الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41066" data-attributes="member: 329"><p>أحكام الأيمان القسميّة : </p><p>حكم اليمين الغموس : </p><p>اليمين الغموس لها حكمان : حكم الإتيان بها ، والحكم المترتّب على تمامها . </p><p>وبيان ذلك فيما يلي : </p><p>حكم الإتيان بها :</p><p>108 - الإتيان باليمين الغموس حرام ، ومن الكبائر بلا خلافٍ ، لما فيه من الجرأة العظيمة على اللّه تعالى ، حتّى قال الشّيخ أبو منصورٍ الماتريديّ ، كان القياس عندي أنّ متعمّد الحلف باللّه تعالى على الكذب يكفر ، لأنّ اليمين به عزّ وجلّ جعلت لتعظيمه ، والمتعمّد لليمين به على الكذب مستخفّ به ، لكنّه لا يكفر ، لأنّه ليس غرضه الجرأة على اللّه والاستخفاف به ، وإنّما غرضه الوصول إلى ما يريده من تصديق السّامع له . </p><p>ونظير هذا ما يروى أنّ رجلاً سأل أبا حنيفة قائلاً : إنّ العاصي يطيع الشّيطان ، ومن أطاع الشّيطان فقد كفر ، فكيف لا يكفر العاصي ؟ فقال : إنّ ما يفعله العاصي هو في ظاهره طاعة للشّيطان ، ولكنّه لا يقصد هذه الطّاعة فلا يكفر ، لأنّ الكفر عمل القلب ، وإنّما يعدّ مؤمناً عاصياً فقط . </p><p>ثمّ إنّه لا يلزم من كونها من الكبائر أن تكون جميعها مستويةً في الإثم ، فالكبائر تتفاوت درجاتها حسب تفاوت آثارها السّيّئة ، فالحلف الّذي يترتّب عليه سفك دم البريء ، أو أكل المال بغير حقٍّ أو نحوهما ، أشدّ حرمةً من الحلف الّذي لا يترتّب عليه شيء من ذلك .</p><p>109 - وقد ثبت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في ذمّ اليمين الغموس وبيان أنّها من الكبائر والتّرهيب من الإقدام عليها . </p><p>منها : ما روي عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من حلفَ على مالِ امرئٍ مسلمٍ بغير حقّهِ لَقِيَ اللّهَ وهو عليه غضبان ، قال عبد اللّه : ثمّ قرأ علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب اللّه عزّ وجلّ : { إنَّ الّذين يَشْتَرون بِعَهْدِ اللّهِ وأَيْمانهم ثَمَناً قَلِيلاً } إلى آخر الآية » . </p><p>وعن وائل بن حجرٍ رضي الله عنه قال : « جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال الحضرميّ : يا رسول اللّه إنّ هذا قد غلبني على أرضٍ كانت لأبي ، فقال الكنديّ : هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم للحضرميّ : أَلَكَ بَيِّنَةٌ ؟ قال : لا ، قال : فَلَكَ يمينُه . قال : يا رسول اللّه : إنّ الرّجلَ فاجر ، لا يبالي على ما حلف عليه ، وليس يتورّع عن شيءٍ فقال : ليس لَكَ منه إلاّ يمينه . فانطلق ليحلف ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمّا أدبر : لئن حلف على مالٍ لِيأكله ظلماً لَيَلْقَيَنّ اللّه وهو عنه مُعرض » .</p><p>وقال الرّسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبد اللّه بن أنيسٍ رضي الله عنه : « من أكبر الكبائر : الإشراكُ باللّه ، وعقوقُ الوالدين ، واليمين الغموس والّذي نفسي بيده لا يحلفُ رجلٌ على مثلِ جناحِ بعوضةٍ إلاّ كانت كَيّاً في قلبه يوم القيامة » . </p><p>وعن جابر بن عتيكٍ رضي الله عنه أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « من اقتطعَ حقّ امرئٍ مسلمٍ بيمينه فقد أوجبَ اللّه له النّارَ وحرَّم عليه الجنّةَ ، فقال رجل : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول اللّه ، قال : وإن كان قضيباً من أراكٍ » .</p><p>التّرخيص في اليمين الغموس للضّرورة :</p><p>110 - إنّ حرمة اليمين الغموس هي الأصل ، فإذا عرض ما يخرجها عن الحرمة لم تكن حراماً ، ويدلّ على هذا . </p><p>أوّلاً : قوله تعالى : { مَنْ كَفَرَ باللّه مِنْ بعد إيمانه إلاّ من أُكْرِه وقَلْبُه مُطْمَئِنّ بالِإيمانِ ولكنْ مَنْ شَرَحَ بالكفرِ صَدْراً فعليهم غَضَبٌ من اللّه ولهم عذابٌ عظيمٌ } . </p><p>فإذا كان الإكراه يبيح كلمة الكفر فإباحته لليمين الغموس أولى . </p><p>ثانياً : آيات الاضطرار إلى أكل الميتة وما شاكلها ، كقول تعالى : { فَمَنْ اضْطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ فلا إثمَ عليه إنَّ اللّهَ غفورٌ رحيمٌ } . </p><p>فإذا أباحت الضّرورة تناول المحرّمات أباحت النّطق بما هو محرّم .</p><p>111 - وإليك نصوص بعض المذاهب في بيان ما تخرج به اليمين الغموس عن الحرمة .</p><p> أ - قال الدّردير في أقرب المسالك وشرحه ، والصّاويّ في حاشيته ما خلاصته : لا يقع الطّلاق على من أكره على الطّلاق ولو ترك التّورية مع معرفته بها ، ولا على من أكره على فعل ما علّق عليه الطّلاق . وندب أو وجب الحلف ليسلم الغير من القتل بحلفه وإن حنث هو ، وذلك فيما إذا قال ظالم : إن لم تطلّق زوجتك ، أو إن لم تحلف بالطّلاق قتلت فلاناً ، قال ابن رشدٍ : إن لم يحلف لم يكن عليه حرج ، أي لا إثم عليه ولا ضمان ، ومثل الطّلاق : النّكاح والإقرار واليمين . </p><p> ب - قال النّوويّ : الكذب واجب إن كان المقصود واجباً ، فإذا اختفى مسلم من ظالمٍ ، وسأل عنه وجب الكذب بإخفائه ، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعة ، وسأل عنها ظالم يريد أخذها وجب عليه الكذب بإخفائها ، حتّى لو أخبره بوديعةٍ عنده فأخذها الظّالم قهراً وجب ضمانها على المودع المخبر ، ولو استحلفه عليها لزمه أن يحلف ، ويورّي في يمينه ، فإن حلف ولم يورّ حنث على الأصل وقيل : لا يحنث . </p><p> ج - وقال موفّق الدّين بن قدامة : من الأيمان ما هي واجبة ، وهي الّتي ينجّي بها إنساناً معصوماً من هلكةٍ ، كما روي عن سويد بن حنظلة قال : « خرجنا نريد النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجرٍ ، فأخذه عدوّ له ، فتحرّج القوم أن يحلفوا ، فحلفت أنا : أنّه أخي ، فذكرت ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم صدقت ، المسلم أخو المسلم » فهذا ومثله واجب ، لأنّ إنجاء المعصوم واجب ، وقد تعيّن في اليمين فيجب ، وكذلك إنجاء نفسه ، مثل : أن تتوجّه عليه أيمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو بريء</p><p>الحكم المترتّب على تمامها :</p><p>112 - في الحكم المترتّب على تمام الغموس ثلاثة آراءٍ . </p><p>الرّأي الأوّل : أنّها لا كفّارة عليها سواء أكانت على ماضٍ أم حاضرٍ ، وكلّ ما يجب إنّما هو التّوبة ، وردّ الحقوق إلى أهلها إن كان هناك حقوق ، وهذا مذهب الحنفيّة . </p><p>الرّأي الثّاني : أنّ فيها الكفّارة ، وهذا مذهب الشّافعيّة ، ويلاحظ أنّهم في تعريف الغموس خصّوها بالماضي ، لكن من المعلوم أنّ إيجاب الكفّارة في الحلف على الماضي يستلزم إيجابها في الحلف على الحاضر والمستقبل ، لأنّهم قالوا : إنّ كلّ ما عدا اللّغو معقود . الرّأي الثّالث : التّفصيل ، وقد أوضحه المالكيّة بناءً على توسّعهم في معناها ، فقالوا : من حلف على ما هو متردّد فيه أو معتقد خلافه فلا كفّارة عليه إن كان ماضياً ، سواء أكان موافقاً للواقع أم مخالفاً ، وعليه الكفّارة إن كان حاضراً أو مستقبلاً وكان في الحالين مخالفاً للواقع . وإلى التّفصيل ذهب الحنابلة أيضاً ، حيث اقتصروا في تعريف الغموس على ما كانت على الماضي ، وشرطوا في كفّارة اليمين أن تكون على مستقبلٍ .</p><p>فيؤخذ من مجموع كلامهم أنّ الحلف على الكذب عمداً لا كفّارة فيه إن كان على ماضٍ أو حاضرٍ ، وفيه الكفّارة إن كان على مستقبلٍ .</p><p>113 - احتجّ القائلون بوجوب الكفّارة في الغموس بأنّها مكسوبة معقودة ، إذ الكسب فعل القلب ، والعقد : العزم ، ولا شكّ أنّ من أقدم على الحلف باللّه تعالى كاذباً متعمّداً فهو فاعل بقلبه وعازم ومصمّم ، فهو مؤاخذ . </p><p>وقد أجمل اللّه عزّ وجلّ المؤاخذة في سورة البقرة فقال : { لا يؤاخذُكم اللّه باللّغو في أيمانِكم ولكنْ يؤاخذُكم بما كسبتْ قلوبُكم } وفصّلها في سورة المائدة ، فقال : { لا يؤاخذُكم اللّه باللّغو في أيمانِكم ولكن يؤاخذُكم بما عقّدْتُم الأيمانَ ، فكفّارته إطعامُ عشرةِ مساكين ... } على أنّ اليمين الغموس أحقّ بالتّكفير من سائر الأيمان المعقودة ، لأنّ ظاهر الآيتين ، ينطبق عليها من غير تقديرٍ ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعل المؤاخذة في سورة البقرة على الكسب بالقلب ، وفي سورة المائدة على تعقيد الأيمان وإرادتها ، وهذا منطبق أعظم انطباقٍ على اليمين الغموس ، لأنّها حانثة من حين إرادتها والنّطق بها ، فالمؤاخذة مقارنة لها ، بخلاف سائر الأيمان المعقودة ، فإنّه لا مؤاخذة عليها إلاّ عند الحنث فيها ، فهي محتاجة في تطبيق الآيتين عليها إلى تقديرٍ ، بأن يقال : إنّ المعنى : ولكن يؤاخذكم بالحنث فيما كسبت قلوبكم ، وبالحنث في إيمانكم المعقودة ، وكذلك قوله تعالى : { ذلك كفّارةُ أيمانِكم إذا حلفْتُم } معناه : إذا حلفتم وحنثتم .</p><p>114- واستدلّ الحنفيّة ومن وافقهم على عدم وجوب الكفّارة في اليمين الغموس بما يأتي : أوّلاً : قال اللّه تعالى : { إنّ الّذين يشترون بعَهْدِ اللّه وأيمانِهم ثمناً قليلاً أولئك لا خَلاقَ لهم في الآخرةِ ولا يكلّمُهُمُ اللّه ولا ينظرُ إليهم يومَ القيامةِ ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليم } .</p><p>ثانياً : ما رواه الأشعث بن قيسٍ وعبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنهما كلّ منهما عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « من حلف على يمين صَبْرٍ يقتطع بها مالَ امرئٍ مسلمٍ هو فيها فاجرٌ لقيَ اللّه وهو عليه غضبان » . </p><p>ووجه الاستدلال بالآية والحديثين وما معناهما : أنّ هذه النّصوص أثبتت أنّ حكم الغموس العذاب في الآخرة ، فمن أوجب الكفّارة فقد زاد على النّصوص .</p><p>ثالثاً : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « خمسٌ ليس لهنّ كفّارةٌ : الشّركُ باللّه عزّ وجلّ ، وقتلُ النّفسِ بغيرِ حقٍّ ، وبهتُ مؤمنٍ ، والفرارُ من الزّحفِ ، ويمينٌ صابرة يقتطع بها مالاً بغير حقٍّ » .</p><p>حكم اليمين اللّغو :</p><p>115 - سبق بيان اختلاف المذاهب في تفسير يمين اللّغو ، فمن فسّروها باليمين على الاعتقاد أو باليمين غير المقصودة ذهبوا إلى أنّها لا إثم فيها من حيث ذاتها ولا كفّارة لها . لكن لمّا فسّرها المالكيّة بمعنًى شاملٍ للمستقبل قالوا : إنّها تكفّر إذا كانت على مستقبلٍ وحنث فيها ، كما لو حلف : أن يفعل كذا ، أو ألاّ يفعل كذا غداً ، وهو معتقد أنّ ما حلف على فعله سيحصل ، وما حلف على عدم فعله لن يحصل ، فوقع خلاف ما اعتقده وهم لا يخالفون الحنفيّة في ذلك ، غير أنّ الحنفيّة لا يسمّون الحلف على المستقبل لغواً كما تقدّم . </p><p>ومن فسّروها باليمين على المعاصي اختلفوا ، هل تكفّر بالحنث أو لا تكفّر ؟ فمنهم من قال : لا كفّارة لها ، لقوله تعالى : { لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم } لأنّ المراد أنّ اللّه عزّ وجلّ لا يؤاخذ من حلف على المعصية إذا لم ينفّذ ما حلف عليه ، وذلك أنّ التّنفيذ حرام ، واجتنابه واجب ، فإذا اجتنبه فقد أدّى ما عليه ، فلا يطالب بكفّارةٍ . </p><p>ومنهم من قال : يجب على الحالف الحنث ، وإذا حنث وجبت عليه الكفّارة ، لأنّ قوله تعالى : { لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم } يراد به أنّ اللّه عزّ وجلّ لا يؤاخذ من حلف على المعصية إذا حنث ولم ينفّذ ، فلا يعاقبه على هذا الحنث ، بل يوجبه عليه ، ويأمره به ، فإذا حنث وجب عليه التّكفير ، عملاً بقوله تعالى : { ذلك كفّارةُ أيمانِكم إذا حلفتم } فإنّ المراد به : أنّ ما ذكر هو كفّارة الأيمان مطلقاً لغواً ومعقودةً . </p><p>وهذا كلّه في اليمين باللّه تعالى ، وأمّا اليمين بغيره فسيأتي الكلام على اللّغو فيها .</p><p>أحكام اليمين المعقودة : </p><p>اليمين المعقودة لها ثلاثة أحكامٍ : حكم الإتيان بها ، وحكم البرّ والحنث فيها ، والحكم المترتّب على البرّ والحنث . وبيانها كما يلي :</p><p>أ - حكم الإتيان بها :</p><p>116 - قال الحنفيّة والمالكيّة : إنّ الأصل في اليمين باللّه تعالى الإباحة ، والإكثار منها مذموم . وهذا هو الحكم الأصليّ لليمين ، فلا ينافي أنّه قد تعرض لليمين أمور تخرجها عن هذا الحكم ، كما في المذاهب الآتية الّتي ذكرت الأحكام تفصيلاً . </p><p>وقال الشّافعيّة : الأصل في اليمين الكراهة إلاّ في طاعةٍ ، أو لحاجةٍ دينيّةٍ ، أو في دعوى عند حاكمٍ ، أو في ترك واجبٍ على التّعيين أو فعل حرامٍ وهذا إجمال توضيحه فيما يلي : الأصل في اليمين الكراهة ، لقوله تعالى : { ولا تَجْعَلوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمانِكم أنْ تَبَرُّوا وتتّقوا وتُصْلِحُوا بين النّاس } وقوله عزّ وجلّ : { واحْفَظُوا أيمانَكم } ولحديث : « إنّما الحلف حِنْثُ أو ندم » . </p><p>وقد يقال : إنّ الآية الأولى يحتمل أن يكون معناها : لا تجعلوا الحلف باللّه حاجزاً لما حلفتم على تركه من أنواع الخير ، بناءً على أنّ العرضة معناها : الحاجز والمانع ، والأيمان معناها : الأمور الّتي حلفتم على تركها . ويحتمل أن يكون معناها : لا تجعلوا اللّه نصباً لأيمانكم ، فتبذلوه بكثرة الحلف به في كلّ حقٍّ وباطلٍ ، لأنّ في ذلك نوع جرأةٍ على اللّه تعالى . </p><p>فالآية الأولى لا تدلّ على حكم الحلف ، وعلى الاحتمال الثّاني تدلّ على كراهة الإكثار ، لا كراهة أصل الحلف . </p><p>والآية الثّانية : يحتمل أن يكون معناها طلب حفظ الأيمان المحلوفة عن الحنث ، إذا كان الوفاء بها لا مانع منه ، فتدلّ على كراهة الحنث أو حرمته ، ولا شأن لها بالإقدام على الحلف ، ويحتمل أن يكون معناها طلب حفظ الأيمان الّتي في القلوب عن الإظهار ، فيكون المطلوب ترك الأيمان حذراً ممّا يترتّب عليها من الحنث والكفّارة ، وعلى هذا يكون الإقدام على اليمين مكروهاً إلاّ لعارضٍ يخرجه عن الكراهة إلى حكمٍ آخر . </p><p>والحديث المتقدّم بعد الآيتين السّابقتين ضعيف الإسناد كما يؤخذ من فيض القدير ، وعلى فرض صحّته فالحصر فيه إنّما يصحّ فيمن يكثر الحلف من غير مبالاةٍ ، فيقع في بعض الأحيان في الحنث ، وفي بعضها يأتي بما حلف عليه كارهاً له مستثقلاً إيّاه ، نادماً على ما كان منه من الحلف .</p><p>117 - ومذهب الحنابلة شبيه بمذهب الحنفيّة ، إذ الأصل عندهم الإباحة ، إلاّ أنّهم فصّلوا ، فقالوا : تنقسم اليمين إلى واجبةٍ ، ومندوبةٍ ، ومباحةٍ ، ومكروهةٍ ، وحرامٍ . </p><p>فتجب لإنجاء معصومٍ من مهلكةٍ ، ولو نفسه ، كأيمان قسامةٍ توجّهت على بريءٍ من دعوى قتلٍ . وتندب لمصلحةٍ ، كإزالة حقدٍ وإصلاحٍ بين متخاصمين ودفع شرٍّ وهو صادق فيها . وتباح على فعلٍ مباحٍ أو تركه ، كمن حلف لا يأكل سمكاً مثلاً أو ليأكلنّه ، وكالحلف على الخبر بشيءٍ هو صادق فيه ، أو يظنّ أنّه صادق . </p><p>وتكره على فعل مكروهٍ ، كمن حلف ليصلينّ وهو حاقن أو ليأكلنّ بصلاً نيئاً ومنه الحلف في البيع والشّراء ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « الحلف منفّقة للسّلعة ممحقة للبركة » أو على ترك مندوبٍ كحلفه لا يصلّي الضّحى . </p><p>وتحرم على فعل محرّمٍ ، كشرب خمرٍ ، أو على ترك واجبٍ ، كمن حلف لا يصوم رمضان وهو صحيح مقيم . </p><p>ثمّ إنّ إباحتها على فعل مباحٍ أو تركه ما لم تتكرّر ، فالتّكرار خلاف السّنّة ، فإن أفرط فيه كره ، لقوله تعالى : { ولا تُطِعْ كلَّ حَلّافٍ مَهِينٍ } وهو ذمّ له يقتضي كراهة الإكثار . </p><p>وهذا التّقسيم لا تأباه المذاهب الأخرى .</p><p>ب - حكم البرّ والحنث فيها :</p><p>118 - اليمين المعقودة إمّا أن تكون على فعلٍ واجبٍ أو ترك معصيةٍ أو عكسهما ، أو فعل ما هو أولى أو ترك ما تركه أولى أو عكسهما ، أو فعل ما استوى طرفاه أو تركه . </p><p>فاليمين على فعل واجبٍ أو ترك معصيةٍ ، كواللّه لأصلينّ الظّهر اليوم ، أو لا أسرق اللّيلة ، يجب البرّ فيها ويحرم الحنث ، ولا خلاف في ذلك كما لا يخفى . </p><p>واليمين على فعل معصيةٍ أو ترك واجبٍ ، كواللّه لأسرقنّ اللّيلة أو لا أصلّي الظّهر اليوم يحرم البرّ فيها ويجب الحنث ، وظاهر أنّه لا خلاف في ذلك أيضاً . </p><p>لكن ينبغي التّنبّه إلى أنّ الحلف على المعصية المطلقة عن التّوقيت يلزمه فيها العزم على الحنث ، لأنّ الحنث فيها إنّما يكون بالموت ونحوه . </p><p>واليمين على فعل ما فعله أولى أو على ترك ما تركه أولى - كواللّه لأصلينّ سنّة الصّبح أو لا ألتفت في الصّلاة - يطلب البرّ فيها وهو أولى من الحنث . </p><p>هكذا عبّر الحنفيّة القدامى بالأولويّة ، وبحث الكمال بن الهمام في ذلك بأنّ قوله تعالى : { واحفظوا أيمانكم } يدلّ على وجوب البرّ وعدم جواز الحنث ، ورجّح ذلك ابن عابدين وغيره . وقال الشّافعيّة والحنابلة : يسنّ البرّ ويكره الحنث في هذه الحالة . </p><p>واليمين على ترك ما فعله أولى ، أو فعل ما تركه أولى - كواللّه لا أصلّي سنّة الصّبح أو لألتفتنّ في الصّلاة - يطلب الحنث فيها وهو أولى من البرّ . هذا مذهب الحنفيّة . </p><p>وقال الشّافعيّة والحنابلة : يسنّ الحنث في هذه الحالة ويكره البرّ . </p><p>واليمين على فعل ما استوى طرفاه أو على تركه - كواللّه لأتغدّينّ هذا اليوم أو لا أتغدّى هذا اليوم - يطلب البرّ فيها ، وهو أولى من الحنث . </p><p>هكذا قال الحنفيّة القدامى ، ومقتضى بحث الكمال وجوب البرّ وعدم جواز الحنث . </p><p>وقال الشّافعيّة : البرّ أفضل ، ما لم يتأذّ بذلك صديقه ، كمن حلف لا يأكل كذا ، وكان صديقه يتأذّى من ترك أكله إيّاه ، فينعكس الحكم ويكون الحنث أفضل . </p><p>ومقصود الشّافعيّة بالأفضليّة الأولويّة ، وهي الاستحباب غير المؤكّد ، ويقال لمقابلها خلاف الأولى أو خلاف الأفضل ، وهو أقلّ من المكروه . </p><p>وقال الحنابلة : يخيّر بين البرّ والحنث ، والبرّ أولى ، فمذهبهم كمذهب الشّافعيّة .</p><p>الحلف على الغير واستحباب إبرار القسم :</p><p>119 - قد يحلف الإنسان على فعلٍ أو تركٍ منسوبين إليه ، نحو : واللّه لأفعلنّ أو لا أفعل ، وهذا هو الغالب . وقد يحلف على فعلٍ أو تركٍ منسوبين إلى غيره ، كقوله : واللّه لتفعلنّ أو لا تفعل ، وقوله : واللّه ليفعلنّ فلان كذا أو لا يفعله . </p><p>وأحكام البرّ والحنث السّابق ذكرها إنّما هي فيمن حلف على فعل نفسه أو تركها . </p><p>وأمّا من حلف على فعل غيره أو تركه ، مخاطباً كان أو غائباً ، فإنّه يتّفق حكم التّحنيث والإبرار فيه مع حكم الحنث والبرّ السّابقين في بعض الصّور ويختلف في بعضها .</p><p>أ - فمن حلف على غيره أن يفعل واجباً أو يترك معصيةً وجب إبراره ، لأنّ الإبرار في هذه الحالة إنّما هو قيام بما أوجبه اللّه أو انتهاء عمّا حرّمه اللّه عليه .</p><p>ب - ومن حلف على غيره أن يفعل معصيةً أو يترك واجباً لم يجز إبراره ، بل يجب تحنيثه ، لحديث : « لا طاعة لأحدٍ في معصية اللّه تبارك وتعالى » .</p><p>ج - ومن حلف على غيره أن يفعل مكروهاً أو يترك مندوباً فلا يبرّه ، بل يحنّثه ندباً ، لأنّ طاعة اللّه مقدّمة على طاعة المخلوق .</p><p>د - ومن حلف على غيره أن يفعل مندوباً أو مباحاً ، أو يترك مكروهاً أو مباحاً فهذا يطلب إبراره على سبيل الاستحباب ، وهو المقصود بحديث الأمر بإبرار القسم الّذي رواه الشّيخان عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال : « أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بسبعٍ : أمرنا بعيادة المريض ، واتّباع الجنائز ، وتشميت العاطس ، وإبرار القسم ، أو المقسم ، ونصر المظلوم ، وإجابة الدّاعي ، وإفشاء السّلام » . </p><p>وظاهر الأمر الوجوب ، لكن اقترانه بما هو متّفق على عدم وجوبه - كإفشاء السّلام - قرينة صارفة عن الوجوب . </p><p>وممّا يدلّ على عدم الوجوب أيضاً أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يبرّ قسم أبي بكرٍ رضي الله عنه ، فقد روى الشّيخان عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما حديثاً طويلاً يشتمل على رؤيا قصّها أبو بكرٍ رضي الله عنه وجاء في هذا الحديث « أنّه قال لرسول اللّه بأبي أنت وأمّي : أصبت أم أخطأت ؟ فقال : أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً . قال : فواللّه لتحدّثني بالّذي أخطأت ، قال : لا تقسم » فقوله صلى الله عليه وسلم " لا تقسم " معناه لا تكرّر القسم الّذي أتيت به ، لأنّي لن أجيبك ، ولعلّ هذا الصّنيع من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز ، فإنّه عليه الصلاة والسلام لا يفعل خلاف المستحسن إلاّ بقصد بيان الجواز ، وهو يدلّ على أنّ الأمر في الحديث السّابق ليس للوجوب ، بل للاستحباب .</p><p>ج - الحكم المترتّب على البرّ والحنث :</p><p>120 - اليمين المعقودة إذا برّ فيها الحالف لم تلزمه كفّارة كما لا يخفى ، وإذا حنث - بأن انتفى ما أثبته أو ثبت ما نفاه - لزمته الكفّارة ، سواء أكان حالفاً على فعل معصيةٍ أو ترك واجبٍ أم لا ، وسواء أكان كاذباً عمداً أو خطأً أم لا ، وسواء أكان قاصداً للحلف أم لا . </p><p>هذا مذهب الحنفيّة ومن وافقهم ، فهم يوجبون الكفّارة على من حنث في اليمين باللّه تعالى على أمرٍ مستقبلٍ ليس مستحيلاً عقلاً عند أبي حنيفة ومحمّدٍ ، وليس مستحيلاً عادةً أيضاً عند زفر ، سواء أكان الحالف قاصداً أم غير قاصدٍ ، وكذا من حلف بتعليق الكفر .</p><p>121 - والمالكيّة يخالفون الحنفيّة في أمورٍ : </p><p>أحدها : أنّهم يوجبون الكفّارة في الغموس إذا كانت على أمرٍ حاضرٍ أو مستقبلٍ ، والحنفيّة لا يوجبون الكفّارة فيها إلاّ إذا كانت على أمرٍ مستقبلٍ ممكنٍ عقلاً . </p><p>ثانيها : أنّهم يوجبون الكفّارة في الحلف على المستقبل المستحيل عقلاً إن كان عالماً باستحالته أو متردّداً فيها ، والحنفيّة لا يوجبونها مطلقاً . </p><p>ثالثها : أنّهم يفصّلون في اليمين غير المقصودة ، فيقولون : من أراد النّطق بكلمةٍ فنطق باليمين بدلها لخطأ لسانه لم تنعقد ، ومن أراد النّطق بشيءٍ فنطق معه باليمين زيادةً بغير قصدٍ كانت كاليمين المقصودة ، فيكفّرها إن كانت مستقبليّةً مطلقاً ، وكذا إن كانت غموساً حاضرةً ، والحنفيّة لم نر لهم تفصيلاً في غير المقصودة ، فقد أطلقوا القول بعدم اشتراط القصد . </p><p>رابعها : أنّهم لا يقولون بالكفّارة في تعليق الكفر ، والحنفيّة يجعلونه كنايةً عن اليمين باللّه تعالى ، فيوجبون الكفّارة فيه إن كان على أمرٍ مستقبلٍ غير مستحيلٍ عقلاً . </p><p>وليس المقصود بالكناية أنّها تحتاج إلى النّيّة ، وإنّما المقصود أنّها لفظ أطلق وأريد لازم معناه ، كما يقول علماء البلاغة .</p><p>122 - والشّافعيّة يخالفون في أمورٍ : </p><p>أحدها : أنّهم يوجبون الكفّارة في الغموس على ماضٍ ، ويلزم من ذلك إيجابها في الغموس على حاضرٍ ومستقبلٍ ، فإنّ الغموس عندهم منعقدة مطلقاً . </p><p>ثانيها : أنّهم يوجبون الكفّارة في الحلف على المستحيل عقلاً ، ماضياً كان أو حاضراً أو مستقبلاً ، إلاّ إن كانت اليمين غير مقصودةٍ ، أو كان جاهلاً بالاستحالة . </p><p>ثالثها : أنّهم يقولون : إنّ اليمين غير المقصودة تعدّ لغواً مطلقاً ، سواء أكان معنى عدم القصد خطأ اللّسان ، أم كان معناه سبق اللّسان إلى النّطق بها ، فلا كفّارة فيها ولو على مستقبلٍ . ويقولون فيمن حلف على غير الواقع ، جاهلاً بمخالفته للواقع : لا تنعقد يمينه . سواء أكان المحلوف عليه ماضياً أم حاضراً أم مستقبلاً ، إلاّ إذا قصد أنّ المحلوف عليه هو كما حلف عليه في الواقع ونفس الأمر ، فتجب فيه الكفّارة حينئذٍ . </p><p>رابعها : أنّهم لا يوجبون الكفّارة في تعليق الكفر مطلقاً . </p><p>ونقل ابن قدامة عن قومٍ من فقهاء السّلف أنّ من حلف على معصيةٍ فالكفّارة ترك المعصية ، ومعنى هذا : أنّ اليمين على المعصية تنعقد ويجب الحنث ، وليس فيها الكفّارة المعهودة .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41066, member: 329"] أحكام الأيمان القسميّة : حكم اليمين الغموس : اليمين الغموس لها حكمان : حكم الإتيان بها ، والحكم المترتّب على تمامها . وبيان ذلك فيما يلي : حكم الإتيان بها : 108 - الإتيان باليمين الغموس حرام ، ومن الكبائر بلا خلافٍ ، لما فيه من الجرأة العظيمة على اللّه تعالى ، حتّى قال الشّيخ أبو منصورٍ الماتريديّ ، كان القياس عندي أنّ متعمّد الحلف باللّه تعالى على الكذب يكفر ، لأنّ اليمين به عزّ وجلّ جعلت لتعظيمه ، والمتعمّد لليمين به على الكذب مستخفّ به ، لكنّه لا يكفر ، لأنّه ليس غرضه الجرأة على اللّه والاستخفاف به ، وإنّما غرضه الوصول إلى ما يريده من تصديق السّامع له . ونظير هذا ما يروى أنّ رجلاً سأل أبا حنيفة قائلاً : إنّ العاصي يطيع الشّيطان ، ومن أطاع الشّيطان فقد كفر ، فكيف لا يكفر العاصي ؟ فقال : إنّ ما يفعله العاصي هو في ظاهره طاعة للشّيطان ، ولكنّه لا يقصد هذه الطّاعة فلا يكفر ، لأنّ الكفر عمل القلب ، وإنّما يعدّ مؤمناً عاصياً فقط . ثمّ إنّه لا يلزم من كونها من الكبائر أن تكون جميعها مستويةً في الإثم ، فالكبائر تتفاوت درجاتها حسب تفاوت آثارها السّيّئة ، فالحلف الّذي يترتّب عليه سفك دم البريء ، أو أكل المال بغير حقٍّ أو نحوهما ، أشدّ حرمةً من الحلف الّذي لا يترتّب عليه شيء من ذلك . 109 - وقد ثبت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في ذمّ اليمين الغموس وبيان أنّها من الكبائر والتّرهيب من الإقدام عليها . منها : ما روي عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من حلفَ على مالِ امرئٍ مسلمٍ بغير حقّهِ لَقِيَ اللّهَ وهو عليه غضبان ، قال عبد اللّه : ثمّ قرأ علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب اللّه عزّ وجلّ : { إنَّ الّذين يَشْتَرون بِعَهْدِ اللّهِ وأَيْمانهم ثَمَناً قَلِيلاً } إلى آخر الآية » . وعن وائل بن حجرٍ رضي الله عنه قال : « جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال الحضرميّ : يا رسول اللّه إنّ هذا قد غلبني على أرضٍ كانت لأبي ، فقال الكنديّ : هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم للحضرميّ : أَلَكَ بَيِّنَةٌ ؟ قال : لا ، قال : فَلَكَ يمينُه . قال : يا رسول اللّه : إنّ الرّجلَ فاجر ، لا يبالي على ما حلف عليه ، وليس يتورّع عن شيءٍ فقال : ليس لَكَ منه إلاّ يمينه . فانطلق ليحلف ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمّا أدبر : لئن حلف على مالٍ لِيأكله ظلماً لَيَلْقَيَنّ اللّه وهو عنه مُعرض » . وقال الرّسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه عبد اللّه بن أنيسٍ رضي الله عنه : « من أكبر الكبائر : الإشراكُ باللّه ، وعقوقُ الوالدين ، واليمين الغموس والّذي نفسي بيده لا يحلفُ رجلٌ على مثلِ جناحِ بعوضةٍ إلاّ كانت كَيّاً في قلبه يوم القيامة » . وعن جابر بن عتيكٍ رضي الله عنه أنّه سمع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « من اقتطعَ حقّ امرئٍ مسلمٍ بيمينه فقد أوجبَ اللّه له النّارَ وحرَّم عليه الجنّةَ ، فقال رجل : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول اللّه ، قال : وإن كان قضيباً من أراكٍ » . التّرخيص في اليمين الغموس للضّرورة : 110 - إنّ حرمة اليمين الغموس هي الأصل ، فإذا عرض ما يخرجها عن الحرمة لم تكن حراماً ، ويدلّ على هذا . أوّلاً : قوله تعالى : { مَنْ كَفَرَ باللّه مِنْ بعد إيمانه إلاّ من أُكْرِه وقَلْبُه مُطْمَئِنّ بالِإيمانِ ولكنْ مَنْ شَرَحَ بالكفرِ صَدْراً فعليهم غَضَبٌ من اللّه ولهم عذابٌ عظيمٌ } . فإذا كان الإكراه يبيح كلمة الكفر فإباحته لليمين الغموس أولى . ثانياً : آيات الاضطرار إلى أكل الميتة وما شاكلها ، كقول تعالى : { فَمَنْ اضْطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ فلا إثمَ عليه إنَّ اللّهَ غفورٌ رحيمٌ } . فإذا أباحت الضّرورة تناول المحرّمات أباحت النّطق بما هو محرّم . 111 - وإليك نصوص بعض المذاهب في بيان ما تخرج به اليمين الغموس عن الحرمة . أ - قال الدّردير في أقرب المسالك وشرحه ، والصّاويّ في حاشيته ما خلاصته : لا يقع الطّلاق على من أكره على الطّلاق ولو ترك التّورية مع معرفته بها ، ولا على من أكره على فعل ما علّق عليه الطّلاق . وندب أو وجب الحلف ليسلم الغير من القتل بحلفه وإن حنث هو ، وذلك فيما إذا قال ظالم : إن لم تطلّق زوجتك ، أو إن لم تحلف بالطّلاق قتلت فلاناً ، قال ابن رشدٍ : إن لم يحلف لم يكن عليه حرج ، أي لا إثم عليه ولا ضمان ، ومثل الطّلاق : النّكاح والإقرار واليمين . ب - قال النّوويّ : الكذب واجب إن كان المقصود واجباً ، فإذا اختفى مسلم من ظالمٍ ، وسأل عنه وجب الكذب بإخفائه ، وكذا لو كان عنده أو عند غيره وديعة ، وسأل عنها ظالم يريد أخذها وجب عليه الكذب بإخفائها ، حتّى لو أخبره بوديعةٍ عنده فأخذها الظّالم قهراً وجب ضمانها على المودع المخبر ، ولو استحلفه عليها لزمه أن يحلف ، ويورّي في يمينه ، فإن حلف ولم يورّ حنث على الأصل وقيل : لا يحنث . ج - وقال موفّق الدّين بن قدامة : من الأيمان ما هي واجبة ، وهي الّتي ينجّي بها إنساناً معصوماً من هلكةٍ ، كما روي عن سويد بن حنظلة قال : « خرجنا نريد النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجرٍ ، فأخذه عدوّ له ، فتحرّج القوم أن يحلفوا ، فحلفت أنا : أنّه أخي ، فذكرت ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم صدقت ، المسلم أخو المسلم » فهذا ومثله واجب ، لأنّ إنجاء المعصوم واجب ، وقد تعيّن في اليمين فيجب ، وكذلك إنجاء نفسه ، مثل : أن تتوجّه عليه أيمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو بريء الحكم المترتّب على تمامها : 112 - في الحكم المترتّب على تمام الغموس ثلاثة آراءٍ . الرّأي الأوّل : أنّها لا كفّارة عليها سواء أكانت على ماضٍ أم حاضرٍ ، وكلّ ما يجب إنّما هو التّوبة ، وردّ الحقوق إلى أهلها إن كان هناك حقوق ، وهذا مذهب الحنفيّة . الرّأي الثّاني : أنّ فيها الكفّارة ، وهذا مذهب الشّافعيّة ، ويلاحظ أنّهم في تعريف الغموس خصّوها بالماضي ، لكن من المعلوم أنّ إيجاب الكفّارة في الحلف على الماضي يستلزم إيجابها في الحلف على الحاضر والمستقبل ، لأنّهم قالوا : إنّ كلّ ما عدا اللّغو معقود . الرّأي الثّالث : التّفصيل ، وقد أوضحه المالكيّة بناءً على توسّعهم في معناها ، فقالوا : من حلف على ما هو متردّد فيه أو معتقد خلافه فلا كفّارة عليه إن كان ماضياً ، سواء أكان موافقاً للواقع أم مخالفاً ، وعليه الكفّارة إن كان حاضراً أو مستقبلاً وكان في الحالين مخالفاً للواقع . وإلى التّفصيل ذهب الحنابلة أيضاً ، حيث اقتصروا في تعريف الغموس على ما كانت على الماضي ، وشرطوا في كفّارة اليمين أن تكون على مستقبلٍ . فيؤخذ من مجموع كلامهم أنّ الحلف على الكذب عمداً لا كفّارة فيه إن كان على ماضٍ أو حاضرٍ ، وفيه الكفّارة إن كان على مستقبلٍ . 113 - احتجّ القائلون بوجوب الكفّارة في الغموس بأنّها مكسوبة معقودة ، إذ الكسب فعل القلب ، والعقد : العزم ، ولا شكّ أنّ من أقدم على الحلف باللّه تعالى كاذباً متعمّداً فهو فاعل بقلبه وعازم ومصمّم ، فهو مؤاخذ . وقد أجمل اللّه عزّ وجلّ المؤاخذة في سورة البقرة فقال : { لا يؤاخذُكم اللّه باللّغو في أيمانِكم ولكنْ يؤاخذُكم بما كسبتْ قلوبُكم } وفصّلها في سورة المائدة ، فقال : { لا يؤاخذُكم اللّه باللّغو في أيمانِكم ولكن يؤاخذُكم بما عقّدْتُم الأيمانَ ، فكفّارته إطعامُ عشرةِ مساكين ... } على أنّ اليمين الغموس أحقّ بالتّكفير من سائر الأيمان المعقودة ، لأنّ ظاهر الآيتين ، ينطبق عليها من غير تقديرٍ ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعل المؤاخذة في سورة البقرة على الكسب بالقلب ، وفي سورة المائدة على تعقيد الأيمان وإرادتها ، وهذا منطبق أعظم انطباقٍ على اليمين الغموس ، لأنّها حانثة من حين إرادتها والنّطق بها ، فالمؤاخذة مقارنة لها ، بخلاف سائر الأيمان المعقودة ، فإنّه لا مؤاخذة عليها إلاّ عند الحنث فيها ، فهي محتاجة في تطبيق الآيتين عليها إلى تقديرٍ ، بأن يقال : إنّ المعنى : ولكن يؤاخذكم بالحنث فيما كسبت قلوبكم ، وبالحنث في إيمانكم المعقودة ، وكذلك قوله تعالى : { ذلك كفّارةُ أيمانِكم إذا حلفْتُم } معناه : إذا حلفتم وحنثتم . 114- واستدلّ الحنفيّة ومن وافقهم على عدم وجوب الكفّارة في اليمين الغموس بما يأتي : أوّلاً : قال اللّه تعالى : { إنّ الّذين يشترون بعَهْدِ اللّه وأيمانِهم ثمناً قليلاً أولئك لا خَلاقَ لهم في الآخرةِ ولا يكلّمُهُمُ اللّه ولا ينظرُ إليهم يومَ القيامةِ ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليم } . ثانياً : ما رواه الأشعث بن قيسٍ وعبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنهما كلّ منهما عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « من حلف على يمين صَبْرٍ يقتطع بها مالَ امرئٍ مسلمٍ هو فيها فاجرٌ لقيَ اللّه وهو عليه غضبان » . ووجه الاستدلال بالآية والحديثين وما معناهما : أنّ هذه النّصوص أثبتت أنّ حكم الغموس العذاب في الآخرة ، فمن أوجب الكفّارة فقد زاد على النّصوص . ثالثاً : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « خمسٌ ليس لهنّ كفّارةٌ : الشّركُ باللّه عزّ وجلّ ، وقتلُ النّفسِ بغيرِ حقٍّ ، وبهتُ مؤمنٍ ، والفرارُ من الزّحفِ ، ويمينٌ صابرة يقتطع بها مالاً بغير حقٍّ » . حكم اليمين اللّغو : 115 - سبق بيان اختلاف المذاهب في تفسير يمين اللّغو ، فمن فسّروها باليمين على الاعتقاد أو باليمين غير المقصودة ذهبوا إلى أنّها لا إثم فيها من حيث ذاتها ولا كفّارة لها . لكن لمّا فسّرها المالكيّة بمعنًى شاملٍ للمستقبل قالوا : إنّها تكفّر إذا كانت على مستقبلٍ وحنث فيها ، كما لو حلف : أن يفعل كذا ، أو ألاّ يفعل كذا غداً ، وهو معتقد أنّ ما حلف على فعله سيحصل ، وما حلف على عدم فعله لن يحصل ، فوقع خلاف ما اعتقده وهم لا يخالفون الحنفيّة في ذلك ، غير أنّ الحنفيّة لا يسمّون الحلف على المستقبل لغواً كما تقدّم . ومن فسّروها باليمين على المعاصي اختلفوا ، هل تكفّر بالحنث أو لا تكفّر ؟ فمنهم من قال : لا كفّارة لها ، لقوله تعالى : { لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم } لأنّ المراد أنّ اللّه عزّ وجلّ لا يؤاخذ من حلف على المعصية إذا لم ينفّذ ما حلف عليه ، وذلك أنّ التّنفيذ حرام ، واجتنابه واجب ، فإذا اجتنبه فقد أدّى ما عليه ، فلا يطالب بكفّارةٍ . ومنهم من قال : يجب على الحالف الحنث ، وإذا حنث وجبت عليه الكفّارة ، لأنّ قوله تعالى : { لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم } يراد به أنّ اللّه عزّ وجلّ لا يؤاخذ من حلف على المعصية إذا حنث ولم ينفّذ ، فلا يعاقبه على هذا الحنث ، بل يوجبه عليه ، ويأمره به ، فإذا حنث وجب عليه التّكفير ، عملاً بقوله تعالى : { ذلك كفّارةُ أيمانِكم إذا حلفتم } فإنّ المراد به : أنّ ما ذكر هو كفّارة الأيمان مطلقاً لغواً ومعقودةً . وهذا كلّه في اليمين باللّه تعالى ، وأمّا اليمين بغيره فسيأتي الكلام على اللّغو فيها . أحكام اليمين المعقودة : اليمين المعقودة لها ثلاثة أحكامٍ : حكم الإتيان بها ، وحكم البرّ والحنث فيها ، والحكم المترتّب على البرّ والحنث . وبيانها كما يلي : أ - حكم الإتيان بها : 116 - قال الحنفيّة والمالكيّة : إنّ الأصل في اليمين باللّه تعالى الإباحة ، والإكثار منها مذموم . وهذا هو الحكم الأصليّ لليمين ، فلا ينافي أنّه قد تعرض لليمين أمور تخرجها عن هذا الحكم ، كما في المذاهب الآتية الّتي ذكرت الأحكام تفصيلاً . وقال الشّافعيّة : الأصل في اليمين الكراهة إلاّ في طاعةٍ ، أو لحاجةٍ دينيّةٍ ، أو في دعوى عند حاكمٍ ، أو في ترك واجبٍ على التّعيين أو فعل حرامٍ وهذا إجمال توضيحه فيما يلي : الأصل في اليمين الكراهة ، لقوله تعالى : { ولا تَجْعَلوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمانِكم أنْ تَبَرُّوا وتتّقوا وتُصْلِحُوا بين النّاس } وقوله عزّ وجلّ : { واحْفَظُوا أيمانَكم } ولحديث : « إنّما الحلف حِنْثُ أو ندم » . وقد يقال : إنّ الآية الأولى يحتمل أن يكون معناها : لا تجعلوا الحلف باللّه حاجزاً لما حلفتم على تركه من أنواع الخير ، بناءً على أنّ العرضة معناها : الحاجز والمانع ، والأيمان معناها : الأمور الّتي حلفتم على تركها . ويحتمل أن يكون معناها : لا تجعلوا اللّه نصباً لأيمانكم ، فتبذلوه بكثرة الحلف به في كلّ حقٍّ وباطلٍ ، لأنّ في ذلك نوع جرأةٍ على اللّه تعالى . فالآية الأولى لا تدلّ على حكم الحلف ، وعلى الاحتمال الثّاني تدلّ على كراهة الإكثار ، لا كراهة أصل الحلف . والآية الثّانية : يحتمل أن يكون معناها طلب حفظ الأيمان المحلوفة عن الحنث ، إذا كان الوفاء بها لا مانع منه ، فتدلّ على كراهة الحنث أو حرمته ، ولا شأن لها بالإقدام على الحلف ، ويحتمل أن يكون معناها طلب حفظ الأيمان الّتي في القلوب عن الإظهار ، فيكون المطلوب ترك الأيمان حذراً ممّا يترتّب عليها من الحنث والكفّارة ، وعلى هذا يكون الإقدام على اليمين مكروهاً إلاّ لعارضٍ يخرجه عن الكراهة إلى حكمٍ آخر . والحديث المتقدّم بعد الآيتين السّابقتين ضعيف الإسناد كما يؤخذ من فيض القدير ، وعلى فرض صحّته فالحصر فيه إنّما يصحّ فيمن يكثر الحلف من غير مبالاةٍ ، فيقع في بعض الأحيان في الحنث ، وفي بعضها يأتي بما حلف عليه كارهاً له مستثقلاً إيّاه ، نادماً على ما كان منه من الحلف . 117 - ومذهب الحنابلة شبيه بمذهب الحنفيّة ، إذ الأصل عندهم الإباحة ، إلاّ أنّهم فصّلوا ، فقالوا : تنقسم اليمين إلى واجبةٍ ، ومندوبةٍ ، ومباحةٍ ، ومكروهةٍ ، وحرامٍ . فتجب لإنجاء معصومٍ من مهلكةٍ ، ولو نفسه ، كأيمان قسامةٍ توجّهت على بريءٍ من دعوى قتلٍ . وتندب لمصلحةٍ ، كإزالة حقدٍ وإصلاحٍ بين متخاصمين ودفع شرٍّ وهو صادق فيها . وتباح على فعلٍ مباحٍ أو تركه ، كمن حلف لا يأكل سمكاً مثلاً أو ليأكلنّه ، وكالحلف على الخبر بشيءٍ هو صادق فيه ، أو يظنّ أنّه صادق . وتكره على فعل مكروهٍ ، كمن حلف ليصلينّ وهو حاقن أو ليأكلنّ بصلاً نيئاً ومنه الحلف في البيع والشّراء ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « الحلف منفّقة للسّلعة ممحقة للبركة » أو على ترك مندوبٍ كحلفه لا يصلّي الضّحى . وتحرم على فعل محرّمٍ ، كشرب خمرٍ ، أو على ترك واجبٍ ، كمن حلف لا يصوم رمضان وهو صحيح مقيم . ثمّ إنّ إباحتها على فعل مباحٍ أو تركه ما لم تتكرّر ، فالتّكرار خلاف السّنّة ، فإن أفرط فيه كره ، لقوله تعالى : { ولا تُطِعْ كلَّ حَلّافٍ مَهِينٍ } وهو ذمّ له يقتضي كراهة الإكثار . وهذا التّقسيم لا تأباه المذاهب الأخرى . ب - حكم البرّ والحنث فيها : 118 - اليمين المعقودة إمّا أن تكون على فعلٍ واجبٍ أو ترك معصيةٍ أو عكسهما ، أو فعل ما هو أولى أو ترك ما تركه أولى أو عكسهما ، أو فعل ما استوى طرفاه أو تركه . فاليمين على فعل واجبٍ أو ترك معصيةٍ ، كواللّه لأصلينّ الظّهر اليوم ، أو لا أسرق اللّيلة ، يجب البرّ فيها ويحرم الحنث ، ولا خلاف في ذلك كما لا يخفى . واليمين على فعل معصيةٍ أو ترك واجبٍ ، كواللّه لأسرقنّ اللّيلة أو لا أصلّي الظّهر اليوم يحرم البرّ فيها ويجب الحنث ، وظاهر أنّه لا خلاف في ذلك أيضاً . لكن ينبغي التّنبّه إلى أنّ الحلف على المعصية المطلقة عن التّوقيت يلزمه فيها العزم على الحنث ، لأنّ الحنث فيها إنّما يكون بالموت ونحوه . واليمين على فعل ما فعله أولى أو على ترك ما تركه أولى - كواللّه لأصلينّ سنّة الصّبح أو لا ألتفت في الصّلاة - يطلب البرّ فيها وهو أولى من الحنث . هكذا عبّر الحنفيّة القدامى بالأولويّة ، وبحث الكمال بن الهمام في ذلك بأنّ قوله تعالى : { واحفظوا أيمانكم } يدلّ على وجوب البرّ وعدم جواز الحنث ، ورجّح ذلك ابن عابدين وغيره . وقال الشّافعيّة والحنابلة : يسنّ البرّ ويكره الحنث في هذه الحالة . واليمين على ترك ما فعله أولى ، أو فعل ما تركه أولى - كواللّه لا أصلّي سنّة الصّبح أو لألتفتنّ في الصّلاة - يطلب الحنث فيها وهو أولى من البرّ . هذا مذهب الحنفيّة . وقال الشّافعيّة والحنابلة : يسنّ الحنث في هذه الحالة ويكره البرّ . واليمين على فعل ما استوى طرفاه أو على تركه - كواللّه لأتغدّينّ هذا اليوم أو لا أتغدّى هذا اليوم - يطلب البرّ فيها ، وهو أولى من الحنث . هكذا قال الحنفيّة القدامى ، ومقتضى بحث الكمال وجوب البرّ وعدم جواز الحنث . وقال الشّافعيّة : البرّ أفضل ، ما لم يتأذّ بذلك صديقه ، كمن حلف لا يأكل كذا ، وكان صديقه يتأذّى من ترك أكله إيّاه ، فينعكس الحكم ويكون الحنث أفضل . ومقصود الشّافعيّة بالأفضليّة الأولويّة ، وهي الاستحباب غير المؤكّد ، ويقال لمقابلها خلاف الأولى أو خلاف الأفضل ، وهو أقلّ من المكروه . وقال الحنابلة : يخيّر بين البرّ والحنث ، والبرّ أولى ، فمذهبهم كمذهب الشّافعيّة . الحلف على الغير واستحباب إبرار القسم : 119 - قد يحلف الإنسان على فعلٍ أو تركٍ منسوبين إليه ، نحو : واللّه لأفعلنّ أو لا أفعل ، وهذا هو الغالب . وقد يحلف على فعلٍ أو تركٍ منسوبين إلى غيره ، كقوله : واللّه لتفعلنّ أو لا تفعل ، وقوله : واللّه ليفعلنّ فلان كذا أو لا يفعله . وأحكام البرّ والحنث السّابق ذكرها إنّما هي فيمن حلف على فعل نفسه أو تركها . وأمّا من حلف على فعل غيره أو تركه ، مخاطباً كان أو غائباً ، فإنّه يتّفق حكم التّحنيث والإبرار فيه مع حكم الحنث والبرّ السّابقين في بعض الصّور ويختلف في بعضها . أ - فمن حلف على غيره أن يفعل واجباً أو يترك معصيةً وجب إبراره ، لأنّ الإبرار في هذه الحالة إنّما هو قيام بما أوجبه اللّه أو انتهاء عمّا حرّمه اللّه عليه . ب - ومن حلف على غيره أن يفعل معصيةً أو يترك واجباً لم يجز إبراره ، بل يجب تحنيثه ، لحديث : « لا طاعة لأحدٍ في معصية اللّه تبارك وتعالى » . ج - ومن حلف على غيره أن يفعل مكروهاً أو يترك مندوباً فلا يبرّه ، بل يحنّثه ندباً ، لأنّ طاعة اللّه مقدّمة على طاعة المخلوق . د - ومن حلف على غيره أن يفعل مندوباً أو مباحاً ، أو يترك مكروهاً أو مباحاً فهذا يطلب إبراره على سبيل الاستحباب ، وهو المقصود بحديث الأمر بإبرار القسم الّذي رواه الشّيخان عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال : « أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بسبعٍ : أمرنا بعيادة المريض ، واتّباع الجنائز ، وتشميت العاطس ، وإبرار القسم ، أو المقسم ، ونصر المظلوم ، وإجابة الدّاعي ، وإفشاء السّلام » . وظاهر الأمر الوجوب ، لكن اقترانه بما هو متّفق على عدم وجوبه - كإفشاء السّلام - قرينة صارفة عن الوجوب . وممّا يدلّ على عدم الوجوب أيضاً أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يبرّ قسم أبي بكرٍ رضي الله عنه ، فقد روى الشّيخان عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما حديثاً طويلاً يشتمل على رؤيا قصّها أبو بكرٍ رضي الله عنه وجاء في هذا الحديث « أنّه قال لرسول اللّه بأبي أنت وأمّي : أصبت أم أخطأت ؟ فقال : أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً . قال : فواللّه لتحدّثني بالّذي أخطأت ، قال : لا تقسم » فقوله صلى الله عليه وسلم " لا تقسم " معناه لا تكرّر القسم الّذي أتيت به ، لأنّي لن أجيبك ، ولعلّ هذا الصّنيع من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز ، فإنّه عليه الصلاة والسلام لا يفعل خلاف المستحسن إلاّ بقصد بيان الجواز ، وهو يدلّ على أنّ الأمر في الحديث السّابق ليس للوجوب ، بل للاستحباب . ج - الحكم المترتّب على البرّ والحنث : 120 - اليمين المعقودة إذا برّ فيها الحالف لم تلزمه كفّارة كما لا يخفى ، وإذا حنث - بأن انتفى ما أثبته أو ثبت ما نفاه - لزمته الكفّارة ، سواء أكان حالفاً على فعل معصيةٍ أو ترك واجبٍ أم لا ، وسواء أكان كاذباً عمداً أو خطأً أم لا ، وسواء أكان قاصداً للحلف أم لا . هذا مذهب الحنفيّة ومن وافقهم ، فهم يوجبون الكفّارة على من حنث في اليمين باللّه تعالى على أمرٍ مستقبلٍ ليس مستحيلاً عقلاً عند أبي حنيفة ومحمّدٍ ، وليس مستحيلاً عادةً أيضاً عند زفر ، سواء أكان الحالف قاصداً أم غير قاصدٍ ، وكذا من حلف بتعليق الكفر . 121 - والمالكيّة يخالفون الحنفيّة في أمورٍ : أحدها : أنّهم يوجبون الكفّارة في الغموس إذا كانت على أمرٍ حاضرٍ أو مستقبلٍ ، والحنفيّة لا يوجبون الكفّارة فيها إلاّ إذا كانت على أمرٍ مستقبلٍ ممكنٍ عقلاً . ثانيها : أنّهم يوجبون الكفّارة في الحلف على المستقبل المستحيل عقلاً إن كان عالماً باستحالته أو متردّداً فيها ، والحنفيّة لا يوجبونها مطلقاً . ثالثها : أنّهم يفصّلون في اليمين غير المقصودة ، فيقولون : من أراد النّطق بكلمةٍ فنطق باليمين بدلها لخطأ لسانه لم تنعقد ، ومن أراد النّطق بشيءٍ فنطق معه باليمين زيادةً بغير قصدٍ كانت كاليمين المقصودة ، فيكفّرها إن كانت مستقبليّةً مطلقاً ، وكذا إن كانت غموساً حاضرةً ، والحنفيّة لم نر لهم تفصيلاً في غير المقصودة ، فقد أطلقوا القول بعدم اشتراط القصد . رابعها : أنّهم لا يقولون بالكفّارة في تعليق الكفر ، والحنفيّة يجعلونه كنايةً عن اليمين باللّه تعالى ، فيوجبون الكفّارة فيه إن كان على أمرٍ مستقبلٍ غير مستحيلٍ عقلاً . وليس المقصود بالكناية أنّها تحتاج إلى النّيّة ، وإنّما المقصود أنّها لفظ أطلق وأريد لازم معناه ، كما يقول علماء البلاغة . 122 - والشّافعيّة يخالفون في أمورٍ : أحدها : أنّهم يوجبون الكفّارة في الغموس على ماضٍ ، ويلزم من ذلك إيجابها في الغموس على حاضرٍ ومستقبلٍ ، فإنّ الغموس عندهم منعقدة مطلقاً . ثانيها : أنّهم يوجبون الكفّارة في الحلف على المستحيل عقلاً ، ماضياً كان أو حاضراً أو مستقبلاً ، إلاّ إن كانت اليمين غير مقصودةٍ ، أو كان جاهلاً بالاستحالة . ثالثها : أنّهم يقولون : إنّ اليمين غير المقصودة تعدّ لغواً مطلقاً ، سواء أكان معنى عدم القصد خطأ اللّسان ، أم كان معناه سبق اللّسان إلى النّطق بها ، فلا كفّارة فيها ولو على مستقبلٍ . ويقولون فيمن حلف على غير الواقع ، جاهلاً بمخالفته للواقع : لا تنعقد يمينه . سواء أكان المحلوف عليه ماضياً أم حاضراً أم مستقبلاً ، إلاّ إذا قصد أنّ المحلوف عليه هو كما حلف عليه في الواقع ونفس الأمر ، فتجب فيه الكفّارة حينئذٍ . رابعها : أنّهم لا يوجبون الكفّارة في تعليق الكفر مطلقاً . ونقل ابن قدامة عن قومٍ من فقهاء السّلف أنّ من حلف على معصيةٍ فالكفّارة ترك المعصية ، ومعنى هذا : أنّ اليمين على المعصية تنعقد ويجب الحنث ، وليس فيها الكفّارة المعهودة . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية