الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41054" data-attributes="member: 329"><p>أهليّة *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - الأهليّة مصدر صناعيّ لكلمة ( أهلٍ ) ومعناها لغةً - كما في أصول البزدويّ - : الصّلاحيّة . </p><p>ويتّضح تعريف الأهليّة في الاصطلاح من خلال تعريف نوعيها : أهليّة الوجوب ، وأهليّة الأداء . فأهليّة الوجوب هي : صلاحيّة الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه . وأهليّة الأداء هي : صلاحيّة الإنسان لصدور الفعل منه على وجهٍ يعتدّ به شرعاً . </p><p>الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>أ - التّكليف :</p><p>2 - التّكليف معناه في اللّغة : إلزام ما فيه كلفة ومشقّة . </p><p>وهو في الاصطلاح كذلك ، حيث قالوا التّكليف إلزام المخاطب بما فيه كلفة ومشقّة من فعلٍ أو تركٍ . فالأهليّة وصف للمكلّف .</p><p>ب - الذّمّة :</p><p>3 - الذّمّة معناها في اللّغة : العهد والضّمان والأمان . </p><p>وأمّا في الاصطلاح فإنّها : وصف يصيّر الشّخص به أهلاً للإلزام والالتزام . </p><p>فالفرق بين الأهليّة والذّمّة : أنّ الأهليّة أثر لوجود الذّمّة . </p><p>مناط الأهليّة ومحلّها :</p><p>4 - الأهليّة بمعناها المتقدّم مناطها أي محلّها الإنسان ، من حيث الأطوار الّتي يمرّ بها ، فإنّه في البداية يكون جنيناً في بطن أمّه ، فتثبت له أحكام الأهليّة الخاصّة بالجنين ، وبعد الولادة إلى سنّ التّمييز يكون طفلاً ، فتثبت له أحكام الأهليّة الخاصّة بالطّفل ، وبعد التّمييز تثبت له أحكام الأهليّة الخاصّة بالمميّز إلى أن يصل به الأمر إلى سنّ البلوغ ، فتثبت له الأهليّة الكاملة ، ما لم يمنع من ذلك مانع ، كطروء عارضٍ يمنع ثبوت تلك الأهليّة الكاملة له ، وسيأتي بيان ذلك عند الكلام على أقسام الأهليّة وعوارضها .</p><p>أقسام الأهليّة وأنواعها :</p><p>5 - الأهليّة قسمان : أهليّة وجوبٍ ، وأهليّة أداءً . وأهليّة الوجوب قد تكون كاملةً ، وقد تكون ناقصةً . وكذا أهليّة الأداء ، وبيان ذلك فيما يلي : </p><p>أوّلاً : أهليّة الوجوب :</p><p>6 - سبق أنّ معنى أهليّة الوجوب : صلاحيّة الشّخص لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه معاً ، أو له ، أو عليه . </p><p>وأهليّة الوجوب تنقسم فروعها وتتعدّد بحسب انقسام الأحكام ، فالصّبيّ أهل لبعض الأحكام ، وليس بأهلٍ لبعضها أصلاً ، وهو أهل لبعضها بواسطة رأي الوليّ ، فكانت هذه الأهليّة منقسمةً نظراً إلى أفراد الأحكام ، وأصلها واحد ، وهو الصّلاح للحكم ، فمن كان أهلاً لحكم الوجوب بوجهٍ كان هو أهلاً للوجوب ، ومن لا فلا . </p><p>ومبنى أهليّة الوجوب هذه على الذّمّة ، أي أنّ هذه الأهليّة لا تثبت إلاّ بعد وجود ذمّةٍ صالحةٍ ، لأنّ الذّمّة هي محلّ الوجوب ، ولهذا يضاف إليها ولا يضاف إلى غيرها بحالٍ ، ولهذا اختصّ الإنسان بالوجوب دون سائر الحيوانات الّتي ليست لها ذمّة . </p><p>وقد أجمع الفقهاء على ثبوت هذه الذّمّة للإنسان منذ ولادته ، حتّى يكون صالحاً لوجوب الحقوق له وعليه ، فيثبت له ملك النّكاح بتزويج الوليّ إيّاه ، ويجب عليه المهر بعقد الوليّ. أنواع أهليّة الوجوب :</p><p>7 - أهليّة الوجوب نوعان :</p><p>أ - أهليّة الوجوب النّاقصة ، وتتمثّل في الجنين في بطن أمّه ، باعتباره نفساً مستقلّةً عن أمّه ذا حياةٍ خاصّةٍ ، فإنّه صالح لوجوب الحقوق له من وجهٍ كما سيأتي ، لا عليه ، لأنّ ذمّته لم تكتمل ما دام في بطن أمّه .</p><p>ب - أهليّة الوجوب الكاملة ، وهي تثبت للإنسان منذ ولادته ، فإنّه تثبت له أهليّة الوجوب الكاملة ، لكمال ذمّته حينئذٍ من كلّ وجهٍ ، فيكون بهذا صالحاً لوجوب الحقوق له وعليه .</p><p>ثانياً : أهليّة الأداء :</p><p>8 - سبق أنّ أهليّة الأداء هي : صلاحيّة الإنسان لصدور الفعل منه على وجهٍ يعتد به شرعاً . وأهليّة الأداء هذه لا توجد عند الشّخص إلاّ إذا بلغ سنّ التّمييز ، لقدرته حينئذٍ على فهم الخطاب ولو على سبيل الإجمال ، ولقدرته على القيام ببعض الأعباء ، فتثبت له أهليّة الأداء القاصرة ، وهي الّتي تناسبه ما دام نموّه لم يكتمل جسماً وعقلاً ، فإذا اكتمل ببلوغه ورشده ثبتت له أهليّة الأداء الكاملة ، فيكون حينئذٍ أهلاً للتّحمّل والأداء ، بخلاف غير المميّز ، فإنّه لا تثبت له هذه الأهليّة لانتفاء القدرتين عنه . </p><p>أنواع أهليّة الأداء :</p><p>9 - أهليّة الأداء نوعان :</p><p>أ - أهليّة أداءً قاصرة ، وهي الّتي تثبت بقدرةٍ قاصرةٍ .</p><p>ب - أهليّة أداءً كاملة ، وهي الّتي تثبت بقدرةٍ كاملةٍ . </p><p>والمراد بالقدرة هنا : قدرة الجسم أو العقل ، أو هما معاً ، لأنّ الأداء - كما قال البزدويّ - يتعلّق بقدرتين : قدرة فهم الخطاب وذلك بالعقل ، وقدرة العمل به وهي بالبدن ، والإنسان في أوّل أحواله عديم القدرتين ، لكن فيه استعداد وصلاحيّة لأن توجد فيه كلّ واحدةٍ من القدرتين شيئاً فشيئاً بخلق اللّه تعالى ، إلى أن تبلغ كلّ واحدةٍ منهما درجة الكمال ، فقبل بلوغ درجة الكمال كانت كلّ واحدةٍ منهما قاصرةً ، كما هو الحال في الصّبيّ المميّز قبل البلوغ ، وقد تكون إحداهما قاصرةً ، كما في المعتوه بعد البلوغ ، فإنّه قاصر العقل مثل الصّبيّ ، وإن كان قويّ البدن ، ولهذا ألحق بالصّبيّ في الأحكام . </p><p>فالأهليّة الكاملة : عبارة عن بلوغ القدرتين أوّل درجات الكمال ، وهو المراد بالاعتدال في لسان الشّرع . والقاصرة : عبارة عن القدرتين قبل بلوغهما أو بلوغ إحداهما درجة الكمال . ثمّ الشّرع بنى على الأهليّة القاصرة صحّة الأداء ، وعلى الكاملة وجوب الأداء وتوجّه الخطاب ، لأنّه لا يجوز إلزام الإنسان الأداء في أوّل أحواله ، إذ لا قدرة له أصلاً ، وإلزام ما لا قدرة له عليه منتفٍ شرعاً وعقلاً ، وبعد وجود أصل العقل وأصل قدرة البدن قبل الكمال ، ففي إلزام الأداء حرج ، لأنّه يحرج الفهم بأدنى عقله ، ويثقل عليه الأداء بأدنى قدرة البدن ، والحرج منتفٍ أيضاً بقوله تعالى : { وما جَعَلَ عليكم في الدِّينِ من حَرَجٍ } فلم يخاطب شرعاً لأوّل أمره حكمةً ، ولأوّل ما يعقل ويقدر رحمةً ، إلى أن يعتدل عقله وقدرة بدنه ، فيتيسّر عليه الفهم والعمل به . </p><p>ثمّ وقت الاعتدال يتفاوت في جنس البشر على وجهٍ يتعذّر الوقوف عليه ، ولا يمكن إدراكه إلاّ بعد تجربةٍ وتكلّفٍ عظيمٍ ، فأقام الشّرع البلوغ الّذي تعتدل لديه العقول في الأغلب مقام اعتدال العقل حقيقةً ، تيسيراً على العباد ، وصار توهّم وصف الكمال قبل هذا الحدّ ، وتوهّم بقاء القصور بعد هذا الحدّ ساقطي الاعتبار ، لأنّ السّبب الظّاهر متى أقيم مقام المعنى الباطن دار الحكم معه وجوداً وعدماً ، وأيّد هذا كلّه قوله عليه السلام : « رفع القلم عن ثلاثٍ : عن الصّبيّ حتّى يحتلم والمجنون حتّى يفيق ، والنّائم حتّى يستيقظ » . </p><p>والمراد بالقلم : الحساب ، والحساب إنّما يكون بعد لزوم الأداء ، فدلّ على أنّ ذلك لا يثبت إلاّ بالأهليّة الكاملة ، وهي اعتدال الحال بالبلوغ عن عقلٍ .</p><p>أثر الأهليّة في التّصرّفات :</p><p>10 - التّصرّفات الّتي تحكمها الأهليّة - سواء أكانت من حقوق اللّه أم من حقوق الآدميّين - تختلف وتتعدّد أحكامها تبعاً لاختلاف نوع الأهليّة ، وتبعاً لاختلاف مراحل النّموّ الّتي يمرّ بها الإنسان الّذي هو مناط تلك الأهليّة ، فالأهليّة - كما سبق - إمّا أهليّة وجوبٍ وإمّا أهليّة أداءً ، وكلّ واحدةٍ منهما قد تكون ناقصةً وقد تكون كاملةً ، ولكلٍّ حكمه . </p><p>هذا ، وللوقوف على تلك الأحكام ، لا بدّ أن نتناول تلك المراحل الّتي يمرّ بها الإنسان ، وبيان الأحكام الخاصّة به في كلّ مرحلةٍ من تلك المراحل . </p><p>المراحل الّتي يمرّ بها الإنسان :</p><p>11 - يمرّ الإنسان من حين نشأته بخمس مراحل أساسيّةٍ ، وهذه المراحل هي : </p><p>- 1 - مرحلة ما قبل الولادة ، أي حين يكون جنيناً في بطن أمّه . </p><p>- 2 - مرحلة الطّفولة والصّغر ، أي بعد انفصاله عن أمّه ، وقبل بلوغه سنّ التّمييز . </p><p>- 3 - مرحلة التّمييز ، أي من حين بلوغه سنّ التّمييز إلى البلوغ . </p><p>- 4 - مرحلة البلوغ ، أي بعد انتقاله من سنّ الصّغر إلى سنّ الكبر . </p><p>- 5 - مرحلة الرّشد ، أي اكتمال العقل . هذا ، ولكلّ مرحلةٍ من هذه المراحل أحكام خاصّة نذكرها فيما يلي : </p><p>المرحلة الأولى - الجنين :</p><p>12 - الجنين في اللّغة : مأخوذ من الاجتنان ، وهو الخفاء ، وهو وصف للولد ما دام في بطن أمّه ، والفقهاء في تعريفهم للجنين لا يخرجون عن هذا المعنى ، إذ معناه عندهم : وصف للولد ما دام في البطن . </p><p>والجنين إذا نظر إليه من جهة كونه كالجزء من أمّه يتغذّى بغذائها يحكم بعدم استقلاله ، فلا تثبت له ذمّة ، وبالتّالي فلا يجب له ولا عليه شيء . </p><p>وإذا نظر إليه من جهة كونه نفساً مستقلّةً بحياةٍ خاصّةٍ يحكم بثبوت الذّمّة له ، وبذلك يكون أهلاً لوجوب الحقوق له وعليه . ولمّا لم يمكن ترجيح إحدى الجهتين على الأخرى من كلّ وجهٍ ، فإنّ الشّرع عامله من جهة كونه جزءاً من أمّه بعدم أهليّته للوجوب عليه ، وعامله من جهة كونه نفساً مستقلّةً بحياةٍ خاصّةٍ بكونه أهلاً للوجوب له ، وبهذا لا يكون للجنين أهليّة وجوبٍ كاملةً ، بل أهليّة وجوبٍ ناقصةً .</p><p>13 - وقد اتّفق الفقهاء على إثبات بعض الحقوق للجنين ، كحقّه في النّسب ، وحقّه في الإرث ، وحقّه في الوصيّة ، وحقّه في الوقف . </p><p>فأمّا حقّه في النّسب من أبيه : فإنّه لو تزوّج رجل وأتت امرأته بولدٍ ثبت نسبه منه ، إذا توافرت شروط ثبوت النّسب المبيّنة في موضعها . ر : ( نسب ) . </p><p>وأمّا حقّه في الإرث : فهو ثابت بإجماع الصّحابة كما جاء في الفتاوى الهنديّة وقد اتّفق الفقهاء على استحقاق الحمل للإرث متى قام به سبب استحقاقه وتوافرت فيه شروطه . وكذلك اتّفق الفقهاء على صحّة الوصيّة له . وأمّا حقّه في الوقف : فقد أجاز الحنفيّة والمالكيّة الوقف عليه ، قياساً على الوصيّة ، ويستحقّه إن استهلّ . </p><p>ولم يجوّز الشّافعيّة الوقف عليه ، لأنّ الوقف تسليط في الحال بخلاف الوصيّة . </p><p>وأمّا الحنابلة فلا يصحّ عندهم الوقف على حملٍ أصالةً ، كأن يقف داره على ما في بطن هذه المرأة ، لأنّه تمليك ، والحمل لا يصحّ تمليكه بغير الإرث والوصيّة ، أمّا إذا وقف على الحمل تبعاً لمن يصحّ الوقف عليه ، كأن يقف على أولاده ، أو على أولاد فلانٍ وفيهم حمل ، فإنّ الوقف يشمله عندهم .</p><p>المرحلة الثّانية - الطّفولة :</p><p>14 - تبدأ هذه المرحلة من حين انفصال الجنين عن أمّه حيّاً ، وتمتدّ إلى سنّ التّمييز ، ففي هذه المرحلة تثبت للمولود الذّمّة الكاملة ، فيصير أهلاً للوجوب له وعليه ، أمّا أهليّته للوجوب له فهي ثابتة حتّى قبل الولادة - كما سبق - فتثبت له بعدها بطريق الأولى ، بل صرّح الشّافعيّة : بأنّ له يداً واختصاصاً كالبالغ . </p><p>وأمّا أهليّته للوجوب عليه ففيها تفصيل يأتي . ووجوب الحقوق الثّابتة على الطّفل في هذه المرحلة ، المراد منه : حكمه ، وهو الأداء عنه ، فكلّ ما يمكن أداؤه عنه يجب عليه ، وما لا فلا . وإنّما قيّد الأداء بالممكن ، لأنّ الطّفل في هذه المرحلة ، وإن كان يجب عليه كافّة الحقوق كالبالغ ، إلاّ أنّه يعامل بما يناسبه في هذه المرحلة ، لضعف بنيته ، ولعدم قدرته على مباشرة الأداء بنفسه ، فيؤدّي عنه وليّه ما أمكن أداؤه عنه ، ولهذا فإنّ العلماء ذكروا تفصيلاً في الحقوق الواجبة عليه ، الّتي تؤدّى عنه ، سواء أكانت من حقوق اللّه أم حقوق العباد ، كما ذكروا أيضاً حكم أقواله وأفعاله . وبيان ذلك فيما يلي : </p><p>أوّلاً : حقوق العباد :</p><p>15 - حقوق العباد أنواع : منها ما يجب أداؤه عن الطّفل لوجوبه عليه ، ومنها ما لا يجب عليه ولا يؤدّى عنه . فحقوق العباد الواجبة والّتي تؤدّى عنه هي :</p><p>أ - ما كان المقصود منه المال ويحتمل النّيابة ، فإنّه يؤدّي عنه ، لوجوبه عليه كالغرم والعوض .</p><p>ب - ما كان صلةً شبيهةً بالمؤن كنفقة القريب ، أو كان صلةً شبيهةً بالأعواض كنفقة الزّوجة ، فإنّه يؤدّى عنه . </p><p>وأمّا حقوق العباد الّتي لا تجب عليه لا تجب عليه ولا تؤدّى عنه فهي :</p><p>أ - الصّلة الشّبيهة بالأجزية كتحمّل الدّية مع العاقلة ، فلا تجب عليه .</p><p>ب - العقوبات كالقصاص ، أو الأجزية الشّبيهة بها كالحرمان من الميراث ، فلا تجب عليه .</p><p>ثانياً : حقوق اللّه تعالى :</p><p>16 - هذه الحقوق أيضاً منها ما يجب على الطّفل ، ومنها ما لا يجب . </p><p>فالحقوق الّتي هي مئونة محضة كالعشر والخراج تجب عليه ، وتؤدّى عنه ، لأنّ المقصود منها المال ، فتثبت في ذمّته ، ويمكن أداؤه عنه . </p><p>وأمّا العبادات فلا تجب عليه ، سواء أكانت بدنيّةً أم ماليّةً . </p><p>أمّا البدنيّة كالصّلاة والصّوم والحجّ والجهاد وغيرها ، فإنّها لا تجب عليه لعجزه عن الفهم وضعف بدنه . </p><p>وأمّا الماليّة ، فإن كانت زكاة فطرٍ ، فإنّها تجب في ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ولا تجب عليه عند محمّدٍ وزفر من الحنفيّة . </p><p>وإن كانت زكاة مالٍ ، فإنّها تجب في ماله عند جمهور الفقهاء ، لأنّها ليست عبادةً خالصةً بل فيها معنى المئونة ، أوجبها اللّه تعالى على الأغنياء حقّاً للمحتاجين ، فتصحّ فيها النّيابة كما في زكاة الفطر ، ولا تجب عليه عند فقهاء الحنفيّة ، لأنّها عندهم عبادة خالصة ، وتحتاج إلى النّيّة ، ولا تصحّ فيها النّيابة . </p><p>وأمّا إن كانت حقوق اللّه عقوباتٍ كالحدود ، فإنّها لا تلزمه ولا تجب عليه ، كما لم تلزمه العقوبات الّتي هي حقوق العباد كالقصاص ، لأنّ العقوبة إنّما وضعت جزاءً للتّقصير ، وهو لا يوصف به .</p><p>ثالثاً : أقواله وأفعاله :</p><p>17 - أقوال الصّبيّ وأفعاله غير معتبرةٍ ، ولا يترتّب عليها حكم ، لأنّه ما دام لم يميّز فلا اعتداد بأقواله وأفعاله .</p><p>المرحلة الثّالثة : التّمييز :</p><p>18 - التّمييز في اللّغة مأخوذ من : مزته ميزاً ، من باب باع ، وهو : عزل الشّيء وفصله من غيره . ويكون في المشتبهات والمختلطات ، ومعنى تميّز الشّيء : انفصاله عن غيره ، ومن هنا فإنّ الفقهاء يقولون : سنّ التّمييز ، ومرادهم بذلك : تلك السّنّ الّتي إذا انتهى إليها عرف مضارّه ومنافعه ، وكأنّه مأخوذ من ميّزت الأشياء : إذا فرّقتها بعد المعرفة بها ، وبعض النّاس يقولون : التّمييز قوّة في الدّماغ يستنبط بها المعاني . </p><p>وهذه المرحلة تبدأ ببلوغ الصّبيّ سبع سنين ، وهو سنّ التّمييز كما حدّده جمهور الفقهاء ، وتنتهي بالبلوغ ، فتشمل المراهق وهو الّذي قارب البلوغ . </p><p>ففي هذه المرحلة يصبح عند الصّبيّ مقدار من الإدراك والوعي يسمح له بمباشرة بعض التّصرّفات ، فتثبت له أهليّة الأداء القاصرة ، لأنّ نموّه البدنيّ والعقليّ لم يكتملا بعد ، وبعد اكتمالهما تثبت له أهليّة الأداء الكاملة ، لأنّ أهليّة الأداء الكاملة لا تثبت إلاّ باكتمال النّموّ البدنيّ والنّموّ العقليّ ، فمن لم يكتمل نموّه البدنيّ والعقليّ معاً ، أو لم يكتمل فيه نموّ أحدهما فأهليّة الأداء فيه تكون قاصرةً . </p><p>فالمعتوه كالصّبيّ ، لعدم اكتمال العقل فيه ، وإن كان كاملاً من النّاحية البدنيّة ، بخلاف أهليّة الوجوب ، فإنّها تثبت كاملةً منذ الولادة ، فالطّفل أهل للوجوب له وعليه ، كما سبق . وللتّمييز أثره في التّصرّفات ، فالصّبيّ المميّز يجوز له بأهليّته القاصرة مباشرة بعض التّصرّفات وتصحّ منه ، لأنّ الثّابت مع الأهليّة القاصرة صحّة الأداء ، ويمنع من مباشرة بعض التّصرّفات الأخرى ، وخاصّةً تلك الّتي يعود ضررها عليه ، فلا تصحّ منه . </p><p>ومن التّصرّفات أيضاً ما يمتنع على الصّبيّ المميّز أن يباشرها بنفسه ، بل لا بدّ فيها من إذن الوليّ . </p><p>وفيما يلي ما قاله الفقهاء في ذلك على سبيل الإجمال ، أمّا التّفصيل ففي مصطلح ( تمييزٍ ) . </p><p>تصرّفات الصّبيّ المميّز :</p><p>19 - التّصرّفات الّتي يباشرها الصّبيّ المميّز ، إمّا أن تكون في حقوق اللّه تعالى ، وفي هذه الحالة إمّا : أن تكون تلك الحقوق عباداتٍ وعقائد ، أو حقوقاً ماليّةً ، أو عقوباتٍ ، وإمّا : أن تكون تلك التّصرّفات في حقوق العباد ، وهي إمّا : ماليّة أو غير ماليّةٍ .</p><p>أ - حقوق اللّه تعالى :</p><p>20 - أمّا العبادات البدنيّة كالصّلاة ، فلا خلاف بين العلماء في عدم وجوبها عليه إلاّ أنّه يؤمر بأدائها في سنّ السّابعة ، ويضرب على تركها في سنّ العاشرة ، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه : « مروا صبيانكم بالصّلاة لسبع سنين ، واضربوهم عليها لعشر سنين ، وفرّقوا بينهم في المضاجع » . </p><p>وأمّا العقائد كالإيمان ، فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه يصحّ من الصّبيّ ، فيعتبر إيمانه ، لأنّه خير محض ، وخالف في ذلك الشّافعيّة فقالوا : إنّ إسلامه لا يصحّ حتّى يبلغ ، لحديث : « رفع القلم عن ثلاثٍ ومنها عن الصّبيّ حتّى يبلغ ... » </p><p>وأمّا ردّته ، فقد ذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى عدم صحّة ردّته ، لأنّها ضرر محض . </p><p>وذهب أبو حنيفة ومحمّد والمالكيّة إلى الحكم بصحّة ردّته ، وتجري عليه أحكام المرتدّين ما عدا القتل . ونقل في التّتارخانيّة والمنتقى رجوع أبي حنيفة إلى قول أبي يوسف . </p><p>وأمّا حقوق اللّه سبحانه وتعالى الماليّة كالزّكاة ، فإنّها تجب في ماله عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ولا تجب في ماله عند الحنفيّة . وأمّا العقوبات المتعلّقة بحقوق اللّه سبحانه وتعالى كحدّ السّرقة وغيره ، فإنّها لا تقام على الصّبيّ ، وهذا محلّ اتّفاقٍ عند الفقهاء .</p><p>ب - حقوق العباد :</p><p>21 - أمّا الماليّة منها كضمان المتلفات وأجرة الأجير ونفقة الزّوجة والأقارب ونحو ذلك فإنّها تجب في ماله ، لأنّ المقصود منها هو المال ، وأداؤه يحتمل النّيابة ، فيصحّ للصّبيّ المميّز أداؤه ، فإن لم يؤدّه أدّاه وليّه . </p><p>وأمّا ما كان منها عقوبة القصاص ، فإنّه لا يجب عليه عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، لأنّ فعل الصّبيّ لا يوصف بالتّقصير ، فلا يصلح سبباً للعقوبة لقصور معنى الجناية في فعله ، ولكن تجب في فعله الدّية ، لأنّها وجبت لعصمة المحلّ ، والصّبا لا ينفي عصمة المحلّ ، ولأنّ المقصود من وجوبها المال ، وأداؤه قابل للنّيابة ، ووجوب الدّية في ماله عند الحنفيّة ، وعلى عاقلته عند المالكيّة والحنابلة . </p><p>وخالف الشّافعيّة في ذلك على الأصحّ عندهم ، حيث قالوا : إنّ عمد الصّبيّ في الجنايات عمد ، فتغلظ عليه الدّية ، ويحرم إرث من قتله . </p><p>22 - أمّا تصرّفاته الماليّة ، ففيها تفصيل على النّحو الآتي :</p><p>- 1 - تصرّفات نافعة له نفعاً محضاً ، وهي الّتي يترتّب عليها دخول شيءٍ في ملكه من غير مقابلٍ ، مثل قبول الهبة والصّدقة والوصيّة والوقف ، وهذه تصحّ منه ، دون توقّفٍ على إجازة الوليّ أو الوصيّ ، لأنّها خير على كلّ حالٍ . </p><p>- 2 - تصرّفات ضارّة بالصّغير ضرراً محضاً ، وهي الّتي يترتّب عليها خروج شيءٍ من ملكه من غير مقابلٍ ، كالهبة والصّدقة والوقف وسائر التّبرّعات والطّلاق والكفالة بالدّين ، وهذه لا تصحّ منه ، بل تقع باطلةً ، ولا تنعقد ، حتّى ولو أجازها الوليّ أو الوصيّ ، لأنّهما لا يملكان مباشرتها في حقّ الصّغير فلا يملكان إجازتها . </p><p>- 3 - تصرّفات دائرة بين النّفع والضّرر بحسب أصل وضعها ، كالبيع والإجارة وسائر المعاوضات الماليّة ، وهذه يختلف الفقهاء فيها : </p><p>فعند الحنفيّة يصحّ صدورها منه ، باعتبار ما له من أصل الأهليّة ، ولاحتمال أنّ فيها نفعاً له ، إلاّ أنّها تكون موقوفةً على إجازة الوليّ أو الوصيّ لنقص أهليّته ، فإذا أجازها نفذت ، وإن لم يجزها بطلت . </p><p>وعند المالكيّة تقع صحيحةً لكنّها لا تكون لازمةً ، ويتوقّف لزومها على إجازة الوليّ أو الوصيّ . وعند الشّافعيّة والحنابلة لا يصحّ صدورها من الصّبيّ ، فإذا وقعت كانت باطلةً لا يترتّب عليها أيّ أثرٍ .</p><p>المرحلة الرّابعة - البلوغ :</p><p>23 - البلوغ عند الفقهاء : قوّة تحدث للشّخص ، تنقله من حال الطّفولة إلى حال الرّجولة . وهو يحصل بظهور علامةٍ من علاماته الطّبيعيّة كالاحتلام ، وكالحبل والحيض في الأنثى ، فإن لم يوجد شيء من هذه العلامات كان البلوغ بالسّنّ . </p><p>وقد اختلف الفقهاء في تقديره ، فقدّره أبو حنيفة بثماني عشرة سنةً للفتى ، وسبع عشرة سنةً للفتاة ، وقدّره الصّاحبان والشّافعيّ وأحمد بخمس عشرة سنةً ، والمشهور عند المالكيّة تقديره بثماني عشرة سنةً لكلٍّ من الذّكر والأنثى . </p><p>وفي هذه المرحلة ، وهي مرحلة البلوغ ، يكتمل فيها للإنسان نموّه البدنيّ والعقليّ ، فتثبت له أهليّة الأداء الكاملة ، فيصير أهلاً لأداء الواجبات وتحمّل التّبعات ، ويطالب بأداء كافّة الحقوق الماليّة ، وغير الماليّة ، سواء أكانت من حقوق اللّه أم من حقوق العباد . </p><p>وهذا كلّه إذا اكتمل نموّه العقليّ مع اكتمال نموّه البدنيّ ، أمّا إذا وصل إلى سنّ البلوغ ولم يكتمل نموّه العقليّ ، بأن بلغ معتوهاً أو سفيهاً ، فإنّه تجري عليه أحكام الصّبيّ المميّز ، ويستمرّ ثبوت الولاية عليه ، خلافاً لأبي حنيفة في السّفيه .</p><p>المرحلة الخامسة – الرشد :</p><p>24- الرشد في اللغة : الصلاح وإصابة الصواب .</p><p>والرشد عند الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة : حسن التصرف في المال ، والقدرة على استثماره واستغلاله استغلالاً حسناً . وعند الشافعية : صلاح الدين والصلاح في المال .</p><p>وهذا الرشد قد يأتي مع البلوغ ، وقد يتاخر عنه قليلاً أو كثيراً ، تبعاً لتربية الشخص واستعداده وتعقد الحياة الاجتماعية وبساطتها ، فإذا بلغ الشخص رشيداً كملت أهليته ، و ارتفعت الولاية عنه وسلمت إليه أمواله باتفاق الفقهاء ، لقوله الله تعالى : { وابْتَلُوا اليتامى حتى إذا بَلَغُوا النكاحَ ، فإنْ آنَسْتُم منهم رُشْداً فادْفَعُوا إليهم أموالَهم } .</p><p>وإذا بلغ غير الرشيد ، وكان عاقلاً كملت أهليته ، وارتفعت الولاية عند أبي حنيفة ، إلا أنه لا تسلم إليه أمواله ، بل تبقى في يد وليه أو وصيه حتى يثنت رشده بالفعل ، أو يبلغ خمساً وعشرين سنة ، فإذا بلغ هذا السن سلمت إليه أمواله ، ولو كان مبذراً لا يحسن التصرف ، لأن منع المال عنه على سبيل الاحتياط والتأديب ، وليس على سبيل الحجر عليه ، لأن أبا حنيفة لا يرى الحجر على السفيه ، والإنسان بعد بلوغه هذه السن وصلاحيته لأن يكون جداً لا يكون أهلاً للتأديب .</p><p>وقال المالكية والشافعية والحنابلة ، وهو قول عند أبي يوسف ومحمد من الحنفية : إن الشخص إذا بلغ غير رشيد كملت أهليته ، ولكن لا ترتفع الولاية عنه ، وتبقى أمواله تحت يد وليه أو وصيه حتى يثبت رشده ، لقول الله تعالى : { ولا تُؤْتُوا السفهاءَ أموالَكم التي جَعَلَ اللهُ لكم قِياماً ، وارْزُقُوهم فيها واكْسُوهم ، وقولُوا لهم قولاً معروفاً ، وابْتَلُوا اليتامى حتى إذا بَلَغُوا النكاحَ ، فإنْ آنَسْتُم منهم رُشْداً فادْفَعُوا إليهم أَمْوالَهم } فإنه منع الأولياء والأوصياء من دفع المال إليهم إلى السفهاء ، وناط دفع المال إليهم بتوافر أمرين : البلوغ والرشد ، فلا يجوز أن يدفع المال إليهم بالبلوغ مع عدم الرشد .</p><p>أما إذا بلغ الشخص رشيداً ، ثم طرأ السفه عليه بعد ذلك ، فسيأتي الكلام عنه في هذا البحث ، بين عوارض الأهلية .</p><p>عوارض الأهليّة :</p><p>25 - العوارض : جمع عارضٍ أو عارضةٍ ، والعارض في اللّغة معناه : السّحاب ، ومنه قوله تعالى : { فلمّا رَأوْهُ عارضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالوا هَذا عارضٌ مُمْطِرنا } . </p><p>وأمّا العوارض في الاصطلاح فمعناها : أحوال تطرأ على الإنسان بعد كمال أهليّة الأداء ، فتؤثّر فيها بإزالتها أو نقصانها ، أو تغيّر بعض الأحكام بالنّسبة لمن عرضت له من غير تأثيرٍ في أهليّته . </p><p>أنواع عوارض الأهليّة :</p><p>26 - عوارض الأهليّة نوعان : سماويّة ومكتسبة : </p><p>فالعوارض السّماويّة : هي تلك الأمور الّتي ليس للعبد فيها اختيار ، ولهذا تنسب إلى السّماء ، لنزولها بالإنسان من غير اختياره وإرادته ، وهي : الجنون ، والعته ، والنّسيان ، والنّوم ، والإغماء ، والمرض ، والرّقّ ، والحيض ، والنّفاس ، والموت . </p><p>والمكتسبة : هي تلك الأمور الّتي كسبها العبد أو ترك إزالتها ، وهي إمّا أن تكون منه أو من غيره ، فالّتي تكون منه : الجهل ، والسّكر ، والهزل ، والسّفه ، والإفلاس ، والسّفر ، والخطأ ، والّذي يكون من غيره الإكراه . </p><p>وفيما يلي ما يتعلّق بهذه العوارض إجمالاً ، مع إحالة التّفصيل إلى العناوين الخاصّة بها .</p><p>العوارض السّماويّة : </p><p>أوّلاً : الجنون :</p><p>27 - الجنون في اللّغة مأخوذ من : أجنّه اللّه فجنّ ، فهو مجنون ، بالبناء للمفعول . </p><p>وأمّا عند الأصوليّين فإنّه : اختلال للعقل يمنع من جريان الأفعال والأقوال على نهج العقل . والجنون يؤثّر في أهليّة الأداء ، فهو مسقط للعبادات كالصّلاة والصّوم والحجّ . </p><p>وفي زكاة مال المجنون خلاف ، مع مراعاة الفرق بين الجنون المطبق وغيره . </p><p>وأمّا المعاملات ، فحكمه فيها حكم الصّبيّ غير المميّز ، فلا يعتدّ بأقواله لانتفاء تعقّله للمعاني . </p><p>وأمّا أهليّة الوجوب ، فلا يؤثّر فيها الجنون ، فإنّ المجنون يرث ويملك لبقاء ذمّته ، والمتلفات بسبب أفعاله مضمونة في ماله كالصّبيّ الّذي لم يصل إلى سنّ التّمييز . </p><p>وتفصيل الأحكام الخاصّة بالجنون تنظر في مصطلح : ( جنونٍ ) .</p><p>ثانياً : العته :</p><p>28 - العته في اللّغة : نقصان العقل من غير جنونٍ أو دهشٍ . </p><p>وفي الاصطلاح : آفة توجب خللاً في العقل ، فيصير صاحبها مختلط الكلام ، فيشبه بعض كلامه كلام العقلاء ، وبعضه كلام المجانين . </p><p>والمعتوه في تصرّفاته كالصّبيّ المميّز ، فتثبت له أهليّة الأداء القاصرة ، إذ لا فرق بينه وبين الصّبيّ كما جاء في التّلويح ، إلاّ في مسألةٍ واحدةٍ وهي : أنّ امرأة المعتوه إذا أسلمت لا يؤخّر عرض الإسلام عليه ، كما لا يؤخّر عرضه على وليّ المجنون بخلاف الصّبيّ ، والفرق بينهما واضح ، فإنّ الصّبا مقدّر بخلاف العته والجنون . </p><p>والتّفصيل في مصطلح : ( عتهٍ ) .</p><p>ثالثاً : النّسيان :</p><p>29 - النّسيان في اللّغة مشترك بين معنيين : </p><p>أحدهما : ترك الشّيء على ذهولٍ وغفلةٍ ، وهو خلاف التّذكّر . </p><p>وثانيهما : التّرك عن تعمّدٍ ، ومنه قوله تعالى : { ولا تَنْسَوُا الفضلَ بينكم } . </p><p>وفي الاصطلاح : عدم استحضار صورة الشّيء في الذّهن وقت الحاجة إليه . </p><p>والنّسيان لا يؤثّر في أهليّة الوجوب ، ولا يؤثّر أيضاً في أهليّة الأداء لكمال العقل ، ومع ذلك فإنّ النّسيان عذر في حقوق اللّه تعالى في حقّ الإثم وعدمه ، لقوله صلى الله عليه وسلم :</p><p>« وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان ... » وللنّسيان أحكام تفصيلها في مصطلح : ( نسيانٍ ) .</p><p>رابعاً : النّوم :</p><p>30 - النّوم : غشية ثقيلة تهجم على القلب فتقطعه عن المعرفة بالأشياء . </p><p>وفي الاصطلاح : فتور يعرض مع قيام العقل يوجب العجز عن إدراك المحسوسات والأفعال الاختياريّة واستعمال العقل . والنّوم لا ينافي أهليّة الوجوب لعدم إخلاله بالذّمّة ، إلاّ أنّه يوجب تأخير توجّه الخطاب بالأداء إلى حال اليقظة ، لأنّه في حال النّوم عاجز عن الفهم فلا يناسب أن يتوجّه إليه الخطاب حينئذٍ ، فإذا انتبه من النّوم أمكنه الفهم ، ولهذا فإنّ النّائم مطالب بقضاء ما فاته من الصّلوات في أثناء نومه ، وأمّا عبارات النّائم من الأقارير وغيرها فهي باطلة ، ولا يعتدّ بها . وتفصيل ذلك كلّه محلّه مصطلح : ( نومٍ ) .</p><p>خامساً : الإغماء :</p><p>31 - الإغماء في اللّغة : الخفاء ، وفي الاصطلاح : آفة في القلب أو الدّماغ تعطّل القوى المدركة والحركة عن أفعالها مع بقاء العقل مغلوباً . </p><p>وهو ضرب من المرض ، ولذا لم يعصم منه النّبيّ عليه الصلاة والسلام . </p><p>وتأثير الإغماء على المغمى عليه أشدّ من تأثير النّوم على النّائم ، ولذا اعتبر فوق النّوم ، لأنّ النّوم حالة طبيعيّة كثيرة الوقوع ، وسببه شيء لطيف سريع الزّوال ، والإغماء على خلافه في ذلك كلّه ، ألا ترى أنّ التّنبيه والانتباه من النّوم في غاية السّرعة ، وأمّا التّنبيه من الإغماء فغير ممكنٍ . </p><p>وحكم الإغماء في كونه عارضاً من عوارض الأهليّة حكم النّوم ، فلزمه ما لزم النّوم ، ولكونه يزيد عنه جعله ناقضاً للوضوء في جميع الأحوال حتّى في الصّلاة . </p><p>وتفصيل ذلك كلّه محلّه مصطلح : ( إغماءٍ ) .</p><p>سادساً : الرّقّ :</p><p>32 - الرّقّ في اللّغة بكسر الرّاء : العبوديّة . </p><p>وأمّا في الشّرع فهو : حجز حكميّ عن الولاية والشّهادة والقضاء وملكيّة المال والتّزوّج وغيرها . هذا والأحكام الخاصّة بالرّقيق يرجع إليها في مصطلح : ( رقٍّ ) .</p><p>سابعاً : المرض :</p><p>33 - المرض في اللّغة : حالة خارجة عن الطّبع ضارّة بالفعل . </p><p>وفي الاصطلاح : ما يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال الخاصّ . </p><p>وهو لا ينافي أهليّة التّصرّفات ، أي ثبوته ووجوبه على الإطلاق ، سواء أكان من حقوق اللّه تعالى أم من حقوق العباد ، لأنّه لا يخلّ بالعقل ولا يمنعه من استعماله ، فيصحّ ما تعلّق بعبارته من العقود وغيرها ، ولكنّه لمّا كان سبب الموت بترادف الآلام ، وأنّه أي الموت عجز خالص ، كان المرض من أسباب العجز ، فشرعت العبادات معه بقدر المكنة ، لئلاّ يلزم تكليف ما ليس في الوسع ، فيصلّي قاعداً إن لم يقدر على القيام ، ومضطجعاً إن عجز عنه ، ويعتبر المرض سبباً للحجر على المريض مرض الموت حفظاً لحقّ الوارث وحقّ الغريم إذا اتّصل به الموت ، وذلك لأنّ المرض المميت هو سبب الحجر لا نفس المرض . </p><p>هذا ، وتفصيل الأحكام الخاصّة بالمرض يرجع إليها في مصطلح ( مرضٍ )</p><p>ثامناً : الحيض والنّفاس :</p><p>34 - الحيض معناه في اللّغة : السّيلان ، ومنه الحوض . </p><p>وفي الاصطلاح : الدّم الخارج من الرّحم لا لولادةٍ ولا لعلّةٍ . </p><p>وأمّا النّفاس فمعناه في اللّغة : الولادة . </p><p>وفي الاصطلاح : الدّم الخارج عقب فراغ الرّحم من الحمل . </p><p>والحيض والنّفاس لا يؤثّران في أهليّة الوجوب ، ولا في أهليّة الأداء ، إلاّ أنّهما اعتبرا من العوارض لأنّ الطّهارة منهما شرط لصحّة كلّ عبادةٍ يشترط فيها الطّهارة كالصّلاة مثلاً . وتفصيل الأحكام الخاصّة بالحيض والنّفاس محلّه ( حيض ، ونفاس ) .</p><p>تاسعاً : الموت :</p><p>35 - الأحكام المتعلّقة بالموت تتلخّص في أنّ تلك الأحكام إمّا دنيويّة أو أخرويّة ، والدّنيويّة من حيث التّكليف حكمها السّقوط إلاّ في حقّ المأتم ، أو ما شرع لحاجة نفسه أو لحاجة غيره . والأخرويّة حكمها البقاء ، سواء أكانت واجبةً له على الغير ، أم للغير عليه ، من الحقوق الماليّة والمظالم ، أوما يستحقّه من ثوابٍ بواسطة الطّاعات ، أو عقابٍ بواسطة المعاصي . هذا ، ومحلّ تفصيل هذه الأحكام مصطلح ( موتٍ )</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41054, member: 329"] أهليّة * التّعريف : 1 - الأهليّة مصدر صناعيّ لكلمة ( أهلٍ ) ومعناها لغةً - كما في أصول البزدويّ - : الصّلاحيّة . ويتّضح تعريف الأهليّة في الاصطلاح من خلال تعريف نوعيها : أهليّة الوجوب ، وأهليّة الأداء . فأهليّة الوجوب هي : صلاحيّة الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه . وأهليّة الأداء هي : صلاحيّة الإنسان لصدور الفعل منه على وجهٍ يعتدّ به شرعاً . الألفاظ ذات الصّلة : أ - التّكليف : 2 - التّكليف معناه في اللّغة : إلزام ما فيه كلفة ومشقّة . وهو في الاصطلاح كذلك ، حيث قالوا التّكليف إلزام المخاطب بما فيه كلفة ومشقّة من فعلٍ أو تركٍ . فالأهليّة وصف للمكلّف . ب - الذّمّة : 3 - الذّمّة معناها في اللّغة : العهد والضّمان والأمان . وأمّا في الاصطلاح فإنّها : وصف يصيّر الشّخص به أهلاً للإلزام والالتزام . فالفرق بين الأهليّة والذّمّة : أنّ الأهليّة أثر لوجود الذّمّة . مناط الأهليّة ومحلّها : 4 - الأهليّة بمعناها المتقدّم مناطها أي محلّها الإنسان ، من حيث الأطوار الّتي يمرّ بها ، فإنّه في البداية يكون جنيناً في بطن أمّه ، فتثبت له أحكام الأهليّة الخاصّة بالجنين ، وبعد الولادة إلى سنّ التّمييز يكون طفلاً ، فتثبت له أحكام الأهليّة الخاصّة بالطّفل ، وبعد التّمييز تثبت له أحكام الأهليّة الخاصّة بالمميّز إلى أن يصل به الأمر إلى سنّ البلوغ ، فتثبت له الأهليّة الكاملة ، ما لم يمنع من ذلك مانع ، كطروء عارضٍ يمنع ثبوت تلك الأهليّة الكاملة له ، وسيأتي بيان ذلك عند الكلام على أقسام الأهليّة وعوارضها . أقسام الأهليّة وأنواعها : 5 - الأهليّة قسمان : أهليّة وجوبٍ ، وأهليّة أداءً . وأهليّة الوجوب قد تكون كاملةً ، وقد تكون ناقصةً . وكذا أهليّة الأداء ، وبيان ذلك فيما يلي : أوّلاً : أهليّة الوجوب : 6 - سبق أنّ معنى أهليّة الوجوب : صلاحيّة الشّخص لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه معاً ، أو له ، أو عليه . وأهليّة الوجوب تنقسم فروعها وتتعدّد بحسب انقسام الأحكام ، فالصّبيّ أهل لبعض الأحكام ، وليس بأهلٍ لبعضها أصلاً ، وهو أهل لبعضها بواسطة رأي الوليّ ، فكانت هذه الأهليّة منقسمةً نظراً إلى أفراد الأحكام ، وأصلها واحد ، وهو الصّلاح للحكم ، فمن كان أهلاً لحكم الوجوب بوجهٍ كان هو أهلاً للوجوب ، ومن لا فلا . ومبنى أهليّة الوجوب هذه على الذّمّة ، أي أنّ هذه الأهليّة لا تثبت إلاّ بعد وجود ذمّةٍ صالحةٍ ، لأنّ الذّمّة هي محلّ الوجوب ، ولهذا يضاف إليها ولا يضاف إلى غيرها بحالٍ ، ولهذا اختصّ الإنسان بالوجوب دون سائر الحيوانات الّتي ليست لها ذمّة . وقد أجمع الفقهاء على ثبوت هذه الذّمّة للإنسان منذ ولادته ، حتّى يكون صالحاً لوجوب الحقوق له وعليه ، فيثبت له ملك النّكاح بتزويج الوليّ إيّاه ، ويجب عليه المهر بعقد الوليّ. أنواع أهليّة الوجوب : 7 - أهليّة الوجوب نوعان : أ - أهليّة الوجوب النّاقصة ، وتتمثّل في الجنين في بطن أمّه ، باعتباره نفساً مستقلّةً عن أمّه ذا حياةٍ خاصّةٍ ، فإنّه صالح لوجوب الحقوق له من وجهٍ كما سيأتي ، لا عليه ، لأنّ ذمّته لم تكتمل ما دام في بطن أمّه . ب - أهليّة الوجوب الكاملة ، وهي تثبت للإنسان منذ ولادته ، فإنّه تثبت له أهليّة الوجوب الكاملة ، لكمال ذمّته حينئذٍ من كلّ وجهٍ ، فيكون بهذا صالحاً لوجوب الحقوق له وعليه . ثانياً : أهليّة الأداء : 8 - سبق أنّ أهليّة الأداء هي : صلاحيّة الإنسان لصدور الفعل منه على وجهٍ يعتد به شرعاً . وأهليّة الأداء هذه لا توجد عند الشّخص إلاّ إذا بلغ سنّ التّمييز ، لقدرته حينئذٍ على فهم الخطاب ولو على سبيل الإجمال ، ولقدرته على القيام ببعض الأعباء ، فتثبت له أهليّة الأداء القاصرة ، وهي الّتي تناسبه ما دام نموّه لم يكتمل جسماً وعقلاً ، فإذا اكتمل ببلوغه ورشده ثبتت له أهليّة الأداء الكاملة ، فيكون حينئذٍ أهلاً للتّحمّل والأداء ، بخلاف غير المميّز ، فإنّه لا تثبت له هذه الأهليّة لانتفاء القدرتين عنه . أنواع أهليّة الأداء : 9 - أهليّة الأداء نوعان : أ - أهليّة أداءً قاصرة ، وهي الّتي تثبت بقدرةٍ قاصرةٍ . ب - أهليّة أداءً كاملة ، وهي الّتي تثبت بقدرةٍ كاملةٍ . والمراد بالقدرة هنا : قدرة الجسم أو العقل ، أو هما معاً ، لأنّ الأداء - كما قال البزدويّ - يتعلّق بقدرتين : قدرة فهم الخطاب وذلك بالعقل ، وقدرة العمل به وهي بالبدن ، والإنسان في أوّل أحواله عديم القدرتين ، لكن فيه استعداد وصلاحيّة لأن توجد فيه كلّ واحدةٍ من القدرتين شيئاً فشيئاً بخلق اللّه تعالى ، إلى أن تبلغ كلّ واحدةٍ منهما درجة الكمال ، فقبل بلوغ درجة الكمال كانت كلّ واحدةٍ منهما قاصرةً ، كما هو الحال في الصّبيّ المميّز قبل البلوغ ، وقد تكون إحداهما قاصرةً ، كما في المعتوه بعد البلوغ ، فإنّه قاصر العقل مثل الصّبيّ ، وإن كان قويّ البدن ، ولهذا ألحق بالصّبيّ في الأحكام . فالأهليّة الكاملة : عبارة عن بلوغ القدرتين أوّل درجات الكمال ، وهو المراد بالاعتدال في لسان الشّرع . والقاصرة : عبارة عن القدرتين قبل بلوغهما أو بلوغ إحداهما درجة الكمال . ثمّ الشّرع بنى على الأهليّة القاصرة صحّة الأداء ، وعلى الكاملة وجوب الأداء وتوجّه الخطاب ، لأنّه لا يجوز إلزام الإنسان الأداء في أوّل أحواله ، إذ لا قدرة له أصلاً ، وإلزام ما لا قدرة له عليه منتفٍ شرعاً وعقلاً ، وبعد وجود أصل العقل وأصل قدرة البدن قبل الكمال ، ففي إلزام الأداء حرج ، لأنّه يحرج الفهم بأدنى عقله ، ويثقل عليه الأداء بأدنى قدرة البدن ، والحرج منتفٍ أيضاً بقوله تعالى : { وما جَعَلَ عليكم في الدِّينِ من حَرَجٍ } فلم يخاطب شرعاً لأوّل أمره حكمةً ، ولأوّل ما يعقل ويقدر رحمةً ، إلى أن يعتدل عقله وقدرة بدنه ، فيتيسّر عليه الفهم والعمل به . ثمّ وقت الاعتدال يتفاوت في جنس البشر على وجهٍ يتعذّر الوقوف عليه ، ولا يمكن إدراكه إلاّ بعد تجربةٍ وتكلّفٍ عظيمٍ ، فأقام الشّرع البلوغ الّذي تعتدل لديه العقول في الأغلب مقام اعتدال العقل حقيقةً ، تيسيراً على العباد ، وصار توهّم وصف الكمال قبل هذا الحدّ ، وتوهّم بقاء القصور بعد هذا الحدّ ساقطي الاعتبار ، لأنّ السّبب الظّاهر متى أقيم مقام المعنى الباطن دار الحكم معه وجوداً وعدماً ، وأيّد هذا كلّه قوله عليه السلام : « رفع القلم عن ثلاثٍ : عن الصّبيّ حتّى يحتلم والمجنون حتّى يفيق ، والنّائم حتّى يستيقظ » . والمراد بالقلم : الحساب ، والحساب إنّما يكون بعد لزوم الأداء ، فدلّ على أنّ ذلك لا يثبت إلاّ بالأهليّة الكاملة ، وهي اعتدال الحال بالبلوغ عن عقلٍ . أثر الأهليّة في التّصرّفات : 10 - التّصرّفات الّتي تحكمها الأهليّة - سواء أكانت من حقوق اللّه أم من حقوق الآدميّين - تختلف وتتعدّد أحكامها تبعاً لاختلاف نوع الأهليّة ، وتبعاً لاختلاف مراحل النّموّ الّتي يمرّ بها الإنسان الّذي هو مناط تلك الأهليّة ، فالأهليّة - كما سبق - إمّا أهليّة وجوبٍ وإمّا أهليّة أداءً ، وكلّ واحدةٍ منهما قد تكون ناقصةً وقد تكون كاملةً ، ولكلٍّ حكمه . هذا ، وللوقوف على تلك الأحكام ، لا بدّ أن نتناول تلك المراحل الّتي يمرّ بها الإنسان ، وبيان الأحكام الخاصّة به في كلّ مرحلةٍ من تلك المراحل . المراحل الّتي يمرّ بها الإنسان : 11 - يمرّ الإنسان من حين نشأته بخمس مراحل أساسيّةٍ ، وهذه المراحل هي : - 1 - مرحلة ما قبل الولادة ، أي حين يكون جنيناً في بطن أمّه . - 2 - مرحلة الطّفولة والصّغر ، أي بعد انفصاله عن أمّه ، وقبل بلوغه سنّ التّمييز . - 3 - مرحلة التّمييز ، أي من حين بلوغه سنّ التّمييز إلى البلوغ . - 4 - مرحلة البلوغ ، أي بعد انتقاله من سنّ الصّغر إلى سنّ الكبر . - 5 - مرحلة الرّشد ، أي اكتمال العقل . هذا ، ولكلّ مرحلةٍ من هذه المراحل أحكام خاصّة نذكرها فيما يلي : المرحلة الأولى - الجنين : 12 - الجنين في اللّغة : مأخوذ من الاجتنان ، وهو الخفاء ، وهو وصف للولد ما دام في بطن أمّه ، والفقهاء في تعريفهم للجنين لا يخرجون عن هذا المعنى ، إذ معناه عندهم : وصف للولد ما دام في البطن . والجنين إذا نظر إليه من جهة كونه كالجزء من أمّه يتغذّى بغذائها يحكم بعدم استقلاله ، فلا تثبت له ذمّة ، وبالتّالي فلا يجب له ولا عليه شيء . وإذا نظر إليه من جهة كونه نفساً مستقلّةً بحياةٍ خاصّةٍ يحكم بثبوت الذّمّة له ، وبذلك يكون أهلاً لوجوب الحقوق له وعليه . ولمّا لم يمكن ترجيح إحدى الجهتين على الأخرى من كلّ وجهٍ ، فإنّ الشّرع عامله من جهة كونه جزءاً من أمّه بعدم أهليّته للوجوب عليه ، وعامله من جهة كونه نفساً مستقلّةً بحياةٍ خاصّةٍ بكونه أهلاً للوجوب له ، وبهذا لا يكون للجنين أهليّة وجوبٍ كاملةً ، بل أهليّة وجوبٍ ناقصةً . 13 - وقد اتّفق الفقهاء على إثبات بعض الحقوق للجنين ، كحقّه في النّسب ، وحقّه في الإرث ، وحقّه في الوصيّة ، وحقّه في الوقف . فأمّا حقّه في النّسب من أبيه : فإنّه لو تزوّج رجل وأتت امرأته بولدٍ ثبت نسبه منه ، إذا توافرت شروط ثبوت النّسب المبيّنة في موضعها . ر : ( نسب ) . وأمّا حقّه في الإرث : فهو ثابت بإجماع الصّحابة كما جاء في الفتاوى الهنديّة وقد اتّفق الفقهاء على استحقاق الحمل للإرث متى قام به سبب استحقاقه وتوافرت فيه شروطه . وكذلك اتّفق الفقهاء على صحّة الوصيّة له . وأمّا حقّه في الوقف : فقد أجاز الحنفيّة والمالكيّة الوقف عليه ، قياساً على الوصيّة ، ويستحقّه إن استهلّ . ولم يجوّز الشّافعيّة الوقف عليه ، لأنّ الوقف تسليط في الحال بخلاف الوصيّة . وأمّا الحنابلة فلا يصحّ عندهم الوقف على حملٍ أصالةً ، كأن يقف داره على ما في بطن هذه المرأة ، لأنّه تمليك ، والحمل لا يصحّ تمليكه بغير الإرث والوصيّة ، أمّا إذا وقف على الحمل تبعاً لمن يصحّ الوقف عليه ، كأن يقف على أولاده ، أو على أولاد فلانٍ وفيهم حمل ، فإنّ الوقف يشمله عندهم . المرحلة الثّانية - الطّفولة : 14 - تبدأ هذه المرحلة من حين انفصال الجنين عن أمّه حيّاً ، وتمتدّ إلى سنّ التّمييز ، ففي هذه المرحلة تثبت للمولود الذّمّة الكاملة ، فيصير أهلاً للوجوب له وعليه ، أمّا أهليّته للوجوب له فهي ثابتة حتّى قبل الولادة - كما سبق - فتثبت له بعدها بطريق الأولى ، بل صرّح الشّافعيّة : بأنّ له يداً واختصاصاً كالبالغ . وأمّا أهليّته للوجوب عليه ففيها تفصيل يأتي . ووجوب الحقوق الثّابتة على الطّفل في هذه المرحلة ، المراد منه : حكمه ، وهو الأداء عنه ، فكلّ ما يمكن أداؤه عنه يجب عليه ، وما لا فلا . وإنّما قيّد الأداء بالممكن ، لأنّ الطّفل في هذه المرحلة ، وإن كان يجب عليه كافّة الحقوق كالبالغ ، إلاّ أنّه يعامل بما يناسبه في هذه المرحلة ، لضعف بنيته ، ولعدم قدرته على مباشرة الأداء بنفسه ، فيؤدّي عنه وليّه ما أمكن أداؤه عنه ، ولهذا فإنّ العلماء ذكروا تفصيلاً في الحقوق الواجبة عليه ، الّتي تؤدّى عنه ، سواء أكانت من حقوق اللّه أم حقوق العباد ، كما ذكروا أيضاً حكم أقواله وأفعاله . وبيان ذلك فيما يلي : أوّلاً : حقوق العباد : 15 - حقوق العباد أنواع : منها ما يجب أداؤه عن الطّفل لوجوبه عليه ، ومنها ما لا يجب عليه ولا يؤدّى عنه . فحقوق العباد الواجبة والّتي تؤدّى عنه هي : أ - ما كان المقصود منه المال ويحتمل النّيابة ، فإنّه يؤدّي عنه ، لوجوبه عليه كالغرم والعوض . ب - ما كان صلةً شبيهةً بالمؤن كنفقة القريب ، أو كان صلةً شبيهةً بالأعواض كنفقة الزّوجة ، فإنّه يؤدّى عنه . وأمّا حقوق العباد الّتي لا تجب عليه لا تجب عليه ولا تؤدّى عنه فهي : أ - الصّلة الشّبيهة بالأجزية كتحمّل الدّية مع العاقلة ، فلا تجب عليه . ب - العقوبات كالقصاص ، أو الأجزية الشّبيهة بها كالحرمان من الميراث ، فلا تجب عليه . ثانياً : حقوق اللّه تعالى : 16 - هذه الحقوق أيضاً منها ما يجب على الطّفل ، ومنها ما لا يجب . فالحقوق الّتي هي مئونة محضة كالعشر والخراج تجب عليه ، وتؤدّى عنه ، لأنّ المقصود منها المال ، فتثبت في ذمّته ، ويمكن أداؤه عنه . وأمّا العبادات فلا تجب عليه ، سواء أكانت بدنيّةً أم ماليّةً . أمّا البدنيّة كالصّلاة والصّوم والحجّ والجهاد وغيرها ، فإنّها لا تجب عليه لعجزه عن الفهم وضعف بدنه . وأمّا الماليّة ، فإن كانت زكاة فطرٍ ، فإنّها تجب في ماله عند أبي حنيفة وأبي يوسف والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ولا تجب عليه عند محمّدٍ وزفر من الحنفيّة . وإن كانت زكاة مالٍ ، فإنّها تجب في ماله عند جمهور الفقهاء ، لأنّها ليست عبادةً خالصةً بل فيها معنى المئونة ، أوجبها اللّه تعالى على الأغنياء حقّاً للمحتاجين ، فتصحّ فيها النّيابة كما في زكاة الفطر ، ولا تجب عليه عند فقهاء الحنفيّة ، لأنّها عندهم عبادة خالصة ، وتحتاج إلى النّيّة ، ولا تصحّ فيها النّيابة . وأمّا إن كانت حقوق اللّه عقوباتٍ كالحدود ، فإنّها لا تلزمه ولا تجب عليه ، كما لم تلزمه العقوبات الّتي هي حقوق العباد كالقصاص ، لأنّ العقوبة إنّما وضعت جزاءً للتّقصير ، وهو لا يوصف به . ثالثاً : أقواله وأفعاله : 17 - أقوال الصّبيّ وأفعاله غير معتبرةٍ ، ولا يترتّب عليها حكم ، لأنّه ما دام لم يميّز فلا اعتداد بأقواله وأفعاله . المرحلة الثّالثة : التّمييز : 18 - التّمييز في اللّغة مأخوذ من : مزته ميزاً ، من باب باع ، وهو : عزل الشّيء وفصله من غيره . ويكون في المشتبهات والمختلطات ، ومعنى تميّز الشّيء : انفصاله عن غيره ، ومن هنا فإنّ الفقهاء يقولون : سنّ التّمييز ، ومرادهم بذلك : تلك السّنّ الّتي إذا انتهى إليها عرف مضارّه ومنافعه ، وكأنّه مأخوذ من ميّزت الأشياء : إذا فرّقتها بعد المعرفة بها ، وبعض النّاس يقولون : التّمييز قوّة في الدّماغ يستنبط بها المعاني . وهذه المرحلة تبدأ ببلوغ الصّبيّ سبع سنين ، وهو سنّ التّمييز كما حدّده جمهور الفقهاء ، وتنتهي بالبلوغ ، فتشمل المراهق وهو الّذي قارب البلوغ . ففي هذه المرحلة يصبح عند الصّبيّ مقدار من الإدراك والوعي يسمح له بمباشرة بعض التّصرّفات ، فتثبت له أهليّة الأداء القاصرة ، لأنّ نموّه البدنيّ والعقليّ لم يكتملا بعد ، وبعد اكتمالهما تثبت له أهليّة الأداء الكاملة ، لأنّ أهليّة الأداء الكاملة لا تثبت إلاّ باكتمال النّموّ البدنيّ والنّموّ العقليّ ، فمن لم يكتمل نموّه البدنيّ والعقليّ معاً ، أو لم يكتمل فيه نموّ أحدهما فأهليّة الأداء فيه تكون قاصرةً . فالمعتوه كالصّبيّ ، لعدم اكتمال العقل فيه ، وإن كان كاملاً من النّاحية البدنيّة ، بخلاف أهليّة الوجوب ، فإنّها تثبت كاملةً منذ الولادة ، فالطّفل أهل للوجوب له وعليه ، كما سبق . وللتّمييز أثره في التّصرّفات ، فالصّبيّ المميّز يجوز له بأهليّته القاصرة مباشرة بعض التّصرّفات وتصحّ منه ، لأنّ الثّابت مع الأهليّة القاصرة صحّة الأداء ، ويمنع من مباشرة بعض التّصرّفات الأخرى ، وخاصّةً تلك الّتي يعود ضررها عليه ، فلا تصحّ منه . ومن التّصرّفات أيضاً ما يمتنع على الصّبيّ المميّز أن يباشرها بنفسه ، بل لا بدّ فيها من إذن الوليّ . وفيما يلي ما قاله الفقهاء في ذلك على سبيل الإجمال ، أمّا التّفصيل ففي مصطلح ( تمييزٍ ) . تصرّفات الصّبيّ المميّز : 19 - التّصرّفات الّتي يباشرها الصّبيّ المميّز ، إمّا أن تكون في حقوق اللّه تعالى ، وفي هذه الحالة إمّا : أن تكون تلك الحقوق عباداتٍ وعقائد ، أو حقوقاً ماليّةً ، أو عقوباتٍ ، وإمّا : أن تكون تلك التّصرّفات في حقوق العباد ، وهي إمّا : ماليّة أو غير ماليّةٍ . أ - حقوق اللّه تعالى : 20 - أمّا العبادات البدنيّة كالصّلاة ، فلا خلاف بين العلماء في عدم وجوبها عليه إلاّ أنّه يؤمر بأدائها في سنّ السّابعة ، ويضرب على تركها في سنّ العاشرة ، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه : « مروا صبيانكم بالصّلاة لسبع سنين ، واضربوهم عليها لعشر سنين ، وفرّقوا بينهم في المضاجع » . وأمّا العقائد كالإيمان ، فقد ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه يصحّ من الصّبيّ ، فيعتبر إيمانه ، لأنّه خير محض ، وخالف في ذلك الشّافعيّة فقالوا : إنّ إسلامه لا يصحّ حتّى يبلغ ، لحديث : « رفع القلم عن ثلاثٍ ومنها عن الصّبيّ حتّى يبلغ ... » وأمّا ردّته ، فقد ذهب الشّافعيّة والحنابلة وأبو يوسف من الحنفيّة إلى عدم صحّة ردّته ، لأنّها ضرر محض . وذهب أبو حنيفة ومحمّد والمالكيّة إلى الحكم بصحّة ردّته ، وتجري عليه أحكام المرتدّين ما عدا القتل . ونقل في التّتارخانيّة والمنتقى رجوع أبي حنيفة إلى قول أبي يوسف . وأمّا حقوق اللّه سبحانه وتعالى الماليّة كالزّكاة ، فإنّها تجب في ماله عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ولا تجب في ماله عند الحنفيّة . وأمّا العقوبات المتعلّقة بحقوق اللّه سبحانه وتعالى كحدّ السّرقة وغيره ، فإنّها لا تقام على الصّبيّ ، وهذا محلّ اتّفاقٍ عند الفقهاء . ب - حقوق العباد : 21 - أمّا الماليّة منها كضمان المتلفات وأجرة الأجير ونفقة الزّوجة والأقارب ونحو ذلك فإنّها تجب في ماله ، لأنّ المقصود منها هو المال ، وأداؤه يحتمل النّيابة ، فيصحّ للصّبيّ المميّز أداؤه ، فإن لم يؤدّه أدّاه وليّه . وأمّا ما كان منها عقوبة القصاص ، فإنّه لا يجب عليه عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، لأنّ فعل الصّبيّ لا يوصف بالتّقصير ، فلا يصلح سبباً للعقوبة لقصور معنى الجناية في فعله ، ولكن تجب في فعله الدّية ، لأنّها وجبت لعصمة المحلّ ، والصّبا لا ينفي عصمة المحلّ ، ولأنّ المقصود من وجوبها المال ، وأداؤه قابل للنّيابة ، ووجوب الدّية في ماله عند الحنفيّة ، وعلى عاقلته عند المالكيّة والحنابلة . وخالف الشّافعيّة في ذلك على الأصحّ عندهم ، حيث قالوا : إنّ عمد الصّبيّ في الجنايات عمد ، فتغلظ عليه الدّية ، ويحرم إرث من قتله . 22 - أمّا تصرّفاته الماليّة ، ففيها تفصيل على النّحو الآتي : - 1 - تصرّفات نافعة له نفعاً محضاً ، وهي الّتي يترتّب عليها دخول شيءٍ في ملكه من غير مقابلٍ ، مثل قبول الهبة والصّدقة والوصيّة والوقف ، وهذه تصحّ منه ، دون توقّفٍ على إجازة الوليّ أو الوصيّ ، لأنّها خير على كلّ حالٍ . - 2 - تصرّفات ضارّة بالصّغير ضرراً محضاً ، وهي الّتي يترتّب عليها خروج شيءٍ من ملكه من غير مقابلٍ ، كالهبة والصّدقة والوقف وسائر التّبرّعات والطّلاق والكفالة بالدّين ، وهذه لا تصحّ منه ، بل تقع باطلةً ، ولا تنعقد ، حتّى ولو أجازها الوليّ أو الوصيّ ، لأنّهما لا يملكان مباشرتها في حقّ الصّغير فلا يملكان إجازتها . - 3 - تصرّفات دائرة بين النّفع والضّرر بحسب أصل وضعها ، كالبيع والإجارة وسائر المعاوضات الماليّة ، وهذه يختلف الفقهاء فيها : فعند الحنفيّة يصحّ صدورها منه ، باعتبار ما له من أصل الأهليّة ، ولاحتمال أنّ فيها نفعاً له ، إلاّ أنّها تكون موقوفةً على إجازة الوليّ أو الوصيّ لنقص أهليّته ، فإذا أجازها نفذت ، وإن لم يجزها بطلت . وعند المالكيّة تقع صحيحةً لكنّها لا تكون لازمةً ، ويتوقّف لزومها على إجازة الوليّ أو الوصيّ . وعند الشّافعيّة والحنابلة لا يصحّ صدورها من الصّبيّ ، فإذا وقعت كانت باطلةً لا يترتّب عليها أيّ أثرٍ . المرحلة الرّابعة - البلوغ : 23 - البلوغ عند الفقهاء : قوّة تحدث للشّخص ، تنقله من حال الطّفولة إلى حال الرّجولة . وهو يحصل بظهور علامةٍ من علاماته الطّبيعيّة كالاحتلام ، وكالحبل والحيض في الأنثى ، فإن لم يوجد شيء من هذه العلامات كان البلوغ بالسّنّ . وقد اختلف الفقهاء في تقديره ، فقدّره أبو حنيفة بثماني عشرة سنةً للفتى ، وسبع عشرة سنةً للفتاة ، وقدّره الصّاحبان والشّافعيّ وأحمد بخمس عشرة سنةً ، والمشهور عند المالكيّة تقديره بثماني عشرة سنةً لكلٍّ من الذّكر والأنثى . وفي هذه المرحلة ، وهي مرحلة البلوغ ، يكتمل فيها للإنسان نموّه البدنيّ والعقليّ ، فتثبت له أهليّة الأداء الكاملة ، فيصير أهلاً لأداء الواجبات وتحمّل التّبعات ، ويطالب بأداء كافّة الحقوق الماليّة ، وغير الماليّة ، سواء أكانت من حقوق اللّه أم من حقوق العباد . وهذا كلّه إذا اكتمل نموّه العقليّ مع اكتمال نموّه البدنيّ ، أمّا إذا وصل إلى سنّ البلوغ ولم يكتمل نموّه العقليّ ، بأن بلغ معتوهاً أو سفيهاً ، فإنّه تجري عليه أحكام الصّبيّ المميّز ، ويستمرّ ثبوت الولاية عليه ، خلافاً لأبي حنيفة في السّفيه . المرحلة الخامسة – الرشد : 24- الرشد في اللغة : الصلاح وإصابة الصواب . والرشد عند الفقهاء الحنفية والمالكية والحنابلة : حسن التصرف في المال ، والقدرة على استثماره واستغلاله استغلالاً حسناً . وعند الشافعية : صلاح الدين والصلاح في المال . وهذا الرشد قد يأتي مع البلوغ ، وقد يتاخر عنه قليلاً أو كثيراً ، تبعاً لتربية الشخص واستعداده وتعقد الحياة الاجتماعية وبساطتها ، فإذا بلغ الشخص رشيداً كملت أهليته ، و ارتفعت الولاية عنه وسلمت إليه أمواله باتفاق الفقهاء ، لقوله الله تعالى : { وابْتَلُوا اليتامى حتى إذا بَلَغُوا النكاحَ ، فإنْ آنَسْتُم منهم رُشْداً فادْفَعُوا إليهم أموالَهم } . وإذا بلغ غير الرشيد ، وكان عاقلاً كملت أهليته ، وارتفعت الولاية عند أبي حنيفة ، إلا أنه لا تسلم إليه أمواله ، بل تبقى في يد وليه أو وصيه حتى يثنت رشده بالفعل ، أو يبلغ خمساً وعشرين سنة ، فإذا بلغ هذا السن سلمت إليه أمواله ، ولو كان مبذراً لا يحسن التصرف ، لأن منع المال عنه على سبيل الاحتياط والتأديب ، وليس على سبيل الحجر عليه ، لأن أبا حنيفة لا يرى الحجر على السفيه ، والإنسان بعد بلوغه هذه السن وصلاحيته لأن يكون جداً لا يكون أهلاً للتأديب . وقال المالكية والشافعية والحنابلة ، وهو قول عند أبي يوسف ومحمد من الحنفية : إن الشخص إذا بلغ غير رشيد كملت أهليته ، ولكن لا ترتفع الولاية عنه ، وتبقى أمواله تحت يد وليه أو وصيه حتى يثبت رشده ، لقول الله تعالى : { ولا تُؤْتُوا السفهاءَ أموالَكم التي جَعَلَ اللهُ لكم قِياماً ، وارْزُقُوهم فيها واكْسُوهم ، وقولُوا لهم قولاً معروفاً ، وابْتَلُوا اليتامى حتى إذا بَلَغُوا النكاحَ ، فإنْ آنَسْتُم منهم رُشْداً فادْفَعُوا إليهم أَمْوالَهم } فإنه منع الأولياء والأوصياء من دفع المال إليهم إلى السفهاء ، وناط دفع المال إليهم بتوافر أمرين : البلوغ والرشد ، فلا يجوز أن يدفع المال إليهم بالبلوغ مع عدم الرشد . أما إذا بلغ الشخص رشيداً ، ثم طرأ السفه عليه بعد ذلك ، فسيأتي الكلام عنه في هذا البحث ، بين عوارض الأهلية . عوارض الأهليّة : 25 - العوارض : جمع عارضٍ أو عارضةٍ ، والعارض في اللّغة معناه : السّحاب ، ومنه قوله تعالى : { فلمّا رَأوْهُ عارضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالوا هَذا عارضٌ مُمْطِرنا } . وأمّا العوارض في الاصطلاح فمعناها : أحوال تطرأ على الإنسان بعد كمال أهليّة الأداء ، فتؤثّر فيها بإزالتها أو نقصانها ، أو تغيّر بعض الأحكام بالنّسبة لمن عرضت له من غير تأثيرٍ في أهليّته . أنواع عوارض الأهليّة : 26 - عوارض الأهليّة نوعان : سماويّة ومكتسبة : فالعوارض السّماويّة : هي تلك الأمور الّتي ليس للعبد فيها اختيار ، ولهذا تنسب إلى السّماء ، لنزولها بالإنسان من غير اختياره وإرادته ، وهي : الجنون ، والعته ، والنّسيان ، والنّوم ، والإغماء ، والمرض ، والرّقّ ، والحيض ، والنّفاس ، والموت . والمكتسبة : هي تلك الأمور الّتي كسبها العبد أو ترك إزالتها ، وهي إمّا أن تكون منه أو من غيره ، فالّتي تكون منه : الجهل ، والسّكر ، والهزل ، والسّفه ، والإفلاس ، والسّفر ، والخطأ ، والّذي يكون من غيره الإكراه . وفيما يلي ما يتعلّق بهذه العوارض إجمالاً ، مع إحالة التّفصيل إلى العناوين الخاصّة بها . العوارض السّماويّة : أوّلاً : الجنون : 27 - الجنون في اللّغة مأخوذ من : أجنّه اللّه فجنّ ، فهو مجنون ، بالبناء للمفعول . وأمّا عند الأصوليّين فإنّه : اختلال للعقل يمنع من جريان الأفعال والأقوال على نهج العقل . والجنون يؤثّر في أهليّة الأداء ، فهو مسقط للعبادات كالصّلاة والصّوم والحجّ . وفي زكاة مال المجنون خلاف ، مع مراعاة الفرق بين الجنون المطبق وغيره . وأمّا المعاملات ، فحكمه فيها حكم الصّبيّ غير المميّز ، فلا يعتدّ بأقواله لانتفاء تعقّله للمعاني . وأمّا أهليّة الوجوب ، فلا يؤثّر فيها الجنون ، فإنّ المجنون يرث ويملك لبقاء ذمّته ، والمتلفات بسبب أفعاله مضمونة في ماله كالصّبيّ الّذي لم يصل إلى سنّ التّمييز . وتفصيل الأحكام الخاصّة بالجنون تنظر في مصطلح : ( جنونٍ ) . ثانياً : العته : 28 - العته في اللّغة : نقصان العقل من غير جنونٍ أو دهشٍ . وفي الاصطلاح : آفة توجب خللاً في العقل ، فيصير صاحبها مختلط الكلام ، فيشبه بعض كلامه كلام العقلاء ، وبعضه كلام المجانين . والمعتوه في تصرّفاته كالصّبيّ المميّز ، فتثبت له أهليّة الأداء القاصرة ، إذ لا فرق بينه وبين الصّبيّ كما جاء في التّلويح ، إلاّ في مسألةٍ واحدةٍ وهي : أنّ امرأة المعتوه إذا أسلمت لا يؤخّر عرض الإسلام عليه ، كما لا يؤخّر عرضه على وليّ المجنون بخلاف الصّبيّ ، والفرق بينهما واضح ، فإنّ الصّبا مقدّر بخلاف العته والجنون . والتّفصيل في مصطلح : ( عتهٍ ) . ثالثاً : النّسيان : 29 - النّسيان في اللّغة مشترك بين معنيين : أحدهما : ترك الشّيء على ذهولٍ وغفلةٍ ، وهو خلاف التّذكّر . وثانيهما : التّرك عن تعمّدٍ ، ومنه قوله تعالى : { ولا تَنْسَوُا الفضلَ بينكم } . وفي الاصطلاح : عدم استحضار صورة الشّيء في الذّهن وقت الحاجة إليه . والنّسيان لا يؤثّر في أهليّة الوجوب ، ولا يؤثّر أيضاً في أهليّة الأداء لكمال العقل ، ومع ذلك فإنّ النّسيان عذر في حقوق اللّه تعالى في حقّ الإثم وعدمه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان ... » وللنّسيان أحكام تفصيلها في مصطلح : ( نسيانٍ ) . رابعاً : النّوم : 30 - النّوم : غشية ثقيلة تهجم على القلب فتقطعه عن المعرفة بالأشياء . وفي الاصطلاح : فتور يعرض مع قيام العقل يوجب العجز عن إدراك المحسوسات والأفعال الاختياريّة واستعمال العقل . والنّوم لا ينافي أهليّة الوجوب لعدم إخلاله بالذّمّة ، إلاّ أنّه يوجب تأخير توجّه الخطاب بالأداء إلى حال اليقظة ، لأنّه في حال النّوم عاجز عن الفهم فلا يناسب أن يتوجّه إليه الخطاب حينئذٍ ، فإذا انتبه من النّوم أمكنه الفهم ، ولهذا فإنّ النّائم مطالب بقضاء ما فاته من الصّلوات في أثناء نومه ، وأمّا عبارات النّائم من الأقارير وغيرها فهي باطلة ، ولا يعتدّ بها . وتفصيل ذلك كلّه محلّه مصطلح : ( نومٍ ) . خامساً : الإغماء : 31 - الإغماء في اللّغة : الخفاء ، وفي الاصطلاح : آفة في القلب أو الدّماغ تعطّل القوى المدركة والحركة عن أفعالها مع بقاء العقل مغلوباً . وهو ضرب من المرض ، ولذا لم يعصم منه النّبيّ عليه الصلاة والسلام . وتأثير الإغماء على المغمى عليه أشدّ من تأثير النّوم على النّائم ، ولذا اعتبر فوق النّوم ، لأنّ النّوم حالة طبيعيّة كثيرة الوقوع ، وسببه شيء لطيف سريع الزّوال ، والإغماء على خلافه في ذلك كلّه ، ألا ترى أنّ التّنبيه والانتباه من النّوم في غاية السّرعة ، وأمّا التّنبيه من الإغماء فغير ممكنٍ . وحكم الإغماء في كونه عارضاً من عوارض الأهليّة حكم النّوم ، فلزمه ما لزم النّوم ، ولكونه يزيد عنه جعله ناقضاً للوضوء في جميع الأحوال حتّى في الصّلاة . وتفصيل ذلك كلّه محلّه مصطلح : ( إغماءٍ ) . سادساً : الرّقّ : 32 - الرّقّ في اللّغة بكسر الرّاء : العبوديّة . وأمّا في الشّرع فهو : حجز حكميّ عن الولاية والشّهادة والقضاء وملكيّة المال والتّزوّج وغيرها . هذا والأحكام الخاصّة بالرّقيق يرجع إليها في مصطلح : ( رقٍّ ) . سابعاً : المرض : 33 - المرض في اللّغة : حالة خارجة عن الطّبع ضارّة بالفعل . وفي الاصطلاح : ما يعرض للبدن فيخرجه عن الاعتدال الخاصّ . وهو لا ينافي أهليّة التّصرّفات ، أي ثبوته ووجوبه على الإطلاق ، سواء أكان من حقوق اللّه تعالى أم من حقوق العباد ، لأنّه لا يخلّ بالعقل ولا يمنعه من استعماله ، فيصحّ ما تعلّق بعبارته من العقود وغيرها ، ولكنّه لمّا كان سبب الموت بترادف الآلام ، وأنّه أي الموت عجز خالص ، كان المرض من أسباب العجز ، فشرعت العبادات معه بقدر المكنة ، لئلاّ يلزم تكليف ما ليس في الوسع ، فيصلّي قاعداً إن لم يقدر على القيام ، ومضطجعاً إن عجز عنه ، ويعتبر المرض سبباً للحجر على المريض مرض الموت حفظاً لحقّ الوارث وحقّ الغريم إذا اتّصل به الموت ، وذلك لأنّ المرض المميت هو سبب الحجر لا نفس المرض . هذا ، وتفصيل الأحكام الخاصّة بالمرض يرجع إليها في مصطلح ( مرضٍ ) ثامناً : الحيض والنّفاس : 34 - الحيض معناه في اللّغة : السّيلان ، ومنه الحوض . وفي الاصطلاح : الدّم الخارج من الرّحم لا لولادةٍ ولا لعلّةٍ . وأمّا النّفاس فمعناه في اللّغة : الولادة . وفي الاصطلاح : الدّم الخارج عقب فراغ الرّحم من الحمل . والحيض والنّفاس لا يؤثّران في أهليّة الوجوب ، ولا في أهليّة الأداء ، إلاّ أنّهما اعتبرا من العوارض لأنّ الطّهارة منهما شرط لصحّة كلّ عبادةٍ يشترط فيها الطّهارة كالصّلاة مثلاً . وتفصيل الأحكام الخاصّة بالحيض والنّفاس محلّه ( حيض ، ونفاس ) . تاسعاً : الموت : 35 - الأحكام المتعلّقة بالموت تتلخّص في أنّ تلك الأحكام إمّا دنيويّة أو أخرويّة ، والدّنيويّة من حيث التّكليف حكمها السّقوط إلاّ في حقّ المأتم ، أو ما شرع لحاجة نفسه أو لحاجة غيره . والأخرويّة حكمها البقاء ، سواء أكانت واجبةً له على الغير ، أم للغير عليه ، من الحقوق الماليّة والمظالم ، أوما يستحقّه من ثوابٍ بواسطة الطّاعات ، أو عقابٍ بواسطة المعاصي . هذا ، ومحلّ تفصيل هذه الأحكام مصطلح ( موتٍ ) [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية