الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41064" data-attributes="member: 329"><p>قيام التّصديق بكلمة نعم مقام اليمين</p><p> 46 - الصّحيح من مذهب الحنفيّة أنّ من عرض عليه اليمين فقال : نعم كان حالفاً ، ولو قال رجل لآخر عليك : عهد اللّه إن فعلت كذا فقال : نعم . فالحالف المجيب ، ولا يمين على المبتدئ ولو نواه ، لأنّ قوله : عليك صريح في التزام اليمين على المخاطب ، فلا يمكن أن يكون يميناً على المبتدئ ، بخلاف ما إذا قال : واللّه لتفعلنّ ، وقال الآخر : نعم ، فإنّه إذا نوى المبتدئ التّحليف والمجيب الحلف ، كان الحالف هو المجيب وحده ، وإذا نوى كلّ منهما الحلف يصير كلّ منها حالفاً . </p><p>وقال الشّافعيّة : لو قيل لرجلٍ : طلّقت زوجتك ، أو أطلّقت زوجتك ؟ استخباراً – فقال : نعم ، كان إقراراً ، وإن كان الالتماس الإنشاء كان تطليقاً صريحاً ، وإن جهل الحال حمل على الاستخبار . هذا ما قالوه في الطّلاق ، ويقاس عليه ما لو قال إنسان لآخر : حلفت ، أو أحلفت باللّه لا تكلّم زيداً ؟ فقال : نعم . ففي ذلك تفصيل : فإن كان للاستخبار كان إقراراً محتملاً للصّدق والكذب ، فيحنث بالتّكليم إن كان صادقاً ، ولا يحنث به إن كان كاذباً . </p><p>وإن كان الالتماس الإنشاء كان حلفاً صريحاً . وإن جهل حال السّؤال حمل على الاستخبار ، فيكون الجواب إقراراً واللّه أعلم ، ولم يعثر للمذاهب الأخرى على نصٍّ في هذا .</p><p>الحلف بغير اللّه تعالى بحرف القسم وما يقوم مقامه :</p><p>47 - علم ممّا تقدّم أنّ صيغة اليمين بحرف القسم وما يقوم مقامه تنحصر شرعاً في اليمين باللّه تعالى . فالحلف بغيره بحرف القسم وما يقوم مقامه لا يعتبر يميناً شرعيّةً ، ولا يجب بالحنث فيه كفّارة . </p><p>ومن أمثلته : أن يحلف الإنسان بأبيه أو بابنه أو بالأنبياء أو بالملائكة عليهم السلام أو بالعبادات : كالصّوم والصّلاة ، أو بالكعبة أو بالحرم أو بزمزم أو بالقبر والمنبر أو غير ذلك من المخلوقات . سواء أتى الحالف بهذه الألفاظ عقب حرف القسم أم أضاف إليها كلمة : " حقٍّ " أو " حرمةٍ " أو " حياةٍ " أو نحو ذلك . وسواء أكان الحلف بحرفٍ من حروف القسم أم بصيغةٍ ملحقةٍ بما فيه هذه الحروف ، مثل لعمرك ولعمري وعمرك اللّه وعليّ عهد رسول اللّه لأفعلنّ كذا .</p><p>48 - وقد ورد النّهي عنه في عدّة أحاديث </p><p> منها : قوله صلى الله عليه وسلم : « من كان حالفاً فلا يحلف إلاّ باللّه » . </p><p> ومنها : قوله عليه الصلاة والسلام : « من حلف بغير اللّه فقد أشرك » . وفي روايةٍ « فقد كفر » ، ومنها : قوله صلوات الله وسلامه عليه « من حلف بالأمانة فليس منّا » . </p><p> ومنها : ما أخرجه النّسائيّ عن سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه قال : « حلفت باللّاتي والعزّى ، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : قل لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كلّ شيءٍ قدير ، وانفث عن شمالك ثلاثاً ، وتعوّذ باللّه من الشّيطان الرّجيم ، ثمّ لا تعدّ » . وفي روايةٍ أخرى رواها النّسائيّ عنه أيضاً قال : « حلفت باللّاتي والعزّى ، فقال لي أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : بئسما قلت ، ائت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فإنّا لا نراك إلاّ قد كفرت ، فلقيته فأخبرته فقال لي : قل لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ثلاث مرّاتٍ ، وتعوّذ باللّه من الشّيطان الرّجيم ثلاث مرّاتٍ ، وانفث عن شمالك ثلاث مرّاتٍ ، ولا تعد له » . </p><p> ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من حلف منكم فقال في حلفه : باللّاتي ، فليقل : لا إله إلاّ اللّه ، ومن قال لصاحبه : تعال أقامرك فليتصدّق » . </p><p>49 - وورد عن الصّحابة رضي الله عنهم استنكار الحلف بغير اللّه تعالى . </p><p>فمن ذلك ما رواه الحجّاج بن المنهال بسنده عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه أنّه قال : لأن أحلف باللّه كاذباً أحبّ إليّ من أن أحلف بغير اللّه صادقاً وما رواه عبد الرّزّاق بسنده عن وبرة قال : قال ابن مسعودٍ أو ابن عمر : « لأن أحلف باللّه كاذباً أحبّ إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً » ، وما رواه عبد الرّزّاق بسنده عن ابن الزّبير رضي الله عنه : أنّ عمر قال له - وقد سمعه يحلف بالكعبة - : لو أعلم أنّك فكّرت فيها قبل أن تحلف لعاقبتك ، احلف باللّه فأثم أو ابرر .</p><p>أثر الحلف بغير اللّه :</p><p>50 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الحلف بغير اللّه تعالى لا تجب بالحنث فيه كفّارة ، إلاّ ما روي عن أكثر الحنابلة من وجوب الكفّارة على من حنث في الحلف برسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، لأنّه أحد شطري الشّهادتين اللّتين يصير بهما الكافر مسلماً ، وعن بعضهم : أنّ الحلف بسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تجب بالحنث فيه الكفّارة أيضاً ، لكن الأشهر في مذهبهم أنّه لا كفّارة بالحنث في الحلف بنبيّنا وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . </p><p>ولا خلاف بين الفقهاء أيضاً في أنّ الحلف بغير اللّه منهيّ عنه ، لكن في مرتبة هذا النّهي اختلاف ، والحنابلة قالوا : إنّه حرام إلاّ الحلف بالأمانة ، فإنّ بعضهم قال بالكراهة ، والحنفيّة قالوا مكروه تحريماً ، والمعتمد عند المالكيّة والشّافعيّة أنّه تنزيهاً . </p><p>وصرّح الشّافعيّة أنّه إن كان بسبق اللّسان من غير قصدٍ فلا كراهة ، وعليه يحمل حديث الصّحيحين في قصّة الأعرابيّ - الّذي قال لا أزيد على هذا ولا أنقص - أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « أفلح وأبيه إن صدق » .</p><p>شرائط القسم :</p><p>يشترط في انعقاد القسم وبقائه شرائط ، وهي ثلاثة أنواعٍ : </p><p> أوّلاً : </p><p>الشّرائط الّتي ترجع إلى الحالف </p><p>يشترط في انعقاد اليمين وبقائها شرائط في الحالف . </p><p>51 - الأولى : البلوغ . والثّانية : العقل . </p><p>وهاتان شريطتان في أصل الانعقاد ، فلا تنعقد يمين الصّبيّ - ولو مميّزاً - ولا المجنون والمعتوه والسّكران - غير المتعدّي بسكره - والنّائم والمغمى عليه ، لأنّها تصرّف إيجابٍ ، وهؤلاء ليسوا من أهل الإيجاب . ولا خلاف في هاتين الشّريطتين إجمالاً . </p><p>وإنّما الخلاف في السّكران المتعدّي بسكره والصّبيّ إذا حنث بعد بلوغه . </p><p>أمّا السّكران المتعدّي ، فالجمهور يرون صحّة يمينه إن كانت صريحةً تغليظاً عليه . </p><p>وأبو ثورٍ والمزنيّ وزفر والطّحاويّ والكرخيّ ومحمّد بن سلمة وغيرهم يرون عدم انعقاد يمينه كالسّكران غير المتعدّي ، وتفصيل ذلك في ( الحجر ) . </p><p>وأمّا الصّبيّ فالجمهور يرون أنّ يمينه لا تنعقد ، وأنّه لو حنث - ولو بعد البلوغ - لم تلزمه كفّارة ، وعن طاوسٍ أنّ يمينه معلّقة ، فإن حنث بعد بلوغه لزمته الكفّارة . </p><p>وحجّة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم : « رفع القلم عن ثلاثةٍ : عن النّائم حتّى يستيقظ ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن الصّبيّ حتّى يبلغ » . </p><p>52 - الشّريطة الثّالثة : الإسلام ، وإلى هذا ذهب الحنفيّة والمالكيّة . </p><p>فلا تنعقد اليمين باللّه تعالى من الكافر ولو ذمّيّاً ، وإذا انعقدت يمين المسلم بطلت بالكفر ، سواء أكان الكفر قبل الحنث أم بعده ، ولا ترجع بالإسلام بعد ذلك . </p><p>وقال الشّافعيّة والحنابلة : لا يشترط الإسلام في انعقاد اليمين ولا بقائها ، فالكافر الملتزم للأحكام - وهو الذّمّيّ والمرتدّ - لو حلف باللّه تعالى على أمرٍ ، ثمّ حنث وهو كافر ، تلزمه الكفّارة عند الشّافعيّة والحنابلة ، لكن إذا عجز عن الكفّارة الماليّة لم يكفر بالصّوم إلاّ إن أسلم . وهذا الحكم إنّما هو في الذّمّيّ ، وأمّا المرتدّ فلا يكفر في حال ردّته ، لا بالمال ولا بالصّوم ، بل ينتظر ، فإذا أسلم كفّر ، لأنّ ماله في حال الرّدّة موقوف ، فلا يمكن من التّصرّف فيه . ومن حلف حال كفره ثمّ أسلم وحنث ، فلا كفّارة عليه عند الحنفيّة والمالكيّة . وعليه الكفّارة عند الشّافعيّة والحنابلة إن كان حين الحلف ملتزماً للأحكام .</p><p>53 - الشّريطة الرّابعة : التّلفّظ باليمين ، فلا يكفي كلام النّفس عند الجمهور خلافاً لبعض المالكيّة . ولا بدّ من إظهار الصّوت بحيث يسمع نفسه إن كان صحيح السّمع ، ولم يكن هناك مانع من السّماع كلغطٍ وسدّ أذنٍ . </p><p>واشتراط الإسماع ولو تقديراً هو رأي الجمهور ، الّذي يرون أنّ قراءة الفاتحة في الصّلاة يشترط في صحّتها ذلك . </p><p>وقال المالكيّة والكرخيّ من الحنفيّة : لا يشترط الإسماع ، وإنّما يشترط أن يأتي بالحروف مع تحريك اللّسان ولو لم يسمعها هو ولا من يضع أذنه بقرب فمه مع اعتدال السّمع وعدم الموانع . هذا وإنّ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة قد صرّحوا بأنّ إشارة الأخرس باليمين تقوم مقام النّطق . </p><p>وقال الشّافعيّة : إنّ الكتابة لو كانت بالصّريح تعتبر كنايةً ، لأنّها تحتمل النّسخ ، وتجربة القلم والمداد وغيرها ، وبأنّ إشارة الأخرس إن اختصّ بفهمها الفطن فهي كناية تحتاج إلى النّيّة ، وإن فهمها كلّ إنسانٍ فهي صريحة .</p><p>الطّواعية والعمد في الحالف :</p><p>54 - لا تشترط عند الحنفيّة الطّواعية - أي الاختيار - في الحالف ، ولا العمد - أي القصد - فتصحّ عندهم يمين المكره والمخطئ ، وهو من أراد غير الحلف فسبق لسانه إلى الحلف ، كأن أراد أن يقول : اسقني الماء ، فقال : واللّه لا أشرب الماء ، لأنّها من التّصرّفات الّتي لا تحتمل الفسخ فلا يؤثّر فيها الإكراه والخطأ ، كالطّلاق والعتاق والنّذر وسائر التّصرّفات الّتي لا تحتمل الفسخ . </p><p>وقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : تشترط الطّواعية والعمد ، فلا تنعقد يمين المكره ولا المخطئ ، غير أنّ الشّافعيّة يقولون في المكره على اليمين : إذا نوى الحلف صحّت يمينه . لأنّ الإكراه لا يلغي اللّفظ ، وإنّما يصير به الصّريح كنايةً ، وهذا الّذي قالوه لا يستبعد أن يكون متّفقاً عليه ، فإنّ إلغاء كلام المكره لا وجه له ، إلاّ أنّه إنّما قصد دفع الأذى عن نفسه ، ولم يقصد استعمال اللّفظ في معناه ، فإذا قصد استعماله في معناه كان هذا أمراً زائداً لا تدعو إليه الضّرورة . </p><p>وقال الشّافعيّة أيضاً : لا يلزم المكره التّورية وإن قدر عليها . </p><p>والتّورية هي : أن يطلق الإنسان لفظاً هو ظاهر في معنًى ويريد به معنًى آخر يتناوله ذلك اللّفظ ، ولكنّه خلاف ظاهره . </p><p>عدم اشتراط الجدّ في الحالف :</p><p>55 - الجدّ - بكسر الجيم - في التّصرّفات القوليّة معناه : أن ينطق الإنسان باللّفظ راضياً بأثره ، سواء أكان مستحضراً لهذا الرّضى أم غافلاً عنه ، فمن نطق باللّفظ الصّريح ناوياً معناه ، أو غافلاً عن هذه النّيّة ، مريداً أثره أو غافلاً عن هذه الإرادة يقال له جادّ ، فإن أراد تجريد اللّفظ عن أثره من غير تأويلٍ ولا إكراهٍ ، فنطق به لعباً أو مزاحاً كان هازلاً ، والهزل لا أثر له في التّصرّفات القوليّة الصّريحة الّتي لا تحتمل الفسخ ، فمن حلف بصيغةٍ صريحةٍ لاعباً أو مازحاً انعقدت يمينه لقوله صلى الله عليه وسلم : « ثلاث جدّهنّ جدّ ، وهزلهنّ جدّ : النّكاح والطّلاق والرّجعة » .</p><p>ويقاس على ما في الحديث سائر التّصرّفات الصّريحة الّتي لا تحتمل الفسخ ، ومنها صيغة اليمين الصّريحة ، وأمّا الكناية فمعلوم أنّه يشترط فيها النّيّة ، ومعلوم أنّ الهازل لا نيّة له . </p><p>قصد المعنى والعلم به :</p><p>56 - صرّح الشّافعيّة بأنّ الألفاظ الصّريحة يشترط فيها : العلم بالمعنى ، والكناية يشترط فيها : قصد المعنى ، ذكروا هذا في الطّلاق وليس خاصّاً به كما هو ظاهر ، فيؤخذ منه أنّه يشترط في اليمين إذا كانت بلفظٍ صريحٍ : أن يعلم المتكلّم بمعناها ، فلو حلف أعجميّ بلفظٍ عربيٍّ صريحٍ كواللّه لأصومنّ غداً ، بناءً على تلقين إنسانٍ له ، من غير أن يعلم معناه لم ينعقد . ولو قال إنسان : أشهد باللّه لأفعلنّ كذا لم ينعقد إلاّ إذا قصد معنى اليمين ، لأنّه كناية عند الشّافعيّة كما سبق . </p><p>واشتراط النّيّة في الكناية لا يختلف فيه أحد . وأمّا العلم بالمعنى فقد صرّح الحنفيّة بعدم اشتراطه في الطّلاق بالنّسبة للقضاء ، ومقتضاه أنّهم يشترطونه في اليمين الصّريحة ديانةً ، لأنّه مصدّق فيما بينه وبين اللّه تعالى .</p><p>أثر التّأويل في اليمين :</p><p>57 - صرّح المالكيّة والشّافعيّة بأنّ التّأويل الّذي تنقطع به جملة اليمين عن جملة المحلوف عليه يقبل ، وعبارة المالكيّة : لو قال أردت بقولي : ( باللّه ) وثقت أو اعتصمت باللّه ، ثمّ ابتدأت قولي : لأفعلنّ ، ولم أقصد اليمين صدّق ديانةً بلا يمينٍ . </p><p>وعبارة الشّافعيّة : إذا قال : واللّه لأفعلنّ كذا ، ثمّ قال : أردت واللّه المستعان ، أو قال : باللّه وقال : أردت وثقت أو استعنت باللّه ، ثمّ استأنفت فقلت : لأفعلنّ كذا من غير قسمٍ يقبل ظاهراً وباطناً . وإذا تأوّل نحو هذا التّأويل في الطّلاق والإيلاء لا يقبل ظاهراً لتعلّق حقّ الغير به . وممّا ينبغي التّنبّه له أنّ التّأويل لا يختصّ بهذه المذاهب ، فالمتصفّح لكتب المذاهب الأخرى يجد تأويلاتٍ مقبولةً عندهم ، ولا شكّ أنّ التّأويل إنّما يقبل إذا لم يكن هناك مستحلف ذو حقٍّ ، وكان التّأويل غير خارجٍ عمّا يحتمله اللّفظ .</p><p> ثانياً : </p><p>الشّرائط الّتي ترجع إلى المحلوف عليه </p><p>يشترط في انعقاد اليمين باللّه وبقائها منعقدةً أربع شرائط ترجع إلى المحلوف عليه ، وهو مضمون الجملة الثّانية الّتي تسمّى جواب القسم .</p><p>58 - الشّريطة الأولى : أن يكون المحلوف عليه أمراً مستقبلاً . </p><p>وهذه شريطة لانعقاد اليمين باللّه تعالى عند الحنفيّة والحنابلة ، خلافاً للشّافعيّة الّذين يقولون بانعقاد اليمين الغموس على ماضٍ وحاضرٍ ، كقوله : واللّه لا أموت ، ومستقبلٍ كقوله : واللّه لأصعدنّ السّماء . وللمالكيّة الّذين يقولون بانعقاد الغموس على حاضرٍ ومستقبلٍ . وممّا ينبغي التّنبّه له أنّ الحنابلة يشترطون الاستقبال في كلّ ما فيه كفّارة ، كالحلف بتعليق الكفر أو القربة أو الظّهار بخلاف الطّلاق والعتاق . </p><p>59 - الشّريطة الثّانية : أن يكون المحلوف عليه متصوّر الوجود حقيقةً عند الحلف - أي ليس مستحيلاً عقلاً - وهذه شريطة لانعقاد اليمين باللّه عند أبي حنيفة ومحمّدٍ وزفر . ووجه اشتراطها : أنّ اليمين إنّما تنعقد لتحقيق البرّ ، فإنّ من أخبر بخبرٍ أو وعد بوعدٍ يؤكّده باليمين لتحقيق الصّدق ، فكان المقصود هو البرّ ، ثمّ تجب الكفّارة ونحوها خلفاً عنه ، فإذا لم يتصوّر الأصل - وهو البرّ - لم يوجد الخلف - وهو الكفّارة - فلا تنعقد اليمين . ولم يشترط أبو يوسف هذه الشّريطة لأنّه لا يلزم من استحالة الأصل عقلاً عدم الخلف . ومفهوم هذه الشّريطة : أنّ المحلوف عليه إذا كان يستحيل وجوده عقلاً عند الحلف ، لم تنعقد اليمين عند أبي حنيفة ومحمّدٍ وزفر . </p><p>لكنّ هذا المفهوم ليس على إطلاقه ، بل فيه تفصيل يعلم من الكلام على المثال الآتي : </p><p>إذا قال إنسان : واللّه لأشربنّ ماء هذا الكوز ، أو قال : واللّه لأشربنّ ماء هذا الكوز اليوم ، وكان الكوز خالياً من الماء عند الحلف ، فالشّرب الّذي هو المحلوف عليه مستحيل وجوده عند الحلف عقلاً ، فلا تنعقد اليمين عند أبي حنيفة ومحمّدٍ وزفر إن كان الحالف عند حلفه لا يعلم خلوّ الكوز من الماء ، وأمّا إن كان يعلم ذلك فاليمين منعقدة عند أبي حنيفة ومحمّدٍ وأبي يوسف وغير منعقدةٍ عند زفر ، وهي رواية عن أبي حنيفة . </p><p>هذا ما أفاده صاحب البدائع . وقال الحنابلة في هذه المسألة : تنعقد وعليه الكفّارة في الحال. 60 - الشّريطة الثّالثة : أن يكون المحلوف عليه متصوّر الوجود حقيقةً بعد الحلف ، إن كانت اليمين مقيّدةً بوقتٍ مخصوصٍ . </p><p>وهذه الشّريطة إنّما تشترط لبقاء اليمين باللّه منعقدةً عند أبي حنيفة ومحمّدٍ وزفر ، فلو لم توجد هذه الشّريطة بطلت اليمين بعد انعقادها ، وخالف أبو يوسف في هذه الشّريطة أيضاً . وتوجيه الاشتراط وعدمه كما في الشّريطة الثّانية ، ومفهوم هذه الشّريطة يتّضح بالمثال الآتي : إذا قال إنسان واللّه لأشربنّ ماء هذا الكوز اليوم أو قال واللّه لأشربنّ ماء هذا الكوز ، ولم يقيّده بوقتٍ ، وكان في الكوز ماء وقت الحلف ، فصبّه الحالف أو صبّه غيره أو انصبّ بنفسه في النّهار . ففي صورة التّقييد باليوم تبطل بعد انعقادها ، لأنّ الشّرب المحلوف عليه صار مستحيلاً بعد الحلف في الوقت الّذي قيّد به ، وفي صورة الإطلاق تبقى منعقدةً ، فيحنث بالصّبّ أو الانصباب ، وتجب عليه الكفّارة . </p><p>61 - الشّريطة الرّابعة : أن يكون المحلوف عليه متصوّر الوجود عادةً عند الحلف - أي ليس مستحيلاً عادةً - وهذه شريطة لانعقاد اليمين باللّه عند زفر ، خلافاً لأبي حنيفة ومحمّدٍ وأبي يوسف . فلو قال واللّه لأصعدنّ السّماء ، أو : واللّه لأمسّنّ السّماء ، أو : واللّه لأحوّلنّ هذا الحجر ذهباً ، لم تنعقد اليمين عند زفر ، سواء أقيّدها بوقتٍ مخصوصٍ كأن قال : اليوم أو غداً ، أو لم يقيّدها ، وقال أبو حنيفة ومحمّد : إنّها تنعقد ، لأنّ المحلوف عليه جائز عقلاً ، وقال أبو يوسف : إنّها تنعقد أيضاً ، لأنّ المحلوف عليه أمر مستقبل . </p><p>وتوجيه قول زفر : أنّ المستحيل عادةً يلحق بالمستحيل حقيقةً ، فإذا لم تنعقد اليمين في الثّاني لم تنعقد في الأوّل . </p><p>وتوجيه قول أبي حنيفة ومحمّدٍ : أنّ الحكم بالانعقاد في هذه الصّورة فيه اعتبار الحقيقة ، والحكم بعدم الانعقاد فيه اعتبار العادة ، ولا شكّ أنّ اعتبار الحقيقة أولى . </p><p>وتوجيه قول أبي يوسف : أنّ الحالف جعل الفعل شرطاً للبرّ ، فيكون عدمه موجباً للحنث ، سواء أكان ذلك الفعل ممكناً عقلاً وعادةً ، كقوله : واللّه لأقرأنّ هذا الكتاب ، أم مستحيلاً عقلاً وعادةً كقوله : واللّه لأشربنّ ماء هذا الكوز ، ولا ماء فيه أم مستحيلاً عادةً لا عقلاً كقوله : واللّه لأحوّلنّ هذا الحجر ذهباً .</p><p>الحلف على فعل غير الحالف :</p><p>62 - المذهب عند الحنابلة أنّ من حلف على غيره وهو غائب : واللّه ليفعلنّ كذا ، أو على حاضرٍ : واللّه لتفعلنّ كذا ، فلم يطعه ، حنث الحالف والكفّارة عليه ، لا على من أحنثه . </p><p>وقد فصّل شيخ الإسلام ابن تيميّة بين الحلف على من يظنّ أنّه يطيعه ، والحلف على من لا يظنّه كذلك . فقال : من حلف على غيره يظنّ أنّه يطيعه فلم يفعل ، فلا كفّارة لأنّه لغو ، بخلاف من حلف على غيره في غير هذه الحالة ، فإنّه إذا لم يطعه حنث الحالف ووجبت الكفّارة عليه .</p><p> ثالثاً : </p><p>شرائط ترجع إلى الصّيغة </p><p>63 - يشترط لانعقاد اليمين باللّه تعالى شريطتان ترجعان إلى صيغتها . </p><p> الأولى : عدم الفصل بين المحلوف به والمحلوف عليه بسكوتٍ ونحوه ، فلو أخذه الوالي وقال : قل : باللّه ، فقال مثله ، ثمّ قال : لآتينّ يوم الجمعة فقال الرّجل مثله ، لا يحنث بعدم إتيانه ، للفصل بانتظار ما يقول ، ولو قال : عليّ عهد اللّه ورسوله لا أفعل كذا ، لا يصحّ ، للفصل بما ليس يميناً ، وهو قوله : وعهد رسوله . </p><p> الثّانية : خلوّها عن الاستثناء ، والمقصود به التّعليق بمشيئة اللّه أو استثناؤها ، أو نحو ذلك ممّا لا يتصوّر معه الحنث ، نحو أن يقول الحالف : إن شاء اللّه تعالى ، أو إلاّ أن يشاء اللّه ، أو ما شاء اللّه ، أو إلاّ أن يبدو لي غير هذا ، إلى غير ذلك من الأمثلة الّتي سيأتي بيانها ، فإن أتى بشيءٍ من ذلك بشرائطه لم تنعقد اليمين .</p><p>صيغة اليمين التّعليقيّة :</p><p>64 - التّعليق في اللّغة : مصدر علّق الشّيء بالشّيء وعليه : أنشبه فيه ووضعه عليه وجعله مستمسكاً . </p><p>وفي الاصطلاح : ربط حصول مضمون جملةٍ بحصول مضمون جملةٍ أخرى ، والجملة الّتي ربط مضمونها هي جملة الجزاء ، والّتي ربط هذا المضمون بمضمونها هي جملة الشّرط . ففي مثل : إن دخلت الدّار فأنت طالق ، ربط المتكلّم حصول مضمون الجزاء - وهو الطّلاق - بحصول مضمون الشّرط - وهو دخولها الدّار - ووقفه عليه ، فلا يقع إلاّ بوقوعه . وليس كلّ تعليقٍ يميناً ، وإنّما اليمين حقيقةً أو مجازاً تعليقات مخصوصة تذكر فيما يأتي .</p><p>أ - أجزاء الصّيغة :</p><p>65 - معلوم أنّه لو قال إنسان : إن فعلت كذا فامرأتي طالق مثلاً ، فهذه صيغة تعليقٍ تحتوي على : أداة شرطٍ ، فجملةٍ شرطيّةٍ ، فجملةٍ جزائيّةٍ .</p><p> والحديث عن هذه الثّلاثة كما يلي : </p><p>أداة الشّرط :</p><p>66 - ذكر أهل النّحو واللّغة أدواتٍ كثيرةً للشّرط منها " إن " - بكسر الهمزة - وقد تزاد بعدها : ما ، كما في قوله تعالى : { فَإمّا نُريَنَّكَ بعضَ الّذي نَعِدُهم أو نَتَوَفَّيَنَّكَ فإلينا يُرْجعون } ومنها " إذا " وقد تزاد بعدها : ما ، ومنها " من " " وما " " ومهما " " وحيثما " " وكيفما " . " ومتى " وقد تزاد بعدها : ما ، وأين وقد تزاد بعدها : ما أيضاً . </p><p>67 - وقد يقوم مقام هذه الأدوات أدوات أخرى وإن لم تعدّ في اللّغة من أدوات التّعليق ، ومنها : كلّ وكلّما وباء الجرّ . </p><p>جملة الشّرط :</p><p>68 - جملة الشّرط هي الّتي تدخل عليها أداة الشّرط ، وهي جملة فعليّة ماضويّة أو مضارعيّة ، وهي للاستقبال في الحالتين ، فإن أراد المتكلّم التّعليق على أمرٍ مضى أدخل على الفعل جملة الكون . وإيضاح ذلك أنّ قول القائل : إن خرجت ، أو : إن تخرجي يفيد التّعليق على خروجٍ في المستقبل . فإذا اختلف الرّجل مع امرأته ، فادّعى أنّها خرجت بالأمس ، فقالت : لم أخرج ، فأراد تعليق طلاقها على هذا الخروج الماضي ، فإنّه يأتي بفعل الكون فيقول : إن كنت خرجت بالأمس فأنت طالق . </p><p>جملة الجزاء :</p><p>69 - هي الجملة الّتي يأتي بها المتكلّم عقب جملة الشّرط ، جاعلاً مضمونها متوقّفاً على مضمون جملة الشّرط ، وقد يأتي الجزاء قبل جملة الشّرط والأداة ، وفي هذه الحالة تكون جزاءً مقدّماً عند بعض النّحاة ، ودليل الجزاء عند بعضهم ، والجزاء عند هؤلاء يكون مقدّراً بعد الشّرط .</p><p>ب - أقسام اليمين التّعليقيّة :</p><p>70 - قسّم صاحب البدائع اليمين إلى يمينٍ باللّه ويمينٍ بغيره . وفي أثناء كلامه على اليمين باللّه ألحق بها تعليق الكفر ، ثمّ قسّم اليمين بغير اللّه إلى ما كانت بحرف القسم كالحلف بالأنبياء وغيرهم ، وما كان بالتّعليق ، وحصر التّعليق في الطّلاق والعتاق والتزام القربة . وبهذا تبيّن أنّ التّعليقات الّتي تعتبر أيماناً عند الحنفيّة محصورة في أربعةٍ ، وهي : تعليق الطّلاق ، وتعليق العتاق ، وتعليق التزام القربة ، وتعليق الكفر ، وإنّما أفرد تعليق الكفر . عن التّعليقات الثّلاثة لمخالفته إيّاها في الحكم ، فإنّ حكمها عند الحنفيّة تحقّق الجزاء ، إن كانت طلاقاً أو عتقاً ، والتّخيير بين الجزاء وكفّارة اليمين إن كان الجزاء التزام قربةٍ ، بخلاف تعليق الكفر ، فليس حكمه تحقّق الجزاء وهو الكفر عند تحقّق الشّرط ، بل حكمه عندهم هو الكفّارة كاليمين باللّه تعالى . وفي مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميّة وإعلام الموقّعين لابن القيّم ما يفيد : أنّ تعليق الظّهار وتعليق الحرام كلاهما يمين . </p><p>وبهذا تكون التّعليقات الّتي تسمّى عند بعض الفقهاء أيماناً منحصرة في هذه السّتّة .</p><p>تعليق الطّلاق :</p><p>71 - قال الحنفيّة : تعليق الطّلاق يعتبر يميناً ، سواء أكان المقصود به الحثّ ، نحو : إن لم تدخلي الدّار فأنت طالق ، أو المنع نحو : إن دخلت الدّار فأنت طالق ، أو تحقيق الخبر نحو : إن لم يكن الأمر كما قلته ففلانة طالق : أو غير ذلك نحو : إذا جاء الغد فأنت طالق . وهذه الصّورة الأخيرة محلّ نزاعٍ بين هؤلاء وبين من يوافقهم في تسمية تعليق الطّلاق يميناً كالمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، فهم لا يسمّونه يميناً ، لأنّه لا يقصد به ما يقصد باليمين من تأكيد الحثّ والمنع والخبر ، فإنّ مجيء الغد ليس داخلاً في مقدوره ، ولا مقدورها فهما لا يستطيعان منعه .</p><p> 72 - وقد اختلف الفقهاء في تعليق الطّلاق عند تحقّق شرائط الطّلاق الشّرعيّة من ناحيتين أولاهما : أنّه يقع عند وقوع ما علّق عليه أو لا يقع . </p><p> ثانيتهما : أنّه يسمّى يميناً أو لا يسمّى . </p><p>أمّا النّاحية الأولى فخلاصتها أنّ للفقهاء في وقوع الطّلاق المعلّق وعدم وقوعه قولين : القول الأوّل : أنّه يقع إذا تحقّق ما علّق عليه ، سواء أكان جارياً مجرى اليمين أم لا ، وإلى هذا ذهب الجمهور من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . </p><p>القول الثّاني : التّفرقة بين ما جرى مجرى اليمين وما لم يجر مجراه . </p><p>فالأوّل لا يقع وإن وقع ما علّق عليه ، والثّاني يقع عند وقوع ما علّق عليه ، وهذا رأي ابن تيميّة وابن القيّم جمعاً بين ما روي عن الصّحابة من الوقوع وعدمه . </p><p>وهل تجب كفّارة اليمين فيما جرى مجرى اليمين أو لا تجب ؟ </p><p>اختار ابن تيميّة وابن القيّم وجوب الكفّارة ، لأنّها يمين منعقدة يشملها قوله تعالى : { ولكنْ يؤاخذُكم بما عَقَّدْتُم الأيمانَ } ولتفصيل ذلك ( ر : طلاق ) . </p><p>وأمّا النّاحية الثّانية فخلاصتها : أنّ من قال بالوقوع - وهم الجمهور - اختلفوا في تسميته يميناً ، فالحنفيّة يجعلونه يميناً متى كان تعليقاً محضاً ، وإن لم يقصد به ما يقصد باليمين كما تقدّم ، وكذا يقولون في تعليق العتق والتزام القربة . </p><p>والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة يقولون جميعاً : إنّ تعليق الطّلاق يسمّى يميناً على الرّاجح عند أكثرهم ، ومن لم يسمّه يميناً منهم لا يخالف من يسمّيه يميناً إلاّ في التّسمية ، ولهذا لو حلف إنسان ألاّ يحلف ، ثمّ علّق طلاقاً على وجه اليمين ، حنث عند من يسمّي هذا التّعليق يميناً ، ولم يحنث عند من لا يسمّيه يميناً .</p><p>تعليق التزام القربة :</p><p>73 - قال الحنفيّة : تعليق التزام القربة يسمّى يميناً ، سواء أقصد به ما يقصد بالأيمان أم لا . فلو قال : إن كلّمت فلاناً ، أو : إن لم أكلّم فلاناً ، أو : إن لم يكن الأمر كما قلته فعليّ حجّة أو عمرة أو صيام أو صلاة ، فهذا كلّه يسمّى نذراً ، ويسمّى أيضاً يميناً ، وهو جارٍ مجرى اليمين ، فإنّه في المثال الأوّل : يؤكّد منع نفسه من تكليم فلانٍ . </p><p>وفي المثال الثّاني : يؤكّد حثّ نفسه على تكليمه . </p><p>وفي المثال الثّالث : يؤكّد الخبر الّذي يناقض مضمون الشّرط المعلّق عليه . </p><p>ولو قال : إذا جاء رمضان فعليّ عمرة فهو نذر أيضاً ، ويسمّى يميناً عند الحنفيّة . </p><p>74 - وقد اختلف الفقهاء في تعليق التزام القربة من ناحيتين : </p><p>أمّا النّاحية الأولى : فخلاصتها أنّ النّذر إمّا أن يكون جارياً مجرى اليمين أو لا . </p><p>فإن كان جارياً مجرى اليمين - ويسمّى نذر اللّجاج والغضب - ففيه ثلاثة أقوالٍ للفقهاء : </p><p>الأوّل : أنّ القائل يخيّر عند وقوع الشّرط بين الإتيان بما التزمه وبين كفّارة اليمين ، وهذا القول هو آخر القولين عند الإمام أبي حنيفة ، وهو الرّاجح عند الحنفيّة . </p><p>وهو أيضاً أرجح الأقوال عند الشّافعيّ . وبه قال أحمد . </p><p>وهو قول أكثر أهل العلم من أهل مكّة والمدينة والبصرة والكوفة وفقهاء الحديث . </p><p> الثّاني : أنّ القائل يلزمه عند وقوع الشّرط ما التزمه ، وهو قول مالكٍ وأحد أقوال الشّافعيّ. الثّالث : أنّ القائل يلزمه عند وقوع الشّرط كفّارة يمينٍ ، ويلغي ما التزمه ، وهذا أحد الأقوال للشّافعيّ . وإن لم يكن جارياً مجرى اليمين لزم الوفاء به بشرائط مخصوصةٍ فيها خلاف الفقهاء . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( نذر ) . </p><p>75 - أمّا النّاحية الثّانية : فخلاصتها أنّ النّذر المعلّق الّذي لا يجري مجرى اليمين يسمّيه الحنفيّة يميناً ، كما سمّوا الطّلاق المعلّق يميناً وإن لم يقصد به ما قصد بالأيمان ، وأمّا غير الحنفيّة فلم نعثر على أنّ أحداً منهم سمّى ما لم يجر مجرى الأيمان يميناً ، وما جرى مجرى الأيمان - وهو اللّجاج يسمّى - يميناً عند من قال بوجوب الكفّارة أو بالتّخيير بين ما التزمه وبين ، الكفّارة . والقائلون بوجوب ما التزمه مختلفون : فمنهم من يسمّيه يميناً كابن عرفة من المالكيّة ، ومنهم من لا يسمّيه يميناً .</p><p>تعليق الكفر :</p><p>76 - قال الحنفيّة : إنّ تعليق الكفر على ما لا يريده الإنسان بقصد تأكيد المنع منه أو الحثّ على نقيضه أو الإخبار بنقيضه يعتبر يميناً شرعيّةً ملحقةً باليمين باللّه تعالى . </p><p>وهذا الّذي قاله الحنفيّة يروى عن عطاءٍ وطاوسٍ والحسن والشّعبيّ والثّوريّ والأوزاعيّ وإسحاق ، ويروى أيضاً عن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه . حكى ذلك كلّه ابن قدامة في المغني ، وحكاه ابن تيميّة في فتاويه عن أكثر أهل العلم ، وهو إحدى روايتين عن أحمد ، وهي الرّواية الرّاجحة عند أكثر الحنابلة . </p><p>وقال المالكيّة والشّافعيّة : إنّه ليس بيمينٍ . ووافقهم أحمد في إحدى الرّوايتين . </p><p>وهو أيضاً قول اللّيث وأبي ثورٍ وابن المنذر ، وحكاه ابن المنذر عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما وأبي هريرة رضي الله عنه وعطاءٍ وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار . </p><p>وهذه الحكاية تخالف حكاية صاحب المغني عن عطاءٍ فلعلّ له قولين ، وكذا حكايته عن جمهور فقهاء الأمصار تختلف عن حكاية ابن تيميّة القول الأوّل عن أكثر أهل العلم .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41064, member: 329"] قيام التّصديق بكلمة نعم مقام اليمين 46 - الصّحيح من مذهب الحنفيّة أنّ من عرض عليه اليمين فقال : نعم كان حالفاً ، ولو قال رجل لآخر عليك : عهد اللّه إن فعلت كذا فقال : نعم . فالحالف المجيب ، ولا يمين على المبتدئ ولو نواه ، لأنّ قوله : عليك صريح في التزام اليمين على المخاطب ، فلا يمكن أن يكون يميناً على المبتدئ ، بخلاف ما إذا قال : واللّه لتفعلنّ ، وقال الآخر : نعم ، فإنّه إذا نوى المبتدئ التّحليف والمجيب الحلف ، كان الحالف هو المجيب وحده ، وإذا نوى كلّ منهما الحلف يصير كلّ منها حالفاً . وقال الشّافعيّة : لو قيل لرجلٍ : طلّقت زوجتك ، أو أطلّقت زوجتك ؟ استخباراً – فقال : نعم ، كان إقراراً ، وإن كان الالتماس الإنشاء كان تطليقاً صريحاً ، وإن جهل الحال حمل على الاستخبار . هذا ما قالوه في الطّلاق ، ويقاس عليه ما لو قال إنسان لآخر : حلفت ، أو أحلفت باللّه لا تكلّم زيداً ؟ فقال : نعم . ففي ذلك تفصيل : فإن كان للاستخبار كان إقراراً محتملاً للصّدق والكذب ، فيحنث بالتّكليم إن كان صادقاً ، ولا يحنث به إن كان كاذباً . وإن كان الالتماس الإنشاء كان حلفاً صريحاً . وإن جهل حال السّؤال حمل على الاستخبار ، فيكون الجواب إقراراً واللّه أعلم ، ولم يعثر للمذاهب الأخرى على نصٍّ في هذا . الحلف بغير اللّه تعالى بحرف القسم وما يقوم مقامه : 47 - علم ممّا تقدّم أنّ صيغة اليمين بحرف القسم وما يقوم مقامه تنحصر شرعاً في اليمين باللّه تعالى . فالحلف بغيره بحرف القسم وما يقوم مقامه لا يعتبر يميناً شرعيّةً ، ولا يجب بالحنث فيه كفّارة . ومن أمثلته : أن يحلف الإنسان بأبيه أو بابنه أو بالأنبياء أو بالملائكة عليهم السلام أو بالعبادات : كالصّوم والصّلاة ، أو بالكعبة أو بالحرم أو بزمزم أو بالقبر والمنبر أو غير ذلك من المخلوقات . سواء أتى الحالف بهذه الألفاظ عقب حرف القسم أم أضاف إليها كلمة : " حقٍّ " أو " حرمةٍ " أو " حياةٍ " أو نحو ذلك . وسواء أكان الحلف بحرفٍ من حروف القسم أم بصيغةٍ ملحقةٍ بما فيه هذه الحروف ، مثل لعمرك ولعمري وعمرك اللّه وعليّ عهد رسول اللّه لأفعلنّ كذا . 48 - وقد ورد النّهي عنه في عدّة أحاديث منها : قوله صلى الله عليه وسلم : « من كان حالفاً فلا يحلف إلاّ باللّه » . ومنها : قوله عليه الصلاة والسلام : « من حلف بغير اللّه فقد أشرك » . وفي روايةٍ « فقد كفر » ، ومنها : قوله صلوات الله وسلامه عليه « من حلف بالأمانة فليس منّا » . ومنها : ما أخرجه النّسائيّ عن سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه قال : « حلفت باللّاتي والعزّى ، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : قل لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كلّ شيءٍ قدير ، وانفث عن شمالك ثلاثاً ، وتعوّذ باللّه من الشّيطان الرّجيم ، ثمّ لا تعدّ » . وفي روايةٍ أخرى رواها النّسائيّ عنه أيضاً قال : « حلفت باللّاتي والعزّى ، فقال لي أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : بئسما قلت ، ائت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فإنّا لا نراك إلاّ قد كفرت ، فلقيته فأخبرته فقال لي : قل لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له ثلاث مرّاتٍ ، وتعوّذ باللّه من الشّيطان الرّجيم ثلاث مرّاتٍ ، وانفث عن شمالك ثلاث مرّاتٍ ، ولا تعد له » . ومنها : ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من حلف منكم فقال في حلفه : باللّاتي ، فليقل : لا إله إلاّ اللّه ، ومن قال لصاحبه : تعال أقامرك فليتصدّق » . 49 - وورد عن الصّحابة رضي الله عنهم استنكار الحلف بغير اللّه تعالى . فمن ذلك ما رواه الحجّاج بن المنهال بسنده عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه أنّه قال : لأن أحلف باللّه كاذباً أحبّ إليّ من أن أحلف بغير اللّه صادقاً وما رواه عبد الرّزّاق بسنده عن وبرة قال : قال ابن مسعودٍ أو ابن عمر : « لأن أحلف باللّه كاذباً أحبّ إليّ من أن أحلف بغيره صادقاً » ، وما رواه عبد الرّزّاق بسنده عن ابن الزّبير رضي الله عنه : أنّ عمر قال له - وقد سمعه يحلف بالكعبة - : لو أعلم أنّك فكّرت فيها قبل أن تحلف لعاقبتك ، احلف باللّه فأثم أو ابرر . أثر الحلف بغير اللّه : 50 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ الحلف بغير اللّه تعالى لا تجب بالحنث فيه كفّارة ، إلاّ ما روي عن أكثر الحنابلة من وجوب الكفّارة على من حنث في الحلف برسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، لأنّه أحد شطري الشّهادتين اللّتين يصير بهما الكافر مسلماً ، وعن بعضهم : أنّ الحلف بسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تجب بالحنث فيه الكفّارة أيضاً ، لكن الأشهر في مذهبهم أنّه لا كفّارة بالحنث في الحلف بنبيّنا وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . ولا خلاف بين الفقهاء أيضاً في أنّ الحلف بغير اللّه منهيّ عنه ، لكن في مرتبة هذا النّهي اختلاف ، والحنابلة قالوا : إنّه حرام إلاّ الحلف بالأمانة ، فإنّ بعضهم قال بالكراهة ، والحنفيّة قالوا مكروه تحريماً ، والمعتمد عند المالكيّة والشّافعيّة أنّه تنزيهاً . وصرّح الشّافعيّة أنّه إن كان بسبق اللّسان من غير قصدٍ فلا كراهة ، وعليه يحمل حديث الصّحيحين في قصّة الأعرابيّ - الّذي قال لا أزيد على هذا ولا أنقص - أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « أفلح وأبيه إن صدق » . شرائط القسم : يشترط في انعقاد القسم وبقائه شرائط ، وهي ثلاثة أنواعٍ : أوّلاً : الشّرائط الّتي ترجع إلى الحالف يشترط في انعقاد اليمين وبقائها شرائط في الحالف . 51 - الأولى : البلوغ . والثّانية : العقل . وهاتان شريطتان في أصل الانعقاد ، فلا تنعقد يمين الصّبيّ - ولو مميّزاً - ولا المجنون والمعتوه والسّكران - غير المتعدّي بسكره - والنّائم والمغمى عليه ، لأنّها تصرّف إيجابٍ ، وهؤلاء ليسوا من أهل الإيجاب . ولا خلاف في هاتين الشّريطتين إجمالاً . وإنّما الخلاف في السّكران المتعدّي بسكره والصّبيّ إذا حنث بعد بلوغه . أمّا السّكران المتعدّي ، فالجمهور يرون صحّة يمينه إن كانت صريحةً تغليظاً عليه . وأبو ثورٍ والمزنيّ وزفر والطّحاويّ والكرخيّ ومحمّد بن سلمة وغيرهم يرون عدم انعقاد يمينه كالسّكران غير المتعدّي ، وتفصيل ذلك في ( الحجر ) . وأمّا الصّبيّ فالجمهور يرون أنّ يمينه لا تنعقد ، وأنّه لو حنث - ولو بعد البلوغ - لم تلزمه كفّارة ، وعن طاوسٍ أنّ يمينه معلّقة ، فإن حنث بعد بلوغه لزمته الكفّارة . وحجّة الجمهور قوله صلى الله عليه وسلم : « رفع القلم عن ثلاثةٍ : عن النّائم حتّى يستيقظ ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن الصّبيّ حتّى يبلغ » . 52 - الشّريطة الثّالثة : الإسلام ، وإلى هذا ذهب الحنفيّة والمالكيّة . فلا تنعقد اليمين باللّه تعالى من الكافر ولو ذمّيّاً ، وإذا انعقدت يمين المسلم بطلت بالكفر ، سواء أكان الكفر قبل الحنث أم بعده ، ولا ترجع بالإسلام بعد ذلك . وقال الشّافعيّة والحنابلة : لا يشترط الإسلام في انعقاد اليمين ولا بقائها ، فالكافر الملتزم للأحكام - وهو الذّمّيّ والمرتدّ - لو حلف باللّه تعالى على أمرٍ ، ثمّ حنث وهو كافر ، تلزمه الكفّارة عند الشّافعيّة والحنابلة ، لكن إذا عجز عن الكفّارة الماليّة لم يكفر بالصّوم إلاّ إن أسلم . وهذا الحكم إنّما هو في الذّمّيّ ، وأمّا المرتدّ فلا يكفر في حال ردّته ، لا بالمال ولا بالصّوم ، بل ينتظر ، فإذا أسلم كفّر ، لأنّ ماله في حال الرّدّة موقوف ، فلا يمكن من التّصرّف فيه . ومن حلف حال كفره ثمّ أسلم وحنث ، فلا كفّارة عليه عند الحنفيّة والمالكيّة . وعليه الكفّارة عند الشّافعيّة والحنابلة إن كان حين الحلف ملتزماً للأحكام . 53 - الشّريطة الرّابعة : التّلفّظ باليمين ، فلا يكفي كلام النّفس عند الجمهور خلافاً لبعض المالكيّة . ولا بدّ من إظهار الصّوت بحيث يسمع نفسه إن كان صحيح السّمع ، ولم يكن هناك مانع من السّماع كلغطٍ وسدّ أذنٍ . واشتراط الإسماع ولو تقديراً هو رأي الجمهور ، الّذي يرون أنّ قراءة الفاتحة في الصّلاة يشترط في صحّتها ذلك . وقال المالكيّة والكرخيّ من الحنفيّة : لا يشترط الإسماع ، وإنّما يشترط أن يأتي بالحروف مع تحريك اللّسان ولو لم يسمعها هو ولا من يضع أذنه بقرب فمه مع اعتدال السّمع وعدم الموانع . هذا وإنّ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة قد صرّحوا بأنّ إشارة الأخرس باليمين تقوم مقام النّطق . وقال الشّافعيّة : إنّ الكتابة لو كانت بالصّريح تعتبر كنايةً ، لأنّها تحتمل النّسخ ، وتجربة القلم والمداد وغيرها ، وبأنّ إشارة الأخرس إن اختصّ بفهمها الفطن فهي كناية تحتاج إلى النّيّة ، وإن فهمها كلّ إنسانٍ فهي صريحة . الطّواعية والعمد في الحالف : 54 - لا تشترط عند الحنفيّة الطّواعية - أي الاختيار - في الحالف ، ولا العمد - أي القصد - فتصحّ عندهم يمين المكره والمخطئ ، وهو من أراد غير الحلف فسبق لسانه إلى الحلف ، كأن أراد أن يقول : اسقني الماء ، فقال : واللّه لا أشرب الماء ، لأنّها من التّصرّفات الّتي لا تحتمل الفسخ فلا يؤثّر فيها الإكراه والخطأ ، كالطّلاق والعتاق والنّذر وسائر التّصرّفات الّتي لا تحتمل الفسخ . وقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : تشترط الطّواعية والعمد ، فلا تنعقد يمين المكره ولا المخطئ ، غير أنّ الشّافعيّة يقولون في المكره على اليمين : إذا نوى الحلف صحّت يمينه . لأنّ الإكراه لا يلغي اللّفظ ، وإنّما يصير به الصّريح كنايةً ، وهذا الّذي قالوه لا يستبعد أن يكون متّفقاً عليه ، فإنّ إلغاء كلام المكره لا وجه له ، إلاّ أنّه إنّما قصد دفع الأذى عن نفسه ، ولم يقصد استعمال اللّفظ في معناه ، فإذا قصد استعماله في معناه كان هذا أمراً زائداً لا تدعو إليه الضّرورة . وقال الشّافعيّة أيضاً : لا يلزم المكره التّورية وإن قدر عليها . والتّورية هي : أن يطلق الإنسان لفظاً هو ظاهر في معنًى ويريد به معنًى آخر يتناوله ذلك اللّفظ ، ولكنّه خلاف ظاهره . عدم اشتراط الجدّ في الحالف : 55 - الجدّ - بكسر الجيم - في التّصرّفات القوليّة معناه : أن ينطق الإنسان باللّفظ راضياً بأثره ، سواء أكان مستحضراً لهذا الرّضى أم غافلاً عنه ، فمن نطق باللّفظ الصّريح ناوياً معناه ، أو غافلاً عن هذه النّيّة ، مريداً أثره أو غافلاً عن هذه الإرادة يقال له جادّ ، فإن أراد تجريد اللّفظ عن أثره من غير تأويلٍ ولا إكراهٍ ، فنطق به لعباً أو مزاحاً كان هازلاً ، والهزل لا أثر له في التّصرّفات القوليّة الصّريحة الّتي لا تحتمل الفسخ ، فمن حلف بصيغةٍ صريحةٍ لاعباً أو مازحاً انعقدت يمينه لقوله صلى الله عليه وسلم : « ثلاث جدّهنّ جدّ ، وهزلهنّ جدّ : النّكاح والطّلاق والرّجعة » . ويقاس على ما في الحديث سائر التّصرّفات الصّريحة الّتي لا تحتمل الفسخ ، ومنها صيغة اليمين الصّريحة ، وأمّا الكناية فمعلوم أنّه يشترط فيها النّيّة ، ومعلوم أنّ الهازل لا نيّة له . قصد المعنى والعلم به : 56 - صرّح الشّافعيّة بأنّ الألفاظ الصّريحة يشترط فيها : العلم بالمعنى ، والكناية يشترط فيها : قصد المعنى ، ذكروا هذا في الطّلاق وليس خاصّاً به كما هو ظاهر ، فيؤخذ منه أنّه يشترط في اليمين إذا كانت بلفظٍ صريحٍ : أن يعلم المتكلّم بمعناها ، فلو حلف أعجميّ بلفظٍ عربيٍّ صريحٍ كواللّه لأصومنّ غداً ، بناءً على تلقين إنسانٍ له ، من غير أن يعلم معناه لم ينعقد . ولو قال إنسان : أشهد باللّه لأفعلنّ كذا لم ينعقد إلاّ إذا قصد معنى اليمين ، لأنّه كناية عند الشّافعيّة كما سبق . واشتراط النّيّة في الكناية لا يختلف فيه أحد . وأمّا العلم بالمعنى فقد صرّح الحنفيّة بعدم اشتراطه في الطّلاق بالنّسبة للقضاء ، ومقتضاه أنّهم يشترطونه في اليمين الصّريحة ديانةً ، لأنّه مصدّق فيما بينه وبين اللّه تعالى . أثر التّأويل في اليمين : 57 - صرّح المالكيّة والشّافعيّة بأنّ التّأويل الّذي تنقطع به جملة اليمين عن جملة المحلوف عليه يقبل ، وعبارة المالكيّة : لو قال أردت بقولي : ( باللّه ) وثقت أو اعتصمت باللّه ، ثمّ ابتدأت قولي : لأفعلنّ ، ولم أقصد اليمين صدّق ديانةً بلا يمينٍ . وعبارة الشّافعيّة : إذا قال : واللّه لأفعلنّ كذا ، ثمّ قال : أردت واللّه المستعان ، أو قال : باللّه وقال : أردت وثقت أو استعنت باللّه ، ثمّ استأنفت فقلت : لأفعلنّ كذا من غير قسمٍ يقبل ظاهراً وباطناً . وإذا تأوّل نحو هذا التّأويل في الطّلاق والإيلاء لا يقبل ظاهراً لتعلّق حقّ الغير به . وممّا ينبغي التّنبّه له أنّ التّأويل لا يختصّ بهذه المذاهب ، فالمتصفّح لكتب المذاهب الأخرى يجد تأويلاتٍ مقبولةً عندهم ، ولا شكّ أنّ التّأويل إنّما يقبل إذا لم يكن هناك مستحلف ذو حقٍّ ، وكان التّأويل غير خارجٍ عمّا يحتمله اللّفظ . ثانياً : الشّرائط الّتي ترجع إلى المحلوف عليه يشترط في انعقاد اليمين باللّه وبقائها منعقدةً أربع شرائط ترجع إلى المحلوف عليه ، وهو مضمون الجملة الثّانية الّتي تسمّى جواب القسم . 58 - الشّريطة الأولى : أن يكون المحلوف عليه أمراً مستقبلاً . وهذه شريطة لانعقاد اليمين باللّه تعالى عند الحنفيّة والحنابلة ، خلافاً للشّافعيّة الّذين يقولون بانعقاد اليمين الغموس على ماضٍ وحاضرٍ ، كقوله : واللّه لا أموت ، ومستقبلٍ كقوله : واللّه لأصعدنّ السّماء . وللمالكيّة الّذين يقولون بانعقاد الغموس على حاضرٍ ومستقبلٍ . وممّا ينبغي التّنبّه له أنّ الحنابلة يشترطون الاستقبال في كلّ ما فيه كفّارة ، كالحلف بتعليق الكفر أو القربة أو الظّهار بخلاف الطّلاق والعتاق . 59 - الشّريطة الثّانية : أن يكون المحلوف عليه متصوّر الوجود حقيقةً عند الحلف - أي ليس مستحيلاً عقلاً - وهذه شريطة لانعقاد اليمين باللّه عند أبي حنيفة ومحمّدٍ وزفر . ووجه اشتراطها : أنّ اليمين إنّما تنعقد لتحقيق البرّ ، فإنّ من أخبر بخبرٍ أو وعد بوعدٍ يؤكّده باليمين لتحقيق الصّدق ، فكان المقصود هو البرّ ، ثمّ تجب الكفّارة ونحوها خلفاً عنه ، فإذا لم يتصوّر الأصل - وهو البرّ - لم يوجد الخلف - وهو الكفّارة - فلا تنعقد اليمين . ولم يشترط أبو يوسف هذه الشّريطة لأنّه لا يلزم من استحالة الأصل عقلاً عدم الخلف . ومفهوم هذه الشّريطة : أنّ المحلوف عليه إذا كان يستحيل وجوده عقلاً عند الحلف ، لم تنعقد اليمين عند أبي حنيفة ومحمّدٍ وزفر . لكنّ هذا المفهوم ليس على إطلاقه ، بل فيه تفصيل يعلم من الكلام على المثال الآتي : إذا قال إنسان : واللّه لأشربنّ ماء هذا الكوز ، أو قال : واللّه لأشربنّ ماء هذا الكوز اليوم ، وكان الكوز خالياً من الماء عند الحلف ، فالشّرب الّذي هو المحلوف عليه مستحيل وجوده عند الحلف عقلاً ، فلا تنعقد اليمين عند أبي حنيفة ومحمّدٍ وزفر إن كان الحالف عند حلفه لا يعلم خلوّ الكوز من الماء ، وأمّا إن كان يعلم ذلك فاليمين منعقدة عند أبي حنيفة ومحمّدٍ وأبي يوسف وغير منعقدةٍ عند زفر ، وهي رواية عن أبي حنيفة . هذا ما أفاده صاحب البدائع . وقال الحنابلة في هذه المسألة : تنعقد وعليه الكفّارة في الحال. 60 - الشّريطة الثّالثة : أن يكون المحلوف عليه متصوّر الوجود حقيقةً بعد الحلف ، إن كانت اليمين مقيّدةً بوقتٍ مخصوصٍ . وهذه الشّريطة إنّما تشترط لبقاء اليمين باللّه منعقدةً عند أبي حنيفة ومحمّدٍ وزفر ، فلو لم توجد هذه الشّريطة بطلت اليمين بعد انعقادها ، وخالف أبو يوسف في هذه الشّريطة أيضاً . وتوجيه الاشتراط وعدمه كما في الشّريطة الثّانية ، ومفهوم هذه الشّريطة يتّضح بالمثال الآتي : إذا قال إنسان واللّه لأشربنّ ماء هذا الكوز اليوم أو قال واللّه لأشربنّ ماء هذا الكوز ، ولم يقيّده بوقتٍ ، وكان في الكوز ماء وقت الحلف ، فصبّه الحالف أو صبّه غيره أو انصبّ بنفسه في النّهار . ففي صورة التّقييد باليوم تبطل بعد انعقادها ، لأنّ الشّرب المحلوف عليه صار مستحيلاً بعد الحلف في الوقت الّذي قيّد به ، وفي صورة الإطلاق تبقى منعقدةً ، فيحنث بالصّبّ أو الانصباب ، وتجب عليه الكفّارة . 61 - الشّريطة الرّابعة : أن يكون المحلوف عليه متصوّر الوجود عادةً عند الحلف - أي ليس مستحيلاً عادةً - وهذه شريطة لانعقاد اليمين باللّه عند زفر ، خلافاً لأبي حنيفة ومحمّدٍ وأبي يوسف . فلو قال واللّه لأصعدنّ السّماء ، أو : واللّه لأمسّنّ السّماء ، أو : واللّه لأحوّلنّ هذا الحجر ذهباً ، لم تنعقد اليمين عند زفر ، سواء أقيّدها بوقتٍ مخصوصٍ كأن قال : اليوم أو غداً ، أو لم يقيّدها ، وقال أبو حنيفة ومحمّد : إنّها تنعقد ، لأنّ المحلوف عليه جائز عقلاً ، وقال أبو يوسف : إنّها تنعقد أيضاً ، لأنّ المحلوف عليه أمر مستقبل . وتوجيه قول زفر : أنّ المستحيل عادةً يلحق بالمستحيل حقيقةً ، فإذا لم تنعقد اليمين في الثّاني لم تنعقد في الأوّل . وتوجيه قول أبي حنيفة ومحمّدٍ : أنّ الحكم بالانعقاد في هذه الصّورة فيه اعتبار الحقيقة ، والحكم بعدم الانعقاد فيه اعتبار العادة ، ولا شكّ أنّ اعتبار الحقيقة أولى . وتوجيه قول أبي يوسف : أنّ الحالف جعل الفعل شرطاً للبرّ ، فيكون عدمه موجباً للحنث ، سواء أكان ذلك الفعل ممكناً عقلاً وعادةً ، كقوله : واللّه لأقرأنّ هذا الكتاب ، أم مستحيلاً عقلاً وعادةً كقوله : واللّه لأشربنّ ماء هذا الكوز ، ولا ماء فيه أم مستحيلاً عادةً لا عقلاً كقوله : واللّه لأحوّلنّ هذا الحجر ذهباً . الحلف على فعل غير الحالف : 62 - المذهب عند الحنابلة أنّ من حلف على غيره وهو غائب : واللّه ليفعلنّ كذا ، أو على حاضرٍ : واللّه لتفعلنّ كذا ، فلم يطعه ، حنث الحالف والكفّارة عليه ، لا على من أحنثه . وقد فصّل شيخ الإسلام ابن تيميّة بين الحلف على من يظنّ أنّه يطيعه ، والحلف على من لا يظنّه كذلك . فقال : من حلف على غيره يظنّ أنّه يطيعه فلم يفعل ، فلا كفّارة لأنّه لغو ، بخلاف من حلف على غيره في غير هذه الحالة ، فإنّه إذا لم يطعه حنث الحالف ووجبت الكفّارة عليه . ثالثاً : شرائط ترجع إلى الصّيغة 63 - يشترط لانعقاد اليمين باللّه تعالى شريطتان ترجعان إلى صيغتها . الأولى : عدم الفصل بين المحلوف به والمحلوف عليه بسكوتٍ ونحوه ، فلو أخذه الوالي وقال : قل : باللّه ، فقال مثله ، ثمّ قال : لآتينّ يوم الجمعة فقال الرّجل مثله ، لا يحنث بعدم إتيانه ، للفصل بانتظار ما يقول ، ولو قال : عليّ عهد اللّه ورسوله لا أفعل كذا ، لا يصحّ ، للفصل بما ليس يميناً ، وهو قوله : وعهد رسوله . الثّانية : خلوّها عن الاستثناء ، والمقصود به التّعليق بمشيئة اللّه أو استثناؤها ، أو نحو ذلك ممّا لا يتصوّر معه الحنث ، نحو أن يقول الحالف : إن شاء اللّه تعالى ، أو إلاّ أن يشاء اللّه ، أو ما شاء اللّه ، أو إلاّ أن يبدو لي غير هذا ، إلى غير ذلك من الأمثلة الّتي سيأتي بيانها ، فإن أتى بشيءٍ من ذلك بشرائطه لم تنعقد اليمين . صيغة اليمين التّعليقيّة : 64 - التّعليق في اللّغة : مصدر علّق الشّيء بالشّيء وعليه : أنشبه فيه ووضعه عليه وجعله مستمسكاً . وفي الاصطلاح : ربط حصول مضمون جملةٍ بحصول مضمون جملةٍ أخرى ، والجملة الّتي ربط مضمونها هي جملة الجزاء ، والّتي ربط هذا المضمون بمضمونها هي جملة الشّرط . ففي مثل : إن دخلت الدّار فأنت طالق ، ربط المتكلّم حصول مضمون الجزاء - وهو الطّلاق - بحصول مضمون الشّرط - وهو دخولها الدّار - ووقفه عليه ، فلا يقع إلاّ بوقوعه . وليس كلّ تعليقٍ يميناً ، وإنّما اليمين حقيقةً أو مجازاً تعليقات مخصوصة تذكر فيما يأتي . أ - أجزاء الصّيغة : 65 - معلوم أنّه لو قال إنسان : إن فعلت كذا فامرأتي طالق مثلاً ، فهذه صيغة تعليقٍ تحتوي على : أداة شرطٍ ، فجملةٍ شرطيّةٍ ، فجملةٍ جزائيّةٍ . والحديث عن هذه الثّلاثة كما يلي : أداة الشّرط : 66 - ذكر أهل النّحو واللّغة أدواتٍ كثيرةً للشّرط منها " إن " - بكسر الهمزة - وقد تزاد بعدها : ما ، كما في قوله تعالى : { فَإمّا نُريَنَّكَ بعضَ الّذي نَعِدُهم أو نَتَوَفَّيَنَّكَ فإلينا يُرْجعون } ومنها " إذا " وقد تزاد بعدها : ما ، ومنها " من " " وما " " ومهما " " وحيثما " " وكيفما " . " ومتى " وقد تزاد بعدها : ما ، وأين وقد تزاد بعدها : ما أيضاً . 67 - وقد يقوم مقام هذه الأدوات أدوات أخرى وإن لم تعدّ في اللّغة من أدوات التّعليق ، ومنها : كلّ وكلّما وباء الجرّ . جملة الشّرط : 68 - جملة الشّرط هي الّتي تدخل عليها أداة الشّرط ، وهي جملة فعليّة ماضويّة أو مضارعيّة ، وهي للاستقبال في الحالتين ، فإن أراد المتكلّم التّعليق على أمرٍ مضى أدخل على الفعل جملة الكون . وإيضاح ذلك أنّ قول القائل : إن خرجت ، أو : إن تخرجي يفيد التّعليق على خروجٍ في المستقبل . فإذا اختلف الرّجل مع امرأته ، فادّعى أنّها خرجت بالأمس ، فقالت : لم أخرج ، فأراد تعليق طلاقها على هذا الخروج الماضي ، فإنّه يأتي بفعل الكون فيقول : إن كنت خرجت بالأمس فأنت طالق . جملة الجزاء : 69 - هي الجملة الّتي يأتي بها المتكلّم عقب جملة الشّرط ، جاعلاً مضمونها متوقّفاً على مضمون جملة الشّرط ، وقد يأتي الجزاء قبل جملة الشّرط والأداة ، وفي هذه الحالة تكون جزاءً مقدّماً عند بعض النّحاة ، ودليل الجزاء عند بعضهم ، والجزاء عند هؤلاء يكون مقدّراً بعد الشّرط . ب - أقسام اليمين التّعليقيّة : 70 - قسّم صاحب البدائع اليمين إلى يمينٍ باللّه ويمينٍ بغيره . وفي أثناء كلامه على اليمين باللّه ألحق بها تعليق الكفر ، ثمّ قسّم اليمين بغير اللّه إلى ما كانت بحرف القسم كالحلف بالأنبياء وغيرهم ، وما كان بالتّعليق ، وحصر التّعليق في الطّلاق والعتاق والتزام القربة . وبهذا تبيّن أنّ التّعليقات الّتي تعتبر أيماناً عند الحنفيّة محصورة في أربعةٍ ، وهي : تعليق الطّلاق ، وتعليق العتاق ، وتعليق التزام القربة ، وتعليق الكفر ، وإنّما أفرد تعليق الكفر . عن التّعليقات الثّلاثة لمخالفته إيّاها في الحكم ، فإنّ حكمها عند الحنفيّة تحقّق الجزاء ، إن كانت طلاقاً أو عتقاً ، والتّخيير بين الجزاء وكفّارة اليمين إن كان الجزاء التزام قربةٍ ، بخلاف تعليق الكفر ، فليس حكمه تحقّق الجزاء وهو الكفر عند تحقّق الشّرط ، بل حكمه عندهم هو الكفّارة كاليمين باللّه تعالى . وفي مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميّة وإعلام الموقّعين لابن القيّم ما يفيد : أنّ تعليق الظّهار وتعليق الحرام كلاهما يمين . وبهذا تكون التّعليقات الّتي تسمّى عند بعض الفقهاء أيماناً منحصرة في هذه السّتّة . تعليق الطّلاق : 71 - قال الحنفيّة : تعليق الطّلاق يعتبر يميناً ، سواء أكان المقصود به الحثّ ، نحو : إن لم تدخلي الدّار فأنت طالق ، أو المنع نحو : إن دخلت الدّار فأنت طالق ، أو تحقيق الخبر نحو : إن لم يكن الأمر كما قلته ففلانة طالق : أو غير ذلك نحو : إذا جاء الغد فأنت طالق . وهذه الصّورة الأخيرة محلّ نزاعٍ بين هؤلاء وبين من يوافقهم في تسمية تعليق الطّلاق يميناً كالمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، فهم لا يسمّونه يميناً ، لأنّه لا يقصد به ما يقصد باليمين من تأكيد الحثّ والمنع والخبر ، فإنّ مجيء الغد ليس داخلاً في مقدوره ، ولا مقدورها فهما لا يستطيعان منعه . 72 - وقد اختلف الفقهاء في تعليق الطّلاق عند تحقّق شرائط الطّلاق الشّرعيّة من ناحيتين أولاهما : أنّه يقع عند وقوع ما علّق عليه أو لا يقع . ثانيتهما : أنّه يسمّى يميناً أو لا يسمّى . أمّا النّاحية الأولى فخلاصتها أنّ للفقهاء في وقوع الطّلاق المعلّق وعدم وقوعه قولين : القول الأوّل : أنّه يقع إذا تحقّق ما علّق عليه ، سواء أكان جارياً مجرى اليمين أم لا ، وإلى هذا ذهب الجمهور من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . القول الثّاني : التّفرقة بين ما جرى مجرى اليمين وما لم يجر مجراه . فالأوّل لا يقع وإن وقع ما علّق عليه ، والثّاني يقع عند وقوع ما علّق عليه ، وهذا رأي ابن تيميّة وابن القيّم جمعاً بين ما روي عن الصّحابة من الوقوع وعدمه . وهل تجب كفّارة اليمين فيما جرى مجرى اليمين أو لا تجب ؟ اختار ابن تيميّة وابن القيّم وجوب الكفّارة ، لأنّها يمين منعقدة يشملها قوله تعالى : { ولكنْ يؤاخذُكم بما عَقَّدْتُم الأيمانَ } ولتفصيل ذلك ( ر : طلاق ) . وأمّا النّاحية الثّانية فخلاصتها : أنّ من قال بالوقوع - وهم الجمهور - اختلفوا في تسميته يميناً ، فالحنفيّة يجعلونه يميناً متى كان تعليقاً محضاً ، وإن لم يقصد به ما يقصد باليمين كما تقدّم ، وكذا يقولون في تعليق العتق والتزام القربة . والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة يقولون جميعاً : إنّ تعليق الطّلاق يسمّى يميناً على الرّاجح عند أكثرهم ، ومن لم يسمّه يميناً منهم لا يخالف من يسمّيه يميناً إلاّ في التّسمية ، ولهذا لو حلف إنسان ألاّ يحلف ، ثمّ علّق طلاقاً على وجه اليمين ، حنث عند من يسمّي هذا التّعليق يميناً ، ولم يحنث عند من لا يسمّيه يميناً . تعليق التزام القربة : 73 - قال الحنفيّة : تعليق التزام القربة يسمّى يميناً ، سواء أقصد به ما يقصد بالأيمان أم لا . فلو قال : إن كلّمت فلاناً ، أو : إن لم أكلّم فلاناً ، أو : إن لم يكن الأمر كما قلته فعليّ حجّة أو عمرة أو صيام أو صلاة ، فهذا كلّه يسمّى نذراً ، ويسمّى أيضاً يميناً ، وهو جارٍ مجرى اليمين ، فإنّه في المثال الأوّل : يؤكّد منع نفسه من تكليم فلانٍ . وفي المثال الثّاني : يؤكّد حثّ نفسه على تكليمه . وفي المثال الثّالث : يؤكّد الخبر الّذي يناقض مضمون الشّرط المعلّق عليه . ولو قال : إذا جاء رمضان فعليّ عمرة فهو نذر أيضاً ، ويسمّى يميناً عند الحنفيّة . 74 - وقد اختلف الفقهاء في تعليق التزام القربة من ناحيتين : أمّا النّاحية الأولى : فخلاصتها أنّ النّذر إمّا أن يكون جارياً مجرى اليمين أو لا . فإن كان جارياً مجرى اليمين - ويسمّى نذر اللّجاج والغضب - ففيه ثلاثة أقوالٍ للفقهاء : الأوّل : أنّ القائل يخيّر عند وقوع الشّرط بين الإتيان بما التزمه وبين كفّارة اليمين ، وهذا القول هو آخر القولين عند الإمام أبي حنيفة ، وهو الرّاجح عند الحنفيّة . وهو أيضاً أرجح الأقوال عند الشّافعيّ . وبه قال أحمد . وهو قول أكثر أهل العلم من أهل مكّة والمدينة والبصرة والكوفة وفقهاء الحديث . الثّاني : أنّ القائل يلزمه عند وقوع الشّرط ما التزمه ، وهو قول مالكٍ وأحد أقوال الشّافعيّ. الثّالث : أنّ القائل يلزمه عند وقوع الشّرط كفّارة يمينٍ ، ويلغي ما التزمه ، وهذا أحد الأقوال للشّافعيّ . وإن لم يكن جارياً مجرى اليمين لزم الوفاء به بشرائط مخصوصةٍ فيها خلاف الفقهاء . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( نذر ) . 75 - أمّا النّاحية الثّانية : فخلاصتها أنّ النّذر المعلّق الّذي لا يجري مجرى اليمين يسمّيه الحنفيّة يميناً ، كما سمّوا الطّلاق المعلّق يميناً وإن لم يقصد به ما قصد بالأيمان ، وأمّا غير الحنفيّة فلم نعثر على أنّ أحداً منهم سمّى ما لم يجر مجرى الأيمان يميناً ، وما جرى مجرى الأيمان - وهو اللّجاج يسمّى - يميناً عند من قال بوجوب الكفّارة أو بالتّخيير بين ما التزمه وبين ، الكفّارة . والقائلون بوجوب ما التزمه مختلفون : فمنهم من يسمّيه يميناً كابن عرفة من المالكيّة ، ومنهم من لا يسمّيه يميناً . تعليق الكفر : 76 - قال الحنفيّة : إنّ تعليق الكفر على ما لا يريده الإنسان بقصد تأكيد المنع منه أو الحثّ على نقيضه أو الإخبار بنقيضه يعتبر يميناً شرعيّةً ملحقةً باليمين باللّه تعالى . وهذا الّذي قاله الحنفيّة يروى عن عطاءٍ وطاوسٍ والحسن والشّعبيّ والثّوريّ والأوزاعيّ وإسحاق ، ويروى أيضاً عن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه . حكى ذلك كلّه ابن قدامة في المغني ، وحكاه ابن تيميّة في فتاويه عن أكثر أهل العلم ، وهو إحدى روايتين عن أحمد ، وهي الرّواية الرّاجحة عند أكثر الحنابلة . وقال المالكيّة والشّافعيّة : إنّه ليس بيمينٍ . ووافقهم أحمد في إحدى الرّوايتين . وهو أيضاً قول اللّيث وأبي ثورٍ وابن المنذر ، وحكاه ابن المنذر عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما وأبي هريرة رضي الله عنه وعطاءٍ وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار . وهذه الحكاية تخالف حكاية صاحب المغني عن عطاءٍ فلعلّ له قولين ، وكذا حكايته عن جمهور فقهاء الأمصار تختلف عن حكاية ابن تيميّة القول الأوّل عن أكثر أهل العلم . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية