الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41052" data-attributes="member: 329"><p>ثالثاً - صيرورته ذمّيّاً بالتّبعيّة :</p><p>15 - هناك حالات يصير فيها غير المسلم ذمّيّاً تبعاً لغيره ، لعلاقةٍ بينهما تستوجب هذه التّبعيّة في الذّمّة منها :</p><p>أ - الأولاد الصّغار والزّوجة :</p><p>16 - صرّح جمهور الفقهاء : الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ الأولاد الصّغار يدخلون في الذّمّة تبعاً لآبائهم أو أمّهاتهم إذا دخلوا في الذّمّة ، لأنّ عقد الذّمّة فيه التزام أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات ، والصّغير في مثل هذا يتبع خير الوالدين ، كما علّله الحنفيّة ، وهذا ما يفهم من كلام المالكيّة ، حيث قالوا . لا تعقد الذّمّة إلاّ لكافرٍ حرٍّ بالغٍ ذكرٍ ، فأمّا المرأة والعبد والصّبيّ فهم أتباع . </p><p>واذا بلغ صبيان أهل الذّمّة تؤخذ منهم الجزية دون حاجةٍ إلى عقدٍ جديدٍ ، وهذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وهو وجه عند الشّافعيّة ، لأنّه لم يأت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من خلفائه تجديد العقد لهؤلاء ولأنّهم تبعوا الأب في الأمان ، فتبعوه في الذّمّة . والأصحّ عند الشّافعيّة أنّه يستأنف له عقد الذّمّة ، لأنّ العقد الأوّل كان للأب دونه ، فعلى هذا جزيته على ما يقع عليه التّراضي . ومثل هذا الحكم أنّ التّبعيّة في الذّمّة يجري على الزّوجة عند الحنفيّة ، فإنّهم قالوا : لو أنّ زوجين مستأمنين دخلا دار الإسلام بالأمان ، أو تزوّج مستأمن مستأمنةً في دارنا ثمّ صار الرّجل ذمّيّاً ، أو دخلت حربيّة دار الإسلام بأمانٍ فتزوّجت ذمّيّاً ، صارت ذمّيّةً تبعاً للزّوج ، لأنّ المرأة في المقام تابعة لزوجها .</p><p>ب - اللّقيط :</p><p>17 - إذا وجد اللّقيط في مكان أهل الذّمّة ، كقريتهم أو بيعةٍ أو كنيسةٍ يعتبر ذمّيّاً تبعاً لهم ، ولو التقطه مسلم في ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، وهو المشهور عند المالكيّة . </p><p>وقال الشّافعيّة والحنابلة : إذا وجد اللّقيط في دار الإسلام - وفيها أهل ذمّةٍ - أو بدارٍ فتحها المسلمون وأقرّوها بيد الكفّار صلحاً ، أو أقرّوها بيدهم بعد ملكها بجزيةٍ وفيها مسلم - ولو واحداً - حكم بإسلام اللّقيط ، لأنّه يحتمل أن يكون لذلك المسلم تغليباً للإسلام . </p><p>وإن لم يكن فيما فتحوها مسلم فاللّقيط كافر .</p><p>رابعاً - الذّمّة بالغلبة والفتح :</p><p>18 - هذا النّوع من الذّمّة يتحقّق فيما إذا فتح المسلمون بلاداً غير إسلاميّةٍ ، ورأى الإمام ترك أهل هذه البلاد أحراراً بالذّمّة ، وضرب الجزية عليهم ، كما فعل عمر بن الخطّاب في فتح سواد العراق .</p><p>حقوق أهل الذّمّة </p><p>19 - القاعدة العامّة في حقوق أهل الذّمّة : أنّ لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وهذه القاعدة جرت على لسان فقهاء الحنفيّة ، وتدلّ عليها عبارات فقهاء المالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة . ويؤيّدها بعض الآثار عن السّلف ، فقد روي عن عليّ بن أبي طالبٍ أنّه قال :" إنّما قبلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ، ودماؤهم كدمائنا ". </p><p>لكنّ هذه القاعدة غير مطبّقةٍ على إطلاقها ، فالذّمّيّون ليسوا كالمسلمين في جميع الحقوق والواجبات ، وذلك بسبب كفرهم وعدم التزامهم أحكام الإسلام . وفيما يلي نذكر ما يتمتّع به أهل الذّمّة من الحقوق : </p><p>أوّلاً - حماية الدّولة لهم :</p><p>20 - يعتبر أهل الذّمّة من أهل دار الإسلام ، لأنّ المسلمين حين أعطوهم الذّمّة فقد التزموا دفع الظّلم عنهم والمحافظة عليهم ، وصاروا أهل دار الإسلام ، كما صرّح الفقهاء بذلك . وعلى ذلك فلأهل الذّمّة حقّ الإقامة آمنين مطمئنّين على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، وعلى الإمام حمايتهم من كلّ من أراد بهم سوءاً من المسلمين أو أهل الحرب أو أهل الذّمّة ، لأنّه التزم بالعهد حفظهم من الاعتداء عليهم ، فيجب عليه الذّبّ عنهم ، ومنع من يقصدهم بالأذى من المسلمين أو الكفّار ، واستنقاذ من أسر منهم ، واسترجاع ما أخذ من أموالهم ، سواء كانوا مع المسلمين أم منفردين عنهم في بلدٍ لهم ، لأنّهم بذلوا الجزية لحفظهم وحفظ أموالهم . ومن مقتضيات عقد الذّمّة أنّ أهل الذّمّة لا يظلمون ولا يؤذون ، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ألا من ظلم معاهداً أو انتَقَصَه حقّه ، أو كلّفَهُ فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسٍ منه ، فأنا حجيجه يوم القيامة » . </p><p>حتّى إنّ الفقهاء صرّحوا بأنّ أهل الحرب إذا استولوا على أهل الذّمّة ، فسبوهم وأخذوا أموالهم ، ثمّ قدر عليهم ، وجب ردّهم إلى ذمّتهم ، ولم يجز استرقاقهم ، وهذا في قول عامّة أهل العلم ، كما قال صاحب المغني : لأنّ ذمّتهم باقية ، ولم يوجد منهم ما ينقضها ، وحكم أموالهم حكم أموال المسلمين في حرمتها .</p><p>ثانياً - حقّ الإقامة والتّنقّل :</p><p>21 - لأهل الذّمّة أن يقيموا في دار الإسلام آمنين مطمئنّين على أنفسهم وأموالهم ، ما لم يظهر منهم ما ينتقض به عهدهم ، لأنّهم إنّما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا ، والمسلمون على شروطهم . </p><p>لكنّ الفقهاء اتّفقوا على عدم جواز إقامة الذّمّيّ واستيطانه في مكّة والمدينة ، على خلافٍ وتفصيلٍ فيما سواهما ، ينظر في مصطلح ( أرض العرب ) لقوله صلى الله عليه وسلم : </p><p>« لا يجتمع في أرض العرب دينان » ولقوله عليه الصلاة والسلام : « لئن عشت - إن شاء اللّه - لأخرجنّ اليهود والنّصارى من جزيرة العرب » . </p><p>أمّا في غيرها من المدن والقرى في دار الإسلام فيجوز لأهل الذّمّة أن يسكنوا فيها مع المسلمين أو منفردين ، لكن ليس لهم رفع بنائهم على المسلمين بقصد التّعلّي ، وإذا لزم من سكناهم في المصر بين المسلمين تقليل الجماعة أمروا بالسّكنى في ناحيةٍ - خارج المصر - ليس فيها جماعة المسلمين إذا ظهرت المصلحة في ذلك . </p><p>22 - وأمّا حقّ التّنقّل فيتمتّع أهل الذّمّة به في دار الإسلام أينما يشاءون للتّجارة وغيرها ، إلاّ أنّ في دخولهم مكّة والمدينة وأرض الحجاز تفصيل سبق بيانه في مصطلح ( أرض العرب ) .</p><p>ثالثاً - عدم التّعرّض لهم في عقيدتهم وعبادتهم :</p><p>23 - إنّ من مقتضى عقد الذّمّة ألاّ يتعرّض المسلمون لأهل الذّمّة في عقيدتهم وأداء عبادتهم دون إظهار شعائرهم ، فعقد الذّمّة إقرار الكفّار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملّة ، وإذا كان هناك احتمال دخول الذّمّيّ في الإسلام عن طريق مخالطته للمسلمين ووقوفه على محاسن الدّين ، فهذا يكون عن طريق الدّعوة لا عن طريق الإكراه ، وقد قال اللّه سبحانه وتعالى : { لا إكراه في الدّين } ، وفي كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأهل نجران : « ولنجران وحاشيتها جوار اللّه وذمّة محمّدٍ رسول اللّه على أموالهم وملّتهم وبيعهم وكلّ ما تحت أيديهم ... » وهذا الأصل متّفق عليه بين الفقهاء ، لكن هناك تفصيل وخلاف في بعض الفروع نذكره فيما يلي :</p><p>أ - معابد أهل الذّمّة :</p><p>24 - قسّم الفقهاء أمصار المسلمين على ثلاثة أقسامٍ : </p><p>الأوّل : ما اختطّه المسلمون وأنشئوه كالكوفة والبصرة وبغداد وواسط ، فلا يجوز فيه إحداث كنيسةٍ ولا بيعةٍ ولا مجتمعٍ لصلاتهم ولا صومعةٍ بإجماع أهل العلم ، ولا يمكّنون فيه من شرب الخمر واتّخاذ الخنازير وضرب النّاقوس ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا تبنى كنيسة في دار الإسلام ، ولا يجدّد ما خرب منها » ولأنّ هذا البلد ملك للمسلمين فلا يجوز أن يبنوا فيه مجامع للكفر ، ولو عاقدهم الإمام على التّمكّن من ذلك فالعقد باطل . </p><p>الثّاني : ما فتحه المسلمون عنوةً ، فلا يجوز فيه إحداث شيءٍ من ذلك بالاتّفاق ، لأنّه صار ملكاً للمسلمين ، وما كان فيه شيء من ذلك هل يجب هدمه ؟ قال المالكيّة : وهو وجه عند الحنابلة : لا يجب هدمه ، لأنّ الصّحابة رضي الله عنهم فتحوا كثيراً من البلاد عنوةً فلم يهدموا شيئاً من الكنائس . </p><p>ويشهد لصحّة هذا وجود الكنائس والبيع في البلاد الّتي فتحها المسلمون عنوةً ، وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمّاله :" ألاّ يهدموا بيعةً ولا كنيسةً ولا بيت نارٍ ". </p><p>وفي الأصحّ عند الشّافعيّة ، وهو وجه عند الحنابلة : يجب هدمه ، فلا يقرّون على كنيسةٍ كانت فيه ، لأنّها بلاد مملوكة للمسلمين ، فلم يجز أن تكون فيها بيعة ، كالبلاد الّتي اختطّها المسلمون . وذهب الحنفيّة إلى أنّها لا تهدم ، ولكن تبقى بأيديهم مساكن ، ويمنعون من اتّخاذها للعبادة . </p><p>الثّالث : ما فتحه المسلمون صلحاً ، فإن صالحهم الإمام على أنّ الأرض لهم والخراج لنا ، فلهم إحداث ما يحتاجون إليه فيها من الكنائس عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ، لأنّ الملك والدّار لهم ، فيتصرّفون فيها كيف شاءوا . وفي مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة : المنع ، لأنّ البلد تحت حكم الإسلام . </p><p>وإن صالحهم على أنّ الدّار لنا ، ويؤدّون الجزية ، فالحكم في الكنائس على ما يقع عليه الصّلح ، والأولى ألاّ يصالحهم إلاّ على ما وقع عليه صلح عمر رضي الله عنه من عدم إحداث شيءٍ منها . وإن وقع الصّلح مطلقاً ، لا يجوز الإحداث عند الجمهور : الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ويجوز في بلدٍ ليس فيه أحد من المسلمين عند المالكيّة . </p><p>ولا يتعرّض للقديمة عند الحنفيّة والحنابلة ، وهو المفهوم من كلام المالكيّة ، والأصحّ عند الشّافعيّة المنع من إبقائها كنائس .</p><p>ب - إجراء عباداتهم :</p><p>25 - الأصل في أهل الذّمّة تركهم وما يدينون ، فيقرّون على الكفر وعقائدهم وأعمالهم الّتي يعتبرونها من أمور دينهم ، كضرب النّاقوس خفيفاً في داخل معابدهم ، وقراءة التّوراة والإنجيل فيما بينهم ، ولا يمنعون من ارتكاب المعاصي الّتي يعتقدون بجوازها ، كشرب الخمر ، واتّخاذ الخنازير وبيعها ، أو الأكل والشّرب في نهار رمضان ، وغير ذلك فيما بينهم ، أو إذا انفردوا بقريةٍ . ويشترط في جميع هذا ألاّ يظهروها ولا يجهروا بها بين المسلمين ، وإلاّ منعوا وعزّروا ، وهذا باتّفاق المذاهب ، فقد جاء في شروط أهل الذّمّة لعبد الرّحمن بن غنمٍ : " ألاّ نضرب ناقوساً إلاّ ضرباً خفيّاً في جوف كنائسنا ، ولا نظهر عليها صليباً ، ولا نرفع أصواتنا في الصّلاة ولا القراءة في كنائسنا ، ولا نظهر صليباً ولا كتاباً في سوق المسلمين " إلخ .</p><p>هذا ، وقد فصّل بعض الحنفيّة بين أمصار المسلمين وبين القرى ، فقالوا : لا يمنعون من إظهار شيءٍ من بيع الخمر والخنزير والصّليب وضرب النّاقوس في قريةٍ ، أو موضعٍ ليس من أمصار المسلمين ، ولو كان فيه عدد كثير من أهل الإسلام ، وإنّما يكره ذلك في أمصار المسلمين ، وهي الّتي تقام فيها الجمع والأعياد والحدود ، لأنّ المنع من إظهار هذه الأشياء لكونه إظهار شعائر الكفر في مكان إظهار شعائر الإسلام ، فيختصّ المنع بالمكان المعدّ لإظهار الشّعائر ، وهو المصر الجامع . </p><p>وفصّل الشّافعيّة بين القرى العامّة والقرى الّتي ينفرد بها أهل الذّمّة ، فلا يمنعون في الأخيرة من إظهار عباداتهم .</p><p>رابعاً - اختيار العمل :</p><p>26 - يتمتّع الذّمّيّ باختيار العمل الّذي يراه مناسباً للتّكسّب ، فيشتغل بالتّجارة والصّناعة كما يشاء ، فقد صرّح الفقهاء أنّ الذّمّيّ في المعاملات كالمسلم ، هذا هو الأصل ، وهناك استثناءات في هذا المجال ستأتي في بحث ما يمنع منه الذّمّيّون . </p><p>أمّا الأشغال والوظائف العامّة ، فما يشترط فيه الإسلام كالخلافة ، والإمارة على الجهاد ، والوزارة وأمثالها ، فلا يجوز أن يعهد بذلك إلى ذمّيٍّ ، وما لا يشترط فيه الإسلام كتعليم الصّغار الكتابة ، وتنفيذ ما يأمر به الإمام أو الأمير ، يجوز أن يمارسه الذّمّيّون . </p><p>وتفصيل هذه الوظائف في مصطلحاتها . وانظر كذلك مصطلح : ( استعانةٍ ) .</p><p>المعاملات الماليّة لأهل الذّمّة :</p><p>27 - القاعدة العامّة أنّ أهل الذّمّة في المعاملات كالبيوع والإجارة وسائر التّصرّفات الماليّة كالمسلمين - إلاّ ما استثني من المعاملة بالخمر والخنزير ونحوهما كما سيأتي - . </p><p>وذلك لأنّ الذّمّيّ ملتزم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات الماليّة ، فيصحّ منهم البيع والإجارة والمضاربة والمزارعة ونحوها من العقود والتّصرّفات الّتي تصحّ من المسلمين ، ولا تصحّ منهم عقود الرّبا والعقود الفاسدة والمحظورة الّتي لا تصحّ من المسلمين ، كما صرّح به فقهاء المذاهب . </p><p>قال الجصّاص من الحنفيّة : إنّ الذّمّيّين في المعاملات والتّجارات كالبيوع وسائر التّصرّفات كالمسلمين ، ومثله ما قاله الإمام السّرخسيّ في المبسوط ، وصرّح به الكاسانيّ في البدائع حيث قال : كلّ ما جاز من بيوع المسلمين جاز من بيوع أهل الذّمّة ، وما يبطل أو يفسد من بيوع المسلمين يبطل ويفسد من بيوعهم ، إلاّ الخمر والخنزير . </p><p>بل إنّ الشّافعيّة صرّحوا ببطلان بيع الخمر والخنزير بينهم أيضاً قبل القبض . وكلام المالكيّة والحنابلة أيضاً يدلّ على صحّة هذه القاعدة في الجملة ، لأنّ أهل الذّمّة من أهل دار الإسلام ، وملتزمون أحكام الإسلام في المعاملات . قال الإمام الشّافعيّ في الأمّ : تبطل بينهم البيوع الّتي تبطل بين المسلمين كلّها ، فإذا مضت واستهلكت لم نبطلها وقال : فإن جاء رجلان منهم قد تبايعا خمراً ولم يتقابضاها أبطلنا البيع ، وإن تقابضاها لم نردّه ، لأنّه قد مضى .</p><p>إلاّ أنّ هناك ما يستثنى من هذه القاعدة نجمله فيما يلي :</p><p>أ - المعاملة بالخمر والخنزير :</p><p>28 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا تجوز المعاملة بالخمر والخنزير بين المسلمين مطلقاً ، لأنّهما لا يعتبران مالاً متقوّماً عند المسلمين ، وقد روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « ألا إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والخنزير والميتة والأصنام » ، لكنّهم أقرّوا المعاملة بالخمر والخنزير بين أهل الذّمّة ، بنحو شربٍ أو بيعٍ أو هبةٍ أو مثلها ، بشرط عدم الإظهار ، لأنّ مقتضى عقد الذّمّة : أن يقرّ الذّمّيّ على الكفر مقابل الجزية ، ويترك هو وشأنه فيما يعتقده من الحلّ والحرمة ، والمعاملة بالخمر والخنزير ممّا يعتقد جوازها . </p><p>وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء في الجملة . ويستدلّ الحنفيّة لذلك بقولهم : إنّ الخمر والخنزير مال متقوّم في حقّهم ، كالخلّ والشّاة للمسلمين ، فيجوز بيعه ، وروي عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه كتب إلى عُشّاره بالشّام :" أن ولّوهم بيعها ، وخذوا العشر من أثمانها ، ولو لم يجز بيع الخمر منهم لما أمرهم بتوليتهم البيع ".</p><p>ب - ضمان الإتلاف :</p><p>29 - إذا أتلف الخمر والخنزير لمسلمٍ فلا ضمان اتّفاقاً ، لعدم تقوّمهما في حقّ المسلمين . وكذلك إتلافهما لأهل الذّمّة عند الشّافعيّة والحنابلة ، لأنّ ما لا يكون مضموناً في حقّ المسلم لا يكون مضموناً في حقّ غيره . </p><p>لكنّ الحنفيّة صرّحوا بضمان متلفهما لأهل الذّمّة ، لأنّهما مال متقوّم في حقّهم ، وبهذا قال المالكيّة ، إذا لم يظهر الذّمّيّ الخمر والخنزير ، وتفصيله في مصطلح : ( ضمان ) .</p><p>ج - استئجار الذّمّيّ مسلماً للخدمة :</p><p>30 - تجوز معاملة الإيجار والاستئجار بين المسلمين وأهل الذّمّة في الجملة ، لكنّه إذا استأجر الذّمّيّ مسلماً لإجراء عملٍ ، فإذا كان العمل الّذي يؤاجر المسلم للقيام به ممّا يجوز لنفسه كالخياطة والبناء والحرث فلا بأس به ، أمّا إذا كان لا يجوز له أن يعمله كعصر الخمور ورعي الخنازير ونحو ذلك فلا يجوز . </p><p>وقال بعض الفقهاء : لا يجوز استئجار المسلم لخدمة الذّمّيّ الشّخصيّة ، لما فيه من إذلال المسلم لخدمة الكافر . وتفصيله في مصطلح : ( إجارةٍ ) </p><p>د - وكالة الذّمّيّ في نكاح المسلمة :</p><p>31 - لا يصحّ أن يوكّل مسلم كافراً في عقد النّكاح له من مسلمةٍ عند الشّافعيّة والحنابلة ، لأنّ الذّمّيّ لا يملك عقد هذا النّكاح لنفسه فلا يجوز وكالته . </p><p>وقال الحنفيّة والمالكيّة : تصحّ هذه الوكالة ، لأنّ الشّرط لصحّة الوكالة : أن يكون الموكّل ممّن يملك فعل ما وكّل به ، وأن يكون الوكيل عاقلاً ، مسلماً كان أو غير مسلمٍ .</p><p>هـ – عدم تمكين الذّمّيّ من شراء المصحف وكتب الحديث :</p><p>32 - لا يجوز تمكين الذّمّيّ من شراء المصحف أو دفترٍ فيه أحاديث عند جمهور الفقهاء ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) لأنّ ذلك قد يؤدّي إلى ابتذاله . </p><p>ولم نعثر في كتب الحنفيّة على ما يمنع ذلك ، إلاّ أنّ أبا حنيفة وأبا يوسف يمنعان الذّمّيّ من مسّ المصحف ، وجوّزه محمّد إذا اغتسل لذلك . وتفصيله في مصطلح : ( مصحف ) .</p><p>و - شهادة أهل الذّمّة :</p><p>33 - لا تقبل شهادة أهل الذّمّة على المسلمين اتّفاقاً ، إلاّ في الوصيّة في السّفر إذا لم يوجد غيرهم عند الحنابلة . ويعلّل الفقهاء عدم قبول الشّهادة منهم بأنّ الشّهادة فيها معنى الولاية ، ولا ولاية للكافر على المسلم . </p><p>كذلك لا تقبل شهادة أهل الذّمّة بعضهم على بعضٍ عند جمهور الفقهاء : المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، بدليل قوله تعالى : { وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ منكم } ، والكافر ليس بذي عدلٍ . وأجازها الحنفيّة وإن اختلفت مللهم ، ما داموا عدولاً في دينهم ، لما روي « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة أهل الذّمّة بعضهم على بعضٍ » ولأنّ بعضهم أولياء بعضٍ ، فتقبل شهادة بعضهم على بعضٍ . هذا ، وهناك استثناءات أخرى في مسائل الوصيّة وإثبات الشّفعة والتّملّك بإحياء الموات ونحوها ، تنظر في مصطلحاتها وفي مظانّها من كتب الفقه .</p><p>أنكحة أهل الذّمّة وما يتعلّق بها </p><p>34 - لا يختلف أحكام نكاح أهل الذّمّة عن غيرهم من أهل الكتاب وسائر الكفّار ، إلاّ أنّه يجوز للمسلم أن يتزوّج كتابيّةً . </p><p>ولا يجوز زواج المسلمة من غير المسلم ، ولو كان ذمّيّاً أو كتابيّاً . وذلك باتّفاق الفقهاء لقوله تعالى : { ولا تُنْكِحُوا المشركينَ حتّى يُؤْمنوا } ولقوله تعالى : { فلا تَرْجِعوهنّ إلى الكفّار لا هُنّ حِلٌّ لهم ولا هم يَحِلُّون لهنّ } ولا يجوز زواج مسلمٍ من ذمّيّةٍ غير كتابيّةٍ ، لقوله تعالى : { ولا تَنْكِحوا المشركاتِ حتّى يُؤْمِنّ } ويجوز للمسلم أن يتزوّج ذمّيّةً ، إذا كانت كتابيّةً كاليهوديّة والنّصرانيّة ، لقوله تعالى : { اليوم أُحِلّ لكم الطّيّباتُ } إلى قوله تعالى : { والمحصناتُ من الّذين أُوتوا الكتابَ من قبلكم } وتفصيل ذلك في النّكاح وغيره .</p><p>واجبات أهل الذّمّة الماليّة </p><p>35 - على أهل الذّمّة واجبات وتكاليف ماليّة يلتزمون بها قبل الدّولة الإسلاميّة مقابل ما يتمتّعون به من الحماية والحقوق ، وهذه الواجبات عبارة عن الجزية والخراج والعشور ، وفيما يلي نجمل أحكامها :</p><p>أ - الجزية : وهي المال الّذي تعقد عليه الذّمّة لغير المسلم لأمنه واستقراره ، تحت حكم الإسلام وصونه . وتؤخذ كلّ سنةٍ من العاقل البالغ الذّكر ، ولا تجب على الصّبيان والنّساء والمجانين اتّفاقاً ، كما يشترط في وجوبها : السّلامة من الزّمانة والعمى والكبر عند جمهور الفقهاء . وفي مقدارها ووقت وجوبها وما تسقط به الجزية وغيرها من الأحكام تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح : ( جزية ) .</p><p>ب - الخراج : وهو ما وضع على رقاب الأرض من حقوقٍ تؤدّى عنها . </p><p>وهو إمّا أن يكون خراج الوظيفة الّذي يفرض على الأرض بالنّسبة إلى مساحتها ونوع زراعتها ، وإمّا أن يكون خراج المقاسمة الّذي يفرض على الخارج من الأرض كالخمس أو السّدس أو نحو ذلك ، كما هو مبيّن في مصطلح : ( خراج ) .</p><p>ج - العشور : وهي الّتي تفرض على أموال أهل الذّمّة المعدّة للتّجارة ، إذا انتقلوا بها من بلدٍ إلى بلدٍ داخل دار الإسلام ، ومقدارها نصف العشر ، وتؤخذ مرّةً واحدةً في السّنة حين الانتقال عند جمهور الفقهاء ، خلافاً للمالكيّة حيث أوجبوها في كلّ مرّةٍ ينتقلون بها . وتفصيله في مصطلح : ( عشرٍ ) .</p><p>ما يمنع منه أهل الذّمّة :</p><p>36 - يجب على أهل الذّمّة الامتناع عمّا فيه غضاضة على المسلمين ، وانتقاص دين الإسلام ، مثل ذكر اللّه سبحانه وتعالى أو كتابه أو رسوله أو دينه بسوءٍ لأنّ إظهار هذه الأفعال استخفاف بالمسلمين وازدراء بعقيدتهم . </p><p>وعدم التزام الذّمّيّ بما ذكر يؤدّي إلى انتقاض ذمّته عند جمهور الفقهاء ، خلافاً للحنفيّة ، كما سيأتي في بحث ما ينتقض به عهد الذّمّة . </p><p>كذلك يمنع أهل الذّمّة من إظهار بيع الخمور والخنازير في أمصار المسلمين ، أو إدخالها فيها على وجه الشّهرة والظّهور . ويمنعون كذلك من إظهار فسقٍ يعتقدون حرمته كالفواحش ونحوها . ويؤخذ أهل الذّمّة بالتّمييز عن المسلمين في زيّهم ومراكبهم وملابسهم ، ولا يصدّرون في مجالس ، وذلك إظهاراً للصّغار عليهم ، وصيانةً لضعفة المسلمين عن الاغترار بهم أو موالاتهم . وتفصيل ما يميّز به أهل الذّمّة عن المسلمين في الزّيّ والملبس والمركب وغيرها من المسائل تنظر في كتب الفقه ، عند الكلام عن الجزية وعقد الذّمّة .</p><p>جرائم أهل الذّمّة وعقوباتهم </p><p>أوّلاً - ما يختصّ بأهل الذّمّة في الحدود :</p><p>37 - إذا ارتكب أحد من أهل الذّمّة جريمةً من جرائم الحدود ، كالزّنى أو القذف أو السّرقة أو قطع الطّريق ، يعاقب بالعقاب المحدّد لهذه الجرائم شأنهم في ذلك شأن المسلمين ، إلاّ شرب الخمر حيث لا يتعرّض لهم فيه ، لما يعتقدون من حلّها ، ومراعاةً لعهد الذّمّة ، إلاّ إن أظهروا شربها ، فيعزّرون ، وهذا عند جمهور الفقهاء في الجملة ، إلاّ أنّ هناك بعض الأحكام يختصّ بها أهل الذّمّة نجملها فيما يأتي :</p><p>أ - ذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف إلى المساواة في تطبيق عقوبة الرّجم على الذّمّيّ والمسلم ، ولو كان متزوّجاً من ذمّيّةٍ ، لعموم النّصوص في تطبيق هذه العقوبة ، ولما ورد « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر برجم يهوديّين ». </p><p>وصرّح أبو حنيفة ومالك بأنّ الزّاني من أهل الذّمّة إذا كان متزوّجاً لا يرجم ، لاشتراط الإسلام في تطبيق الرّجم عندهما ، وكذلك المسلم المتزوّج بالكتابيّة لا يرجم عند أبي حنيفة ، لأنّه يشترط في الإحصان : الإسلام والزّواج من مسلمةٍ مستدلّاً بما « قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لحذيفة حين أراد أن يتزوّج يهوديّةً : دعها فإنّها لا تحصنك » ، </p><p>ب - لا حدّ على من قذف أحداً من أهل الذّمّة ، بل يعزّر ، سواء كان القاذف مسلماً أم من أهل الذّمّة ، لأنّه يشترط في القذف أن يكون المقذوف مسلماً ، وهذا باتّفاق الفقهاء .</p><p>ج - يطبّق حدّ السّرقة على السّارق المسلم أو الذّمّيّ ، سواء أكان المسروق منه مسلماً أم من أهل الذّمّة اتّفاقاً ، إلاّ إذا كان المسروق خمراً أو خنزيراً ، لعدم تقوّمهما ، كما هو مبيّن في مصطلح : ( سرقة ) .</p><p>د - إذا بغى جماعة من أهل الذّمّة منفردين عن المسلمين انتقض عهدهم عند جمهور الفقهاء ، إلاّ إذا كان بينهم عن ظلمٍ ركبهم عند المالكيّة ، وإذا بغوا مع البغاة المسلمين ففيه تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح : ( بغيٍ ) . هذا ، ويعاقب أهل الذّمّة بعقوبة قطع الطّريق ( الحرابة ) إذا توفّرت شروطها كالمسلمين بلا خلافٍ .</p><p>ثانياً - ما يختصّ بأهل الذّمّة في القصاص :</p><p>38 - أ - إذا ارتكب الذّمّيّ القتل العمد وجب عليه القصاص ، إذا كان القتيل مسلماً أو من أهل الذّمّة بلا خلافٍ ، وكذلك إن كان القتيل مستأمناً عند جمهور الفقهاء ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال : إنّ عصمة المستأمن مؤقّتة ، فكان في حقن دمه شبهة تسقط القصاص . </p><p>أمّا إذا قتل مسلم ذمّيّاً أو ذمّيّةً عمداً ، فقد قال الشّافعيّة والحنابلة : لا قصاص على المسلم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا يقتل مسلم بكافرٍ » ، وعند الحنفيّة يقتصّ من المسلم للذّمّيّ ، وهذا قول المالكيّة أيضاً إذا قتله المسلم غيلةً ( خديعةً ) أو لأجل المال ، وتفصيله في مصطلح ( قصاص ) .</p><p>ب - لا فرق بين المسلم والذّمّيّ في وجوب الدّية في القتل الخطأ وشبه العمد وشبه الخطأ على عاقلة القاتل ، سواء أكان القتيل مسلماً أم من أهل الذّمّة . </p><p>وفي مقدار دية الذّمّيّ المقتول ، ومن يشترك في تحمّلها من عاقلة الذّمّيّ القاتل تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح : ( دية ) و ( عاقلة ) . </p><p>ولا تجب الكفّارة على الذّمّيّ عند الحنفيّة والمالكيّة ، لما فيها من معنى القربة ، والكافر ليس من أهلها ، ويجب عند الشّافعيّة والحنابلة لأنّها حقّ ماليّ يستوي فيه المسلم والذّمّيّ ، لا إن كانت صياماً . ( ر : كفّارة ) .</p><p>ج - لا يقتصّ من المسلم للذّمّيّ في جرائم الاعتداء فيما دون النّفس ، من الجرح وقطع الأعضاء ، إذا وقعت بين المسلمين وأهل الذّمّة عند الشّافعيّة والحنابلة ، ويقتصّ من الذّمّيّ للمسلم ، وقال الحنفيّة بالقصاص بينهم مطلقاً إذا توفّرت الشّروط ، ومنع المالكيّة القصاص فيما دون النّفس بين المسلمين وبين أهل الذّمّة مطلقاً ، بحجّة عدم المماثلة . ولا خلاف في تطبيق القصاص إذا كانت الجروح فيما بين أهل الذّمّة وتوفّرت الشّروط . ( ر : قصاص ) .</p><p>ثالثاً - التّعزيرات :</p><p>39 - العقوبات التّعزيريّة يقدّرها وليّ الأمر حسب ظروف الجريمة والمجرم ، فتطبّق على المسلمين وأهل الذّمّة ، ويكون التّعزير مناسباً مع الجريمة شدّةً وضعفاً ومع حالة المجرم . وتفصيله في مصطلح : ( تعزيرٍ ) .</p><p>خضوع أهل الذّمّة لولاية القضاء العامّة </p><p>40 - جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على عدم جواز تقليد الذّمّيّ القضاء على الذّمّيّين ، وإنّما يخضعون إلى جهة القضاء العامّة الّتي يخضع لها المسلمون . وقالوا : وأمّا جريان العادة بنصب حاكمٍ من أهل الذّمّة عليهم ، فإنّما هي رئاسة وزعامة ، لا تقليد حكمٍ وقضاءٍ ، فلا يلزمهم حكمه بإلزامه ، بل بالتزامهم . </p><p>وقال الحنفيّة : إن حكم الذّمّيّ بين أهل الذّمّة جاز ، في كلّ ما يمكن التّحكيم فيه ، لأنّه أهل للشّهادة بين أهل الذّمّة ، فجاز تحكيمه بينهم . إلاّ أنّهم اتّفقوا على : أنّه لا يجوز تحكيم أهل الذّمّة فيما هو حقّ خالص للّه تعالى كحدّ الزّنى ، وأمّا تحكيمهم في القصاص ففيه خلاف بين الحنفيّة . </p><p>41 - وإذا رفعت الدّعوى إلى القضاء العامّ يحكم القاضي المسلم في خصومات أهل الذّمّة وجوباً ، إذا كان أحد الخصمين مسلماً باتّفاق الفقهاء . </p><p>أمّا إذا كان كلّهم من أهل الذّمّة ، فيجب الحكم بينهم أيضاً عند الحنفيّة والشّافعيّة ، وهو رواية عند الحنابلة ، بدليل قوله تعالى : { وأَنِ احْكُمْ بينهم بما أَنْزلَ اللّهُ } وفي روايةٍ أخرى للحنابلة : القاضي مخيّر بين الأمرين : الحكم أو الإعراض بدليل قوله تعالى : { فإنْ جَاءوك فاحْكُمْ بينهم أو أَعْرِضْ عنهم } . </p><p>أمّا المالكيّة فقد اشترطوا التّرافع من قبل الخصمين في جميع الدّعاوى ، وفي هذه الحالة يخيّر القاضي في النّظر في الدّعوى أو عدم النّظر فيها . وتفصيله في مصطلح : ( قضاءٍ ) ( وولايةٍ ) . وفي جميع الأحوال إذا حكم القاضي المسلم بين غير المسلمين لا يحكم إلاّ بالشّريعة الإسلاميّة ، لقوله تعالى : { وأن احْكمْ بينهم بما أنزل اللّه ولا تَتّبعْ أَهْواءهم واحْذرهم أن يَفْتِنُوك عن بعض ما أَنْزَل اللّه إليك } .</p><p>ما ينقض به عهد الذّمّة </p><p>42 - ينتهي عهد الذّمّة بإسلام الذّمّيّ ، لأنّ عقد الذّمّة عقد وسيلةً للإسلام ، وقد حصل المقصود . وينتقض عهد الذّمّة بلحوق الذّمّيّ دار الحرب ، أو بغلبتهم على موضعٍ يحاربوننا منه ، لأنّهم صاروا حرباً علينا ، فيخلو عقد الذّمّة عن الفائدة ، وهو دفع شرّ الحرب . وهذا باتّفاق المذاهب . وجمهور الفقهاء على أنّ عقد الذّمّة ينتقض أيضاً بالامتناع عن الجزية ، لمخالفته مقتضى العقد . وقال الحنفيّة : لو امتنع الذّمّيّ عن إعطاء الجزية لا ينتقض عهده ، لأنّ الغاية الّتي ينتهي بها القتال التزام الجزية لا أداؤها ، والالتزام باقٍ ، ويحتمل أن يكون الامتناع لعذر العجز الماليّ ، فلا ينقض العهد بالشّكّ . </p><p>43 - وهناك أسباب أخرى اعتبرها بعض الفقهاء ناقضةً للعهد مطلقاً ، وبعضهم بشروطٍ : فقد قال المالكيّة : ينقض عهد الذّمّة بالتّمرّد على الأحكام الشّرعيّة ، بإظهار عدم المبالاة بها ، وبإكراه حرّةٍ مسلمةٍ على الزّنى بها إذا زنى بها بالفعل ، وبغرورها وتزوّجها ووطئها ، وبتطلّعه على عورات المسلمين ، وبسبّ نبيٍّ مجمعٍ على نبوّته عندنا بما لم يقرّ على كفره به . فإن سبّ بما أقرّ على كفره به لم ينتقض عهده ، كما إذا قال : عيسى إله مثلاً ، فإنّه لا ينتقض عهده . </p><p>وقال الشّافعيّة : لو زنى ذمّيّ بمسلمةٍ ، أو أصابها بنكاحٍ ، أو دلّ أهل الحرب على عورة المسلمين ، أو فتن مسلماً عن دينه ، أو طعن في الإسلام أو القرآن ، أوذكر الرّسول صلى الله عليه وسلم بسوءٍ ، فالأصحّ أنّه إن شرط انتقاض العهد بها انتقض ، وإلاّ فلا ينتقض ، لمخالفته الشّرط في الأوّل دون الثّاني . </p><p>وقال الحنابلة في الرّواية المشهورة ، وهو وجه عند الشّافعيّة : إن فعلوا ما ذكر أو شيئاً منه نقض العهد مطلقاً ، ولو لم يشترط عليهم ، لأنّ ذلك هو مقتضى العقد . </p><p>أمّا الحنفيّة فقد صرّحوا بأنّ الذّمّيّ لو سبّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا ينقض عهده إذا لم يعلن السّبّ ، لأنّ هذا زيادة كفرٍ ، والعقد يبقى مع أصل الكفر ، فكذا مع الزّيادة ، وإذا أعلن قتل ، ولو امرأةً ، ولو قتل مسلماً أو زنى بمسلمةٍ لا ينقض عهده ، بل تطبّق عليه عقوبة القتل والزّنى ، لأنّ هذه معاصٍ ارتكبوها ، وهي دون الكفر في القبح والحرمة ، وبقيت الذّمّة مع الكفر ، فمع المعصية أولى .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41052, member: 329"] ثالثاً - صيرورته ذمّيّاً بالتّبعيّة : 15 - هناك حالات يصير فيها غير المسلم ذمّيّاً تبعاً لغيره ، لعلاقةٍ بينهما تستوجب هذه التّبعيّة في الذّمّة منها : أ - الأولاد الصّغار والزّوجة : 16 - صرّح جمهور الفقهاء : الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّ الأولاد الصّغار يدخلون في الذّمّة تبعاً لآبائهم أو أمّهاتهم إذا دخلوا في الذّمّة ، لأنّ عقد الذّمّة فيه التزام أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات ، والصّغير في مثل هذا يتبع خير الوالدين ، كما علّله الحنفيّة ، وهذا ما يفهم من كلام المالكيّة ، حيث قالوا . لا تعقد الذّمّة إلاّ لكافرٍ حرٍّ بالغٍ ذكرٍ ، فأمّا المرأة والعبد والصّبيّ فهم أتباع . واذا بلغ صبيان أهل الذّمّة تؤخذ منهم الجزية دون حاجةٍ إلى عقدٍ جديدٍ ، وهذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وهو وجه عند الشّافعيّة ، لأنّه لم يأت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من خلفائه تجديد العقد لهؤلاء ولأنّهم تبعوا الأب في الأمان ، فتبعوه في الذّمّة . والأصحّ عند الشّافعيّة أنّه يستأنف له عقد الذّمّة ، لأنّ العقد الأوّل كان للأب دونه ، فعلى هذا جزيته على ما يقع عليه التّراضي . ومثل هذا الحكم أنّ التّبعيّة في الذّمّة يجري على الزّوجة عند الحنفيّة ، فإنّهم قالوا : لو أنّ زوجين مستأمنين دخلا دار الإسلام بالأمان ، أو تزوّج مستأمن مستأمنةً في دارنا ثمّ صار الرّجل ذمّيّاً ، أو دخلت حربيّة دار الإسلام بأمانٍ فتزوّجت ذمّيّاً ، صارت ذمّيّةً تبعاً للزّوج ، لأنّ المرأة في المقام تابعة لزوجها . ب - اللّقيط : 17 - إذا وجد اللّقيط في مكان أهل الذّمّة ، كقريتهم أو بيعةٍ أو كنيسةٍ يعتبر ذمّيّاً تبعاً لهم ، ولو التقطه مسلم في ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، وهو المشهور عند المالكيّة . وقال الشّافعيّة والحنابلة : إذا وجد اللّقيط في دار الإسلام - وفيها أهل ذمّةٍ - أو بدارٍ فتحها المسلمون وأقرّوها بيد الكفّار صلحاً ، أو أقرّوها بيدهم بعد ملكها بجزيةٍ وفيها مسلم - ولو واحداً - حكم بإسلام اللّقيط ، لأنّه يحتمل أن يكون لذلك المسلم تغليباً للإسلام . وإن لم يكن فيما فتحوها مسلم فاللّقيط كافر . رابعاً - الذّمّة بالغلبة والفتح : 18 - هذا النّوع من الذّمّة يتحقّق فيما إذا فتح المسلمون بلاداً غير إسلاميّةٍ ، ورأى الإمام ترك أهل هذه البلاد أحراراً بالذّمّة ، وضرب الجزية عليهم ، كما فعل عمر بن الخطّاب في فتح سواد العراق . حقوق أهل الذّمّة 19 - القاعدة العامّة في حقوق أهل الذّمّة : أنّ لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وهذه القاعدة جرت على لسان فقهاء الحنفيّة ، وتدلّ عليها عبارات فقهاء المالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة . ويؤيّدها بعض الآثار عن السّلف ، فقد روي عن عليّ بن أبي طالبٍ أنّه قال :" إنّما قبلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ، ودماؤهم كدمائنا ". لكنّ هذه القاعدة غير مطبّقةٍ على إطلاقها ، فالذّمّيّون ليسوا كالمسلمين في جميع الحقوق والواجبات ، وذلك بسبب كفرهم وعدم التزامهم أحكام الإسلام . وفيما يلي نذكر ما يتمتّع به أهل الذّمّة من الحقوق : أوّلاً - حماية الدّولة لهم : 20 - يعتبر أهل الذّمّة من أهل دار الإسلام ، لأنّ المسلمين حين أعطوهم الذّمّة فقد التزموا دفع الظّلم عنهم والمحافظة عليهم ، وصاروا أهل دار الإسلام ، كما صرّح الفقهاء بذلك . وعلى ذلك فلأهل الذّمّة حقّ الإقامة آمنين مطمئنّين على دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، وعلى الإمام حمايتهم من كلّ من أراد بهم سوءاً من المسلمين أو أهل الحرب أو أهل الذّمّة ، لأنّه التزم بالعهد حفظهم من الاعتداء عليهم ، فيجب عليه الذّبّ عنهم ، ومنع من يقصدهم بالأذى من المسلمين أو الكفّار ، واستنقاذ من أسر منهم ، واسترجاع ما أخذ من أموالهم ، سواء كانوا مع المسلمين أم منفردين عنهم في بلدٍ لهم ، لأنّهم بذلوا الجزية لحفظهم وحفظ أموالهم . ومن مقتضيات عقد الذّمّة أنّ أهل الذّمّة لا يظلمون ولا يؤذون ، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ألا من ظلم معاهداً أو انتَقَصَه حقّه ، أو كلّفَهُ فوق طاقته ، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسٍ منه ، فأنا حجيجه يوم القيامة » . حتّى إنّ الفقهاء صرّحوا بأنّ أهل الحرب إذا استولوا على أهل الذّمّة ، فسبوهم وأخذوا أموالهم ، ثمّ قدر عليهم ، وجب ردّهم إلى ذمّتهم ، ولم يجز استرقاقهم ، وهذا في قول عامّة أهل العلم ، كما قال صاحب المغني : لأنّ ذمّتهم باقية ، ولم يوجد منهم ما ينقضها ، وحكم أموالهم حكم أموال المسلمين في حرمتها . ثانياً - حقّ الإقامة والتّنقّل : 21 - لأهل الذّمّة أن يقيموا في دار الإسلام آمنين مطمئنّين على أنفسهم وأموالهم ، ما لم يظهر منهم ما ينتقض به عهدهم ، لأنّهم إنّما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا ودماؤهم كدمائنا ، والمسلمون على شروطهم . لكنّ الفقهاء اتّفقوا على عدم جواز إقامة الذّمّيّ واستيطانه في مكّة والمدينة ، على خلافٍ وتفصيلٍ فيما سواهما ، ينظر في مصطلح ( أرض العرب ) لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا يجتمع في أرض العرب دينان » ولقوله عليه الصلاة والسلام : « لئن عشت - إن شاء اللّه - لأخرجنّ اليهود والنّصارى من جزيرة العرب » . أمّا في غيرها من المدن والقرى في دار الإسلام فيجوز لأهل الذّمّة أن يسكنوا فيها مع المسلمين أو منفردين ، لكن ليس لهم رفع بنائهم على المسلمين بقصد التّعلّي ، وإذا لزم من سكناهم في المصر بين المسلمين تقليل الجماعة أمروا بالسّكنى في ناحيةٍ - خارج المصر - ليس فيها جماعة المسلمين إذا ظهرت المصلحة في ذلك . 22 - وأمّا حقّ التّنقّل فيتمتّع أهل الذّمّة به في دار الإسلام أينما يشاءون للتّجارة وغيرها ، إلاّ أنّ في دخولهم مكّة والمدينة وأرض الحجاز تفصيل سبق بيانه في مصطلح ( أرض العرب ) . ثالثاً - عدم التّعرّض لهم في عقيدتهم وعبادتهم : 23 - إنّ من مقتضى عقد الذّمّة ألاّ يتعرّض المسلمون لأهل الذّمّة في عقيدتهم وأداء عبادتهم دون إظهار شعائرهم ، فعقد الذّمّة إقرار الكفّار على كفرهم بشرط بذل الجزية والتزام أحكام الملّة ، وإذا كان هناك احتمال دخول الذّمّيّ في الإسلام عن طريق مخالطته للمسلمين ووقوفه على محاسن الدّين ، فهذا يكون عن طريق الدّعوة لا عن طريق الإكراه ، وقد قال اللّه سبحانه وتعالى : { لا إكراه في الدّين } ، وفي كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأهل نجران : « ولنجران وحاشيتها جوار اللّه وذمّة محمّدٍ رسول اللّه على أموالهم وملّتهم وبيعهم وكلّ ما تحت أيديهم ... » وهذا الأصل متّفق عليه بين الفقهاء ، لكن هناك تفصيل وخلاف في بعض الفروع نذكره فيما يلي : أ - معابد أهل الذّمّة : 24 - قسّم الفقهاء أمصار المسلمين على ثلاثة أقسامٍ : الأوّل : ما اختطّه المسلمون وأنشئوه كالكوفة والبصرة وبغداد وواسط ، فلا يجوز فيه إحداث كنيسةٍ ولا بيعةٍ ولا مجتمعٍ لصلاتهم ولا صومعةٍ بإجماع أهل العلم ، ولا يمكّنون فيه من شرب الخمر واتّخاذ الخنازير وضرب النّاقوس ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا تبنى كنيسة في دار الإسلام ، ولا يجدّد ما خرب منها » ولأنّ هذا البلد ملك للمسلمين فلا يجوز أن يبنوا فيه مجامع للكفر ، ولو عاقدهم الإمام على التّمكّن من ذلك فالعقد باطل . الثّاني : ما فتحه المسلمون عنوةً ، فلا يجوز فيه إحداث شيءٍ من ذلك بالاتّفاق ، لأنّه صار ملكاً للمسلمين ، وما كان فيه شيء من ذلك هل يجب هدمه ؟ قال المالكيّة : وهو وجه عند الحنابلة : لا يجب هدمه ، لأنّ الصّحابة رضي الله عنهم فتحوا كثيراً من البلاد عنوةً فلم يهدموا شيئاً من الكنائس . ويشهد لصحّة هذا وجود الكنائس والبيع في البلاد الّتي فتحها المسلمون عنوةً ، وقد كتب عمر بن عبد العزيز إلى عمّاله :" ألاّ يهدموا بيعةً ولا كنيسةً ولا بيت نارٍ ". وفي الأصحّ عند الشّافعيّة ، وهو وجه عند الحنابلة : يجب هدمه ، فلا يقرّون على كنيسةٍ كانت فيه ، لأنّها بلاد مملوكة للمسلمين ، فلم يجز أن تكون فيها بيعة ، كالبلاد الّتي اختطّها المسلمون . وذهب الحنفيّة إلى أنّها لا تهدم ، ولكن تبقى بأيديهم مساكن ، ويمنعون من اتّخاذها للعبادة . الثّالث : ما فتحه المسلمون صلحاً ، فإن صالحهم الإمام على أنّ الأرض لهم والخراج لنا ، فلهم إحداث ما يحتاجون إليه فيها من الكنائس عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ، لأنّ الملك والدّار لهم ، فيتصرّفون فيها كيف شاءوا . وفي مقابل الأصحّ عند الشّافعيّة : المنع ، لأنّ البلد تحت حكم الإسلام . وإن صالحهم على أنّ الدّار لنا ، ويؤدّون الجزية ، فالحكم في الكنائس على ما يقع عليه الصّلح ، والأولى ألاّ يصالحهم إلاّ على ما وقع عليه صلح عمر رضي الله عنه من عدم إحداث شيءٍ منها . وإن وقع الصّلح مطلقاً ، لا يجوز الإحداث عند الجمهور : الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ويجوز في بلدٍ ليس فيه أحد من المسلمين عند المالكيّة . ولا يتعرّض للقديمة عند الحنفيّة والحنابلة ، وهو المفهوم من كلام المالكيّة ، والأصحّ عند الشّافعيّة المنع من إبقائها كنائس . ب - إجراء عباداتهم : 25 - الأصل في أهل الذّمّة تركهم وما يدينون ، فيقرّون على الكفر وعقائدهم وأعمالهم الّتي يعتبرونها من أمور دينهم ، كضرب النّاقوس خفيفاً في داخل معابدهم ، وقراءة التّوراة والإنجيل فيما بينهم ، ولا يمنعون من ارتكاب المعاصي الّتي يعتقدون بجوازها ، كشرب الخمر ، واتّخاذ الخنازير وبيعها ، أو الأكل والشّرب في نهار رمضان ، وغير ذلك فيما بينهم ، أو إذا انفردوا بقريةٍ . ويشترط في جميع هذا ألاّ يظهروها ولا يجهروا بها بين المسلمين ، وإلاّ منعوا وعزّروا ، وهذا باتّفاق المذاهب ، فقد جاء في شروط أهل الذّمّة لعبد الرّحمن بن غنمٍ : " ألاّ نضرب ناقوساً إلاّ ضرباً خفيّاً في جوف كنائسنا ، ولا نظهر عليها صليباً ، ولا نرفع أصواتنا في الصّلاة ولا القراءة في كنائسنا ، ولا نظهر صليباً ولا كتاباً في سوق المسلمين " إلخ . هذا ، وقد فصّل بعض الحنفيّة بين أمصار المسلمين وبين القرى ، فقالوا : لا يمنعون من إظهار شيءٍ من بيع الخمر والخنزير والصّليب وضرب النّاقوس في قريةٍ ، أو موضعٍ ليس من أمصار المسلمين ، ولو كان فيه عدد كثير من أهل الإسلام ، وإنّما يكره ذلك في أمصار المسلمين ، وهي الّتي تقام فيها الجمع والأعياد والحدود ، لأنّ المنع من إظهار هذه الأشياء لكونه إظهار شعائر الكفر في مكان إظهار شعائر الإسلام ، فيختصّ المنع بالمكان المعدّ لإظهار الشّعائر ، وهو المصر الجامع . وفصّل الشّافعيّة بين القرى العامّة والقرى الّتي ينفرد بها أهل الذّمّة ، فلا يمنعون في الأخيرة من إظهار عباداتهم . رابعاً - اختيار العمل : 26 - يتمتّع الذّمّيّ باختيار العمل الّذي يراه مناسباً للتّكسّب ، فيشتغل بالتّجارة والصّناعة كما يشاء ، فقد صرّح الفقهاء أنّ الذّمّيّ في المعاملات كالمسلم ، هذا هو الأصل ، وهناك استثناءات في هذا المجال ستأتي في بحث ما يمنع منه الذّمّيّون . أمّا الأشغال والوظائف العامّة ، فما يشترط فيه الإسلام كالخلافة ، والإمارة على الجهاد ، والوزارة وأمثالها ، فلا يجوز أن يعهد بذلك إلى ذمّيٍّ ، وما لا يشترط فيه الإسلام كتعليم الصّغار الكتابة ، وتنفيذ ما يأمر به الإمام أو الأمير ، يجوز أن يمارسه الذّمّيّون . وتفصيل هذه الوظائف في مصطلحاتها . وانظر كذلك مصطلح : ( استعانةٍ ) . المعاملات الماليّة لأهل الذّمّة : 27 - القاعدة العامّة أنّ أهل الذّمّة في المعاملات كالبيوع والإجارة وسائر التّصرّفات الماليّة كالمسلمين - إلاّ ما استثني من المعاملة بالخمر والخنزير ونحوهما كما سيأتي - . وذلك لأنّ الذّمّيّ ملتزم أحكام الإسلام فيما يرجع إلى المعاملات الماليّة ، فيصحّ منهم البيع والإجارة والمضاربة والمزارعة ونحوها من العقود والتّصرّفات الّتي تصحّ من المسلمين ، ولا تصحّ منهم عقود الرّبا والعقود الفاسدة والمحظورة الّتي لا تصحّ من المسلمين ، كما صرّح به فقهاء المذاهب . قال الجصّاص من الحنفيّة : إنّ الذّمّيّين في المعاملات والتّجارات كالبيوع وسائر التّصرّفات كالمسلمين ، ومثله ما قاله الإمام السّرخسيّ في المبسوط ، وصرّح به الكاسانيّ في البدائع حيث قال : كلّ ما جاز من بيوع المسلمين جاز من بيوع أهل الذّمّة ، وما يبطل أو يفسد من بيوع المسلمين يبطل ويفسد من بيوعهم ، إلاّ الخمر والخنزير . بل إنّ الشّافعيّة صرّحوا ببطلان بيع الخمر والخنزير بينهم أيضاً قبل القبض . وكلام المالكيّة والحنابلة أيضاً يدلّ على صحّة هذه القاعدة في الجملة ، لأنّ أهل الذّمّة من أهل دار الإسلام ، وملتزمون أحكام الإسلام في المعاملات . قال الإمام الشّافعيّ في الأمّ : تبطل بينهم البيوع الّتي تبطل بين المسلمين كلّها ، فإذا مضت واستهلكت لم نبطلها وقال : فإن جاء رجلان منهم قد تبايعا خمراً ولم يتقابضاها أبطلنا البيع ، وإن تقابضاها لم نردّه ، لأنّه قد مضى . إلاّ أنّ هناك ما يستثنى من هذه القاعدة نجمله فيما يلي : أ - المعاملة بالخمر والخنزير : 28 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا تجوز المعاملة بالخمر والخنزير بين المسلمين مطلقاً ، لأنّهما لا يعتبران مالاً متقوّماً عند المسلمين ، وقد روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « ألا إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والخنزير والميتة والأصنام » ، لكنّهم أقرّوا المعاملة بالخمر والخنزير بين أهل الذّمّة ، بنحو شربٍ أو بيعٍ أو هبةٍ أو مثلها ، بشرط عدم الإظهار ، لأنّ مقتضى عقد الذّمّة : أن يقرّ الذّمّيّ على الكفر مقابل الجزية ، ويترك هو وشأنه فيما يعتقده من الحلّ والحرمة ، والمعاملة بالخمر والخنزير ممّا يعتقد جوازها . وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء في الجملة . ويستدلّ الحنفيّة لذلك بقولهم : إنّ الخمر والخنزير مال متقوّم في حقّهم ، كالخلّ والشّاة للمسلمين ، فيجوز بيعه ، وروي عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه كتب إلى عُشّاره بالشّام :" أن ولّوهم بيعها ، وخذوا العشر من أثمانها ، ولو لم يجز بيع الخمر منهم لما أمرهم بتوليتهم البيع ". ب - ضمان الإتلاف : 29 - إذا أتلف الخمر والخنزير لمسلمٍ فلا ضمان اتّفاقاً ، لعدم تقوّمهما في حقّ المسلمين . وكذلك إتلافهما لأهل الذّمّة عند الشّافعيّة والحنابلة ، لأنّ ما لا يكون مضموناً في حقّ المسلم لا يكون مضموناً في حقّ غيره . لكنّ الحنفيّة صرّحوا بضمان متلفهما لأهل الذّمّة ، لأنّهما مال متقوّم في حقّهم ، وبهذا قال المالكيّة ، إذا لم يظهر الذّمّيّ الخمر والخنزير ، وتفصيله في مصطلح : ( ضمان ) . ج - استئجار الذّمّيّ مسلماً للخدمة : 30 - تجوز معاملة الإيجار والاستئجار بين المسلمين وأهل الذّمّة في الجملة ، لكنّه إذا استأجر الذّمّيّ مسلماً لإجراء عملٍ ، فإذا كان العمل الّذي يؤاجر المسلم للقيام به ممّا يجوز لنفسه كالخياطة والبناء والحرث فلا بأس به ، أمّا إذا كان لا يجوز له أن يعمله كعصر الخمور ورعي الخنازير ونحو ذلك فلا يجوز . وقال بعض الفقهاء : لا يجوز استئجار المسلم لخدمة الذّمّيّ الشّخصيّة ، لما فيه من إذلال المسلم لخدمة الكافر . وتفصيله في مصطلح : ( إجارةٍ ) د - وكالة الذّمّيّ في نكاح المسلمة : 31 - لا يصحّ أن يوكّل مسلم كافراً في عقد النّكاح له من مسلمةٍ عند الشّافعيّة والحنابلة ، لأنّ الذّمّيّ لا يملك عقد هذا النّكاح لنفسه فلا يجوز وكالته . وقال الحنفيّة والمالكيّة : تصحّ هذه الوكالة ، لأنّ الشّرط لصحّة الوكالة : أن يكون الموكّل ممّن يملك فعل ما وكّل به ، وأن يكون الوكيل عاقلاً ، مسلماً كان أو غير مسلمٍ . هـ – عدم تمكين الذّمّيّ من شراء المصحف وكتب الحديث : 32 - لا يجوز تمكين الذّمّيّ من شراء المصحف أو دفترٍ فيه أحاديث عند جمهور الفقهاء ( المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ) لأنّ ذلك قد يؤدّي إلى ابتذاله . ولم نعثر في كتب الحنفيّة على ما يمنع ذلك ، إلاّ أنّ أبا حنيفة وأبا يوسف يمنعان الذّمّيّ من مسّ المصحف ، وجوّزه محمّد إذا اغتسل لذلك . وتفصيله في مصطلح : ( مصحف ) . و - شهادة أهل الذّمّة : 33 - لا تقبل شهادة أهل الذّمّة على المسلمين اتّفاقاً ، إلاّ في الوصيّة في السّفر إذا لم يوجد غيرهم عند الحنابلة . ويعلّل الفقهاء عدم قبول الشّهادة منهم بأنّ الشّهادة فيها معنى الولاية ، ولا ولاية للكافر على المسلم . كذلك لا تقبل شهادة أهل الذّمّة بعضهم على بعضٍ عند جمهور الفقهاء : المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، بدليل قوله تعالى : { وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ منكم } ، والكافر ليس بذي عدلٍ . وأجازها الحنفيّة وإن اختلفت مللهم ، ما داموا عدولاً في دينهم ، لما روي « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة أهل الذّمّة بعضهم على بعضٍ » ولأنّ بعضهم أولياء بعضٍ ، فتقبل شهادة بعضهم على بعضٍ . هذا ، وهناك استثناءات أخرى في مسائل الوصيّة وإثبات الشّفعة والتّملّك بإحياء الموات ونحوها ، تنظر في مصطلحاتها وفي مظانّها من كتب الفقه . أنكحة أهل الذّمّة وما يتعلّق بها 34 - لا يختلف أحكام نكاح أهل الذّمّة عن غيرهم من أهل الكتاب وسائر الكفّار ، إلاّ أنّه يجوز للمسلم أن يتزوّج كتابيّةً . ولا يجوز زواج المسلمة من غير المسلم ، ولو كان ذمّيّاً أو كتابيّاً . وذلك باتّفاق الفقهاء لقوله تعالى : { ولا تُنْكِحُوا المشركينَ حتّى يُؤْمنوا } ولقوله تعالى : { فلا تَرْجِعوهنّ إلى الكفّار لا هُنّ حِلٌّ لهم ولا هم يَحِلُّون لهنّ } ولا يجوز زواج مسلمٍ من ذمّيّةٍ غير كتابيّةٍ ، لقوله تعالى : { ولا تَنْكِحوا المشركاتِ حتّى يُؤْمِنّ } ويجوز للمسلم أن يتزوّج ذمّيّةً ، إذا كانت كتابيّةً كاليهوديّة والنّصرانيّة ، لقوله تعالى : { اليوم أُحِلّ لكم الطّيّباتُ } إلى قوله تعالى : { والمحصناتُ من الّذين أُوتوا الكتابَ من قبلكم } وتفصيل ذلك في النّكاح وغيره . واجبات أهل الذّمّة الماليّة 35 - على أهل الذّمّة واجبات وتكاليف ماليّة يلتزمون بها قبل الدّولة الإسلاميّة مقابل ما يتمتّعون به من الحماية والحقوق ، وهذه الواجبات عبارة عن الجزية والخراج والعشور ، وفيما يلي نجمل أحكامها : أ - الجزية : وهي المال الّذي تعقد عليه الذّمّة لغير المسلم لأمنه واستقراره ، تحت حكم الإسلام وصونه . وتؤخذ كلّ سنةٍ من العاقل البالغ الذّكر ، ولا تجب على الصّبيان والنّساء والمجانين اتّفاقاً ، كما يشترط في وجوبها : السّلامة من الزّمانة والعمى والكبر عند جمهور الفقهاء . وفي مقدارها ووقت وجوبها وما تسقط به الجزية وغيرها من الأحكام تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح : ( جزية ) . ب - الخراج : وهو ما وضع على رقاب الأرض من حقوقٍ تؤدّى عنها . وهو إمّا أن يكون خراج الوظيفة الّذي يفرض على الأرض بالنّسبة إلى مساحتها ونوع زراعتها ، وإمّا أن يكون خراج المقاسمة الّذي يفرض على الخارج من الأرض كالخمس أو السّدس أو نحو ذلك ، كما هو مبيّن في مصطلح : ( خراج ) . ج - العشور : وهي الّتي تفرض على أموال أهل الذّمّة المعدّة للتّجارة ، إذا انتقلوا بها من بلدٍ إلى بلدٍ داخل دار الإسلام ، ومقدارها نصف العشر ، وتؤخذ مرّةً واحدةً في السّنة حين الانتقال عند جمهور الفقهاء ، خلافاً للمالكيّة حيث أوجبوها في كلّ مرّةٍ ينتقلون بها . وتفصيله في مصطلح : ( عشرٍ ) . ما يمنع منه أهل الذّمّة : 36 - يجب على أهل الذّمّة الامتناع عمّا فيه غضاضة على المسلمين ، وانتقاص دين الإسلام ، مثل ذكر اللّه سبحانه وتعالى أو كتابه أو رسوله أو دينه بسوءٍ لأنّ إظهار هذه الأفعال استخفاف بالمسلمين وازدراء بعقيدتهم . وعدم التزام الذّمّيّ بما ذكر يؤدّي إلى انتقاض ذمّته عند جمهور الفقهاء ، خلافاً للحنفيّة ، كما سيأتي في بحث ما ينتقض به عهد الذّمّة . كذلك يمنع أهل الذّمّة من إظهار بيع الخمور والخنازير في أمصار المسلمين ، أو إدخالها فيها على وجه الشّهرة والظّهور . ويمنعون كذلك من إظهار فسقٍ يعتقدون حرمته كالفواحش ونحوها . ويؤخذ أهل الذّمّة بالتّمييز عن المسلمين في زيّهم ومراكبهم وملابسهم ، ولا يصدّرون في مجالس ، وذلك إظهاراً للصّغار عليهم ، وصيانةً لضعفة المسلمين عن الاغترار بهم أو موالاتهم . وتفصيل ما يميّز به أهل الذّمّة عن المسلمين في الزّيّ والملبس والمركب وغيرها من المسائل تنظر في كتب الفقه ، عند الكلام عن الجزية وعقد الذّمّة . جرائم أهل الذّمّة وعقوباتهم أوّلاً - ما يختصّ بأهل الذّمّة في الحدود : 37 - إذا ارتكب أحد من أهل الذّمّة جريمةً من جرائم الحدود ، كالزّنى أو القذف أو السّرقة أو قطع الطّريق ، يعاقب بالعقاب المحدّد لهذه الجرائم شأنهم في ذلك شأن المسلمين ، إلاّ شرب الخمر حيث لا يتعرّض لهم فيه ، لما يعتقدون من حلّها ، ومراعاةً لعهد الذّمّة ، إلاّ إن أظهروا شربها ، فيعزّرون ، وهذا عند جمهور الفقهاء في الجملة ، إلاّ أنّ هناك بعض الأحكام يختصّ بها أهل الذّمّة نجملها فيما يأتي : أ - ذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف إلى المساواة في تطبيق عقوبة الرّجم على الذّمّيّ والمسلم ، ولو كان متزوّجاً من ذمّيّةٍ ، لعموم النّصوص في تطبيق هذه العقوبة ، ولما ورد « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر برجم يهوديّين ». وصرّح أبو حنيفة ومالك بأنّ الزّاني من أهل الذّمّة إذا كان متزوّجاً لا يرجم ، لاشتراط الإسلام في تطبيق الرّجم عندهما ، وكذلك المسلم المتزوّج بالكتابيّة لا يرجم عند أبي حنيفة ، لأنّه يشترط في الإحصان : الإسلام والزّواج من مسلمةٍ مستدلّاً بما « قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لحذيفة حين أراد أن يتزوّج يهوديّةً : دعها فإنّها لا تحصنك » ، ب - لا حدّ على من قذف أحداً من أهل الذّمّة ، بل يعزّر ، سواء كان القاذف مسلماً أم من أهل الذّمّة ، لأنّه يشترط في القذف أن يكون المقذوف مسلماً ، وهذا باتّفاق الفقهاء . ج - يطبّق حدّ السّرقة على السّارق المسلم أو الذّمّيّ ، سواء أكان المسروق منه مسلماً أم من أهل الذّمّة اتّفاقاً ، إلاّ إذا كان المسروق خمراً أو خنزيراً ، لعدم تقوّمهما ، كما هو مبيّن في مصطلح : ( سرقة ) . د - إذا بغى جماعة من أهل الذّمّة منفردين عن المسلمين انتقض عهدهم عند جمهور الفقهاء ، إلاّ إذا كان بينهم عن ظلمٍ ركبهم عند المالكيّة ، وإذا بغوا مع البغاة المسلمين ففيه تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح : ( بغيٍ ) . هذا ، ويعاقب أهل الذّمّة بعقوبة قطع الطّريق ( الحرابة ) إذا توفّرت شروطها كالمسلمين بلا خلافٍ . ثانياً - ما يختصّ بأهل الذّمّة في القصاص : 38 - أ - إذا ارتكب الذّمّيّ القتل العمد وجب عليه القصاص ، إذا كان القتيل مسلماً أو من أهل الذّمّة بلا خلافٍ ، وكذلك إن كان القتيل مستأمناً عند جمهور الفقهاء ، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال : إنّ عصمة المستأمن مؤقّتة ، فكان في حقن دمه شبهة تسقط القصاص . أمّا إذا قتل مسلم ذمّيّاً أو ذمّيّةً عمداً ، فقد قال الشّافعيّة والحنابلة : لا قصاص على المسلم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا يقتل مسلم بكافرٍ » ، وعند الحنفيّة يقتصّ من المسلم للذّمّيّ ، وهذا قول المالكيّة أيضاً إذا قتله المسلم غيلةً ( خديعةً ) أو لأجل المال ، وتفصيله في مصطلح ( قصاص ) . ب - لا فرق بين المسلم والذّمّيّ في وجوب الدّية في القتل الخطأ وشبه العمد وشبه الخطأ على عاقلة القاتل ، سواء أكان القتيل مسلماً أم من أهل الذّمّة . وفي مقدار دية الذّمّيّ المقتول ، ومن يشترك في تحمّلها من عاقلة الذّمّيّ القاتل تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح : ( دية ) و ( عاقلة ) . ولا تجب الكفّارة على الذّمّيّ عند الحنفيّة والمالكيّة ، لما فيها من معنى القربة ، والكافر ليس من أهلها ، ويجب عند الشّافعيّة والحنابلة لأنّها حقّ ماليّ يستوي فيه المسلم والذّمّيّ ، لا إن كانت صياماً . ( ر : كفّارة ) . ج - لا يقتصّ من المسلم للذّمّيّ في جرائم الاعتداء فيما دون النّفس ، من الجرح وقطع الأعضاء ، إذا وقعت بين المسلمين وأهل الذّمّة عند الشّافعيّة والحنابلة ، ويقتصّ من الذّمّيّ للمسلم ، وقال الحنفيّة بالقصاص بينهم مطلقاً إذا توفّرت الشّروط ، ومنع المالكيّة القصاص فيما دون النّفس بين المسلمين وبين أهل الذّمّة مطلقاً ، بحجّة عدم المماثلة . ولا خلاف في تطبيق القصاص إذا كانت الجروح فيما بين أهل الذّمّة وتوفّرت الشّروط . ( ر : قصاص ) . ثالثاً - التّعزيرات : 39 - العقوبات التّعزيريّة يقدّرها وليّ الأمر حسب ظروف الجريمة والمجرم ، فتطبّق على المسلمين وأهل الذّمّة ، ويكون التّعزير مناسباً مع الجريمة شدّةً وضعفاً ومع حالة المجرم . وتفصيله في مصطلح : ( تعزيرٍ ) . خضوع أهل الذّمّة لولاية القضاء العامّة 40 - جمهور الفقهاء من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على عدم جواز تقليد الذّمّيّ القضاء على الذّمّيّين ، وإنّما يخضعون إلى جهة القضاء العامّة الّتي يخضع لها المسلمون . وقالوا : وأمّا جريان العادة بنصب حاكمٍ من أهل الذّمّة عليهم ، فإنّما هي رئاسة وزعامة ، لا تقليد حكمٍ وقضاءٍ ، فلا يلزمهم حكمه بإلزامه ، بل بالتزامهم . وقال الحنفيّة : إن حكم الذّمّيّ بين أهل الذّمّة جاز ، في كلّ ما يمكن التّحكيم فيه ، لأنّه أهل للشّهادة بين أهل الذّمّة ، فجاز تحكيمه بينهم . إلاّ أنّهم اتّفقوا على : أنّه لا يجوز تحكيم أهل الذّمّة فيما هو حقّ خالص للّه تعالى كحدّ الزّنى ، وأمّا تحكيمهم في القصاص ففيه خلاف بين الحنفيّة . 41 - وإذا رفعت الدّعوى إلى القضاء العامّ يحكم القاضي المسلم في خصومات أهل الذّمّة وجوباً ، إذا كان أحد الخصمين مسلماً باتّفاق الفقهاء . أمّا إذا كان كلّهم من أهل الذّمّة ، فيجب الحكم بينهم أيضاً عند الحنفيّة والشّافعيّة ، وهو رواية عند الحنابلة ، بدليل قوله تعالى : { وأَنِ احْكُمْ بينهم بما أَنْزلَ اللّهُ } وفي روايةٍ أخرى للحنابلة : القاضي مخيّر بين الأمرين : الحكم أو الإعراض بدليل قوله تعالى : { فإنْ جَاءوك فاحْكُمْ بينهم أو أَعْرِضْ عنهم } . أمّا المالكيّة فقد اشترطوا التّرافع من قبل الخصمين في جميع الدّعاوى ، وفي هذه الحالة يخيّر القاضي في النّظر في الدّعوى أو عدم النّظر فيها . وتفصيله في مصطلح : ( قضاءٍ ) ( وولايةٍ ) . وفي جميع الأحوال إذا حكم القاضي المسلم بين غير المسلمين لا يحكم إلاّ بالشّريعة الإسلاميّة ، لقوله تعالى : { وأن احْكمْ بينهم بما أنزل اللّه ولا تَتّبعْ أَهْواءهم واحْذرهم أن يَفْتِنُوك عن بعض ما أَنْزَل اللّه إليك } . ما ينقض به عهد الذّمّة 42 - ينتهي عهد الذّمّة بإسلام الذّمّيّ ، لأنّ عقد الذّمّة عقد وسيلةً للإسلام ، وقد حصل المقصود . وينتقض عهد الذّمّة بلحوق الذّمّيّ دار الحرب ، أو بغلبتهم على موضعٍ يحاربوننا منه ، لأنّهم صاروا حرباً علينا ، فيخلو عقد الذّمّة عن الفائدة ، وهو دفع شرّ الحرب . وهذا باتّفاق المذاهب . وجمهور الفقهاء على أنّ عقد الذّمّة ينتقض أيضاً بالامتناع عن الجزية ، لمخالفته مقتضى العقد . وقال الحنفيّة : لو امتنع الذّمّيّ عن إعطاء الجزية لا ينتقض عهده ، لأنّ الغاية الّتي ينتهي بها القتال التزام الجزية لا أداؤها ، والالتزام باقٍ ، ويحتمل أن يكون الامتناع لعذر العجز الماليّ ، فلا ينقض العهد بالشّكّ . 43 - وهناك أسباب أخرى اعتبرها بعض الفقهاء ناقضةً للعهد مطلقاً ، وبعضهم بشروطٍ : فقد قال المالكيّة : ينقض عهد الذّمّة بالتّمرّد على الأحكام الشّرعيّة ، بإظهار عدم المبالاة بها ، وبإكراه حرّةٍ مسلمةٍ على الزّنى بها إذا زنى بها بالفعل ، وبغرورها وتزوّجها ووطئها ، وبتطلّعه على عورات المسلمين ، وبسبّ نبيٍّ مجمعٍ على نبوّته عندنا بما لم يقرّ على كفره به . فإن سبّ بما أقرّ على كفره به لم ينتقض عهده ، كما إذا قال : عيسى إله مثلاً ، فإنّه لا ينتقض عهده . وقال الشّافعيّة : لو زنى ذمّيّ بمسلمةٍ ، أو أصابها بنكاحٍ ، أو دلّ أهل الحرب على عورة المسلمين ، أو فتن مسلماً عن دينه ، أو طعن في الإسلام أو القرآن ، أوذكر الرّسول صلى الله عليه وسلم بسوءٍ ، فالأصحّ أنّه إن شرط انتقاض العهد بها انتقض ، وإلاّ فلا ينتقض ، لمخالفته الشّرط في الأوّل دون الثّاني . وقال الحنابلة في الرّواية المشهورة ، وهو وجه عند الشّافعيّة : إن فعلوا ما ذكر أو شيئاً منه نقض العهد مطلقاً ، ولو لم يشترط عليهم ، لأنّ ذلك هو مقتضى العقد . أمّا الحنفيّة فقد صرّحوا بأنّ الذّمّيّ لو سبّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا ينقض عهده إذا لم يعلن السّبّ ، لأنّ هذا زيادة كفرٍ ، والعقد يبقى مع أصل الكفر ، فكذا مع الزّيادة ، وإذا أعلن قتل ، ولو امرأةً ، ولو قتل مسلماً أو زنى بمسلمةٍ لا ينقض عهده ، بل تطبّق عليه عقوبة القتل والزّنى ، لأنّ هذه معاصٍ ارتكبوها ، وهي دون الكفر في القبح والحرمة ، وبقيت الذّمّة مع الكفر ، فمع المعصية أولى . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية