الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41065" data-attributes="member: 329"><p>أمثلة الكفر المعلّق على الشّرط :</p><p>77 - منها : أن يخبر الإنسان عن نفسه أنّه إن فعل كذا ، أو إن لم يفعل كذا أو إن حصل كذا ، أو إن لم يحصل كذا ، أو إن لم يكن الأمر كذا ، فهو يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ ، أو كافر أو شريك الكفّار أو مرتدّ ، أو بريء من اللّه أو من رسول اللّه أو من القرآن أو كلام اللّه أو الكعبة أو القبلة ، أو بريء ممّا في المصحف ، أو بريء ممّا في هذا الدّفتر إذا كان في الدّفتر شيء من القرآن ولو البسملة ، أو بريء من المؤمنين أو من الصّلاة أو الصّيام أو الحجّ . </p><p>ومنها : أن يخبر عن نفسه أنّه يعبد الصّليب ، أو يستحلّ الخمر أو الزّنى إن لم يفعل كذا . ويستدلّ لمن قال : إنّه ليس يميناً بأنّه ليس حلفاً باسم اللّه تعالى ولا صفته ، فلا يكون يميناً ، كما لو قال : عصيت اللّه تعالى فيما أمرني إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا ، وكما لو حلف بالكعبة أو بأبيه . </p><p>78 - ويستدلّ لمن قال إنّه يمين بما يأتي :</p><p>أ - روي عن الزّهريّ عن خارجة بن زيدٍ عن أبيه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه « سئل عن الرّجل يقول : هو يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ أو بريء من الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء ؟ فقال : عليه كفّارة يمينٍ » .</p><p>ب - إنّ الحالف بذلك لمّا ربط مالاً يريده بالكفر كان رابطاً لنقيضه بالإيمان باللّه ، فكان مثل الحالف باللّه ، لأنّه يربط الشّيء المحلوف عليه بإيمانه باللّه تعالى .</p><p>تعليق الظّهار :</p><p>79 - الظّهار - كقول الرّجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمّي - يشبه القسم من حيث إنّه قول يستوجب الامتناع عن شيءٍ ، ويقتضي الكفّارة غير أنّها أعظم من كفّارة القسم . </p><p>ومن هنا سمّى بعض العلماء الظّهار يميناً ، وقد نقل ابن تيميّة عن أصحاب الحنابلة كالقاضي أبي يعلى وغيره أنّ من قال : أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا لزمه ما يفعله في اليمين باللّه والنّذر والطّلاق والعتاق والظّهار .</p><p>تعليق الحرام :</p><p>80 - سبق الكلام على تحريم العين أو الفعل ، وأنّه يعدّ يميناً عند بعض الفقهاء وإن كان منجّزاً . كما سبق أنّ قول الرّجل : الحرام يلزمني لأفعلنّ كذا ، يعدّ طلاقاً أو ظهاراً أو عتاقاً أو يميناً . وأيّاً ما كان ، فتعليق الحرام يقال فيه ما قيل في تعليق الطّلاق والظّهار ، فلا حاجة للإطالة به . ومن أمثلته أن يقول : إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا أو إن كان الأمر كذا أو إن لم يكن الأمر كذا فزوجتي عليّ حرام . هذه أمثلة للتّعليق الصّريح . </p><p>وأمّا التّعليق المقدّر فمن أمثلته : عليّ الحرام ، أو الحرام يلزمني ، أو زوجتي عليّ حرام لأفعلنّ كذا أو لا أفعل كذا ، أو لقد كان كذا أو لم يكن كذا . </p><p>وقد نقل ابن القيّم في قول القائل أنت عليّ حرام وقوله : ما أحلّ اللّه عليّ حرام . وقوله : أنت عليّ كالميتة والدّم ولحم الخنزير خمسة عشر مذهباً ، ويكفي هنا الإشارة إليها . </p><p>وقد سبق بيان المذاهب فيها . ثمّ نقل عن شيخ الإسلام ابن تيميّة اختيار مذهبٍ فوق الخمسة عشرة ، وهو أنّه إن أوقع التّحريم كان ظهاراً ولو نوى به الطّلاق ، وإن حلف به كان يميناً مكفّرةً ، فإنّه إذا أوقعه كان قد أتى منكراً من القول وزوراً ، وكان أولى بكفّارة الظّهار ممّن شبّه امرأته بالمحرّمة ، وإذا حلف كان يميناً من الأيمان ، كما لو حلف بالتزام العتق والحجّ والصّدقة وأسهب في الاستدلال على ذلك .</p><p>شرائط اليمين التّعليقيّة :</p><p>81 - يشترط في اليمين التّعليقيّة شرائط بعضها يرجع إلى منشئ التّعليق ، وبعضها يرجع إلى جملة الشّرط ، وبعضها إلى جملة الجزاء . </p><p>شرائط منشئ التّعليق " وهو الحالف ":</p><p>82 - يشترط فيه شرائط مفصّلة في الحالف باللّه تعالى . </p><p>ما يشترط في جملة الشّرط :</p><p>83 - يشترط لصحّة التّعليق شرائط تتعلّق بالجملة الشّرطيّة ، وهي مفصّلة في المواضع الّتي يعتبر تعليقها يميناً ، ونشير هنا إليها إجمالاً وهي : </p><p>الشّريطة الأولى : أن يكون مدلول فعلها معدوماً ممكن الوجود . فالمحقّق نحو : إن كانت السّماء فوقنا فامرأتي طالق ، يعتبر تنجيزاً لا تعليقاً ، والمستحيل نحو : إن دخل الجمل في سمّ الخياط فزوجتي كذا ، يعتبر لغواً لعدم تصوّر الحنث . </p><p>84 - الشّريطة الثّانية : الإتيان بجملة الشّرط ، فلو أتى بأداة الشّرط ولم يأت بالجملة - ولا دليل عليها - كان الكلام لغواً ، ومثاله أن يقول : أنت طالق إن ، أو يقول بعد جملة الطّلاق " إن كان " أو " إن لم يكن " أو " إلاّ " أو " لولا " ففي كلّ هذه الأمثلة يكون الكلام لغواً عند أبي يوسف ، وهو المفتى به عند الحنفيّة كما في الدّرّ المختار ، وقال محمّد : تطلق للحال .</p><p>85 - الشّريطة الثّالثة : وصلها بجملة الجزاء ، فلو قال : إن دخلت الدّار ، ثمّ سكت ، ولو بقدر التّنفّس بلا تنفّسٍ وبلا ضرورةٍ ، أو تكلّم كلاماً أجنبيّاً ثمّ قال : فأنت طالق ، لم يصحّ التّعليق ، بل يكون طلاقاً منجّزاً . </p><p>86 - الشّريطة الرّابعة : ألاّ يقصد المتكلّم بالإتيان بها المجازاة ، فإن قصدها كانت جملة الجزاء تنجيزاً لا تعليقاً . مثال ذلك أن تنسب امرأة إلى زوجها أنّه فاسق ، فيقول لها : إن كنت كما قلت فأنت كذا ، فيتنجّز الطّلاق ، سواء أكان كما قالت أم لا ، لأنّه في الغالب لا يريد إلاّ إيذاءها بالطّلاق المنجّز عقوبةً لها على شتمه . فإن قال : قصدت التّعليق ، لم يقبل قضاءً ، بل يدين على ما أفتى به أهل بخارى من الحنفيّة . </p><p>87 - الشّريطة الخامسة : أن يكون مستقبلاً إثباتاً أو نفياً ، وهذه الشّريطة إنّما تشترط في تعليق الكفر لا في تعليق الطّلاق ونحوه . </p><p>ثمّ إنّ الّذين يشترطونها في تعليق الكفر إنّما هم الّذين يشترطونها في اليمين باللّه تعالى . والخلاصة أنّ تعليق الطّلاق ونحوه يصحّ في الماضي كما يصحّ في المستقبل ، لأنّه لا يعتبر غموساً عند مخالفة الواقع ، بخلاف تعليق الكفر ، فمن قال : إن كان الأمر على خلاف ما قلته ، أو : إن لم يكن الأمر كما قلته ، أو : إن كان الأمر على ما قال فلان فامرأتي كذا ، أو : فعليّ صوم شهرٍ ، أو : فهو يهوديّ ، فإن كان ما أثبته منفيّاً في الواقع ، أو ما نفاه ثابتاً في الواقع طلقت امرأته في الصّورة الأولى ، وتخيّر بين ما التزمه من الصّيام وبين كفّارة اليمين في الصّورة الثّانية ، وإلى يلزمه في الصّورة الأخيرة كفّارة يمينٍ عند من يقول بعدم كفّارة اليمين الغموس وسيأتي ذلك . </p><p>ما يشترط في جملة الجزاء :</p><p>88 - ليس كلّ تعليقٍ يصلح أن يكون يميناً شرعاً ، وإنّما الّذي يصلح ما كان جزاؤه واحداً من ستّةٍ ، وهي : الطّلاق والعتاق والتزام القربة والكفر والظّهار والحرام . </p><p>فيشترط في جملة الجزاء : أن يكون مضمونها واحداً في هذه السّتّة ، وقد صرّح الحنفيّة بالأربعة الأول فقط ، ولم يذكروا تعليق الظّهار ، ولا تعليق الحرام ، لكنّهم جعلوا تحريم الحلال في حكم اليمين باللّه تعالى ، وهو يشمل المنجّز والمعلّق ، فلم يبق خارجاً عن كلامهم سوى تعليق الظّهار . </p><p>ويشترط في جملة الجزاء شريطة ثانية وهي : ألاّ يذكر فيها استثناءً بنحو إن شاء اللّه ، أو إلاّ أن يشاء اللّه ، فمن قال : إن فعلت كذا فأنت طالق إن شاء اللّه ، أو قال أنت طالق إن شاء اللّه إنّ فعلت كذا ، أو قال أنت طالق إن فعلت كذا إن شاء اللّه بطل تعليقه . </p><p>وإلى هذا ذهب الحنفيّة والشّافعيّة . </p><p>وخالف المالكيّة والحنابلة ، فقالوا : لا يصحّ التّعليق بالمشيئة فيما لا كفّارة فيه ، ومثّل له المالكيّة بالطّلاق والعتاق والتزام القربة ، ومثّل له الحنابلة بالطّلاق والعتاق فقط ، لأنّ التزام القربة بقصد اليمين يلزم فيه ما التزمه عند المالكيّة ، ويخيّر فيه عند الحنابلة بين ما التزمه وبين كفّارة اليمين ، فعلى هذا يصحّ الاستثناء عند المالكيّة في : الحلف باللّه تعالى ، وبالظّهار ، وقول القائل : عليّ نذر أو عليّ يمين أو عليّ كفّارة . </p><p>وعند الحنابلة في : الحلف باللّه ، والظّهار ، وفي تعليق النّذر بقصد الحلف ، وتعليق الكفر . وهذا المنقول عن المالكيّة والحنابلة هو أشهر القولين عن مالكٍ وإحدى الرّوايتين عن أحمد . وقد رجّح ابن تيميّة الرّواية الأخرى الموافقة لقول الجمهور ، فقال : هذا القول هو الصّواب المأثور عن أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وجمهور التّابعين كسعيد بن المسيّب والحسن . لكن جرى صاحب المنتهى وغيره على اختصاص المشيئة بما يكفّر عنه فتكون الرّواية الأولى هي الرّاجحة عند متأخّري الحنابلة .</p><p>التّعليق الّذي لا يعدّ يميناً شرعاً :</p><p>89 - لمّا كانت التّعليقات السّتّة السّابقة إنّما تعدّ أيماناً في بعض الصّور ، وما عداها من التّعليقات لا يعدّ يميناً أصلاً كان التّعليق الّذي لا يعدّ يميناً نوعين . </p><p>أحدهما : ما لم يقصد به الحثّ ولا المنع ولا تحقيق الخبر ، وقد خالف الحنفيّة في ذلك فعدّوه يميناً ، واشترطوا أن يكون تعليقه تعليقاً محضاً . </p><p>وثانيهما : كلّ تعليقٍ من السّتّة اختلّت فيه شريطة من شرائط صحّة التّعليق . </p><p>تعليق غير السّتّة :</p><p>90 - كلّ تعليقٍ لغير السّتّة لا يعدّ يميناً شرعاً وإن كان القائل يقصد به تأكيد الحمل على شيءٍ أو المنع عنه أو الخبر . </p><p>ومن أمثلة ذلك أن يقول : إن فعلت كذا فأنا بريء من الشّفاعة ، لأنّ إنكار الشّفاعة بدعة ، وليس كفراً ، أو يقول : فصلاتي وصيامي لهذا الكافر قاصداً أنّ ثوابهما ينتقل إلى هذا الكافر ، فهذا القول ليس كفراً ، فإن قصد به أنّ صلاته وصيامه عبادة لهذا الكافر ، أي : أنّه يعبده كانت يميناً لأنّ هذا كفر . </p><p>ومن الأمثلة : إن فعل كذا فعليه غضب اللّه أو سخطه أو لعنته ، أو فهو زانٍ أو سارق أو شارب خمرٍ أو آكل رباً ، فليس شيء من ذلك يميناً شرعاً . هذا متّفق عليه بين الفقهاء . معنى الاستثناء :</p><p>91 - المراد بالاستثناء هنا هو التّعليق بمشيئة اللّه تعالى أو نحوه ممّا يبطل الحكم ، كما لو قال قائل : سأفعل كذا إن شاء اللّه . </p><p>وإنّما سمّي هذا التّعليق استثناءً لشبهه بالاستثناء المتّصل في صرف اللّفظ السّابق عن ظاهره . وبعضهم يسمّي هذا التّعليق ( استثناء تعطيلٍ ) لأنّه يعطّل العقد أو الوعد أو غيرهما . والفقهاء يذكرون هذا الاستثناء في الأيمان حينما يقولون : إنّ من شرائط صحّة اليمين عدم الاستثناء فإنّهم لا يريدون إلاّ الاستثناء ، بمعنى التّعليق بمشيئة اللّه تعالى ونحوه ، فإنّه هو الّذي لو وجد لبطل حكم اليمين . </p><p>والضّابط الّذي يجمع صور الاستثناء بالمشيئة : كلّ لفظٍ لا يتصوّر معه الحنث في اليمين ، كما لو قال الحالف عقب حلفه : إن شاء اللّه ، أو إلاّ أن يشاء اللّه ، أو ما شاء اللّه ، أو إلاّ أن يبدو لي غير هذا ، أو إن أعانني اللّه ، أو يسّر اللّه ، أو قال : بعون اللّه أو بمعونة اللّه أو بتيسيره . </p><p>التّعليق بالاستطاعة :</p><p>92 - لو قال الحالف : واللّه لأفعلنّ كذا إن استطعت أو : لأفعلنّ كذا إلاّ ألاّ أستطيع ، فإن أراد بها الاستطاعة الخاصّة بالفعل المحلوف عليه لم يحنث أبداً لأنّها مقارنة للفعل ، فلا توجد ما لم يوجد الفعل . وإن أراد الاستطاعة العامّة ، وهي سلامة الآلات والأسباب والجوارح والأعضاء ، فإن كانت له هذه الاستطاعة فلم يفعل حنث ، وإلاّ لم يحنث . </p><p>وهذا لأنّ لفظ الاستطاعة يحتمل كلّاً من المعنيين . قال اللّه تعالى في شأن المشركين : { أولئك لم يكونوا مُعْجِزينَ في الأرض وما كانَ لهم من دونِ اللّه من أولياءَ يُضَاعَفُ لهم العذابُ ما كانوا يَسْتَطيعون السّمعَ وما كانوا يُبْصِرون } وقال عزّ وجلّ حاكياً خطاب الخضر لموسى عليهما السلام { قال إنّك لن تَسْتطيع معي صبراً } والمراد في الآيتين الاستطاعة المقارنة للفعل ، وقال سبحانه وتعالى : { وَللّهِ على النّاسِ حجُّ البيتِ مَنْ استطاعَ إليه سبيلاً } وقال جلّ شأنه { والّذين يُظاهِرون من نسائِهم ثمّ يَعُودون لِمَا قالوا فَتَحْرِيرُ رَقبةٍ من قَبْل أنْ يتماسّا ذلكم تُوعظون به واللّه بما تعملون خبيرٌ فمنْ لَمْ يجدْ فصيامُ شهرين مُتَتَابعين مِن قَبْل أنْ يتماسّا فمن لم يَسْتطِع فإطعامُ ستّين مسكيناً ذلك لِتُؤْمِنُوا باللّه ورسولِه وتلك حدودُ اللّه ولِلْكافرين عذابٌ أليمٌ } والمراد بالاستطاعة في الموضعين سلامة الأسباب والآلات . </p><p>فإن لم يكن له نيّة وجب أن يحمل على المعنى الثّاني - وهو سلامة الأسباب - لأنّ هذا هو الّذي يراد في العرف والعادة ، فينصرف إليه اللّفظ عند الإطلاق . </p><p>أثر الاستثناء وما يؤثّر فيه :</p><p>93 - والاستثناء المتّصل " بإلاّ " ونحوها متى وجدت شرائطه أفاد التّخصيص في اليمين القسميّة والتّعليقيّة ، وفي غير اليمين أيضاً ، ومن أمثلة ذلك : واللّه لا آكل سمناً إلاّ في الشّتاء ، وإن أكلته في غير الشّتاء فنسائي طوالق إلاّ فلانة ، أو فعبيدي أحرار إلاّ فلاناً ، وإن كلّمت زيداً فعليّ المشي إلى مكّة إلاّ أن يكلّمني ابتداءً . </p><p>ومن أمثلتها أيضاً قول القائل : لفلانٍ عليّ عشرة دنانير إلاّ ثلاثةً ، وأنت طالق ثلاثاً إلاّ اثنتين كما سبق . </p><p>والاستثناء بمعنى تعليق المشيئة ونحوه يفيد إبطال الكلام الّذي قبله ، سواء أكان يميناً قسميّة أم يميناً تعليقيّةً أم غيرهما ، وإلى هذا ذهب الجمهور . </p><p>وذهب مالك في أشهر القولين ، وأحمد في إحدى الرّوايتين - وهي أرجحهما - إلى أنّه لا يفيد الإبطال ، إلاّ في اليمين باللّه تعالى وما في معناها ممّا فيه كفّارة ، فالطّلاق والعتاق لا يبطلان بتعليق المشيئة ، سواء أكانا منجّزين أم معلّقين ، فمن قال : أنت طالق إن شاء اللّه ، أو إذا طلعت الشّمس فأنت طالق إن شاء اللّه ، أو إن خرجت من الدّار فأنت طالق إن شاء اللّه ، يقع طلاقه منجّزاً في المثال الأوّل ، ويقع عند طلوع الشّمس في المثال الثّاني ، وعند خروجها من الدّار في المثال الثّالث ، وأمّا تعليق التزام القربة بقصد اليمين فعند المالكيّة : يلزمه فيه ما التزمه ، فلا يصحّ تعليقه بالمشيئة فلا تبطل اليمين به ، وعند الحنابلة تجب فيه الكفّارة فيصحّ عندهم تعليقه بالمشيئة . وهناك قول ثالث ذهب إليه ابن تيميّة في فتاواه ، وهو : أنّ المشيئة تفيد الإبطال في كلّ ما كان حلفاً سواء أكان قسماً باللّه أم تعليقاً للطّلاق وغيره ، ولا تفيد الإبطال فيما ليس حلفاً كتنجيز الطّلاق والعتاق والتزام القربة وتعليقها بغير قصد الحلف كتعليقها على طلوع الشّمس . </p><p>94 - هذا ويمكن الاستدلال على ما ذهب إليه الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم : « من حلف على يمينٍ فقال : إن شاء اللّه فلا حنث عليه » فقوله صلى الله عليه وسلم : « من حلف » يشمل الحالف بالصّيغة القسميّة وبالصّيغة التّعليقيّة ، ويقاس عليه كلّ عقدٍ وكلّ حلٍّ. </p><p>شرائط صحّة الاستثناء :</p><p>95 - يشترط لصحّة الاستثناء شرائط :</p><p> الشّريطة الأولى : الدّلالة عليه باللّفظ أو ما يقوم مقامه من كتابةٍ أو إشارة أخرس - كما تقدّم في شرائط الحالف - ثمّ إن كانت باللّفظ وجب الإسماع ولو بالقوّة عند الجمهور ، خلافاً للمالكيّة والكرخيّ من الحنفيّة . </p><p>ثمّ اشتراط الدّلالة باللّفظ وما يقوم مقامه يخرج به ما لو نوى الاستثناء من غير أن يدلّ عليه ، فلا تكفي النّيّة في الاستثناء ، لكن قال المالكيّة : إنّ النّيّة تكفي في الاستثناء بإلاّ وأخواتها قبل انتهاء النّطق باليمين ، وكالاستثناء بإلاّ سائر التّخصيصات كالشّرط ، والصّفة ، والغاية ، ومثال الشّرط : واللّه لا أكلّم زيداً إن لم يأتني ، ومثال الصّفة : لا أكلّمه وهو راكب ، لأنّ المراد بالصّفة ما يشمل الحال ، ومثال الغاية : لا أكلّمه حتّى تغرب الشّمس . </p><p>وتفصيله في ( استثناءٍ وطلاقٍ ) . </p><p>96 - وقال الحنابلة : يشترط نطق غير المظلوم الخائف ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً « من حلف على يمينٍ فقال : إن شاء اللّه فلا حنث عليه » ومعلوم أنّ قوله صلى الله عليه وسلم فقال ... " يدلّ على اشتراط النّطق باللّسان ، لأنّ القول هو اللّفظ ، وأمّا المظلوم الخائف فتكفيه نيّته ، لأنّ يمينه غير منعقدةٍ ، أو لأنّه بمنزلة المتأوّل . </p><p>97 - الشّريطة الثّانية : أن يصل المتكلّم الاستثناء بالكلام السّابق ، فلو فصل عنه بسكوتٍ كثيرٍ بغير عذرٍ ، أو بكلامٍ أجنبيٍّ لم يصحّ الاستثناء ، فلا يخصّص ما قبله إن كان استثناءً بنحو إلاّ ، ولا يلغيه إن كان بنحو المشيئة . </p><p>ومن الأعذار : التّنفّس والسّعال والجشاء والعطاس وثقل اللّسان وإمساك إنسانٍ فم المتكلّم ، فالفصل بالسّكوت لهذه الأعذار كلّها لا يضرّ . </p><p>والمراد بالسّكوت الكثير ما كان بقدر التّنفّس بغير تنفّسٍ ، على ما أفاده الكمال بن الهمام . والمراد بالكلام الأجنبيّ ما لم يفد معنًى جديداً ، كما لو قال : أنت طالق ثلاثاً وثلاثاً إلاّ واحدةً إن شاء اللّه ، فهذا العطف لغو ، لأنّ الثّلاث هي أكثر الطّلاق فلا يصحّ الاستثناء . </p><p>98 - وهذه الشّريطة إجمالاً ( وهي عدم الفصل بلا عذرٍ ) متّفق عليها بين عامّة أهل العلم ، وإنّما الخلاف في الفاصل من سكوتٍ أو كلامٍ ، متى يعدّ مانعاً من الاستثناء ومتى لا يعدّ ؟ والتّفاصيل الّتي سبق ذكرها هي الّتي نصّ عليها الحنفيّة ، وفي كتب المذاهب الأخرى تفاصيل يطول الكلام عليها ، فلتراجع في مواضعها من كتب الفقه . </p><p>وقد روي عن بعض الصّحابة والتّابعين عدم اشتراط هذه الشّريطة ، فقد أخرج ابن جريرٍ والطّبرانيّ وابن المنذر وغيرهم عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنةٍ ويقرأ قوله تعالى : { ولا تَقولَنَّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غداً إلاّ أن يشاءَ اللّهُ واذكر ربَّك إذا نَسِيتَ } وهو رواية عن الإمام أحمد ، وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبيرٍ في رجلٍ حلف ونسي أن يستثني ، قال : له ثنيّاه إلى شهرٍ ، وأخرج ابن أبي حاتمٍ من طريق عمرو بن دينارٍ عن عطاءٍ أنّه قال : من حلف على يمينٍ فله الثّنيّا حلب ناقةٍ قال : وكان طاوسٍ يقول : ما دام في مجلسه ، وأخرج ابن أبي حاتمٍ أيضاً عن إبراهيم النّخعيّ قال : يستثني ما دام في كلامه . </p><p>وممّا يؤيّد اشتراط عدم الفصل أنّه لو صحّ جواز الفصل وعدم تأثيره في الأحكام ، ولا سيّما إلى الغاية المرويّة عن ابن عبّاسٍ ، لما تقرّر إقرار ولا طلاق ولا عتاق ، ولم يعلم صدق ولا كذب . وأيضاً لو صحّ هذا لأقرّ اللّه نبيّه أيّوب عليه السلام بالاستثناء رفعاً للحنث ، فإنّه أقلّ مؤنةً ممّا أرشده سبحانه إليه بقوله تعالى : { وخُذْ بيدِك ضِغْثاً فاضْرِبْ به ولا تَحْنَثْ } . </p><p>99 - الشّريطة الثّالثة : القصد : وهذه الشّريطة ذكرها المالكيّة وعنوا بها : قصد اللّفظ مع قصد معناه ، وخرج بذلك أمران . </p><p>أحدهما : أن يجري اللّفظ على لسان الحالف من غير قصدٍ ، فلا يعتبر الاستثناء بإلاّ مخصّصاً ، ولا الاستثناء بالمشيئة مبطلاً . </p><p>ثانيهما : ما لو قصد التّبرّك بذكر المشيئة ، أو قصد الإخبار بأنّ هذا الأمر يحصل بمشيئة اللّه تعالى ، ففي هذه الحال لا تبطل اليمين ، بل تبقى منعقدةً ، وكذا لو لم يقصد شيئاً ، بأن قصد مجرّد النّطق بلفظ الاستثناء بنوعيه من غير أن ينوي تخصيص اليمين وحلّها . </p><p>وقد اتّفق المالكيّة على أنّ قصد الاستثناء إن كان مع اليمين من أوّلها أو في أثنائها صحّ الاستثناء ، فإن كان بعد الفراغ من النّطق باليمين صحّ على المشهور ، فعليه لو حلف ، فذكّره إنسان قائلاً : قل إن شاء اللّه أو إلاّ أن يشاء اللّه أو نحو ذلك ، فقاله بغير فصلٍ ، ولم يكن في نيّته من قبل فإنّه يصحّ ، ولم يذكر الحنفيّة هذه الشّريطة . </p><p>والشّافعيّة والحنابلة شرطوا القصد مع العلم بالمعنى ، وشرطوا كون القصد قبل الفراغ من اليمين ، وقالوا : لو لم يقصد الاستثناء إلاّ بعد الفراغ من اليمين لم يصحّ ، لأنّه يلزم عليه رفع اليمين بعد انعقادها ، وقالوا أيضاً : يصحّ تقديم الاستثناء وتوسيطه .</p><p>100 - الشّريطة الرّابعة : أن يكون حلفه في غير توثّقٍ بحقٍّ . </p><p>وهذه الشّريطة نصّ عليها المالكيّة . وإيضاحها : أنّه يشترط في صحّة الاستثناء أن يكون الحلف الّذي ذكر معه الاستثناء في غير توثّقٍ بحقٍّ ، كما لو شرط عليه في عقد نكاحٍ ألاّ يضرّ زوجته في عشرةٍ ، أو لا يخرجها من بلدها ، وكأن يشرط عليه في بيعٍ أن يأتي بالثّمن في وقت كذا ، وطلب منه يمين على ذلك ، فحلف واستثنى سرّاً لم يفده الاستثناء عند سحنونٍ وأصبغ وابن الموّاز ، لأنّ اليمين على نيّة المستحلف عند هؤلاء ، وهذا هو المشهور عند المالكيّة ، خلافاً لما قاله ابن القاسم في العتبيّة من أنّه ينفع الاستثناء فيما ذكر ، فلا تلزمه الكفّارة ، لكن يحرم عليه بمنعه حقّ الغير . </p><p>والّذي يتصفّح كتب المذاهب الأخرى يجد أنّه ما من مذهبٍ إلاّ يرى أصحابه ، أنّ اليمين تكون على نيّة المستحلف في بعض الصّور ، وسيأتي ذلك ، فيمكن التّعبير عن هذه الشّريطة بأن يقال : يشترط في صحّة الاستثناء ألاّ يكون على خلاف نيّة المستحلف ، في الصّور الّتي يجب فيها مراعاة نيّته .</p><p>أحكام اليمين</p><p> 101 - تقدّم أنّ اليمين إمّا أن تكون قسميّةً ، وإمّا أن تكون تعليقيّةً . ولكلٍّ منهما أحكام . </p><p>أحكام اليمين القسميّة : </p><p>أحكام اليمين القسميّة تختلف باختلاف أنواعها ، وفيما يلي بيان هذه الأنواع ثمّ بيان أحكامها . أنواع اليمين القسميّة : قسّم الحنفيّة اليمين باللّه تعالى وما ألحق بها كتعليق الكفر - من حيث الكذب وعدمه - إلى ثلاثة أنواعٍ ، وهي : اليمين الغموس ، واليمين اللّغو ، واليمين المعقودة .</p><p>102 - فاليمين الغموس : هي الكاذبة عمداً في الماضي أو الحال أو الاستقبال ، سواء أكانت على النّفي أم على الإثبات كأن يقول : واللّه ما فعلت كذا ، وهو يعلم أنّه فعله ، أو واللّه لقد فعلت كذا ، وهو يعلم أنّه لم يفعله ، أو : واللّه مالك عليّ دين ، وهو يعلم أنّ للمخاطب ديناً عليه ، أو : واللّه لا أموت أبداً . </p><p>وكأن يقول : إن كنت فعلت كذا ، أو إن لم أكن فعلته ، أو إن كان لك عليّ دين ، أو إن متّ فأنا يهوديّ أو نصرانيّ . هذا تعريفها عند الحنفيّة . </p><p>وذهب المالكيّة إلى أنّ الغموس هي الحلف باللّه مع شكٍّ من الحالف في المحلوف عليه ، أو مع ظنٍّ غير قويٍّ ، أو مع تعمّد الكذب ، سواء أكان على ماضٍ نحو : واللّه ما فعلت كذا ، أو لم يفعل زيد كذا ، مع شكّه في عدم الفعل ، أو ظنّه عدمه ظنّاً غير قويٍّ ، أو جزمه بأنّه قد فعل ، أم كان على حاضرٍ نحو : واللّه إنّ زيداً لمنطلق أو مريض ، وهو جازم بعدم ذلك ، أو متردّد في وجوده على سبيل الشّكّ أو الظّنّ غير القويّ ، أم كان على مستقبلٍ نحو : واللّه لآتينّك غداً ، أو لأقضينّك حقّك غداً وهو جازم بعدم ذلك ، أو متردّد في حصوله على سبيل الشّكّ أو الظّنّ غير القويّ . </p><p>وقال الشّافعيّة والحنابلة إنّ الغموس هي المحلوفة على ماضٍ مع كذب صاحبها وعلمه بالحال . والحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة لا يوافقون المالكيّة على التّوسّع في تفسير الغموس .</p><p>103 - واليمين اللّغو : اختلفوا في تفسيرها أيضاً ، فقال الحنفيّة : هي اليمين الكاذبة خطأً أو غلطاً في الماضي أو في الحال ، وهي : أن يخبر إنسان عن الماضي أو عن الحال على الظّنّ أنّ المخبر به كما أخبر ، وهو بخلافه ، سواء أكان ذلك في النّفي أم في الإثبات ، وسواء أكانت إقساماً باللّه تعالى أم تعليقاً للكفر ، كقوله : واللّه ما كلّمت زيداً ، وفي ظنّه أنّه لم يكلّمه ، والواقع أنّه كلّمه . </p><p>هكذا روي عن محمّدٍ ، وهو الّذي اقتصر عليه أصحاب المتون من الحنفيّة . </p><p>وروى محمّد عن أبي حنيفة أنّ اللّغو : ما يجري بين النّاس من قولهم لا واللّه وبلى واللّه ، أي من غير قصد اليمين . </p><p>والتّحقيق أنّه يعتبر عند الحنفيّة نوعاً آخر من اللّغو ، فيكون اللّغو عندهم نوعين وكلاهما في الماضي والحاضر دون المستقبل . </p><p>وقال المالكيّة : إنّ اللّغو هو الحلف باللّه على شيءٍ يعتقده على سبيل الجزم أو الظّنّ القويّ فيظهر خلافه سواء أكان المحلوف عليه إثباتاً أم نفياً ، وسواء أكان ماضياً أم حاضراً أم مستقبلاً . ويلاحظ أنّهم مثّلوا بالمستقبل بما لو قال " واللّه لأفعلنّ كذا " مع الجزم أو الظّنّ القويّ بفعله ثمّ لم يفعله . </p><p>وقال الشّافعيّة : اليمين اللّغو هي الّتي يسبق اللّسان إلى لفظها بلا قصدٍ لمعناها ، كقولهم " لا واللّه " " وبلى واللّه " في نحو صلة كلامٍ أو غضبٍ سواء أكان ذلك في الماضي أم الحال أم المستقبل . وهم يخالفون الحنفيّة في هذا الأخير ، وهو ما كان في المستقبل . </p><p>وذهب الحنابلة إلى أنّ لغو اليمين كما يقول الشّافعيّة ، ووافقوهم أيضاً في أنّ من حلف على ماضٍ كاذباً جاهلاً صدّق نفسه ، أو ظانّاً صدق نفسه ، فتبيّن خلافه لا تنعقد يمينه ، ويؤخذ من هذا أنّ ما يسمّيه الحنفيّة وغيرهم لغواً يوافقهم الشّافعيّة على حكمه ، وإن لم يسمّوه لغواً . ونقل صاحب غاية المنتهى عن الشّيخ تقيّ الدّين أنّ من حلف على مستقبلٍ ظانّاً صدق نفسه فتبيّن بخلافه لا تنعقد يمينه ، وكذا من حلف على غيره ظانّاً أنّه يطيعه فلم يفعل فلا كفّارة فيه أيضاً ، لأنّه لغو ، ثمّ قال : والمذهب خلافه . </p><p>ثمّ من هؤلاء من يوجب الكفّارة ، لقوله تعالى في هذه الآية { فَكَفّارتُه إطعامُ عَشَرَةِ مساكينَ من أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكم أو كِسْوَتُهم أو تحريرُ رقبةٍ فمن لم يَجِدْ فصيامُ ثلاثةِ أيّامٍ ذلك كفّارةُ أَيْمانِكم إذا حَلَفْتُم } أي حلفتم وحنثتم . </p><p>ومنهم من لا يوجب الكفّارة لما يأتي في بيان حكم اليمين باللّه تعالى .</p><p>104 - ووجه قول الشّافعيّة ومن وافقهم : ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت :</p><p> « أنزلت هذه الآية - { لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم } - في قول الرّجل : لا واللّه وبلى واللّه » ومعلوم أنّ السّيّدة عائشة رضي الله عنها شهدت التّنزيل وقد جزمت بأنّ الآية نزلت في هذا المعنى ، قال الشّوكانيّ في نيل الأوطار : إنّ القرآن الكريم قد دلّ على عدم المؤاخذة في يمين اللّغو ، وذلك يعمّ الإثم والكفّارة ، فلا يجبان ، والمتوجّه الرّجوع في معرفة معنى اللّغو إلى اللّغة العربيّة ، وأهل عصره صلى الله عليه وسلم أعرف النّاس بمعاني كتاب اللّه تعالى ، لأنّهم مع كونهم من أهل اللّغة قد كانوا من أهل الشّرع ومن المشاهدين للرّسول صلى الله عليه وسلم والحاضرين في أيّام النّزول ، فإذا صحّ عن أحدهم تفسير لم يعارضه ما يرجّح عليه أو يساويه وجب الرّجوع إليه ، وإن لم يوافق ما نقله أئمّة اللّغة في معنى ذلك اللّفظ ، لأنّه يمكن أن يكون المعنى الّذي نقله إليه شرعيّاً لا لغويّاً ، والشّرعيّ مقدّم على اللّغويّ كما تقرّر في الأصول ، فكان الحقّ فيما نحن بصدده ، هو أنّ اللّغو ما قالته عائشة رضي الله عنها . </p><p>فثبت أنّ اليمين اللّغو هي الّتي لا يقصدها الحالف ، وإن كانت على مستقبلٍ . </p><p>وأيضاً أنّ اللّه تعالى قابل اليمين اللّغو باليمين المكسوبة بالقلب بقوله عزّ وجلّ : { لا يؤاخِذُكم اللّه باللّغوِ في أيمانِكم ولكنْ يؤاخِذُكم بما كسبتْ قلوبُكم } . </p><p>والمكسوبة هي المقصودة ، فكانت غير المقصودة داخلةً في قسم اللّغو بلا فصلٍ بين ماضيه وحاله ومستقبله تحقيقاً للمقابلة . </p><p>ووجه قول الحنفيّة ومن وافقهم : أنّ اللّه عزّ وجلّ قابل اللّغو بالمعقودة ، وفرّق بينهما بالمؤاخذة ونفيها ، فوجب أن تكون اللّغو غير المعقودة تحقيقاً للمقابلة ، واليمين على المستقبل معقودة سواء أكانت مقصودةً أم لا ، فلا تكون لغواً .</p><p>105 - وأيضاً اللّغو في اللّغة : اسم للشّيء الّذي لا حقيقة له ، قال اللّه تعالى : { لا يَسْمَعُونَ فيها لَغْواً } أي باطلاً ، وقال عزّ وجلّ خبراً عن الكفرة { وقال الّذين كفروا لا تَسْمعوا لهذا القرآنِ والْغَوْا فيه } وذلك يتحقّق في الحلف على ظنٍّ من الحالف أنّ الأمر كما حلف عليه ، والحقيقة بخلافه ، وكذا ما يجري على اللّسان من غير قصدٍ لكن في الماضي أو الحال . فهو ما لا حقيقة له . </p><p>وقد روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّه قال : اللّغو أن يحلف الرّجل على الشّيء يراه حقّاً وليس بحقٍّ . وبه تبيّن أنّ المراد من قول عائشة رضي الله عنها : أنّ اللّغو في الأيمان قول الرّجل لا واللّه وبلى واللّه ، إنّما أرادت به التّمثيل لا الحصر ، وأيضاً إنّه خاصّ بالماضي والحاضر ليكون النّوعان متماثلين .</p><p>106 - واليمين المعقودة : وهي اليمين على أمرٍ في المستقبل غير مستحيلٍ عقلاً ، سواء أكان نفياً أم إثباتاً ، نحو : واللّه لا أفعل كذا أو واللّه لأفعلنّ كذا . هذا قول الحنفيّة . </p><p>وأفاد المالكيّة أنّ اليمين المنعقدة هي : ما لم تكن غموساً ولا لغواً . </p><p>ومن تأمّل في معنى الغموس واللّغو عندهم لم يجد ما يسمّى منعقدةً سوى الحلف باللّه على ما طابق الواقع من ماضٍ أو حاضرٍ ، أو ما يطابقه من مستقبلٍ ، لأنّ ما عدا ذلك إمّا غموس وإمّا لغو ، لكن يلحق بالمنعقدة الغموس واللّغو في المستقبل ، وكذا الغموس في الحاضر كما سيأتي في الأحكام . </p><p>وأفاد الشّافعيّة أنّ كلّ يمينٍ لا تعدّ لغواً عندهم فهي منعقدة ، فيدخل فيها الغموس ، كما يدخل فيها الحلف على المستقبل الممكن . وبيان ذلك أنّ اليمين إن كان التّلفّظ بها غير مقصودٍ كانت لغواً ، سواء أكانت في الماضي أم في الحال أم في المستقبل ، وإن كان التّلفّظ بها مقصوداً ، وكانت إخباراً مبنيّاً على اليقين أو الظّنّ أو الجهل ، وتبيّن خلافها كانت لغواً أيضاً ، ما لم يجزم الحالف بأنّ الّذي حلف عليه هو الواقع ، فحينئذٍ تكون منعقدةً ويحنث فيها . وإن كانت إخباراً مبنيّاً على اعتقاد مخالفة الواقع يقيناً أو ظنّاً فهي غموس ، وهي منعقدة أيضاً . وإن كانت للحثّ أو المنع وكان المحلوف عليه ممكناً فإنّها تكون منعقدةً أيضاً . </p><p>وأمّا إذا كان واجباً فإنّها صادقة قطعاً ولا تعدّ يميناً . </p><p>وإن كان مستحيلاً فهي كاذبة قطعاً وتكون منعقدةً وحانثةً . </p><p>وقال الحنابلة : إنّ اليمين على المستقبل إذا كان التّلفّظ بها مقصوداً ، وكان الحالف مختاراً ، وكانت على ممكنٍ أو على إثبات مستحيلٍ أو نفي واجبٍ ، لكنّ الشّيخ تقيّ الدّين أخرج منها من حلف على مستقبلٍ ظانّاً صدق نفيه فتبيّن بخلافه ، ومن حلف على غيره ظانّاً أنّه يطيعه فلم يطعه .</p><p>107 - وتنوّع اليمين إلى الأنواع الثّلاثة الّتي أساسها الكذب وعدمه هو اصطلاح الحنفيّة والشّافعيّة وموافقوهم لا يقسّمون اليمين إلى الأنواع الثّلاثة ، وإنّما يقسّمونها - من حيث القصد وعدمه - إلى قسمين فقط ، وهما : اللّغو والمعقودة . فاللّغو هي الّتي لم تقصد ، وكذا الّتي قصدت وكانت إخباراً عن الظّنّ ، والمعقودة هي الّتي قصدت وكانت للحمل أو المنع ، أو كانت للإخبار صدقاً أو كذباً عمداً .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41065, member: 329"] أمثلة الكفر المعلّق على الشّرط : 77 - منها : أن يخبر الإنسان عن نفسه أنّه إن فعل كذا ، أو إن لم يفعل كذا أو إن حصل كذا ، أو إن لم يحصل كذا ، أو إن لم يكن الأمر كذا ، فهو يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ ، أو كافر أو شريك الكفّار أو مرتدّ ، أو بريء من اللّه أو من رسول اللّه أو من القرآن أو كلام اللّه أو الكعبة أو القبلة ، أو بريء ممّا في المصحف ، أو بريء ممّا في هذا الدّفتر إذا كان في الدّفتر شيء من القرآن ولو البسملة ، أو بريء من المؤمنين أو من الصّلاة أو الصّيام أو الحجّ . ومنها : أن يخبر عن نفسه أنّه يعبد الصّليب ، أو يستحلّ الخمر أو الزّنى إن لم يفعل كذا . ويستدلّ لمن قال : إنّه ليس يميناً بأنّه ليس حلفاً باسم اللّه تعالى ولا صفته ، فلا يكون يميناً ، كما لو قال : عصيت اللّه تعالى فيما أمرني إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا ، وكما لو حلف بالكعبة أو بأبيه . 78 - ويستدلّ لمن قال إنّه يمين بما يأتي : أ - روي عن الزّهريّ عن خارجة بن زيدٍ عن أبيه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه « سئل عن الرّجل يقول : هو يهوديّ أو نصرانيّ أو مجوسيّ أو بريء من الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء ؟ فقال : عليه كفّارة يمينٍ » . ب - إنّ الحالف بذلك لمّا ربط مالاً يريده بالكفر كان رابطاً لنقيضه بالإيمان باللّه ، فكان مثل الحالف باللّه ، لأنّه يربط الشّيء المحلوف عليه بإيمانه باللّه تعالى . تعليق الظّهار : 79 - الظّهار - كقول الرّجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمّي - يشبه القسم من حيث إنّه قول يستوجب الامتناع عن شيءٍ ، ويقتضي الكفّارة غير أنّها أعظم من كفّارة القسم . ومن هنا سمّى بعض العلماء الظّهار يميناً ، وقد نقل ابن تيميّة عن أصحاب الحنابلة كالقاضي أبي يعلى وغيره أنّ من قال : أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا لزمه ما يفعله في اليمين باللّه والنّذر والطّلاق والعتاق والظّهار . تعليق الحرام : 80 - سبق الكلام على تحريم العين أو الفعل ، وأنّه يعدّ يميناً عند بعض الفقهاء وإن كان منجّزاً . كما سبق أنّ قول الرّجل : الحرام يلزمني لأفعلنّ كذا ، يعدّ طلاقاً أو ظهاراً أو عتاقاً أو يميناً . وأيّاً ما كان ، فتعليق الحرام يقال فيه ما قيل في تعليق الطّلاق والظّهار ، فلا حاجة للإطالة به . ومن أمثلته أن يقول : إن فعلت كذا أو إن لم أفعل كذا أو إن كان الأمر كذا أو إن لم يكن الأمر كذا فزوجتي عليّ حرام . هذه أمثلة للتّعليق الصّريح . وأمّا التّعليق المقدّر فمن أمثلته : عليّ الحرام ، أو الحرام يلزمني ، أو زوجتي عليّ حرام لأفعلنّ كذا أو لا أفعل كذا ، أو لقد كان كذا أو لم يكن كذا . وقد نقل ابن القيّم في قول القائل أنت عليّ حرام وقوله : ما أحلّ اللّه عليّ حرام . وقوله : أنت عليّ كالميتة والدّم ولحم الخنزير خمسة عشر مذهباً ، ويكفي هنا الإشارة إليها . وقد سبق بيان المذاهب فيها . ثمّ نقل عن شيخ الإسلام ابن تيميّة اختيار مذهبٍ فوق الخمسة عشرة ، وهو أنّه إن أوقع التّحريم كان ظهاراً ولو نوى به الطّلاق ، وإن حلف به كان يميناً مكفّرةً ، فإنّه إذا أوقعه كان قد أتى منكراً من القول وزوراً ، وكان أولى بكفّارة الظّهار ممّن شبّه امرأته بالمحرّمة ، وإذا حلف كان يميناً من الأيمان ، كما لو حلف بالتزام العتق والحجّ والصّدقة وأسهب في الاستدلال على ذلك . شرائط اليمين التّعليقيّة : 81 - يشترط في اليمين التّعليقيّة شرائط بعضها يرجع إلى منشئ التّعليق ، وبعضها يرجع إلى جملة الشّرط ، وبعضها إلى جملة الجزاء . شرائط منشئ التّعليق " وهو الحالف ": 82 - يشترط فيه شرائط مفصّلة في الحالف باللّه تعالى . ما يشترط في جملة الشّرط : 83 - يشترط لصحّة التّعليق شرائط تتعلّق بالجملة الشّرطيّة ، وهي مفصّلة في المواضع الّتي يعتبر تعليقها يميناً ، ونشير هنا إليها إجمالاً وهي : الشّريطة الأولى : أن يكون مدلول فعلها معدوماً ممكن الوجود . فالمحقّق نحو : إن كانت السّماء فوقنا فامرأتي طالق ، يعتبر تنجيزاً لا تعليقاً ، والمستحيل نحو : إن دخل الجمل في سمّ الخياط فزوجتي كذا ، يعتبر لغواً لعدم تصوّر الحنث . 84 - الشّريطة الثّانية : الإتيان بجملة الشّرط ، فلو أتى بأداة الشّرط ولم يأت بالجملة - ولا دليل عليها - كان الكلام لغواً ، ومثاله أن يقول : أنت طالق إن ، أو يقول بعد جملة الطّلاق " إن كان " أو " إن لم يكن " أو " إلاّ " أو " لولا " ففي كلّ هذه الأمثلة يكون الكلام لغواً عند أبي يوسف ، وهو المفتى به عند الحنفيّة كما في الدّرّ المختار ، وقال محمّد : تطلق للحال . 85 - الشّريطة الثّالثة : وصلها بجملة الجزاء ، فلو قال : إن دخلت الدّار ، ثمّ سكت ، ولو بقدر التّنفّس بلا تنفّسٍ وبلا ضرورةٍ ، أو تكلّم كلاماً أجنبيّاً ثمّ قال : فأنت طالق ، لم يصحّ التّعليق ، بل يكون طلاقاً منجّزاً . 86 - الشّريطة الرّابعة : ألاّ يقصد المتكلّم بالإتيان بها المجازاة ، فإن قصدها كانت جملة الجزاء تنجيزاً لا تعليقاً . مثال ذلك أن تنسب امرأة إلى زوجها أنّه فاسق ، فيقول لها : إن كنت كما قلت فأنت كذا ، فيتنجّز الطّلاق ، سواء أكان كما قالت أم لا ، لأنّه في الغالب لا يريد إلاّ إيذاءها بالطّلاق المنجّز عقوبةً لها على شتمه . فإن قال : قصدت التّعليق ، لم يقبل قضاءً ، بل يدين على ما أفتى به أهل بخارى من الحنفيّة . 87 - الشّريطة الخامسة : أن يكون مستقبلاً إثباتاً أو نفياً ، وهذه الشّريطة إنّما تشترط في تعليق الكفر لا في تعليق الطّلاق ونحوه . ثمّ إنّ الّذين يشترطونها في تعليق الكفر إنّما هم الّذين يشترطونها في اليمين باللّه تعالى . والخلاصة أنّ تعليق الطّلاق ونحوه يصحّ في الماضي كما يصحّ في المستقبل ، لأنّه لا يعتبر غموساً عند مخالفة الواقع ، بخلاف تعليق الكفر ، فمن قال : إن كان الأمر على خلاف ما قلته ، أو : إن لم يكن الأمر كما قلته ، أو : إن كان الأمر على ما قال فلان فامرأتي كذا ، أو : فعليّ صوم شهرٍ ، أو : فهو يهوديّ ، فإن كان ما أثبته منفيّاً في الواقع ، أو ما نفاه ثابتاً في الواقع طلقت امرأته في الصّورة الأولى ، وتخيّر بين ما التزمه من الصّيام وبين كفّارة اليمين في الصّورة الثّانية ، وإلى يلزمه في الصّورة الأخيرة كفّارة يمينٍ عند من يقول بعدم كفّارة اليمين الغموس وسيأتي ذلك . ما يشترط في جملة الجزاء : 88 - ليس كلّ تعليقٍ يصلح أن يكون يميناً شرعاً ، وإنّما الّذي يصلح ما كان جزاؤه واحداً من ستّةٍ ، وهي : الطّلاق والعتاق والتزام القربة والكفر والظّهار والحرام . فيشترط في جملة الجزاء : أن يكون مضمونها واحداً في هذه السّتّة ، وقد صرّح الحنفيّة بالأربعة الأول فقط ، ولم يذكروا تعليق الظّهار ، ولا تعليق الحرام ، لكنّهم جعلوا تحريم الحلال في حكم اليمين باللّه تعالى ، وهو يشمل المنجّز والمعلّق ، فلم يبق خارجاً عن كلامهم سوى تعليق الظّهار . ويشترط في جملة الجزاء شريطة ثانية وهي : ألاّ يذكر فيها استثناءً بنحو إن شاء اللّه ، أو إلاّ أن يشاء اللّه ، فمن قال : إن فعلت كذا فأنت طالق إن شاء اللّه ، أو قال أنت طالق إن شاء اللّه إنّ فعلت كذا ، أو قال أنت طالق إن فعلت كذا إن شاء اللّه بطل تعليقه . وإلى هذا ذهب الحنفيّة والشّافعيّة . وخالف المالكيّة والحنابلة ، فقالوا : لا يصحّ التّعليق بالمشيئة فيما لا كفّارة فيه ، ومثّل له المالكيّة بالطّلاق والعتاق والتزام القربة ، ومثّل له الحنابلة بالطّلاق والعتاق فقط ، لأنّ التزام القربة بقصد اليمين يلزم فيه ما التزمه عند المالكيّة ، ويخيّر فيه عند الحنابلة بين ما التزمه وبين كفّارة اليمين ، فعلى هذا يصحّ الاستثناء عند المالكيّة في : الحلف باللّه تعالى ، وبالظّهار ، وقول القائل : عليّ نذر أو عليّ يمين أو عليّ كفّارة . وعند الحنابلة في : الحلف باللّه ، والظّهار ، وفي تعليق النّذر بقصد الحلف ، وتعليق الكفر . وهذا المنقول عن المالكيّة والحنابلة هو أشهر القولين عن مالكٍ وإحدى الرّوايتين عن أحمد . وقد رجّح ابن تيميّة الرّواية الأخرى الموافقة لقول الجمهور ، فقال : هذا القول هو الصّواب المأثور عن أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وجمهور التّابعين كسعيد بن المسيّب والحسن . لكن جرى صاحب المنتهى وغيره على اختصاص المشيئة بما يكفّر عنه فتكون الرّواية الأولى هي الرّاجحة عند متأخّري الحنابلة . التّعليق الّذي لا يعدّ يميناً شرعاً : 89 - لمّا كانت التّعليقات السّتّة السّابقة إنّما تعدّ أيماناً في بعض الصّور ، وما عداها من التّعليقات لا يعدّ يميناً أصلاً كان التّعليق الّذي لا يعدّ يميناً نوعين . أحدهما : ما لم يقصد به الحثّ ولا المنع ولا تحقيق الخبر ، وقد خالف الحنفيّة في ذلك فعدّوه يميناً ، واشترطوا أن يكون تعليقه تعليقاً محضاً . وثانيهما : كلّ تعليقٍ من السّتّة اختلّت فيه شريطة من شرائط صحّة التّعليق . تعليق غير السّتّة : 90 - كلّ تعليقٍ لغير السّتّة لا يعدّ يميناً شرعاً وإن كان القائل يقصد به تأكيد الحمل على شيءٍ أو المنع عنه أو الخبر . ومن أمثلة ذلك أن يقول : إن فعلت كذا فأنا بريء من الشّفاعة ، لأنّ إنكار الشّفاعة بدعة ، وليس كفراً ، أو يقول : فصلاتي وصيامي لهذا الكافر قاصداً أنّ ثوابهما ينتقل إلى هذا الكافر ، فهذا القول ليس كفراً ، فإن قصد به أنّ صلاته وصيامه عبادة لهذا الكافر ، أي : أنّه يعبده كانت يميناً لأنّ هذا كفر . ومن الأمثلة : إن فعل كذا فعليه غضب اللّه أو سخطه أو لعنته ، أو فهو زانٍ أو سارق أو شارب خمرٍ أو آكل رباً ، فليس شيء من ذلك يميناً شرعاً . هذا متّفق عليه بين الفقهاء . معنى الاستثناء : 91 - المراد بالاستثناء هنا هو التّعليق بمشيئة اللّه تعالى أو نحوه ممّا يبطل الحكم ، كما لو قال قائل : سأفعل كذا إن شاء اللّه . وإنّما سمّي هذا التّعليق استثناءً لشبهه بالاستثناء المتّصل في صرف اللّفظ السّابق عن ظاهره . وبعضهم يسمّي هذا التّعليق ( استثناء تعطيلٍ ) لأنّه يعطّل العقد أو الوعد أو غيرهما . والفقهاء يذكرون هذا الاستثناء في الأيمان حينما يقولون : إنّ من شرائط صحّة اليمين عدم الاستثناء فإنّهم لا يريدون إلاّ الاستثناء ، بمعنى التّعليق بمشيئة اللّه تعالى ونحوه ، فإنّه هو الّذي لو وجد لبطل حكم اليمين . والضّابط الّذي يجمع صور الاستثناء بالمشيئة : كلّ لفظٍ لا يتصوّر معه الحنث في اليمين ، كما لو قال الحالف عقب حلفه : إن شاء اللّه ، أو إلاّ أن يشاء اللّه ، أو ما شاء اللّه ، أو إلاّ أن يبدو لي غير هذا ، أو إن أعانني اللّه ، أو يسّر اللّه ، أو قال : بعون اللّه أو بمعونة اللّه أو بتيسيره . التّعليق بالاستطاعة : 92 - لو قال الحالف : واللّه لأفعلنّ كذا إن استطعت أو : لأفعلنّ كذا إلاّ ألاّ أستطيع ، فإن أراد بها الاستطاعة الخاصّة بالفعل المحلوف عليه لم يحنث أبداً لأنّها مقارنة للفعل ، فلا توجد ما لم يوجد الفعل . وإن أراد الاستطاعة العامّة ، وهي سلامة الآلات والأسباب والجوارح والأعضاء ، فإن كانت له هذه الاستطاعة فلم يفعل حنث ، وإلاّ لم يحنث . وهذا لأنّ لفظ الاستطاعة يحتمل كلّاً من المعنيين . قال اللّه تعالى في شأن المشركين : { أولئك لم يكونوا مُعْجِزينَ في الأرض وما كانَ لهم من دونِ اللّه من أولياءَ يُضَاعَفُ لهم العذابُ ما كانوا يَسْتَطيعون السّمعَ وما كانوا يُبْصِرون } وقال عزّ وجلّ حاكياً خطاب الخضر لموسى عليهما السلام { قال إنّك لن تَسْتطيع معي صبراً } والمراد في الآيتين الاستطاعة المقارنة للفعل ، وقال سبحانه وتعالى : { وَللّهِ على النّاسِ حجُّ البيتِ مَنْ استطاعَ إليه سبيلاً } وقال جلّ شأنه { والّذين يُظاهِرون من نسائِهم ثمّ يَعُودون لِمَا قالوا فَتَحْرِيرُ رَقبةٍ من قَبْل أنْ يتماسّا ذلكم تُوعظون به واللّه بما تعملون خبيرٌ فمنْ لَمْ يجدْ فصيامُ شهرين مُتَتَابعين مِن قَبْل أنْ يتماسّا فمن لم يَسْتطِع فإطعامُ ستّين مسكيناً ذلك لِتُؤْمِنُوا باللّه ورسولِه وتلك حدودُ اللّه ولِلْكافرين عذابٌ أليمٌ } والمراد بالاستطاعة في الموضعين سلامة الأسباب والآلات . فإن لم يكن له نيّة وجب أن يحمل على المعنى الثّاني - وهو سلامة الأسباب - لأنّ هذا هو الّذي يراد في العرف والعادة ، فينصرف إليه اللّفظ عند الإطلاق . أثر الاستثناء وما يؤثّر فيه : 93 - والاستثناء المتّصل " بإلاّ " ونحوها متى وجدت شرائطه أفاد التّخصيص في اليمين القسميّة والتّعليقيّة ، وفي غير اليمين أيضاً ، ومن أمثلة ذلك : واللّه لا آكل سمناً إلاّ في الشّتاء ، وإن أكلته في غير الشّتاء فنسائي طوالق إلاّ فلانة ، أو فعبيدي أحرار إلاّ فلاناً ، وإن كلّمت زيداً فعليّ المشي إلى مكّة إلاّ أن يكلّمني ابتداءً . ومن أمثلتها أيضاً قول القائل : لفلانٍ عليّ عشرة دنانير إلاّ ثلاثةً ، وأنت طالق ثلاثاً إلاّ اثنتين كما سبق . والاستثناء بمعنى تعليق المشيئة ونحوه يفيد إبطال الكلام الّذي قبله ، سواء أكان يميناً قسميّة أم يميناً تعليقيّةً أم غيرهما ، وإلى هذا ذهب الجمهور . وذهب مالك في أشهر القولين ، وأحمد في إحدى الرّوايتين - وهي أرجحهما - إلى أنّه لا يفيد الإبطال ، إلاّ في اليمين باللّه تعالى وما في معناها ممّا فيه كفّارة ، فالطّلاق والعتاق لا يبطلان بتعليق المشيئة ، سواء أكانا منجّزين أم معلّقين ، فمن قال : أنت طالق إن شاء اللّه ، أو إذا طلعت الشّمس فأنت طالق إن شاء اللّه ، أو إن خرجت من الدّار فأنت طالق إن شاء اللّه ، يقع طلاقه منجّزاً في المثال الأوّل ، ويقع عند طلوع الشّمس في المثال الثّاني ، وعند خروجها من الدّار في المثال الثّالث ، وأمّا تعليق التزام القربة بقصد اليمين فعند المالكيّة : يلزمه فيه ما التزمه ، فلا يصحّ تعليقه بالمشيئة فلا تبطل اليمين به ، وعند الحنابلة تجب فيه الكفّارة فيصحّ عندهم تعليقه بالمشيئة . وهناك قول ثالث ذهب إليه ابن تيميّة في فتاواه ، وهو : أنّ المشيئة تفيد الإبطال في كلّ ما كان حلفاً سواء أكان قسماً باللّه أم تعليقاً للطّلاق وغيره ، ولا تفيد الإبطال فيما ليس حلفاً كتنجيز الطّلاق والعتاق والتزام القربة وتعليقها بغير قصد الحلف كتعليقها على طلوع الشّمس . 94 - هذا ويمكن الاستدلال على ما ذهب إليه الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم : « من حلف على يمينٍ فقال : إن شاء اللّه فلا حنث عليه » فقوله صلى الله عليه وسلم : « من حلف » يشمل الحالف بالصّيغة القسميّة وبالصّيغة التّعليقيّة ، ويقاس عليه كلّ عقدٍ وكلّ حلٍّ. شرائط صحّة الاستثناء : 95 - يشترط لصحّة الاستثناء شرائط : الشّريطة الأولى : الدّلالة عليه باللّفظ أو ما يقوم مقامه من كتابةٍ أو إشارة أخرس - كما تقدّم في شرائط الحالف - ثمّ إن كانت باللّفظ وجب الإسماع ولو بالقوّة عند الجمهور ، خلافاً للمالكيّة والكرخيّ من الحنفيّة . ثمّ اشتراط الدّلالة باللّفظ وما يقوم مقامه يخرج به ما لو نوى الاستثناء من غير أن يدلّ عليه ، فلا تكفي النّيّة في الاستثناء ، لكن قال المالكيّة : إنّ النّيّة تكفي في الاستثناء بإلاّ وأخواتها قبل انتهاء النّطق باليمين ، وكالاستثناء بإلاّ سائر التّخصيصات كالشّرط ، والصّفة ، والغاية ، ومثال الشّرط : واللّه لا أكلّم زيداً إن لم يأتني ، ومثال الصّفة : لا أكلّمه وهو راكب ، لأنّ المراد بالصّفة ما يشمل الحال ، ومثال الغاية : لا أكلّمه حتّى تغرب الشّمس . وتفصيله في ( استثناءٍ وطلاقٍ ) . 96 - وقال الحنابلة : يشترط نطق غير المظلوم الخائف ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً « من حلف على يمينٍ فقال : إن شاء اللّه فلا حنث عليه » ومعلوم أنّ قوله صلى الله عليه وسلم فقال ... " يدلّ على اشتراط النّطق باللّسان ، لأنّ القول هو اللّفظ ، وأمّا المظلوم الخائف فتكفيه نيّته ، لأنّ يمينه غير منعقدةٍ ، أو لأنّه بمنزلة المتأوّل . 97 - الشّريطة الثّانية : أن يصل المتكلّم الاستثناء بالكلام السّابق ، فلو فصل عنه بسكوتٍ كثيرٍ بغير عذرٍ ، أو بكلامٍ أجنبيٍّ لم يصحّ الاستثناء ، فلا يخصّص ما قبله إن كان استثناءً بنحو إلاّ ، ولا يلغيه إن كان بنحو المشيئة . ومن الأعذار : التّنفّس والسّعال والجشاء والعطاس وثقل اللّسان وإمساك إنسانٍ فم المتكلّم ، فالفصل بالسّكوت لهذه الأعذار كلّها لا يضرّ . والمراد بالسّكوت الكثير ما كان بقدر التّنفّس بغير تنفّسٍ ، على ما أفاده الكمال بن الهمام . والمراد بالكلام الأجنبيّ ما لم يفد معنًى جديداً ، كما لو قال : أنت طالق ثلاثاً وثلاثاً إلاّ واحدةً إن شاء اللّه ، فهذا العطف لغو ، لأنّ الثّلاث هي أكثر الطّلاق فلا يصحّ الاستثناء . 98 - وهذه الشّريطة إجمالاً ( وهي عدم الفصل بلا عذرٍ ) متّفق عليها بين عامّة أهل العلم ، وإنّما الخلاف في الفاصل من سكوتٍ أو كلامٍ ، متى يعدّ مانعاً من الاستثناء ومتى لا يعدّ ؟ والتّفاصيل الّتي سبق ذكرها هي الّتي نصّ عليها الحنفيّة ، وفي كتب المذاهب الأخرى تفاصيل يطول الكلام عليها ، فلتراجع في مواضعها من كتب الفقه . وقد روي عن بعض الصّحابة والتّابعين عدم اشتراط هذه الشّريطة ، فقد أخرج ابن جريرٍ والطّبرانيّ وابن المنذر وغيرهم عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنةٍ ويقرأ قوله تعالى : { ولا تَقولَنَّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غداً إلاّ أن يشاءَ اللّهُ واذكر ربَّك إذا نَسِيتَ } وهو رواية عن الإمام أحمد ، وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبيرٍ في رجلٍ حلف ونسي أن يستثني ، قال : له ثنيّاه إلى شهرٍ ، وأخرج ابن أبي حاتمٍ من طريق عمرو بن دينارٍ عن عطاءٍ أنّه قال : من حلف على يمينٍ فله الثّنيّا حلب ناقةٍ قال : وكان طاوسٍ يقول : ما دام في مجلسه ، وأخرج ابن أبي حاتمٍ أيضاً عن إبراهيم النّخعيّ قال : يستثني ما دام في كلامه . وممّا يؤيّد اشتراط عدم الفصل أنّه لو صحّ جواز الفصل وعدم تأثيره في الأحكام ، ولا سيّما إلى الغاية المرويّة عن ابن عبّاسٍ ، لما تقرّر إقرار ولا طلاق ولا عتاق ، ولم يعلم صدق ولا كذب . وأيضاً لو صحّ هذا لأقرّ اللّه نبيّه أيّوب عليه السلام بالاستثناء رفعاً للحنث ، فإنّه أقلّ مؤنةً ممّا أرشده سبحانه إليه بقوله تعالى : { وخُذْ بيدِك ضِغْثاً فاضْرِبْ به ولا تَحْنَثْ } . 99 - الشّريطة الثّالثة : القصد : وهذه الشّريطة ذكرها المالكيّة وعنوا بها : قصد اللّفظ مع قصد معناه ، وخرج بذلك أمران . أحدهما : أن يجري اللّفظ على لسان الحالف من غير قصدٍ ، فلا يعتبر الاستثناء بإلاّ مخصّصاً ، ولا الاستثناء بالمشيئة مبطلاً . ثانيهما : ما لو قصد التّبرّك بذكر المشيئة ، أو قصد الإخبار بأنّ هذا الأمر يحصل بمشيئة اللّه تعالى ، ففي هذه الحال لا تبطل اليمين ، بل تبقى منعقدةً ، وكذا لو لم يقصد شيئاً ، بأن قصد مجرّد النّطق بلفظ الاستثناء بنوعيه من غير أن ينوي تخصيص اليمين وحلّها . وقد اتّفق المالكيّة على أنّ قصد الاستثناء إن كان مع اليمين من أوّلها أو في أثنائها صحّ الاستثناء ، فإن كان بعد الفراغ من النّطق باليمين صحّ على المشهور ، فعليه لو حلف ، فذكّره إنسان قائلاً : قل إن شاء اللّه أو إلاّ أن يشاء اللّه أو نحو ذلك ، فقاله بغير فصلٍ ، ولم يكن في نيّته من قبل فإنّه يصحّ ، ولم يذكر الحنفيّة هذه الشّريطة . والشّافعيّة والحنابلة شرطوا القصد مع العلم بالمعنى ، وشرطوا كون القصد قبل الفراغ من اليمين ، وقالوا : لو لم يقصد الاستثناء إلاّ بعد الفراغ من اليمين لم يصحّ ، لأنّه يلزم عليه رفع اليمين بعد انعقادها ، وقالوا أيضاً : يصحّ تقديم الاستثناء وتوسيطه . 100 - الشّريطة الرّابعة : أن يكون حلفه في غير توثّقٍ بحقٍّ . وهذه الشّريطة نصّ عليها المالكيّة . وإيضاحها : أنّه يشترط في صحّة الاستثناء أن يكون الحلف الّذي ذكر معه الاستثناء في غير توثّقٍ بحقٍّ ، كما لو شرط عليه في عقد نكاحٍ ألاّ يضرّ زوجته في عشرةٍ ، أو لا يخرجها من بلدها ، وكأن يشرط عليه في بيعٍ أن يأتي بالثّمن في وقت كذا ، وطلب منه يمين على ذلك ، فحلف واستثنى سرّاً لم يفده الاستثناء عند سحنونٍ وأصبغ وابن الموّاز ، لأنّ اليمين على نيّة المستحلف عند هؤلاء ، وهذا هو المشهور عند المالكيّة ، خلافاً لما قاله ابن القاسم في العتبيّة من أنّه ينفع الاستثناء فيما ذكر ، فلا تلزمه الكفّارة ، لكن يحرم عليه بمنعه حقّ الغير . والّذي يتصفّح كتب المذاهب الأخرى يجد أنّه ما من مذهبٍ إلاّ يرى أصحابه ، أنّ اليمين تكون على نيّة المستحلف في بعض الصّور ، وسيأتي ذلك ، فيمكن التّعبير عن هذه الشّريطة بأن يقال : يشترط في صحّة الاستثناء ألاّ يكون على خلاف نيّة المستحلف ، في الصّور الّتي يجب فيها مراعاة نيّته . أحكام اليمين 101 - تقدّم أنّ اليمين إمّا أن تكون قسميّةً ، وإمّا أن تكون تعليقيّةً . ولكلٍّ منهما أحكام . أحكام اليمين القسميّة : أحكام اليمين القسميّة تختلف باختلاف أنواعها ، وفيما يلي بيان هذه الأنواع ثمّ بيان أحكامها . أنواع اليمين القسميّة : قسّم الحنفيّة اليمين باللّه تعالى وما ألحق بها كتعليق الكفر - من حيث الكذب وعدمه - إلى ثلاثة أنواعٍ ، وهي : اليمين الغموس ، واليمين اللّغو ، واليمين المعقودة . 102 - فاليمين الغموس : هي الكاذبة عمداً في الماضي أو الحال أو الاستقبال ، سواء أكانت على النّفي أم على الإثبات كأن يقول : واللّه ما فعلت كذا ، وهو يعلم أنّه فعله ، أو واللّه لقد فعلت كذا ، وهو يعلم أنّه لم يفعله ، أو : واللّه مالك عليّ دين ، وهو يعلم أنّ للمخاطب ديناً عليه ، أو : واللّه لا أموت أبداً . وكأن يقول : إن كنت فعلت كذا ، أو إن لم أكن فعلته ، أو إن كان لك عليّ دين ، أو إن متّ فأنا يهوديّ أو نصرانيّ . هذا تعريفها عند الحنفيّة . وذهب المالكيّة إلى أنّ الغموس هي الحلف باللّه مع شكٍّ من الحالف في المحلوف عليه ، أو مع ظنٍّ غير قويٍّ ، أو مع تعمّد الكذب ، سواء أكان على ماضٍ نحو : واللّه ما فعلت كذا ، أو لم يفعل زيد كذا ، مع شكّه في عدم الفعل ، أو ظنّه عدمه ظنّاً غير قويٍّ ، أو جزمه بأنّه قد فعل ، أم كان على حاضرٍ نحو : واللّه إنّ زيداً لمنطلق أو مريض ، وهو جازم بعدم ذلك ، أو متردّد في وجوده على سبيل الشّكّ أو الظّنّ غير القويّ ، أم كان على مستقبلٍ نحو : واللّه لآتينّك غداً ، أو لأقضينّك حقّك غداً وهو جازم بعدم ذلك ، أو متردّد في حصوله على سبيل الشّكّ أو الظّنّ غير القويّ . وقال الشّافعيّة والحنابلة إنّ الغموس هي المحلوفة على ماضٍ مع كذب صاحبها وعلمه بالحال . والحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة لا يوافقون المالكيّة على التّوسّع في تفسير الغموس . 103 - واليمين اللّغو : اختلفوا في تفسيرها أيضاً ، فقال الحنفيّة : هي اليمين الكاذبة خطأً أو غلطاً في الماضي أو في الحال ، وهي : أن يخبر إنسان عن الماضي أو عن الحال على الظّنّ أنّ المخبر به كما أخبر ، وهو بخلافه ، سواء أكان ذلك في النّفي أم في الإثبات ، وسواء أكانت إقساماً باللّه تعالى أم تعليقاً للكفر ، كقوله : واللّه ما كلّمت زيداً ، وفي ظنّه أنّه لم يكلّمه ، والواقع أنّه كلّمه . هكذا روي عن محمّدٍ ، وهو الّذي اقتصر عليه أصحاب المتون من الحنفيّة . وروى محمّد عن أبي حنيفة أنّ اللّغو : ما يجري بين النّاس من قولهم لا واللّه وبلى واللّه ، أي من غير قصد اليمين . والتّحقيق أنّه يعتبر عند الحنفيّة نوعاً آخر من اللّغو ، فيكون اللّغو عندهم نوعين وكلاهما في الماضي والحاضر دون المستقبل . وقال المالكيّة : إنّ اللّغو هو الحلف باللّه على شيءٍ يعتقده على سبيل الجزم أو الظّنّ القويّ فيظهر خلافه سواء أكان المحلوف عليه إثباتاً أم نفياً ، وسواء أكان ماضياً أم حاضراً أم مستقبلاً . ويلاحظ أنّهم مثّلوا بالمستقبل بما لو قال " واللّه لأفعلنّ كذا " مع الجزم أو الظّنّ القويّ بفعله ثمّ لم يفعله . وقال الشّافعيّة : اليمين اللّغو هي الّتي يسبق اللّسان إلى لفظها بلا قصدٍ لمعناها ، كقولهم " لا واللّه " " وبلى واللّه " في نحو صلة كلامٍ أو غضبٍ سواء أكان ذلك في الماضي أم الحال أم المستقبل . وهم يخالفون الحنفيّة في هذا الأخير ، وهو ما كان في المستقبل . وذهب الحنابلة إلى أنّ لغو اليمين كما يقول الشّافعيّة ، ووافقوهم أيضاً في أنّ من حلف على ماضٍ كاذباً جاهلاً صدّق نفسه ، أو ظانّاً صدق نفسه ، فتبيّن خلافه لا تنعقد يمينه ، ويؤخذ من هذا أنّ ما يسمّيه الحنفيّة وغيرهم لغواً يوافقهم الشّافعيّة على حكمه ، وإن لم يسمّوه لغواً . ونقل صاحب غاية المنتهى عن الشّيخ تقيّ الدّين أنّ من حلف على مستقبلٍ ظانّاً صدق نفسه فتبيّن بخلافه لا تنعقد يمينه ، وكذا من حلف على غيره ظانّاً أنّه يطيعه فلم يفعل فلا كفّارة فيه أيضاً ، لأنّه لغو ، ثمّ قال : والمذهب خلافه . ثمّ من هؤلاء من يوجب الكفّارة ، لقوله تعالى في هذه الآية { فَكَفّارتُه إطعامُ عَشَرَةِ مساكينَ من أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكم أو كِسْوَتُهم أو تحريرُ رقبةٍ فمن لم يَجِدْ فصيامُ ثلاثةِ أيّامٍ ذلك كفّارةُ أَيْمانِكم إذا حَلَفْتُم } أي حلفتم وحنثتم . ومنهم من لا يوجب الكفّارة لما يأتي في بيان حكم اليمين باللّه تعالى . 104 - ووجه قول الشّافعيّة ومن وافقهم : ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : « أنزلت هذه الآية - { لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم } - في قول الرّجل : لا واللّه وبلى واللّه » ومعلوم أنّ السّيّدة عائشة رضي الله عنها شهدت التّنزيل وقد جزمت بأنّ الآية نزلت في هذا المعنى ، قال الشّوكانيّ في نيل الأوطار : إنّ القرآن الكريم قد دلّ على عدم المؤاخذة في يمين اللّغو ، وذلك يعمّ الإثم والكفّارة ، فلا يجبان ، والمتوجّه الرّجوع في معرفة معنى اللّغو إلى اللّغة العربيّة ، وأهل عصره صلى الله عليه وسلم أعرف النّاس بمعاني كتاب اللّه تعالى ، لأنّهم مع كونهم من أهل اللّغة قد كانوا من أهل الشّرع ومن المشاهدين للرّسول صلى الله عليه وسلم والحاضرين في أيّام النّزول ، فإذا صحّ عن أحدهم تفسير لم يعارضه ما يرجّح عليه أو يساويه وجب الرّجوع إليه ، وإن لم يوافق ما نقله أئمّة اللّغة في معنى ذلك اللّفظ ، لأنّه يمكن أن يكون المعنى الّذي نقله إليه شرعيّاً لا لغويّاً ، والشّرعيّ مقدّم على اللّغويّ كما تقرّر في الأصول ، فكان الحقّ فيما نحن بصدده ، هو أنّ اللّغو ما قالته عائشة رضي الله عنها . فثبت أنّ اليمين اللّغو هي الّتي لا يقصدها الحالف ، وإن كانت على مستقبلٍ . وأيضاً أنّ اللّه تعالى قابل اليمين اللّغو باليمين المكسوبة بالقلب بقوله عزّ وجلّ : { لا يؤاخِذُكم اللّه باللّغوِ في أيمانِكم ولكنْ يؤاخِذُكم بما كسبتْ قلوبُكم } . والمكسوبة هي المقصودة ، فكانت غير المقصودة داخلةً في قسم اللّغو بلا فصلٍ بين ماضيه وحاله ومستقبله تحقيقاً للمقابلة . ووجه قول الحنفيّة ومن وافقهم : أنّ اللّه عزّ وجلّ قابل اللّغو بالمعقودة ، وفرّق بينهما بالمؤاخذة ونفيها ، فوجب أن تكون اللّغو غير المعقودة تحقيقاً للمقابلة ، واليمين على المستقبل معقودة سواء أكانت مقصودةً أم لا ، فلا تكون لغواً . 105 - وأيضاً اللّغو في اللّغة : اسم للشّيء الّذي لا حقيقة له ، قال اللّه تعالى : { لا يَسْمَعُونَ فيها لَغْواً } أي باطلاً ، وقال عزّ وجلّ خبراً عن الكفرة { وقال الّذين كفروا لا تَسْمعوا لهذا القرآنِ والْغَوْا فيه } وذلك يتحقّق في الحلف على ظنٍّ من الحالف أنّ الأمر كما حلف عليه ، والحقيقة بخلافه ، وكذا ما يجري على اللّسان من غير قصدٍ لكن في الماضي أو الحال . فهو ما لا حقيقة له . وقد روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّه قال : اللّغو أن يحلف الرّجل على الشّيء يراه حقّاً وليس بحقٍّ . وبه تبيّن أنّ المراد من قول عائشة رضي الله عنها : أنّ اللّغو في الأيمان قول الرّجل لا واللّه وبلى واللّه ، إنّما أرادت به التّمثيل لا الحصر ، وأيضاً إنّه خاصّ بالماضي والحاضر ليكون النّوعان متماثلين . 106 - واليمين المعقودة : وهي اليمين على أمرٍ في المستقبل غير مستحيلٍ عقلاً ، سواء أكان نفياً أم إثباتاً ، نحو : واللّه لا أفعل كذا أو واللّه لأفعلنّ كذا . هذا قول الحنفيّة . وأفاد المالكيّة أنّ اليمين المنعقدة هي : ما لم تكن غموساً ولا لغواً . ومن تأمّل في معنى الغموس واللّغو عندهم لم يجد ما يسمّى منعقدةً سوى الحلف باللّه على ما طابق الواقع من ماضٍ أو حاضرٍ ، أو ما يطابقه من مستقبلٍ ، لأنّ ما عدا ذلك إمّا غموس وإمّا لغو ، لكن يلحق بالمنعقدة الغموس واللّغو في المستقبل ، وكذا الغموس في الحاضر كما سيأتي في الأحكام . وأفاد الشّافعيّة أنّ كلّ يمينٍ لا تعدّ لغواً عندهم فهي منعقدة ، فيدخل فيها الغموس ، كما يدخل فيها الحلف على المستقبل الممكن . وبيان ذلك أنّ اليمين إن كان التّلفّظ بها غير مقصودٍ كانت لغواً ، سواء أكانت في الماضي أم في الحال أم في المستقبل ، وإن كان التّلفّظ بها مقصوداً ، وكانت إخباراً مبنيّاً على اليقين أو الظّنّ أو الجهل ، وتبيّن خلافها كانت لغواً أيضاً ، ما لم يجزم الحالف بأنّ الّذي حلف عليه هو الواقع ، فحينئذٍ تكون منعقدةً ويحنث فيها . وإن كانت إخباراً مبنيّاً على اعتقاد مخالفة الواقع يقيناً أو ظنّاً فهي غموس ، وهي منعقدة أيضاً . وإن كانت للحثّ أو المنع وكان المحلوف عليه ممكناً فإنّها تكون منعقدةً أيضاً . وأمّا إذا كان واجباً فإنّها صادقة قطعاً ولا تعدّ يميناً . وإن كان مستحيلاً فهي كاذبة قطعاً وتكون منعقدةً وحانثةً . وقال الحنابلة : إنّ اليمين على المستقبل إذا كان التّلفّظ بها مقصوداً ، وكان الحالف مختاراً ، وكانت على ممكنٍ أو على إثبات مستحيلٍ أو نفي واجبٍ ، لكنّ الشّيخ تقيّ الدّين أخرج منها من حلف على مستقبلٍ ظانّاً صدق نفيه فتبيّن بخلافه ، ومن حلف على غيره ظانّاً أنّه يطيعه فلم يطعه . 107 - وتنوّع اليمين إلى الأنواع الثّلاثة الّتي أساسها الكذب وعدمه هو اصطلاح الحنفيّة والشّافعيّة وموافقوهم لا يقسّمون اليمين إلى الأنواع الثّلاثة ، وإنّما يقسّمونها - من حيث القصد وعدمه - إلى قسمين فقط ، وهما : اللّغو والمعقودة . فاللّغو هي الّتي لم تقصد ، وكذا الّتي قصدت وكانت إخباراً عن الظّنّ ، والمعقودة هي الّتي قصدت وكانت للحمل أو المنع ، أو كانت للإخبار صدقاً أو كذباً عمداً . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية