الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41063" data-attributes="member: 329"><p>و- أيمان المسلمين :</p><p>18 - جاء في كتب المالكيّة : أنّ هذه العبارة تشمل ستّة أشياء ، وهي : اليمين باللّه تعالى ، والطّلاق الباتّ لجميع الزّوجات ، وعتق من يملك من العبيد والإماء ، والتّصدّق بثلث المال ، والمشي بحجٍّ ، وصوم عامٍ . وهذا الشّمول للسّتّة إنّما يكون عند تعارف الحلف بها ، فإن تعورف الحلف ببعضها لم تشمل ما سواه . </p><p>وذهب الشّافعيّة إلى تحريم تحليف القاضي بالطّلاق أو العتاق أو النّذر . قال الشّافعيّ : ومتى بلغ الإمام أنّ قاضياً يستحلف النّاس بطلاقٍ أو عتقٍ أو نذرٍ عزله عن الحكم ، لأنّه جاهل . وقال الحنابلة : يلزم بالحلف بأيمان المسلمين ظهارٍ وطلاقٍ وعتاقٍ ونذرٍ ويمينٍ باللّه تعالى مع النّيّة . كما لو حلف بكلٍّ منها على انفرادٍ . </p><p>ولو حلف بأيمان المسلمين على نيّة بعض ما ذكر تقيّد حلفه به ، ولو حلف بها وأطلق بأن لم ينو كلّها ولا بعضها لم يلزمه شيء ، لأنّه لم ينو بلفظه ما يحتمله فلم تكن يميناً .</p><p>ي - أيمان الإثبات والإنكار :</p><p>19 - يذكر الفقهاء في مبحث الدّعوى أيماناً للإثبات والإنكار . </p><p> منها : اليمين المنضمّة ، ويصحّ تسميتها باليمين المتمّمة ، وهي الّتي تضمّ إلى شهادة شاهدٍ واحدٍ ، أو شهادة امرأتين لإثبات الحقوق الماليّة . </p><p> ومنها : يمين المنكر بكسر الكاف ، أو يمين المدّعى عليه ، وصورتها : أن يدّعي إنسان على غيره بشيءٍ ، ولا يجد بيّنةً ، فيبيّن له القاضي أنّ له الحقّ في طلب اليمين من المدّعى عليه ما دام منكراً ، فيأمره القاضي أن يحلف ، فإذا حلف سقطت الدّعوى . </p><p> ومنها : يمين الرّدّ ، وصورتها : أن يمتنع المدّعى عليه في الحالة السّابق ذكرها عن اليمين ، فيردّها القاضي على المدّعي ، فيحلف على دعواه ، ويستحقّ ما ادّعاه . </p><p> ومنها : يمين الاستظهار ، وصورتها : أن يترك الميّت أموالاً في أيدي الورثة ، فيدّعي إنسان حقّاً على هذا الميّت ، فعند بعض الفقهاء لا تثبت الدّعوى في مواجهة الورثة بالبيّنة فقط ، بل لا بدّ من ضمّ اليمين من المدّعي ، وقد تجب يمين الاستظهار في مسائل أخرى . ولبيان كلّ ما سبق تفصيلاً ( ر : إثبات ودعوى ) .</p><p>إنشاء اليمين وشرائطها </p><p>20 - تقدّم أنّ اليمين تنقسم من حيث صيغتها إلى قسمٍ وتعليقٍ ، ومن هنا حسن تقسيم الكلام إلى قسمين . </p><p>إنشاء القسم وشرائطه </p><p>21 - معلوم أنّ الإنسان إذا قال : أقسم باللّه لأفعلنّ كذا، فهذه الصّيغة تحتوي على جملتين ، أولاهما : الجملة المكوّنة من فعل القسم وفاعله الضّمير ، وحرف القسم وهو الباء ، والمقسم به وهو مدخول الباء . </p><p>وثانيتهما : الجملة المقسم عليها . وتفصيل الكلام على الوجه الآتي .</p><p>أ - فعل القسم :</p><p>22 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ فعل القسم إذا ذكر بصيغة المضارع أو الماضي ، كأقسمت أو حلفت ، أو حذف وذكر مكانه المصدر نحو : قسماً أو حلفاً باللّه ، أو لم يذكر نحو : اللّه أو باللّه كان ذلك كلّه يميناً عند الإطلاق . </p><p>وعند المالكيّة إذا قال : أحلف أو أقسم أو أشهد أو أعزم ، وقال بعد كلّ واحدٍ منها : باللّه ، فهي يمين . وقول القائل : عزمت عليك باللّه ليس بيمينٍ ، بخلاف : عزمت باللّه ، أو : أعزم باللّه كما تقدّم . </p><p>والفرق هو أنّ التّصريح بكلمة ( عليك ) جعله غير يمينٍ بخلاف ( أقسم ) فإنّها إذا زيد بعدها كلمة عليك لم تخرجها عن كونها يميناً ، لأنّ ( أقسم ) صريح في اليمين . </p><p>وقول الشّخص : يعلم اللّه ، ليس بيمينٍ ، فإن كان كاذباً فعليه إثم الكذب ، ولا يكون كافراً بذلك ، ولا بقوله : أشهد اللّه ، إلاّ إن قصد أنّه عزّ وجلّ يخفى عليه الواقع ، ولا يكون القسم أيضاً بقوله : اللّه راعٍ ، أو حفيظ ، أو حاشا للّه ، أو معاذ اللّه . </p><p>وقال الشّافعيّة : من قال لغيره : آليت ، أو أقسمت ، أو أقسم عليك باللّه ، أو أسألك باللّه لتفعلنّ كذا ، أو لا تفعل كذا ، أو قال : باللّه لتفعلنّ كذا ، أو لا تفعل كذا ، فإمّا أن يريد يمين نفسه أولاً : فإن أراد يمين نفسه فيمين ، لصلاحيّة اللّفظ لها مع اشتهاره على ألسنة حملة الشّرع . </p><p>وإن لم يرد يمين نفسه ، بل أراد الشّفاعة ، أو يمين المخاطب ، أو أطلق لم تكن يميناً . </p><p>فإن قال : واللّه ، أو حلفت عليك باللّه كان يميناً عند الإطلاق ، لعدم اشتهاره في الشّفاعة أو يمين المخاطب . وإن قال : آليت ، أو أقسمت ، أو أقسم باللّه ، ولم يقل : عليك كان يميناً عند الإطلاق أيضاً . </p><p>وقال الحنابلة : إذا قال أقسمت ، أو أقسم ، أو شهدت ، أو أشهد ، أو حلفت ، أو أحلف ، أو عزمت ، أو أعزم ، أو آليت ، أو أولي ، أو قسماً ، أو حلفاً ، أو أليةً ، أو شهادةً ، أو يميناً ، أو عزيمةً ، وأتبع كلّاً من هذه الألفاظ بقوله ( باللّه ) مثلاً كانت يميناً ، سواء أنوى بها إنشاء اليمين أم أطلق ، فإن نوى بالفعل الماضي إخباراً عن يمينٍ مضت ، أو بالمضارع وعداً بيمينٍ مستقبلةٍ ، أو نوى بقوله : عزمت وأعزم وعزيمةً : قصدت أو أقصد أو قصداً ، لم يكن يميناً يقبل منه ذلك . </p><p>23 - وليس من اليمين قوله : أستعين باللّه ، وأعتصم باللّه ، وأتوكّل على اللّه ، وعلم اللّه ، وعزّ اللّه ، وتبارك اللّه ، والحمد للّه ، وسبحان اللّه ، ونحو ذلك ولو نوى اليمين ، لأنّها لا تحتمل اليمين شرعاً ولا لغةً ولا عرفاً . </p><p>ولو قال : أسألك باللّه لتفعلنّ لم تكن الصّيغة يميناً إنّ أطلق أو قصد السّؤال أو الإكرام أو التّودّد ، بخلاف ما لو قصد اليمين فإنّها تكون يميناً .</p><p>ب - حروف القسم :</p><p>24 - هي : الباء والواو والتّاء . أمّا الباء فهي الأصل ، ولهذا يجوز أن يذكر قبلها فعل القسم ، وأن يحذف ، ويجوز أن تدخل على الظّاهر والمضمر ، نحو : أقسم بك يا ربّ لأفعلنّ كذا . وتليها الواو ، وهي تدخل على الظّاهر فقط ، ويحذف معها فعل القسم وجوباً . وتليها التّاء ، ولا تدخل إلاّ على لفظ الجلالة ، كما في قوله تعالى حكايةٍ عن نبيّه إبراهيم عليه السلام { وتَاللّهِ لَأَكيدنّ أصنامَكم } وربّما دخلت على ( ربّ ) نحو : تربّي ، وتربّ الكعبة ، ويجب معها حذف فعل القسم أيضاً . </p><p>وإذا وجب حذف الفعل وجب حذف المصادر أيضاً ، نحو قسماً . </p><p>ويقوم مقام باء القسم حروف أخرى ، وهي الهاء والهمزة واللّام . </p><p>أمّا الهاء فمثالها : ها اللّه ، بفتح الهاء ممدودةً ومقصورةً مع قطع همزة لفظ الجلالة ووصلها ، وإذا وصلت حذفت . </p><p>وأمّا الهمزة فمثالها : آللّه ، ممدودةً ومقصورةً مع وصل همزة لفظ الجلالة ، وذلك بأن تحذف . وأمّا اللّام ، فقد أفاد صاحب البدائع : أنّ من قال ( للّه ) فاللّام الجرّ بدل الباء كانت صيغته يميناً . ولا تستعمل اللّام إلاّ في قسمٍ متضمّنٍ معنى التّعجّب ، كقول ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما : دخل آدم الجنّة فللّه ما غربت الشّمس حتّى خرج . </p><p>وفي مغني اللّبيب والقاموس وشرحه ما يفيد أنّ اللّام تستعمل للقسم والتّعجّب معاً ، وتختصّ بلفظ الجلالة . هذا ما قاله الحنفيّة ونحوه بقيّة المذاهب .</p><p>حذف حرف القسم :</p><p>25 - إن لم يذكر الحالف شيئاً من أحرف القسم ، بل قال : اللّه لأفعلنّ كذا مثلاً ، كان يميناً بغير حاجةٍ إلى النّيّة سواء أكسر الهاء على سبيل الجرّ بالحرف المحذوف ، أم فتحها على سبيل نزع الخافض ، أم ضمّها على سبيل الرّفع بالابتداء ، ويكون الخبر محذوفاً وتقديره : قسمي أو أقسم به ، أم سكّنها إجراءً للوصل مجرى الوقف . </p><p>وبقاء الجرّ عند حذف الحرف خاصّ بلفظ الجلالة ، فلا يجوز في العربيّة أن يقال : الرّحمن لأفعلنّ كذا بكسر النّون . كذا قيل . لكن الرّاجح أنّه يجوز وإن كان قليلاً ، وأيّاً ما كان فاللّحن لا يمنع انعقاد اليمين . هذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة . </p><p>وقال الشّافعيّة : لو قال : اللّه ، بحذف حرف القسم . لم يكن يميناً إلاّ بالنّيّة ، سواء جرّ الاسم أم نصبه أم رفعه أم سكنّه . </p><p>وقال الحنابلة : يصحّ قسم بغير حروفه ، نحو : اللّه لأفعلنّ ، جرّاً ونصباً . </p><p>فإن رفع فيمين أيضاً إلاّ إذا كان الرّافع يعرف العربيّة ولم ينو اليمين ، فلا يكون يميناً لأنّه إمّا مبتدأ أو معطوف بخلاف من لا يعرف العربيّة ، فلو رفع كان يميناً لأنّ اللّحن لا يضرّ .</p><p>ج - اللّفظ الدّالّ على المقسم به :</p><p>26 - اللّفظ الدّالّ على المقسم به : هو ما دخل عليه حرف القسم ، بشرط أن يكون اسماً للّه تعالى أو صفةً له . </p><p>والمقصود بالاسم : ما دلّ على الذّات المتّصفة بجميع صفات الكمال ، وهو لفظ الجلالة ( اللّه ) وكذلك ترجمته بجميع اللّغات ، أو على الذّات المتّصفة بصفةٍ من صفاته تعالى ، سواء أكان مختصّاً به كالرّحمن ، وربّ العالمين ، وخالق السّموات والأرض ، والأوّل بلا بدايةٍ ، والآخر بلا نهايةٍ ، والّذي نفسي بيده ، والّذي بعث الأنبياء بالحقّ ، ومالك يوم الدّين . أم كان مشتركاً بينه وبين غيره كالرّحيم والعظيم والقادر والرّبّ والمولى والرّازق والخالق والقويّ والسّيّد ، فهذه الأسماء قد تطلق على غيره تعالى ، قال تعالى في وصف الرّسول صلى الله عليه وسلم { بالمؤمنين رَءوفٌ رحيمٌ } وقال عزّ وجلّ في حكاية ما قاله الهدهد لسليمان عليه السلام وصفاً لملكة سبأٍ { ولها عرْشٌ عظيم } . وقال سبحانه في وصف أهل الحديقة الّذين عزموا على البخل بثمرها { وَغَدَوْا على حَرْدٍ قادرين } ومعنى الحرد : المنع ، والمراد منع المساكين ، وقال تعالى حكايةً عن قول يوسف عليه السلام لأحد صاحبيه في السّجن : { اذكرني عند ربّك } وقال عزّ وجلّ مخاطباً لزوجين من أزواج الرّسول صلى الله عليه وسلم { وإنْ تَظَاهرا عليه فإنّ اللّهَ هو مولاه وجبريلُ وصالحُ المؤمنين } وقال جلّ شأنه مخاطباً لمن يقسمون الميراث { وإذا حَضَر القِسْمة أولو القربى واليتامى والمساكينُ فارزقوهم منه } وقال سبحانه مخاطباً لعيسى عليه السلام { وإذْ تَخْلُقُ من الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيرِ بإِذني } ، وقال تعالى حكايةً عن قول إحدى المرأتين لأبيها عن موسى عليه السلام { إنّ خيرَ من استأجرتَ القويُّ الأمينُ } وقال سبحانه وتعالى : { وأَلْفَيَا سيِّدَها لَدَى الباب } 27 - والمقصود بالصّفة : اللّفظ الدّالّ على معنًى تصحّ نسبته إلى اللّه تعالى ، سواء كان صفة ذاتٍ أم صفة فعلٍ . </p><p>وصفة الذّات هي : الّتي يتّصف سبحانه وتعالى بها لا بضدّها كوجوده . </p><p>وصفة الفعل هي : الّتي يتّصف اللّه عزّ وجلّ بها وبضدّها باعتبار ما تتعلّق به ، كرحمته وعذابه . </p><p>28 - ولا تنعقد اليمين بكلّ اسمٍ له تعالى أو صفةٍ له على الإطلاق ، بل ذلك مقيّد بشرائط مفصّلةٍ تختلف فيها المذاهب . </p><p>فالحنفيّة لهم في ذلك أقوال ، أرجحها : أنّ الاسم يجوز الإقسام به ، سواء أكان مختصّاً أم مشتركاً ، وسواء أكان الحلف به متعارفاً أم لا ، وسواء أنوى به اللّه تعالى أم لا . </p><p>لكن لو نوى بالاسم المشترك غير اللّه لم يكن يميناً ، وإذا كان الاسم غير واردٍ في الكتاب أو السّنّة لم يكن يميناً إلاّ إذا تعورف الحلف به ، أو نوى به اللّه تعالى . وأمّا الصّفة فلا يصحّ الإقسام بها إلاّ إذا كانت مختصّةً بصفته تعالى ، سواء أكان الحلف بها متعارفاً أم لا ، أو كانت مشتركةً بين صفته تعالى وغيرها وتعورف الحلف بها ، وسواء في الصّفة كونها صفة ذاتٍ وكونها صفة فعلٍ . </p><p>وقال المالكيّة : تنعقد اليمين باسم اللّه تعالى وصفته الذّاتيّة المختصّة . وأمّا المشتركة فإنّ اليمين تنعقد بها ما لم يرد بها غير صفته تعالى . وأمّا صفة الفعل ففي الانعقاد بها خلاف . وقال الشّافعيّة والحنابلة : تنعقد اليمين باسم اللّه تعالى المختصّ به إن أراد اللّه تعالى أو أطلق ، فإن أراد غيره لم يقبل ظاهراً ولا باطناً عندهم . </p><p>وتنعقد أيضاً باسمه الّذي يغلب إطلاقه عليه ، ولا يطلق على غيره إلاّ مقيّداً كالرّبّ ، وهذا إن أراد اللّه تعالى أو أطلق ، فإن أراد غيره قبل ظاهراً وباطناً عندهم جميعاً . </p><p>وتنعقد أيضاً بالاسم المشترك الّذي لا يغلب إطلاقه على اللّه تعالى كالحيّ والسّميع ، وكذا باللّفظ الّذي يشمله وإن لم يكن اسماً له تعالى كالشّيء ، لكن يشترط في انعقادها بهذا النّوع أن يريد الحالف اللّه تعالى ، فإن أراد غيره أو أطلق لم تنعقد يمينه . </p><p>ولم يفصّل الحنابلة في ذلك ، بل قالوا : إنّ الصّفة المضافة تنعقد اليمين بها ، أمّا غير المضافة - كأن يقال : والعزّة - فلا تنعقد بها إلاّ بإرادة صفته تعالى . </p><p>29 - وأمّا الاسم الّذي لا يعدّ من أسمائه ، ولا يصحّ إطلاقه عليه فلا تنعقد به اليمين ، ولو أريد به اللّه تعالى ، ومثّل له الشّافعيّة بقول بعض العوّام ( والجناب الرّفيع ) فالجناب للإنسان فناء داره ، وهو مستحيل في حقّ اللّه تعالى ، والنّيّة لا تؤثّر مع الاستحالة . أمّا صفة الفعل ، فقد صرّح الشّافعيّة بعدم انعقاد اليمين بها ، وسكت الحنابلة عنها ، وأطلقوا انعقاد اليمين بصفته تعالى المضافة إليه ، وظاهر ذلك أنّها تنعقد عندهم بصفته الفعليّة .</p><p>الحلف بالقرآن والحقّ </p><p>أ - الحلف بالقرآن أو المصحف :</p><p>30 - المعتمد في مذهب الحنفيّة : أنّ الحلف بالقرآن يمين ، لأنّ القرآن كلام اللّه تعالى الّذي هو صفته الذّاتيّة ، وقد تعارف النّاس الحلف به ، والأيمان تبنى على العرف . </p><p>أمّا الحلف بالمصحف ، فإن قال الحالف : أقسم بما في هذا المصحف فإنّه يكون يميناً . </p><p>أمّا لو قال : أقسم بالمصحف ، فإنّه لا يكون يميناً ، لأنّ المصحف ليس صفةً للّه تعالى ، إذ هو الورق والجلد ، فإن أراد ما فيه كان يميناً للعرف . </p><p>وقال المالكيّة : ينعقد القسم بالقرآن وبالمصحف ، وبسورة البقرة أو غيرها ، وبآية الكرسيّ أو غيرها ، وبالتّوراة وبالإنجيل وبالزّبور ، لأنّ كلّ ذلك يرجع إلى كلامه تعالى الّذي هو صفة ذاتيّة ، لكن لو أراد بالمصحف النّقوش والورق لم يكن يميناً . </p><p>وقال الشّافعيّة : تنعقد اليمين بكتاب اللّه والتّوراة والإنجيل ما لم يرد الألفاظ ، وبالقرآن وبالمصحف ما لم يرد به ورقه وجلده ، لأنّه عند الإطلاق لا ينصرف عرفاً إلاّ لما فيه من القرآن . وقال الحنابلة : الحلف بكلام اللّه تعالى والمصحف والقرآن والتّوراة والإنجيل والزّبور يمين ، وكذا الحلف بسورةٍ أو آيةٍ .</p><p>ب - الحلف بالحقّ ، أو حقّ اللّه :</p><p>31 - لا شكّ أنّ الحقّ من أسمائه تعالى الواردة في الكتاب الكريم والسّنّة المطهّرة ، غير أنّه ليس من الأسماء المختصّة به ، وقد مثّل به الشّافعيّة للأسماء الّتي تنصرف عند الإطلاق إلى اللّه تعالى ، ولا تنصرف إلى غيره إلاّ بالتّقييد ، فعلى هذا من قال : والحقّ لأفعلنّ كذا ، إن أراد اللّه تعالى أو أطلق كان يميناً بلا خلافٍ ، وإن أراد العدل أو أراد شيئاً ما من الحقوق الّتي تكون للإنسان على الإنسان قُبِلَ منه ذلك ظاهراً وباطناً . </p><p>32 - وأمّا ( حقّ ) المضاف إلى اللّه تعالى ، أو إلى اسمٍ أو صفةٍ من الأسماء والصّفات الّتي تنعقد اليمين بها ففيه خلاف . </p><p>فالحنفيّة نقلوا عن أبي حنيفة ومحمّدٍ وإحدى الرّوايتين عن أبي يوسف أنّ من قال : ( وحقّ اللّه ) يكن يميناً . ووجّهه صاحب البدائع بأنّ حقّه تعالى هو الطّاعات والعبادات ، فليس اسماً ولا صفةً للّه عزّ وجلّ . وعن أبي يوسف في روايةٍ أخرى أنّه يمين ، لأنّ الحقّ من صفاته تعالى ، وهو حقيقة ، فكأنّ الحالف قال : واللّه الحقّ ، والحلف به متعارف . واختار صاحب الاختيار هذه الرّواية ، وتبعه ابن نجيمٍ في البحر الرّائق . </p><p>وقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : ينعقد القسم بحقّ اللّه ، ومرجعه إلى العظمة والألوهيّة ، فإن قصد الحالف به الحقّ الّذي على العباد من التّكاليف والعبادة فليس بيمينٍ .</p><p>حذف المقسم به </p><p>33 - إذا لم يذكر الحالف المقسم به بل قال : أقسم ، أو أحلف ، أو أشهد ، أو أعزم لأفعلنّ كذا ، أو آليت لا أفعل كذا كان يميناً عند أبي حنيفة وصاحبيه . </p><p>وقال المالكيّة : لو حذف الحالف قوله ( باللّه ) بعد قوله أحلف أو أقسم أو أشهد كان يميناً إن نواه - أي نوى الحلف باللّه - بخلاف ما لو حذفه بعد قوله أعزم فإنّه لا يكون يميناً وإن نواه . </p><p>والفرق بين هذا الفعل والأفعال الثّلاثة السّابقة ، أنّ العزم معناه الأصليّ القصد والاهتمام ، فلا يكون بمعنى القسم إلاّ إذا ذكر بعده المقسم به ، بأن يقول ( باللّه ) ، مثلاً ، بخلاف الأفعال الثّلاثة السّابقة ، فإنّها موضوعة للقسم فيكفي فيها أن ينوي المقسم به عند حذفه . وقال الشّافعيّة : لو حذف المتكلّم المحلوف به لم تكن الصّيغة يميناً ولو نوى اليمين باللّه ، سواء ذكر فعل القسم أم حذفه . </p><p>وقال الحنابلة : لو حذف الحالف قوله ( باللّه ) مثلاً بعد نطقه بالفعل أو الاسم الدّالّ على القسم ، نحو : قسماً ، لم تكن الصّيغة يميناً ، إلاّ إذا نوى الحلف باللّه .</p><p>اللّفظ الدّالّ على المقسم عليه </p><p>34 - اللّفظ الدّالّ على المقسم عليه هو الجملة الّتي يريد الحالف تحقيق مضمونها من إثباتٍ أو نفيٍ ، وتسمّى جواب القسم . ويجب في العربيّة تأكيد الإثبات باللّام مع نون التّوكيد إن كان الفعل مضارعاً ، وباللّام مع قد إن كان ماضياً . يقال : واللّه لأفعلنّ كذا ، أو لقد فعلت كذا . وأمّا النّفي فلا يؤكّد فيه الفعل ، بل يقال : واللّه لا أفعل كذا ، أو ما فعلت كذا . فإذا ورد فعل مضارع مثبت ليس فيه لام ولا نون توكيدٍ اعتبر منفيّاً بحرفٍ محذوفٍ ، كما في قوله تعالى : { تاللّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يوسفَ } أي : لا تفتأ . </p><p>وعلى هذا لو قال إنسان : واللّه أكلّم فلاناً اليوم ، كان حالفاً على نفي تكليمه ، فيحنث إذا كلّمه ، لأنّ الفعل لمّا لم يكن فيه لام ولا نون توكيدٍ قدّرت قبله ( لا ) النّافية . </p><p>هذا إذا لم يتعارف النّاس خلافه ، فإن تعارفوا أنّ مثل ذلك يكون إثباتاً ، كان حالفاً على الإثبات وإن كان خطأً في اللّغة العربيّة . هكذا يؤخذ من كتب الحنفيّة والحنابلة ، ولا نظنّ أنّه محلّ خلافٍ ، فإنّه من الوضوح بمكانٍ .</p><p>الصّيغ الخالية من أداة القسم والمقسم به </p><p>35 - قد يأتي الحالف بصيغٍ خاليةٍ من أداة القسم ومن اسم اللّه تعالى وصفته ، أو خاليةٍ من الأداة وحدها ، وتعتبر عند بعض الفقهاء أيماناً كاليمين باللّه تعالى .</p><p>أ - لَعَمْرُ اللّه :</p><p>36 - إذا قيل : لعمر اللّه لأفعلنّ كذا ، كان هذا قسماً مكوّناً من مبتدأٍ مذكورٍ وخبرٍ مقدّرٍ ، والتّقدير : لعمر اللّه قسمي ، أو يميني ، أو أحلف به . وهي في قوّة قولك : وعمر اللّه ، أي بقائه ، هذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . </p><p>وقال الشّافعيّة : إنّ هذه الصّيغة كناية ، لأنّ العمر يطلق على الحياة والبقاء ، ويطلق أيضاً على الدّين وهو العبادات ، فيحتمل أن يكون معناه : وحياة اللّه وبقائه ، أو دينه ، فيكون يميناً على الاحتمالين الأوّلين دون الثّالث ، فلا بدّ من النّيّة .</p><p>ب - وأَيْمُن اللّه :</p><p>37 - جاء هذا الاسم في كتب الحنفيّة والمالكيّة وغيرهم مسبوقاً بالواو ، وظاهره أنّ الواو للقسم ، ويكون إقساماً ببركته تعالى أو قوّته ، وجاء في كتب الحنابلة مسبوقاً بالواو أيضاً مع تصريح بعضهم بأنّ نونه مضمومة وأنّه مبتدأ . ومعلوم أنّ الجملة قسم فقط ، فلا يترتّب عليها حكم إلاّ إذا جيء بعدها بجملة الجواب ، مثل لأفعلنّ كذا .</p><p>ج - عليَّ نذر ، أو نذر للّه :</p><p>38 - قال الحنفيّة : إذا قال قائل : عليّ نذر ، أو نذر اللّه لأفعلنّ كذا ، أو لا أفعل كذا ، كان ذلك يميناً ، فإذا لم يوفّ بما ذكره كان عليه كفّارة يمينٍ . </p><p>ولو قال : عليّ نذر ، أو نذر للّه ، ولم يزد على ذلك ، فإن نوى بالنّذر قربةً من حجٍّ أو عمرةٍ أو غيرهما لزمته ، وإن لم ينو شيئاً كان نذراً لكفّارة اليمين ، كأنّه قال : عليّ نذر للّه أن أؤدّي كفّارة يمينٍ ، فيكون حكمه حكم اليمين الّتي حنث فيها صاحبها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « النّذر يمين ، وكفّارته كفّارة اليمين » هذا مذهب الحنفيّة . </p><p>وقال المالكيّة : تلزم كفّارة في النّذر المبهم . وله أربع صورٍ : الأولى : عليّ نذر ، الثّانية : للّه عليّ نذر ، الثّالثة : إن فعلت كذا أو إن شفى اللّه مريضي فعليّ نذر ، الرّابعة : إن فعلت كذا أو إن شفى اللّه مريضي فللّه عليّ نذر ، ففي الصّورتين الأوليين تلزم الكفّارة بمجرّد النّطق ، وفي الصّورتين الأخريين تلزم الكفّارة بحصول المعلّق عليه سواء أكان القصد الامتناع أم الشّكر . </p><p>وقال الشّافعيّة : من قال : عليّ نذر ، أو إن شفى اللّه مريضي فعليّ نذر ، لزمته قربة غير معيّنةٍ ، وله أن يختار ما شاء من القرب ، كتسبيحٍ وتكبيرٍ وصلاةٍ وصومٍ . </p><p>ومن قال : إن كلّمت زيداً فعليّ نذر أو فللّه عليّ نذر ، يخيّر بين القربة وبين كفّارة يمينٍ ، فإن اختار القربة فله اختيار ما شاء من القرب ، وإن اختار كفّارة اليمين كفّر بما يجب في اليمين الّتي حنث صاحبها فيها . ومن قال : إن كلّمت زيداً فعليّ كفّارة نذرٍ ، كان عليه عند الحنث كفّارة يمينٍ ، والصّيغة في جميع هذه الأمثلة صيغة نذرٍ وليست صيغة يمينٍ ، إلاّ الصّيغة الّتي فيها ( إن كلّمت زيداً ... إلخ ) فيجوز تسميتها يميناً ، لأنّها من نذر اللّجاج والغضب . وقال الحنابلة : من قال : عليّ نذر إن فعلت كذا ، وفعله ، فعليه كفّارة يمينٍ في الأرجح ، وقيل : لا كفّارة عليه ، وقيل : إن نوى اليمين فعليه الكفّارة وإلاّ فلا ، ولو قال : للّه عليّ نذر ولم يعلّقه بشيءٍ ، فعليه كفّارة يمينٍ أيضاً في الأرجح .</p><p>د - عليّ يمين ، أو يمين اللّه :</p><p>39 - قال الحنفيّة : إذا قال : عليّ يمين ، أو يمين اللّه لأفعلنّ كذا ، أو لا أفعل كذا ، فهاتان الصّيغتان من الأيمان عند أبي حنيفة والصّاحبين ، وقال زفر : لو قال : عليّ يمين ولم يضفه للّه تعالى ، لم يكن يميناً عند الإطلاق . </p><p>ووجهه : أنّ اليمين يحتمل أن يكون بغير اللّه ، فلا تعتبر الصّيغة يميناً باللّه إلاّ بالنّيّة . ويستدلّ لأبي حنيفة والصّاحبين بأنّ إطلاق اليمين ينصرف إلى اليمين باللّه تعالى ، إذ هي الجائزة شرعاً ، هذا إذا ذكر المحلوف عليه . </p><p>فإن لم يذكر ، بل قال الحالف : عليّ يمين ، أو يمين اللّه ، ولم يزد على ذلك ، وأراد إنشاء الالتزام لا الإخبار بالتزامٍ سابقٍ ، فعليه كفّارة يمينٍ ، لأنّ هذه الصّيغة تعتبر من صيغ النّذر ، وقد سبق أنّ النّذر المطلق الّذي لم يذكر فيه المنذور يعتبر نذراً للكفّارة ، فيكون حكمه حكم اليمين . وقال المالكيّة : إنّ التزام اليمين له أربع صيغٍ كالنّذر المبهم ، وأمثلتها : عليّ يمين ، وللّه عليّ يمين ، وإن شفى اللّه مريضي أو كلّمت زيداً فعليّ يمين ، إن شفى اللّه مريضي أو إن كلّمت زيداً فللّه عليّ يمين . </p><p>ولا يخفى أنّ المقصود موجب اليمين ، فالكلام على حذف مضافٍ كما يقول الحنفيّة . </p><p>وقال الشّافعيّة : إنّ قول القائل : عليّ يمين ، لا يعتبر يميناً سواء أكان مطلقاً أو معلّقاً ، لأنّه التزام لليمين أي الحلف ، وليس ذلك قربةً كالصّلاة والصّيام فهو لغو . </p><p>وقال الحنابلة : من قال : عليّ يمين إن فعلت كذا ، ففيه ثلاثة أقوالٍ : </p><p>أحدها : أنّه لغو ، كما يقول الشّافعيّة . </p><p>والثّاني : أنّه كناية فلا يكون يميناً إلاّ بالنّيّة . </p><p>والثّالث : وهو الأرجح : أنّه يمين بغير حاجةٍ إلى النّيّة .</p><p>هـ – عليَّ عهد اللّه ، أو ميثاقه ، أو ذمّته :</p><p>40 - قال الحنفيّة : إذا قيل : عليّ عهد اللّه أو ذمّة اللّه أو ميثاق اللّه لا أفعل كذا مثلاً ، فهذه الصّيغ من الأيمان ، لأنّ اليمين باللّه تعالى هي عهد اللّه على تحقيق الشّيء أو نفيه ، قال تعالى : { وأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّه إذا عَاهَدْتم ولا تَنْقُضُوا الأَيمانَ بعدَ تَوْكِيدِها } فجعل العهد يميناً ، والذّمّة هي العهد ، ومن ذلك تسمية الّذين تؤخذ منهم الجزية من الكفّار : بأهل الذّمّة ، أي أهل العهد ، والعهد والميثاق من الأسماء المترادفة ، وإذن فالكلام على حذف مضافٍ ، والتّقدير : عليّ موجب عهد اللّه وميثاقه وذمّته . </p><p>فإن لم يذكر اسم اللّه تعالى ، أو لم يذكر المحلوف عليه فالحكم كما سبق في " عليّ يمين » . وقال المالكيّة والحنابلة : من صيغ اليمين الصّريحة : عليّ عهد اللّه لا أفعل ، أو لأفعلنّ كذا مثلاً فتجب بالحنث كفّارة إذا نوى اليمين ، أو أطلق ، فإن لم ينو اليمين بل أريد بالعهد التّكاليف الّتي عهد بها اللّه تعالى إلى العباد لم تكن يميناً . </p><p>وزاد المالكيّة : أنّ قول القائل : أعاهد اللّه ، ليس بيمينٍ على الأصحّ ، لأنّ المعاهدة من صفات الإنسان لا من صفات اللّه ، وكذا قوله : لك عليّ عهد ، أو أعطيك عهداً . </p><p>وقال الشّافعيّة : من كنايات اليمين : عليّ عهد اللّه أو ميثاقه أو ذمّته أو أمانته أو كفالته لأفعلنّ كذا أو لا أفعل كذا ، فلا تكون يميناً إلاّ بالنّيّة ، لأنّها تحتمل غير اليمين احتمالاً ظاهراً. </p><p>و - عليَّ كفّارة يمينٍ :</p><p>41 - قال الحنفيّة : إنّ القائل : عليّ يمين ، مقصوده : عليّ موجب يمينٍ وهو الكفّارة . فلو قال : عليّ كفّارة يمينٍ ، يكون حكمه حكم من قال : عليّ يمين ، وقد سبق ( ر : ف 39 ) . </p><p>وقال المالكيّة : قول القائل : عليّ كفّارة ، كقوله : عليّ نذر ، وله صيغ أربع كصيغ النّذر . ويؤخذ من هذا أنّ من قال : عليّ كفّارة يمينٍ ، حكمه هو هذا الحكم بعينه ( ر : ف 39 ) . وقال الشّافعيّة : من قال : عليّ كفّارة يمينٍ فعليه الكفّارة من حين النّطق عند عدم التّعليق ، فإن علّق بالشّفاء ونحوه ممّا يحبّه ، أو بتكليم زيدٍ ونحوه ممّا يكرهه ، فعليه كفّارة اليمين بحصول المعلّق عليه . وقال الحنابلة : من قال : عليّ يمين إن فعلت كذا ، ثمّ فعله فعليه كفّارة يمينٍ على الرّاجح كما سبق . ويؤخذ من ذلك أنّ من قال : عليّ كفّارة يمينٍ إن فعلت كذا ، ثمّ فعله ، وجبت عليه كفّارة اليمين على الأرجح عندهم .</p><p>ز - عليَّ كفّارة نذرٍ :</p><p>42 - سبق حكم القائل : عليّ نذر . </p><p>ويؤخذ منه أنّ من قال : عليّ كفّارة نذرٍ تجب عليه كفّارة يمينٍ عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وقد صرّح الشّافعيّة بمقتضى ذلك ، فقالوا : من قال : عليّ كفّارة نذرٍ ، وجبت عليه كفّارة يمينٍ منجّزة في الصّيغة المنجّزة ، ومعلّقة في الصّيغة المعلّقة .</p><p>ح - عليَّ كفّارة :</p><p>43 - سبق أنّ المالكيّة يوجبون كفّارة يمينٍ على من قال : عليّ كفّارة من غير أن يضيف الكفّارة إلى اليمين أو النّذر أو غيرهما . ولم نجد في المذاهب الأخرى حكم هذه الصّيغة عند الإطلاق ، ولا شكّ أنّ حكمها عند النّيّة هو وجوب ما نوى ممّا يصدق عليه اسم الكفّارة .</p><p>ط - تحريم العين أو الفعل :</p><p>44 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ تحريم الإنسان العين أو الفعل على نفسه يقوم مقام الحلف باللّه تعالى ، وذلك كأن يقول : هذا الثّوب عليّ حرام ، أو لبسي لهذا الثّوب عليّ حرام ، سواء أكانت العين الّتي نسب التّحريم إليها أو إلى الفعل المضاف لها مملوكة له أم لا ، كأن قال متحدّثاً عن طعام غيره : هذا الطّعام عليّ حرام ، أو أكل هذا الطّعام عليّ حرام ، وسواء أكانت العين المذكورة من المباحات أم لا ، كأن قال : هذه الخمر عليّ حرام ، أو شرب هذه الخمر عليّ حرام . </p><p>فكلّ صيغةٍ من هذه الصّيغ تعتبر يميناً ، لكن إذا كانت العين محرّمةً من قبل ، أو مملوكةً لغيره لم تكن الصّيغة يميناً إلاّ بالنّيّة ، بأن ينوي إنشاء التّحريم . فإن نوى الإخبار بأنّ الخمر حرام عليه شرعاً ، أو بأنّ ثوب فلانٍ حرم عليه شرعاً ، لم تكن الصّيغة يميناً ، وكذا إن أطلق ، لأنّ المتبادر من العبارة هو الإخبار . ثمّ إنّ تحريم العين لا معنى له إلاّ تحريم الفعل المقصود منها ، كما في تحريم الشّرع لها في نحو قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عليكم أُمّهاتُكم } وقوله { حُرِّمَتْ عليكم الميتةُ والدّمُ ولحمُ الخِنزير } . </p><p>وقوله صلى الله عليه وسلم : « كلّ مسكرٍ حرام » فتحريم الأمّهات ونحوهنّ ينصرف إلى الزّواج . وتحريم الميتة ونحوها والمسكر ينصرف كلّه إلى التّناول بأكلٍ أو شربٍ .</p><p>45 - وفيما يلي أمثلة لصيغ التّحريم الّتي تعتبر أيماناً ، مع بيان ما يقع به حنث في كلٍّ منها :</p><p>- 1 - لو قال : هذا الطّعام أو المال أو الثّوب أو الدّار عليّ حرام ، حنث بأكل الطّعام ، وإنفاق المال ، ولبس الثّوب ، وسكنى الدّار ، وعليه الكفّارة ، ولا يحنث بهبة شيءٍ من ذلك ، ولا بالتّصدّق به .</p><p>- 2 - لو قالت امرأة لزوجها : أنت عليّ حرام ، أو حرّمتك على نفسي ، حنثت بمطاوعته في الجماع ، وحنثت أيضاً بإكراهه إيّاها عليه بناءً على أنّ الحنث لا يشترط فيه الاختيار .</p><p>- 3 - لو قال لقومٍ : كلامكم عليّ حرام ، حنث بتكليمه لواحدٍ منهم ، ولا يتوقّف الحنث على تكليم جميعهم ، ومثل ذلك ما لو قال : كلام ، الفقراء ، أو كلام أهل هذه القرية ، أو أكل هذا الرّغيف عليّ حرام ، فإنّه يحنث بكلام واحدٍ ، وأكل لقمةٍ ، بخلاف ما لو قال : واللّه لا أكلّمكم ، أو لا أكلّم الفقراء ، أو أهل هذه القرية ، أو لا آكل هذا الرّغيف ، فإنّه لا يحنث إلاّ بتكليم الجميع وأكل جميع الرّغيف .</p><p>- 4 - لو قال : هذه الدّنانير عليّ حرام حنث إن اشترى بها شيئاً ، لأنّ العرف يقتضي تحريم الاستمتاع بها لنفسه ، بأن يشتري ما يأكله أو يلبسه مثلاً ، ولا يحنث بهبتها ولا بالتّصدّق بها . واستظهر ابن عابدين : أنّه لا يحنث لو قضى بها دينه ، ثمّ قال : فتأمّل .</p><p>- 5 - لو قال : كلّ حلٍّ عليّ حرام ، أو حلال اللّه أو حلال المسلمين عليّ حرام ، كان يميناً على ترك الطّعام والشّراب إلاّ أن ينوي غير ذلك ، وهذا استحسان . </p><p>وقال المالكيّة : تحريم الحلال في غير الزّوجة لغو لا يقتضي شيئاً ، إلاّ إذا حرّم الأمة ناوياً عتقها ، فإنّها تعتق ، فمن قال : الخادم أو اللّحم أو القمح عليّ حرام إن فعلت كذا ، ففعله ، فلا شيء عليه ، ومن قال : إن فعلت كذا فزوجتي عليّ حرام ، أو فعليّ الحرام ، يلزمه بتّ طلاق المدخول بها - ثلاثاً - ما لم ينو أقلّ من الثّلاث فيلزمه ما نوى ، أمّا غير المدخول بها فيلزمه طلقة واحدة ما لم ينو أكثر . هذا هو مشهور المذهب ، وقيل : يلزمه في المدخول بها واحدة بائنة كغير المدخول بها ما لم ينو أكثر ، وقيل : يلزمه في غير المدخول بها ثلاث كالمدخول بها ما لم ينو أقلّ . ولو قال : كلّ حلالٍ عليّ حرام ، فإن استثنى الزّوجة لم يلزمه شيء ، وإلاّ لزمه فيها ما ذكر . </p><p>وقال الشّافعيّة : لو قال إنسان لزوجته : أنت عليّ حرام ، أو حرّمتك ، ونوى طلاقاً واحداً أو متعدّداً أو ظهاراً وقع ، ولو نوى تحريم عينها أو وطئها أو فرجها أو رأسها أو لم ينو شيئاً أصلاً - وأطلق ذلك ، أو أقّته كره ، ولم تحرم الزّوجة عليه ، ولزمه كفّارة يمينٍ ، وليس ذلك يميناً ، لأنّه ليس إقساماً باللّه تعالى ولا تعليقاً للطّلاق أو نحوه . </p><p>ويشترط في لزوم الكفّارة ألاّ تكون زوجته محرّمةً بحجٍّ أو عمرةٍ ، وألاّ تكون معتدّةً من وطء شبهةٍ ، فإن كانت كذلك لم تجب الكفّارة على المعتمد . ولو حرم غير الزّوجة كالثّوب والطّعام والصّديق والأخ لم تلزمه كفّارة . </p><p>وقال الحنابلة : من حرّم حلالاً سوى الزّوجة لم يحرم عليه شرعاً ، ثمّ إذا فعله ففي وجوب الكفّارة قولان ، أرجحهما : الوجوب ، ويستوي في التّحريم تنجيزه وتعليقه بشرطٍ ، ومثال المنجّز : ما أحلّ اللّه عليّ حرام ، ولا زوجة لي ، وكسبي عليّ حرام ، وهذا الطّعام عليّ كالميتة أو كالدّم أو كلحم الخنزير . ومثال المعلّق : إن أكلت من هذا الطّعام فهو عليّ حرام . وإنّما لم يحرم عليه ما حرّمه على نفسه لأنّ اللّه عزّ وجلّ سمّى التّحريم يميناً حيث قال : { يا أيّها النّبيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لكَ تَبْتَغي مرضاةَ أزْواجِكَ واللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قد فَرَضَ اللّهُ لكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكم } . </p><p>واليمين لا تحرّم الحلال ، وإنّما توجب الكفّارة بالحنث ، وهذه الآية أيضاً دليل على وجوب الكفّارة . وأمّا تحريم الزّوجة فهو ظهار ، سواء أنوى به الظّهار أو الطّلاق أو اليمين أم لم ينو شيئاً على الرّاجح . ولو قال : ما أحلّ اللّه عليّ من أهلٍ ومالٍ فهو حرام - وكان له زوجة - كان ذلك ظهاراً وتحريماً للمال ، وتجزئه كفّارة الظّهار عنهما .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41063, member: 329"] و- أيمان المسلمين : 18 - جاء في كتب المالكيّة : أنّ هذه العبارة تشمل ستّة أشياء ، وهي : اليمين باللّه تعالى ، والطّلاق الباتّ لجميع الزّوجات ، وعتق من يملك من العبيد والإماء ، والتّصدّق بثلث المال ، والمشي بحجٍّ ، وصوم عامٍ . وهذا الشّمول للسّتّة إنّما يكون عند تعارف الحلف بها ، فإن تعورف الحلف ببعضها لم تشمل ما سواه . وذهب الشّافعيّة إلى تحريم تحليف القاضي بالطّلاق أو العتاق أو النّذر . قال الشّافعيّ : ومتى بلغ الإمام أنّ قاضياً يستحلف النّاس بطلاقٍ أو عتقٍ أو نذرٍ عزله عن الحكم ، لأنّه جاهل . وقال الحنابلة : يلزم بالحلف بأيمان المسلمين ظهارٍ وطلاقٍ وعتاقٍ ونذرٍ ويمينٍ باللّه تعالى مع النّيّة . كما لو حلف بكلٍّ منها على انفرادٍ . ولو حلف بأيمان المسلمين على نيّة بعض ما ذكر تقيّد حلفه به ، ولو حلف بها وأطلق بأن لم ينو كلّها ولا بعضها لم يلزمه شيء ، لأنّه لم ينو بلفظه ما يحتمله فلم تكن يميناً . ي - أيمان الإثبات والإنكار : 19 - يذكر الفقهاء في مبحث الدّعوى أيماناً للإثبات والإنكار . منها : اليمين المنضمّة ، ويصحّ تسميتها باليمين المتمّمة ، وهي الّتي تضمّ إلى شهادة شاهدٍ واحدٍ ، أو شهادة امرأتين لإثبات الحقوق الماليّة . ومنها : يمين المنكر بكسر الكاف ، أو يمين المدّعى عليه ، وصورتها : أن يدّعي إنسان على غيره بشيءٍ ، ولا يجد بيّنةً ، فيبيّن له القاضي أنّ له الحقّ في طلب اليمين من المدّعى عليه ما دام منكراً ، فيأمره القاضي أن يحلف ، فإذا حلف سقطت الدّعوى . ومنها : يمين الرّدّ ، وصورتها : أن يمتنع المدّعى عليه في الحالة السّابق ذكرها عن اليمين ، فيردّها القاضي على المدّعي ، فيحلف على دعواه ، ويستحقّ ما ادّعاه . ومنها : يمين الاستظهار ، وصورتها : أن يترك الميّت أموالاً في أيدي الورثة ، فيدّعي إنسان حقّاً على هذا الميّت ، فعند بعض الفقهاء لا تثبت الدّعوى في مواجهة الورثة بالبيّنة فقط ، بل لا بدّ من ضمّ اليمين من المدّعي ، وقد تجب يمين الاستظهار في مسائل أخرى . ولبيان كلّ ما سبق تفصيلاً ( ر : إثبات ودعوى ) . إنشاء اليمين وشرائطها 20 - تقدّم أنّ اليمين تنقسم من حيث صيغتها إلى قسمٍ وتعليقٍ ، ومن هنا حسن تقسيم الكلام إلى قسمين . إنشاء القسم وشرائطه 21 - معلوم أنّ الإنسان إذا قال : أقسم باللّه لأفعلنّ كذا، فهذه الصّيغة تحتوي على جملتين ، أولاهما : الجملة المكوّنة من فعل القسم وفاعله الضّمير ، وحرف القسم وهو الباء ، والمقسم به وهو مدخول الباء . وثانيتهما : الجملة المقسم عليها . وتفصيل الكلام على الوجه الآتي . أ - فعل القسم : 22 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ فعل القسم إذا ذكر بصيغة المضارع أو الماضي ، كأقسمت أو حلفت ، أو حذف وذكر مكانه المصدر نحو : قسماً أو حلفاً باللّه ، أو لم يذكر نحو : اللّه أو باللّه كان ذلك كلّه يميناً عند الإطلاق . وعند المالكيّة إذا قال : أحلف أو أقسم أو أشهد أو أعزم ، وقال بعد كلّ واحدٍ منها : باللّه ، فهي يمين . وقول القائل : عزمت عليك باللّه ليس بيمينٍ ، بخلاف : عزمت باللّه ، أو : أعزم باللّه كما تقدّم . والفرق هو أنّ التّصريح بكلمة ( عليك ) جعله غير يمينٍ بخلاف ( أقسم ) فإنّها إذا زيد بعدها كلمة عليك لم تخرجها عن كونها يميناً ، لأنّ ( أقسم ) صريح في اليمين . وقول الشّخص : يعلم اللّه ، ليس بيمينٍ ، فإن كان كاذباً فعليه إثم الكذب ، ولا يكون كافراً بذلك ، ولا بقوله : أشهد اللّه ، إلاّ إن قصد أنّه عزّ وجلّ يخفى عليه الواقع ، ولا يكون القسم أيضاً بقوله : اللّه راعٍ ، أو حفيظ ، أو حاشا للّه ، أو معاذ اللّه . وقال الشّافعيّة : من قال لغيره : آليت ، أو أقسمت ، أو أقسم عليك باللّه ، أو أسألك باللّه لتفعلنّ كذا ، أو لا تفعل كذا ، أو قال : باللّه لتفعلنّ كذا ، أو لا تفعل كذا ، فإمّا أن يريد يمين نفسه أولاً : فإن أراد يمين نفسه فيمين ، لصلاحيّة اللّفظ لها مع اشتهاره على ألسنة حملة الشّرع . وإن لم يرد يمين نفسه ، بل أراد الشّفاعة ، أو يمين المخاطب ، أو أطلق لم تكن يميناً . فإن قال : واللّه ، أو حلفت عليك باللّه كان يميناً عند الإطلاق ، لعدم اشتهاره في الشّفاعة أو يمين المخاطب . وإن قال : آليت ، أو أقسمت ، أو أقسم باللّه ، ولم يقل : عليك كان يميناً عند الإطلاق أيضاً . وقال الحنابلة : إذا قال أقسمت ، أو أقسم ، أو شهدت ، أو أشهد ، أو حلفت ، أو أحلف ، أو عزمت ، أو أعزم ، أو آليت ، أو أولي ، أو قسماً ، أو حلفاً ، أو أليةً ، أو شهادةً ، أو يميناً ، أو عزيمةً ، وأتبع كلّاً من هذه الألفاظ بقوله ( باللّه ) مثلاً كانت يميناً ، سواء أنوى بها إنشاء اليمين أم أطلق ، فإن نوى بالفعل الماضي إخباراً عن يمينٍ مضت ، أو بالمضارع وعداً بيمينٍ مستقبلةٍ ، أو نوى بقوله : عزمت وأعزم وعزيمةً : قصدت أو أقصد أو قصداً ، لم يكن يميناً يقبل منه ذلك . 23 - وليس من اليمين قوله : أستعين باللّه ، وأعتصم باللّه ، وأتوكّل على اللّه ، وعلم اللّه ، وعزّ اللّه ، وتبارك اللّه ، والحمد للّه ، وسبحان اللّه ، ونحو ذلك ولو نوى اليمين ، لأنّها لا تحتمل اليمين شرعاً ولا لغةً ولا عرفاً . ولو قال : أسألك باللّه لتفعلنّ لم تكن الصّيغة يميناً إنّ أطلق أو قصد السّؤال أو الإكرام أو التّودّد ، بخلاف ما لو قصد اليمين فإنّها تكون يميناً . ب - حروف القسم : 24 - هي : الباء والواو والتّاء . أمّا الباء فهي الأصل ، ولهذا يجوز أن يذكر قبلها فعل القسم ، وأن يحذف ، ويجوز أن تدخل على الظّاهر والمضمر ، نحو : أقسم بك يا ربّ لأفعلنّ كذا . وتليها الواو ، وهي تدخل على الظّاهر فقط ، ويحذف معها فعل القسم وجوباً . وتليها التّاء ، ولا تدخل إلاّ على لفظ الجلالة ، كما في قوله تعالى حكايةٍ عن نبيّه إبراهيم عليه السلام { وتَاللّهِ لَأَكيدنّ أصنامَكم } وربّما دخلت على ( ربّ ) نحو : تربّي ، وتربّ الكعبة ، ويجب معها حذف فعل القسم أيضاً . وإذا وجب حذف الفعل وجب حذف المصادر أيضاً ، نحو قسماً . ويقوم مقام باء القسم حروف أخرى ، وهي الهاء والهمزة واللّام . أمّا الهاء فمثالها : ها اللّه ، بفتح الهاء ممدودةً ومقصورةً مع قطع همزة لفظ الجلالة ووصلها ، وإذا وصلت حذفت . وأمّا الهمزة فمثالها : آللّه ، ممدودةً ومقصورةً مع وصل همزة لفظ الجلالة ، وذلك بأن تحذف . وأمّا اللّام ، فقد أفاد صاحب البدائع : أنّ من قال ( للّه ) فاللّام الجرّ بدل الباء كانت صيغته يميناً . ولا تستعمل اللّام إلاّ في قسمٍ متضمّنٍ معنى التّعجّب ، كقول ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما : دخل آدم الجنّة فللّه ما غربت الشّمس حتّى خرج . وفي مغني اللّبيب والقاموس وشرحه ما يفيد أنّ اللّام تستعمل للقسم والتّعجّب معاً ، وتختصّ بلفظ الجلالة . هذا ما قاله الحنفيّة ونحوه بقيّة المذاهب . حذف حرف القسم : 25 - إن لم يذكر الحالف شيئاً من أحرف القسم ، بل قال : اللّه لأفعلنّ كذا مثلاً ، كان يميناً بغير حاجةٍ إلى النّيّة سواء أكسر الهاء على سبيل الجرّ بالحرف المحذوف ، أم فتحها على سبيل نزع الخافض ، أم ضمّها على سبيل الرّفع بالابتداء ، ويكون الخبر محذوفاً وتقديره : قسمي أو أقسم به ، أم سكّنها إجراءً للوصل مجرى الوقف . وبقاء الجرّ عند حذف الحرف خاصّ بلفظ الجلالة ، فلا يجوز في العربيّة أن يقال : الرّحمن لأفعلنّ كذا بكسر النّون . كذا قيل . لكن الرّاجح أنّه يجوز وإن كان قليلاً ، وأيّاً ما كان فاللّحن لا يمنع انعقاد اليمين . هذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة . وقال الشّافعيّة : لو قال : اللّه ، بحذف حرف القسم . لم يكن يميناً إلاّ بالنّيّة ، سواء جرّ الاسم أم نصبه أم رفعه أم سكنّه . وقال الحنابلة : يصحّ قسم بغير حروفه ، نحو : اللّه لأفعلنّ ، جرّاً ونصباً . فإن رفع فيمين أيضاً إلاّ إذا كان الرّافع يعرف العربيّة ولم ينو اليمين ، فلا يكون يميناً لأنّه إمّا مبتدأ أو معطوف بخلاف من لا يعرف العربيّة ، فلو رفع كان يميناً لأنّ اللّحن لا يضرّ . ج - اللّفظ الدّالّ على المقسم به : 26 - اللّفظ الدّالّ على المقسم به : هو ما دخل عليه حرف القسم ، بشرط أن يكون اسماً للّه تعالى أو صفةً له . والمقصود بالاسم : ما دلّ على الذّات المتّصفة بجميع صفات الكمال ، وهو لفظ الجلالة ( اللّه ) وكذلك ترجمته بجميع اللّغات ، أو على الذّات المتّصفة بصفةٍ من صفاته تعالى ، سواء أكان مختصّاً به كالرّحمن ، وربّ العالمين ، وخالق السّموات والأرض ، والأوّل بلا بدايةٍ ، والآخر بلا نهايةٍ ، والّذي نفسي بيده ، والّذي بعث الأنبياء بالحقّ ، ومالك يوم الدّين . أم كان مشتركاً بينه وبين غيره كالرّحيم والعظيم والقادر والرّبّ والمولى والرّازق والخالق والقويّ والسّيّد ، فهذه الأسماء قد تطلق على غيره تعالى ، قال تعالى في وصف الرّسول صلى الله عليه وسلم { بالمؤمنين رَءوفٌ رحيمٌ } وقال عزّ وجلّ في حكاية ما قاله الهدهد لسليمان عليه السلام وصفاً لملكة سبأٍ { ولها عرْشٌ عظيم } . وقال سبحانه في وصف أهل الحديقة الّذين عزموا على البخل بثمرها { وَغَدَوْا على حَرْدٍ قادرين } ومعنى الحرد : المنع ، والمراد منع المساكين ، وقال تعالى حكايةً عن قول يوسف عليه السلام لأحد صاحبيه في السّجن : { اذكرني عند ربّك } وقال عزّ وجلّ مخاطباً لزوجين من أزواج الرّسول صلى الله عليه وسلم { وإنْ تَظَاهرا عليه فإنّ اللّهَ هو مولاه وجبريلُ وصالحُ المؤمنين } وقال جلّ شأنه مخاطباً لمن يقسمون الميراث { وإذا حَضَر القِسْمة أولو القربى واليتامى والمساكينُ فارزقوهم منه } وقال سبحانه مخاطباً لعيسى عليه السلام { وإذْ تَخْلُقُ من الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيرِ بإِذني } ، وقال تعالى حكايةً عن قول إحدى المرأتين لأبيها عن موسى عليه السلام { إنّ خيرَ من استأجرتَ القويُّ الأمينُ } وقال سبحانه وتعالى : { وأَلْفَيَا سيِّدَها لَدَى الباب } 27 - والمقصود بالصّفة : اللّفظ الدّالّ على معنًى تصحّ نسبته إلى اللّه تعالى ، سواء كان صفة ذاتٍ أم صفة فعلٍ . وصفة الذّات هي : الّتي يتّصف سبحانه وتعالى بها لا بضدّها كوجوده . وصفة الفعل هي : الّتي يتّصف اللّه عزّ وجلّ بها وبضدّها باعتبار ما تتعلّق به ، كرحمته وعذابه . 28 - ولا تنعقد اليمين بكلّ اسمٍ له تعالى أو صفةٍ له على الإطلاق ، بل ذلك مقيّد بشرائط مفصّلةٍ تختلف فيها المذاهب . فالحنفيّة لهم في ذلك أقوال ، أرجحها : أنّ الاسم يجوز الإقسام به ، سواء أكان مختصّاً أم مشتركاً ، وسواء أكان الحلف به متعارفاً أم لا ، وسواء أنوى به اللّه تعالى أم لا . لكن لو نوى بالاسم المشترك غير اللّه لم يكن يميناً ، وإذا كان الاسم غير واردٍ في الكتاب أو السّنّة لم يكن يميناً إلاّ إذا تعورف الحلف به ، أو نوى به اللّه تعالى . وأمّا الصّفة فلا يصحّ الإقسام بها إلاّ إذا كانت مختصّةً بصفته تعالى ، سواء أكان الحلف بها متعارفاً أم لا ، أو كانت مشتركةً بين صفته تعالى وغيرها وتعورف الحلف بها ، وسواء في الصّفة كونها صفة ذاتٍ وكونها صفة فعلٍ . وقال المالكيّة : تنعقد اليمين باسم اللّه تعالى وصفته الذّاتيّة المختصّة . وأمّا المشتركة فإنّ اليمين تنعقد بها ما لم يرد بها غير صفته تعالى . وأمّا صفة الفعل ففي الانعقاد بها خلاف . وقال الشّافعيّة والحنابلة : تنعقد اليمين باسم اللّه تعالى المختصّ به إن أراد اللّه تعالى أو أطلق ، فإن أراد غيره لم يقبل ظاهراً ولا باطناً عندهم . وتنعقد أيضاً باسمه الّذي يغلب إطلاقه عليه ، ولا يطلق على غيره إلاّ مقيّداً كالرّبّ ، وهذا إن أراد اللّه تعالى أو أطلق ، فإن أراد غيره قبل ظاهراً وباطناً عندهم جميعاً . وتنعقد أيضاً بالاسم المشترك الّذي لا يغلب إطلاقه على اللّه تعالى كالحيّ والسّميع ، وكذا باللّفظ الّذي يشمله وإن لم يكن اسماً له تعالى كالشّيء ، لكن يشترط في انعقادها بهذا النّوع أن يريد الحالف اللّه تعالى ، فإن أراد غيره أو أطلق لم تنعقد يمينه . ولم يفصّل الحنابلة في ذلك ، بل قالوا : إنّ الصّفة المضافة تنعقد اليمين بها ، أمّا غير المضافة - كأن يقال : والعزّة - فلا تنعقد بها إلاّ بإرادة صفته تعالى . 29 - وأمّا الاسم الّذي لا يعدّ من أسمائه ، ولا يصحّ إطلاقه عليه فلا تنعقد به اليمين ، ولو أريد به اللّه تعالى ، ومثّل له الشّافعيّة بقول بعض العوّام ( والجناب الرّفيع ) فالجناب للإنسان فناء داره ، وهو مستحيل في حقّ اللّه تعالى ، والنّيّة لا تؤثّر مع الاستحالة . أمّا صفة الفعل ، فقد صرّح الشّافعيّة بعدم انعقاد اليمين بها ، وسكت الحنابلة عنها ، وأطلقوا انعقاد اليمين بصفته تعالى المضافة إليه ، وظاهر ذلك أنّها تنعقد عندهم بصفته الفعليّة . الحلف بالقرآن والحقّ أ - الحلف بالقرآن أو المصحف : 30 - المعتمد في مذهب الحنفيّة : أنّ الحلف بالقرآن يمين ، لأنّ القرآن كلام اللّه تعالى الّذي هو صفته الذّاتيّة ، وقد تعارف النّاس الحلف به ، والأيمان تبنى على العرف . أمّا الحلف بالمصحف ، فإن قال الحالف : أقسم بما في هذا المصحف فإنّه يكون يميناً . أمّا لو قال : أقسم بالمصحف ، فإنّه لا يكون يميناً ، لأنّ المصحف ليس صفةً للّه تعالى ، إذ هو الورق والجلد ، فإن أراد ما فيه كان يميناً للعرف . وقال المالكيّة : ينعقد القسم بالقرآن وبالمصحف ، وبسورة البقرة أو غيرها ، وبآية الكرسيّ أو غيرها ، وبالتّوراة وبالإنجيل وبالزّبور ، لأنّ كلّ ذلك يرجع إلى كلامه تعالى الّذي هو صفة ذاتيّة ، لكن لو أراد بالمصحف النّقوش والورق لم يكن يميناً . وقال الشّافعيّة : تنعقد اليمين بكتاب اللّه والتّوراة والإنجيل ما لم يرد الألفاظ ، وبالقرآن وبالمصحف ما لم يرد به ورقه وجلده ، لأنّه عند الإطلاق لا ينصرف عرفاً إلاّ لما فيه من القرآن . وقال الحنابلة : الحلف بكلام اللّه تعالى والمصحف والقرآن والتّوراة والإنجيل والزّبور يمين ، وكذا الحلف بسورةٍ أو آيةٍ . ب - الحلف بالحقّ ، أو حقّ اللّه : 31 - لا شكّ أنّ الحقّ من أسمائه تعالى الواردة في الكتاب الكريم والسّنّة المطهّرة ، غير أنّه ليس من الأسماء المختصّة به ، وقد مثّل به الشّافعيّة للأسماء الّتي تنصرف عند الإطلاق إلى اللّه تعالى ، ولا تنصرف إلى غيره إلاّ بالتّقييد ، فعلى هذا من قال : والحقّ لأفعلنّ كذا ، إن أراد اللّه تعالى أو أطلق كان يميناً بلا خلافٍ ، وإن أراد العدل أو أراد شيئاً ما من الحقوق الّتي تكون للإنسان على الإنسان قُبِلَ منه ذلك ظاهراً وباطناً . 32 - وأمّا ( حقّ ) المضاف إلى اللّه تعالى ، أو إلى اسمٍ أو صفةٍ من الأسماء والصّفات الّتي تنعقد اليمين بها ففيه خلاف . فالحنفيّة نقلوا عن أبي حنيفة ومحمّدٍ وإحدى الرّوايتين عن أبي يوسف أنّ من قال : ( وحقّ اللّه ) يكن يميناً . ووجّهه صاحب البدائع بأنّ حقّه تعالى هو الطّاعات والعبادات ، فليس اسماً ولا صفةً للّه عزّ وجلّ . وعن أبي يوسف في روايةٍ أخرى أنّه يمين ، لأنّ الحقّ من صفاته تعالى ، وهو حقيقة ، فكأنّ الحالف قال : واللّه الحقّ ، والحلف به متعارف . واختار صاحب الاختيار هذه الرّواية ، وتبعه ابن نجيمٍ في البحر الرّائق . وقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : ينعقد القسم بحقّ اللّه ، ومرجعه إلى العظمة والألوهيّة ، فإن قصد الحالف به الحقّ الّذي على العباد من التّكاليف والعبادة فليس بيمينٍ . حذف المقسم به 33 - إذا لم يذكر الحالف المقسم به بل قال : أقسم ، أو أحلف ، أو أشهد ، أو أعزم لأفعلنّ كذا ، أو آليت لا أفعل كذا كان يميناً عند أبي حنيفة وصاحبيه . وقال المالكيّة : لو حذف الحالف قوله ( باللّه ) بعد قوله أحلف أو أقسم أو أشهد كان يميناً إن نواه - أي نوى الحلف باللّه - بخلاف ما لو حذفه بعد قوله أعزم فإنّه لا يكون يميناً وإن نواه . والفرق بين هذا الفعل والأفعال الثّلاثة السّابقة ، أنّ العزم معناه الأصليّ القصد والاهتمام ، فلا يكون بمعنى القسم إلاّ إذا ذكر بعده المقسم به ، بأن يقول ( باللّه ) ، مثلاً ، بخلاف الأفعال الثّلاثة السّابقة ، فإنّها موضوعة للقسم فيكفي فيها أن ينوي المقسم به عند حذفه . وقال الشّافعيّة : لو حذف المتكلّم المحلوف به لم تكن الصّيغة يميناً ولو نوى اليمين باللّه ، سواء ذكر فعل القسم أم حذفه . وقال الحنابلة : لو حذف الحالف قوله ( باللّه ) مثلاً بعد نطقه بالفعل أو الاسم الدّالّ على القسم ، نحو : قسماً ، لم تكن الصّيغة يميناً ، إلاّ إذا نوى الحلف باللّه . اللّفظ الدّالّ على المقسم عليه 34 - اللّفظ الدّالّ على المقسم عليه هو الجملة الّتي يريد الحالف تحقيق مضمونها من إثباتٍ أو نفيٍ ، وتسمّى جواب القسم . ويجب في العربيّة تأكيد الإثبات باللّام مع نون التّوكيد إن كان الفعل مضارعاً ، وباللّام مع قد إن كان ماضياً . يقال : واللّه لأفعلنّ كذا ، أو لقد فعلت كذا . وأمّا النّفي فلا يؤكّد فيه الفعل ، بل يقال : واللّه لا أفعل كذا ، أو ما فعلت كذا . فإذا ورد فعل مضارع مثبت ليس فيه لام ولا نون توكيدٍ اعتبر منفيّاً بحرفٍ محذوفٍ ، كما في قوله تعالى : { تاللّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يوسفَ } أي : لا تفتأ . وعلى هذا لو قال إنسان : واللّه أكلّم فلاناً اليوم ، كان حالفاً على نفي تكليمه ، فيحنث إذا كلّمه ، لأنّ الفعل لمّا لم يكن فيه لام ولا نون توكيدٍ قدّرت قبله ( لا ) النّافية . هذا إذا لم يتعارف النّاس خلافه ، فإن تعارفوا أنّ مثل ذلك يكون إثباتاً ، كان حالفاً على الإثبات وإن كان خطأً في اللّغة العربيّة . هكذا يؤخذ من كتب الحنفيّة والحنابلة ، ولا نظنّ أنّه محلّ خلافٍ ، فإنّه من الوضوح بمكانٍ . الصّيغ الخالية من أداة القسم والمقسم به 35 - قد يأتي الحالف بصيغٍ خاليةٍ من أداة القسم ومن اسم اللّه تعالى وصفته ، أو خاليةٍ من الأداة وحدها ، وتعتبر عند بعض الفقهاء أيماناً كاليمين باللّه تعالى . أ - لَعَمْرُ اللّه : 36 - إذا قيل : لعمر اللّه لأفعلنّ كذا ، كان هذا قسماً مكوّناً من مبتدأٍ مذكورٍ وخبرٍ مقدّرٍ ، والتّقدير : لعمر اللّه قسمي ، أو يميني ، أو أحلف به . وهي في قوّة قولك : وعمر اللّه ، أي بقائه ، هذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . وقال الشّافعيّة : إنّ هذه الصّيغة كناية ، لأنّ العمر يطلق على الحياة والبقاء ، ويطلق أيضاً على الدّين وهو العبادات ، فيحتمل أن يكون معناه : وحياة اللّه وبقائه ، أو دينه ، فيكون يميناً على الاحتمالين الأوّلين دون الثّالث ، فلا بدّ من النّيّة . ب - وأَيْمُن اللّه : 37 - جاء هذا الاسم في كتب الحنفيّة والمالكيّة وغيرهم مسبوقاً بالواو ، وظاهره أنّ الواو للقسم ، ويكون إقساماً ببركته تعالى أو قوّته ، وجاء في كتب الحنابلة مسبوقاً بالواو أيضاً مع تصريح بعضهم بأنّ نونه مضمومة وأنّه مبتدأ . ومعلوم أنّ الجملة قسم فقط ، فلا يترتّب عليها حكم إلاّ إذا جيء بعدها بجملة الجواب ، مثل لأفعلنّ كذا . ج - عليَّ نذر ، أو نذر للّه : 38 - قال الحنفيّة : إذا قال قائل : عليّ نذر ، أو نذر اللّه لأفعلنّ كذا ، أو لا أفعل كذا ، كان ذلك يميناً ، فإذا لم يوفّ بما ذكره كان عليه كفّارة يمينٍ . ولو قال : عليّ نذر ، أو نذر للّه ، ولم يزد على ذلك ، فإن نوى بالنّذر قربةً من حجٍّ أو عمرةٍ أو غيرهما لزمته ، وإن لم ينو شيئاً كان نذراً لكفّارة اليمين ، كأنّه قال : عليّ نذر للّه أن أؤدّي كفّارة يمينٍ ، فيكون حكمه حكم اليمين الّتي حنث فيها صاحبها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « النّذر يمين ، وكفّارته كفّارة اليمين » هذا مذهب الحنفيّة . وقال المالكيّة : تلزم كفّارة في النّذر المبهم . وله أربع صورٍ : الأولى : عليّ نذر ، الثّانية : للّه عليّ نذر ، الثّالثة : إن فعلت كذا أو إن شفى اللّه مريضي فعليّ نذر ، الرّابعة : إن فعلت كذا أو إن شفى اللّه مريضي فللّه عليّ نذر ، ففي الصّورتين الأوليين تلزم الكفّارة بمجرّد النّطق ، وفي الصّورتين الأخريين تلزم الكفّارة بحصول المعلّق عليه سواء أكان القصد الامتناع أم الشّكر . وقال الشّافعيّة : من قال : عليّ نذر ، أو إن شفى اللّه مريضي فعليّ نذر ، لزمته قربة غير معيّنةٍ ، وله أن يختار ما شاء من القرب ، كتسبيحٍ وتكبيرٍ وصلاةٍ وصومٍ . ومن قال : إن كلّمت زيداً فعليّ نذر أو فللّه عليّ نذر ، يخيّر بين القربة وبين كفّارة يمينٍ ، فإن اختار القربة فله اختيار ما شاء من القرب ، وإن اختار كفّارة اليمين كفّر بما يجب في اليمين الّتي حنث صاحبها فيها . ومن قال : إن كلّمت زيداً فعليّ كفّارة نذرٍ ، كان عليه عند الحنث كفّارة يمينٍ ، والصّيغة في جميع هذه الأمثلة صيغة نذرٍ وليست صيغة يمينٍ ، إلاّ الصّيغة الّتي فيها ( إن كلّمت زيداً ... إلخ ) فيجوز تسميتها يميناً ، لأنّها من نذر اللّجاج والغضب . وقال الحنابلة : من قال : عليّ نذر إن فعلت كذا ، وفعله ، فعليه كفّارة يمينٍ في الأرجح ، وقيل : لا كفّارة عليه ، وقيل : إن نوى اليمين فعليه الكفّارة وإلاّ فلا ، ولو قال : للّه عليّ نذر ولم يعلّقه بشيءٍ ، فعليه كفّارة يمينٍ أيضاً في الأرجح . د - عليّ يمين ، أو يمين اللّه : 39 - قال الحنفيّة : إذا قال : عليّ يمين ، أو يمين اللّه لأفعلنّ كذا ، أو لا أفعل كذا ، فهاتان الصّيغتان من الأيمان عند أبي حنيفة والصّاحبين ، وقال زفر : لو قال : عليّ يمين ولم يضفه للّه تعالى ، لم يكن يميناً عند الإطلاق . ووجهه : أنّ اليمين يحتمل أن يكون بغير اللّه ، فلا تعتبر الصّيغة يميناً باللّه إلاّ بالنّيّة . ويستدلّ لأبي حنيفة والصّاحبين بأنّ إطلاق اليمين ينصرف إلى اليمين باللّه تعالى ، إذ هي الجائزة شرعاً ، هذا إذا ذكر المحلوف عليه . فإن لم يذكر ، بل قال الحالف : عليّ يمين ، أو يمين اللّه ، ولم يزد على ذلك ، وأراد إنشاء الالتزام لا الإخبار بالتزامٍ سابقٍ ، فعليه كفّارة يمينٍ ، لأنّ هذه الصّيغة تعتبر من صيغ النّذر ، وقد سبق أنّ النّذر المطلق الّذي لم يذكر فيه المنذور يعتبر نذراً للكفّارة ، فيكون حكمه حكم اليمين . وقال المالكيّة : إنّ التزام اليمين له أربع صيغٍ كالنّذر المبهم ، وأمثلتها : عليّ يمين ، وللّه عليّ يمين ، وإن شفى اللّه مريضي أو كلّمت زيداً فعليّ يمين ، إن شفى اللّه مريضي أو إن كلّمت زيداً فللّه عليّ يمين . ولا يخفى أنّ المقصود موجب اليمين ، فالكلام على حذف مضافٍ كما يقول الحنفيّة . وقال الشّافعيّة : إنّ قول القائل : عليّ يمين ، لا يعتبر يميناً سواء أكان مطلقاً أو معلّقاً ، لأنّه التزام لليمين أي الحلف ، وليس ذلك قربةً كالصّلاة والصّيام فهو لغو . وقال الحنابلة : من قال : عليّ يمين إن فعلت كذا ، ففيه ثلاثة أقوالٍ : أحدها : أنّه لغو ، كما يقول الشّافعيّة . والثّاني : أنّه كناية فلا يكون يميناً إلاّ بالنّيّة . والثّالث : وهو الأرجح : أنّه يمين بغير حاجةٍ إلى النّيّة . هـ – عليَّ عهد اللّه ، أو ميثاقه ، أو ذمّته : 40 - قال الحنفيّة : إذا قيل : عليّ عهد اللّه أو ذمّة اللّه أو ميثاق اللّه لا أفعل كذا مثلاً ، فهذه الصّيغ من الأيمان ، لأنّ اليمين باللّه تعالى هي عهد اللّه على تحقيق الشّيء أو نفيه ، قال تعالى : { وأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّه إذا عَاهَدْتم ولا تَنْقُضُوا الأَيمانَ بعدَ تَوْكِيدِها } فجعل العهد يميناً ، والذّمّة هي العهد ، ومن ذلك تسمية الّذين تؤخذ منهم الجزية من الكفّار : بأهل الذّمّة ، أي أهل العهد ، والعهد والميثاق من الأسماء المترادفة ، وإذن فالكلام على حذف مضافٍ ، والتّقدير : عليّ موجب عهد اللّه وميثاقه وذمّته . فإن لم يذكر اسم اللّه تعالى ، أو لم يذكر المحلوف عليه فالحكم كما سبق في " عليّ يمين » . وقال المالكيّة والحنابلة : من صيغ اليمين الصّريحة : عليّ عهد اللّه لا أفعل ، أو لأفعلنّ كذا مثلاً فتجب بالحنث كفّارة إذا نوى اليمين ، أو أطلق ، فإن لم ينو اليمين بل أريد بالعهد التّكاليف الّتي عهد بها اللّه تعالى إلى العباد لم تكن يميناً . وزاد المالكيّة : أنّ قول القائل : أعاهد اللّه ، ليس بيمينٍ على الأصحّ ، لأنّ المعاهدة من صفات الإنسان لا من صفات اللّه ، وكذا قوله : لك عليّ عهد ، أو أعطيك عهداً . وقال الشّافعيّة : من كنايات اليمين : عليّ عهد اللّه أو ميثاقه أو ذمّته أو أمانته أو كفالته لأفعلنّ كذا أو لا أفعل كذا ، فلا تكون يميناً إلاّ بالنّيّة ، لأنّها تحتمل غير اليمين احتمالاً ظاهراً. و - عليَّ كفّارة يمينٍ : 41 - قال الحنفيّة : إنّ القائل : عليّ يمين ، مقصوده : عليّ موجب يمينٍ وهو الكفّارة . فلو قال : عليّ كفّارة يمينٍ ، يكون حكمه حكم من قال : عليّ يمين ، وقد سبق ( ر : ف 39 ) . وقال المالكيّة : قول القائل : عليّ كفّارة ، كقوله : عليّ نذر ، وله صيغ أربع كصيغ النّذر . ويؤخذ من هذا أنّ من قال : عليّ كفّارة يمينٍ ، حكمه هو هذا الحكم بعينه ( ر : ف 39 ) . وقال الشّافعيّة : من قال : عليّ كفّارة يمينٍ فعليه الكفّارة من حين النّطق عند عدم التّعليق ، فإن علّق بالشّفاء ونحوه ممّا يحبّه ، أو بتكليم زيدٍ ونحوه ممّا يكرهه ، فعليه كفّارة اليمين بحصول المعلّق عليه . وقال الحنابلة : من قال : عليّ يمين إن فعلت كذا ، ثمّ فعله فعليه كفّارة يمينٍ على الرّاجح كما سبق . ويؤخذ من ذلك أنّ من قال : عليّ كفّارة يمينٍ إن فعلت كذا ، ثمّ فعله ، وجبت عليه كفّارة اليمين على الأرجح عندهم . ز - عليَّ كفّارة نذرٍ : 42 - سبق حكم القائل : عليّ نذر . ويؤخذ منه أنّ من قال : عليّ كفّارة نذرٍ تجب عليه كفّارة يمينٍ عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وقد صرّح الشّافعيّة بمقتضى ذلك ، فقالوا : من قال : عليّ كفّارة نذرٍ ، وجبت عليه كفّارة يمينٍ منجّزة في الصّيغة المنجّزة ، ومعلّقة في الصّيغة المعلّقة . ح - عليَّ كفّارة : 43 - سبق أنّ المالكيّة يوجبون كفّارة يمينٍ على من قال : عليّ كفّارة من غير أن يضيف الكفّارة إلى اليمين أو النّذر أو غيرهما . ولم نجد في المذاهب الأخرى حكم هذه الصّيغة عند الإطلاق ، ولا شكّ أنّ حكمها عند النّيّة هو وجوب ما نوى ممّا يصدق عليه اسم الكفّارة . ط - تحريم العين أو الفعل : 44 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ تحريم الإنسان العين أو الفعل على نفسه يقوم مقام الحلف باللّه تعالى ، وذلك كأن يقول : هذا الثّوب عليّ حرام ، أو لبسي لهذا الثّوب عليّ حرام ، سواء أكانت العين الّتي نسب التّحريم إليها أو إلى الفعل المضاف لها مملوكة له أم لا ، كأن قال متحدّثاً عن طعام غيره : هذا الطّعام عليّ حرام ، أو أكل هذا الطّعام عليّ حرام ، وسواء أكانت العين المذكورة من المباحات أم لا ، كأن قال : هذه الخمر عليّ حرام ، أو شرب هذه الخمر عليّ حرام . فكلّ صيغةٍ من هذه الصّيغ تعتبر يميناً ، لكن إذا كانت العين محرّمةً من قبل ، أو مملوكةً لغيره لم تكن الصّيغة يميناً إلاّ بالنّيّة ، بأن ينوي إنشاء التّحريم . فإن نوى الإخبار بأنّ الخمر حرام عليه شرعاً ، أو بأنّ ثوب فلانٍ حرم عليه شرعاً ، لم تكن الصّيغة يميناً ، وكذا إن أطلق ، لأنّ المتبادر من العبارة هو الإخبار . ثمّ إنّ تحريم العين لا معنى له إلاّ تحريم الفعل المقصود منها ، كما في تحريم الشّرع لها في نحو قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عليكم أُمّهاتُكم } وقوله { حُرِّمَتْ عليكم الميتةُ والدّمُ ولحمُ الخِنزير } . وقوله صلى الله عليه وسلم : « كلّ مسكرٍ حرام » فتحريم الأمّهات ونحوهنّ ينصرف إلى الزّواج . وتحريم الميتة ونحوها والمسكر ينصرف كلّه إلى التّناول بأكلٍ أو شربٍ . 45 - وفيما يلي أمثلة لصيغ التّحريم الّتي تعتبر أيماناً ، مع بيان ما يقع به حنث في كلٍّ منها : - 1 - لو قال : هذا الطّعام أو المال أو الثّوب أو الدّار عليّ حرام ، حنث بأكل الطّعام ، وإنفاق المال ، ولبس الثّوب ، وسكنى الدّار ، وعليه الكفّارة ، ولا يحنث بهبة شيءٍ من ذلك ، ولا بالتّصدّق به . - 2 - لو قالت امرأة لزوجها : أنت عليّ حرام ، أو حرّمتك على نفسي ، حنثت بمطاوعته في الجماع ، وحنثت أيضاً بإكراهه إيّاها عليه بناءً على أنّ الحنث لا يشترط فيه الاختيار . - 3 - لو قال لقومٍ : كلامكم عليّ حرام ، حنث بتكليمه لواحدٍ منهم ، ولا يتوقّف الحنث على تكليم جميعهم ، ومثل ذلك ما لو قال : كلام ، الفقراء ، أو كلام أهل هذه القرية ، أو أكل هذا الرّغيف عليّ حرام ، فإنّه يحنث بكلام واحدٍ ، وأكل لقمةٍ ، بخلاف ما لو قال : واللّه لا أكلّمكم ، أو لا أكلّم الفقراء ، أو أهل هذه القرية ، أو لا آكل هذا الرّغيف ، فإنّه لا يحنث إلاّ بتكليم الجميع وأكل جميع الرّغيف . - 4 - لو قال : هذه الدّنانير عليّ حرام حنث إن اشترى بها شيئاً ، لأنّ العرف يقتضي تحريم الاستمتاع بها لنفسه ، بأن يشتري ما يأكله أو يلبسه مثلاً ، ولا يحنث بهبتها ولا بالتّصدّق بها . واستظهر ابن عابدين : أنّه لا يحنث لو قضى بها دينه ، ثمّ قال : فتأمّل . - 5 - لو قال : كلّ حلٍّ عليّ حرام ، أو حلال اللّه أو حلال المسلمين عليّ حرام ، كان يميناً على ترك الطّعام والشّراب إلاّ أن ينوي غير ذلك ، وهذا استحسان . وقال المالكيّة : تحريم الحلال في غير الزّوجة لغو لا يقتضي شيئاً ، إلاّ إذا حرّم الأمة ناوياً عتقها ، فإنّها تعتق ، فمن قال : الخادم أو اللّحم أو القمح عليّ حرام إن فعلت كذا ، ففعله ، فلا شيء عليه ، ومن قال : إن فعلت كذا فزوجتي عليّ حرام ، أو فعليّ الحرام ، يلزمه بتّ طلاق المدخول بها - ثلاثاً - ما لم ينو أقلّ من الثّلاث فيلزمه ما نوى ، أمّا غير المدخول بها فيلزمه طلقة واحدة ما لم ينو أكثر . هذا هو مشهور المذهب ، وقيل : يلزمه في المدخول بها واحدة بائنة كغير المدخول بها ما لم ينو أكثر ، وقيل : يلزمه في غير المدخول بها ثلاث كالمدخول بها ما لم ينو أقلّ . ولو قال : كلّ حلالٍ عليّ حرام ، فإن استثنى الزّوجة لم يلزمه شيء ، وإلاّ لزمه فيها ما ذكر . وقال الشّافعيّة : لو قال إنسان لزوجته : أنت عليّ حرام ، أو حرّمتك ، ونوى طلاقاً واحداً أو متعدّداً أو ظهاراً وقع ، ولو نوى تحريم عينها أو وطئها أو فرجها أو رأسها أو لم ينو شيئاً أصلاً - وأطلق ذلك ، أو أقّته كره ، ولم تحرم الزّوجة عليه ، ولزمه كفّارة يمينٍ ، وليس ذلك يميناً ، لأنّه ليس إقساماً باللّه تعالى ولا تعليقاً للطّلاق أو نحوه . ويشترط في لزوم الكفّارة ألاّ تكون زوجته محرّمةً بحجٍّ أو عمرةٍ ، وألاّ تكون معتدّةً من وطء شبهةٍ ، فإن كانت كذلك لم تجب الكفّارة على المعتمد . ولو حرم غير الزّوجة كالثّوب والطّعام والصّديق والأخ لم تلزمه كفّارة . وقال الحنابلة : من حرّم حلالاً سوى الزّوجة لم يحرم عليه شرعاً ، ثمّ إذا فعله ففي وجوب الكفّارة قولان ، أرجحهما : الوجوب ، ويستوي في التّحريم تنجيزه وتعليقه بشرطٍ ، ومثال المنجّز : ما أحلّ اللّه عليّ حرام ، ولا زوجة لي ، وكسبي عليّ حرام ، وهذا الطّعام عليّ كالميتة أو كالدّم أو كلحم الخنزير . ومثال المعلّق : إن أكلت من هذا الطّعام فهو عليّ حرام . وإنّما لم يحرم عليه ما حرّمه على نفسه لأنّ اللّه عزّ وجلّ سمّى التّحريم يميناً حيث قال : { يا أيّها النّبيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لكَ تَبْتَغي مرضاةَ أزْواجِكَ واللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قد فَرَضَ اللّهُ لكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكم } . واليمين لا تحرّم الحلال ، وإنّما توجب الكفّارة بالحنث ، وهذه الآية أيضاً دليل على وجوب الكفّارة . وأمّا تحريم الزّوجة فهو ظهار ، سواء أنوى به الظّهار أو الطّلاق أو اليمين أم لم ينو شيئاً على الرّاجح . ولو قال : ما أحلّ اللّه عليّ من أهلٍ ومالٍ فهو حرام - وكان له زوجة - كان ذلك ظهاراً وتحريماً للمال ، وتجزئه كفّارة الظّهار عنهما . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية