الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41045" data-attributes="member: 329"><p>الأحكام الشّرعيّة المتعلّقة بالإنكار في الدّعوى .</p><p>7- يجب على المدّعي لإثبات حقّه أن يأتي ببيّنةٍ تثبت دعواه ، فإن لم تكن له بيّنة فإنّ المدّعى عليه يلزمه الجواب عمّا ادّعى عليه به ، فإمّا أن يقرّ ، وإمّا أن ينكر . </p><p>فإن أقرّ لزمه الحقّ ، وإن أنكر فعلى المدّعي البيّنة ، فإن أقام البيّنة قضى له ، وإن لم يقمها وطلب اليمين من المدّعى عليه حلّفه الحاكم ، فإن حلف برئ من المدّعي ، وإن نكل حكم عليه . وقيل : تردّ اليمين على المدّعي . هذا طريق الحكم إجمالاً ، لقول النّبيّ : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » </p><p>وفي ذلك تفصيلات تنظر في ( إثباتٍ ، ودعوى ، حلفٍ ، إقرارٍ ، نكولٍ ) .</p><p>ما به يتحقّق الإنكار : </p><p>أوّلاً : النّطق :</p><p>8 - يتحقّق الإنكار بالنّطق . ويشترط في النّطق أن يكون صريحاً بحيث لا يحتمل إلاّ الإنكار ، كأن يقول لم تسلّفني ما تدّعيه . وهناك ألفاظ اختلف العلماء في كونها صريحةً أو غير صريحةٍ ، كأن يقول : لا حقّ له عندي . فإنّه لا يكون إنكاراً ، وهذا هو القول المقدّم عند المالكيّة ، وهو قول ابن القاسم ، ومذهب الحنفيّة . </p><p>والقول الآخر عند المالكيّة ، وهو قول للشّافعيّة ، وقول الحنابلة أن يكون إنكاراً ، لأنّ نفي المطلق يشمل نفي المقيّد ، فقوله ليس له عليّ حقّ نفي مطلق لحقّ المدّعي ، أيّاً كان سببه ، فيعتبر جواباً كافياً وإنكاراً موجباً للحلف بشروطه .</p><p>ثانياً : الامتناع من الإقرار والإنكار :</p><p>9 - لو قال المدّعى عليه : لا أقرّ ولا أنكر ، فقد اختلفت أقوال الفقهاء في حكم امتناعه هذا . فقال صاحبا أبي حنيفة رحمهم الله : هو إنكار ، فيستحلف بعده . </p><p>وعند الحنابلة - وهو قول للمالكيّة - إنّ قوله لا أقرّ ولا أنكر بمنزلة النّكول ، فيقضي بلا استحلافٍ ، كما يقضي على النّاكل عن اليمين ، وذلك بعد أن يعلمه القاضي أنّه إن لم يقرّ ولم ينكر حكم عليه . وقال أبو حنيفة ، وهو قول المالكيّة المقدّم عندهم : إن قال لا أقرّ ولا أنكر لا يستحلف ، لأنّه لم يظهر الإنكار ، ويحبس حتّى يقرّ وينكر . </p><p>وفي مذهب المالكيّة التّصريح بأنّ القاضي يؤدّبه حتّى يقرّ أو ينكر ، فإن استمرّ على امتناعه حكم عليه بغير يمينٍ . ونقل الكاسانيّ عن بعض الحنفيّة أنّ قوله لا أقرّ ولا أنكر إقرار . </p><p>ولم نر للشّافعيّة نصّاً في هذه المسألة .</p><p>ثالثاً : السّكوت :</p><p>10 - من ادّعى عليه أمام القضاء فسكت ، ففي اعتبار سكوته إنكاراً أقوال : </p><p>الأوّل : إنّ سكوته إنكار ، وهذا قول أبي يوسف من الحنفيّة ، وعليه الفتوى عندهم ، لأنّ الفتوى على قوله فيما يتعلّق بالقضاء ، وهو مذهب الشّافعيّة . قال صاحب البدائع : لأنّ الدّعوى أوجبت الجواب عليه ، والجواب إمّا إقرار وإمّا إنكار ، فلا بدّ من حمل السّكوت على أحدهما ، والحمل على الإنكار أولى ، لأنّ العاقل المتديّن لا يسكت عن إظهار الحقّ المستحقّ لغيره مع القدرة عليه ، فكان حمل السّكوت على الإنكار أولى ، فكان السّكوت إنكاراً دلالةً . وهذا إن كان سكوته لغير عذرٍ ، فإن كان لعذرٍ كما لو كان في لسانه آفة تمنعه عن التّكلّم ، أو في سمعه ما يمنعه من سماع الكلام ، فلا يعدّ سكوته إنكاراً . </p><p>وذكر الشّافعيّة من الأعذار أيضاً أن يسكت لدهشةٍ أو غباوةٍ . أمّا الأخرس فقالوا : إنّ تركه الإشارة بمنزله السّكوت . فعلى هذا القول يطلب القاضي من المدّعي البيّنة ، على ما صرّح به في درر الحكّام .</p><p>11 - القول الثّاني مذهب المالكيّة والحنابلة ، وهو ثاني قولين للشّافعيّة : أنّ سكوت المدّعى عليه بمنزلة النّكول ، فيحكم عليه القاضي بالسّكوت كما يحكم على المنكر النّاكل عن اليمين ، بعد أن يعلمه القاضي بحكم سكوته ، فيقول له : إن أجبت عن دعواه وإلاّ جعلتك ناكلاً وقضيت عليك ، وهذا هو المذهب عند الحنابلة . على أنّه لا يحكم عليه إلاّ بعد ردّ اليمين على المدّعي عند الشّافعيّة والحنابلة .</p><p>12 - القول الثّالث : وهو قول للحنابلة أيضاً : يحبسه القاضي حتّى يجيب عن الدّعوى .</p><p>غيبة المدّعى عليه بعد إنكاره :</p><p>13 - إذا حضر المدّعى عليه بين يدي القاضي ، فأنكر ما ادّعى عليه به ، ثمّ غاب قبل إقامة البيّنة عليه ، لم يجز الحكم عليه عند أبي حنيفة . </p><p>وكذا إذا سمعت البيّنة عليه ثمّ غاب قبل القضاء ، لأنّ الشّرط قيام الإنكار وقت القضاء . </p><p>وخالفه أبو يوسف رحمه الله ، فقال بصحّة القضاء في هذه الحال ، لأنّ الشّرط عنده الإصرار على الإنكار إلى وقت القضاء ، والإصرار ثابت بعد غيبته بالاستصحاب . </p><p>وكذلك الحكم عند الشّافعيّة القائلين بجواز القضاء على الغائب أصلاً . </p><p>وقال الحنابلة : يقضى على الغائب في الحقوق كلّها والمعاملات والمداينات والوكالات وسائر الحقوق إلاّ العقار وحده ، فإنّه لا يحكم عليه فيه إلاّ أن تطول غيبته ويضرّ ذلك بخصمه .</p><p>حكم المنكر :</p><p>14 - إذا ادّعي على إنسانٍ بشيءٍ فأنكر ، فإنّ البيّنة تطلب من خصمه ، فإن أقامها حكم له ، وإن لم يتمكّن من إقامتها فإنّ القاضي يستحلف المنكر إذا طلب خصمه تحليفه ، فإن حلف حكم ببراءته من المدّعي ، وإن نكل قضى عليه عند الحنفيّة والحنابلة ، أمّا عند المالكيّة والشّافعيّة فلا يقضي عليه حتّى يردّ اليمن على طالب الحقّ ، فإن حلف الطّالب حينئذٍ قضى له . ودليل استحلاف المنكر حديث : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » السّابق ، وحديث وائل بن حجرٍ ، وفيه « أنّ رجلاً من حضرموت ، ورجلاً من كندة أتيا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال الحضرميّ : إنّ هذا غلبني على أرضٍ لي ورثتها عن أبي . وقال الكنديّ : أرضي وفي يدي لا حقّ له فيها . فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : شاهداك أو يمينه . قال : إنّه لا يتورّع عن شيءٍ . قال : ليس لك إلاّ ذلك » .</p><p>شرط استحلاف المنكر :</p><p>15 - انفرد المالكيّة عن بقيّة المذاهب باشتراط شرطين لاستحلاف المنكر ، وعليه فقهاء المدينة السّبعة على ما ذكره ابن حجرٍ الهيتميّ في شرح الأربعين :</p><p>أ - أن يكون بين المتخاصمين مخالطة بدينٍ أو تكرّر بيعٍ ولو مرّةً ، فإن لم يكن بينهما مخالطة ، وأنكر ، ولم تكن بيّنة ، لم يثبت على المنكر شيء ، ولم يطالب بيمينٍ . </p><p>والمخالطة عندهم في كلّ معاملةٍ بحسبها . </p><p>واستثنوا مواضع تجب فيها اليمين بدون خلطةٍ : منها : أهل الظّلم ، والضّيف ، والمتّهم ، والمريض ، والصّنّاع فيما ادّعي عليهم استصناعه ، وأرباب الأسواق والحوانيت فيما ادّعي عليهم بيعه ، والرّفقاء في السّفر يدّعي بعضهم على بعضٍ ، الوديعة إذا ادّعيت على أهلها ، والمزايدة إذا ادّعي على من حضرها أنّه اشترى المعروض للبيع .</p><p>ب - أن يكون المدّعى عليه في دعوى التّعدّي والغصب ونحوهما معروفاً بمثل ما ادّعي عليه به ، فإن لم يكن متّهماً بمثله لم يستحلف . </p><p>وتفصيل ذلك في : دعوى ، وقضاءٍ ، ويمينٍ .</p><p>المواضع الّتي يستحلف فيها المنكر والّتي لا يستحلف فيها :</p><p>16- إنّه وإن كانت القاعدة أنّ « اليمين على من أنكر » إلاّ أنّ بعض الأمور لا استحلاف فيها ، لأنّ الحقوق نوعان : </p><p>الأوّل : حقوق اللّه تعالى ، كالعبادات والكفّارات والحدود : فيرى أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ واللّيث ، أنّ المنكر يستحلف فيها إذا اتّهم . وقد حكي عن الشّافعيّ فيمن تزوّج من لا تحلّ له ، ثمّ ادّعى الجهل . أنّه يحلف على دعواه . وكذا قال إسحاق في طلاق السّكران : يحلف أنّه ما كان يعقل ، وفي طلاق النّاسي : يحلف على نسيانه . </p><p>وقال الحنابلة : لا استحلاف في حقوق اللّه تعالى أصلاً . نصّ عليه أحمد في الزّكاة ، وبه قال طاووس والثّوريّ . </p><p>الثّاني : حقوق العباد . أجمع الفقهاء على الاستحلاف في الأموال ، واختلفوا في غيرها : فقال الشّافعيّ وأحمد في إحدى الرّوايات عنه : يستحلف في جميع حقوق الآدميّين . </p><p>وقال مالك : لا يستحلف إلاّ في كلّ دعوى لا تحتاج إلى شاهدين . </p><p>وعن أحمد : لا يستحلف إلاّ فيما يصحّ بذله . وفي روايةٍ ثالثةٍ : لا يستحلف إلاّ فيما يقضى فيه بالنّكول . ومثّل له ابن القيّم بمن ادّعى ديناً على ميّتٍ ، وللميّت وصيّ بقضاء دينه وتنفيذ وصاياه ، فأنكر . فإن كان للمدّعي بيّنة حكم بها ، وإن لم تكن له بيّنة ، وأراد تحليف الوصيّ على نفي العلم ، لم يكن له ذلك ، لأنّ مقصود التّحليف أن يقضى عليه بالنّكول ، والوصيّ لا يقبل إقراره بالدّين ، ولو نكل لم يقض عليه ، فلا فائدة في تحليفه . </p><p>وهذا الخلاف المتقدّم في حقوق الآدميّين هو في غير المؤتمن .</p><p>أمّا المؤتمن ففيه للعلماء ثلاثة أقوالٍ : </p><p>الأوّل : وهو قول أبي حنيفة ومالكٍ في روايةٍ عنه ، والشّافعيّ وأكثر الحنابلة ، عليه اليمين ، لأنّه منكر فيدخل في عموم الحديث السّابق : « اليمين على من أنكر » . </p><p>الثّاني : لا يمين ، لأنّه صدّقه ، ولا يمين مع التّصديق ، وهو قول الحارث العكليّ . </p><p>الثّالث : وهو الرّواية الأخرى عن مالكٍ ، وهو نصّ أحمد . لا يمين عليه إلاّ أن يتّهم ، لأنّه إذا قامت قرينة تنافي معنى الائتمان فقد اختلّ الائتمان . </p><p>وتفصيل ما عند الحنفيّة في هذه المسألة ، أنّ الاستحلاف لا يكون في الحدود واللّعان ، بأن ادّعت على زوجها أنّه قذفها بما يوجب اللّعان وأنكر الزّوج ذلك ، لأنّ الحدود تندرئ بالشّبهات ، واللّعان في معناها ، فلا يؤخذ فيهما بالنّكول . </p><p>واختلف قولهم فيما عدا ذلك . فقال أبو حنيفة : لا يستحلف المنكر في النّكاح والرّجعة والفيء في الإيلاء والرّقّ والاستيلاد والولاء . وقال أبو يوسف ومحمّد : يستحلف فيها . والفتوى على قولهما . وقيل عند المتأخّرين : ينبغي للقاضي أن ينظر في حال المدّعى عليه ، فإن رآه متعنّتاً يحلّفه أخذاً بقولهما ، وإن رآه مظلوماً لا يحلّفه أخذاً بقول أبي حنيفة . </p><p>ثمّ قد قال صاحب الأشباه : لا يستحلف في إحدى وثلاثين صورةً . </p><p>ونقل هذا صاحب الدّرّ وعدّدها بالتّفصيل ، وأضاف إليها هو وابن عابدين من الصّور ما تمّت به تسعاً وستّين صورةً .</p><p>حكم الإنكار كذباً :</p><p>17 - يجوز للمدّعى عليه الإنكار إن لم يكن للمدّعي عنده حقّ وكان مبطلاً في دعواه . أمّا إن كان المدّعى عليه عالماً بحقّ المدّعي عنده فلا يحلّ له الإنكار . </p><p>واستثنى الحنفيّة مسألتين يجوز فيهما الإنكار ، مع علمه بأنّ المدّعي محقّ : </p><p>الأولى : دعوى العيب القديم ، كما إذا ادّعى المشتري أنّ المال الّذي اشتريته منك فيه كذا ، فللبائع - ولو كان واقفاً على العيب القديم - أن ينكر وجوده حتّى يثبته المشتري ، ويردّه إليه ليتمكّن بدوره أن يردّه على من باعه إيّاه . </p><p>الثّانية : لوصيّ المتوفّى أن ينكر دين الميّت ولو كان عالماً بذلك . </p><p>هذا ما ذكره في درر الحكّام . وفي شرح الأتاسيّ على المجلّة ما يفيد أنّ القاعدة في ذلك أنّه يسوغ له الإنكار إن تحقّقت حاجته إلى البيّنة . قال : وهذا في مسائل منها : استحقّ المبيع في يد المشتري يعذر في الإنكار ، وإن علم صدق المدّعي ، إذ لو أقرّ هو لم يرجع على بائعه باليمين . وعند الشّافعيّة إذا نصب القاضي مسخّراً ( أي ممثّلاً للمدّعى عليه ) ينكر عن البائع جاز للمسخّر الإنكار وإن كان كاذباً . وعلّلوا ذلك بالمصلحة . ولعلّهم يقصدون مصلحة تمكين المدّعي من إقامة البيّنة ، لتكون البيّنة بناءً على إنكار منكرٍ . </p><p>وذكر المالكيّة أنّه يجوز الإنكار في حال الخوف على النّفس أو المال ، وجعلوا ذلك من باب الإكراه . قالوا : إذا استخفى الرّجل عند الرّجل من السّلطان الجائر الّذي يريد دمه أو ماله ، فسأله السّلطان عنه ، فستر عليه ، وجحد أن يكون عنده ، فقال له : احلف أنّه ليس عندك ، فحلف أنّه ليس عندي ، ليدفع عن نفسه ودمه ، أو ما دون ذلك من ماله ، فلا شيء عليه إن كان خائفاً على نفسه . أمّا إن كان آمناً على نفسه ، وإنّما أراد أن يقيه بيمينه فقد أجر فيما فعل ، ولزمه الحنث فيما حلف . قالوا : وكذلك فعل مالك في هذا بعينه . </p><p>أمّا التّخلّص من مثل هذا المأزق بالتّأويل والتّورية فينظر في مصطلح ( تورية )</p><p>جحد من عليه الحقّ كذباً ، إن كان الآخر جاحداً لحقّه :</p><p>18 - ذكر المالكيّة والحنابلة أنّ من عليه الدّين ليس له أن يجحده حتّى في حالة ما لو كان له دين قبل المدّعي ، وكان المدّعي قد جحده ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك » . </p><p>ولأنّ الدّين الّذي على المدّعى عليه إن كان من غير جنس دينه ، كأن يكون دين أحدهما ذهباً ودين الآخر فضّةً ، فإنّ الجحد هنا يكون كبيع الدّين بالدّين ، وهو لا يجوز ولو تراضيا . وإن كان الدّينان من جنسٍ واحدٍ كان ذلك من قبيل المقاصّة ، وهي لا تجوز إلاّ بالتّراضي . إذن ليس له تعيين حقّه بغير صاحبه . </p><p>وأجاز الشّافعيّة للمدين جحد دين من جحد دينه ، إذا كان على الجاحد مثل ما له عليه ، أو أكثر منه ، فتحصل المقاصّة بين الدّينين ، وإن لم توجد شروطها للضّرورة . </p><p>فإن كان له دون ما للآخر جحد من حقّة بقدره . ولم نجد للحنفيّة تعرّضاً لهذه المسألة .</p><p>تعريض القاضي بالإنكار في الحدود :</p><p>19 - للفقهاء في حكم تعريض القاضي بالإنكار للمقرّ بحدٍّ ، ثلاثة أقوالٍ : </p><p>الأوّل : وهو قول الحنفيّة والحنابلة وهو اختيار بعض المالكيّة ، والقول الصّحيح عند الشّافعيّة - كما قال النّوويّ - أنّ من أقرّ لدى الحاكم ابتداءً ، أو بعد دعوى بما يستوجب عقوبةً لحقّ اللّه تعالى ، كالزّنى والسّرقة ، فإنّ للحاكم أن يعرض له بالرّجوع عن الإقرار . وهذا عند الشّافعيّة على سبيل الجواز ، وعند الحنفيّة ، والحنابلة على سبيل الاستحباب . واحتجّوا لذلك بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لماعزٍ لمّا أقرّ بالزّنى : « لعلّك قبّلت ، أو غمزت ، أو نظرت » . وقوله صلى الله عليه وسلم للّذي أقرّ بالسّرقة .« ما أخالك سرقت ». القول الثّاني : وهو للشّافعيّة ، أنّه لا يجوز التّعريض بالإنكار في ذلك أصلاً . </p><p> والقول الثّالث : وهو للشّافعيّة أيضاً ، أنّه يعرض له بالرّجوع إن كان المقرّ لا يعلم أنّ له الرّجوع . فإن كان يعلم ذلك لا يعرض له . </p><p>أمّا التّصريح بالرّجوع عن الإقرار بالحدّ ، وتلقين المقرّ ذلك ، فقد صرّح الشّافعيّة بعدم جوازه . قالوا : لا يقول له : " ارجع عن إقرارك " وأجازه الحنفيّة والحنابلة ، فقالوا : لا بأس بتلقينه الرّجوع . وهذا يفهم منه جواز التّصريح . ويؤيّده احتجاج صاحب المغني من الحنابلة بما رواه سعيد بن منصورٍ عن أبي الدّرداء أنّه أتي بجاريةٍ سوداء قد سرقت ، فقال لها : " أسرقت ؟ قولي : لا " فقالت : لا . فخلّى سبيلها .</p><p>الضّمان بعد إنكار الحقّ :</p><p>20 - إذا أنكر المودع الوديعة بعد طلب ربّها لها ، دخلت في ضمانه ، فإن تلفت بعد إنكاره ، كأن كانت دابّةً فماتت ، أو داراً فانهدمت ، يتقرّر عليه ضمانها ، ويضمنها بقيمتها ، لأنّه بإنكاره لها يكون غاصباً ، ولأنّ العقد ينفسخ بطلب المالك الوديعة وإنكار المودع لها ، لأنّه بإنكاره عزل نفسه عن الحفظ الّذي هو مقتضى العقد ، فيبقى مال الغير بيده بغير إذنه ، فيكون مضموناً ، فإذا هلك ضمنه . </p><p>ولو أنّ المودع عاد بعد إنكاره ، فأقرّ الوديعة ، لم يزل عنه الضّمان . </p><p>وقال بعض الحنفيّة : لا يضمن المودع الوديعة بالإنكار ، إلاّ إن نقلها من مكانها الّذي كانت فيه وقت الإنكار ، إن كانت ممّا ينقل ، وإن لم ينقلها من ذلك المكان بعد الجحود ، فهلكت ، لا يضمن . أمّا إن ردّ الوديعة إلى صاحبها بعد الإنكار وقبل تلفها فيزول الضّمان ، فلو أودعه إيّاها مرّةً ثانيةً فتلفت فإنّه لا يضمن .</p><p>قطع منكر العاريّة : </p><p>مذهب الحنفيّة والشّافعيّة ، وهو رواية عن أحمد : أنّه لا قطع على منكر الوديعة أو العاريّة أو الأمانة ، وكذلك مذهب المالكيّة ، كما يفهم من كلامهم ، وذلك لعدم الأخذ من حرزٍ . </p><p>قالوا : ولحديث : « ليس على خائنٍ ، ولا منتهبٍ ، ولا مختلسٍ ، قطع » . </p><p>والخائن هو جاحد الوديعة ونحوها . </p><p>والرّواية الأخرى عند الحنابلة ، وهي المذهب ، عدم وجوب القطع عليهم ، إلاّ جاحد العاريّة خاصّةً يجب قطعه باعتبار أنّه سارق ، لما ورد « أنّ امرأةً كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقطع يدها » . قال أحمد : لا أعلم شيئاً يدفعه . وقال الجمهور : في حديث المخزوميّة هذا ، إنّ أكثر رواياته أنّها " سرقت " فيؤخذ بها . </p><p>ويحتمل أنّها كانت تستعير وتجحد ، وكانت تسرق فقطعت لسرقتها لا لجحودها .</p><p>ويرجع في تفصيل هذه المسألة والخلاف فيها إلى مصطلح : ( سرقة ) .</p><p>الإنكار بعد الإقرار :</p><p>21 - من أقرّ بحقٍّ ثمّ رجع عن إقراره ، فإمّا أن يكون إقراره في الحدود الّتي لحقّ اللّه ، أو في غير ذلك :</p><p>أ - الإنكار بعد الإقرار بما هو حقّ للّه :</p><p>22 - لو أقرّ رجل بالزّنى أو نحوه ممّا فيه حقّ اللّه ، ثمّ أنكره أو رجع عنه ، فللفقهاء في ذلك اتّجاهات ثلاثة : </p><p>الأوّل : وهو قول الحنفيّة والحنابلة ، والقول المقدّم عند كلٍّ من المالكيّة والشّافعيّة : لا يلزمه حكم إقراره ، بل إذا رجع وأنكر السّبب أو أكذب نفسه ، أو أنكر إقراره به ، أو أكذب الشّهود - أي شهود الإقرار - سقط الحدّ ، فلم يقم عليه . ولو كان رجوعه أثناء إقامة الحدّ سقط باقيه . قال المرغينانيّ : لأنّ الرّجوع خبر محتمل للصّدق ، كالإقرار ، وليس أحد يكذّبه فيه ، فتتحقّق الشّبهة في الإقرار ، بخلاف ما فيه حقّ العبد وهو القصاص وحدّ القذف ، لوجود من يكذّبه ، وليس كذلك ما هو حقّ خالص للشّرع . </p><p>ومثل حدّ الزّنى في ذلك حدّ السّرقة وشرب الخمر . </p><p>الثّاني : أنّ الحدّ إذا ثبت بالإقرار لم يسقط بإنكاره أو الرّجوع عنه . </p><p>وهذا قول للشّافعيّة في السّرقة خاصّةً . </p><p>الثّالث : وهو قول للمالكيّة قاله أشهب ، وروي عن مالكٍ ، أنّ الرّجوع لا يقبل إلاّ بأمرٍ يعذر به المقرّ - لا مطلقاً - ومثال ما يعذر به المقرّ أن يقول وطئت زوجتي أو أمتي وهي حائض ، فظننت أنّه زنًى .</p><p>ب - الإنكار بعد الإقرار فيما هو حقّ للعباد :</p><p>23 - قال ابن قدامة : حقوق الآدميّين وحقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات كالزّكاة والكفّارات لا يقبل رجوعه عن إقراره بها . لا نعلم في هذا خلافاً . حتّى أنّه لو أقرّ بالسّرقة ، ثمّ رجع عنها ثبت المال ، لأنّه حقّ العبد ، وسقط القطع ، لأنّه حقّ اللّه . </p><p>غير أنّ الشّبهة الّتي عرضت من احتمال أن يكون صادقاً في رجوعه عن إقراره ، دعت بعض الفقهاء أن يقولوا إنّ القاضي ، إن رجع المقرّ في إقرارٍ ، لا يقضي عليه إلاّ بعد استحلاف خصمه أنّ الإقرار لم يكن باطلاً . </p><p>قال ابن قدامة : لو أقرّ أنّه وهب وأقبض الهبة ، أو أنّه قبض المبيع ، أو آجر المستأجر ، ثمّ أنكر ذلك وسأل إحلاف خصمه ، فإنّه لا يستحلف على روايةٍ عن أحمد ، وهو قول أبي حنيفة ومحمّدٍ ، لأنّ دعواه تكذيب لإقراره ، ولأنّ الإقرار أقوى من البيّنة ، ولو شهدت البيّنة فقال : حلّفوه لي مع بيّنته لم يستحلف . فكذلك هنا . قال : وفي الرّواية الثّانية يستحلف وهو قول الشّافعيّ وأبي يوسف ، وعليه الفتوى عند الحنفيّة ، لأنّ العادة جارية بالإقرار قبل القبض ، فيحتمل صحّة ما قاله ، فينبغي أن يستحلف خصمه لنفي الاحتمال .</p><p>أثر جحود العقود في انفساخها :</p><p>24 - إذا جحد أحد المتبايعين البيع أو غيره من العقود اللّازمة - غير النّكاح - لم يترتّب على إنكاره له انفساخ العقد ، وكان للآخر التّمسّك بالعقد ، وله بعد الإثبات المطالبة بتنفيذه . لكن إن رضي هذا الآخر بالفسخ قولاً ، أو بتركه الخصومة مع فعلٍ يدلّ على الرّضى بالفسخ ، كنقله المبيع إلى منزله ، ينفسخ العقد . فلو قال المالك : اشتريت منّي هذه الدّابّة ، وأنكر الآخر الشّراء ، فرضي البائع ، انفسخ البيع ، وكان له أن يركب الدّابّة ، ولو أنّ المشتري ادّعى الشّراء بعد رضى البائع بالفسخ لا يقبل ، لانفساخ العقد . </p><p>أمّا النّكاح فلو جحد الرّجل أنّه تزوّج المرأة ، ثمّ ادّعى الزّواج وبرهن ، يقبل منه برهانه عند الحنفيّة ، لأنّ النّكاح لا يحتمل الفسخ بسائر الأسباب فكذا بهذا السّبب . ويوافق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة الحنفيّة على أنّ إنكار الزّوج النّكاح لا يكون فسخاً . </p><p>وليس هو أيضاً طلاقاً عند الحنفيّة ، والشّافعيّة والحنابلة ولو نواه ، لأنّ الجحود هنا لعقد النّكاح ، لا لكونها امرأته . بخلاف ما لو قال : ليست هي امرأتي ، فإنّه إن نوى الطّلاق وقع طلاقاً . وعند المالكيّة : لو نوى الطّلاق بجحد النّكاح يكون طلاقاً ، كأنّهم جعلوه من كنايات الطّلاق .</p><p>أثر إنكار الرّدّة في حصول التّوبة منها :</p><p>25 - إذا ثبتت ردّة إنسانٍ بالبيّنة ، فأنكر أن يكون ارتدّ ، فللفقهاء في اعتبار ذلك الإنكار منه توبة قولان : </p><p>الأوّل : وهو قول الحنفيّة : أنّ من شهدت عليه البيّنة بالرّدّة ، وهو ينكرها ، وهو مقرّ بالتّوحيد وبمعرفة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبدين الإسلام ، فلا يتعرّض له ، لا لتكذيب الشّهود ، بل لأنّ إنكاره توبة ورجوع ، فيمتنع القتل فقط ، وتثبت بقيّة أحكام الرّدّة ، كحبوط عملٍ وبطلان وقفٍ ... إلخ . </p><p>الثّاني : وهو قول الشّافعيّة والحنابلة : يحكم بردّته ، ويلزمه أن يأتي بما يصير به الكافر مسلماً ، فإن لم يفعل استتيب ، فإن تاب وإلاّ قتل . </p><p>ولم يتعرّض المالكيّة لهذه المسألة فيما اطّلعنا عليه من كلامهم . هذا وقد نصّ الحنابلة على أنّه إن كان ثبوت ردّته بالإقرار . فإنّ إنكاره يكون توبةً ، ولا يتعرّض له ، كما في سائر الحدود . ولم نجد لغير الحنابلة نصّاً في ذلك ، والظّاهر أنّه موضع اتّفاقٍ .</p><p>الصّلح مع الإنكار :</p><p>26 - الصّلح عقد يتوصّل به إلى الإصلاح بين المتخاصمين . </p><p>والصّلح في الأموال نوعان : صلح مع الإنكار ، وصلح مع الإقرار . </p><p>والصّلح مع الإنكار عندما يكون المدّعى عليه يرى أنّه لا حقّ عليه ، فيدفع إلى المدّعي شيئاً افتداءً ليمينه وقطعاً للخصومة ، وصيانةً لنفسه عن التّبذّل بالمخاصمة في مجالس القضاء . وقد اختلف الفقهاء في صحّة مثل هذا الصّلح ، فأجازه الجمهور ، منهم أبو حنيفة ومالك وأحمد ، ومنعه الشّافعيّ . وأمّا متى كان المدّعى عليه مقرّاً بالحقّ فصالح عنه ببعضه ، فهو المسمّى بالصّلح مع الإقرار . وينظر تفصيل القول في نوعي الصّلح تحت عنوان ( صلح ) .</p><p>إنكار شيءٍ من أمور الدّين :</p><p>27 - لا يجوز للمسلم أن ينكر شيئاً من دين الإسلام . ولكن من أنكر شيئاً من أمور الدّين لا يحكم بكفره ، إلاّ إن كان ما أنكره أمراً مجمعاً عليه قد علم قطعاً مجيء النّبيّ صلى الله عليه وسلم به . كوجوب الصّلاة والزّكاة ، ولم يكن ذلك المنكر جاهلاً بالحكم ولا مكرهاً ، وهذا قول جمهور الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة . </p><p>واشترط بعض الحنفيّة وبعض المالكيّة وبعض الشّافعيّة أن يكون المجحود قد علم مجيء النّبيّ صلى الله عليه وسلم به بالضّرورة ، أي علماً ضروريّاً لا يتوقّف على نظرٍ واستدلالٍ . أو كما عبّر البعض : يعرفه كلّ المسلمين . </p><p>قال ابن الهمام في المسايرة : وأمّا ما أجمع عليه ، ولم يبلغ حدّ الضّرورة ، كاستحقاق بنت الابن السّدس مع البنت بإجماع المسلمين ، فظاهر كلام جمهور الحنفيّة الإكفار بجحده ، فإنّهم لم يشرطوا سوى القطع في الثّبوت . وأمّا عند من شرط كونه معلوماً بالضّرورة فلا يكفر عنده من جحد مثل هذا الحكم . </p><p>ونقل ابن عابدين عن بعض الحنفيّة أنّ المسائل الإجماعيّة تارةً يصحبها التّواتر عن صاحب الشّرع ، وتارةً لا يصحبها . فالأوّل يكفر جاحده لمخالفته التّواتر لا لمخالفته الإجماع . ونقل ابن حجرٍ الهيتميّ مثل ذلك عن بعض الشّافعيّة . وقريب من قول من اشترط في المجحود أن يكون معلوماً من الدّين بالضّرورة قول الحنابلة ، فإنّهم اشترطوا لما يكفر بإنكاره أن يكون ظاهراً بين المسلمين لا شبهة فيه ، وعبارة شرح المنتهى : من جحد حكماً ظاهراً بين المسلمين - بخلاف ( نحو ) فرض السّدس لبنت الابن مع بنت الصّلب ، وكان ذلك الحكم مجمعاً عليه إجماعاً قطعيّاً لا سكوتيّاً ، لأنّ فيه - أي الإجماع السّكوتيّ - شبهةً ، كجحد تحريم الزّنى ، أو جحد تحريم لحم الخنزير ، أو مذكّاة بهيمة الأنعام والدّجاج ، ومثله لا يجهله لكونه نشأ بين المسلمين ، أو كان مثله يجهله وعرف حكمه ، وأصرّ على الجحد ، كفر . وينظر التّفصيل في هذه المسألة تحت عنوان ( ردّة ) .</p><p>ثانياً :</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41045, member: 329"] الأحكام الشّرعيّة المتعلّقة بالإنكار في الدّعوى . 7- يجب على المدّعي لإثبات حقّه أن يأتي ببيّنةٍ تثبت دعواه ، فإن لم تكن له بيّنة فإنّ المدّعى عليه يلزمه الجواب عمّا ادّعى عليه به ، فإمّا أن يقرّ ، وإمّا أن ينكر . فإن أقرّ لزمه الحقّ ، وإن أنكر فعلى المدّعي البيّنة ، فإن أقام البيّنة قضى له ، وإن لم يقمها وطلب اليمين من المدّعى عليه حلّفه الحاكم ، فإن حلف برئ من المدّعي ، وإن نكل حكم عليه . وقيل : تردّ اليمين على المدّعي . هذا طريق الحكم إجمالاً ، لقول النّبيّ : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » وفي ذلك تفصيلات تنظر في ( إثباتٍ ، ودعوى ، حلفٍ ، إقرارٍ ، نكولٍ ) . ما به يتحقّق الإنكار : أوّلاً : النّطق : 8 - يتحقّق الإنكار بالنّطق . ويشترط في النّطق أن يكون صريحاً بحيث لا يحتمل إلاّ الإنكار ، كأن يقول لم تسلّفني ما تدّعيه . وهناك ألفاظ اختلف العلماء في كونها صريحةً أو غير صريحةٍ ، كأن يقول : لا حقّ له عندي . فإنّه لا يكون إنكاراً ، وهذا هو القول المقدّم عند المالكيّة ، وهو قول ابن القاسم ، ومذهب الحنفيّة . والقول الآخر عند المالكيّة ، وهو قول للشّافعيّة ، وقول الحنابلة أن يكون إنكاراً ، لأنّ نفي المطلق يشمل نفي المقيّد ، فقوله ليس له عليّ حقّ نفي مطلق لحقّ المدّعي ، أيّاً كان سببه ، فيعتبر جواباً كافياً وإنكاراً موجباً للحلف بشروطه . ثانياً : الامتناع من الإقرار والإنكار : 9 - لو قال المدّعى عليه : لا أقرّ ولا أنكر ، فقد اختلفت أقوال الفقهاء في حكم امتناعه هذا . فقال صاحبا أبي حنيفة رحمهم الله : هو إنكار ، فيستحلف بعده . وعند الحنابلة - وهو قول للمالكيّة - إنّ قوله لا أقرّ ولا أنكر بمنزلة النّكول ، فيقضي بلا استحلافٍ ، كما يقضي على النّاكل عن اليمين ، وذلك بعد أن يعلمه القاضي أنّه إن لم يقرّ ولم ينكر حكم عليه . وقال أبو حنيفة ، وهو قول المالكيّة المقدّم عندهم : إن قال لا أقرّ ولا أنكر لا يستحلف ، لأنّه لم يظهر الإنكار ، ويحبس حتّى يقرّ وينكر . وفي مذهب المالكيّة التّصريح بأنّ القاضي يؤدّبه حتّى يقرّ أو ينكر ، فإن استمرّ على امتناعه حكم عليه بغير يمينٍ . ونقل الكاسانيّ عن بعض الحنفيّة أنّ قوله لا أقرّ ولا أنكر إقرار . ولم نر للشّافعيّة نصّاً في هذه المسألة . ثالثاً : السّكوت : 10 - من ادّعى عليه أمام القضاء فسكت ، ففي اعتبار سكوته إنكاراً أقوال : الأوّل : إنّ سكوته إنكار ، وهذا قول أبي يوسف من الحنفيّة ، وعليه الفتوى عندهم ، لأنّ الفتوى على قوله فيما يتعلّق بالقضاء ، وهو مذهب الشّافعيّة . قال صاحب البدائع : لأنّ الدّعوى أوجبت الجواب عليه ، والجواب إمّا إقرار وإمّا إنكار ، فلا بدّ من حمل السّكوت على أحدهما ، والحمل على الإنكار أولى ، لأنّ العاقل المتديّن لا يسكت عن إظهار الحقّ المستحقّ لغيره مع القدرة عليه ، فكان حمل السّكوت على الإنكار أولى ، فكان السّكوت إنكاراً دلالةً . وهذا إن كان سكوته لغير عذرٍ ، فإن كان لعذرٍ كما لو كان في لسانه آفة تمنعه عن التّكلّم ، أو في سمعه ما يمنعه من سماع الكلام ، فلا يعدّ سكوته إنكاراً . وذكر الشّافعيّة من الأعذار أيضاً أن يسكت لدهشةٍ أو غباوةٍ . أمّا الأخرس فقالوا : إنّ تركه الإشارة بمنزله السّكوت . فعلى هذا القول يطلب القاضي من المدّعي البيّنة ، على ما صرّح به في درر الحكّام . 11 - القول الثّاني مذهب المالكيّة والحنابلة ، وهو ثاني قولين للشّافعيّة : أنّ سكوت المدّعى عليه بمنزلة النّكول ، فيحكم عليه القاضي بالسّكوت كما يحكم على المنكر النّاكل عن اليمين ، بعد أن يعلمه القاضي بحكم سكوته ، فيقول له : إن أجبت عن دعواه وإلاّ جعلتك ناكلاً وقضيت عليك ، وهذا هو المذهب عند الحنابلة . على أنّه لا يحكم عليه إلاّ بعد ردّ اليمين على المدّعي عند الشّافعيّة والحنابلة . 12 - القول الثّالث : وهو قول للحنابلة أيضاً : يحبسه القاضي حتّى يجيب عن الدّعوى . غيبة المدّعى عليه بعد إنكاره : 13 - إذا حضر المدّعى عليه بين يدي القاضي ، فأنكر ما ادّعى عليه به ، ثمّ غاب قبل إقامة البيّنة عليه ، لم يجز الحكم عليه عند أبي حنيفة . وكذا إذا سمعت البيّنة عليه ثمّ غاب قبل القضاء ، لأنّ الشّرط قيام الإنكار وقت القضاء . وخالفه أبو يوسف رحمه الله ، فقال بصحّة القضاء في هذه الحال ، لأنّ الشّرط عنده الإصرار على الإنكار إلى وقت القضاء ، والإصرار ثابت بعد غيبته بالاستصحاب . وكذلك الحكم عند الشّافعيّة القائلين بجواز القضاء على الغائب أصلاً . وقال الحنابلة : يقضى على الغائب في الحقوق كلّها والمعاملات والمداينات والوكالات وسائر الحقوق إلاّ العقار وحده ، فإنّه لا يحكم عليه فيه إلاّ أن تطول غيبته ويضرّ ذلك بخصمه . حكم المنكر : 14 - إذا ادّعي على إنسانٍ بشيءٍ فأنكر ، فإنّ البيّنة تطلب من خصمه ، فإن أقامها حكم له ، وإن لم يتمكّن من إقامتها فإنّ القاضي يستحلف المنكر إذا طلب خصمه تحليفه ، فإن حلف حكم ببراءته من المدّعي ، وإن نكل قضى عليه عند الحنفيّة والحنابلة ، أمّا عند المالكيّة والشّافعيّة فلا يقضي عليه حتّى يردّ اليمن على طالب الحقّ ، فإن حلف الطّالب حينئذٍ قضى له . ودليل استحلاف المنكر حديث : « البيّنة على المدّعي واليمين على من أنكر » السّابق ، وحديث وائل بن حجرٍ ، وفيه « أنّ رجلاً من حضرموت ، ورجلاً من كندة أتيا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال الحضرميّ : إنّ هذا غلبني على أرضٍ لي ورثتها عن أبي . وقال الكنديّ : أرضي وفي يدي لا حقّ له فيها . فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : شاهداك أو يمينه . قال : إنّه لا يتورّع عن شيءٍ . قال : ليس لك إلاّ ذلك » . شرط استحلاف المنكر : 15 - انفرد المالكيّة عن بقيّة المذاهب باشتراط شرطين لاستحلاف المنكر ، وعليه فقهاء المدينة السّبعة على ما ذكره ابن حجرٍ الهيتميّ في شرح الأربعين : أ - أن يكون بين المتخاصمين مخالطة بدينٍ أو تكرّر بيعٍ ولو مرّةً ، فإن لم يكن بينهما مخالطة ، وأنكر ، ولم تكن بيّنة ، لم يثبت على المنكر شيء ، ولم يطالب بيمينٍ . والمخالطة عندهم في كلّ معاملةٍ بحسبها . واستثنوا مواضع تجب فيها اليمين بدون خلطةٍ : منها : أهل الظّلم ، والضّيف ، والمتّهم ، والمريض ، والصّنّاع فيما ادّعي عليهم استصناعه ، وأرباب الأسواق والحوانيت فيما ادّعي عليهم بيعه ، والرّفقاء في السّفر يدّعي بعضهم على بعضٍ ، الوديعة إذا ادّعيت على أهلها ، والمزايدة إذا ادّعي على من حضرها أنّه اشترى المعروض للبيع . ب - أن يكون المدّعى عليه في دعوى التّعدّي والغصب ونحوهما معروفاً بمثل ما ادّعي عليه به ، فإن لم يكن متّهماً بمثله لم يستحلف . وتفصيل ذلك في : دعوى ، وقضاءٍ ، ويمينٍ . المواضع الّتي يستحلف فيها المنكر والّتي لا يستحلف فيها : 16- إنّه وإن كانت القاعدة أنّ « اليمين على من أنكر » إلاّ أنّ بعض الأمور لا استحلاف فيها ، لأنّ الحقوق نوعان : الأوّل : حقوق اللّه تعالى ، كالعبادات والكفّارات والحدود : فيرى أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ واللّيث ، أنّ المنكر يستحلف فيها إذا اتّهم . وقد حكي عن الشّافعيّ فيمن تزوّج من لا تحلّ له ، ثمّ ادّعى الجهل . أنّه يحلف على دعواه . وكذا قال إسحاق في طلاق السّكران : يحلف أنّه ما كان يعقل ، وفي طلاق النّاسي : يحلف على نسيانه . وقال الحنابلة : لا استحلاف في حقوق اللّه تعالى أصلاً . نصّ عليه أحمد في الزّكاة ، وبه قال طاووس والثّوريّ . الثّاني : حقوق العباد . أجمع الفقهاء على الاستحلاف في الأموال ، واختلفوا في غيرها : فقال الشّافعيّ وأحمد في إحدى الرّوايات عنه : يستحلف في جميع حقوق الآدميّين . وقال مالك : لا يستحلف إلاّ في كلّ دعوى لا تحتاج إلى شاهدين . وعن أحمد : لا يستحلف إلاّ فيما يصحّ بذله . وفي روايةٍ ثالثةٍ : لا يستحلف إلاّ فيما يقضى فيه بالنّكول . ومثّل له ابن القيّم بمن ادّعى ديناً على ميّتٍ ، وللميّت وصيّ بقضاء دينه وتنفيذ وصاياه ، فأنكر . فإن كان للمدّعي بيّنة حكم بها ، وإن لم تكن له بيّنة ، وأراد تحليف الوصيّ على نفي العلم ، لم يكن له ذلك ، لأنّ مقصود التّحليف أن يقضى عليه بالنّكول ، والوصيّ لا يقبل إقراره بالدّين ، ولو نكل لم يقض عليه ، فلا فائدة في تحليفه . وهذا الخلاف المتقدّم في حقوق الآدميّين هو في غير المؤتمن . أمّا المؤتمن ففيه للعلماء ثلاثة أقوالٍ : الأوّل : وهو قول أبي حنيفة ومالكٍ في روايةٍ عنه ، والشّافعيّ وأكثر الحنابلة ، عليه اليمين ، لأنّه منكر فيدخل في عموم الحديث السّابق : « اليمين على من أنكر » . الثّاني : لا يمين ، لأنّه صدّقه ، ولا يمين مع التّصديق ، وهو قول الحارث العكليّ . الثّالث : وهو الرّواية الأخرى عن مالكٍ ، وهو نصّ أحمد . لا يمين عليه إلاّ أن يتّهم ، لأنّه إذا قامت قرينة تنافي معنى الائتمان فقد اختلّ الائتمان . وتفصيل ما عند الحنفيّة في هذه المسألة ، أنّ الاستحلاف لا يكون في الحدود واللّعان ، بأن ادّعت على زوجها أنّه قذفها بما يوجب اللّعان وأنكر الزّوج ذلك ، لأنّ الحدود تندرئ بالشّبهات ، واللّعان في معناها ، فلا يؤخذ فيهما بالنّكول . واختلف قولهم فيما عدا ذلك . فقال أبو حنيفة : لا يستحلف المنكر في النّكاح والرّجعة والفيء في الإيلاء والرّقّ والاستيلاد والولاء . وقال أبو يوسف ومحمّد : يستحلف فيها . والفتوى على قولهما . وقيل عند المتأخّرين : ينبغي للقاضي أن ينظر في حال المدّعى عليه ، فإن رآه متعنّتاً يحلّفه أخذاً بقولهما ، وإن رآه مظلوماً لا يحلّفه أخذاً بقول أبي حنيفة . ثمّ قد قال صاحب الأشباه : لا يستحلف في إحدى وثلاثين صورةً . ونقل هذا صاحب الدّرّ وعدّدها بالتّفصيل ، وأضاف إليها هو وابن عابدين من الصّور ما تمّت به تسعاً وستّين صورةً . حكم الإنكار كذباً : 17 - يجوز للمدّعى عليه الإنكار إن لم يكن للمدّعي عنده حقّ وكان مبطلاً في دعواه . أمّا إن كان المدّعى عليه عالماً بحقّ المدّعي عنده فلا يحلّ له الإنكار . واستثنى الحنفيّة مسألتين يجوز فيهما الإنكار ، مع علمه بأنّ المدّعي محقّ : الأولى : دعوى العيب القديم ، كما إذا ادّعى المشتري أنّ المال الّذي اشتريته منك فيه كذا ، فللبائع - ولو كان واقفاً على العيب القديم - أن ينكر وجوده حتّى يثبته المشتري ، ويردّه إليه ليتمكّن بدوره أن يردّه على من باعه إيّاه . الثّانية : لوصيّ المتوفّى أن ينكر دين الميّت ولو كان عالماً بذلك . هذا ما ذكره في درر الحكّام . وفي شرح الأتاسيّ على المجلّة ما يفيد أنّ القاعدة في ذلك أنّه يسوغ له الإنكار إن تحقّقت حاجته إلى البيّنة . قال : وهذا في مسائل منها : استحقّ المبيع في يد المشتري يعذر في الإنكار ، وإن علم صدق المدّعي ، إذ لو أقرّ هو لم يرجع على بائعه باليمين . وعند الشّافعيّة إذا نصب القاضي مسخّراً ( أي ممثّلاً للمدّعى عليه ) ينكر عن البائع جاز للمسخّر الإنكار وإن كان كاذباً . وعلّلوا ذلك بالمصلحة . ولعلّهم يقصدون مصلحة تمكين المدّعي من إقامة البيّنة ، لتكون البيّنة بناءً على إنكار منكرٍ . وذكر المالكيّة أنّه يجوز الإنكار في حال الخوف على النّفس أو المال ، وجعلوا ذلك من باب الإكراه . قالوا : إذا استخفى الرّجل عند الرّجل من السّلطان الجائر الّذي يريد دمه أو ماله ، فسأله السّلطان عنه ، فستر عليه ، وجحد أن يكون عنده ، فقال له : احلف أنّه ليس عندك ، فحلف أنّه ليس عندي ، ليدفع عن نفسه ودمه ، أو ما دون ذلك من ماله ، فلا شيء عليه إن كان خائفاً على نفسه . أمّا إن كان آمناً على نفسه ، وإنّما أراد أن يقيه بيمينه فقد أجر فيما فعل ، ولزمه الحنث فيما حلف . قالوا : وكذلك فعل مالك في هذا بعينه . أمّا التّخلّص من مثل هذا المأزق بالتّأويل والتّورية فينظر في مصطلح ( تورية ) جحد من عليه الحقّ كذباً ، إن كان الآخر جاحداً لحقّه : 18 - ذكر المالكيّة والحنابلة أنّ من عليه الدّين ليس له أن يجحده حتّى في حالة ما لو كان له دين قبل المدّعي ، وكان المدّعي قد جحده ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك » . ولأنّ الدّين الّذي على المدّعى عليه إن كان من غير جنس دينه ، كأن يكون دين أحدهما ذهباً ودين الآخر فضّةً ، فإنّ الجحد هنا يكون كبيع الدّين بالدّين ، وهو لا يجوز ولو تراضيا . وإن كان الدّينان من جنسٍ واحدٍ كان ذلك من قبيل المقاصّة ، وهي لا تجوز إلاّ بالتّراضي . إذن ليس له تعيين حقّه بغير صاحبه . وأجاز الشّافعيّة للمدين جحد دين من جحد دينه ، إذا كان على الجاحد مثل ما له عليه ، أو أكثر منه ، فتحصل المقاصّة بين الدّينين ، وإن لم توجد شروطها للضّرورة . فإن كان له دون ما للآخر جحد من حقّة بقدره . ولم نجد للحنفيّة تعرّضاً لهذه المسألة . تعريض القاضي بالإنكار في الحدود : 19 - للفقهاء في حكم تعريض القاضي بالإنكار للمقرّ بحدٍّ ، ثلاثة أقوالٍ : الأوّل : وهو قول الحنفيّة والحنابلة وهو اختيار بعض المالكيّة ، والقول الصّحيح عند الشّافعيّة - كما قال النّوويّ - أنّ من أقرّ لدى الحاكم ابتداءً ، أو بعد دعوى بما يستوجب عقوبةً لحقّ اللّه تعالى ، كالزّنى والسّرقة ، فإنّ للحاكم أن يعرض له بالرّجوع عن الإقرار . وهذا عند الشّافعيّة على سبيل الجواز ، وعند الحنفيّة ، والحنابلة على سبيل الاستحباب . واحتجّوا لذلك بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لماعزٍ لمّا أقرّ بالزّنى : « لعلّك قبّلت ، أو غمزت ، أو نظرت » . وقوله صلى الله عليه وسلم للّذي أقرّ بالسّرقة .« ما أخالك سرقت ». القول الثّاني : وهو للشّافعيّة ، أنّه لا يجوز التّعريض بالإنكار في ذلك أصلاً . والقول الثّالث : وهو للشّافعيّة أيضاً ، أنّه يعرض له بالرّجوع إن كان المقرّ لا يعلم أنّ له الرّجوع . فإن كان يعلم ذلك لا يعرض له . أمّا التّصريح بالرّجوع عن الإقرار بالحدّ ، وتلقين المقرّ ذلك ، فقد صرّح الشّافعيّة بعدم جوازه . قالوا : لا يقول له : " ارجع عن إقرارك " وأجازه الحنفيّة والحنابلة ، فقالوا : لا بأس بتلقينه الرّجوع . وهذا يفهم منه جواز التّصريح . ويؤيّده احتجاج صاحب المغني من الحنابلة بما رواه سعيد بن منصورٍ عن أبي الدّرداء أنّه أتي بجاريةٍ سوداء قد سرقت ، فقال لها : " أسرقت ؟ قولي : لا " فقالت : لا . فخلّى سبيلها . الضّمان بعد إنكار الحقّ : 20 - إذا أنكر المودع الوديعة بعد طلب ربّها لها ، دخلت في ضمانه ، فإن تلفت بعد إنكاره ، كأن كانت دابّةً فماتت ، أو داراً فانهدمت ، يتقرّر عليه ضمانها ، ويضمنها بقيمتها ، لأنّه بإنكاره لها يكون غاصباً ، ولأنّ العقد ينفسخ بطلب المالك الوديعة وإنكار المودع لها ، لأنّه بإنكاره عزل نفسه عن الحفظ الّذي هو مقتضى العقد ، فيبقى مال الغير بيده بغير إذنه ، فيكون مضموناً ، فإذا هلك ضمنه . ولو أنّ المودع عاد بعد إنكاره ، فأقرّ الوديعة ، لم يزل عنه الضّمان . وقال بعض الحنفيّة : لا يضمن المودع الوديعة بالإنكار ، إلاّ إن نقلها من مكانها الّذي كانت فيه وقت الإنكار ، إن كانت ممّا ينقل ، وإن لم ينقلها من ذلك المكان بعد الجحود ، فهلكت ، لا يضمن . أمّا إن ردّ الوديعة إلى صاحبها بعد الإنكار وقبل تلفها فيزول الضّمان ، فلو أودعه إيّاها مرّةً ثانيةً فتلفت فإنّه لا يضمن . قطع منكر العاريّة : مذهب الحنفيّة والشّافعيّة ، وهو رواية عن أحمد : أنّه لا قطع على منكر الوديعة أو العاريّة أو الأمانة ، وكذلك مذهب المالكيّة ، كما يفهم من كلامهم ، وذلك لعدم الأخذ من حرزٍ . قالوا : ولحديث : « ليس على خائنٍ ، ولا منتهبٍ ، ولا مختلسٍ ، قطع » . والخائن هو جاحد الوديعة ونحوها . والرّواية الأخرى عند الحنابلة ، وهي المذهب ، عدم وجوب القطع عليهم ، إلاّ جاحد العاريّة خاصّةً يجب قطعه باعتبار أنّه سارق ، لما ورد « أنّ امرأةً كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بقطع يدها » . قال أحمد : لا أعلم شيئاً يدفعه . وقال الجمهور : في حديث المخزوميّة هذا ، إنّ أكثر رواياته أنّها " سرقت " فيؤخذ بها . ويحتمل أنّها كانت تستعير وتجحد ، وكانت تسرق فقطعت لسرقتها لا لجحودها . ويرجع في تفصيل هذه المسألة والخلاف فيها إلى مصطلح : ( سرقة ) . الإنكار بعد الإقرار : 21 - من أقرّ بحقٍّ ثمّ رجع عن إقراره ، فإمّا أن يكون إقراره في الحدود الّتي لحقّ اللّه ، أو في غير ذلك : أ - الإنكار بعد الإقرار بما هو حقّ للّه : 22 - لو أقرّ رجل بالزّنى أو نحوه ممّا فيه حقّ اللّه ، ثمّ أنكره أو رجع عنه ، فللفقهاء في ذلك اتّجاهات ثلاثة : الأوّل : وهو قول الحنفيّة والحنابلة ، والقول المقدّم عند كلٍّ من المالكيّة والشّافعيّة : لا يلزمه حكم إقراره ، بل إذا رجع وأنكر السّبب أو أكذب نفسه ، أو أنكر إقراره به ، أو أكذب الشّهود - أي شهود الإقرار - سقط الحدّ ، فلم يقم عليه . ولو كان رجوعه أثناء إقامة الحدّ سقط باقيه . قال المرغينانيّ : لأنّ الرّجوع خبر محتمل للصّدق ، كالإقرار ، وليس أحد يكذّبه فيه ، فتتحقّق الشّبهة في الإقرار ، بخلاف ما فيه حقّ العبد وهو القصاص وحدّ القذف ، لوجود من يكذّبه ، وليس كذلك ما هو حقّ خالص للشّرع . ومثل حدّ الزّنى في ذلك حدّ السّرقة وشرب الخمر . الثّاني : أنّ الحدّ إذا ثبت بالإقرار لم يسقط بإنكاره أو الرّجوع عنه . وهذا قول للشّافعيّة في السّرقة خاصّةً . الثّالث : وهو قول للمالكيّة قاله أشهب ، وروي عن مالكٍ ، أنّ الرّجوع لا يقبل إلاّ بأمرٍ يعذر به المقرّ - لا مطلقاً - ومثال ما يعذر به المقرّ أن يقول وطئت زوجتي أو أمتي وهي حائض ، فظننت أنّه زنًى . ب - الإنكار بعد الإقرار فيما هو حقّ للعباد : 23 - قال ابن قدامة : حقوق الآدميّين وحقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات كالزّكاة والكفّارات لا يقبل رجوعه عن إقراره بها . لا نعلم في هذا خلافاً . حتّى أنّه لو أقرّ بالسّرقة ، ثمّ رجع عنها ثبت المال ، لأنّه حقّ العبد ، وسقط القطع ، لأنّه حقّ اللّه . غير أنّ الشّبهة الّتي عرضت من احتمال أن يكون صادقاً في رجوعه عن إقراره ، دعت بعض الفقهاء أن يقولوا إنّ القاضي ، إن رجع المقرّ في إقرارٍ ، لا يقضي عليه إلاّ بعد استحلاف خصمه أنّ الإقرار لم يكن باطلاً . قال ابن قدامة : لو أقرّ أنّه وهب وأقبض الهبة ، أو أنّه قبض المبيع ، أو آجر المستأجر ، ثمّ أنكر ذلك وسأل إحلاف خصمه ، فإنّه لا يستحلف على روايةٍ عن أحمد ، وهو قول أبي حنيفة ومحمّدٍ ، لأنّ دعواه تكذيب لإقراره ، ولأنّ الإقرار أقوى من البيّنة ، ولو شهدت البيّنة فقال : حلّفوه لي مع بيّنته لم يستحلف . فكذلك هنا . قال : وفي الرّواية الثّانية يستحلف وهو قول الشّافعيّ وأبي يوسف ، وعليه الفتوى عند الحنفيّة ، لأنّ العادة جارية بالإقرار قبل القبض ، فيحتمل صحّة ما قاله ، فينبغي أن يستحلف خصمه لنفي الاحتمال . أثر جحود العقود في انفساخها : 24 - إذا جحد أحد المتبايعين البيع أو غيره من العقود اللّازمة - غير النّكاح - لم يترتّب على إنكاره له انفساخ العقد ، وكان للآخر التّمسّك بالعقد ، وله بعد الإثبات المطالبة بتنفيذه . لكن إن رضي هذا الآخر بالفسخ قولاً ، أو بتركه الخصومة مع فعلٍ يدلّ على الرّضى بالفسخ ، كنقله المبيع إلى منزله ، ينفسخ العقد . فلو قال المالك : اشتريت منّي هذه الدّابّة ، وأنكر الآخر الشّراء ، فرضي البائع ، انفسخ البيع ، وكان له أن يركب الدّابّة ، ولو أنّ المشتري ادّعى الشّراء بعد رضى البائع بالفسخ لا يقبل ، لانفساخ العقد . أمّا النّكاح فلو جحد الرّجل أنّه تزوّج المرأة ، ثمّ ادّعى الزّواج وبرهن ، يقبل منه برهانه عند الحنفيّة ، لأنّ النّكاح لا يحتمل الفسخ بسائر الأسباب فكذا بهذا السّبب . ويوافق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة الحنفيّة على أنّ إنكار الزّوج النّكاح لا يكون فسخاً . وليس هو أيضاً طلاقاً عند الحنفيّة ، والشّافعيّة والحنابلة ولو نواه ، لأنّ الجحود هنا لعقد النّكاح ، لا لكونها امرأته . بخلاف ما لو قال : ليست هي امرأتي ، فإنّه إن نوى الطّلاق وقع طلاقاً . وعند المالكيّة : لو نوى الطّلاق بجحد النّكاح يكون طلاقاً ، كأنّهم جعلوه من كنايات الطّلاق . أثر إنكار الرّدّة في حصول التّوبة منها : 25 - إذا ثبتت ردّة إنسانٍ بالبيّنة ، فأنكر أن يكون ارتدّ ، فللفقهاء في اعتبار ذلك الإنكار منه توبة قولان : الأوّل : وهو قول الحنفيّة : أنّ من شهدت عليه البيّنة بالرّدّة ، وهو ينكرها ، وهو مقرّ بالتّوحيد وبمعرفة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبدين الإسلام ، فلا يتعرّض له ، لا لتكذيب الشّهود ، بل لأنّ إنكاره توبة ورجوع ، فيمتنع القتل فقط ، وتثبت بقيّة أحكام الرّدّة ، كحبوط عملٍ وبطلان وقفٍ ... إلخ . الثّاني : وهو قول الشّافعيّة والحنابلة : يحكم بردّته ، ويلزمه أن يأتي بما يصير به الكافر مسلماً ، فإن لم يفعل استتيب ، فإن تاب وإلاّ قتل . ولم يتعرّض المالكيّة لهذه المسألة فيما اطّلعنا عليه من كلامهم . هذا وقد نصّ الحنابلة على أنّه إن كان ثبوت ردّته بالإقرار . فإنّ إنكاره يكون توبةً ، ولا يتعرّض له ، كما في سائر الحدود . ولم نجد لغير الحنابلة نصّاً في ذلك ، والظّاهر أنّه موضع اتّفاقٍ . الصّلح مع الإنكار : 26 - الصّلح عقد يتوصّل به إلى الإصلاح بين المتخاصمين . والصّلح في الأموال نوعان : صلح مع الإنكار ، وصلح مع الإقرار . والصّلح مع الإنكار عندما يكون المدّعى عليه يرى أنّه لا حقّ عليه ، فيدفع إلى المدّعي شيئاً افتداءً ليمينه وقطعاً للخصومة ، وصيانةً لنفسه عن التّبذّل بالمخاصمة في مجالس القضاء . وقد اختلف الفقهاء في صحّة مثل هذا الصّلح ، فأجازه الجمهور ، منهم أبو حنيفة ومالك وأحمد ، ومنعه الشّافعيّ . وأمّا متى كان المدّعى عليه مقرّاً بالحقّ فصالح عنه ببعضه ، فهو المسمّى بالصّلح مع الإقرار . وينظر تفصيل القول في نوعي الصّلح تحت عنوان ( صلح ) . إنكار شيءٍ من أمور الدّين : 27 - لا يجوز للمسلم أن ينكر شيئاً من دين الإسلام . ولكن من أنكر شيئاً من أمور الدّين لا يحكم بكفره ، إلاّ إن كان ما أنكره أمراً مجمعاً عليه قد علم قطعاً مجيء النّبيّ صلى الله عليه وسلم به . كوجوب الصّلاة والزّكاة ، ولم يكن ذلك المنكر جاهلاً بالحكم ولا مكرهاً ، وهذا قول جمهور الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة . واشترط بعض الحنفيّة وبعض المالكيّة وبعض الشّافعيّة أن يكون المجحود قد علم مجيء النّبيّ صلى الله عليه وسلم به بالضّرورة ، أي علماً ضروريّاً لا يتوقّف على نظرٍ واستدلالٍ . أو كما عبّر البعض : يعرفه كلّ المسلمين . قال ابن الهمام في المسايرة : وأمّا ما أجمع عليه ، ولم يبلغ حدّ الضّرورة ، كاستحقاق بنت الابن السّدس مع البنت بإجماع المسلمين ، فظاهر كلام جمهور الحنفيّة الإكفار بجحده ، فإنّهم لم يشرطوا سوى القطع في الثّبوت . وأمّا عند من شرط كونه معلوماً بالضّرورة فلا يكفر عنده من جحد مثل هذا الحكم . ونقل ابن عابدين عن بعض الحنفيّة أنّ المسائل الإجماعيّة تارةً يصحبها التّواتر عن صاحب الشّرع ، وتارةً لا يصحبها . فالأوّل يكفر جاحده لمخالفته التّواتر لا لمخالفته الإجماع . ونقل ابن حجرٍ الهيتميّ مثل ذلك عن بعض الشّافعيّة . وقريب من قول من اشترط في المجحود أن يكون معلوماً من الدّين بالضّرورة قول الحنابلة ، فإنّهم اشترطوا لما يكفر بإنكاره أن يكون ظاهراً بين المسلمين لا شبهة فيه ، وعبارة شرح المنتهى : من جحد حكماً ظاهراً بين المسلمين - بخلاف ( نحو ) فرض السّدس لبنت الابن مع بنت الصّلب ، وكان ذلك الحكم مجمعاً عليه إجماعاً قطعيّاً لا سكوتيّاً ، لأنّ فيه - أي الإجماع السّكوتيّ - شبهةً ، كجحد تحريم الزّنى ، أو جحد تحريم لحم الخنزير ، أو مذكّاة بهيمة الأنعام والدّجاج ، ومثله لا يجهله لكونه نشأ بين المسلمين ، أو كان مثله يجهله وعرف حكمه ، وأصرّ على الجحد ، كفر . وينظر التّفصيل في هذه المسألة تحت عنوان ( ردّة ) . ثانياً : [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية