الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41061" data-attributes="member: 329"><p>ثانياً : العقل ، فلا يصحّ الإيلاء من المجنون والصّبيّ الّذي لا يعقل ، ولا من المعتوه ، لأنّ المعتوه قد لا يكون عنده إدراك ولا تمييز فيكون كالمجنون ، وقد يكون عنده إدراك وتمييز ولكنّه لا يصل إلى درجة الإدراك عند الرّاشدين العاديّين كالصّبيّ المميّز ، والصّبيّ المميّز لا يصحّ منه الإيلاء ، فكذلك المعتوه . </p><p>ومثل المجنون في الحكم الأشخاص التّالي ذكرهم : </p><p>- 1 - المدهوش ، وهو الّذي اعترته حالة انفعالٍ لا يدري فيها ما يقول أو يفعل ، أو يصل به الانفعال إلى درجةٍ يغلب معها الخلل في أقواله وأفعاله . </p><p>فإذا صدر الإيلاء من الزّوج ، وهو في هذه الحال لا يعتبر ، وإن كان يعلمه ويريده ، لأنّ هذا العلم وهذه الإرادة غير معتبرين ، لعدم حصولهما عن إدراكٍ صحيحٍ ، كما لا يعتبر ذلك من الصّبيّ المميّز . </p><p>- 2 - المغمى عليه والنّائم ، فالمغمى عليه في حكم المجنون ، ومثله النّائم ، لأنّه لا إدراك عنده ولا وعي ، فلا يعتدّ بالإيلاء الّذي يصدر عنه كما لا يعتدّ بطلاقه . </p><p>- 3 - السّكران ، وهو الّذي صار عقله مغلوباً من تأثير المسكر ، حتّى صار يهذي ويخلط في كلامه ، ولا يعي بعد إفاقته ما كان منه في حال سكره ، وقد اتّفق الفقهاء على أنّ إيلاء السّكران لا يعتبر إذا كان سكره من طريقٍ غير محرّمٍ ، كما لو شرب المسكر للضّرورة ، أو تحت ضغط الإكراه ، لأنّ السّكران لا وعي عنده ولا إدراك كالمجنون والنّائم ، بل أشدّ حالاً من النّائم ، إذ النّائم ينتبه بالتّنبيه ، أمّا السّكران فلا ينتبه إلاّ بعد الإفاقة من السّكر ، فإذا لم يعتبر الإيلاء الصّادر من النّائم ، فلا يعتبر الإيلاء الصّادر من السّكران بالطّريق الأولى . واختلفوا فيما إذا كان السّكر بطريقٍ محرّمٍ ، وذلك بأن يشرب المسكر باختياره ، وهو يعلم أنّه مسكر ، من غير ضرورةٍ حتّى يسكر ، فقال بعضهم : يعتبر إيلاؤه ، وهو قول جمهور الحنفيّة ومالكٍ والشّافعيّ وأحمد في روايةٍ عنه ، لأنّه لمّا تناول المحرّم باختياره يكون قد تسبّب في زوال عقله ، فيجعل موجوداً عقوبةً له وزجراً عن ارتكاب المعصية . </p><p>وقال بعضهم : لا يعتبر إيلاؤه ، وهو قول زفر من الحنفيّة واختاره الطّحاويّ والكرخيّ ، وهو أيضاً قول أحمد في روايةٍ أخرى عنه ، وهو منقول عن عثمان بن عفّان وعمر بن عبد العزيز . وحجّتهم في ذلك : أنّ صحّة التّصرّف تعتمد على القصد والإرادة الصّحيحة ، والسّكران قد غلب السّكر على عقله ، فلا يكون عنده قصد ولا إرادة صحيحة ، فلا يعتدّ بالعبارة الصّادرة منه ، كما لا يعتدّ بالعبارة الصّادرة من المجنون والمعتوه والنّائم والمغمى عليه . والشّارع لم يترك السّكران بدون عقوبةٍ على سكره ، حتّى نحتاج إلى عقوبةٍ أخرى ننزلها به ، خصوصاً إذا كانت هذه العقوبة الأخرى لا تقتصر على الجاني ، بل تتعدّاه إلى غيره من الزّوجة والأولاد . </p><p>وأساس هذا الاختلاف هو الاختلاف في اعتبار طلاقه وعدم اعتباره : فمن قال باعتبار طلاقه قال باعتبار إيلائه ، ومن قال بعدم اعتبار طلاقه قال بعدم اعتبار إيلائه ، لأنّ الإيلاء كطلاقٍ معلّقٍ عند بعضهم ، وسبب للطّلاق عند آخرين ، فيكون له حكمه .</p><p>د - ما يشترط في المدّة المحلوف عليها :</p><p>14 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الإيلاء لا بدّ له من مدّةٍ يحلف الزّوج على ترك قربان زوجته فيها . لكنّهم اختلفوا في مقدار هذه المدّة . فقال الحنفيّة : إنّ مدّة الإيلاء أربعة أشهرٍ أو أكثر ، وهو قول عطاءٍ والثّوريّ ورواية عن أحمد . </p><p>فلو حلف الرّجل على ترك قربان زوجته أقلّ من أربعة أشهرٍ لا يكون إيلاءً ، بل يكون يميناً . فإذا حنث بالوطء قبل مضيّ أربعة أشهرٍ لزمته كفّارة يمينٍ . </p><p>وعلى هذا لو حلف الزّوج : ألاّ يطأ زوجته أكثر من أربعة أشهرٍ كان إيلاءً باتّفاق الفقهاء ، وكذلك لو حلف : ألاّ يقرب زوجته ، ولم يذكر مدّةً ، أو قال : أبداً ، فإنّه يكون إيلاءً بالاتّفاق أيضاً . أمّا لو حلف ألاّ يقرب زوجته أربعة أشهرٍ فإنّه يكون إيلاءً عند الحنفيّة ، ولا يكون إيلاءً عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . ولو حلف : ألاّ يقرب زوجته أقلّ من أربعة أشهرٍ فإنّه لا يكون إيلاءً عند الجميع . </p><p>وقد احتجّ الحنفيّة ومن وافقهم بأنّ الإيلاء له حكمان : أحدهما : الحنث إذا وطئ الرّجل زوجته قبل مضيّ أربعة أشهرٍ ، وثانيهما : وقوع الطّلاق إن لم يطأ زوجته قبل مضيّ هذه المدّة . وهذا يفيد أنّ الأربعة الأشهر هي المدّة المعتبرة في الإيلاء ، فلا يكون الحلف على ما دونها إيلاءً ، كما لا يتوقّف الإيلاء على الحلف على أكثر منها ، وبأنّ الإيلاء هو اليمين الّتي تمنع قربان الزّوجة خوفاً من لزوم الحنث ، فلو كان الحلف على ترك قربان الزّوجة أقلّ من أربعة أشهرٍ ، لأمكن الزّوج بعد مضيّ هذه المدّة أن يجامع زوجته من غير أن يلزمه الحنث في يمينه ، فلا يكون هذا إيلاءً . </p><p>واحتجّ المالكيّة ومن معهم بأنّ المولي يوقف بعد مضيّ أربعة أشهرٍ ، يخيّر بين الفيء ( وهو الرّجوع عن اليمين بالفعل أو القول ) والتّطليق ، فلا بدّ أن تكون المدّة على ترك قربان الزّوجة فيها أكثر من أربعة أشهرٍ ، ولو كانت أربعة أشهرٍ أو أقلّ منها لانقضى الإيلاء بانقضائها ، ولا تصحّ المطالبة من غير الإيلاء .</p><p>15 - إذا فقد الإيلاء شرطاً من الشّرائط الّتي تقدّم بيانها ، فهل يكون لليمين مفعولها الّذي وضعت لإفادته شرعاً ؟ ذلك يتوقّف على الشّرط الّذي لم يتحقّق ، فإن كان من شرائط الصّيغة ترتّب على فقده عدم اعتبار اليمين أصلاً ، بحيث لا يترتّب على مخالفة موجبها الحنث ووجوب الكفّارة أو لزوم ما رتّبه عليها . </p><p>وكذلك لو كان الشّرط الّذي لم يتحقّق من الشّرائط الّتي تعود إلى الرّجل كالبلوغ أو العقل ، لأنّه لا اعتبار لما يصدر عن الصّبيّ قبل البلوغ ، ولا لما يصدر عن المجنون ومن في حكمه . أمّا لو كان من الشّرائط الّتي تعود إلى الرّجل والمرأة معاً ، وهو قيام النّكاح حين الإيلاء ، فإنّ فقده لا يعطّل مفعول اليمين ، بل تبقى في حقّ الحنث ، فلو قال رجل لامرأةٍ أجنبيّةٍ : واللّه لا أطأك مدّة أربعة أشهرٍ ، ثمّ وطئها قبل مضيّ أربعة أشهرٍ ، وجبت عليه كفّارة اليمين المبيّنة في كتب الفقه ، حتّى لو كان الوطء بعد العقد عليها . </p><p>أمّا في حقّ الطّلاق ، فإنّ فقد الشّرط يبطل اليمين بالنّسبة له ، ولهذا لا يقع الطّلاق بمضيّ أربعة أشهرٍ ، لعدم انعقاد الإيلاء في حقّ الطّلاق لانعدام المحلّيّة . </p><p>ومثل هذا يقال في حال عدم توافر شرائط المدّة المحلوف عليها ، فإنّ مفعول اليمين يبقى . ولو نقصت المدّة الّتي حلف الرّجل على ترك قربان الزّوجة فيها عن أربعة أشهرٍ - عند من يرى أنّها لا تكون أقلّ من ذلك - وحتّى لو وطئ زوجته في أثناء المدّة الّتي حلف على ترك قربانها فيها ، وجبت عليه الكفّارة .</p><p>أثر الإيلاء بعد انعقاده :</p><p>16 - إذا تحقّق ركن الإيلاء وتوافرت شرائطه ترتّب عليه أحد أثرين : </p><p>أوّلهما : يترتّب عليه في حالة إصرار الزّوج على عدم قربان زوجته الّتي آلى منها ، حتّى تمضي أربعة أشهرٍ من تاريخ الإيلاء . </p><p>وثانيهما : يترتّب عليه في حالة حنثه في اليمين الّتي حلفها .</p><p>أ - حالة الإصرار :</p><p>17 - إذا أصرّ المولي على ترك قربان زوجته الّتي حلف ألاّ يقربها كان إصراره هذا داعياً إلى الفرقة بينه وبين زوجته ، لأنّ في هذا الامتناع إضراراً بالزّوجة ، فحمايةً لها من هذا الضّرر ، يكون لها الحقّ في مطالبته بالعودة إلى معاشرتها . </p><p>فإن لم يعد إلى معاشرتها حتّى مضت أربعة أشهرٍ فهل يقع الطّلاق بمجرّد مضيّها ؟ </p><p>يرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : أنّ الطّلاق لا يقع بمضيّ أربعة أشهرٍ ، بل للزّوجة أن ترفع الأمر إلى القاضي ، فيأمر الزّوج بالفيء ، أي الرّجوع عن موجب يمينه ، فإن أبى الفيء أمره بتطليقها ، فإن لم يطلّق طلّقها عليه القاضي . </p><p>ويرى فقهاء الحنفيّة أنّ الطّلاق يقع بمجرّد مضيّ أربعة أشهرٍ ، ولا يتوقّف على رفع الأمر إلى القاضي ، ولا حكمٍ منه بتطليقها . وذلك جزاءً للزّوج على الإضرار بزوجته وإيذائها بمنع حقّها المشروع . </p><p>والحكمة الشّرعيّة في إمهاله هذه المدّة المحافظة على علاقة الزّوجيّة ومعالجة بقائها بما هو غالب على طبائع النّاس ، فإنّ البعد عن الزّوجة مثل هذا الزّمن فيه تشويق للزّوج إليها ، فيحمله ذلك على وزن حاله معها وزناً صحيحاً ، فإذا لم تتأثّر نفسه بالبعد عنها ، ولم يبال بها سهل عليه فراقها ، وإلاّ عاد إلى معاشرتها نادماً على إساءته مصرّاً على حسن معاشرتها . وكذلك المرأة فإنّ هجرها من وسائل تأديبها ، فقد تكون سبباً في انصراف الزّوج عنها بإهمالها في شأن زينتها ، أو بمعاملتها إيّاه معاملةً توجب النّفرة منها ، فإذا هجرها هذه المدّة كان هذا زاجراً لها عمّا فرّط منها . </p><p>وسبب الخلاف بين الجمهور وبين الحنفيّة يرجع إلى اختلافهم في المراد من التّرتيب الّذي تدلّ عليه " الفاء " في قول اللّه تعالى : { للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ اللّه غفور رحيم } أهو التّرتيب الحقيقيّ وهو التّرتيب الزّمانيّ . أي أنّ زمن المطالبة بالفيء أو الطّلاق عقب مضيّ الأجل المضروب ، وهو الأربعة الأشهر أو هو التّرتيب الذّكريّ لا الزّمنيّ ، فتفيد ترتيب المفصّل على المجمل ، وعليه يكون الفيء بعد الإيلاء خلال الأجل المضروب لا بعده ، فإذا انقضى الأجل بدون فيءٍ فيه وقع الطّلاق بمضيّه ؟ فبالأوّل قال الجمهور ، وبالثّاني قال الحنفيّة . </p><p>فمعنى الآية على رأي الحنفيّة : أنّ للأزواج الّذين يحلفون على ترك وطء زوجاتهم انتظار أربعة أشهرٍ ، فإن فاءوا قبل مضيّ هذه المدّة ، وعادوا إلى وطئهنّ ، فإنّ ذلك يكون توبةً منهم عن ذلك الذّنب الّذي ارتكبوه ، والّذي يترتّب عليه الإضرار بزوجاتهم وإيقاع الأذى بهنّ ، واللّه يغفره لهم بالكفّارة عنه ، وإن أصرّوا على تنفيذ يمينهم وهجر زوجاتهم ، فلم يقربوهنّ حتّى انقضت المدّة المذكورة ، وهي أربعة أشهرٍ ، فإنّ ذلك يكون إصراراً منهم على الطّلاق ، فيكون إيلاؤهم طلاقاً ، فتطلق منهم زوجاتهم بمجرّد انقضاء هذه المدّة من غير حاجةٍ إلى تطليقٍ منهم أو من القاضي ، جزاءً لهم على ضرر زوجاتهم . </p><p>ومعنى الآية على رأي الجمهور : أنّ الأزواج الّذين يحلفون على ترك قربان زوجاتهم يمهلون أربعة أشهرٍ ، فإن فاءوا ورجعوا عمّا منعوا أنفسهم منه بعد مضيّ هذه المدّة فإنّ اللّه غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين والعزم على ذلك الضّرر ، وإن عزموا على الطّلاق بعد انقضاء المدّة فإنّ اللّه سميع لما يقع منهم من الطّلاق ، عليم بما يصدر عنهم من خيرٍ أو شرٍّ ، فيجازيهم عليه . </p><p>وممّا استدلّ به لمذهب الجمهور ما رواه الدّارقطنيّ في سننه عن سهيل بن أبي صالحٍ عن أبيه قال : « سألت اثني عشر رجلاً من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ يولي من امرأته قالوا : ليس عليه شيء حتّى تمضي أربعة أشهرٍ ، فيوقف ، فإن فاء وإلاّ طلّق ». </p><p>نوع الطّلاق الّذي يقع نتيجةً للإيلاء :</p><p>18 - إذا وقع الطّلاق نتيجةً للإيلاء ، سواء أكان وقوعه بمضيّ المدّة عند من يقول بذلك من الفقهاء ، أم كان وقوعه بإيقاع الزّوج ، بناءً على أمر القاضي له بالطّلاق ، أو بإيقاع القاضي عند امتناع الزّوج من الطّلاق عند من لا يقول بوقوع الطّلاق بمضيّ المدّة من الفقهاء ، فإنّه يكون طلاقاً بائناً عند الحنفيّة ، وهو المنصوص عن أحمد في فرقة الحاكم . لأنّه طلاق لدفع الضّرر عن الزّوجة ، ولا يندفع الضّرر عنها إلاّ بالطّلاق البائن ، إذ لو كان رجعيّاً لاستطاع الزّوج إعادتها فلا تتخلّص من الضّرر ، ولأنّ القول بوقوع الطّلاق رجعيّاً يؤدّي إلى العبث ، لأنّ الزّوج إذا امتنع عن الفيء والتّطليق يقدّم إلى القاضي ليطلّق عليه ، ثمّ إذا طلّق عليه القاضي يراجعها ثانياً ، فيكون ما فعله القاضي عبثاً ، والعبث لا يجوز . وقال مالك والشّافعيّ وأحمد في روايةٍ أخرى : إنّ الطّلاق الواقع بالإيلاء طلاق رجعيّ ما دامت المرأة قد دخل بها الزّوج قبل ذلك ، لأنّه طلاق لامرأةٍ مدخولٍ بها من غير عوضٍ ولا استيفاء عددٍ ، فيكون رجعيّاً كالطّلاق في غير الإيلاء . </p><p>ولم يشترط الشّافعيّة والحنابلة شيئاً لصحّة الرّجعة من المولي ، إلاّ أنّهم قالوا : إنّه إذا ارتجعها - وقد بقيت مدّة الإيلاء - ضربت له مدّة أخرى ، فإن لم يفء طلّق عليه القاضي لرفع الضّرر عن المرأة . واشترط المالكيّة لصحّة الرّجعة انحلال اليمين عنه في العدّة بالوطء فيها ، أو بتكفير ما يكفّر ، أو بتعجيل الحنث في العدّة ، فإذا لم ينحلّ الإيلاء بوجهٍ من هذه الوجوه فإنّ الرّجعة تكون باطلةً لا أثر لها .</p><p>ب - حالة الحنث أو الفيء :</p><p>19 - المقصود بالحنث عدم الوفاء بموجب اليمين ، وهو ذلك الوفاء المكروه الّذي يتحقّق بامتناع الزّوج من وطء زوجته الّتي آلى منها قبل أن تمضي المدّة الّتي حلف ألاّ يقربها فيها ، فإذا كانت المدّة الّتي حلف ألاّ يقرب زوجته فيها أكثر من أربعة أشهرٍ ، كخمسة أشهرٍ ( مثلاً ) ثمّ قربها قبل أن تمضي هذه المدّة ، كان حانثاً في يمينه ، حيث إنّه لم يعمل بمقتضاها ، وهو الامتناع من قربان الزّوجة مدّة خمسة أشهرٍ . والحنث في اليمين وإن كان غير مرغوبٍ فيه شرعاً ، لكنّه في الإيلاء مستحبّ ، لأنّ فيه رجوعاً عن إيذاء الزّوجة والإضرار بها ، فهو ما ينطبق عليه قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيراً منها فليأت الّذي هو خير ، وليكفّر عن يمينه » . </p><p>أمّا الفيء فمعناه في الأصل : الرّجوع ، ولذلك يسمّى الظّلّ الّذي يكون بعد الزّوال فيئاً ، لأنّه رجع من المغرب إلى المشرق . والمراد منه هنا : رجوع الزّوج إلى جماع زوجته الّذي منع نفسه منه باليمين عند القدرة عليه ، أو الوعد به عند العجز عنه . </p><p>ووجود الفيء لا يترتّب عليه الحنث في اليمين إلاّ إذا كان بالجماع ، لأنّه هو المحلوف على تركه ، أمّا لو كان الفيء بالقول - كما سيأتي - فلا يترتّب عليه الحنث ، بل تبقى اليمين قائمةً منعقدةً حتّى يوجد الجماع ، فإن حصل منه قبل مضيّ المدّة الّتي حلف الزّوج على ترك وطء زوجته فيها حنث وانحلّت اليمين ، ومن هذا يبيّن أنّ الفيء يكون وجوده سبباً في انحلال الإيلاء وارتفاعه ، وإنّه إن كان بالفعل انحلّ الإيلاء وارتفع في حقّ الطّلاق والحنث جميعاً ، وإن كان بالقول انحلّ الإيلاء في حقّ الطّلاق ، وبقي في حقّ الحنث ، حتّى لو وجد الجماع في الزّمن المحلوف على تركه فيه وجبت الكفّارة وانحلّ الإيلاء بالنّسبة للحنث أيضاً. </p><p>انحلال الإيلاء </p><p>لانحلال الإيلاء سببان : الفيء ، والطّلاق . </p><p>حالة الفيء :</p><p>20 - الفيء - كما تقدّم - هو أن يرجع الزّوج إلى معاشرة الزّوجة الّتي آلى منها ، بحيث تعود الحياة الزّوجيّة بينهما إلى ما كانت عليه قبل الإيلاء . </p><p>وللفيء طريقان : إحداهما أصليّة ، والأخرى استثنائيّة . </p><p>أمّا الأصليّة : فهي الفيء بالفعل . </p><p>وأمّا الاستثنائيّة : فهي الفيء بالقول .</p><p>أ - الطّريق الأصليّة في الفيء : الفيء بالفعل :</p><p>21 - المراد بالفعل الّذي يكون فيئاً وينحلّ به الإيلاء : إنّما هو الجماع ، ولا خلاف في هذا لأحدٍ من الفقهاء . قال ابن المنذر : أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ الفيء الجماع ، ولا يكون ما دون الجماع فيئاً . وينبني على الفيء بالفعل انحلال الإيلاء ، ولزوم مقتضى اليمين ، لأنّه بالجماع يتحقّق الحنث ، واليمين لا يبقى بعد الحنث ، إذ الحنث يقتضي نقض اليمين ، والشّيء لا يبقى مع وجود ما ينقضه . </p><p>22 - فإن كانت اليمين قسماً باللّه تعالى أو بصفةٍ من صفاته الّتي يحلف بها ، كعزّة اللّه وعظمته وجلاله وكبريائه ، لزمته كفّارة يمينٍ في قول أكثر أهل العلم ، وعند بعض العلماء لا تجب عليه الكفّارة . وإن كانت اليمين بتعليق شيءٍ على قربان الزّوجة لزمه ما التزمه من ذلك ، فإن كان المعلّق على القربان طلاقاً أو عتقاً وقع الطّلاق والعتق وقت حصول الفيء ، لأنّ الطّلاق والعتق متى علّق حصوله على حصول أمرٍ في المستقبل ، ووجد المعلّق عليه ، وقع الطّلاق وثبت العتق بمجرّد وجوده ، كما هو مذهب الفقهاء . </p><p>وإن كان المعلّق على القربان صلاةً أو صياماً أو حجّاً أو صدقةً ، فإمّا أن يعيّن لأدائه وقتاً أو لا يعيّن . فإن عيّن للأداء وقتاً كأن يقول : إن قربت زوجتي مدّة خمسة أشهرٍ فعليّ صلاة مائة ركعةٍ في يوم كذا ( مثلاً ) لزمته الصّلاة في الوقت الّذي عيّنه . وإن لم يعيّن للأداء وقتاً وجب عليه فعل ما التزمه في أيّ وقتٍ أراد ، ولا إثم عليه في التّأخير ، وإن كان الأفضل الأداء في أوّل وقتٍ يمكنه الأداء فيه خوفاً من انتهاء الأجل قبل أن يؤدّي ما وجب عليه .</p><p>ب - الطّريق الاستثنائيّة في الفيء : الفيء بالقول :</p><p>23 - إذا آلى الرّجل من زوجته كان الواجب شرعاً عليه أن يفيء إليها بالفعل ، فإن لم يقدر على الفيء بالفعل لزمه الفيء بالقول . كأن يقول : فئت إلى زوجتي فلانة ، أو رجعت عمّا قلت ، أو متى قدرت جامعتها ، وما أشبه ذلك من كلّ ما يدلّ على رجوعه عمّا منع نفسه منه باليمين . </p><p>والحكمة في تشريع الفيء بالقول : أنّ الزّوج لمّا آذى زوجته بالامتناع عن قربانها ، وعجز عن الرّجوع ، وكان في إعلانه الوعد به إرضاءً لها لزمه هذا الوعد ، ولأنّ المقصود بالفيئة ترك الإضرار الّذي قصده الزّوج بالإيلاء ، وهذا يتحقّق بظهور عزمه على العود إلى معاشرتها عند القدرة .</p><p>شرائط صحّة الفيء بالقول :</p><p>24 - لا يصحّ الفيء بالقول إلاّ إذا توافرت فيه الشّرائط الآتية : </p><p>الشّريطة الأولى :</p><p>العجز عن الجماع ، فإن كان الزّوج قادراً على الجماع لا يصحّ منه الفيء بالقول ، لأنّ الفيء بالجماع هو الأصل ، إذ به يندفع الظّلم عن الزّوجة حقيقةً ، والفيء بالقول خلف عنه ، ولا عبرة بالخلف مع القدرة على الأصل ، كالتّيمّم مع الوضوء . </p><p>والعجز نوعان : عجز حقيقيّ وعجز حكميّ . </p><p>والعجز الحقيقيّ ، مثل أن يكون أحد الزّوجين مريضاً مرضاً يتعذّر معه الجماع ، أو تكون المرأة صغيرةً لا يجامع مثلها ، أو تكون رتقاء : وهي الّتي يكون بها انسداد موضع الجماع من الفرج ، بحيث لا يستطاع جماعها ، أو يكون الزّوج مجبوباً : وهو الّذي استؤصل منه عضو التّناسل ، أو يكون عنّيناً : وهو من لا يقدر على الجماع مع وجود عضو التّناسل لضعفٍ أو كبر سنٍّ أو مرضٍ ، أو يكون أحد الزّوجين محبوساً حبساً يحول دون الوصول إلى الجماع ، أو يكون بينهما مسافة لا يقدر على قطعها في مدّة الإيلاء . </p><p>والعجز الحكميّ ، هو عندما يكون المانع عن الجماع شرعيّاً ، كأن تكون المرأة حائضاً عند انقضاء مدّة التّربّص ( هذا عند الفقهاء الّذين يقولون بالفيء بعد انقضاء مدّة الإيلاء ) أو يكون الزّوج محرماً بالحجّ وقت الإيلاء من زوجته ، وبينه وبين التّحلّل من الإحرام أربعة أشهرٍ ( وهذا عند الفقهاء الّذين يقولون : الفيء لا يكون إلاّ في مدّة الإيلاء ) . </p><p>فإن كان العجز حقيقيّاً انتقل الفيء من الفعل إلى القول بالاتّفاق ، وإن كان العجز حكميّاً انتقل الفيء من الفعل إلى القول أيضاً عند المالكيّة والحنابلة وفي قولٍ مرجوحٍ للشّافعيّة . </p><p>ولا ينتقل عند أبي حنيفة وصاحبيه والشّافعيّ . وصرّح الشّافعيّة بأنّه يطالب بالطّلاق . وحجّة القائلين بالانتقال : أنّ العجز الحكميّ كالعجز الحقيقيّ في أصول الشّريعة ، كما في الخلوة بالزّوجة ، فإنّه يستوي فيها المانع الحقيقيّ والمانع الشّرعيّ في المنع من صحّة الخلوة ، فكذلك الفيء في الإيلاء يقوم فيه العجز الحكميّ مقام العجز الحقيقيّ في صحّة الفيء بالقول بدلاً من الفيء بالفعل . </p><p>وحجّة القائلين بعدم الانتقال : أنّ الزّوج قادر على الجماع حقيقةً ، والامتناع عنه إنّما جاء بسببٍ منه ، فلا يسقط حقّاً واجباً عليه . وأيضاً : فإنّ الزّوج هو المتسبّب باختياره فيما لزمه بطريقٍ محظورٍ فلا يستحقّ التّخفيف . </p><p>الشّريطة الثّانية :</p><p>دوام العجز عن الجماع إلى أن تمضي مدّة الإيلاء ، فلو كان الزّوج عاجزاً عن الجماع في مبدأ الأمر ، ثمّ قدر عليه في المدّة بطل الفيء بالقول ، وانتقل إلى الفيء بالجماع ، حتّى لو ترك الزّوجة ولم يقربها إلى أن مضت أربعة أشهرٍ بانت منه عند الحنفيّة . وذلك لما سبق من أنّ الفيء باللّسان بدل عن الفيء بالجماع ، ومن قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل بطل حكم البدل ، كالمتيمّم إذا قدر على الماء قبل أداء الصّلاة . </p><p>وإذا آلى الرّجل من زوجته وهو صحيح ، ثمّ مرض ، فإن مضت عليه مدّة وهو صحيح يمكنه الجماع فيها ، فلا يصحّ فيئه بالقول ، لأنّه كان قادراً على الجماع مدّة الصّحّة ، فإذا لم يجامع مع القدرة عليه يكون قد فرّط في إيفاء حقّ زوجته ، فلا يعذر بالمرض الحادث . </p><p>أمّا إذا لم تكن مضت عليه مدّة - وهو صحيح يمكنه الجماع فيها - فإنّ فيئه بالقول يكون صحيحاً ، لأنّه إذا لم يقدر على الجماع في مدّة الصّحّة لقصرها ، لم يكن مفرّطاً في ترك الجماع ، فكان معذوراً . </p><p>هذا ما صرّح به الحنفيّة ، وهو ما يفهم من عبارات المذاهب الأخرى . </p><p>الشّريطة الثّالثة :</p><p>قيام النّكاح وقت الفيء بالقول ، وذلك بأن يكون الفيء حال قيام الزّوجيّة ، وقبل حصول الطّلاق البائن من الزّوج . أمّا لو آلى الرّجل من زوجته ، ثمّ أوقع عليها طلاقاً بائناً ، وفاءً بالقول لم يكن ذلك فيئاً ، وبقي الإيلاء ، لأنّ الفيء بالقول حال قيام النّكاح إنّما يرفع الإيلاء في حقّ حكم الطّلاق ، لإيفاء حقّ الزّوجة بهذا الفيء ، والمطلّقة بائناً ليس لها الحقّ في الجماع ، حتّى يكون الرّجل مضرّاً بها بالامتناع عن جماعها ، ووقوع الطّلاق بالإيلاء كان لهذا السّبب ، ولم يوجد ، فلا يقع عليها طلاق بمضيّ المدّة ، لكن يبقى الإيلاء ، لأنّه لم يوجد ما يرفعه وهو الحنث ، ولهذا لو تزوّجها ومضت مدّة الإيلاء بعد الزّواج من غير فيءٍ وقع عليها الطّلاق عند الحنفيّة ، وأمر بالفيء إليها أو طلاقها عند الجمهور ، وهذا بخلاف الفيء بالفعل ، فإنّه يصحّ بعد زوال النّكاح وثبوت البينونة بسببٍ آخر ، كالخلع أو الطّلاق على مالٍ ، فإنّه بالفيء بالفعل - وإن كان محرماً - يبطل الإيلاء ، لأنّه إذا وطئها حنث في يمينه ، وبالحنث تنحلّ اليمين ويبطل الإيلاء ، ولكن لا ترجع المرأة إلى عصمته ، ويعتبر آثماً بالوطء في عدّة البينونة .</p><p>وقت الفيء :</p><p>25 - تقدّم أنّ المولي يلزمه شرعاً أن يرفع الضّرر عن الزّوجة الّتي آلى منها ، وطريق رفع الضّرر عنها يكون بالفيء ، والفيء له طريقان : إحداهما أصليّة وهي : الفعل ، وثانيتهما استثنائيّة وهي : القول . </p><p>وسواء أكان الفيء بالفعل أم بالقول فإنّ له وقتاً تختلف آراء الفقهاء فيه على الوجه الآتي : يرى الحنفيّة أنّ الفيء يكون في مدّة الإيلاء ، وهي الأربعة الأشهر . فإن حصل الفيء فيها ، وكان الفيء بالفعل ، حنث الزّوج في يمينه ، وانحلّ الإيلاء بالنّسبة للطّلاق ، حتّى لو مضت أربعة أشهرٍ لا تبين الزّوجة . </p><p>وإن حصل الفيء بالقول انحلّ الإيلاء في حقّ الطّلاق ، وبقي في حقّ الحنث ، حتّى لو فاء الزّوج بالقول في المدّة ، ثمّ قدر على الجماع بعد المدّة وجامعها ، لزمته الكفّارة ، لأنّ وجوب الكفّارة معلّق بالحنث ، والحنث هو فعل المحلوف عليه ، والمحلوف عليه هو الجماع ، فلا يحصل الحنث بدونه . </p><p>وإن لم يحصل الفيء في مدّة الإيلاء بالفعل ولا بالقول ، وقع الطّلاق بمضيّها عند الحنفيّة كما تقدّم . ويرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : أنّ الفيء يكون قبل مضيّ الأربعة الأشهر ، ويكون بعدها ، إلاّ أنّه إن حصل الفيء قبل مضيّ هذه المدّة فالحكم كما سبق في الكلام على مذهب الحنفيّة ، وإن حصل الفيء بعد مضيّها ارتفع الإيلاء في حقّ الطّلاق وفي حقّ الحنث جميعاً . وكذا إن حدّد مدّةً في يمينه ففاء بعد مضيّها . </p><p>أمّا إن كان الفيء قبل مضيّها ، فإنّ الزّوج يحنث في يمينه ، وتلزمه كفّارة اليمين إن كان اليمين قسماً ، ويلزمه ما التزمه إن لم يكن اليمين قسماً ، عند من يرى صحّة الإيلاء في حالتي القسم والتّعليق . ومنشأ الاختلاف بين الفقهاء في ذلك يرجع إلى اختلافهم في فهم قول اللّه تعالى : { لِلّذين يُؤْلُون من نسائهم تَرَبُّصُ أربعةِ أشهرٍ فإنْ فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ } ، هل الفيئة مطلوبة خارج الأربعة الأشهر أو فيها ؟ وقد بيّنّا ذلك فيما تقدّم .</p><p>حالة الطّلاق : </p><p>أوّلاً : الطّلاق الثّلاث :</p><p>26 - إذا آلى الرّجل من زوجته ، وكان الإيلاء مطلقاً عن التّقييد بمدّةٍ ، أو كان مؤبّداً ، ولم يجامعها ، بل طلّقها في مدّة الإيلاء ثلاثاً بكلمةٍ واحدةٍ ، أو طلّقها طلقةً واحدةً - وكانت المكمّلة للثّلاث - ارتفع الإيلاء في حقّ الطّلاق عند أبي حنيفة وصاحبيه ، ومالكٍ ، وهو أظهر أقوالٍ ثلاثةٍ للإمام الشّافعيّ . </p><p>وقال أحمد وزفر من الحنفيّة ، والشّافعيّ في قولٍ ثانٍ من أقواله الثّلاثة : لا يرتفع الإيلاء بالطّلاق الثّلاث . وعلى هذا لو تزوّجت المرأة رجلاً آخر ، ثمّ عادت إلى الزّوج الأوّل المولي منها ، ومضت أربعة أشهرٍ من وقت زواجها به ولم يجامعها ، لا يقع عليها شيء عند أبي حنيفة وصاحبيه ، ولا يطالب بالفيء أو الطّلاق إن لم يفئ عند مالكٍ والشّافعيّ في قوله الموافق لأبي حنيفة وصاحبيه . </p><p>أمّا عند أحمد والشّافعيّ ( في أحد أقواله ) فللزّوجة أن ترفع الأمر إلى القاضي ، والقاضي يقف الزّوج ، فإمّا أن يفيء أو يطلّق ، فإن لم يفعل طلّق عليه القاضي . </p><p>وعند زفر من الحنفيّة : يقع عليها طلاق بائن بمضيّ أربعة أشهرٍ من وقت زواجها به من غير وقاعٍ . </p><p>وحجّة الأوّلين : أنّ الحلّ الثّابت بالزّواج الأوّل قد زال بالكلّيّة بالطّلاق الثّلاث ، والحلّ الحاصل بالزّواج الثّاني حلّ جديد ، ولهذا يملك فيه الزّوج ثلاث طلقاتٍ ، فصار إيلاؤه في الزّواج الأوّل كإيلائه من امرأةٍ أجنبيّةٍ . </p><p>وحجّة الآخرين : أنّ اليمين صدرت مطلّقةً غير مقيّدةٍ بالحلّ الّذي كان قائماً وقت صدورها ، وعلى هذا توجد اليمين عندما يتحقّق حلّ المرأة للرّجل ، بلا فرقٍ بين الحلّ الّذي كان موجوداً عند صدورها ، وبين الحلّ الّذي وجد بعد زوال الحلّ الأوّل . فإذا عادت المرأة إلى الزّوج الّذي آلى منها صدق عليه أنّه ممتنع من جماع امرأته بناءً على يمينه ، فيثبت له حكم الإيلاء كما لو لم يطلّق . </p><p>أمّا الإيلاء في حقّ الحنث ، فإنّه باقٍ بعد الطّلاق الثّلاث عند هؤلاء الفقهاء جميعاً . </p><p>وعلى هذا لو آلى الرّجل من زوجته إيلاءً مطلقاً عن التّقييد بمدّةٍ ، أو مؤبّداً ، ولم يجامعها ، ثمّ طلّقها ثلاثاً ، وعادت إليه بعد أن تزوّجت رجلاً آخر ، ثمّ جامعها حنث في يمينه ، ولزمته كفّارة اليمين إن كانت اليمين قسماً ، ولزمه ما علّقه على جماعها إن لم تكن اليمين قسماً ، لأنّ اليمين إذا كانت لها مدّة فإنّها تبقى ما بقيت هذه المدّة ، ولا تبطل إلاّ بالحنث ، وهو فعل المحلوف عليه قبل مضيّ مدّة اليمين ، أو بمضيّ هذه المدّة بدون حنثٍ . وإن كانت اليمين مطلقةً لم تقيّد بمدّةٍ ، أو ذكرت فيها كلمة الأبد ، فإنّها لا تبطل إلاّ بالحنث ، وهو فعل الشّيء المحلوف على تركه ( وهو في الإيلاء الجماع ) فإذا لم يوجد الحنث فاليمين باقية .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41061, member: 329"] ثانياً : العقل ، فلا يصحّ الإيلاء من المجنون والصّبيّ الّذي لا يعقل ، ولا من المعتوه ، لأنّ المعتوه قد لا يكون عنده إدراك ولا تمييز فيكون كالمجنون ، وقد يكون عنده إدراك وتمييز ولكنّه لا يصل إلى درجة الإدراك عند الرّاشدين العاديّين كالصّبيّ المميّز ، والصّبيّ المميّز لا يصحّ منه الإيلاء ، فكذلك المعتوه . ومثل المجنون في الحكم الأشخاص التّالي ذكرهم : - 1 - المدهوش ، وهو الّذي اعترته حالة انفعالٍ لا يدري فيها ما يقول أو يفعل ، أو يصل به الانفعال إلى درجةٍ يغلب معها الخلل في أقواله وأفعاله . فإذا صدر الإيلاء من الزّوج ، وهو في هذه الحال لا يعتبر ، وإن كان يعلمه ويريده ، لأنّ هذا العلم وهذه الإرادة غير معتبرين ، لعدم حصولهما عن إدراكٍ صحيحٍ ، كما لا يعتبر ذلك من الصّبيّ المميّز . - 2 - المغمى عليه والنّائم ، فالمغمى عليه في حكم المجنون ، ومثله النّائم ، لأنّه لا إدراك عنده ولا وعي ، فلا يعتدّ بالإيلاء الّذي يصدر عنه كما لا يعتدّ بطلاقه . - 3 - السّكران ، وهو الّذي صار عقله مغلوباً من تأثير المسكر ، حتّى صار يهذي ويخلط في كلامه ، ولا يعي بعد إفاقته ما كان منه في حال سكره ، وقد اتّفق الفقهاء على أنّ إيلاء السّكران لا يعتبر إذا كان سكره من طريقٍ غير محرّمٍ ، كما لو شرب المسكر للضّرورة ، أو تحت ضغط الإكراه ، لأنّ السّكران لا وعي عنده ولا إدراك كالمجنون والنّائم ، بل أشدّ حالاً من النّائم ، إذ النّائم ينتبه بالتّنبيه ، أمّا السّكران فلا ينتبه إلاّ بعد الإفاقة من السّكر ، فإذا لم يعتبر الإيلاء الصّادر من النّائم ، فلا يعتبر الإيلاء الصّادر من السّكران بالطّريق الأولى . واختلفوا فيما إذا كان السّكر بطريقٍ محرّمٍ ، وذلك بأن يشرب المسكر باختياره ، وهو يعلم أنّه مسكر ، من غير ضرورةٍ حتّى يسكر ، فقال بعضهم : يعتبر إيلاؤه ، وهو قول جمهور الحنفيّة ومالكٍ والشّافعيّ وأحمد في روايةٍ عنه ، لأنّه لمّا تناول المحرّم باختياره يكون قد تسبّب في زوال عقله ، فيجعل موجوداً عقوبةً له وزجراً عن ارتكاب المعصية . وقال بعضهم : لا يعتبر إيلاؤه ، وهو قول زفر من الحنفيّة واختاره الطّحاويّ والكرخيّ ، وهو أيضاً قول أحمد في روايةٍ أخرى عنه ، وهو منقول عن عثمان بن عفّان وعمر بن عبد العزيز . وحجّتهم في ذلك : أنّ صحّة التّصرّف تعتمد على القصد والإرادة الصّحيحة ، والسّكران قد غلب السّكر على عقله ، فلا يكون عنده قصد ولا إرادة صحيحة ، فلا يعتدّ بالعبارة الصّادرة منه ، كما لا يعتدّ بالعبارة الصّادرة من المجنون والمعتوه والنّائم والمغمى عليه . والشّارع لم يترك السّكران بدون عقوبةٍ على سكره ، حتّى نحتاج إلى عقوبةٍ أخرى ننزلها به ، خصوصاً إذا كانت هذه العقوبة الأخرى لا تقتصر على الجاني ، بل تتعدّاه إلى غيره من الزّوجة والأولاد . وأساس هذا الاختلاف هو الاختلاف في اعتبار طلاقه وعدم اعتباره : فمن قال باعتبار طلاقه قال باعتبار إيلائه ، ومن قال بعدم اعتبار طلاقه قال بعدم اعتبار إيلائه ، لأنّ الإيلاء كطلاقٍ معلّقٍ عند بعضهم ، وسبب للطّلاق عند آخرين ، فيكون له حكمه . د - ما يشترط في المدّة المحلوف عليها : 14 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الإيلاء لا بدّ له من مدّةٍ يحلف الزّوج على ترك قربان زوجته فيها . لكنّهم اختلفوا في مقدار هذه المدّة . فقال الحنفيّة : إنّ مدّة الإيلاء أربعة أشهرٍ أو أكثر ، وهو قول عطاءٍ والثّوريّ ورواية عن أحمد . فلو حلف الرّجل على ترك قربان زوجته أقلّ من أربعة أشهرٍ لا يكون إيلاءً ، بل يكون يميناً . فإذا حنث بالوطء قبل مضيّ أربعة أشهرٍ لزمته كفّارة يمينٍ . وعلى هذا لو حلف الزّوج : ألاّ يطأ زوجته أكثر من أربعة أشهرٍ كان إيلاءً باتّفاق الفقهاء ، وكذلك لو حلف : ألاّ يقرب زوجته ، ولم يذكر مدّةً ، أو قال : أبداً ، فإنّه يكون إيلاءً بالاتّفاق أيضاً . أمّا لو حلف ألاّ يقرب زوجته أربعة أشهرٍ فإنّه يكون إيلاءً عند الحنفيّة ، ولا يكون إيلاءً عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . ولو حلف : ألاّ يقرب زوجته أقلّ من أربعة أشهرٍ فإنّه لا يكون إيلاءً عند الجميع . وقد احتجّ الحنفيّة ومن وافقهم بأنّ الإيلاء له حكمان : أحدهما : الحنث إذا وطئ الرّجل زوجته قبل مضيّ أربعة أشهرٍ ، وثانيهما : وقوع الطّلاق إن لم يطأ زوجته قبل مضيّ هذه المدّة . وهذا يفيد أنّ الأربعة الأشهر هي المدّة المعتبرة في الإيلاء ، فلا يكون الحلف على ما دونها إيلاءً ، كما لا يتوقّف الإيلاء على الحلف على أكثر منها ، وبأنّ الإيلاء هو اليمين الّتي تمنع قربان الزّوجة خوفاً من لزوم الحنث ، فلو كان الحلف على ترك قربان الزّوجة أقلّ من أربعة أشهرٍ ، لأمكن الزّوج بعد مضيّ هذه المدّة أن يجامع زوجته من غير أن يلزمه الحنث في يمينه ، فلا يكون هذا إيلاءً . واحتجّ المالكيّة ومن معهم بأنّ المولي يوقف بعد مضيّ أربعة أشهرٍ ، يخيّر بين الفيء ( وهو الرّجوع عن اليمين بالفعل أو القول ) والتّطليق ، فلا بدّ أن تكون المدّة على ترك قربان الزّوجة فيها أكثر من أربعة أشهرٍ ، ولو كانت أربعة أشهرٍ أو أقلّ منها لانقضى الإيلاء بانقضائها ، ولا تصحّ المطالبة من غير الإيلاء . 15 - إذا فقد الإيلاء شرطاً من الشّرائط الّتي تقدّم بيانها ، فهل يكون لليمين مفعولها الّذي وضعت لإفادته شرعاً ؟ ذلك يتوقّف على الشّرط الّذي لم يتحقّق ، فإن كان من شرائط الصّيغة ترتّب على فقده عدم اعتبار اليمين أصلاً ، بحيث لا يترتّب على مخالفة موجبها الحنث ووجوب الكفّارة أو لزوم ما رتّبه عليها . وكذلك لو كان الشّرط الّذي لم يتحقّق من الشّرائط الّتي تعود إلى الرّجل كالبلوغ أو العقل ، لأنّه لا اعتبار لما يصدر عن الصّبيّ قبل البلوغ ، ولا لما يصدر عن المجنون ومن في حكمه . أمّا لو كان من الشّرائط الّتي تعود إلى الرّجل والمرأة معاً ، وهو قيام النّكاح حين الإيلاء ، فإنّ فقده لا يعطّل مفعول اليمين ، بل تبقى في حقّ الحنث ، فلو قال رجل لامرأةٍ أجنبيّةٍ : واللّه لا أطأك مدّة أربعة أشهرٍ ، ثمّ وطئها قبل مضيّ أربعة أشهرٍ ، وجبت عليه كفّارة اليمين المبيّنة في كتب الفقه ، حتّى لو كان الوطء بعد العقد عليها . أمّا في حقّ الطّلاق ، فإنّ فقد الشّرط يبطل اليمين بالنّسبة له ، ولهذا لا يقع الطّلاق بمضيّ أربعة أشهرٍ ، لعدم انعقاد الإيلاء في حقّ الطّلاق لانعدام المحلّيّة . ومثل هذا يقال في حال عدم توافر شرائط المدّة المحلوف عليها ، فإنّ مفعول اليمين يبقى . ولو نقصت المدّة الّتي حلف الرّجل على ترك قربان الزّوجة فيها عن أربعة أشهرٍ - عند من يرى أنّها لا تكون أقلّ من ذلك - وحتّى لو وطئ زوجته في أثناء المدّة الّتي حلف على ترك قربانها فيها ، وجبت عليه الكفّارة . أثر الإيلاء بعد انعقاده : 16 - إذا تحقّق ركن الإيلاء وتوافرت شرائطه ترتّب عليه أحد أثرين : أوّلهما : يترتّب عليه في حالة إصرار الزّوج على عدم قربان زوجته الّتي آلى منها ، حتّى تمضي أربعة أشهرٍ من تاريخ الإيلاء . وثانيهما : يترتّب عليه في حالة حنثه في اليمين الّتي حلفها . أ - حالة الإصرار : 17 - إذا أصرّ المولي على ترك قربان زوجته الّتي حلف ألاّ يقربها كان إصراره هذا داعياً إلى الفرقة بينه وبين زوجته ، لأنّ في هذا الامتناع إضراراً بالزّوجة ، فحمايةً لها من هذا الضّرر ، يكون لها الحقّ في مطالبته بالعودة إلى معاشرتها . فإن لم يعد إلى معاشرتها حتّى مضت أربعة أشهرٍ فهل يقع الطّلاق بمجرّد مضيّها ؟ يرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : أنّ الطّلاق لا يقع بمضيّ أربعة أشهرٍ ، بل للزّوجة أن ترفع الأمر إلى القاضي ، فيأمر الزّوج بالفيء ، أي الرّجوع عن موجب يمينه ، فإن أبى الفيء أمره بتطليقها ، فإن لم يطلّق طلّقها عليه القاضي . ويرى فقهاء الحنفيّة أنّ الطّلاق يقع بمجرّد مضيّ أربعة أشهرٍ ، ولا يتوقّف على رفع الأمر إلى القاضي ، ولا حكمٍ منه بتطليقها . وذلك جزاءً للزّوج على الإضرار بزوجته وإيذائها بمنع حقّها المشروع . والحكمة الشّرعيّة في إمهاله هذه المدّة المحافظة على علاقة الزّوجيّة ومعالجة بقائها بما هو غالب على طبائع النّاس ، فإنّ البعد عن الزّوجة مثل هذا الزّمن فيه تشويق للزّوج إليها ، فيحمله ذلك على وزن حاله معها وزناً صحيحاً ، فإذا لم تتأثّر نفسه بالبعد عنها ، ولم يبال بها سهل عليه فراقها ، وإلاّ عاد إلى معاشرتها نادماً على إساءته مصرّاً على حسن معاشرتها . وكذلك المرأة فإنّ هجرها من وسائل تأديبها ، فقد تكون سبباً في انصراف الزّوج عنها بإهمالها في شأن زينتها ، أو بمعاملتها إيّاه معاملةً توجب النّفرة منها ، فإذا هجرها هذه المدّة كان هذا زاجراً لها عمّا فرّط منها . وسبب الخلاف بين الجمهور وبين الحنفيّة يرجع إلى اختلافهم في المراد من التّرتيب الّذي تدلّ عليه " الفاء " في قول اللّه تعالى : { للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ فإن فاءوا فإنّ اللّه غفور رحيم } أهو التّرتيب الحقيقيّ وهو التّرتيب الزّمانيّ . أي أنّ زمن المطالبة بالفيء أو الطّلاق عقب مضيّ الأجل المضروب ، وهو الأربعة الأشهر أو هو التّرتيب الذّكريّ لا الزّمنيّ ، فتفيد ترتيب المفصّل على المجمل ، وعليه يكون الفيء بعد الإيلاء خلال الأجل المضروب لا بعده ، فإذا انقضى الأجل بدون فيءٍ فيه وقع الطّلاق بمضيّه ؟ فبالأوّل قال الجمهور ، وبالثّاني قال الحنفيّة . فمعنى الآية على رأي الحنفيّة : أنّ للأزواج الّذين يحلفون على ترك وطء زوجاتهم انتظار أربعة أشهرٍ ، فإن فاءوا قبل مضيّ هذه المدّة ، وعادوا إلى وطئهنّ ، فإنّ ذلك يكون توبةً منهم عن ذلك الذّنب الّذي ارتكبوه ، والّذي يترتّب عليه الإضرار بزوجاتهم وإيقاع الأذى بهنّ ، واللّه يغفره لهم بالكفّارة عنه ، وإن أصرّوا على تنفيذ يمينهم وهجر زوجاتهم ، فلم يقربوهنّ حتّى انقضت المدّة المذكورة ، وهي أربعة أشهرٍ ، فإنّ ذلك يكون إصراراً منهم على الطّلاق ، فيكون إيلاؤهم طلاقاً ، فتطلق منهم زوجاتهم بمجرّد انقضاء هذه المدّة من غير حاجةٍ إلى تطليقٍ منهم أو من القاضي ، جزاءً لهم على ضرر زوجاتهم . ومعنى الآية على رأي الجمهور : أنّ الأزواج الّذين يحلفون على ترك قربان زوجاتهم يمهلون أربعة أشهرٍ ، فإن فاءوا ورجعوا عمّا منعوا أنفسهم منه بعد مضيّ هذه المدّة فإنّ اللّه غفور رحيم لما حدث منهم من اليمين والعزم على ذلك الضّرر ، وإن عزموا على الطّلاق بعد انقضاء المدّة فإنّ اللّه سميع لما يقع منهم من الطّلاق ، عليم بما يصدر عنهم من خيرٍ أو شرٍّ ، فيجازيهم عليه . وممّا استدلّ به لمذهب الجمهور ما رواه الدّارقطنيّ في سننه عن سهيل بن أبي صالحٍ عن أبيه قال : « سألت اثني عشر رجلاً من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ يولي من امرأته قالوا : ليس عليه شيء حتّى تمضي أربعة أشهرٍ ، فيوقف ، فإن فاء وإلاّ طلّق ». نوع الطّلاق الّذي يقع نتيجةً للإيلاء : 18 - إذا وقع الطّلاق نتيجةً للإيلاء ، سواء أكان وقوعه بمضيّ المدّة عند من يقول بذلك من الفقهاء ، أم كان وقوعه بإيقاع الزّوج ، بناءً على أمر القاضي له بالطّلاق ، أو بإيقاع القاضي عند امتناع الزّوج من الطّلاق عند من لا يقول بوقوع الطّلاق بمضيّ المدّة من الفقهاء ، فإنّه يكون طلاقاً بائناً عند الحنفيّة ، وهو المنصوص عن أحمد في فرقة الحاكم . لأنّه طلاق لدفع الضّرر عن الزّوجة ، ولا يندفع الضّرر عنها إلاّ بالطّلاق البائن ، إذ لو كان رجعيّاً لاستطاع الزّوج إعادتها فلا تتخلّص من الضّرر ، ولأنّ القول بوقوع الطّلاق رجعيّاً يؤدّي إلى العبث ، لأنّ الزّوج إذا امتنع عن الفيء والتّطليق يقدّم إلى القاضي ليطلّق عليه ، ثمّ إذا طلّق عليه القاضي يراجعها ثانياً ، فيكون ما فعله القاضي عبثاً ، والعبث لا يجوز . وقال مالك والشّافعيّ وأحمد في روايةٍ أخرى : إنّ الطّلاق الواقع بالإيلاء طلاق رجعيّ ما دامت المرأة قد دخل بها الزّوج قبل ذلك ، لأنّه طلاق لامرأةٍ مدخولٍ بها من غير عوضٍ ولا استيفاء عددٍ ، فيكون رجعيّاً كالطّلاق في غير الإيلاء . ولم يشترط الشّافعيّة والحنابلة شيئاً لصحّة الرّجعة من المولي ، إلاّ أنّهم قالوا : إنّه إذا ارتجعها - وقد بقيت مدّة الإيلاء - ضربت له مدّة أخرى ، فإن لم يفء طلّق عليه القاضي لرفع الضّرر عن المرأة . واشترط المالكيّة لصحّة الرّجعة انحلال اليمين عنه في العدّة بالوطء فيها ، أو بتكفير ما يكفّر ، أو بتعجيل الحنث في العدّة ، فإذا لم ينحلّ الإيلاء بوجهٍ من هذه الوجوه فإنّ الرّجعة تكون باطلةً لا أثر لها . ب - حالة الحنث أو الفيء : 19 - المقصود بالحنث عدم الوفاء بموجب اليمين ، وهو ذلك الوفاء المكروه الّذي يتحقّق بامتناع الزّوج من وطء زوجته الّتي آلى منها قبل أن تمضي المدّة الّتي حلف ألاّ يقربها فيها ، فإذا كانت المدّة الّتي حلف ألاّ يقرب زوجته فيها أكثر من أربعة أشهرٍ ، كخمسة أشهرٍ ( مثلاً ) ثمّ قربها قبل أن تمضي هذه المدّة ، كان حانثاً في يمينه ، حيث إنّه لم يعمل بمقتضاها ، وهو الامتناع من قربان الزّوجة مدّة خمسة أشهرٍ . والحنث في اليمين وإن كان غير مرغوبٍ فيه شرعاً ، لكنّه في الإيلاء مستحبّ ، لأنّ فيه رجوعاً عن إيذاء الزّوجة والإضرار بها ، فهو ما ينطبق عليه قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من حلف على يمينٍ فرأى غيرها خيراً منها فليأت الّذي هو خير ، وليكفّر عن يمينه » . أمّا الفيء فمعناه في الأصل : الرّجوع ، ولذلك يسمّى الظّلّ الّذي يكون بعد الزّوال فيئاً ، لأنّه رجع من المغرب إلى المشرق . والمراد منه هنا : رجوع الزّوج إلى جماع زوجته الّذي منع نفسه منه باليمين عند القدرة عليه ، أو الوعد به عند العجز عنه . ووجود الفيء لا يترتّب عليه الحنث في اليمين إلاّ إذا كان بالجماع ، لأنّه هو المحلوف على تركه ، أمّا لو كان الفيء بالقول - كما سيأتي - فلا يترتّب عليه الحنث ، بل تبقى اليمين قائمةً منعقدةً حتّى يوجد الجماع ، فإن حصل منه قبل مضيّ المدّة الّتي حلف الزّوج على ترك وطء زوجته فيها حنث وانحلّت اليمين ، ومن هذا يبيّن أنّ الفيء يكون وجوده سبباً في انحلال الإيلاء وارتفاعه ، وإنّه إن كان بالفعل انحلّ الإيلاء وارتفع في حقّ الطّلاق والحنث جميعاً ، وإن كان بالقول انحلّ الإيلاء في حقّ الطّلاق ، وبقي في حقّ الحنث ، حتّى لو وجد الجماع في الزّمن المحلوف على تركه فيه وجبت الكفّارة وانحلّ الإيلاء بالنّسبة للحنث أيضاً. انحلال الإيلاء لانحلال الإيلاء سببان : الفيء ، والطّلاق . حالة الفيء : 20 - الفيء - كما تقدّم - هو أن يرجع الزّوج إلى معاشرة الزّوجة الّتي آلى منها ، بحيث تعود الحياة الزّوجيّة بينهما إلى ما كانت عليه قبل الإيلاء . وللفيء طريقان : إحداهما أصليّة ، والأخرى استثنائيّة . أمّا الأصليّة : فهي الفيء بالفعل . وأمّا الاستثنائيّة : فهي الفيء بالقول . أ - الطّريق الأصليّة في الفيء : الفيء بالفعل : 21 - المراد بالفعل الّذي يكون فيئاً وينحلّ به الإيلاء : إنّما هو الجماع ، ولا خلاف في هذا لأحدٍ من الفقهاء . قال ابن المنذر : أجمع كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ الفيء الجماع ، ولا يكون ما دون الجماع فيئاً . وينبني على الفيء بالفعل انحلال الإيلاء ، ولزوم مقتضى اليمين ، لأنّه بالجماع يتحقّق الحنث ، واليمين لا يبقى بعد الحنث ، إذ الحنث يقتضي نقض اليمين ، والشّيء لا يبقى مع وجود ما ينقضه . 22 - فإن كانت اليمين قسماً باللّه تعالى أو بصفةٍ من صفاته الّتي يحلف بها ، كعزّة اللّه وعظمته وجلاله وكبريائه ، لزمته كفّارة يمينٍ في قول أكثر أهل العلم ، وعند بعض العلماء لا تجب عليه الكفّارة . وإن كانت اليمين بتعليق شيءٍ على قربان الزّوجة لزمه ما التزمه من ذلك ، فإن كان المعلّق على القربان طلاقاً أو عتقاً وقع الطّلاق والعتق وقت حصول الفيء ، لأنّ الطّلاق والعتق متى علّق حصوله على حصول أمرٍ في المستقبل ، ووجد المعلّق عليه ، وقع الطّلاق وثبت العتق بمجرّد وجوده ، كما هو مذهب الفقهاء . وإن كان المعلّق على القربان صلاةً أو صياماً أو حجّاً أو صدقةً ، فإمّا أن يعيّن لأدائه وقتاً أو لا يعيّن . فإن عيّن للأداء وقتاً كأن يقول : إن قربت زوجتي مدّة خمسة أشهرٍ فعليّ صلاة مائة ركعةٍ في يوم كذا ( مثلاً ) لزمته الصّلاة في الوقت الّذي عيّنه . وإن لم يعيّن للأداء وقتاً وجب عليه فعل ما التزمه في أيّ وقتٍ أراد ، ولا إثم عليه في التّأخير ، وإن كان الأفضل الأداء في أوّل وقتٍ يمكنه الأداء فيه خوفاً من انتهاء الأجل قبل أن يؤدّي ما وجب عليه . ب - الطّريق الاستثنائيّة في الفيء : الفيء بالقول : 23 - إذا آلى الرّجل من زوجته كان الواجب شرعاً عليه أن يفيء إليها بالفعل ، فإن لم يقدر على الفيء بالفعل لزمه الفيء بالقول . كأن يقول : فئت إلى زوجتي فلانة ، أو رجعت عمّا قلت ، أو متى قدرت جامعتها ، وما أشبه ذلك من كلّ ما يدلّ على رجوعه عمّا منع نفسه منه باليمين . والحكمة في تشريع الفيء بالقول : أنّ الزّوج لمّا آذى زوجته بالامتناع عن قربانها ، وعجز عن الرّجوع ، وكان في إعلانه الوعد به إرضاءً لها لزمه هذا الوعد ، ولأنّ المقصود بالفيئة ترك الإضرار الّذي قصده الزّوج بالإيلاء ، وهذا يتحقّق بظهور عزمه على العود إلى معاشرتها عند القدرة . شرائط صحّة الفيء بالقول : 24 - لا يصحّ الفيء بالقول إلاّ إذا توافرت فيه الشّرائط الآتية : الشّريطة الأولى : العجز عن الجماع ، فإن كان الزّوج قادراً على الجماع لا يصحّ منه الفيء بالقول ، لأنّ الفيء بالجماع هو الأصل ، إذ به يندفع الظّلم عن الزّوجة حقيقةً ، والفيء بالقول خلف عنه ، ولا عبرة بالخلف مع القدرة على الأصل ، كالتّيمّم مع الوضوء . والعجز نوعان : عجز حقيقيّ وعجز حكميّ . والعجز الحقيقيّ ، مثل أن يكون أحد الزّوجين مريضاً مرضاً يتعذّر معه الجماع ، أو تكون المرأة صغيرةً لا يجامع مثلها ، أو تكون رتقاء : وهي الّتي يكون بها انسداد موضع الجماع من الفرج ، بحيث لا يستطاع جماعها ، أو يكون الزّوج مجبوباً : وهو الّذي استؤصل منه عضو التّناسل ، أو يكون عنّيناً : وهو من لا يقدر على الجماع مع وجود عضو التّناسل لضعفٍ أو كبر سنٍّ أو مرضٍ ، أو يكون أحد الزّوجين محبوساً حبساً يحول دون الوصول إلى الجماع ، أو يكون بينهما مسافة لا يقدر على قطعها في مدّة الإيلاء . والعجز الحكميّ ، هو عندما يكون المانع عن الجماع شرعيّاً ، كأن تكون المرأة حائضاً عند انقضاء مدّة التّربّص ( هذا عند الفقهاء الّذين يقولون بالفيء بعد انقضاء مدّة الإيلاء ) أو يكون الزّوج محرماً بالحجّ وقت الإيلاء من زوجته ، وبينه وبين التّحلّل من الإحرام أربعة أشهرٍ ( وهذا عند الفقهاء الّذين يقولون : الفيء لا يكون إلاّ في مدّة الإيلاء ) . فإن كان العجز حقيقيّاً انتقل الفيء من الفعل إلى القول بالاتّفاق ، وإن كان العجز حكميّاً انتقل الفيء من الفعل إلى القول أيضاً عند المالكيّة والحنابلة وفي قولٍ مرجوحٍ للشّافعيّة . ولا ينتقل عند أبي حنيفة وصاحبيه والشّافعيّ . وصرّح الشّافعيّة بأنّه يطالب بالطّلاق . وحجّة القائلين بالانتقال : أنّ العجز الحكميّ كالعجز الحقيقيّ في أصول الشّريعة ، كما في الخلوة بالزّوجة ، فإنّه يستوي فيها المانع الحقيقيّ والمانع الشّرعيّ في المنع من صحّة الخلوة ، فكذلك الفيء في الإيلاء يقوم فيه العجز الحكميّ مقام العجز الحقيقيّ في صحّة الفيء بالقول بدلاً من الفيء بالفعل . وحجّة القائلين بعدم الانتقال : أنّ الزّوج قادر على الجماع حقيقةً ، والامتناع عنه إنّما جاء بسببٍ منه ، فلا يسقط حقّاً واجباً عليه . وأيضاً : فإنّ الزّوج هو المتسبّب باختياره فيما لزمه بطريقٍ محظورٍ فلا يستحقّ التّخفيف . الشّريطة الثّانية : دوام العجز عن الجماع إلى أن تمضي مدّة الإيلاء ، فلو كان الزّوج عاجزاً عن الجماع في مبدأ الأمر ، ثمّ قدر عليه في المدّة بطل الفيء بالقول ، وانتقل إلى الفيء بالجماع ، حتّى لو ترك الزّوجة ولم يقربها إلى أن مضت أربعة أشهرٍ بانت منه عند الحنفيّة . وذلك لما سبق من أنّ الفيء باللّسان بدل عن الفيء بالجماع ، ومن قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل بطل حكم البدل ، كالمتيمّم إذا قدر على الماء قبل أداء الصّلاة . وإذا آلى الرّجل من زوجته وهو صحيح ، ثمّ مرض ، فإن مضت عليه مدّة وهو صحيح يمكنه الجماع فيها ، فلا يصحّ فيئه بالقول ، لأنّه كان قادراً على الجماع مدّة الصّحّة ، فإذا لم يجامع مع القدرة عليه يكون قد فرّط في إيفاء حقّ زوجته ، فلا يعذر بالمرض الحادث . أمّا إذا لم تكن مضت عليه مدّة - وهو صحيح يمكنه الجماع فيها - فإنّ فيئه بالقول يكون صحيحاً ، لأنّه إذا لم يقدر على الجماع في مدّة الصّحّة لقصرها ، لم يكن مفرّطاً في ترك الجماع ، فكان معذوراً . هذا ما صرّح به الحنفيّة ، وهو ما يفهم من عبارات المذاهب الأخرى . الشّريطة الثّالثة : قيام النّكاح وقت الفيء بالقول ، وذلك بأن يكون الفيء حال قيام الزّوجيّة ، وقبل حصول الطّلاق البائن من الزّوج . أمّا لو آلى الرّجل من زوجته ، ثمّ أوقع عليها طلاقاً بائناً ، وفاءً بالقول لم يكن ذلك فيئاً ، وبقي الإيلاء ، لأنّ الفيء بالقول حال قيام النّكاح إنّما يرفع الإيلاء في حقّ حكم الطّلاق ، لإيفاء حقّ الزّوجة بهذا الفيء ، والمطلّقة بائناً ليس لها الحقّ في الجماع ، حتّى يكون الرّجل مضرّاً بها بالامتناع عن جماعها ، ووقوع الطّلاق بالإيلاء كان لهذا السّبب ، ولم يوجد ، فلا يقع عليها طلاق بمضيّ المدّة ، لكن يبقى الإيلاء ، لأنّه لم يوجد ما يرفعه وهو الحنث ، ولهذا لو تزوّجها ومضت مدّة الإيلاء بعد الزّواج من غير فيءٍ وقع عليها الطّلاق عند الحنفيّة ، وأمر بالفيء إليها أو طلاقها عند الجمهور ، وهذا بخلاف الفيء بالفعل ، فإنّه يصحّ بعد زوال النّكاح وثبوت البينونة بسببٍ آخر ، كالخلع أو الطّلاق على مالٍ ، فإنّه بالفيء بالفعل - وإن كان محرماً - يبطل الإيلاء ، لأنّه إذا وطئها حنث في يمينه ، وبالحنث تنحلّ اليمين ويبطل الإيلاء ، ولكن لا ترجع المرأة إلى عصمته ، ويعتبر آثماً بالوطء في عدّة البينونة . وقت الفيء : 25 - تقدّم أنّ المولي يلزمه شرعاً أن يرفع الضّرر عن الزّوجة الّتي آلى منها ، وطريق رفع الضّرر عنها يكون بالفيء ، والفيء له طريقان : إحداهما أصليّة وهي : الفعل ، وثانيتهما استثنائيّة وهي : القول . وسواء أكان الفيء بالفعل أم بالقول فإنّ له وقتاً تختلف آراء الفقهاء فيه على الوجه الآتي : يرى الحنفيّة أنّ الفيء يكون في مدّة الإيلاء ، وهي الأربعة الأشهر . فإن حصل الفيء فيها ، وكان الفيء بالفعل ، حنث الزّوج في يمينه ، وانحلّ الإيلاء بالنّسبة للطّلاق ، حتّى لو مضت أربعة أشهرٍ لا تبين الزّوجة . وإن حصل الفيء بالقول انحلّ الإيلاء في حقّ الطّلاق ، وبقي في حقّ الحنث ، حتّى لو فاء الزّوج بالقول في المدّة ، ثمّ قدر على الجماع بعد المدّة وجامعها ، لزمته الكفّارة ، لأنّ وجوب الكفّارة معلّق بالحنث ، والحنث هو فعل المحلوف عليه ، والمحلوف عليه هو الجماع ، فلا يحصل الحنث بدونه . وإن لم يحصل الفيء في مدّة الإيلاء بالفعل ولا بالقول ، وقع الطّلاق بمضيّها عند الحنفيّة كما تقدّم . ويرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : أنّ الفيء يكون قبل مضيّ الأربعة الأشهر ، ويكون بعدها ، إلاّ أنّه إن حصل الفيء قبل مضيّ هذه المدّة فالحكم كما سبق في الكلام على مذهب الحنفيّة ، وإن حصل الفيء بعد مضيّها ارتفع الإيلاء في حقّ الطّلاق وفي حقّ الحنث جميعاً . وكذا إن حدّد مدّةً في يمينه ففاء بعد مضيّها . أمّا إن كان الفيء قبل مضيّها ، فإنّ الزّوج يحنث في يمينه ، وتلزمه كفّارة اليمين إن كان اليمين قسماً ، ويلزمه ما التزمه إن لم يكن اليمين قسماً ، عند من يرى صحّة الإيلاء في حالتي القسم والتّعليق . ومنشأ الاختلاف بين الفقهاء في ذلك يرجع إلى اختلافهم في فهم قول اللّه تعالى : { لِلّذين يُؤْلُون من نسائهم تَرَبُّصُ أربعةِ أشهرٍ فإنْ فاءوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ } ، هل الفيئة مطلوبة خارج الأربعة الأشهر أو فيها ؟ وقد بيّنّا ذلك فيما تقدّم . حالة الطّلاق : أوّلاً : الطّلاق الثّلاث : 26 - إذا آلى الرّجل من زوجته ، وكان الإيلاء مطلقاً عن التّقييد بمدّةٍ ، أو كان مؤبّداً ، ولم يجامعها ، بل طلّقها في مدّة الإيلاء ثلاثاً بكلمةٍ واحدةٍ ، أو طلّقها طلقةً واحدةً - وكانت المكمّلة للثّلاث - ارتفع الإيلاء في حقّ الطّلاق عند أبي حنيفة وصاحبيه ، ومالكٍ ، وهو أظهر أقوالٍ ثلاثةٍ للإمام الشّافعيّ . وقال أحمد وزفر من الحنفيّة ، والشّافعيّ في قولٍ ثانٍ من أقواله الثّلاثة : لا يرتفع الإيلاء بالطّلاق الثّلاث . وعلى هذا لو تزوّجت المرأة رجلاً آخر ، ثمّ عادت إلى الزّوج الأوّل المولي منها ، ومضت أربعة أشهرٍ من وقت زواجها به ولم يجامعها ، لا يقع عليها شيء عند أبي حنيفة وصاحبيه ، ولا يطالب بالفيء أو الطّلاق إن لم يفئ عند مالكٍ والشّافعيّ في قوله الموافق لأبي حنيفة وصاحبيه . أمّا عند أحمد والشّافعيّ ( في أحد أقواله ) فللزّوجة أن ترفع الأمر إلى القاضي ، والقاضي يقف الزّوج ، فإمّا أن يفيء أو يطلّق ، فإن لم يفعل طلّق عليه القاضي . وعند زفر من الحنفيّة : يقع عليها طلاق بائن بمضيّ أربعة أشهرٍ من وقت زواجها به من غير وقاعٍ . وحجّة الأوّلين : أنّ الحلّ الثّابت بالزّواج الأوّل قد زال بالكلّيّة بالطّلاق الثّلاث ، والحلّ الحاصل بالزّواج الثّاني حلّ جديد ، ولهذا يملك فيه الزّوج ثلاث طلقاتٍ ، فصار إيلاؤه في الزّواج الأوّل كإيلائه من امرأةٍ أجنبيّةٍ . وحجّة الآخرين : أنّ اليمين صدرت مطلّقةً غير مقيّدةٍ بالحلّ الّذي كان قائماً وقت صدورها ، وعلى هذا توجد اليمين عندما يتحقّق حلّ المرأة للرّجل ، بلا فرقٍ بين الحلّ الّذي كان موجوداً عند صدورها ، وبين الحلّ الّذي وجد بعد زوال الحلّ الأوّل . فإذا عادت المرأة إلى الزّوج الّذي آلى منها صدق عليه أنّه ممتنع من جماع امرأته بناءً على يمينه ، فيثبت له حكم الإيلاء كما لو لم يطلّق . أمّا الإيلاء في حقّ الحنث ، فإنّه باقٍ بعد الطّلاق الثّلاث عند هؤلاء الفقهاء جميعاً . وعلى هذا لو آلى الرّجل من زوجته إيلاءً مطلقاً عن التّقييد بمدّةٍ ، أو مؤبّداً ، ولم يجامعها ، ثمّ طلّقها ثلاثاً ، وعادت إليه بعد أن تزوّجت رجلاً آخر ، ثمّ جامعها حنث في يمينه ، ولزمته كفّارة اليمين إن كانت اليمين قسماً ، ولزمه ما علّقه على جماعها إن لم تكن اليمين قسماً ، لأنّ اليمين إذا كانت لها مدّة فإنّها تبقى ما بقيت هذه المدّة ، ولا تبطل إلاّ بالحنث ، وهو فعل المحلوف عليه قبل مضيّ مدّة اليمين ، أو بمضيّ هذه المدّة بدون حنثٍ . وإن كانت اليمين مطلقةً لم تقيّد بمدّةٍ ، أو ذكرت فيها كلمة الأبد ، فإنّها لا تبطل إلاّ بالحنث ، وهو فعل الشّيء المحلوف على تركه ( وهو في الإيلاء الجماع ) فإذا لم يوجد الحنث فاليمين باقية . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية