للمضطرّ ، لأنّه يتعلّق به إحياء نفس آدميٍّ معصومٍ فلزمه بذله له . فإن امتنع واحتيج إلى القتال ، فللمضطرّ المقاتلة . فإن قتل المضطرّ فهو شهيد ، وعلى قاتله ضمانه . وإن قتل صاحبه فهو هدر ، لأنّه ظالم بقتاله ، إلاّ أنّ الحنفيّة جوّزوا القتال بغير سلاحٍ . وهذا كلّه إذا لم يستطع المضطرّ شراء الطّعام . فإن استطاع اشتراه ولو بأكثر من ثمن المثل . </p><p>ب - الانتفاع بالخمر :</p><p>16 - اتّفق الفقهاء على جواز الانتفاع بالخمر لإساغة الغصّة ودفع الهلاك في حالة الاضطرار حتّى إنّ الجمهور على وجوب شربها في هذه الحالة . فمن لم يجد غير الخمر ، فأساغ اللّقمة بها ، فلا حدّ عليه ، لوجوب شربها عليه إنقاذاً للنّفس . ولأنّ شربها في هذه الحالة متحقّق النّفع ، ولذا يأثم بتركه مع القدرة عليه حتّى يموت . </p><p>وأمّا شرب الخمر للجوع والعطش فالمالكيّة ، والشّافعيّة على تحريمه لعموم النّهي ، ولأنّ شربها لن يزيده إلاّ عطشاً . وقال الحنفيّة : لو خاف الهلاك عطشاً وعنده خمر فله شرب قدر ما يدفع العطش إن علم أنّه يدفعه . كذلك لو شرب للعطش المهلك مقدار ما يرويه فسكر لم يحدّ . وفرّق الحنابلة بين الممزوجة وغير الممزوجة فقالوا : إن شربها للعطش نظر ، فإن كانت ممزوجةً بما يروي من العطش أبيحت لدفعه عند الضّرورة ، كما تباح الميتة عند المخمصة ، وكما يباح شرب الخمر لدفع الغصّة . وإن شربها صرفاً ، أو ممزوجةً بشيءٍ يسيرٍ لا يروي من العطش لم يبح وعليه الحدّ</p><p>17 - وأمّا تعاطي الخمر للتّداوي فالجمهور على تحريمه ، وتفصيله في ( أشربة ) . </p><p>ح - الانتفاع بلحم الآدميّ الميّت :</p><p>18 - ذهب الجمهور إلى جواز الانتفاع بلحم الآدميّ الميّت حالة الاضطرار ، لأنّ حرمة الإنسان الحيّ أعلى من حرمة الميّت . واستثنى منه بعض الحنفيّة ، وهو قول عند الحنابلة الانتفاع بلحم الميّت المعصوم . </p><p>وذهب المالكيّة إلى أنّه لا يجوز . ومثل الميّت كلّ حيٍّ مهدر الدّم عند الشّافعيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة . ويبيح الشّافعيّ للمضطرّ أن يقطع من جسمه فلذةً ليأكلها في حالة الضّرورة إن كان الخوف في قطعها أقلّ منه في تركها . وخالفه في ذلك بقيّة الفقهاء . </p><p>د - ترتيب الانتفاع بالمحرّم :</p><p>19 - ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والحنابلة وهو الرّاجح عند الشّافعيّة ) إلى أنّه إذا وجدت ميتة ، أو ما صاده محرم ، أو ما صيد في الحرم وطعام شخصٍ غائبٍ فلا يجوز الانتفاع بمال الغير ، لأنّ أكل الميتة منصوص عليه وأكل مال الآدميّ مجتهد فيه ، والعدول إلى المنصوص عليه أولى . ولأنّ حقوق اللّه تعالى مبنيّة على المسامحة والمساهلة ، وحقوق الآدميّ مبنيّة على الشّحّ والتّضييق . </p><p>وقال مالك ، وهو قول للشّافعيّ : يقدّم مال الغير على الميتة ، ونحوها ممّا سبق إن أمن أن يعدّ سارقاً ، لأنّه قادر على الطّعام الحلال ، فلم يجز له أكل الميتة ، كما لو بذله له صاحبه . أمّا التّرتيب في الانتفاع بين الميتة وصيد الحرم أو المحرم ، فقد قال أحمد والشّافعيّ وبعض الحنفيّة : تقدّم الميتة ، لأنّ إباحتها منصوص عليها . وقال المالكيّة وبعض الحنفيّة : صيد المحرم للمضطرّ أولى من الميتة . هذا بالنّسبة لأكل لحم الميتة حال الاضطرار .</p><p>20 - أمّا الانتفاع بالميتة بغير الأكل ، وفي غير حالة الاضطرار فالجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو رواية عن أحمد ) على أنّ كلّ إهابٍ دبغ فقد طهر ، ويجوز الانتفاع به إلاّ جلد الخنزير والآدميّ . أمّا الخنزير فلأنّه نجس العين ، وأمّا الآدميّ فلكرامته ، فلا يجوز الانتفاع به كسائر أجزائه . واستثنى الشّافعيّة جلد الكلب أيضاً لأنّه لا يطهر بالدّبّاغ عندهم . واستثنى الحنابلة جلود السّباع ، فلا يجوز الانتفاع بها قبل الدّبغ ولا بعده .</p><p> ونقل عن مالكٍ التّوقّف في جواز الانتفاع بجلود الحمار والبغل والفرس ولو بعد الدّبغ . وفي الانتفاع بعظم الميتة وشعرها وشحمها تفصيل وخلاف يرجع إليه في مصطلح ( ميتة ) . </p><p>ثالثاً : العقد</p><p>21 - العقد من أهمّ أسباب الانتفاع ، لأنّه وسيلة تبادل الأموال والمنافع بين النّاس على أساس الرّضى . وهناك عقود تقع على المنفعة مباشرةً ، فتنقل المنفعة من جهةٍ إلى جهةٍ أخرى ، كالإجارة والإعارة ، والوصيّة بالمنفعة والوقف . وهناك عقود أخرى لا تقع على المنافع بالذّات ، ولكنّه يأتي الانتفاع فيها تبعاً ، وذلك بشروطٍ خاصّةٍ وفي حدودٍ ضيّقةٍ ، كالرّهن الوديعة . وتفصيل كلٍّ من هذه العقود في بابه .</p><p>وجوه الانتفاع :</p><p>الانتفاع بالشّيء إمّا أن يكون بإتلاف العين أو ببقائها ، وفي هذه الحالة إمّا أن ينتفع الشّخص من العين بالاستعمال أو بالاستغلال . فالحالات ثلاث :</p><p> الحالة الأولى : الاستعمال :</p><p>22 - يحصل الانتفاع غالباً باستعمال الشّيء مع بقاء عينه ، وذلك كما في العاريّة ، فإنّ المستعير ينتفع بالمستعار باستعماله والاستفادة منه ، ولا يجوز له أن ينتفع باستغلاله ( تحصيل غلّته ) أو استهلاكه ، لأنّ من شروط العاريّة إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها . والمستعير يملك المنافع بغير عوضٍ ، فلا يصحّ أن يستغلّها ويملكها غيره بعوضٍ . </p><p>هذا عند الجمهور ، وذهب المالكيّة إلى أنّ مالك المنفعة بالاستعارة له أن يؤجّرها خلال مدّة الإعارة . </p><p>وكذلك الإجارة فيما يختلف باختلاف المستعمل أو إذا اشترط المالك على المستأجر الانتفاع بنفسه . فالانتفاع في هذه الحالة قاصر على شخص المستأجر ، ولا يجوز له أن يستهلك المأجور أو يستغلّه بإجارته للغير ، لأنّ عقد الإجارة يقتضي الانتفاع بالمأجور مع بقاء العين . وليس له إيجارها فيما يختلف باختلاف المستعمل . </p><p> الحالة الثّانية : الاستغلال :</p><p>23 - قد يحصل الانتفاع باستغلال الشّيء وأخذ العوض عنه ، كما في الوقف والوصيّة إذا نصّ عند إنشائهما على أنّ له أن ينتفع كيف شاء ، فإنّ الموقوف عليه والموصى له يستطيعان أن يؤجّرا العين الموقوفة والموصى بمنفعتها للغير إذا أجازهما الواقف والموصي من غير خلافٍ . </p><p> الحالة الثّالثة : الاستهلاك :</p><p>24 - قد يحصل الانتفاع باستهلاك العين كالانتفاع بأكل الطّعام والشّراب في الولائم والضّيافات ، والانتفاع باللّقطة إذا كانت ممّا يتسارع إليه الفساد . وكذلك عاريّة المكيلات والموزونات والأشياء المثليّة الّتي لا يمكن الانتفاع بها إلاّ باستهلاكها ، فإنّهم قالوا : عاريّة الثّمنين ( الذّهب والفضّة ) والمكيل والموزون والمعدود قرض ، لأنّه لا يمكن الانتفاع بها إلاّ باستهلاك عينها وردّ مثلها . </p><p>حدود الانتفاع :</p><p>الانتفاع بالشّيء له حدود يجب على المنتفع مراعاتها وإلاّ كان ضامناً . ومن الحدود المقرّرة الّتي بحثها الفقهاء في الانتفاع بالشّيء ما يأتي :</p><p>25 - أوّلاً : يجب أن يكون الانتفاع موافقاً للشّروط الشّرعيّة ولا يكون على وجهٍ يبطل حقّ الغير . ولهذا اشترط الفقهاء في جميع عقود الانتفاع ( الإجارة والإعارة والوصيّة بالمنفعة ) أن تكون العين منتفعاً بها انتفاعاً مباحاً . كما اشترطوا في الوقف أن يكون على مصرفٍ مباحٍ ، لأنّ المنافع لا يتصوّر استحقاقها بالمعاصي .</p><p> كذلك قالوا : إنّ الانتفاع بالمباح إنّما يجوز إذا لم يضرّ بأحدٍ . والانتفاع بالمنافع العامّة مقيّد بعدم الإضرار بالغير . والجلوس على الطّرق العامّة للاستراحة أو المعاملة ونحوهما ، ووضع المظلّات إنّما يجوز إذا لم يضيّق على المارّة . </p><p>وكذلك الانتفاع بالمحرّم حال الاضطرار مقيّد بقيودٍ . فقد اتّفق الفقهاء على أنّ المضطرّ يجوز له الانتفاع بالمحرّمات بمقدار ما يسدّ الرّمق ويأمن معه الموت . </p><p>وذهب المالكيّة ، وهو قول عند الشّافعيّة ، ورواية عن أحمد إلى أنّه يأكل من المحرّمات إلى حدّ الشّبع إذا لم يوجد غيرها ، لأنّ ما جاز سدّ الرّمق منه جاز الشّبع منه كالمباح . بل المالكيّة جوّزوا التّزوّد من المحرّمات احتياطاً خشية استمرار حالة الاضطرار ، كما تدلّ عليه نصوصهم . وقال الحنفيّة ، وهو أحد قولين للشّافعيّ ، والأظهر عند الحنابلة : أنّه لا يجوز للمضطرّ الانتفاع من المحرّمات بأكثر ممّا يدفع الهلاك ويسدّ الرّمق ، فليس له أن يأكل إلى حدّ الشّبع ، وليس له أن يتزوّد ، لأنّ الضّرورة تقدّر بقدرها .</p><p> 26 - ثانياً : يلزم المنتفع أن يراعي حدود إذن المالك ، إذا ثبت الانتفاع بإذنٍ من مالكٍ خاصٍّ ، كإباحة الطّعام والشّراب في الضّيافة ، فإنّه إذا علم أنّ صاحبه لا يرضى بإطعام الغير ، فلا يحلّ له أن يطعم غيره كما تقدّم . وكذلك الإذن بسكنى الدّار وركوب الدّابّة للشّخص ، فإنّ الانتفاع بها محدود بشروط المبيح .</p><p> 27 - ثالثاً : يلزم المنتفع التّقيّد بالقيود المتّفق عليها في العقد ، إذا كان مسبّب الانتفاع عقداً . لأنّ الأصل مراعاة الشّروط بقدر الإمكان . فإذا حدّد الانتفاع في الإجارة أو العاريّة أو الوصيّة بوقتٍ أو منفعةٍ معيّنةٍ فلا يتجاوزها ما لم تكن الشّروط مخالفةً للشّرع .</p><p>28 - رابعاً : يلزم المنتفع أن لا يتجاوز الحدّ المعتاد إذا لم يكن الانتفاع مقيّداً بقيدٍ أو شرطٍ ، لأنّ المطلق يقيّد بالعرف والعادة ، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً كما جرى على ألسنة الفقهاء . فلو أعاره وأطلق فللمستعير الانتفاع بحسب العرف في كلّ ما هو مهيّأ له . وما هو غير مهيّأٍ له يعيّنه العرف ولو قال : آجرتكها لما شئت صحّ ، ويفعل ما يشاء لرضاه به ، لكن يشترط أن ينتفع به على الوجه المعتاد كالعاريّة . </p><p>أحكام الانتفاع الخاصّة :</p><p>الانتفاع المجرّد ملك ناقص ، وله أحكام وآثار خاصّة تميّزه عن الملك التّامّ .</p><p> من هذه الأحكام ما يأتي : </p><p>أوّلاً : تقييد الانتفاع بالشّروط :</p><p>29 - يقبل حقّ الانتفاع التّقييد والاشتراط ، لأنّه حقّ ناقص ليس لصاحبه إلاّ التّصرّفات الّتي يجيزها المالك ، وعلى الوجه الّذي يعيّنه صفةً وزمناً ومكاناً ، وإلاّ فإنّ الانتفاع موجب للضّمان ، فإذا أعار إنساناً دابّةً على أن يركبها المستعير بنفسه فليس له أن يعيرها غيره ، واذا أعار ثوباً على أن يلبسه بنفسه فليس له أن يلبسه غيره . وكذلك إن قيّدها بوقتٍ أو منفعةٍ أو بهما فلا يتجاوز إلى ما سوى ذلك . </p><p>وإن أطلق فله أن ينتفع بأيّ نوعٍ شاء وفي أيّ وقتٍ أراد ، لأنّه يتصرّف في ملك الغير فلا يملك التّصرّف إلاّ على الوجه الّذي أذن له من تقييدٍ أو إطلاقٍ . </p><p>ومن استأجر داراً للسّكنى إلى مدّةٍ معيّنةٍ فليس له أن يسكنها بعد انقضاء المدّة إلاّ بأجرة المثل ، لأنّ الانتفاع مقيّد بقيد الزّمان فيجب اعتباره . </p><p>كذلك لو قيّد الواقف الانتفاع بالوقف بشروطٍ محدّدةٍ ، فالجمهور على أنّه يرجع إلى شرط الواقف لأنّ الشّروط الّتي يذكرها الواقفون هي الّتي تنظّم طريق الانتفاع به ، وهذه الشّروط معتبرة ما لم تحالف الشّرع . هذا ، وجمهور الفقهاء على أنّ الانتفاع بالمأجور والمستعار بمثل المشروط أو أقلّ منه ضرراً جائز لحصول الرّضى ولو حكماً . وقال بعضهم : إن نهاه عن مثل المشروط أو الأدون منه امتنع .</p><p>30 - وقد اتّفق الفقهاء على أنّ التّقييد في الانتفاع لشخصٍ دون شخصٍ معتبر فيما يكون التّقييد فيه مفيداً ، وذلك فيما يختلف باختلاف المستعمل كركوب الدّابّة ولبس الثّوب .</p><p> أمّا فيما لا يختلف باختلاف المستعمل كسكنى الدّار مثلاً فقد اختلفوا فيه : فذهب الحنفيّة إلى عدم اعتبار القيد ، لأنّ النّاس لا يتفاوتون فيه عادةً . فلم يكن التّقييد بسكناه مفيداً ، إلاّ إذا كان حدّاداً أو قصّاراً أو نحوهما ممّا يوهن عليه البناء .</p><p>وذهب المالكيّة والحنابلة إلى اعتبار القيد مطلقاً ما لم يكن مخالفاً للشّرع . وقال الشّافعيّة : لو شرط المؤجّر على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه فسد العقد ، كما لو شرط على مشترٍ أن لا يبيع العين للغير . </p><p>ثانياً : توريث الانتفاع :</p><p>31 - إذا كان سبب الانتفاع الإجارة أو الوصيّة ، فقد ذهب جمهور الفقهاء ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أنّه يقبل التّوريث . فالإجارة لا تنفسخ بموت الشّخص المستأجر ، ويقوم وارثه مقامه في الانتفاع بها إلى أن تنتهي المدّة ، أو تفسخ الإجارة بأسبابٍ أخرى ، لأنّ الإجارة عقد لازم ، فلا تنفسخ بموت العاقد مع سلامة المعقود عليه . إلاّ أنّ الحنابلة قالوا : إن مات المكتري ، ولم يكن له وارث تنفسخ الإجارة فيما بقي من المدّة .</p><p>وكذلك الوصيّة بالمنفعة لا تنتهي بموت الموصى له ، لأنّها تمليك وليست إباحةً للزومها بالقبول ، فيجوز لورثته أن ينتفعوا بها بالمدّة الباقية ، لأنّه مات عن حقٍّ ، فهو لورثته . 32 - أمّا إذا كان سبب الانتفاع العاريّة ، فقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بعدم توريث الانتفاع بها ، لأنّها عقد غير لازمٍ ، تنفسخ بموت العاقدين . ولأنّ العاريّة إباحة الانتفاع عندهم ، فلا تصلح أن تنتقل إلى الغير حتّى في حياة المستعير . </p><p>وذهب الحنفيّة إلى أنّ الانتفاع لا يقبل التّوريث مطلقاً . فالوصيّة بالمنفعة تبطل بموت الموصى له ، وليس لورثته الانتفاع بها ، كما تبطل العاريّة بموت المستعير ، والإجارة بموت المستأجر ، لأنّ المنافع لا تحتمل الإرث ، لأنّها تحدث شيئاً فشيئاً ، والّتي تحدث بعد الموت ليست موجودةً حين الموت ، حتّى تكون تركةً على ملك المتوفّى فتورث . </p><p>وعلى ذلك يعود ملك المنفعة بعد وفاة الموصى له بالمنفعة إلى الموصى له بالرّقبة ، إن كان قد أوصى بالرّقبة إلى آخر ، وإن لم يكن قد أوصى بها عاد ملك المنفعة إلى ورثة الموصي ، كما صرّح به الكاسانيّ . </p><p>ثالثاً : نفقات العين المنتفع بها :</p><p>33 - لا خلاف بين فقهاء المذاهب في أنّ نفقات العين المنتفع بها تكون على صاحب العين ، إذا كان الانتفاع بمقابلٍ ، لا على من له الانتفاع . وعلى ذلك فتكسية الدّار المستأجرة وإصلاح مرافقها وما وهن من بنائها على ربّ الدّار ( المؤجّر ) . وكذلك علف الدّابّة المستأجرة ومئونة ردّ العين المستأجرة على الآجر . حتّى إنّ الحنابلة قالوا : إن شرط المكري أنّ النّفقة الواجبة عليه تكون على المكتري فالشّرط فاسد . </p><p>وإذا أنفق المكتري على ذلك احتسب به على المكري . لكن الحنفيّة يقولون : إذا أصلح المستأجر شيئاً من ذلك لم يحتسب له بما أنفق ، لأنّه أصلح ملك غيره بغير أمره فكان متبرّعاً . كما ذهب الشّافعيّة والمالكيّة إلى أنّه لا يجبر آجر الدّار على إصلاحها للمكتري ، ويخيّر السّاكن بين الانتفاع بالسّكنى ، فيلزمه الكراء والخروج منها . </p><p>34 - أمّا إذا كان الانتفاع بالمجّان ، كما في العاريّة والوصيّة ، فقد ذهب الحنفيّة - وهو قول عند المالكيّة في العاريّة ، والصّحيح عند الحنابلة في الوصيّة - إلى أنّ نفقات العين المنتفع بها تكون على من له الانتفاع . وعلى ذلك فعلف الدّابّة ونفقات الدّار المستعارة على المستعير ، كما أنّ نفقة الدّار الموصى بمنفعتها على الموصى له ، لأنّهما يملكان الانتفاع بالمجّان ، فكانت النّفقة عليهما ، إذ الغرم بالغنم . ولأنّ صاحبها فعل معروفاً فلا يليق أن يشدّد عليه . وقال الشّافعيّة : إنّ مئونة المستعار على المعير دون المستعير ، سواء أكانت العاريّة صحيحةً أم فاسدةً . فإن أنفق المستعير لم يرجع إلاّ بإذن حاكمٍ أو إشهاد بيّنةٍ على الرّجوع عند فقد الحاكم . </p><p>كذلك في الوصيّة بالانتفاع ، فإنّ الوارث أو الموصى له بالرّقبة هو الّذي يتحمّل نفقات العين الموصى بمنفعتها ، إن أوصى بمنفعتها مدّةً ، لأنّه هو المالك للرّقبة ، وكذلك للمنفعة فيما عدا تلك المدّة كما علّله الرّمليّ . وهذا هو أحد القولين عند المالكيّة في العاريّة ، وهو وجه عند الحنابلة في الوصيّة . وعلّله الخرشيّ بأنّها لو كانت على المستعير لكان كراءً ، وربّما كان علف الدّابّة ، أكثر من الكراء . </p><p>رابعاً : ضمان الانتفاع :</p><p>35 - الأصل أنّ الانتفاع المباح والمأذون بعينٍ من الأعيان لا يوجب الضّمان ، وعلى ذلك فمن انتفع بالمأجور على الوجه المشروع ، وبالصّفة الّتي عيّنت في العقد ، أو بمثلها ، أو دونها ضرراً ، أو على الوجه المعتاد فتلف لا يضمن ، لأنّ يد المكتري يد أمانةٍ مدّة الإجارة ، وكذا بعدها إن لم يستعملها استصحاباً لما كان . </p><p>ومن استعار عيناً فانتفع بها ، وهلكت بالاستعمال المأذون فيه بلا تعدٍّ لا يضمن عند الحنفيّة والشّافعيّة . وكذلك إذا هلكت بدون استعمالٍ عند الحنفيّة ، لأنّ ضمان العدوان لا يجب إلاّ على المتعدّي ، ومع الإذن بالقبض لا يوصف بالتّعدّي . </p><p>وعند الشّافعيّة يضمن إذا هلكت في غير حال الاستعمال ، لأنّه قبض مال الغير لنفسه لا عن استحقاقٍ ، فأشبه الغصب . وقال الحنابلة : العاريّة المقبوضة مضمونة بقيمتها يوم التّلف بكلّ حالٍ ، ولا فرق بين أن يتعدّى فيها أو يفرّط فيها أو لا . أمّا إذا انتفع بها وردّها على صفتها فلا شيء عليه . </p><p>وفرّق المالكيّة بين ما يغاب عليه ( يحتمل الإخفاء ) وبين ما لا يغاب عليه ، فقالوا : يضمن المستعير ما يغاب عليه ، كالحليّ والثّياب ، إن ادّعى الضّياع إلاّ ببيّنةٍ على ضياعه بلا سببٍ منه ، كذلك يضمن بانتفاعه بها بلا إذن ربّها إذا تلفت أو تعيّبت بسبب ذلك . </p><p>أمّا فيما لا يغاب عليه وفيما قامت البيّنة على تلفه فهو غير مضمونٍ . والانتفاع بالرّهن بإذن الرّاهن حكمه حكم العاريّة ، فلو هلك في حالة الاستعمال والعمل لا يضمن عند عامّة الفقهاء ، لأنّ الانتفاع المأذون لا يوجب الضّمان . وإذا انتفع به بدون إذن الرّاهن يضمن مع تفصيلٍ سبق ذكره . </p><p>36 - ويستثن من هذا الأصل الانتفاع بمال الغير حال الاضطرار ، فإنّه وإن كان مأذوناً شرعاً ، لكنّه يوجب الضّمان عند الجمهور ، عملاً بقاعدةٍ فقهيّةٍ أخرى هي : أنّ الاضطرار لا يبطل حقّ الغير . وذهب المالكيّة إلى عدم الضّمان عملاً بالأصل ، وهو أنّ الانتفاع المباح لا يوجب الضّمان . وهذا إذا لم يكن عند المضطرّ ثمن الطّعام ليشتريه ، لأنّه لم يتعلّق بذمّته كما علّل بذلك الدّردير .</p><p>37 - أمّا الانتفاع بالمغصوب الوديعة فموجب للضّمان عند جمهور الفقهاء ، لأنّه غير مأذونٍ فيه ، إلاّ ما ذكر الشّافعيّة في الوديعة من عدم ضمان لبس الثّوب لدفع العفونة وركوب ما لا ينقاد للسّقي . كذلك تضمن منفعة الدّار بالتّفويت والفوات ، بأن سكن الدّار وركب الدّابّة ، أو لم يفعل ذلك عند الشّافعيّة ، وهو ما تدلّ عليه نصوص المالكيّة والحنابلة ، ولكنّ المالكيّة قالوا : لو غصب العين لاستيفاء المنفعة ، لا لتملّك الذّات ، فتلفت العين المنتفع بها فلا يضمنها المتعدّي . فمن سكن داراً غاصباً للسّكنى ، فانهدمت من غير فعله فلا يضمن إلاّ قيمة السّكنى . </p><p>وذهب الحنفيّة إلى أنّ منافع الأعيان المنقولة المغصوبة ليست بمضمونةٍ . فإذا غصب دابّةً فأمسكها أيّاماً ولم يستعملها ، ثمّ ردّها إلى يد مالكها لا يضمن ، لأنّه لم يوجد تفويت يد المالك عن المنافع ، لأنّها أعراض تحدث شيئاً فشيئاً . فالمنفعة الحادثة على يد الغاصب لم تكن موجودةً في يد المالك ، فلم يوجد تفويت يد المالك عنها . لكن إن كان المغصوب مال وقفٍ أو مال صغيرٍ أو كان معدّاً للاستغلال يلزمه ضمان المنفعة . </p><p>ويرجع لتفصيله إلى مصطلح ( ضمان ) . </p><p>خامساً : تسليم العين المنتفع بها :</p><p>38 - لا خلاف في أنّه يلزم تسليم العين المنتفع بها إلى من له الانتفاع ، إذا ثبت الانتفاع بالعقد اللّازم وبعوضٍ ، كالإجارة . فالمؤجّر مكلّف بعد انعقاد العقد أن يسلّم المأجور إلى المستأجر ، ويمكّنه من الانتفاع به عند عامّة الفقهاء . أمّا الانتفاع بالعقد غير اللّازم فلا يوجب تسليم العين للمنتفع ، كالإعارة ، فلا يلزم المعير أن يسلّم المستعار إلى المستعير ، لأنّ التّبرّع لا أثر له قبل القبض .</p><p>39 - أمّا ردّ العين المنتفع بها إلى مالكها ، فقد ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أنّ الانتفاع إذا كان بدون عوضٍ كالعاريّة فردّ العين واجب على المستعير ، ممّن طلب المعير ذلك ، لأنّ العاريّة من العقود غير اللّازمة ، فلكلّ واحدٍ منهما ردّها متى شاء ، ولو مؤقّتةً بوقتٍ لم ينقض أمده ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « المنحة مردودة ، والعاريّة مؤدّاة » . ولأنّ الإذن هو السّبب لإباحة الانتفاع وقد انقطع بالطّلب . ولهذا لو كانت مؤقّتةً ، فأمسكها بعد مضيّ الوقت ، ولم يردّها حتّى هلكت ضمن . </p><p>ولكن إذا أعار أرضاً لزراعةٍ ورجع قبل إدراك الزّرع فعليه الإبقاء إلى الحصاد ، وله الأجرة من وقت وجوب إرجاعها إلى حصاد الزّرع . كما لو أعاره دابّةً ثمّ رجع في أثناء الطّريق ، فإنّ عليه نقل متاعه إلى مأمنٍ بأجر المثل . </p><p>وقال المالكيّة : لزمت العاريّة المقيّدة بعملٍ أو أجلٍ لانقضائه ، فليس لربّها أخذها قبله ، سواء كان المستعار أرضاً لزراعةٍ ، أو سكنى ، أو كان حيواناً أو كان عرضاً .</p><p>40 - أمّا إذا كان الانتفاع بعوضٍ كالإجارة ، فلا يكلّف المستأجر ردّ المأجور بعد الانقضاء ، وليس للآجر أن يستردّ المأجور قبل استيفاء المنفعة المعقودة ، ولا قبل مضيّ المدّة المقرّرة . وحكم بقاء الزّرع إلى الحصاد بعد انقضاء مدّة الإجارة كحكم العاريّة ، فللمستأجر أن يبقي الزّرع في الأرض إلى إدراكه بأجرة المثل . </p><p>لكنّ الشّافعيّة قيّدوه بما إذا لم يكن تأخير الزّراعة بسبب تقصير المستأجر والمستعير . </p><p>أمّا مؤنة ردّ العين المنتفع بها ، فقد اتّفقوا على أنّها في الإجارة على المؤجّر ، لأنّ العين المستأجرة مقبوضة لمنفعته بأخذ الأجر ، وعلى المستعير في العاريّة لأنّ الانتفاع له ، عملاً بقاعدة ( الغرم بالغنم ) .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 40971, member: 329"] ثانياً : الاضطرار 13 - " الاضطرار هو الخوف على النّفس من الهلاك علماً أو ظنّاً " أو " بلوغ الإنسان حدّاً إن لم يتناول الممنوع يهلك " وهو سبب من أسباب حلّ الانتفاع بالمحرّم لإنقاذ النّفس من الهلاك . وهو في الحقيقة نوع من الإباحة الشّرعيّة للنّصوص الواردة في حال الضّرورة . ويشترط لحلّ الانتفاع به أن يكون الاضطرار ملجئاً ، بحيث يجد الإنسان نفسه في حالةٍ يخشى فيها الموت ، وأن يكون الخوف قائماً في الحال لا منتظراً ، وألاّ يكون لدفعه وسيلة أخرى . فليس للجائع أن ينتفع من الميتة قبل أن يجوع جوعاً يخشى منه الهلاك ، وليس له أن يتناول من مال الغير إذا استطاع شراء الطّعام أو دفع الجوع بفعلٍ مباحٍ . وكذلك يشترط للانتفاع بالحرام حال الاضطرار ألاّ يتجاوز القدر اللّازم لدفعه . والأصل في حلّ الانتفاع من المحرّم حال الاضطرار قوله تعالى : { فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه } وقوله تعالى : { وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إلاّ ما اضطررتم إليه } . والبحث في الانتفاع بالمحرّم حال الاضطرار يتناول الموضوعات الآتية : أ - الانتفاع من الأطعمة المحرّمة : 14 - إذا خاف الإنسان على نفسه الهلاك ، ولم يجد من الحلال ما يتغذّى به ، جاز له الانتفاع بالمحرّم لكي ينقذ حياته من الهلاك ، ميتةً كان أو دماً أو مال الغير أو غير ذلك . وهذا ممّا لا خلاف فيه بين الفقهاء . لكنّهم اختلفوا في صفة الانتفاع من المحرّم حال الاضطرار ، هل هو واجب يثاب عليه فاعله ويعاقب تاركه ، أم هو جائز لا ثواب ولا عقاب في فعله أو تركه . ؟ فالجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ووجه عند الحنابلة ) على الوجوب ، لأنّ الامتناع من الأكل والشّرب حال الاضطرار إلقاء بالنّفس إلى التّهلكة المنهيّ عنه بقوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة } . فالأكل للغذاء ولو من حرامٍ أو ميتةٍ أو مال غيره حال الاضطرار واجب يثاب عليه إذا أكل مقدار ما يدفع به الهلاك عن نفسه " ومن خاف على نفسه موتاً أو مرضاً مخوفاً ووجد محرّماً لزمه أكله " . وقال الشّافعيّة في مقابل الأصحّ ، وهو وجه عند الحنابلة ، ورواية عن أبي يوسف من الحنفيّة : إنّ الانتفاع من الأطعمة المحرّمة ليس بواجبٍ ، بل هو مباح فقط ، لأنّ إباحة الأكل في حالة الاضطرار رخصة ، فلا تجب عليه كسائر الرّخص . 15 - واتّفقوا على أنّه إذا لم يكن صاحب المال مضطرّاً إليه لزمه بذله للمضطرّ ، لأنّه يتعلّق به إحياء نفس آدميٍّ معصومٍ فلزمه بذله له . فإن امتنع واحتيج إلى القتال ، فللمضطرّ المقاتلة . فإن قتل المضطرّ فهو شهيد ، وعلى قاتله ضمانه . وإن قتل صاحبه فهو هدر ، لأنّه ظالم بقتاله ، إلاّ أنّ الحنفيّة جوّزوا القتال بغير سلاحٍ . وهذا كلّه إذا لم يستطع المضطرّ شراء الطّعام . فإن استطاع اشتراه ولو بأكثر من ثمن المثل . ب - الانتفاع بالخمر : 16 - اتّفق الفقهاء على جواز الانتفاع بالخمر لإساغة الغصّة ودفع الهلاك في حالة الاضطرار حتّى إنّ الجمهور على وجوب شربها في هذه الحالة . فمن لم يجد غير الخمر ، فأساغ اللّقمة بها ، فلا حدّ عليه ، لوجوب شربها عليه إنقاذاً للنّفس . ولأنّ شربها في هذه الحالة متحقّق النّفع ، ولذا يأثم بتركه مع القدرة عليه حتّى يموت . وأمّا شرب الخمر للجوع والعطش فالمالكيّة ، والشّافعيّة على تحريمه لعموم النّهي ، ولأنّ شربها لن يزيده إلاّ عطشاً . وقال الحنفيّة : لو خاف الهلاك عطشاً وعنده خمر فله شرب قدر ما يدفع العطش إن علم أنّه يدفعه . كذلك لو شرب للعطش المهلك مقدار ما يرويه فسكر لم يحدّ . وفرّق الحنابلة بين الممزوجة وغير الممزوجة فقالوا : إن شربها للعطش نظر ، فإن كانت ممزوجةً بما يروي من العطش أبيحت لدفعه عند الضّرورة ، كما تباح الميتة عند المخمصة ، وكما يباح شرب الخمر لدفع الغصّة . وإن شربها صرفاً ، أو ممزوجةً بشيءٍ يسيرٍ لا يروي من العطش لم يبح وعليه الحدّ 17 - وأمّا تعاطي الخمر للتّداوي فالجمهور على تحريمه ، وتفصيله في ( أشربة ) . ح - الانتفاع بلحم الآدميّ الميّت : 18 - ذهب الجمهور إلى جواز الانتفاع بلحم الآدميّ الميّت حالة الاضطرار ، لأنّ حرمة الإنسان الحيّ أعلى من حرمة الميّت . واستثنى منه بعض الحنفيّة ، وهو قول عند الحنابلة الانتفاع بلحم الميّت المعصوم . وذهب المالكيّة إلى أنّه لا يجوز . ومثل الميّت كلّ حيٍّ مهدر الدّم عند الشّافعيّة والحنابلة وبعض الحنفيّة . ويبيح الشّافعيّ للمضطرّ أن يقطع من جسمه فلذةً ليأكلها في حالة الضّرورة إن كان الخوف في قطعها أقلّ منه في تركها . وخالفه في ذلك بقيّة الفقهاء . د - ترتيب الانتفاع بالمحرّم : 19 - ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والحنابلة وهو الرّاجح عند الشّافعيّة ) إلى أنّه إذا وجدت ميتة ، أو ما صاده محرم ، أو ما صيد في الحرم وطعام شخصٍ غائبٍ فلا يجوز الانتفاع بمال الغير ، لأنّ أكل الميتة منصوص عليه وأكل مال الآدميّ مجتهد فيه ، والعدول إلى المنصوص عليه أولى . ولأنّ حقوق اللّه تعالى مبنيّة على المسامحة والمساهلة ، وحقوق الآدميّ مبنيّة على الشّحّ والتّضييق . وقال مالك ، وهو قول للشّافعيّ : يقدّم مال الغير على الميتة ، ونحوها ممّا سبق إن أمن أن يعدّ سارقاً ، لأنّه قادر على الطّعام الحلال ، فلم يجز له أكل الميتة ، كما لو بذله له صاحبه . أمّا التّرتيب في الانتفاع بين الميتة وصيد الحرم أو المحرم ، فقد قال أحمد والشّافعيّ وبعض الحنفيّة : تقدّم الميتة ، لأنّ إباحتها منصوص عليها . وقال المالكيّة وبعض الحنفيّة : صيد المحرم للمضطرّ أولى من الميتة . هذا بالنّسبة لأكل لحم الميتة حال الاضطرار . 20 - أمّا الانتفاع بالميتة بغير الأكل ، وفي غير حالة الاضطرار فالجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهو رواية عن أحمد ) على أنّ كلّ إهابٍ دبغ فقد طهر ، ويجوز الانتفاع به إلاّ جلد الخنزير والآدميّ . أمّا الخنزير فلأنّه نجس العين ، وأمّا الآدميّ فلكرامته ، فلا يجوز الانتفاع به كسائر أجزائه . واستثنى الشّافعيّة جلد الكلب أيضاً لأنّه لا يطهر بالدّبّاغ عندهم . واستثنى الحنابلة جلود السّباع ، فلا يجوز الانتفاع بها قبل الدّبغ ولا بعده . ونقل عن مالكٍ التّوقّف في جواز الانتفاع بجلود الحمار والبغل والفرس ولو بعد الدّبغ . وفي الانتفاع بعظم الميتة وشعرها وشحمها تفصيل وخلاف يرجع إليه في مصطلح ( ميتة ) . ثالثاً : العقد 21 - العقد من أهمّ أسباب الانتفاع ، لأنّه وسيلة تبادل الأموال والمنافع بين النّاس على أساس الرّضى . وهناك عقود تقع على المنفعة مباشرةً ، فتنقل المنفعة من جهةٍ إلى جهةٍ أخرى ، كالإجارة والإعارة ، والوصيّة بالمنفعة والوقف . وهناك عقود أخرى لا تقع على المنافع بالذّات ، ولكنّه يأتي الانتفاع فيها تبعاً ، وذلك بشروطٍ خاصّةٍ وفي حدودٍ ضيّقةٍ ، كالرّهن الوديعة . وتفصيل كلٍّ من هذه العقود في بابه . وجوه الانتفاع : الانتفاع بالشّيء إمّا أن يكون بإتلاف العين أو ببقائها ، وفي هذه الحالة إمّا أن ينتفع الشّخص من العين بالاستعمال أو بالاستغلال . فالحالات ثلاث : الحالة الأولى : الاستعمال : 22 - يحصل الانتفاع غالباً باستعمال الشّيء مع بقاء عينه ، وذلك كما في العاريّة ، فإنّ المستعير ينتفع بالمستعار باستعماله والاستفادة منه ، ولا يجوز له أن ينتفع باستغلاله ( تحصيل غلّته ) أو استهلاكه ، لأنّ من شروط العاريّة إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها . والمستعير يملك المنافع بغير عوضٍ ، فلا يصحّ أن يستغلّها ويملكها غيره بعوضٍ . هذا عند الجمهور ، وذهب المالكيّة إلى أنّ مالك المنفعة بالاستعارة له أن يؤجّرها خلال مدّة الإعارة . وكذلك الإجارة فيما يختلف باختلاف المستعمل أو إذا اشترط المالك على المستأجر الانتفاع بنفسه . فالانتفاع في هذه الحالة قاصر على شخص المستأجر ، ولا يجوز له أن يستهلك المأجور أو يستغلّه بإجارته للغير ، لأنّ عقد الإجارة يقتضي الانتفاع بالمأجور مع بقاء العين . وليس له إيجارها فيما يختلف باختلاف المستعمل . الحالة الثّانية : الاستغلال : 23 - قد يحصل الانتفاع باستغلال الشّيء وأخذ العوض عنه ، كما في الوقف والوصيّة إذا نصّ عند إنشائهما على أنّ له أن ينتفع كيف شاء ، فإنّ الموقوف عليه والموصى له يستطيعان أن يؤجّرا العين الموقوفة والموصى بمنفعتها للغير إذا أجازهما الواقف والموصي من غير خلافٍ . الحالة الثّالثة : الاستهلاك : 24 - قد يحصل الانتفاع باستهلاك العين كالانتفاع بأكل الطّعام والشّراب في الولائم والضّيافات ، والانتفاع باللّقطة إذا كانت ممّا يتسارع إليه الفساد . وكذلك عاريّة المكيلات والموزونات والأشياء المثليّة الّتي لا يمكن الانتفاع بها إلاّ باستهلاكها ، فإنّهم قالوا : عاريّة الثّمنين ( الذّهب والفضّة ) والمكيل والموزون والمعدود قرض ، لأنّه لا يمكن الانتفاع بها إلاّ باستهلاك عينها وردّ مثلها . حدود الانتفاع : الانتفاع بالشّيء له حدود يجب على المنتفع مراعاتها وإلاّ كان ضامناً . ومن الحدود المقرّرة الّتي بحثها الفقهاء في الانتفاع بالشّيء ما يأتي : 25 - أوّلاً : يجب أن يكون الانتفاع موافقاً للشّروط الشّرعيّة ولا يكون على وجهٍ يبطل حقّ الغير . ولهذا اشترط الفقهاء في جميع عقود الانتفاع ( الإجارة والإعارة والوصيّة بالمنفعة ) أن تكون العين منتفعاً بها انتفاعاً مباحاً . كما اشترطوا في الوقف أن يكون على مصرفٍ مباحٍ ، لأنّ المنافع لا يتصوّر استحقاقها بالمعاصي . كذلك قالوا : إنّ الانتفاع بالمباح إنّما يجوز إذا لم يضرّ بأحدٍ . والانتفاع بالمنافع العامّة مقيّد بعدم الإضرار بالغير . والجلوس على الطّرق العامّة للاستراحة أو المعاملة ونحوهما ، ووضع المظلّات إنّما يجوز إذا لم يضيّق على المارّة . وكذلك الانتفاع بالمحرّم حال الاضطرار مقيّد بقيودٍ . فقد اتّفق الفقهاء على أنّ المضطرّ يجوز له الانتفاع بالمحرّمات بمقدار ما يسدّ الرّمق ويأمن معه الموت . وذهب المالكيّة ، وهو قول عند الشّافعيّة ، ورواية عن أحمد إلى أنّه يأكل من المحرّمات إلى حدّ الشّبع إذا لم يوجد غيرها ، لأنّ ما جاز سدّ الرّمق منه جاز الشّبع منه كالمباح . بل المالكيّة جوّزوا التّزوّد من المحرّمات احتياطاً خشية استمرار حالة الاضطرار ، كما تدلّ عليه نصوصهم . وقال الحنفيّة ، وهو أحد قولين للشّافعيّ ، والأظهر عند الحنابلة : أنّه لا يجوز للمضطرّ الانتفاع من المحرّمات بأكثر ممّا يدفع الهلاك ويسدّ الرّمق ، فليس له أن يأكل إلى حدّ الشّبع ، وليس له أن يتزوّد ، لأنّ الضّرورة تقدّر بقدرها . 26 - ثانياً : يلزم المنتفع أن يراعي حدود إذن المالك ، إذا ثبت الانتفاع بإذنٍ من مالكٍ خاصٍّ ، كإباحة الطّعام والشّراب في الضّيافة ، فإنّه إذا علم أنّ صاحبه لا يرضى بإطعام الغير ، فلا يحلّ له أن يطعم غيره كما تقدّم . وكذلك الإذن بسكنى الدّار وركوب الدّابّة للشّخص ، فإنّ الانتفاع بها محدود بشروط المبيح . 27 - ثالثاً : يلزم المنتفع التّقيّد بالقيود المتّفق عليها في العقد ، إذا كان مسبّب الانتفاع عقداً . لأنّ الأصل مراعاة الشّروط بقدر الإمكان . فإذا حدّد الانتفاع في الإجارة أو العاريّة أو الوصيّة بوقتٍ أو منفعةٍ معيّنةٍ فلا يتجاوزها ما لم تكن الشّروط مخالفةً للشّرع . 28 - رابعاً : يلزم المنتفع أن لا يتجاوز الحدّ المعتاد إذا لم يكن الانتفاع مقيّداً بقيدٍ أو شرطٍ ، لأنّ المطلق يقيّد بالعرف والعادة ، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً كما جرى على ألسنة الفقهاء . فلو أعاره وأطلق فللمستعير الانتفاع بحسب العرف في كلّ ما هو مهيّأ له . وما هو غير مهيّأٍ له يعيّنه العرف ولو قال : آجرتكها لما شئت صحّ ، ويفعل ما يشاء لرضاه به ، لكن يشترط أن ينتفع به على الوجه المعتاد كالعاريّة . أحكام الانتفاع الخاصّة : الانتفاع المجرّد ملك ناقص ، وله أحكام وآثار خاصّة تميّزه عن الملك التّامّ . من هذه الأحكام ما يأتي : أوّلاً : تقييد الانتفاع بالشّروط : 29 - يقبل حقّ الانتفاع التّقييد والاشتراط ، لأنّه حقّ ناقص ليس لصاحبه إلاّ التّصرّفات الّتي يجيزها المالك ، وعلى الوجه الّذي يعيّنه صفةً وزمناً ومكاناً ، وإلاّ فإنّ الانتفاع موجب للضّمان ، فإذا أعار إنساناً دابّةً على أن يركبها المستعير بنفسه فليس له أن يعيرها غيره ، واذا أعار ثوباً على أن يلبسه بنفسه فليس له أن يلبسه غيره . وكذلك إن قيّدها بوقتٍ أو منفعةٍ أو بهما فلا يتجاوز إلى ما سوى ذلك . وإن أطلق فله أن ينتفع بأيّ نوعٍ شاء وفي أيّ وقتٍ أراد ، لأنّه يتصرّف في ملك الغير فلا يملك التّصرّف إلاّ على الوجه الّذي أذن له من تقييدٍ أو إطلاقٍ . ومن استأجر داراً للسّكنى إلى مدّةٍ معيّنةٍ فليس له أن يسكنها بعد انقضاء المدّة إلاّ بأجرة المثل ، لأنّ الانتفاع مقيّد بقيد الزّمان فيجب اعتباره . كذلك لو قيّد الواقف الانتفاع بالوقف بشروطٍ محدّدةٍ ، فالجمهور على أنّه يرجع إلى شرط الواقف لأنّ الشّروط الّتي يذكرها الواقفون هي الّتي تنظّم طريق الانتفاع به ، وهذه الشّروط معتبرة ما لم تحالف الشّرع . هذا ، وجمهور الفقهاء على أنّ الانتفاع بالمأجور والمستعار بمثل المشروط أو أقلّ منه ضرراً جائز لحصول الرّضى ولو حكماً . وقال بعضهم : إن نهاه عن مثل المشروط أو الأدون منه امتنع . 30 - وقد اتّفق الفقهاء على أنّ التّقييد في الانتفاع لشخصٍ دون شخصٍ معتبر فيما يكون التّقييد فيه مفيداً ، وذلك فيما يختلف باختلاف المستعمل كركوب الدّابّة ولبس الثّوب . أمّا فيما لا يختلف باختلاف المستعمل كسكنى الدّار مثلاً فقد اختلفوا فيه : فذهب الحنفيّة إلى عدم اعتبار القيد ، لأنّ النّاس لا يتفاوتون فيه عادةً . فلم يكن التّقييد بسكناه مفيداً ، إلاّ إذا كان حدّاداً أو قصّاراً أو نحوهما ممّا يوهن عليه البناء . وذهب المالكيّة والحنابلة إلى اعتبار القيد مطلقاً ما لم يكن مخالفاً للشّرع . وقال الشّافعيّة : لو شرط المؤجّر على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه فسد العقد ، كما لو شرط على مشترٍ أن لا يبيع العين للغير . ثانياً : توريث الانتفاع : 31 - إذا كان سبب الانتفاع الإجارة أو الوصيّة ، فقد ذهب جمهور الفقهاء ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أنّه يقبل التّوريث . فالإجارة لا تنفسخ بموت الشّخص المستأجر ، ويقوم وارثه مقامه في الانتفاع بها إلى أن تنتهي المدّة ، أو تفسخ الإجارة بأسبابٍ أخرى ، لأنّ الإجارة عقد لازم ، فلا تنفسخ بموت العاقد مع سلامة المعقود عليه . إلاّ أنّ الحنابلة قالوا : إن مات المكتري ، ولم يكن له وارث تنفسخ الإجارة فيما بقي من المدّة . وكذلك الوصيّة بالمنفعة لا تنتهي بموت الموصى له ، لأنّها تمليك وليست إباحةً للزومها بالقبول ، فيجوز لورثته أن ينتفعوا بها بالمدّة الباقية ، لأنّه مات عن حقٍّ ، فهو لورثته . 32 - أمّا إذا كان سبب الانتفاع العاريّة ، فقد صرّح الشّافعيّة والحنابلة بعدم توريث الانتفاع بها ، لأنّها عقد غير لازمٍ ، تنفسخ بموت العاقدين . ولأنّ العاريّة إباحة الانتفاع عندهم ، فلا تصلح أن تنتقل إلى الغير حتّى في حياة المستعير . وذهب الحنفيّة إلى أنّ الانتفاع لا يقبل التّوريث مطلقاً . فالوصيّة بالمنفعة تبطل بموت الموصى له ، وليس لورثته الانتفاع بها ، كما تبطل العاريّة بموت المستعير ، والإجارة بموت المستأجر ، لأنّ المنافع لا تحتمل الإرث ، لأنّها تحدث شيئاً فشيئاً ، والّتي تحدث بعد الموت ليست موجودةً حين الموت ، حتّى تكون تركةً على ملك المتوفّى فتورث . وعلى ذلك يعود ملك المنفعة بعد وفاة الموصى له بالمنفعة إلى الموصى له بالرّقبة ، إن كان قد أوصى بالرّقبة إلى آخر ، وإن لم يكن قد أوصى بها عاد ملك المنفعة إلى ورثة الموصي ، كما صرّح به الكاسانيّ . ثالثاً : نفقات العين المنتفع بها : 33 - لا خلاف بين فقهاء المذاهب في أنّ نفقات العين المنتفع بها تكون على صاحب العين ، إذا كان الانتفاع بمقابلٍ ، لا على من له الانتفاع . وعلى ذلك فتكسية الدّار المستأجرة وإصلاح مرافقها وما وهن من بنائها على ربّ الدّار ( المؤجّر ) . وكذلك علف الدّابّة المستأجرة ومئونة ردّ العين المستأجرة على الآجر . حتّى إنّ الحنابلة قالوا : إن شرط المكري أنّ النّفقة الواجبة عليه تكون على المكتري فالشّرط فاسد . وإذا أنفق المكتري على ذلك احتسب به على المكري . لكن الحنفيّة يقولون : إذا أصلح المستأجر شيئاً من ذلك لم يحتسب له بما أنفق ، لأنّه أصلح ملك غيره بغير أمره فكان متبرّعاً . كما ذهب الشّافعيّة والمالكيّة إلى أنّه لا يجبر آجر الدّار على إصلاحها للمكتري ، ويخيّر السّاكن بين الانتفاع بالسّكنى ، فيلزمه الكراء والخروج منها . 34 - أمّا إذا كان الانتفاع بالمجّان ، كما في العاريّة والوصيّة ، فقد ذهب الحنفيّة - وهو قول عند المالكيّة في العاريّة ، والصّحيح عند الحنابلة في الوصيّة - إلى أنّ نفقات العين المنتفع بها تكون على من له الانتفاع . وعلى ذلك فعلف الدّابّة ونفقات الدّار المستعارة على المستعير ، كما أنّ نفقة الدّار الموصى بمنفعتها على الموصى له ، لأنّهما يملكان الانتفاع بالمجّان ، فكانت النّفقة عليهما ، إذ الغرم بالغنم . ولأنّ صاحبها فعل معروفاً فلا يليق أن يشدّد عليه . وقال الشّافعيّة : إنّ مئونة المستعار على المعير دون المستعير ، سواء أكانت العاريّة صحيحةً أم فاسدةً . فإن أنفق المستعير لم يرجع إلاّ بإذن حاكمٍ أو إشهاد بيّنةٍ على الرّجوع عند فقد الحاكم . كذلك في الوصيّة بالانتفاع ، فإنّ الوارث أو الموصى له بالرّقبة هو الّذي يتحمّل نفقات العين الموصى بمنفعتها ، إن أوصى بمنفعتها مدّةً ، لأنّه هو المالك للرّقبة ، وكذلك للمنفعة فيما عدا تلك المدّة كما علّله الرّمليّ . وهذا هو أحد القولين عند المالكيّة في العاريّة ، وهو وجه عند الحنابلة في الوصيّة . وعلّله الخرشيّ بأنّها لو كانت على المستعير لكان كراءً ، وربّما كان علف الدّابّة ، أكثر من الكراء . رابعاً : ضمان الانتفاع : 35 - الأصل أنّ الانتفاع المباح والمأذون بعينٍ من الأعيان لا يوجب الضّمان ، وعلى ذلك فمن انتفع بالمأجور على الوجه المشروع ، وبالصّفة الّتي عيّنت في العقد ، أو بمثلها ، أو دونها ضرراً ، أو على الوجه المعتاد فتلف لا يضمن ، لأنّ يد المكتري يد أمانةٍ مدّة الإجارة ، وكذا بعدها إن لم يستعملها استصحاباً لما كان . ومن استعار عيناً فانتفع بها ، وهلكت بالاستعمال المأذون فيه بلا تعدٍّ لا يضمن عند الحنفيّة والشّافعيّة . وكذلك إذا هلكت بدون استعمالٍ عند الحنفيّة ، لأنّ ضمان العدوان لا يجب إلاّ على المتعدّي ، ومع الإذن بالقبض لا يوصف بالتّعدّي . وعند الشّافعيّة يضمن إذا هلكت في غير حال الاستعمال ، لأنّه قبض مال الغير لنفسه لا عن استحقاقٍ ، فأشبه الغصب . وقال الحنابلة : العاريّة المقبوضة مضمونة بقيمتها يوم التّلف بكلّ حالٍ ، ولا فرق بين أن يتعدّى فيها أو يفرّط فيها أو لا . أمّا إذا انتفع بها وردّها على صفتها فلا شيء عليه . وفرّق المالكيّة بين ما يغاب عليه ( يحتمل الإخفاء ) وبين ما لا يغاب عليه ، فقالوا : يضمن المستعير ما يغاب عليه ، كالحليّ والثّياب ، إن ادّعى الضّياع إلاّ ببيّنةٍ على ضياعه بلا سببٍ منه ، كذلك يضمن بانتفاعه بها بلا إذن ربّها إذا تلفت أو تعيّبت بسبب ذلك . أمّا فيما لا يغاب عليه وفيما قامت البيّنة على تلفه فهو غير مضمونٍ . والانتفاع بالرّهن بإذن الرّاهن حكمه حكم العاريّة ، فلو هلك في حالة الاستعمال والعمل لا يضمن عند عامّة الفقهاء ، لأنّ الانتفاع المأذون لا يوجب الضّمان . وإذا انتفع به بدون إذن الرّاهن يضمن مع تفصيلٍ سبق ذكره . 36 - ويستثن من هذا الأصل الانتفاع بمال الغير حال الاضطرار ، فإنّه وإن كان مأذوناً شرعاً ، لكنّه يوجب الضّمان عند الجمهور ، عملاً بقاعدةٍ فقهيّةٍ أخرى هي : أنّ الاضطرار لا يبطل حقّ الغير . وذهب المالكيّة إلى عدم الضّمان عملاً بالأصل ، وهو أنّ الانتفاع المباح لا يوجب الضّمان . وهذا إذا لم يكن عند المضطرّ ثمن الطّعام ليشتريه ، لأنّه لم يتعلّق بذمّته كما علّل بذلك الدّردير . 37 - أمّا الانتفاع بالمغصوب الوديعة فموجب للضّمان عند جمهور الفقهاء ، لأنّه غير مأذونٍ فيه ، إلاّ ما ذكر الشّافعيّة في الوديعة من عدم ضمان لبس الثّوب لدفع العفونة وركوب ما لا ينقاد للسّقي . كذلك تضمن منفعة الدّار بالتّفويت والفوات ، بأن سكن الدّار وركب الدّابّة ، أو لم يفعل ذلك عند الشّافعيّة ، وهو ما تدلّ عليه نصوص المالكيّة والحنابلة ، ولكنّ المالكيّة قالوا : لو غصب العين لاستيفاء المنفعة ، لا لتملّك الذّات ، فتلفت العين المنتفع بها فلا يضمنها المتعدّي . فمن سكن داراً غاصباً للسّكنى ، فانهدمت من غير فعله فلا يضمن إلاّ قيمة السّكنى . وذهب الحنفيّة إلى أنّ منافع الأعيان المنقولة المغصوبة ليست بمضمونةٍ . فإذا غصب دابّةً فأمسكها أيّاماً ولم يستعملها ، ثمّ ردّها إلى يد مالكها لا يضمن ، لأنّه لم يوجد تفويت يد المالك عن المنافع ، لأنّها أعراض تحدث شيئاً فشيئاً . فالمنفعة الحادثة على يد الغاصب لم تكن موجودةً في يد المالك ، فلم يوجد تفويت يد المالك عنها . لكن إن كان المغصوب مال وقفٍ أو مال صغيرٍ أو كان معدّاً للاستغلال يلزمه ضمان المنفعة . ويرجع لتفصيله إلى مصطلح ( ضمان ) . خامساً : تسليم العين المنتفع بها : 38 - لا خلاف في أنّه يلزم تسليم العين المنتفع بها إلى من له الانتفاع ، إذا ثبت الانتفاع بالعقد اللّازم وبعوضٍ ، كالإجارة . فالمؤجّر مكلّف بعد انعقاد العقد أن يسلّم المأجور إلى المستأجر ، ويمكّنه من الانتفاع به عند عامّة الفقهاء . أمّا الانتفاع بالعقد غير اللّازم فلا يوجب تسليم العين للمنتفع ، كالإعارة ، فلا يلزم المعير أن يسلّم المستعار إلى المستعير ، لأنّ التّبرّع لا أثر له قبل القبض . 39 - أمّا ردّ العين المنتفع بها إلى مالكها ، فقد ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أنّ الانتفاع إذا كان بدون عوضٍ كالعاريّة فردّ العين واجب على المستعير ، ممّن طلب المعير ذلك ، لأنّ العاريّة من العقود غير اللّازمة ، فلكلّ واحدٍ منهما ردّها متى شاء ، ولو مؤقّتةً بوقتٍ لم ينقض أمده ، لقوله عليه الصلاة والسلام : « المنحة مردودة ، والعاريّة مؤدّاة » . ولأنّ الإذن هو السّبب لإباحة الانتفاع وقد انقطع بالطّلب . ولهذا لو كانت مؤقّتةً ، فأمسكها بعد مضيّ الوقت ، ولم يردّها حتّى هلكت ضمن . ولكن إذا أعار أرضاً لزراعةٍ ورجع قبل إدراك الزّرع فعليه الإبقاء إلى الحصاد ، وله الأجرة من وقت وجوب إرجاعها إلى حصاد الزّرع . كما لو أعاره دابّةً ثمّ رجع في أثناء الطّريق ، فإنّ عليه نقل متاعه إلى مأمنٍ بأجر المثل . وقال المالكيّة : لزمت العاريّة المقيّدة بعملٍ أو أجلٍ لانقضائه ، فليس لربّها أخذها قبله ، سواء كان المستعار أرضاً لزراعةٍ ، أو سكنى ، أو كان حيواناً أو كان عرضاً . 40 - أمّا إذا كان الانتفاع بعوضٍ كالإجارة ، فلا يكلّف المستأجر ردّ المأجور بعد الانقضاء ، وليس للآجر أن يستردّ المأجور قبل استيفاء المنفعة المعقودة ، ولا قبل مضيّ المدّة المقرّرة . وحكم بقاء الزّرع إلى الحصاد بعد انقضاء مدّة الإجارة كحكم العاريّة ، فللمستأجر أن يبقي الزّرع في الأرض إلى إدراكه بأجرة المثل . لكنّ الشّافعيّة قيّدوه بما إذا لم يكن تأخير الزّراعة بسبب تقصير المستأجر والمستعير . أمّا مؤنة ردّ العين المنتفع بها ، فقد اتّفقوا على أنّها في الإجارة على المؤجّر ، لأنّ العين المستأجرة مقبوضة لمنفعته بأخذ الأجر ، وعلى المستعير في العاريّة لأنّ الانتفاع له ، عملاً بقاعدة ( الغرم بالغنم ) . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية