الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41067" data-attributes="member: 329"><p>الحنث في اليمين : معناه وما يتحقّق به :</p><p>123 - أمّا معناه فهو : مخالفة المحلوف عليه ، وذلك بثبوت ما حلف على عدمه ، أو عدم ما حلف على ثبوته . وأمّا ما يتحقّق به فيختلف باختلاف المحلوف عليه ، وإليك البيان . المحلوف عليه إمّا ماضٍ أو حاضرٍ أو مستقبلٍ .</p><p>124 - أمّا الماضي : فالحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ومن وافقهم لا يعتبرون اليمين عليه معقودةً أصلاً ، فلا حنث فيها بالكذب عمداً أو خطأً . </p><p>وأمّا الشّافعيّة ومن وافقهم فيعتبرون اليمين عليه معقودةً إذا كان الحالف كاذباً عمداً ، وحينئذٍ يكون الحنث مقارناً للانعقاد ، وتجب الكفّارة من حين تمام الإتيان بها .</p><p>125 - وأمّا الحاضر : فهو كالماضي ، إلاّ أنّ المالكيّة متّفقون مع الفريق الثّاني القائل بانعقاد اليمين عليه إن كان الحالف كاذباً عمداً ، ثمّ إنّهم توسّعوا فضمّوا إلى الكذب العمد ما تردّد فيه المتكلّم ، بأن حلف على ما يظنّه ظنّاً ضعيفاً ، أو يشكّ فيه ، أو يظنّ نقيضه ظنّاً ضعيفاً ، وسبق ذلك في تعريف الغموس وحكمها .</p><p>126 - وأمّا المستقبل : فاليمين عليه إن وجدت فيها شرائط الانعقاد ، فأمّا أن تكون على نفيٍ أو إثباتٍ ، وكلّ منهما إمّا مطلق وإمّا مقيّد بوقتٍ . </p><p>أمّا اليمين على النّفي المطلق : فالحنث فيها يتحقّق بثبوت ما حلف على نفيه ، سواء أكان ذلك عقب اليمين أم بعده بزمانٍ قصيرٍ أو طويلٍ ، وهل يمنع الحنث نسيان أو خطأ في الاعتقاد ، أو خطأ لسانيّ أو جنون أو إغماء أو إكراه ؟ وهل يحنث بالبعض إذا كان المحلوف عليه ذا أجزاءٍ أو لا يحنث إلاّ بالجميع ؟ كلّ ذلك محلّ خلافٍ يعلم ممّا يأتي في شرائط الحنث .</p><p>127 - وأمّا اليمين على النّفي المؤقّت : فالحنث فيها يتحقّق بحصول الضّدّ في الوقت ، لا بحصوله قبله أو بعد تمامه . وفي النّسيان ونحوه الخلاف الّذي سبقت الإشارة إليه . </p><p>128 - وأمّا اليمين على الإثبات المطلق : فالحنث فيها يتحقّق باليأس من البرّ ، إمّا بموت الحالف قبل أن يفعل ما حلف على فعله ، وإمّا بفوت محلّ المحلوف عليه ، كما لو قال : واللّه لألبسنّ هذا الثّوب ، فأحرقه هو أو غيره . </p><p>هذا مذهب الحنفيّة ، وفصّل غيرهم في فوت المحلّ بين ما كان باختيار الحالف وما كان بغير اختياره ، فما كان باختياره يحنث به ، وما كان بغير اختياره ففيه تفصيل يعلم من شرائط الحنث . </p><p>وذهب المالكيّة إلى أنّ الحنث في هذه الحالة - وهي الحلف على الإثبات المطلق - يحصل أيضاً بالعزم على الضّدّ ، وذلك بأن ينوي عدم الإتيان بالمحلوف ما دام حيّاً ، وهذا الحنث محتّم لا يزول بالرّجوع عن العزم على قول ابن الموّاز وابن شاسٍ وابن الحاجب والقرافيّ ، وهو ظاهر كلام خليلٍ في مختصره والدّردير في أقرب المسالك واعتمده البنانيّ ، خلافاً للقائلين بالتّفصيل بين الطّلاق وغيره ، حيث ذهبوا إلى أنّ الحلف بالطّلاق على الإثبات المطلق يحنث فيه بالعزم على الفوات ، والحلف بالعتق وبالقربة وباللّه تعالى لا يحنث الحالف بها بالعزم المذكور إلاّ إذا استمرّ عليه ، فإن رجع عن عزمه رجعت اليمين كما كانت ، ولم يحنث إلاّ بالفوات . </p><p>وهذا الّذي ذهب إليه المالكيّة لم يوافقهم عليه أحد من أهل المذاهب الأخرى .</p><p>129 - وأمّا اليمين على الإثبات المؤقّت : فالحنث فيها يتحقّق باليأس من البرّ في الوقت ، إن كان الحالف والمحلوف عليه قائمين ، كأن قال : واللّه لآكلنّ هذا الرّغيف اليوم ، فغربت الشّمس وهو حيّ والرّغيف موجود ولم يأكله . </p><p>وإن مات الحالف في الوقت ولم يفت محلّ المحلوف عليه لم يعتبر حانثاً بالموت ولا بمضيّ الوقت بعده عند الحنفيّة جميعاً ، لأنّهم يرون أنّ الحنث إنّما يقع في آخر أجزاء الوقت في اليمين المؤقّتة ، والحالف ميّت في هذا الجزء الأخير ، ولا يوصف الميّت بالحنث ، ويحنث عند غيرهم على تفصيلٍ يعلم من شرائط الحنث . وإن فات محلّ المحلوف عليه في الوقت ، كأن أكل الرّغيف إنسان آخر ، ولم يمت الحالف ، لم يحنث في قول أبي حنيفة ومحمّدٍ وزفر لأنّهم يشترطون إمكان البرّ ، خلافاً لأبي يوسف ، حيث قال بالحنث في هذه الحالة ، لأنّه لا يشترط هذه الشّريطة . واختلفت الرّواية عنه في وقت الحنث : فروي عنه أنّه لا يحنث إلاّ آخر الوقت ، وروي عنه أنّه يحنث في الحال - أي حال فوت محلّ المحلوف عليه - وهذه الرّواية الثّانية هي الصّحيحة عنه . وفي المذاهب الأخرى تفصيل بين فوت المحلّ باختيار الحالف ، وفوته بغير اختياره ، وبين حصول الفوت أوّل الوقت ، أو بعد أوّله ، مع التّفريط أو عدمه ، وكلّ ذا يعلم من الشّرائط الآتية .</p><p>130 - وممّا ينبغي التّنبّه إليه أنّ المؤقّتة إذا لم يبدأ وقتها من حين الحلف فمات الحالف ، أو فات المحلّ قبل بدء الوقت فلا حنث في الصّورتين ، وخالف الحنابلة في الثّانية ، فقالوا بالحنث فيها ، وذلك كما لو قال : واللّه لأشربنّ ماء هذا الكوب غداً ، فمات هو أو شرب الماء إنسان آخر قبل فجر الغد ، فإنّه لا يعدّ حانثاً في الحالين عند الأكثرين . </p><p>وممّا ينبغي التّنبّه له أيضاً : أنّ التّوقيت في اليمين المؤقّتة يشمل التّوقيت نصّاً ، والتّوقيت دلالةً ، كما لو قيل لإنسانٍ : أتدخل دار فلانٍ اليوم ؟ فقال : واللّه لأدخلنّها ، أو واللّه لا أدخلها ، فالمحلوف عليه مؤقّت باليوم دلالةً ، لوقوعه جواباً عن السّؤال المحتوي على قيد التّوقيت باليوم ، وهذا من يمين الفور ، وسيأتي بيانها والخلاف فيها .</p><p>شرائط الحنث :</p><p>131 - الجمهور القائلون بأنّ الحنث هو السّبب الوحيد ، أو ثاني السّببين للكفّارة ، أو شريطة لها ، لم يصرّحوا بشرائط للحنث ، وإنّما ذكروا أموراً يختلف الرّأي فيها ، إذا كان الحنث فعلاً أو تركاً ، ومن هذه الأمور : العمد والطّواعية والتّذكّر والعقل . </p><p>وقد سبق أنّ الحنفيّة لا يشترطون في الحلف الطّواعية ولا العمد ، وهم لا يشترطونهما في الحنث أيضاً ، وكذلك لا يشترطون فيه التّذكّر ولا العقل ، فمن حلف أو حنث مخطئاً أو مكرهاً وجبت عليه الكفّارة . وكذا من حلف ألاّ يفعل شيئاً ففعله وهو ذاهل أو ساهٍ أو ناسٍ أو مجنون أو مغمًى عليه فعليه الكفّارة . </p><p>فإن لم يفعل المحلوف عليه ، بل فعله به غيره قهراً عنه لم يحنث ، كما لو حلف ألاّ يشرب هذا الماء ، فصبّه إنسان في حلقه قهراً ، لأنّه في هذه الحالة ليس شارباً ، فلم يفعل ما حلف على الامتناع منه . </p><p>ومن أمثلة النّسيان في الحنث : ما لو قال إنسان : واللّه لا أحلف ، ثمّ حلف ناسياً لهذه اليمين ، فإنّه يجب عليه كفّارة بهذا الحلف الثّاني من حيث كونه حنثاً في اليمين الأولى ، ثمّ إذا حنث في هذه اليمين الثّانية وجبت عليه كفّارة أخرى على القول بعدم تداخل الكفّارات وسيأتي الخلاف في ذلك . وقال المالكيّة : إنّ اليمين إمّا يمين برٍّ ، نحو واللّه لا أفعل كذا ، وإمّا يمين حنثٍ ، نحو واللّه لأفعلنّ كذا .</p><p>132 - أمّا يمين البرّ : فيحنث فيها بفعل ما حلف على تركه - وكذا بفعل بعضه إن كان ذا أجزاءٍ - عمداً أو نسياناً أو خطأً قلبيّاً ، بمعنى اعتقاد أنّه غير المحلوف عليه ، وإنّما يحنث بها إذا لم يقيّد يمينه بالعمد أو العلم ، فإن قيّدها بالعمد ، بأن قال : لا أفعله عمداً ، لم يحنث بالخطأ ، وإن قيّد بالعلم ، بأن قال : لا أفعله عالماً ، أو لا أفعله ما لم أنس لم يحنث بالنّسيان . ولا يحنث في يمين البرّ بالخطأ اللّسانيّ ، كما لو حلف : لا يذكر فلاناً ، ثمّ سبق لسانه بذكر اسمه ، وكذا لا يحنث فيها بالإكراه على فعل ما حلف على الامتناع منه ، وذلك بقيودٍ ستّةٍ :</p><p>أ - ألاّ يعلم أنّه يكره على الفعل .</p><p>ب - ألاّ يأمر غيره بإكراهه له </p><p>ج - ألاّ يكون الإكراه شرعيّاً . </p><p>د - ألاّ يفعل ثانياً طوعاً بعد زوال الإكراه .</p><p>هـ - ألاّ يكون الحلف على شخصٍ بأنّه لا يفعل كذا ، والحالف هو المكره له على فعله .</p><p>و - ألاّ يقول في يمينه : لا أفعله طائعاً ولا مكرهاً . </p><p>فإن وجد واحد من هذه السّتّة حنث بالإكراه ووجبت الكفّارة .</p><p>133 - وأمّا يمين الحنث : فيحنث فيها بالإكراه على ترك المحلوف عليه حتّى يفوت ، كما لو قال : واللّه لأدخلنّ دار زيدٍ غداً ، فمنع من دخولها بالإكراه حتّى غربت شمس الغد ، فإنّه يحنث . </p><p>ويؤخذ من هذا : أنّه يحنث أيضاً بالتّرك ناسياً ومخطئاً ، بأن لم يتذكّر الحلف من الغد ، أو تذكّره ودخل داراً أخرى يعتقد أنّها الدّار المحلوف عليها ، ولم يتبيّن له الحال حتّى مضى الغد . وإذا فات المحلوف عليه في يمين الحنث بمانعٍ ، فإمّا أن يكون المانع شرعيّاً أو عاديّاً أو عقليّاً .</p><p>134 - فإن كان المانع شرعيّاً حنث بالفوات مطلقاً ، سواء أتقدّم المانع على الحلف ولم يعلم به أم تأخّر ، وسواء أفرّط فيه حتّى فات أم لا ، وسواء أكانت اليمين مؤقّتةً أم لا . </p><p>مثال ذلك : ما لو حلف أن يباشر زوجته غداً فطرأ الحيض ، أو تبيّن أنّه كان موجوداً قبل الحلف ولم يعلم به ، فيحنث عند مالكٍ وأصبغ خلافاً لابن القاسم ، فإن لم يقيّد بالغد لم يحنث ، بل ينتظر حتّى تطهر فيباشرها .</p><p>135 - وإن كان المانع عاديّاً ، فإن تقدّم على اليمين ولم يعلم به فحلف لم يحنث مطلقاً ، أقّت أم لا ، فرّط أم لا ، وإن تأخّر حنث مطلقاً ، خلافاً لأشهب حيث قال بعدم الحنث . </p><p>مثال ذلك : أن يحلف ليذبحنّ هذا الكبش ، أو ليلبسنّ هذا الثّوب ، أو ليأكلنّ هذا الطّعام ، فسرق المحلوف عليه أو غصب ، أو منع الحالف من الفعل بالإكراه ، أو تبيّن أنّه سرق قبل اليمين أو غصب ولم يكن يعلم بذلك عند الحلف . </p><p>ومحلّ الحنث من المانع الشّرعيّ والمانع العاديّ ، إذا أطلق الحالف اليمين فلم يقيّد بإمكان الفعل ولا بعدمه ، أو قيّد بالإطلاق ، كأن قال : لأفعلنّ كذا وسكت ، أو لأفعلنّ كذا قدرت عليه أم لا ، فإن قيّد بالإمكان فلا حنث ، بأن قال : لأفعلنّه إن أمكن ، أو ما لم يمنع مانع .</p><p>136 - وإن كان المانع عقليّاً ، فإن تقدّم ولم يكن قد علم به لم يحنث مطلقاً كما في المانع العاديّ ، وإن تأخّر فإمّا إن تكون اليمين مؤقّتةً أو غير مؤقّتةٍ . فإن كانت مؤقّتةً ، وفات المحلوف عليه قبل ضيق الوقت ، لم يحنث إن حصل المانع عقب اليمين ، وكذا إن تأخّر ولم يكن قد فرّط ، فإن تأخّر مع التّفريط حنث . </p><p>مثال ذلك : ما لو حلف ليذبحنّ هذا الحمام أو ليلبسنّ هذا الثّوب ، فمات الحمام أو أحرق الثّوب وكان قد أطلق اليمين ، أو أقّت بقوله : هذا اليوم ، أو هذا الشّهر مثلاً . </p><p>وصورة تقدّم المانع : أن يكون غائباً عن المنزل مثلاً ، فيقول : واللّه لأذبحنّ الحمام الّذي بالمنزل ، أو لألبسنّ الثّوب الّذي في الخزانة ، ثمّ يتبيّن له بعد الحلف موت الحمام أو احتراق الثّوب قبل أن يحلف . </p><p>وقال الشّافعيّة : لا يحنث من خالف المحلوف عليه جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً أو مقهوراً ، ولا تنحلّ اليمين في جميع هذه الصّور ، ولا يحنث أيضاً إن تعذّر البرّ بغير اختياره . </p><p>ومن أمثلة الجهل : ما لو حلف لا يسلّم على زيدٍ ، فسلّم عليه في ظلمةٍ وهو لا يعرف أنّه زيد ، وما لو حلف لا يدخل على بكرٍ ، فدخل داراً هو فيها ولم يعلم أنّه فيها . </p><p>وأمثلة النّسيان والإكراه ظاهرة . </p><p>ومثال القهر : ما لو حلف : لا يدخل دار خالدٍ ، فحمل وأدخل قهراً ، ويلحق به من حمل بغير أمره ولم يمتنع ، لأنّه لا يسمّى داخلاً ، بخلاف من حمل بأمره فإنّه يحنث لأنّه يسمّى داخلاً ، كما لو ركب دابّةً ودخل بها . </p><p>ومن صور تعذّر البرّ بغير اختياره ، ما لو قال : واللّه لآكلنّ هذا الطّعام غداً ، فتلف الطّعام بغير اختيار الحالف ، أو مات الحالف قبل فجر الغد ، فإنّه لا يحنث ، بخلاف ما لو تلف باختياره ، فإنّه يحنث ، وفي وقت حنثه خلاف ، فقيل : هو وقت التّلف ، وقيل : هو غروب شمس الغد ، والرّاجح أنّ الحنث يتحقّق بمضيّ زمن إمكان الأكل من فجر الغد . </p><p>ومن صور الفوت بغير اختياره : ما لو تلف في الغد بغير اختياره ، أو مات في الغد قبل التّمكّن من أكله . وقالوا أيضاً : لو حلف لا يأكل هذين الرّغيفين ، أو لا يلبس هذين الثّوبين ، أو ليفعلنّ ذلك ، تعلّق الحنث والبرّ بالمجموع ولو متفرّقاً ، وكذا لو عطف بالواو نحو : لا أكلّم زيداً وعمراً ، أو لا آكل اللّحم والعنب ، أو لأكلّمنّ زيداً وعمراً ، أو لآكلنّ اللّحم والعنب ، فإنّ الحنث والبرّ يتعلّق بهما ، فلا يحنث في المثالين الأوّلين ، ولا يبرّ في المثالين الأخيرين إلاّ بفعل المجموع ولو متفرّقاً .</p><p>137 - ويستثنى في حالة النّفي ما لو كرّر حرف النّفي ، كأن قال : واللّه لا أكلّم زيداً ولا عمراً . فإنّه يحنث بتكليم أحدهما ، وتبقى اليمين ، فيحنث حنثاً ثانياً بتكليم الثّاني . </p><p>وإن قال : لا أكلّم أحدهما أو واحداً منهما وأطلق ، حنث بكلام واحدٍ وانحلّت اليمين . </p><p>وإن قال : لا آكل هذه الرّمّانة فأكلها إلاّ حبّةً لم يحنث ، أو قال : لآكلنّ هذه الرّمّانة ، فأكلها إلاّ حبّةً لم يبرّ . وخرج بالحبّة : القشر ونحوه ممّا لا يؤكل من الرّمّانة عادةً . </p><p>والحنابلة يوافقون الشّافعيّة في كلّ ما سبق ، ما عدا تفويت البرّ ، فقد قالوا : لو حلف إنسان ليشربنّ هذا الماء غداً ، فتلف قبل الغد أو فيه حنث ، ولا يحنث بجنونه أو إكراهه قبل الغد مع استمرار ذلك إلى خروج الغد ، ولا يحنث أيضاً بموته قبل الغد . </p><p>ولو حلف ليشربنّ هذا الماء اليوم أو أطلق ، فتلف قبل مضيّ وقتٍ يسع الشّرب لم يحنث ، بخلاف ما لو تلف بعد مضيّ ذلك الوقت فإنّه يحنث ، وقيل : يحنث في الحالين .</p><p>بيان الكفّارة :</p><p>138 - كفّارة اليمين باللّه تعالى إذا حنث فيها وهي منعقدة قد ذكرها اللّه عزّ وجلّ في كتابه العزيز حيث ، قال : { لا يؤاخذُكم اللّهُ باللّغو في أيمانِكمْ ولكنْ يؤاخذُكم بما عقّدْتُم الأيمانَ فكفَّارتُه إطعامُ عَشَرةِ مساكين من أوسطِ ما تُطْعمون أهليكم أو كِسوتُهم أو تحريرُ رقبةٍ فمن لم يجدْ فصيامُ ثلاثةِ أيّامٍ ذلك كفّارةُ أيمانِكم إذا حَلَفْتم واحفظوا أيمانَكم كذلك يُبَيِّنُ اللّه لكم آياتِه لعلّكم تشكرون } فقد بيّنت الآية الكريمة أنّ كفّارة اليمين المعقودة واجبة على التّخيير ابتداءً ، والتّرتيب انتهاءً ، فالحالف إذا حنث وجب عليه إحدى خصالٍ ثلاثٍ : إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبةٍ ، فإذا عجز عن الثّلاث وجب عليه صيام ثلاثة أيّامٍ . ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك ، لأنّه نصّ قرآنيّ قاطع ، غير أنّ في التّفاصيل اختلافاتٍ منشؤها الاجتهاد ، وموضع بسطها ( الكفّارات ) .</p><p>هل تتعدّد الكفّارة بتعدّد اليمين ؟ </p><p>139- لا خلاف في أنّ من حلف يميناً فحنث فيها وأدّى ما وجب عليه من الكفّارة أنّه لو حلف يميناً أخرى وحنث فيها تجب عليه كفّارة أخرى ، ولا تغني الكفّارة الأولى عن كفّارة الحنث في هذه اليمين الثّانية . </p><p>وإنّما الخلاف فيمن حلف أيماناً وحنث فيها ، ثمّ أراد التّكفير ، هل تتداخل الكفّارات فتجزئه كفّارة واحدة ؟ أو لا تتداخل فيجب عليه لكلّ يمينٍ كفّارة ؟ فإنّ الكفّارات تتداخل على أحد القولين عند الحنفيّة وأحد الأقوال عند الحنابلة ، ولا تتداخل عند المالكيّة ولا الشّافعيّة . وتفصيل ذلك في ( الكفّارات ) . </p><p>ومثل الحلف باللّه الحلف بالنّذور ، ومثله أيضاً الحلف بالطّلاق عند ابن تيميّة ، كما لو قال : إن فعلت كذا فأنت طالق ، قاصداً المنع ، أو يلزمني الطّلاق إن فعلت كذا .</p><p>أحكام اليمين التّعليقيّة : </p><p>حكم تعليق الكفر :</p><p>140- سبق بيان الخلاف في أنّ تعليق الكفر على ما لا يريده الإنسان يعتبر يميناً أولا يعتبر فالقائلون بعدم اعتباره يميناً لا يرتّبون على الحنث فيه كفّارةً ، فيستوي عندهم أن يبرّ فيه وأن يحنث ، لكنّهم يذكرون حكم الإقدام عليه . </p><p>والقائلون باعتباره يميناً يجعلونه في معنى اليمين باللّه تعالى . </p><p>وفي البدائع ما خلاصته : أنّ الحلف بألفاظ الكفر يمين استحساناً ، لأنّه متعارف بين النّاس ، فإنّهم يحلفون بهذه الألفاظ من عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكيرٍ . ولو لم يكن ذلك حلفاً شرعيّاً لما تعارفوه ، لأنّ الحلف بغير اللّه تعالى معصية ، فدلّ تعارفهم على أنّهم جعلوا ذلك كنايةً عن الحلف باللّه عزّ وجلّ وإن لم يعقل وجه الكناية . وقال إبراهيم الحلبيّ ما خلاصته : يمكن تقرير وجه الكناية ، بأن يقال مقصود الحالف بهذه الصّيغة الامتناع عن الشّرط ، وهو يستلزم النّفرة عن الكفر باللّه تعالى ، وهي تستلزم تعظيم اللّه ، كأن قال : واللّه العظيم لا أفعل كذا . </p><p>وبناءً على ذلك يكون كاليمين باللّه تعالى في شرائط انعقاده وبقائه ، وفي تقسيمه إلى غموسٍ ولغوٍ ومنعقدٍ ، وفي أحكام الإقدام عليه والبرّ والحنث فيه وما يترتّب على الحنث . غير أنّه لمّا كان فيه نسبة الكفر إلى المتكلّم معلّقةً على شرطٍ أمكن القول بأنّه تارةً يحكم عليه بالكفر ، وتارةً لا ، وإذا حكم عليه بالكفر عند النّطق لم يكن منعقداً عند الحنفيّة ، لأنّهم يشترطون الإسلام في انعقاد اليمين باللّه تعالى فكذلك يشترطونه في انعقاد تعليق الكفر ، وإذا حكم عليه بالكفر بمباشرة الشّرط بعد الحلف بطل عندهم بعد انعقاده ، كما تبطل اليمين باللّه بعد انعقادها إذا كفّر قائلها ، وقد تقدّم ذلك . </p><p>حكم الإقدام عليه :</p><p>141 - معلوم أنّ من نطق بكلمة الكفر منجّزةً يكون كافراً حالاً متى توفّرت شرائط الرّدّة ، ومن علّقها على أمرٍ بغير قصد اليمين يكون كافراً في الحال أيضاً وإن كان ما علّقها عليه مستقبلاً ، لأنّ الرّضى بالكفر ولو في المستقبل ارتداد عن الإسلام في الحال ، وذلك كأن يقول إنسان : إذا كان الغد فهو يهوديّ ، أو إذا شفاه اللّه على يد هذا النّصرانيّ فهو نصرانيّ . </p><p>وأمّا من علّق الكفر بقصد اليمين فالأصل فيه أنّه لا يكفر ، سواء أعلّقه على ماضٍ أم حاضرٍ أم مستقبلٍ ، وسواء أكان كاذباً أم لم يكن ، لأنّه إنّما يقصد المنع من الشّرط أو الحثّ على نقيضه أو الإخبار بنقيضه - وإن لم يكن حقّاً - ترويجاً لكذبه . فمن قال : إن كلّمت فلانة ، أو إن لم أكلّمها فهو بريء من الإسلام ، فمقصوده منع نفسه من التّكليم في الصّورة الأولى أو حثّ نفسه عليه في الصّورة الثّانية حذراً من الكفر ، فلا يكون راضياً بالكفر ، ومن قال : إن لم أكن اشتريت هذا بدينارٍ فهو يهوديّ ، وأراد بهذا حمل المخاطب على تصديق ما ادّعاه وكان كاذباً عمداً لا يكون راضياً بالكفر ، لأنّه إنّما أراد ترويج كذبه بتعليق الكفر على نقيضه . هذا هو الأصل ، ولكن قد يكون المتكلّم جاهلاً ، فيعتقد أنّ الحلف بصيغة الكفر كفر ، أو يعتقد أنّه يكفر بإقدامه على ما حلف على تركه أو إحجامه عمّا حلف على فعله . ففي الصّورة الأولى يعتبر كافراً بمجرّد الحلف لأنّه تكلّم بما يعتقده كفراً ، فكان راضياً بالكفر حالاً . وفي الصّورتين الثّانية والثّالثة يكفر بالإقدام على ما حلف على تركه والإحجام عمّا حلف على فعله ، لأنّه عمل عملاً يعتقده كفراً ، فكان راضياً بالكفر ، ولا يكفر بمجرّد النّطق باليمين في هاتين الصّورتين إلاّ إذا كان حين النّطق عازماً على الحنث ، لأنّ العزم على الكفر كفر .</p><p>142 - وصفوة القول أنّ الحلف بالكفر لا يعدّ كفراً ، إلاّ إذا كان قائله راضياً بالكفر ، وهذا هو الأصحّ عند الحنفيّة في الغموس وغيرها ، ويقابله رأيان في الغموس - أي الحلف على الكذب العمد . </p><p>أحدهما : أنّه لا يكفر وإن اعتقد الكفر . </p><p>ثانيهما : أنّه يكفر وإن لم يعتقد الكفر . </p><p>ووجه الأوّل : أنّه لا يلزم من اعتقاد الكفر الرّضى به ، فكم من إنسانٍ يقدم على ما يعتقده كفراً لغرضٍ دنيويٍّ ، وقلبه مطمئنّ بالإيمان . والحالف غرضه ترويج كذبه أو إظهار امتناعه ، فهو حينما ينطق بما يعتقده كفراً إنّما يأتي به صورةً محضةً خاليةً من الرّضي بالكفر . ووجه الثّاني : أنّ الحالف لمّا علّق الكفر بأمرٍ محقّقٍ كان تنجيزاً في المعنى ، كأنّه قال ابتداءً : هو كافر ، ويؤيّد ذلك ما ثبت في الصّحيحين أنّه صلى الله عليه وسلم قال : « مَنْ حلفَ على يمينٍ بملّة غير الإسلام كاذباً متعمّداً فهو كما قال » . </p><p>حكم الإقدام على تعليق الكفر في بقيّة المذاهب :</p><p>143 - قال المالكيّة : يحرم تعليق الكفر بقصد الحلف ، ولا يرتدّ إن فعل المحلوف عليه ، وليتب إلى اللّه مطلقاً ، سواء أفعله أم لم يفعله ، لأنّه ارتكب ذنباً . </p><p>فإن قصد الإخبار عن نفسه بالكفر كان ردّةً ، ولو كان ذلك هزلاً وقال الشّافعيّة : يحرم تعليق الكفر الّذي يقصد به اليمين عادةً ، ولا يكفر به إذا قصد تبعيد نفسه عن المحلوف عليه أو أطلق ، فإن قصد حقيقة التّعليق ، أو قصد الرّضى بالكفر كفر من فوره ، دون توقّفٍ على حصول المعلّق عليه ، إذ الرّضى بالكفر كفر ، ثمّ إن كفر وجبت عليه التّوبة والعودة إلى الإسلام بالنّطق بالشّهادتين ، وإن لم يكفر وجبت عليه التّوبة أيضاً ، وندب له أن يستغفر اللّه عزّ وجلّ كأن يقول : أستغفر اللّه العظيم الّذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه . وندب له أن ينطق بالشّهادتين . </p><p>ومن مات أو غاب وتعذّرت مخاطبته ، وكان قد علّق الكفر ولم يعرف قصده ، فمقتضى كلام الأذكار للنّوويّ أنّه لا يحكم بكفره ، وهذا هو الرّاجح ، خلافاً لما اعتمده الإسنويّ من الحكم بكفره إذا لم تكن هناك قرينة تصرفه عن الكفر . </p><p>وعند الحنابلة : يحرم الإقدام على اليمين بالكفر ، سواء أكان بصورة التّعليق نحو : إن فعل كذا فهو يهوديّ ، أم بصورة القسم نحو : هو يهوديّ ليفعلنّ كذا . وإن قصد أنّه يكفر عند وجود الشّرط كفر منجّزاً . </p><p>حكم البرّ والحنث فيه :</p><p>144 - إذا قصد بتعليق الكفر تأكيد خبرٍ ، فإن كان صادقاً كان الحالف بارّاً ، وإن كان كاذباً كان الحالف حانثاً ، والبرّ في الصّورة الأولى ، والحنث في الصّورة الثّانية مقارنان لتمام اليمين ، فلا حكم لهما سوى حكم الإقدام . </p><p>وإنّما يكون للبرّ والحنث حكم مستقلّ إذا كان المقصود تأكيد الحثّ أو المنع ، فإنّهما حينئذٍ يكونان متأخّرين . </p><p>والخلاصة : أنّ تعليق الكفر بقصد اليمين إن كان صادقاً أو غموساً أو لغواً فليس للبرّ في الأوّل والحنث في الأخيرين حكم سوى حكم الإقدام على التّعليق . </p><p>وإن كان منعقداً ، فحكم البرّ والحنث فيه هو حكم البرّ والحنث في اليمين باللّه تعالى المنعقدة ، وقد سبق بيانه واختلاف الفقهاء فيه تفصيلاً . </p><p>ما يترتّب على الحنث فيه :</p><p>145 - سبق أنّ الفقهاء اختلفوا في تعليق الكفر بقصد اليمين ، أهو يمين شرعيّة أم لا ؟ فمن قال : إنّه ليس بيمينٍ قال : لا تجب الكفّارة بالحنث فيه ، ومن قال : إنّه يمين قال : إنّما تجب الكفّارة بالحنث فيه إن كان منعقداً ، فإن كان لغواً لم تجب فيه كفّارة ، وإن كان غموساً ففيه الخلاف الّذي في اليمين الغموس باللّه تعالى .</p><p>أحكام تعليق الطّلاق والظّهار والحرام والتزام القربة : </p><p>مقارنة بينها وبين اليمين باللّه تعالى :</p><p>146 - سبق أنّ تعليق الكفر في معنى اليمين باللّه تعالى ، وأنّه بناءً على ذلك يعتبر فيه ما يعتبر فيها من شرائط وأقسامٍ وأحكامٍ . </p><p>وليس لبقيّة التّعليقات هذه الصّفة ، فهي تخالف اليمين باللّه تعالى في أمورٍ : </p><p>الأمر الأوّل : أنّها تعتبر من قبيل الحلف بغير اللّه ، فينطبق عليه حديث النّهي عن الحلف بغير اللّه ، بخلاف تعليق الكفر فقد قرّر الحنفيّة أنّه كناية عن اليمين باللّه تعالى ، فلا يكون منهيّاً عنه لذاته ، لكنّهم قرّروا أيضاً أنّ يمين الطّلاق والعتاق إذا كانت للاستيثاق جازت على الأصحّ كما تقدّم . </p><p>الأمر الثّاني : أنّها لا تنقسم عند الحنفيّة والمالكيّة إلى غموسٍ ولغوٍ ومنعقدةٍ ، بل تعتبر كلّها منعقدةً ، سواء أقصد بها تأكيد خبرٍ أم تأكيد حثٍّ أو منعٍ ، فمن حلف بالطّلاق ونحوه كاذباً متعمّداً وقع طلاقه ، وكذا من كان معتقداً أنّه صادق وكان مخطئاً في اعتقاده لأنّ الطّلاق والعتق والتزام القربة يستوي فيها الهزل والجدّ ، لحديث : « ثلاث جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ : النّكاح والطّلاق والرّجعة » . </p><p>ويقاس بالطّلاق العتاق والتزام القربة ، فإذا كان هزل هذه الثّلاثة جدّاً ، فالكذب في الحلف بها يكون جدّاً أيضاً ، وكان القياس أن تكون اليمين باللّه تعالى كذلك ، لأنّ هزلها جدّ أيضاً كما سبق ، لكن لم يلحق فيها الغموس واللّغو بالهزل لأدلّةٍ أخرجتهما . </p><p>الأمر الثّالث : أنّ هذه التّعليقات يقع جزاؤها عند الجمهور بوقوع الشّرط ، فتعليق الطّلاق يقع به الطّلاق عند تحقّق ما علّق عليه ، وكذا تعليق العتاق ، وأمّا تعليق التزام القربة فيخيّر الحالف به بين ما التزمه وبين كفّارة اليمين ، وهناك أقوال غير ذلك سبق بيانها . </p><p>حكم الإقدام عليه :</p><p>147 - يرى الحنفيّة أنّ الحلف بغير اللّه تعالى لا يجوز ويدخل في ذلك عندهم الإقسام بغير اللّه تعالى ، نحو " وأبي " ، كما يدخل الحلف بالطّلاق ونحوه من التّعليقات ، لكنّهم استثنوا من ذلك تعليق الكفر ، فقد جعلوه كنايةً عن اليمين باللّه تعالى كما تقدّم ، واستثنوا أيضاً تعليق الطّلاق والعتاق بقصد الاستيثاق ، فأجازوه لشدّة الحاجة إليه خصوصاً في زماننا هذا ، كما تقدّم . وصرّح الحنابلة بكراهة الحلف بالطّلاق والعتاق ، ولمعرفة باقي المذاهب في ذلك يرجع إليها في مواضع هذه التّصرّفات من كتب الفقه .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41067, member: 329"] الحنث في اليمين : معناه وما يتحقّق به : 123 - أمّا معناه فهو : مخالفة المحلوف عليه ، وذلك بثبوت ما حلف على عدمه ، أو عدم ما حلف على ثبوته . وأمّا ما يتحقّق به فيختلف باختلاف المحلوف عليه ، وإليك البيان . المحلوف عليه إمّا ماضٍ أو حاضرٍ أو مستقبلٍ . 124 - أمّا الماضي : فالحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ومن وافقهم لا يعتبرون اليمين عليه معقودةً أصلاً ، فلا حنث فيها بالكذب عمداً أو خطأً . وأمّا الشّافعيّة ومن وافقهم فيعتبرون اليمين عليه معقودةً إذا كان الحالف كاذباً عمداً ، وحينئذٍ يكون الحنث مقارناً للانعقاد ، وتجب الكفّارة من حين تمام الإتيان بها . 125 - وأمّا الحاضر : فهو كالماضي ، إلاّ أنّ المالكيّة متّفقون مع الفريق الثّاني القائل بانعقاد اليمين عليه إن كان الحالف كاذباً عمداً ، ثمّ إنّهم توسّعوا فضمّوا إلى الكذب العمد ما تردّد فيه المتكلّم ، بأن حلف على ما يظنّه ظنّاً ضعيفاً ، أو يشكّ فيه ، أو يظنّ نقيضه ظنّاً ضعيفاً ، وسبق ذلك في تعريف الغموس وحكمها . 126 - وأمّا المستقبل : فاليمين عليه إن وجدت فيها شرائط الانعقاد ، فأمّا أن تكون على نفيٍ أو إثباتٍ ، وكلّ منهما إمّا مطلق وإمّا مقيّد بوقتٍ . أمّا اليمين على النّفي المطلق : فالحنث فيها يتحقّق بثبوت ما حلف على نفيه ، سواء أكان ذلك عقب اليمين أم بعده بزمانٍ قصيرٍ أو طويلٍ ، وهل يمنع الحنث نسيان أو خطأ في الاعتقاد ، أو خطأ لسانيّ أو جنون أو إغماء أو إكراه ؟ وهل يحنث بالبعض إذا كان المحلوف عليه ذا أجزاءٍ أو لا يحنث إلاّ بالجميع ؟ كلّ ذلك محلّ خلافٍ يعلم ممّا يأتي في شرائط الحنث . 127 - وأمّا اليمين على النّفي المؤقّت : فالحنث فيها يتحقّق بحصول الضّدّ في الوقت ، لا بحصوله قبله أو بعد تمامه . وفي النّسيان ونحوه الخلاف الّذي سبقت الإشارة إليه . 128 - وأمّا اليمين على الإثبات المطلق : فالحنث فيها يتحقّق باليأس من البرّ ، إمّا بموت الحالف قبل أن يفعل ما حلف على فعله ، وإمّا بفوت محلّ المحلوف عليه ، كما لو قال : واللّه لألبسنّ هذا الثّوب ، فأحرقه هو أو غيره . هذا مذهب الحنفيّة ، وفصّل غيرهم في فوت المحلّ بين ما كان باختيار الحالف وما كان بغير اختياره ، فما كان باختياره يحنث به ، وما كان بغير اختياره ففيه تفصيل يعلم من شرائط الحنث . وذهب المالكيّة إلى أنّ الحنث في هذه الحالة - وهي الحلف على الإثبات المطلق - يحصل أيضاً بالعزم على الضّدّ ، وذلك بأن ينوي عدم الإتيان بالمحلوف ما دام حيّاً ، وهذا الحنث محتّم لا يزول بالرّجوع عن العزم على قول ابن الموّاز وابن شاسٍ وابن الحاجب والقرافيّ ، وهو ظاهر كلام خليلٍ في مختصره والدّردير في أقرب المسالك واعتمده البنانيّ ، خلافاً للقائلين بالتّفصيل بين الطّلاق وغيره ، حيث ذهبوا إلى أنّ الحلف بالطّلاق على الإثبات المطلق يحنث فيه بالعزم على الفوات ، والحلف بالعتق وبالقربة وباللّه تعالى لا يحنث الحالف بها بالعزم المذكور إلاّ إذا استمرّ عليه ، فإن رجع عن عزمه رجعت اليمين كما كانت ، ولم يحنث إلاّ بالفوات . وهذا الّذي ذهب إليه المالكيّة لم يوافقهم عليه أحد من أهل المذاهب الأخرى . 129 - وأمّا اليمين على الإثبات المؤقّت : فالحنث فيها يتحقّق باليأس من البرّ في الوقت ، إن كان الحالف والمحلوف عليه قائمين ، كأن قال : واللّه لآكلنّ هذا الرّغيف اليوم ، فغربت الشّمس وهو حيّ والرّغيف موجود ولم يأكله . وإن مات الحالف في الوقت ولم يفت محلّ المحلوف عليه لم يعتبر حانثاً بالموت ولا بمضيّ الوقت بعده عند الحنفيّة جميعاً ، لأنّهم يرون أنّ الحنث إنّما يقع في آخر أجزاء الوقت في اليمين المؤقّتة ، والحالف ميّت في هذا الجزء الأخير ، ولا يوصف الميّت بالحنث ، ويحنث عند غيرهم على تفصيلٍ يعلم من شرائط الحنث . وإن فات محلّ المحلوف عليه في الوقت ، كأن أكل الرّغيف إنسان آخر ، ولم يمت الحالف ، لم يحنث في قول أبي حنيفة ومحمّدٍ وزفر لأنّهم يشترطون إمكان البرّ ، خلافاً لأبي يوسف ، حيث قال بالحنث في هذه الحالة ، لأنّه لا يشترط هذه الشّريطة . واختلفت الرّواية عنه في وقت الحنث : فروي عنه أنّه لا يحنث إلاّ آخر الوقت ، وروي عنه أنّه يحنث في الحال - أي حال فوت محلّ المحلوف عليه - وهذه الرّواية الثّانية هي الصّحيحة عنه . وفي المذاهب الأخرى تفصيل بين فوت المحلّ باختيار الحالف ، وفوته بغير اختياره ، وبين حصول الفوت أوّل الوقت ، أو بعد أوّله ، مع التّفريط أو عدمه ، وكلّ ذا يعلم من الشّرائط الآتية . 130 - وممّا ينبغي التّنبّه إليه أنّ المؤقّتة إذا لم يبدأ وقتها من حين الحلف فمات الحالف ، أو فات المحلّ قبل بدء الوقت فلا حنث في الصّورتين ، وخالف الحنابلة في الثّانية ، فقالوا بالحنث فيها ، وذلك كما لو قال : واللّه لأشربنّ ماء هذا الكوب غداً ، فمات هو أو شرب الماء إنسان آخر قبل فجر الغد ، فإنّه لا يعدّ حانثاً في الحالين عند الأكثرين . وممّا ينبغي التّنبّه له أيضاً : أنّ التّوقيت في اليمين المؤقّتة يشمل التّوقيت نصّاً ، والتّوقيت دلالةً ، كما لو قيل لإنسانٍ : أتدخل دار فلانٍ اليوم ؟ فقال : واللّه لأدخلنّها ، أو واللّه لا أدخلها ، فالمحلوف عليه مؤقّت باليوم دلالةً ، لوقوعه جواباً عن السّؤال المحتوي على قيد التّوقيت باليوم ، وهذا من يمين الفور ، وسيأتي بيانها والخلاف فيها . شرائط الحنث : 131 - الجمهور القائلون بأنّ الحنث هو السّبب الوحيد ، أو ثاني السّببين للكفّارة ، أو شريطة لها ، لم يصرّحوا بشرائط للحنث ، وإنّما ذكروا أموراً يختلف الرّأي فيها ، إذا كان الحنث فعلاً أو تركاً ، ومن هذه الأمور : العمد والطّواعية والتّذكّر والعقل . وقد سبق أنّ الحنفيّة لا يشترطون في الحلف الطّواعية ولا العمد ، وهم لا يشترطونهما في الحنث أيضاً ، وكذلك لا يشترطون فيه التّذكّر ولا العقل ، فمن حلف أو حنث مخطئاً أو مكرهاً وجبت عليه الكفّارة . وكذا من حلف ألاّ يفعل شيئاً ففعله وهو ذاهل أو ساهٍ أو ناسٍ أو مجنون أو مغمًى عليه فعليه الكفّارة . فإن لم يفعل المحلوف عليه ، بل فعله به غيره قهراً عنه لم يحنث ، كما لو حلف ألاّ يشرب هذا الماء ، فصبّه إنسان في حلقه قهراً ، لأنّه في هذه الحالة ليس شارباً ، فلم يفعل ما حلف على الامتناع منه . ومن أمثلة النّسيان في الحنث : ما لو قال إنسان : واللّه لا أحلف ، ثمّ حلف ناسياً لهذه اليمين ، فإنّه يجب عليه كفّارة بهذا الحلف الثّاني من حيث كونه حنثاً في اليمين الأولى ، ثمّ إذا حنث في هذه اليمين الثّانية وجبت عليه كفّارة أخرى على القول بعدم تداخل الكفّارات وسيأتي الخلاف في ذلك . وقال المالكيّة : إنّ اليمين إمّا يمين برٍّ ، نحو واللّه لا أفعل كذا ، وإمّا يمين حنثٍ ، نحو واللّه لأفعلنّ كذا . 132 - أمّا يمين البرّ : فيحنث فيها بفعل ما حلف على تركه - وكذا بفعل بعضه إن كان ذا أجزاءٍ - عمداً أو نسياناً أو خطأً قلبيّاً ، بمعنى اعتقاد أنّه غير المحلوف عليه ، وإنّما يحنث بها إذا لم يقيّد يمينه بالعمد أو العلم ، فإن قيّدها بالعمد ، بأن قال : لا أفعله عمداً ، لم يحنث بالخطأ ، وإن قيّد بالعلم ، بأن قال : لا أفعله عالماً ، أو لا أفعله ما لم أنس لم يحنث بالنّسيان . ولا يحنث في يمين البرّ بالخطأ اللّسانيّ ، كما لو حلف : لا يذكر فلاناً ، ثمّ سبق لسانه بذكر اسمه ، وكذا لا يحنث فيها بالإكراه على فعل ما حلف على الامتناع منه ، وذلك بقيودٍ ستّةٍ : أ - ألاّ يعلم أنّه يكره على الفعل . ب - ألاّ يأمر غيره بإكراهه له ج - ألاّ يكون الإكراه شرعيّاً . د - ألاّ يفعل ثانياً طوعاً بعد زوال الإكراه . هـ - ألاّ يكون الحلف على شخصٍ بأنّه لا يفعل كذا ، والحالف هو المكره له على فعله . و - ألاّ يقول في يمينه : لا أفعله طائعاً ولا مكرهاً . فإن وجد واحد من هذه السّتّة حنث بالإكراه ووجبت الكفّارة . 133 - وأمّا يمين الحنث : فيحنث فيها بالإكراه على ترك المحلوف عليه حتّى يفوت ، كما لو قال : واللّه لأدخلنّ دار زيدٍ غداً ، فمنع من دخولها بالإكراه حتّى غربت شمس الغد ، فإنّه يحنث . ويؤخذ من هذا : أنّه يحنث أيضاً بالتّرك ناسياً ومخطئاً ، بأن لم يتذكّر الحلف من الغد ، أو تذكّره ودخل داراً أخرى يعتقد أنّها الدّار المحلوف عليها ، ولم يتبيّن له الحال حتّى مضى الغد . وإذا فات المحلوف عليه في يمين الحنث بمانعٍ ، فإمّا أن يكون المانع شرعيّاً أو عاديّاً أو عقليّاً . 134 - فإن كان المانع شرعيّاً حنث بالفوات مطلقاً ، سواء أتقدّم المانع على الحلف ولم يعلم به أم تأخّر ، وسواء أفرّط فيه حتّى فات أم لا ، وسواء أكانت اليمين مؤقّتةً أم لا . مثال ذلك : ما لو حلف أن يباشر زوجته غداً فطرأ الحيض ، أو تبيّن أنّه كان موجوداً قبل الحلف ولم يعلم به ، فيحنث عند مالكٍ وأصبغ خلافاً لابن القاسم ، فإن لم يقيّد بالغد لم يحنث ، بل ينتظر حتّى تطهر فيباشرها . 135 - وإن كان المانع عاديّاً ، فإن تقدّم على اليمين ولم يعلم به فحلف لم يحنث مطلقاً ، أقّت أم لا ، فرّط أم لا ، وإن تأخّر حنث مطلقاً ، خلافاً لأشهب حيث قال بعدم الحنث . مثال ذلك : أن يحلف ليذبحنّ هذا الكبش ، أو ليلبسنّ هذا الثّوب ، أو ليأكلنّ هذا الطّعام ، فسرق المحلوف عليه أو غصب ، أو منع الحالف من الفعل بالإكراه ، أو تبيّن أنّه سرق قبل اليمين أو غصب ولم يكن يعلم بذلك عند الحلف . ومحلّ الحنث من المانع الشّرعيّ والمانع العاديّ ، إذا أطلق الحالف اليمين فلم يقيّد بإمكان الفعل ولا بعدمه ، أو قيّد بالإطلاق ، كأن قال : لأفعلنّ كذا وسكت ، أو لأفعلنّ كذا قدرت عليه أم لا ، فإن قيّد بالإمكان فلا حنث ، بأن قال : لأفعلنّه إن أمكن ، أو ما لم يمنع مانع . 136 - وإن كان المانع عقليّاً ، فإن تقدّم ولم يكن قد علم به لم يحنث مطلقاً كما في المانع العاديّ ، وإن تأخّر فإمّا إن تكون اليمين مؤقّتةً أو غير مؤقّتةٍ . فإن كانت مؤقّتةً ، وفات المحلوف عليه قبل ضيق الوقت ، لم يحنث إن حصل المانع عقب اليمين ، وكذا إن تأخّر ولم يكن قد فرّط ، فإن تأخّر مع التّفريط حنث . مثال ذلك : ما لو حلف ليذبحنّ هذا الحمام أو ليلبسنّ هذا الثّوب ، فمات الحمام أو أحرق الثّوب وكان قد أطلق اليمين ، أو أقّت بقوله : هذا اليوم ، أو هذا الشّهر مثلاً . وصورة تقدّم المانع : أن يكون غائباً عن المنزل مثلاً ، فيقول : واللّه لأذبحنّ الحمام الّذي بالمنزل ، أو لألبسنّ الثّوب الّذي في الخزانة ، ثمّ يتبيّن له بعد الحلف موت الحمام أو احتراق الثّوب قبل أن يحلف . وقال الشّافعيّة : لا يحنث من خالف المحلوف عليه جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً أو مقهوراً ، ولا تنحلّ اليمين في جميع هذه الصّور ، ولا يحنث أيضاً إن تعذّر البرّ بغير اختياره . ومن أمثلة الجهل : ما لو حلف لا يسلّم على زيدٍ ، فسلّم عليه في ظلمةٍ وهو لا يعرف أنّه زيد ، وما لو حلف لا يدخل على بكرٍ ، فدخل داراً هو فيها ولم يعلم أنّه فيها . وأمثلة النّسيان والإكراه ظاهرة . ومثال القهر : ما لو حلف : لا يدخل دار خالدٍ ، فحمل وأدخل قهراً ، ويلحق به من حمل بغير أمره ولم يمتنع ، لأنّه لا يسمّى داخلاً ، بخلاف من حمل بأمره فإنّه يحنث لأنّه يسمّى داخلاً ، كما لو ركب دابّةً ودخل بها . ومن صور تعذّر البرّ بغير اختياره ، ما لو قال : واللّه لآكلنّ هذا الطّعام غداً ، فتلف الطّعام بغير اختيار الحالف ، أو مات الحالف قبل فجر الغد ، فإنّه لا يحنث ، بخلاف ما لو تلف باختياره ، فإنّه يحنث ، وفي وقت حنثه خلاف ، فقيل : هو وقت التّلف ، وقيل : هو غروب شمس الغد ، والرّاجح أنّ الحنث يتحقّق بمضيّ زمن إمكان الأكل من فجر الغد . ومن صور الفوت بغير اختياره : ما لو تلف في الغد بغير اختياره ، أو مات في الغد قبل التّمكّن من أكله . وقالوا أيضاً : لو حلف لا يأكل هذين الرّغيفين ، أو لا يلبس هذين الثّوبين ، أو ليفعلنّ ذلك ، تعلّق الحنث والبرّ بالمجموع ولو متفرّقاً ، وكذا لو عطف بالواو نحو : لا أكلّم زيداً وعمراً ، أو لا آكل اللّحم والعنب ، أو لأكلّمنّ زيداً وعمراً ، أو لآكلنّ اللّحم والعنب ، فإنّ الحنث والبرّ يتعلّق بهما ، فلا يحنث في المثالين الأوّلين ، ولا يبرّ في المثالين الأخيرين إلاّ بفعل المجموع ولو متفرّقاً . 137 - ويستثنى في حالة النّفي ما لو كرّر حرف النّفي ، كأن قال : واللّه لا أكلّم زيداً ولا عمراً . فإنّه يحنث بتكليم أحدهما ، وتبقى اليمين ، فيحنث حنثاً ثانياً بتكليم الثّاني . وإن قال : لا أكلّم أحدهما أو واحداً منهما وأطلق ، حنث بكلام واحدٍ وانحلّت اليمين . وإن قال : لا آكل هذه الرّمّانة فأكلها إلاّ حبّةً لم يحنث ، أو قال : لآكلنّ هذه الرّمّانة ، فأكلها إلاّ حبّةً لم يبرّ . وخرج بالحبّة : القشر ونحوه ممّا لا يؤكل من الرّمّانة عادةً . والحنابلة يوافقون الشّافعيّة في كلّ ما سبق ، ما عدا تفويت البرّ ، فقد قالوا : لو حلف إنسان ليشربنّ هذا الماء غداً ، فتلف قبل الغد أو فيه حنث ، ولا يحنث بجنونه أو إكراهه قبل الغد مع استمرار ذلك إلى خروج الغد ، ولا يحنث أيضاً بموته قبل الغد . ولو حلف ليشربنّ هذا الماء اليوم أو أطلق ، فتلف قبل مضيّ وقتٍ يسع الشّرب لم يحنث ، بخلاف ما لو تلف بعد مضيّ ذلك الوقت فإنّه يحنث ، وقيل : يحنث في الحالين . بيان الكفّارة : 138 - كفّارة اليمين باللّه تعالى إذا حنث فيها وهي منعقدة قد ذكرها اللّه عزّ وجلّ في كتابه العزيز حيث ، قال : { لا يؤاخذُكم اللّهُ باللّغو في أيمانِكمْ ولكنْ يؤاخذُكم بما عقّدْتُم الأيمانَ فكفَّارتُه إطعامُ عَشَرةِ مساكين من أوسطِ ما تُطْعمون أهليكم أو كِسوتُهم أو تحريرُ رقبةٍ فمن لم يجدْ فصيامُ ثلاثةِ أيّامٍ ذلك كفّارةُ أيمانِكم إذا حَلَفْتم واحفظوا أيمانَكم كذلك يُبَيِّنُ اللّه لكم آياتِه لعلّكم تشكرون } فقد بيّنت الآية الكريمة أنّ كفّارة اليمين المعقودة واجبة على التّخيير ابتداءً ، والتّرتيب انتهاءً ، فالحالف إذا حنث وجب عليه إحدى خصالٍ ثلاثٍ : إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبةٍ ، فإذا عجز عن الثّلاث وجب عليه صيام ثلاثة أيّامٍ . ولا خلاف بين الفقهاء في ذلك ، لأنّه نصّ قرآنيّ قاطع ، غير أنّ في التّفاصيل اختلافاتٍ منشؤها الاجتهاد ، وموضع بسطها ( الكفّارات ) . هل تتعدّد الكفّارة بتعدّد اليمين ؟ 139- لا خلاف في أنّ من حلف يميناً فحنث فيها وأدّى ما وجب عليه من الكفّارة أنّه لو حلف يميناً أخرى وحنث فيها تجب عليه كفّارة أخرى ، ولا تغني الكفّارة الأولى عن كفّارة الحنث في هذه اليمين الثّانية . وإنّما الخلاف فيمن حلف أيماناً وحنث فيها ، ثمّ أراد التّكفير ، هل تتداخل الكفّارات فتجزئه كفّارة واحدة ؟ أو لا تتداخل فيجب عليه لكلّ يمينٍ كفّارة ؟ فإنّ الكفّارات تتداخل على أحد القولين عند الحنفيّة وأحد الأقوال عند الحنابلة ، ولا تتداخل عند المالكيّة ولا الشّافعيّة . وتفصيل ذلك في ( الكفّارات ) . ومثل الحلف باللّه الحلف بالنّذور ، ومثله أيضاً الحلف بالطّلاق عند ابن تيميّة ، كما لو قال : إن فعلت كذا فأنت طالق ، قاصداً المنع ، أو يلزمني الطّلاق إن فعلت كذا . أحكام اليمين التّعليقيّة : حكم تعليق الكفر : 140- سبق بيان الخلاف في أنّ تعليق الكفر على ما لا يريده الإنسان يعتبر يميناً أولا يعتبر فالقائلون بعدم اعتباره يميناً لا يرتّبون على الحنث فيه كفّارةً ، فيستوي عندهم أن يبرّ فيه وأن يحنث ، لكنّهم يذكرون حكم الإقدام عليه . والقائلون باعتباره يميناً يجعلونه في معنى اليمين باللّه تعالى . وفي البدائع ما خلاصته : أنّ الحلف بألفاظ الكفر يمين استحساناً ، لأنّه متعارف بين النّاس ، فإنّهم يحلفون بهذه الألفاظ من عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكيرٍ . ولو لم يكن ذلك حلفاً شرعيّاً لما تعارفوه ، لأنّ الحلف بغير اللّه تعالى معصية ، فدلّ تعارفهم على أنّهم جعلوا ذلك كنايةً عن الحلف باللّه عزّ وجلّ وإن لم يعقل وجه الكناية . وقال إبراهيم الحلبيّ ما خلاصته : يمكن تقرير وجه الكناية ، بأن يقال مقصود الحالف بهذه الصّيغة الامتناع عن الشّرط ، وهو يستلزم النّفرة عن الكفر باللّه تعالى ، وهي تستلزم تعظيم اللّه ، كأن قال : واللّه العظيم لا أفعل كذا . وبناءً على ذلك يكون كاليمين باللّه تعالى في شرائط انعقاده وبقائه ، وفي تقسيمه إلى غموسٍ ولغوٍ ومنعقدٍ ، وفي أحكام الإقدام عليه والبرّ والحنث فيه وما يترتّب على الحنث . غير أنّه لمّا كان فيه نسبة الكفر إلى المتكلّم معلّقةً على شرطٍ أمكن القول بأنّه تارةً يحكم عليه بالكفر ، وتارةً لا ، وإذا حكم عليه بالكفر عند النّطق لم يكن منعقداً عند الحنفيّة ، لأنّهم يشترطون الإسلام في انعقاد اليمين باللّه تعالى فكذلك يشترطونه في انعقاد تعليق الكفر ، وإذا حكم عليه بالكفر بمباشرة الشّرط بعد الحلف بطل عندهم بعد انعقاده ، كما تبطل اليمين باللّه بعد انعقادها إذا كفّر قائلها ، وقد تقدّم ذلك . حكم الإقدام عليه : 141 - معلوم أنّ من نطق بكلمة الكفر منجّزةً يكون كافراً حالاً متى توفّرت شرائط الرّدّة ، ومن علّقها على أمرٍ بغير قصد اليمين يكون كافراً في الحال أيضاً وإن كان ما علّقها عليه مستقبلاً ، لأنّ الرّضى بالكفر ولو في المستقبل ارتداد عن الإسلام في الحال ، وذلك كأن يقول إنسان : إذا كان الغد فهو يهوديّ ، أو إذا شفاه اللّه على يد هذا النّصرانيّ فهو نصرانيّ . وأمّا من علّق الكفر بقصد اليمين فالأصل فيه أنّه لا يكفر ، سواء أعلّقه على ماضٍ أم حاضرٍ أم مستقبلٍ ، وسواء أكان كاذباً أم لم يكن ، لأنّه إنّما يقصد المنع من الشّرط أو الحثّ على نقيضه أو الإخبار بنقيضه - وإن لم يكن حقّاً - ترويجاً لكذبه . فمن قال : إن كلّمت فلانة ، أو إن لم أكلّمها فهو بريء من الإسلام ، فمقصوده منع نفسه من التّكليم في الصّورة الأولى أو حثّ نفسه عليه في الصّورة الثّانية حذراً من الكفر ، فلا يكون راضياً بالكفر ، ومن قال : إن لم أكن اشتريت هذا بدينارٍ فهو يهوديّ ، وأراد بهذا حمل المخاطب على تصديق ما ادّعاه وكان كاذباً عمداً لا يكون راضياً بالكفر ، لأنّه إنّما أراد ترويج كذبه بتعليق الكفر على نقيضه . هذا هو الأصل ، ولكن قد يكون المتكلّم جاهلاً ، فيعتقد أنّ الحلف بصيغة الكفر كفر ، أو يعتقد أنّه يكفر بإقدامه على ما حلف على تركه أو إحجامه عمّا حلف على فعله . ففي الصّورة الأولى يعتبر كافراً بمجرّد الحلف لأنّه تكلّم بما يعتقده كفراً ، فكان راضياً بالكفر حالاً . وفي الصّورتين الثّانية والثّالثة يكفر بالإقدام على ما حلف على تركه والإحجام عمّا حلف على فعله ، لأنّه عمل عملاً يعتقده كفراً ، فكان راضياً بالكفر ، ولا يكفر بمجرّد النّطق باليمين في هاتين الصّورتين إلاّ إذا كان حين النّطق عازماً على الحنث ، لأنّ العزم على الكفر كفر . 142 - وصفوة القول أنّ الحلف بالكفر لا يعدّ كفراً ، إلاّ إذا كان قائله راضياً بالكفر ، وهذا هو الأصحّ عند الحنفيّة في الغموس وغيرها ، ويقابله رأيان في الغموس - أي الحلف على الكذب العمد . أحدهما : أنّه لا يكفر وإن اعتقد الكفر . ثانيهما : أنّه يكفر وإن لم يعتقد الكفر . ووجه الأوّل : أنّه لا يلزم من اعتقاد الكفر الرّضى به ، فكم من إنسانٍ يقدم على ما يعتقده كفراً لغرضٍ دنيويٍّ ، وقلبه مطمئنّ بالإيمان . والحالف غرضه ترويج كذبه أو إظهار امتناعه ، فهو حينما ينطق بما يعتقده كفراً إنّما يأتي به صورةً محضةً خاليةً من الرّضي بالكفر . ووجه الثّاني : أنّ الحالف لمّا علّق الكفر بأمرٍ محقّقٍ كان تنجيزاً في المعنى ، كأنّه قال ابتداءً : هو كافر ، ويؤيّد ذلك ما ثبت في الصّحيحين أنّه صلى الله عليه وسلم قال : « مَنْ حلفَ على يمينٍ بملّة غير الإسلام كاذباً متعمّداً فهو كما قال » . حكم الإقدام على تعليق الكفر في بقيّة المذاهب : 143 - قال المالكيّة : يحرم تعليق الكفر بقصد الحلف ، ولا يرتدّ إن فعل المحلوف عليه ، وليتب إلى اللّه مطلقاً ، سواء أفعله أم لم يفعله ، لأنّه ارتكب ذنباً . فإن قصد الإخبار عن نفسه بالكفر كان ردّةً ، ولو كان ذلك هزلاً وقال الشّافعيّة : يحرم تعليق الكفر الّذي يقصد به اليمين عادةً ، ولا يكفر به إذا قصد تبعيد نفسه عن المحلوف عليه أو أطلق ، فإن قصد حقيقة التّعليق ، أو قصد الرّضى بالكفر كفر من فوره ، دون توقّفٍ على حصول المعلّق عليه ، إذ الرّضى بالكفر كفر ، ثمّ إن كفر وجبت عليه التّوبة والعودة إلى الإسلام بالنّطق بالشّهادتين ، وإن لم يكفر وجبت عليه التّوبة أيضاً ، وندب له أن يستغفر اللّه عزّ وجلّ كأن يقول : أستغفر اللّه العظيم الّذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه . وندب له أن ينطق بالشّهادتين . ومن مات أو غاب وتعذّرت مخاطبته ، وكان قد علّق الكفر ولم يعرف قصده ، فمقتضى كلام الأذكار للنّوويّ أنّه لا يحكم بكفره ، وهذا هو الرّاجح ، خلافاً لما اعتمده الإسنويّ من الحكم بكفره إذا لم تكن هناك قرينة تصرفه عن الكفر . وعند الحنابلة : يحرم الإقدام على اليمين بالكفر ، سواء أكان بصورة التّعليق نحو : إن فعل كذا فهو يهوديّ ، أم بصورة القسم نحو : هو يهوديّ ليفعلنّ كذا . وإن قصد أنّه يكفر عند وجود الشّرط كفر منجّزاً . حكم البرّ والحنث فيه : 144 - إذا قصد بتعليق الكفر تأكيد خبرٍ ، فإن كان صادقاً كان الحالف بارّاً ، وإن كان كاذباً كان الحالف حانثاً ، والبرّ في الصّورة الأولى ، والحنث في الصّورة الثّانية مقارنان لتمام اليمين ، فلا حكم لهما سوى حكم الإقدام . وإنّما يكون للبرّ والحنث حكم مستقلّ إذا كان المقصود تأكيد الحثّ أو المنع ، فإنّهما حينئذٍ يكونان متأخّرين . والخلاصة : أنّ تعليق الكفر بقصد اليمين إن كان صادقاً أو غموساً أو لغواً فليس للبرّ في الأوّل والحنث في الأخيرين حكم سوى حكم الإقدام على التّعليق . وإن كان منعقداً ، فحكم البرّ والحنث فيه هو حكم البرّ والحنث في اليمين باللّه تعالى المنعقدة ، وقد سبق بيانه واختلاف الفقهاء فيه تفصيلاً . ما يترتّب على الحنث فيه : 145 - سبق أنّ الفقهاء اختلفوا في تعليق الكفر بقصد اليمين ، أهو يمين شرعيّة أم لا ؟ فمن قال : إنّه ليس بيمينٍ قال : لا تجب الكفّارة بالحنث فيه ، ومن قال : إنّه يمين قال : إنّما تجب الكفّارة بالحنث فيه إن كان منعقداً ، فإن كان لغواً لم تجب فيه كفّارة ، وإن كان غموساً ففيه الخلاف الّذي في اليمين الغموس باللّه تعالى . أحكام تعليق الطّلاق والظّهار والحرام والتزام القربة : مقارنة بينها وبين اليمين باللّه تعالى : 146 - سبق أنّ تعليق الكفر في معنى اليمين باللّه تعالى ، وأنّه بناءً على ذلك يعتبر فيه ما يعتبر فيها من شرائط وأقسامٍ وأحكامٍ . وليس لبقيّة التّعليقات هذه الصّفة ، فهي تخالف اليمين باللّه تعالى في أمورٍ : الأمر الأوّل : أنّها تعتبر من قبيل الحلف بغير اللّه ، فينطبق عليه حديث النّهي عن الحلف بغير اللّه ، بخلاف تعليق الكفر فقد قرّر الحنفيّة أنّه كناية عن اليمين باللّه تعالى ، فلا يكون منهيّاً عنه لذاته ، لكنّهم قرّروا أيضاً أنّ يمين الطّلاق والعتاق إذا كانت للاستيثاق جازت على الأصحّ كما تقدّم . الأمر الثّاني : أنّها لا تنقسم عند الحنفيّة والمالكيّة إلى غموسٍ ولغوٍ ومنعقدةٍ ، بل تعتبر كلّها منعقدةً ، سواء أقصد بها تأكيد خبرٍ أم تأكيد حثٍّ أو منعٍ ، فمن حلف بالطّلاق ونحوه كاذباً متعمّداً وقع طلاقه ، وكذا من كان معتقداً أنّه صادق وكان مخطئاً في اعتقاده لأنّ الطّلاق والعتق والتزام القربة يستوي فيها الهزل والجدّ ، لحديث : « ثلاث جدّهنّ جدّ وهزلهنّ جدّ : النّكاح والطّلاق والرّجعة » . ويقاس بالطّلاق العتاق والتزام القربة ، فإذا كان هزل هذه الثّلاثة جدّاً ، فالكذب في الحلف بها يكون جدّاً أيضاً ، وكان القياس أن تكون اليمين باللّه تعالى كذلك ، لأنّ هزلها جدّ أيضاً كما سبق ، لكن لم يلحق فيها الغموس واللّغو بالهزل لأدلّةٍ أخرجتهما . الأمر الثّالث : أنّ هذه التّعليقات يقع جزاؤها عند الجمهور بوقوع الشّرط ، فتعليق الطّلاق يقع به الطّلاق عند تحقّق ما علّق عليه ، وكذا تعليق العتاق ، وأمّا تعليق التزام القربة فيخيّر الحالف به بين ما التزمه وبين كفّارة اليمين ، وهناك أقوال غير ذلك سبق بيانها . حكم الإقدام عليه : 147 - يرى الحنفيّة أنّ الحلف بغير اللّه تعالى لا يجوز ويدخل في ذلك عندهم الإقسام بغير اللّه تعالى ، نحو " وأبي " ، كما يدخل الحلف بالطّلاق ونحوه من التّعليقات ، لكنّهم استثنوا من ذلك تعليق الكفر ، فقد جعلوه كنايةً عن اليمين باللّه تعالى كما تقدّم ، واستثنوا أيضاً تعليق الطّلاق والعتاق بقصد الاستيثاق ، فأجازوه لشدّة الحاجة إليه خصوصاً في زماننا هذا ، كما تقدّم . وصرّح الحنابلة بكراهة الحلف بالطّلاق والعتاق ، ولمعرفة باقي المذاهب في ذلك يرجع إليها في مواضع هذه التّصرّفات من كتب الفقه . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية