الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41093" data-attributes="member: 329"><p>ب - قتال البغاة :</p><p>11 - إذا ما دعا الإمام البغاة إلى الدّخول في طاعته ، وكشف شبهتهم ، فلم يستجيبوا وتحيّزوا مجتمعين ، وكانوا متهيّئين للقتال فإنّه يحلّ قتالهم . ولكن هل نبدؤهم بالقتال ، أم لا نقاتلهم إلاّ إذا أظهروا المغالبة ؟ هناك اتّجاهان : الاتّجاه الأوّل : جواز البدء بالقتال ، لأنّه لو انتظرنا قتالهم ربّما لا يمكن الدّفع ، وهو ما نقله خواهر زاده ، قال الزّيلعيّ : وهو المذهب عند الحنفيّة ، لأنّ النّصّ جاء غير مقيّدٍ بالبداءة منهم في قوله تعالى : { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا الّتي تبغي ... } وقول عليٍّ رضي الله عنه : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : { سيخرج قوم في آخر الزّمان ، حداث الأسنان سفهاء الأحلام ، يقولون من قول خير البرّيّة ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإنّ في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة } ، ولأنّ الحكم يدار على علامته ، وهي هنا التّحيّز والتّهيّؤ ، فلو انتظرنا حقيقة قتالهم لصار ذريعةً لتقويتهم . فيدار الحكم على الإمارة ضرورة دفع شرّهم ، ولأنّهم بالخروج على الإمام صاروا عصاةً فجاز قتالهم ، إلى أن يقلعوا عن ذلك . وما نقل عن عليٍّ رضي الله عنه من قوله في الخوارج لن نقاتلكم حتّى تقاتلونا معناه : حتّى تعزموا على قتالنا . ولو أمكن دفع شرّهم بالحبس بعدما تأهّبوا فعل ذلك ، ولا نقاتلهم ، لأنّه أمكن دفع شرّهم بأهون منه . وإلى القول بحلّ بدئهم بالقتال اتّجه فقهاء الحنابلة ، جاء في كشّاف القناع : إن أبوا الرّجوع وعظهم وخوّفهم بالقتال ، فإن رجعوا إلى الطّاعة تركهم ، وإلاّ لزمه قتالهم إن كان قادراً ، لإجماع الصّحابة على ذلك . الاتّجاه الثّاني : نقل القدوريّ أنّه لا يبدؤهم بالقتال حتّى يبدءوه ، وهو ما رواه الكاسانيّ والكمال . قال الكاسانيّ : لأنّ قتالهم لدفع شرّهم ، لا لشرّ شركهم ، لأنّهم مسلمون ، فما لم يتوجّه الشّرّ منهم لا يقاتلهم الإمام ، إذ لا يجوز قتال المسلم إلاّ دفعاً ، بخلاف الكافر ، لأنّ نفس الكفر قبيح . وهو ما استظهره بعض المالكيّة ، وهو مذهب الشّافعيّة ، وقول أحمد بن حنبلٍ ، لأنّ عليّاً أمر أصحابه ألاّ يبدءوا من خرجوا عليه بالقتال ، وإن أمكن دفعهم دون القتل لم يجز القتل . ولا يجوز قتالهم قبل ذلك إلاّ أن يخاف شرّهم كالصّائل . وقال ابن تيميّة : « الأفضل تركه حتّى يبدءوه " أي القتال .</p><p></p><p>المعاونة في مقاتلة البغاة :</p><p>12 - من دعاه الإمام إلى مقاتلة البغاة افترض عليه إجابته ، لأنّ طاعة الإمام فيما ليس بمعصيةٍ فرض . قال ابن عابدين : يجب على كلّ من أطاق الدّفع أن يقاتل مع الإمام ، إلاّ إن كان سبب الخروج ظلم الإمام بما لا شبهة فيه ، إذ يجب معونتهم لإنصافهم إن كان ذلك ممكناً . ومن لم يكن قادراً لزم بيته . وعليه يحمل ما روي عن جماعةٍ من الصّحابة أنّهم قعدوا في الفتنة ، وربّما كان بعضهم في تردّدٍ من حلّ القتال . وما روي عن أبي حنيفة من قوله : « إذا وقعت الفتنة بين المسلمين ، فالواجب على كلّ مسلمٍ أن يعتزل الفتنة ، ويقعد في بيته " فإنّه محمول على ما إذا لم يكن إمام . أمّا ما روي من حديث : { إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار } فإنّه محمول على اقتتالهما حميّةً وعصبيّةً ، أو لأجل الدّنيا والملك . ولو كان السّلطان ظالماً ، وبغت عليه طائفة لرفع الظّلم ، وطلب منه ذلك فلم يستجب ، فلا ينبغي للنّاس معاونة السّلطان ولا معاونة البغاة ، إذ غير العدل لا تجب معاونته . قال مالك : دعه وما يراد منه ، ينتقم اللّه من الظّالم بظالمٍ ، ثمّ ينتقم من كليهما . وينصّ الشّافعيّة على من خرجوا على الإمام - ولو جائراً - يجب على المسلمين إعانته ممّن قرب منهم ، حتّى تبطل شوكتهم . ويدلّ على وجوب معونة الإمام لدفع البغاة ما رواه عبد اللّه بن عمرٍو رضي الله عنهما قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : { من أعطى إماماً صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر } ولأنّ كلّ من ثبتت إمامته وجبت طاعته ، للحديث السّابق { يخرج قوم في آخر الزّمان ... } .</p><p></p><p>شروط قتال البغاة وما يتميّز به :</p><p>13 - إذا لم يجد مع البغاة النّصح ، ولم يستجيبوا للرّجوع إلى طاعة الإمام والدّخول في الجماعة ، أو لم يقلبوا الاستتابة - إن كانوا في قبضة الإمام - ورأوا مقاتلتنا وجب قتالهم . بشرط أن يتعرّضوا لحرمات أهل العدل ، أو يتعطّل جهاد المشركين بهم ، أو يأخذوا من حقوق بيت المال ما ليس لهم ، أو يمتنعوا من دفع ما وجب عليهم ، أو يتظاهروا على خلع الإمام الّذي انعقدت له البيعة . على ما قاله الماورديّ . وقال الرّمليّ : الأوجه وجوب قتالهم مطلقاً ، لأنّ ببقائهم - وإن لم يوجد ما ذكر - تتولّد مفاسد ، قد لا تتدارك ما داموا قد خرجوا عن قبضة الإمام وتهيّئوا للقتال . ولو اندفع شرّهم بما هو أهون وجب بقدر ما يندفع ، إذ يشترط لمقاتلتهم أن يتعيّن القتال لدفع شرّهم ، وإذا أمكن ذلك بمجرّد القول كان أولى من القتال .</p><p></p><p>كيفيّة قتال البغاة :</p><p>14 - الأصل أنّ قتالهم إنّما يكون درءاً لتفريق الكلمة ، مع عدم التّأثيم ، لأنّهم متأوّلون ، ولذا فإنّ قتالهم يفترق عن قتال الكفّار بأحد عشر وجهاً : أن يقصد بالقتال ردعهم لا قتلهم ، وأن يكفّ عن مدبرهم ، ولا يجهز على جريحهم ، ولا تقتل أسراهم ، ولا تغنم أموالهم ، ولا تسبى ذراريّهم ، ولا يستعان عليهم بمشركٍ ، ولا يوادعهم على مالٍ ، ولا تنصب عليهم العرّادات ( المجانيق ونحوها ) ، ولا تحرّق مساكنهم ، ولا يقطع شجرهم . وإذا تحيّز البغاة إلى جهةٍ مجتمعين ، أو إلى جماعةٍ ولم يمكن دفع شرّهم إلاّ بالقتال ، حلّ قتالهم حتّى يتفرّق جمعهم ، ولو أمكن دفع شرّهم بالحبس بعدما تأهّبوا فعل ذلك ، إذ الجهاد معهم واجب بقدر ما يندفع به شرّهم على ما سبق . وقد قاتل عليّ رضي الله عنه أهل حروراء بالنّهروان بحضرة الصّحابة ، تصديقاً لقوله عليه الصلاة والسلام له { أنا أقاتل على تنزيل القرآن ، وعليّ يقاتل على تأويله } والقتال مع التّأويل هو القتال مع البغاة ، وذلك كقتال أبي بكرٍ رضي الله عنه مانعي الزّكاة . وإذا قاتلهم الإمام فهزمهم ، وولّوا مدبرين ، وأمن جانبهم ، أو تركوا القتال بإلقاء السّلاح أو بالهزيمة أو بالعجز ، لجراحٍ أو أسيرٍ ، فإنّه لا يجوز لأهل العدل أن يتّبعوهم ، ولا يجهزوا على جريحهم ، ولا يقلتوا أسيرهم ، لوقوع الأمن عن شرّهم ، ولا تسبى لهم ذرّيّة ، ولا يقسم له مال ، لقول عليٍّ رضي الله عنه لا يقتل بعد الهزيمة مقبل ولا مدبر ، ولا يفتح باب ، ولا يستحلّ فرج ولا مال بل قال لهم : من اعترف شيئاً فليأخذه ، أي من عرف من البغاة متاعه استردّه ، وقال يوم الجمل : لا تتّبعوا مدبراً ، ولا تجهزوا على جريحٍ ، ولا تقتلوا أسيراً ، وإيّاكم والنّساء ، ولأنّ قتالهم للدّفع والرّدّ إلى الطّاعة دون القتل . ويقول ابن قدامة : أمّا غنيمة أموالهم وسبي ذرّيّتهم فلا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافاً ، لأنّهم معصومون ، وإنّما أبيح من دمائهم وأموالهم ما حصل من ضرورة دفعهم وقتالهم ، وما عداه يبقى على أصل التّحريم . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا كانت لهم فئة بعيدة ينحازون إليها ، ولا يتوقّع في العادة مجيئها إليهم والحرب قائمة ، وغلب على الظّنّ عدم وصولها لهم ، فإنّه لا يقاتل مدبرهم ، ولا يجهز على جريحهم ، لأمن غائلته إلاّ إذا كان متحرّفاً لقتالٍ . وأمّا إذا كان لهم فئة قريبة تسعفهم عادةً ، والحرب قائمة ، فإنّه يجوز اتّباعهم والإجهاز على جريحهم . أو كانت لهم فئة بعيدة يتوقّع في العادة مجيئها إليهم والحرب قائمة ، وغلب على الظّنّ ذلك فالمتّجه أن يقاتل . وقريب منه ما ذهب إليه المالكيّة ، فقد صرّحوا بأنّه إذا أمن جانبهم بالظّهور عليهم ، لم يتبع منهزمهم ، ولم يذفّف على جريحهم . أمّا الحنابلة فينصّون على أنّ أهل البغي إذا تركوا القتال ، بالرّجوع إلى الطّاعة ، أو بإلقاء السّلاح ، أو بالهزيمة إلى فئةٍ ، أو إلى غير فئةٍ ، أو بالعجز لجراحٍ أو مرضٍ أو أسرٍ فإنّه يحرم قتلهم واتّباع مدبرهم . وساق ابن قدامة الآثار الواردة في النّهي عن قتل المدبر والإجهاز على الجريح وقتل الأسير ، وهي عامّة . ثمّ قال : لأنّ المقصود كفّهم وقد حصل ، فلم يجز قتلهم كالصّائل ، ولا يقتلون لما يخاف في التّالي - إن كان لهم فئة - كما لو لم تكن لهم فئة . أمّا الحنفيّة : فقد نصّوا على أنّه إذا كانت لهم فئة ينحازون إليها - مطلقاً - فإنّه ينبغي لأهل العدل أن يقتلوا مدبرهم ، ويجهزوا على جريحهم ، لئلاّ ينحازوا إلى الفئة ، فيمتنعوا بها ، فيكرّوا على أهل العدل . والمعتبر في جواز القتل أمارة قتالهم لا حقيقته ، ولأنّ قتلهم إذا كان لهم فئة ، لا يخرج عن كونه دفعاً ، لأنّه يتحيّز إلى الفئة ويعود شرّه كما كان . وقالوا : إنّ ما قاله عليّ رضي الله عنه على تأويل إذا لم تكن لهم فئة .</p><p></p><p>المرأة المقاتلة من أهل البغي :</p><p>15 - ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أنّ المرأة من البغاة - إن كانت تقاتل - فإنّها تحبس ، ولا تقتل إلاّ في حال مقاتلتها ، وإنّما تحبس للمعصية ، ولمنعها من الشّرّ والفتنة . وقال المالكيّة : إن لم يكن قتالهنّ إلاّ بالتّحريض والرّمي بالحجارة ، فإنّهنّ لا يقتلن .</p><p></p><p>أموالهم بالنّسبة لاغتنامها وإتلافها وضمانها :</p><p>16 - اتّفق الفقهاء على أنّ أموال البغاة لا تغنم ، ولا تقسّم ، ولا يجوز إتلافها ، وإنّما يجب أن تردّ إليهم . لكن ينبغي أن يحبس الإمام أموالهم دفعاً لشرّهم بكسر شوكتهم حتّى يتوبوا ، فيردّها إليها لاندفاع الضّرورة ، ولأنّها لا استغنام فيها ، وإذا كان في أموالهم خيل ونحوها - ممّا يحتاج في حفظه إلى إنفاقٍ - كان الأفضل بيعه وحبس ثمنه . وفي ضمان إتلاف مالهم كلام . فإنّ العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله حال القتال بسبب القتال أو ضرورته لا يضمن ، إذ لا يمكن أن يقتلهم إلاّ بإتلاف شيءٍ من أموالهم كالخيل ، فيجوز عقر دوابّهم إذا قاتلوا عليها ، وإذا كانوا لا يضمنون الأنفس فالأموال أولى . أمّا في غير حال القتال وضرورته فلا تحرّق مساكنهم ، ولا يقطع شجرهم ، لأنّ الإمام إذا ظفر لهم بمالٍ حال المقاتلة فإنّه يحبسه حتّى يردّ إليهم ، فلا تؤخذ أموالهم ، لأنّ مواريثهم قائمة ، وإنّما قوتلوا بما أحدثوا من البدع ، فكان ذلك كالحدّ يقام عليهم . وقيّد الماورديّ الضّمان بما إذا كان الإتلاف خارج القتال بقصد التّشفّي والانتقام ، أمّا إذا كان لإضعافهم أو هزيمتهم فلا ضمان . واستظهر الزّيلعيّ وابن عابدين حمل الضّمان على ما قبل تحيّزهم وخروجهم ، أو بعد كسرهم وتفرّق جمعهم .</p><p></p><p>ما أتلفه أهل العدل للبغاة :</p><p>17 - نقل الزّيلعيّ عن المرغينانيّ : أنّ العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم ، لأنّه مأمور بقتالهم دفعاً لشرّهم . وفي المحيط : إذا أتلف مال الباغي يؤخذ بالضّمان ، لأنّ مال الباغي معصوم في حقّنا ، وأمكن إلزام الضّمان ، فكان في إيجابه فائدة</p><p></p><p>ما أتلفه البغاة لأهل العدل :</p><p>18 - إذا أتلف أهل البغي لأهل العدل مالاً فلا ضمان عليهم ، لأنّهم طائفة متأوّلة فلا تضمن كأهل العدل ، ولأنّه ذو منعةٍ في حقّنا ، وأمّا الإثم فإنّه لا منعة له في حقّ الشّارع ، ولأنّ تضمينهم يفضي إلى تنفيرهم عن الرّجوع إلى الطّاعة ، لما رواه عبد الرّزّاق بإسناده عن الزّهريّ ، أنّ سليمان بن هشامٍ كتب إليه يسأله عن امرأةٍ خرجت من عند زوجها ، وشهدت على قومها بالشّرك ، ولحقت بالحروريّة فتزوّجت ، ثمّ إنّها رجعت إلى أهلها تائبةً ، قال فكتب إليه : أمّا بعد ، فإنّ الفتنة الأولى ثارت ، وأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم - ممّن شهد بدراً - كثير ، فاجتمع رأيهم على ألاّ يقيموا على أحدٍ حدّاً في فرجٍ استحلّوه بتأويل القرآن ، ولا قصاصاً في دمٍ استحلّوه بتأويل القرآن ، ولا يردّ مال استحلّوه بتأويل القرآن ، إلاّ أن يوجد شيء بعينه فيردّ على صاحبه ، وإنّي أرى أن تردّ إلى زوجها ، وأن يحدّ من افترى عليها . وفي قولٍ للشّافعيّ : يضمنون ، لقول أبي بكرٍ تدون قتلانا ، ولا ندي - من الدّية - قتلاكم ولأنّها نفوس وأموال معصومة أتلفت بغير حقٍّ ولا ضرورة دفع مباحٍ ، فوجب ضمانه ، كالّتي أتلفت في غير حال الحرب . وإذا تاب البغاة ورجعوا أخذ منهم ما وجد بأيديهم من أموال أهل الحقّ ، وما استهلكوه لم يتبعوا به ، ولو كانوا أغنياء ، لأنّهم متأوّلون . وإذا قتل الباغي أحداً من أهل العدل في غير المعركة يقتل به ، لأنّه قتل بإشهار السّلاح والسّعي في الأرض بالفساد كقاطع الطّريق ، وقيل : لا يتحتّم قتله ، وهو الصّحيح عند الحنابلة : لقول عليٍّ رضي الله عنه : إن شئت أن أعفو ، وإن شئت استقدت .</p><p></p><p>التّمثيل بقتلى البغاة :</p><p>19 - التّمثيل بقتلى البغاة مكروه تحريماً عند الحنفيّة ، حرام عند المالكيّة ، أمّا نقل رءوسهم ، فقد قال الحنفيّة : يكره أخذ رءوسهم ، فيطاف بها في الآفاق ، لأنّه مثلة . وجوّزه بعض متأخّري الحنفيّة ، إذا كان فيه طمأنينة قلوب أهل العدل ، أو كسر شوكة البغاة . وجوّز المالكيّة رفع رءوس قتلى البغاة في محلّ قتلهم .</p><p></p><p>أسرى البغاة :</p><p>20 - أسرى البغاة يعاملون معاملةً خاصّةً ، لأنّ قتالهم كان لمجرّد دفع شرّهم ، فلا يستباح دمهم إلاّ بقدر ما يدفع القتال ، ولذا فإنّهم لا يقتلون إذا لم تكن لهم فئة اتّفاقاً ، للتّعليل السّابق ، ولذا لا يسترقّون مطلقاً ، سواء أكانت لهم فئة أم لا اتّفاقاً ، لأنّهم أحرار مسلمون ، ولا تسبى لهم نساء ولا ذرّيّة . أمّا إن كانت لهم فئة ، فقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّهم لا يقتلون أيضاً . غير أنّ عبد الملك من المالكيّة قال : إن أسر منهم أسير وقد انقطعت الحرب لا يقتل ، وإن كانت الحرب قائمةً فللإمام قتله ، إذا خاف منه الضّرر . وفي بعض كتب المالكيّة : أنّه إذا أسر بعد انقضاء الحرب يستتاب ، فإن لم يتب قتل ، وقيل : يؤدّب ولا يقتل . وقال الشّافعيّة : إن قتله ضمنه بالدّية ، لأنّه بالأسر صار محقون الدّم ، وقيل : فيه قصاص . وقيل : لا قصاص فيه ، لأنّ أبا حنيفة يجيز قتله فصار ذلك شبهةً . وإن كان أسير بالغاً فدخل في الطّاعة أطلقه ، وإن لم يدخل في الطّاعة حبسه إلى أن تنتهي الحرب . وإن كان عبداً أو صبيّاً لم يحبس ، لأنّه ليس من أهل البيعة ، وقال بعض الشّافعيّة : يحبس لأنّ في حبسه كسراً لقلوبهم . وهذا ما قاله الحنابلة . وقال الحنفيّة : إذا كانت للأسير فئة ، فالإمام بالخيار إن شاء قتله ، وإن شاء حبسه دفعاً لشرّه بقدر الإمكان ، ويحكم الإمام بنظره فيما هو أحسن في كسر الشّوكة .</p><p></p><p>فداء الأسرى :</p><p>21 - نصّ الفقهاء على جواز فداء أسارى أهل العدل بأسارى البغاة ، وقالوا : إن قتل أهل البغي أسرى أهل العدل لم يجز لأهل العدل قتل أسراهم ، لأنّهم لا يقتلون بجناية غيرهم ، وإن أبى البغاة مفاداة الأسرى الّذين معهم وحبسوهم ، قال ابن قدامة : احتمل أن يجوز لأهل العدل حبس من معهم ليتوصّلوا إلى تخليص أسراهم بذلك ، ويحتمل ألاّ يجوز حبسهم ، ويطلقون ، لأنّ الذّنب في حبس أسارى أهل العدل لغيرهم . وتفصيل الكلام عن أسرى البغاة في مصطلح ( أسرى ) .</p><p></p><p>( موادعة البغاة ) :</p><p>22 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز موادعة البغاة على مالٍ . فإن وادعهم الإمام على مالٍ بطلت الموادعة . ولو طلبوا الموادعة - أي الصّلح على ترك المقاتلة بغير مالٍ - أجيبوا إليها إن كان ذلك خيراً . فإن بان له أنّ قصدهم الرّجوع إلى الطّاعة ومعرفة الحقّ أمهلهم . وقال ابن المنذر : أجمع على هذا كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم . فإن كان قصدهم الاجتماع على قتاله وانتظار مددٍ ، أو ليأخذوا الإمام على غرّةٍ عاجلهم ولم ينظرهم . وإذا وقعت الموادعة فأعطى كلّ فريقٍ رهناً على أيّهما غدر يقتل الآخرون الرّهن ، فغدر أهل البغي وقتلوا الرّهن ، لا يحلّ لأهل العدل قتل الرّهن ، بل يحبسونهم حتّى يهلك أهل البغي أو يتوبوا ، لأنّهم صاروا آمنين بالموادعة ، أو بإعطائه الأمان لهم حين أخذناهم رهناً . والغدر من غيرهم لا يؤاخذون به ، لكنّهم يحبسون مخافة أن يرجعوا إلى فئتهم فيكونون لهم قوّةً تغريهم على المقاتلة . 23 - وإن بذل البغاة لأهل العدل رهائن على إنظارهم لم يجز أخذها لذلك ، لأنّ الرّهائن لا يجوز قتلهم لغدر أهلهم ، وإن كان في أيديهم أسرى من أهل العدل ، وأعطوا بذلك رهائن منهم قبلهم الإمام ، واستظهر لأهل العدل . فإن أطلقوا أسرى أهل العدل الّذين عندهم أطلق رهائنهم . وإن قتلوا من عندهم لم يجز قتل رهائنهم ، لأنّهم لا يقتلون بقتل غيرهم ، لأنّهم صاروا آمنين . فإذا انقضت الحرب خلّي الرّهائن كما تخلّى الأسرى منهم .</p><p></p><p>من لا يجوز قتله من البغاة :</p><p>24 - يتّفق الفقهاء على أصل قاعدةٍ : أنّ من لا يجوز قتله من أهل الحرب - كالنّساء والشّيوخ والصّبيان والعميان - لا يجوز قتله من البغاة ما لم يقاتلوا ، لأنّ قتلهم لدفع شرّ قتالهم ، فيختصّ ذلك بأهل القتال . وهؤلاء ليسوا من أهل القتال عادةً ، فلا يقتلون إلاّ إذا قاتلوا ولو بالتّحريض ، لوجود القتال من حيث المعنى ، فيباح قتلهم إلاّ الصّبيّ والمعتوه . فالأصل أنّهما لا يقصدان القتل . فيحلّ قتلهما حال القتال إن قاتلا حقيقةً أو معنًى . أمّا الحنفيّة ، فعلى مذهبهم في تخيير الإمام بين قتل أسرى البغاة أو حبسهم ، يرون جواز قتل من قاتل أو حرّض من الشّيوخ ونحوهم ، فيقتلون حال القتال أو بعد الفراغ منه . لكن لا يقتل الصّبيّ والمعتوه بعد الفراغ من القتال ، لأنّ القتل بعد الفراغ والأسر بطريق العقوبة ، وهما ليسا من أهل العقوبة . وأمّا قتلهما حال الحرب فدفعاً لشرّهم كدفع الصّائل . وقال الحنابلة : إن حضر مع البغاة عبيد ونساء وصبيان قوتلوا مقبلين ، وتركوا مدبرين كغيرهم من الأحرار والذّكور البالغين ، لأنّ قتالهم للدّفع ، ولو أراد أحد هؤلاء قتل إنسانٍ جاز دفعه وقتاله . وقد نصّ المالكيّة على أنّ البغاة لو تترّسوا بذرّيّتهم تركوا ، إلاّ أن يترتّب على تركهم تلف أكثر المسلمين .</p><p></p><p>حضور من لا يقاتل من القادرين على القتال مع البغاة :</p><p>25 - إذا حضر مع البغاة من لا يقاتل - برغم قدرته على القتال - لم يجز أن يقصد بالقتل ، لأنّ القصد من قتالهم كفّهم ، وهذا قد كفّ نفسه لقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم } فإنّه يدلّ على تحريم قتل المؤمن عمداً على وجه العموم ، وإنّما خصّ من ذلك ما حصل ضرورة دفع الباغي والصّائل ، ففيما عداه يبقى على العموم ، فمن لا يقاتل تورّعاً عنه - مع قدرته عليه - ولا يخاف منه القتال بعد ذلك ، وهو مسلم لا يحتاج لدفعٍ فلا يحلّ دمه . وفي وجهٍ عند الشّافعيّة يجوز قتله ، لأنّ عليّاً نهاهم عن قتل محمّدٍ السّجّاد بن طلحة بن عبيد اللّه ولم يكن يقاتل ، وإنّما كان يحمل راية أبيه ، فقتله رجل وأنشد شعراً ، فلم ينكر عليّ قتله ، ولأنّه صار ردءاً لهم .</p><p></p><p>حكم قتال المحارم من البغاة :</p><p>26 - اتّفق الفقهاء في الجملة على عدم جواز قتل العادل لذي رحمه المحرّم من أهل البغي ، وقصر المالكيّة ذلك على الأبوين فقط . بل منهم من قال بجواز قتل أبويه ، وكذا في روايةٍ عند الحنابلة ذكرها القاضي . ومنهم من صرّح بالكراهة ، وهو الأصحّ لقوله تعالى : { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدّنيا معروفاً } ولما روى الشّافعيّ أنّ { النّبيّ صلى الله عليه وسلم كفّ أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه } . وصرّح بعضهم بعدم الحلّ ، لأنّ اللّه أمر بالمصاحبة بالمعروف ، والأمر يقتضي الوجوب . وللفقهاء تفصيل وأدلّة . يقول الحنفيّة : لا يجوز للعادل أن يبتدئ بقتل ذي رحمٍ محرمٍ من أهل البغي مباشرةً ، إذ اجتمع فيه حرمتان : حرمة الإسلام وحرمة القرابة . وإذا أراد الباغي قتل العادل فله أن يدفعه ، وإن كان لا يندفع إلاّ بالقتل فيجوز له أن يتسبّب ليقتله غيره ، لأنّ الإسلام في الأصل عاصم : { فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم ... } والباغي مسلم ، إلاّ أنّه أبيح قتل غير ذي الرّحم المحرّم من أهل البغي لدفع شرّهم ، لا لشركهم ، ودفع الشّرّ يحصل بالدّفع والتّسبّب ليقتله غيره . وقال المالكيّة : كره للرّجل قتل أبيه الباغي ، ومثل أبيه أمّه ، بل هي أولى ، لما جبلت عليه من الحنان والشّفقة ، ولا يكره قتل جدّه وأخيه وابنه . وقال ابن سحنونٍ : ولا بأس أن يقتل الرّجل في قتال البغاة أخاه وقرابته ، فأمّا الأب وحده فلا أحبّ قتله عمداً ، وروى ابن عبد السّلام جواز قتل الابن الباغي ، وهو غير المشهور . وقال الشّافعيّة : يكره أن يقصد قتل ذي رحمٍ محرمٍ ، كما يكره في قتال الكفّار ، فإن قاتله لم يكره . وقال الحنابلة : الأصحّ كراهة قتل ذي الرّحم المحرّم الباغي ، ونقل ابن قدامة عن القاضي أنّه لا يكره ، لأنّه قتل بحقٍّ ، فأشبه إقامة الحدّ عليه .</p><p></p><p>إرث العادل من الباغي الّذي قتله والعكس :</p><p>27 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة - وهو قول لأبي بكرٍ من الحنابلة - إلى أنّ العادل إذا قتل قريبه الباغي ورثه ، لأنّه قتل بحقٍّ ، فلم يمنع الميراث كالقصاص ، ولأنّ قتل الباغي واجب ، ولا إثم على القاتل بقتله ، ولا يجب الضّمان عليه . فكذا لا يحرم من الإرث . وكذا لو قتل الباغي ذا رحمه العادل عند المالكيّة وأبي بكرٍ من الحنابلة ، لقولهم " ومواريثهم قائمة » . أمّا الحنفيّة فقالوا : لو قتل الباغي قريبه العادل وقال : أنا على حقٍّ ورثه عند أبي حنيفة ومحمّدٍ ، خلافاً لأبي يوسف . وإن قال : قتلته وأنا على الباطل لا يرث اتّفاقاً بين الإمام وصاحبيه . واستدلّ - أبو حنيفة - بأنّه أتلف ما أتلف عن تأويلٍ فاسدٍ ، والفاسد منه ملحق بالصّحيح إذا انضمّت إليه منعة ، وهو إن كان فاسداً في نفسه فإنّه يسقط به الضّمان ، فكذا لا يوجب الحرمان ، كما أنّ التّأويل في اعتقاده هو صحيح . وذهب الشّافعيّة ، وهو قول ابن حامدٍ من الحنابلة إلى أنّه لا يرث لعموم حديث : { ليس لقاتلٍ شيء } وكذا بالنّسبة للباغي إذا قتل العادل ، ونصّ الشّافعيّة : لا يرث قاتل من مقتوله مطلقاً .</p><p></p><p>ما يجوز قتال البغاة به :</p><p>28 - يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة قتال البغاة - إذا تحصّنوا - بكلّ ما يقاتل به أهل الحرب ، بالسّيف والرّمي بالنّبل وبالمنجنيق والحريق والتّغريق ، وقطع الميرة ( المؤن ) والماء عنهم ، وكذا إذا فعل البغاة معهم مثل ذلك ، لأنّ قتالهم لدفع شرّهم وكسر شوكتهم ، فيقاتلون بكلّ ما يحصل به ذلك . وقال المالكيّة : إلاّ أن يكون فيهم نسوة أو ذراريّ ، فلا نرميهم بالنّار . وقال الشّافعيّة والحنابلة بعدم جواز قتالهم بالنّار والرّمي بالمنجنيق ، ولا بكلّ عظيمٍ يعمّ ، كالتّغريق وإرسال سيولٍ جارفةٍ ، ولا يجوز محاصرتهم وقطع الطّعام والشّراب عنهم إلاّ لضرورةٍ ، بأن قاتلوا به ، أو أحاطوا بنّا ولم يندفعوا إلاّ به ، ويكون فعل ذلك بقصد الخلاص منهم لا بقصد قتلهم ، لأنّه لا يجوز قتل من لا يقاتل ، وما يعمّ إتلافه يقع على من يقاتل ومن لا يقاتل .</p><p></p><p>مقاتلة البغاة بسلاحهم الّذي في أيدينا :</p><p>29 - يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة ، وهو وجه عند الحنابلة ، قتالهم بسلاحهم وخيلهم وكلّ أدوات القتال الّتي استولينا عليها منهم ، إن احتاج أهل العدل إلى هذا ، لأنّ عليّاً رضي الله عنه قسّم ما استولى عليه من سلاح البغاة بين أصحابه بالبصرة ، وكانت قسمةً للحاجة لا للتّمليك ، ولأنّ للإمام أن يفعل ذلك في مال أهل العدل عند الحاجة ، ففي مال الباغي أولى . ونقل ابن قدامة عن القاضي أنّ أحمد أومأ إلى جواز الانتفاع به حال التحام الحرب ، ومنعه في غير قتالهم ، لأنّ هذه الحالة يجوز فيها إتلاف نفوسهم ، وحبس سلاحهم وكراعهم ، فجاز الانتفاع به كسلاح أهل الحرب . وقال أبو الخطّاب : في هذه المسألة وجهان . أمّا الشّافعيّة ، وهو الوجه الآخر عند الحنابلة الّذي ذكره أبو الخطّاب ، فيرون أنّه لا يجوز لأحدٍ استعمال شيءٍ ممّا استولينا عليه من سلاح البغاة وخيلهم إلاّ لضرورةٍ ، ويلزم دفع أجرة المثل لهم ، كمضطرٍّ لأكل طعام غيره يلزمه ثمنه ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : { لا يحلّ مال امرئٍ مسلمٍ إلاّ بطيب نفسٍ منه } ولأنّ من لا يجوز أخذ ماله لم يجز الانتفاع بماله من غير إذنه ومن غير ضرورةٍ ، ولأنّ الإسلام عصم أموالهم ، وإنّما أبيح قتالهم لردّهم إلى الطّاعة ، فيبقى المال على عصمته ، ومتى انقضت الحرب وجب ردّه إليهم كسائر أموالهم ، ولا يردّ إليهم قبل ذلك لئلاّ يقاتلونا به .</p><p></p><p>الاستعانة في قتالهم بالمشركين :</p><p>30 - اتّفق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على تحريم الاستعانة بالكفّار في قتال البغاة ، لأنّ القصد كفّهم لا قتلهم ، والكفّار لا يقصدون إلاّ قتلهم ، وإن دعت الحاجة إلى الاستعانة بهم ، فإن كان من الممكن القدرة على كفّ هؤلاء الكفّار المستعان بهم جاز ، وإن لم يقدر لم يجز . كما نصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه لا يجوز الاستعانة على قتالهم بمن يرى من أهل العدل ( وهم فقهاء الحنفيّة ) قتل البغاة وهم مدبرون ، على ما سبق بيانه . ويتّفق الحنفيّة مع الجمهور في أنّه لا يحلّ الاستعانة بأهل الشّرك إذا كان حكم أهل الشّرك ، هو الظّاهر ، أمّا إذا كان حكم أهل العدل هو الظّاهر فلا بأس بالاستعانة بالذّمّيّين وصنفٍ من البغاة ، ولو لم تكن هناك حاجة ، لأنّ أهل العدل يقاتلون لإعزاز الدّين ، والاستعانة على البغاة بهم كالاستعانة عليهم بأدوات القتال .</p><p></p><p>قتلى معارك البغاة وحكم الصّلاة عليهم :</p><p>31 - من قتل من أهل العدل كان شهيداً ، لأنّه قتل في قتالٍ أمر اللّه به ، وذلك بقوله جلّ شأنه : { فقاتلوا الّتي تبغي } ولا يغسّل ، ولا يصلّى عليه ، لأنّه شهيد معركةٍ أمر بالقتال فيها ، فأشبه شهيد معركة الكفّار . وفي روايةٍ عند الحنابلة : يغسّل ويصلّي عليه ، وهو قول الأوزاعيّ وابن المنذر ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : { صلّوا على من قال لا إله إلاّ اللّه } واستثنى قتيل الكفّار في المعركة ، ففيما عداه يبقى على الأصل . أمّا قتلى البغاة ، فمذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : أنّهم يغسّلون ويكفّنون ويصلّى عليهم ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : { صلّوا على من قال : لا إله إلاّ اللّه } ولأنّهم مسلمون لم يثبت لهم حكم الشّهادة ، فيغسّلون ويصلّى عليهم . ومثله الحنفيّة ، سواء أكانت لهم فئة ، أم لم تكن لهم فئة على الرّأي الصّحيح عندهم . وقد روي : أنّ عليّاً رضي الله عنه لم يصلّ على أهل حروراء ، ولكنّهم يغسّلون ويكفّنون ويدفنون . ولم يفرّق الجمهور بين الخوارج وغيرهم من البغاة في حكم التّغسيل والتّكفين والصّلاة .</p><p></p><p>تقاتل أهل البغي :</p><p>32 - إن اقتتل فريقان من أهل البغي ، فإن قدر الإمام على قهرهما ، لم يعاون واحداً منهما ، لأنّ الفريقين على خطأٍ ، وإن لم يقدر على قهرهما ، ولم يأمن أن يجتمعا على قتاله ، ضمّ إلى نفسه أقربهما إلى الحقّ . فإن استويا في ذلك اجتهد رأيه في ضمّ أحدهما ، ولا يقصد بذلك معاونته على الآخر ، بل يقصد الاستعانة به على الآخر ، فإذا انهزم الآخر لم يقاتل الّذي ضمّه إلى نفسه حتّى يدعوه إلى الطّاعة ، لأنّه بالاستعانة به حصل على الأمان ، نصّ على هذا الشّافعيّة والحنابلة . ولم يوجد فيما رجعنا إليه من كتب الحنفيّة والمالكيّة حكم هذه الصّورة . وجاء في كتب الحنفيّة : لو قتل باغٍ مثله عمداً في عسكرهم ، ثمّ ظهر أهل العدل على البغاة ، فلا شيء على القاتل ، لكون المقتول مباح الدّم ، إذ لو قتله العادل لا يجب عليه شيء ، فلا يجب على الباغي القاتل دية ولا قصاص ، ولا إثم عليه أيضاً ، ولأنّه لا ولاية لإمام العدل حين القتل ، فلم ينعقد موجباً للجزاء ، كالقتل في دار الحرب . وقالوا : لو غلب أهل البغي على بلدٍ ، فقاتلهم آخرون من أهل البغي ، فأرادوا أن يسبوا ذراريّ أهل المدينة ، وجب على أهل البلد أن يقاتلوا دفاعاً عن ذراريّهم . وقال الحنفيّة أيضاً : لو قتل تاجر من أهل العدل تاجراً آخر من أهل العدل في عسكر أهل البغي ، أو قتل الأسير من أهل العدل أسيراً آخر ، ثمّ ظهر عليه فلا قصاص عليه ، لأنّ الفعل لم يقع موجباً للجزاء ، لتعذّر الاستيفاء وانعدام الولاية ، كما لو فعل ذلك في دار الحرب ، لأنّ عسكر أهل البغي في حقّ انقطاع الولاية ودار الحرب سواء .</p><p></p><p>استعانة البغاة بالكفّار :</p><p>33 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا استعان البغاة بالحربيّين وأمّنوهم ، أو عقدوا لهم ذمّةً ، لم يعتبر الأمان بالنّسبة لنا إن ظفرنا بهم ، لأنّ الأمان من شرط صحّته إلزام كفّهم عن المسلمين ، وهؤلاء يشترطون عليهم قتال المسلمين ، فلا يصحّ الأمان لهم . ولأهل العدل قتالهم ، وحكم أسرهم في يد أهل العدل حكم الأسير الحربيّ . أمّا ما إذا استعان البغاة بالمستأمنين ، فمتى أعانوهم كانوا ناقضين للعهد ، وصاروا كأهل الحرب ، لأنّهم تركوا الشّرط ، وهو كفّهم عن المسلمين ، وعهدهم مؤقّت بخلاف الذّمّيّين ، فإن فعلوا ذلك مكرهين ، وكانت لهم منعة ، لم ينتقض عهدهم . وإن استعانوا بأهل الذّمّة فأعانوهم ، وقاتلوا معهم ، فعند الشّافعيّة والحنابلة وجهان : أحدهما : ينتقض عهدهم ، لأنّهم قاتلوا أهل الحقّ فينتقض عهدهم ، كما لو انفردوا بقتالهم ، وعلى هذا يكونون كأهل الحرب ، فيقتلون مقبلين ومدبرين ، ويجهز على جريحهم ، ويسترقّون ، وغير ذلك من أحكام قتال الحربيّين . والوجه الثّاني : أنّه لا ينقض عهدهم ، لأنّ أهل الذّمّة لا يعرفون المحقّ من المبطل ، فيكون ذلك شبهةً لهم . وعلى هذا يكونون كأهل البغي في الكفّ عن قتل أسرهم ومدبرهم وجريحهم . والحنفيّة والمالكيّة يتّفقون مع الشّافعيّة والحنابلة في أنّ معونة الذّمّيّين للبغاة استجابة لطلبهم لا تنقض عهد الذّمّة ، كما أنّ هذا الفعل من أهل البغي ليس نقضاً للأمان . فالّذين انضمّوا إليهم من أهل الذّمّة لم يخرجوا من أن يكونوا ملتزمين حكم الإسلام في المعاملات ، وأن يكونوا من أهل الدّار . وإن أكرههم البغاة على معونتهم لم ينقض عهدهم - قولاً واحداً - ويقبل قولهم ، لأنّهم تحت أيديهم وقدرتهم . ونصّ الحنفيّة على أنّهم يأخذون حكم البغاة ، وأطلقوا هذه العبارة ممّا يفيد أنّهم كالبغاة في عدم ضمان ما أتلفوه لأهل العدل أثناء القتال ، وهو ما صرّح به المالكيّة ، إذ قالوا بالنّسبة للذّمّيّ الخارج مع البغاة المتأوّلين استجابةً لطلبهم : لا يضمن نفساً ولا مالاً . لكنّ الشّافعيّة والحنابلة نصّوا على أنّهم يضمنون ما أتلفوا على أهل العدل حال القتال وغيره ، إذ لا تأويل لهم .</p><p></p><p>إعطاء الأمان للباغي من العادل :</p><p>34 - صرّح الحنفيّة أنّه إذا أمّن رجل من أهل العدل رجلاً من أهل البغي جاز أمانه ، لأنّه ليس أعلى شقاقاً من الكافر الّذي يجوز إعطاء الأمان له . فكذا هذا ، بل هو أولى وأحقّ ، لأنّه مسلم ، وقد يحتاج إلى مناظرته ليتوب ، ولا يتأتّى ذلك ما لم يأمن كلّ الآخر . ولو دخل باغٍ بأمانٍ ، فقتله عادل عمداً ، لزمته الدّية .</p><p></p><p>تصرّفات إمام البغاة إذا استولى البغاة على بلدٍ في دار الإسلام ، ونصّبوا لهم إماماً ، وأحدث الإمام تصرّفاتٍ باعتباره حاكماً ، كالجباية من جمع الزّكاة والعشور والجزية والخراج ، واستيفاء الحدود والتّعازير وإقامة القضاة ، فهل تنفذ هذه التّصرّفات ، وتترتّب عليها آثارها في حقّ أهل العدل ؟ بيان ذلك فيما يأتي :</p><p>أ - جباية الزّكاة والجزية والعشور والخراج :</p><p>35 - ذهب الفقهاء إلى أنّ ما جباه أهل البغي من البلاد الّتي غلبوا عليها ، من الزّكاة والجزية والعشور والخارج ، يعتدّ به ، لأنّ ما فعلوه أو أخذوه كان بتأويلٍ سائغٍ ، فوجب إمضاؤه ، كالحاكم إذا حكم بما يسوغ الاجتهاد فيه ، ولا حرج على النّاس في دفع ذلك إليهم ، فقد كان ابن عمر إذا أتاه ساعي نجدة الحروريّ دفع إليه زكاته ، وكذلك سلمة بن الأكوع . وليس لإمام أهل العدل إذا ظهر على هذه البلاد أن يطالب بشيءٍ ممّا جبوه ، ولا يرجع به على من أخذ منه ، وقد روي نحو هذا عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع ، ولأنّ ولاية الأخذ كانت له باعتبار الحماية ، ولم يحمهم ، ولأنّ في ترك الاحتساب بها ضرراً عظيماً ومشقّةً كبيرةً ، فإنّهم قد يغلبون على البلاد السّنين الكثيرة ، فلو لم يحتسب ما أخذوه ، أدّى إلى أخذ الصّدقات منهم عن كلّ تلك المدّة . وقال أبو عبيدٍ : على من أخذوا منه الزّكاة الإعادة ، لأنّه أخذها من لا ولاية له صحيحة ، فأشبه ما لو أخذها آحاد الرّعيّة . وذهب فقهاء الحنفيّة إلى أنّه إذا كان إمام أهل البغي صرف ما أخذه في مصرفه أجزأ من أخذ منه ، ولا إعادة عليه ، لوصول الحقّ إلى مستحقّه . وإن لم يكن صرفه في حقّه فعلى من أخذ منهم أن يعيدوا دفعه فيما بينهم وبين اللّه تعالى ، لأنّه لم يصل إلى مستحقّه . وقال الكمال ابن الهمام : قال المشايخ : لا إعادة على الأرباب في الخراج ، لأنّ البغاة مقاتلة ، وهم مصرف الخراج وإن كانوا أغنياء ، وكذلك في العشر إن كانوا فقراء ، أمّا إن كانوا أغنياء فقد أفتوا بالإعادة ، وذلك في زكاة الأموال كلّها . وقال الشّافعيّة والحنابلة : إن عاد بلد البغاة إلى أهل العدل ، فادّعى من عليه الزّكاة أنّه دفعها إلى أهل البغي قبل قوله . وفي استحلافه وجهان عند الشّافعيّة ، وقال أحمد : لا يستحلف النّاس على صدقاتهم . وإن ادّعى من عليه الجزية أنّه دفعها إليهم لم يقبل قوله ، لأنّها عوض ، فلم يقبل قوله في الدّفع ، كالمستأجر إذا ادّعى دفع الأجرة . وعند الحنابلة يحتمل قبول قولهم إذا مضى الحول ، لأنّ الظّاهر أنّ البغاة لا يدّعون الجزية لهم ، فكان القول قولهم ، لأنّ الظّاهر معهم ، ولأنّه إذا مضى لذلك سنون كثيرة شقّ عليهم إقامة البيّنة على مدّعيهم ، فيؤدّي ذلك إلى تغريمهم الجزية مرّتين . وإن ادّعى من عليه الخراج أنّه دفعه إليهم ، ففيه وجهان : أحدهما : يقبل قوله ، لأنّه مسلم ، فقبل قوله في الدّفع لمن عليه الزّكاة . والثّاني : لا يقبل ، لأنّ الخراج ثمن أو أجرة ، فلم يقبل قوله في الدّفع ، كالثّمن في البيع والأجرة في الإجارة . ويصحّ تفريقهم سهم المرتزقة على جنودهم ، لاعتقادهم التّأويل المحتمل ، فأشبه الحكم بالاجتهاد ، ولما في عدم الاعتداد به من الإضرار بالرّعيّة ، ولأنّ جندهم من جند الإسلام ، ورعب الكفّار قائم بهم ، وسواء أكانت الزّكاة معجّلةً أم لا ، واستمرّت شوكتهم على وجوبها أم لا ، وقيل : لا يعتدّ بتفرقتهم لئلاّ يتقوّوا به علينا ، وإن كان من عليه الخراج ذمّيّاً فهو كالجزية ، لأنّه عوض على غير المسلم .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41093, member: 329"] ب - قتال البغاة : 11 - إذا ما دعا الإمام البغاة إلى الدّخول في طاعته ، وكشف شبهتهم ، فلم يستجيبوا وتحيّزوا مجتمعين ، وكانوا متهيّئين للقتال فإنّه يحلّ قتالهم . ولكن هل نبدؤهم بالقتال ، أم لا نقاتلهم إلاّ إذا أظهروا المغالبة ؟ هناك اتّجاهان : الاتّجاه الأوّل : جواز البدء بالقتال ، لأنّه لو انتظرنا قتالهم ربّما لا يمكن الدّفع ، وهو ما نقله خواهر زاده ، قال الزّيلعيّ : وهو المذهب عند الحنفيّة ، لأنّ النّصّ جاء غير مقيّدٍ بالبداءة منهم في قوله تعالى : { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا الّتي تبغي ... } وقول عليٍّ رضي الله عنه : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : { سيخرج قوم في آخر الزّمان ، حداث الأسنان سفهاء الأحلام ، يقولون من قول خير البرّيّة ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدّين كما يمرق السّهم من الرّميّة ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإنّ في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة } ، ولأنّ الحكم يدار على علامته ، وهي هنا التّحيّز والتّهيّؤ ، فلو انتظرنا حقيقة قتالهم لصار ذريعةً لتقويتهم . فيدار الحكم على الإمارة ضرورة دفع شرّهم ، ولأنّهم بالخروج على الإمام صاروا عصاةً فجاز قتالهم ، إلى أن يقلعوا عن ذلك . وما نقل عن عليٍّ رضي الله عنه من قوله في الخوارج لن نقاتلكم حتّى تقاتلونا معناه : حتّى تعزموا على قتالنا . ولو أمكن دفع شرّهم بالحبس بعدما تأهّبوا فعل ذلك ، ولا نقاتلهم ، لأنّه أمكن دفع شرّهم بأهون منه . وإلى القول بحلّ بدئهم بالقتال اتّجه فقهاء الحنابلة ، جاء في كشّاف القناع : إن أبوا الرّجوع وعظهم وخوّفهم بالقتال ، فإن رجعوا إلى الطّاعة تركهم ، وإلاّ لزمه قتالهم إن كان قادراً ، لإجماع الصّحابة على ذلك . الاتّجاه الثّاني : نقل القدوريّ أنّه لا يبدؤهم بالقتال حتّى يبدءوه ، وهو ما رواه الكاسانيّ والكمال . قال الكاسانيّ : لأنّ قتالهم لدفع شرّهم ، لا لشرّ شركهم ، لأنّهم مسلمون ، فما لم يتوجّه الشّرّ منهم لا يقاتلهم الإمام ، إذ لا يجوز قتال المسلم إلاّ دفعاً ، بخلاف الكافر ، لأنّ نفس الكفر قبيح . وهو ما استظهره بعض المالكيّة ، وهو مذهب الشّافعيّة ، وقول أحمد بن حنبلٍ ، لأنّ عليّاً أمر أصحابه ألاّ يبدءوا من خرجوا عليه بالقتال ، وإن أمكن دفعهم دون القتل لم يجز القتل . ولا يجوز قتالهم قبل ذلك إلاّ أن يخاف شرّهم كالصّائل . وقال ابن تيميّة : « الأفضل تركه حتّى يبدءوه " أي القتال . المعاونة في مقاتلة البغاة : 12 - من دعاه الإمام إلى مقاتلة البغاة افترض عليه إجابته ، لأنّ طاعة الإمام فيما ليس بمعصيةٍ فرض . قال ابن عابدين : يجب على كلّ من أطاق الدّفع أن يقاتل مع الإمام ، إلاّ إن كان سبب الخروج ظلم الإمام بما لا شبهة فيه ، إذ يجب معونتهم لإنصافهم إن كان ذلك ممكناً . ومن لم يكن قادراً لزم بيته . وعليه يحمل ما روي عن جماعةٍ من الصّحابة أنّهم قعدوا في الفتنة ، وربّما كان بعضهم في تردّدٍ من حلّ القتال . وما روي عن أبي حنيفة من قوله : « إذا وقعت الفتنة بين المسلمين ، فالواجب على كلّ مسلمٍ أن يعتزل الفتنة ، ويقعد في بيته " فإنّه محمول على ما إذا لم يكن إمام . أمّا ما روي من حديث : { إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النّار } فإنّه محمول على اقتتالهما حميّةً وعصبيّةً ، أو لأجل الدّنيا والملك . ولو كان السّلطان ظالماً ، وبغت عليه طائفة لرفع الظّلم ، وطلب منه ذلك فلم يستجب ، فلا ينبغي للنّاس معاونة السّلطان ولا معاونة البغاة ، إذ غير العدل لا تجب معاونته . قال مالك : دعه وما يراد منه ، ينتقم اللّه من الظّالم بظالمٍ ، ثمّ ينتقم من كليهما . وينصّ الشّافعيّة على من خرجوا على الإمام - ولو جائراً - يجب على المسلمين إعانته ممّن قرب منهم ، حتّى تبطل شوكتهم . ويدلّ على وجوب معونة الإمام لدفع البغاة ما رواه عبد اللّه بن عمرٍو رضي الله عنهما قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : { من أعطى إماماً صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع ، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر } ولأنّ كلّ من ثبتت إمامته وجبت طاعته ، للحديث السّابق { يخرج قوم في آخر الزّمان ... } . شروط قتال البغاة وما يتميّز به : 13 - إذا لم يجد مع البغاة النّصح ، ولم يستجيبوا للرّجوع إلى طاعة الإمام والدّخول في الجماعة ، أو لم يقلبوا الاستتابة - إن كانوا في قبضة الإمام - ورأوا مقاتلتنا وجب قتالهم . بشرط أن يتعرّضوا لحرمات أهل العدل ، أو يتعطّل جهاد المشركين بهم ، أو يأخذوا من حقوق بيت المال ما ليس لهم ، أو يمتنعوا من دفع ما وجب عليهم ، أو يتظاهروا على خلع الإمام الّذي انعقدت له البيعة . على ما قاله الماورديّ . وقال الرّمليّ : الأوجه وجوب قتالهم مطلقاً ، لأنّ ببقائهم - وإن لم يوجد ما ذكر - تتولّد مفاسد ، قد لا تتدارك ما داموا قد خرجوا عن قبضة الإمام وتهيّئوا للقتال . ولو اندفع شرّهم بما هو أهون وجب بقدر ما يندفع ، إذ يشترط لمقاتلتهم أن يتعيّن القتال لدفع شرّهم ، وإذا أمكن ذلك بمجرّد القول كان أولى من القتال . كيفيّة قتال البغاة : 14 - الأصل أنّ قتالهم إنّما يكون درءاً لتفريق الكلمة ، مع عدم التّأثيم ، لأنّهم متأوّلون ، ولذا فإنّ قتالهم يفترق عن قتال الكفّار بأحد عشر وجهاً : أن يقصد بالقتال ردعهم لا قتلهم ، وأن يكفّ عن مدبرهم ، ولا يجهز على جريحهم ، ولا تقتل أسراهم ، ولا تغنم أموالهم ، ولا تسبى ذراريّهم ، ولا يستعان عليهم بمشركٍ ، ولا يوادعهم على مالٍ ، ولا تنصب عليهم العرّادات ( المجانيق ونحوها ) ، ولا تحرّق مساكنهم ، ولا يقطع شجرهم . وإذا تحيّز البغاة إلى جهةٍ مجتمعين ، أو إلى جماعةٍ ولم يمكن دفع شرّهم إلاّ بالقتال ، حلّ قتالهم حتّى يتفرّق جمعهم ، ولو أمكن دفع شرّهم بالحبس بعدما تأهّبوا فعل ذلك ، إذ الجهاد معهم واجب بقدر ما يندفع به شرّهم على ما سبق . وقد قاتل عليّ رضي الله عنه أهل حروراء بالنّهروان بحضرة الصّحابة ، تصديقاً لقوله عليه الصلاة والسلام له { أنا أقاتل على تنزيل القرآن ، وعليّ يقاتل على تأويله } والقتال مع التّأويل هو القتال مع البغاة ، وذلك كقتال أبي بكرٍ رضي الله عنه مانعي الزّكاة . وإذا قاتلهم الإمام فهزمهم ، وولّوا مدبرين ، وأمن جانبهم ، أو تركوا القتال بإلقاء السّلاح أو بالهزيمة أو بالعجز ، لجراحٍ أو أسيرٍ ، فإنّه لا يجوز لأهل العدل أن يتّبعوهم ، ولا يجهزوا على جريحهم ، ولا يقلتوا أسيرهم ، لوقوع الأمن عن شرّهم ، ولا تسبى لهم ذرّيّة ، ولا يقسم له مال ، لقول عليٍّ رضي الله عنه لا يقتل بعد الهزيمة مقبل ولا مدبر ، ولا يفتح باب ، ولا يستحلّ فرج ولا مال بل قال لهم : من اعترف شيئاً فليأخذه ، أي من عرف من البغاة متاعه استردّه ، وقال يوم الجمل : لا تتّبعوا مدبراً ، ولا تجهزوا على جريحٍ ، ولا تقتلوا أسيراً ، وإيّاكم والنّساء ، ولأنّ قتالهم للدّفع والرّدّ إلى الطّاعة دون القتل . ويقول ابن قدامة : أمّا غنيمة أموالهم وسبي ذرّيّتهم فلا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافاً ، لأنّهم معصومون ، وإنّما أبيح من دمائهم وأموالهم ما حصل من ضرورة دفعهم وقتالهم ، وما عداه يبقى على أصل التّحريم . وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا كانت لهم فئة بعيدة ينحازون إليها ، ولا يتوقّع في العادة مجيئها إليهم والحرب قائمة ، وغلب على الظّنّ عدم وصولها لهم ، فإنّه لا يقاتل مدبرهم ، ولا يجهز على جريحهم ، لأمن غائلته إلاّ إذا كان متحرّفاً لقتالٍ . وأمّا إذا كان لهم فئة قريبة تسعفهم عادةً ، والحرب قائمة ، فإنّه يجوز اتّباعهم والإجهاز على جريحهم . أو كانت لهم فئة بعيدة يتوقّع في العادة مجيئها إليهم والحرب قائمة ، وغلب على الظّنّ ذلك فالمتّجه أن يقاتل . وقريب منه ما ذهب إليه المالكيّة ، فقد صرّحوا بأنّه إذا أمن جانبهم بالظّهور عليهم ، لم يتبع منهزمهم ، ولم يذفّف على جريحهم . أمّا الحنابلة فينصّون على أنّ أهل البغي إذا تركوا القتال ، بالرّجوع إلى الطّاعة ، أو بإلقاء السّلاح ، أو بالهزيمة إلى فئةٍ ، أو إلى غير فئةٍ ، أو بالعجز لجراحٍ أو مرضٍ أو أسرٍ فإنّه يحرم قتلهم واتّباع مدبرهم . وساق ابن قدامة الآثار الواردة في النّهي عن قتل المدبر والإجهاز على الجريح وقتل الأسير ، وهي عامّة . ثمّ قال : لأنّ المقصود كفّهم وقد حصل ، فلم يجز قتلهم كالصّائل ، ولا يقتلون لما يخاف في التّالي - إن كان لهم فئة - كما لو لم تكن لهم فئة . أمّا الحنفيّة : فقد نصّوا على أنّه إذا كانت لهم فئة ينحازون إليها - مطلقاً - فإنّه ينبغي لأهل العدل أن يقتلوا مدبرهم ، ويجهزوا على جريحهم ، لئلاّ ينحازوا إلى الفئة ، فيمتنعوا بها ، فيكرّوا على أهل العدل . والمعتبر في جواز القتل أمارة قتالهم لا حقيقته ، ولأنّ قتلهم إذا كان لهم فئة ، لا يخرج عن كونه دفعاً ، لأنّه يتحيّز إلى الفئة ويعود شرّه كما كان . وقالوا : إنّ ما قاله عليّ رضي الله عنه على تأويل إذا لم تكن لهم فئة . المرأة المقاتلة من أهل البغي : 15 - ذهب جمهور الفقهاء ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) إلى أنّ المرأة من البغاة - إن كانت تقاتل - فإنّها تحبس ، ولا تقتل إلاّ في حال مقاتلتها ، وإنّما تحبس للمعصية ، ولمنعها من الشّرّ والفتنة . وقال المالكيّة : إن لم يكن قتالهنّ إلاّ بالتّحريض والرّمي بالحجارة ، فإنّهنّ لا يقتلن . أموالهم بالنّسبة لاغتنامها وإتلافها وضمانها : 16 - اتّفق الفقهاء على أنّ أموال البغاة لا تغنم ، ولا تقسّم ، ولا يجوز إتلافها ، وإنّما يجب أن تردّ إليهم . لكن ينبغي أن يحبس الإمام أموالهم دفعاً لشرّهم بكسر شوكتهم حتّى يتوبوا ، فيردّها إليها لاندفاع الضّرورة ، ولأنّها لا استغنام فيها ، وإذا كان في أموالهم خيل ونحوها - ممّا يحتاج في حفظه إلى إنفاقٍ - كان الأفضل بيعه وحبس ثمنه . وفي ضمان إتلاف مالهم كلام . فإنّ العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله حال القتال بسبب القتال أو ضرورته لا يضمن ، إذ لا يمكن أن يقتلهم إلاّ بإتلاف شيءٍ من أموالهم كالخيل ، فيجوز عقر دوابّهم إذا قاتلوا عليها ، وإذا كانوا لا يضمنون الأنفس فالأموال أولى . أمّا في غير حال القتال وضرورته فلا تحرّق مساكنهم ، ولا يقطع شجرهم ، لأنّ الإمام إذا ظفر لهم بمالٍ حال المقاتلة فإنّه يحبسه حتّى يردّ إليهم ، فلا تؤخذ أموالهم ، لأنّ مواريثهم قائمة ، وإنّما قوتلوا بما أحدثوا من البدع ، فكان ذلك كالحدّ يقام عليهم . وقيّد الماورديّ الضّمان بما إذا كان الإتلاف خارج القتال بقصد التّشفّي والانتقام ، أمّا إذا كان لإضعافهم أو هزيمتهم فلا ضمان . واستظهر الزّيلعيّ وابن عابدين حمل الضّمان على ما قبل تحيّزهم وخروجهم ، أو بعد كسرهم وتفرّق جمعهم . ما أتلفه أهل العدل للبغاة : 17 - نقل الزّيلعيّ عن المرغينانيّ : أنّ العادل إذا أتلف نفس الباغي أو ماله لا يضمن ولا يأثم ، لأنّه مأمور بقتالهم دفعاً لشرّهم . وفي المحيط : إذا أتلف مال الباغي يؤخذ بالضّمان ، لأنّ مال الباغي معصوم في حقّنا ، وأمكن إلزام الضّمان ، فكان في إيجابه فائدة ما أتلفه البغاة لأهل العدل : 18 - إذا أتلف أهل البغي لأهل العدل مالاً فلا ضمان عليهم ، لأنّهم طائفة متأوّلة فلا تضمن كأهل العدل ، ولأنّه ذو منعةٍ في حقّنا ، وأمّا الإثم فإنّه لا منعة له في حقّ الشّارع ، ولأنّ تضمينهم يفضي إلى تنفيرهم عن الرّجوع إلى الطّاعة ، لما رواه عبد الرّزّاق بإسناده عن الزّهريّ ، أنّ سليمان بن هشامٍ كتب إليه يسأله عن امرأةٍ خرجت من عند زوجها ، وشهدت على قومها بالشّرك ، ولحقت بالحروريّة فتزوّجت ، ثمّ إنّها رجعت إلى أهلها تائبةً ، قال فكتب إليه : أمّا بعد ، فإنّ الفتنة الأولى ثارت ، وأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم - ممّن شهد بدراً - كثير ، فاجتمع رأيهم على ألاّ يقيموا على أحدٍ حدّاً في فرجٍ استحلّوه بتأويل القرآن ، ولا قصاصاً في دمٍ استحلّوه بتأويل القرآن ، ولا يردّ مال استحلّوه بتأويل القرآن ، إلاّ أن يوجد شيء بعينه فيردّ على صاحبه ، وإنّي أرى أن تردّ إلى زوجها ، وأن يحدّ من افترى عليها . وفي قولٍ للشّافعيّ : يضمنون ، لقول أبي بكرٍ تدون قتلانا ، ولا ندي - من الدّية - قتلاكم ولأنّها نفوس وأموال معصومة أتلفت بغير حقٍّ ولا ضرورة دفع مباحٍ ، فوجب ضمانه ، كالّتي أتلفت في غير حال الحرب . وإذا تاب البغاة ورجعوا أخذ منهم ما وجد بأيديهم من أموال أهل الحقّ ، وما استهلكوه لم يتبعوا به ، ولو كانوا أغنياء ، لأنّهم متأوّلون . وإذا قتل الباغي أحداً من أهل العدل في غير المعركة يقتل به ، لأنّه قتل بإشهار السّلاح والسّعي في الأرض بالفساد كقاطع الطّريق ، وقيل : لا يتحتّم قتله ، وهو الصّحيح عند الحنابلة : لقول عليٍّ رضي الله عنه : إن شئت أن أعفو ، وإن شئت استقدت . التّمثيل بقتلى البغاة : 19 - التّمثيل بقتلى البغاة مكروه تحريماً عند الحنفيّة ، حرام عند المالكيّة ، أمّا نقل رءوسهم ، فقد قال الحنفيّة : يكره أخذ رءوسهم ، فيطاف بها في الآفاق ، لأنّه مثلة . وجوّزه بعض متأخّري الحنفيّة ، إذا كان فيه طمأنينة قلوب أهل العدل ، أو كسر شوكة البغاة . وجوّز المالكيّة رفع رءوس قتلى البغاة في محلّ قتلهم . أسرى البغاة : 20 - أسرى البغاة يعاملون معاملةً خاصّةً ، لأنّ قتالهم كان لمجرّد دفع شرّهم ، فلا يستباح دمهم إلاّ بقدر ما يدفع القتال ، ولذا فإنّهم لا يقتلون إذا لم تكن لهم فئة اتّفاقاً ، للتّعليل السّابق ، ولذا لا يسترقّون مطلقاً ، سواء أكانت لهم فئة أم لا اتّفاقاً ، لأنّهم أحرار مسلمون ، ولا تسبى لهم نساء ولا ذرّيّة . أمّا إن كانت لهم فئة ، فقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّهم لا يقتلون أيضاً . غير أنّ عبد الملك من المالكيّة قال : إن أسر منهم أسير وقد انقطعت الحرب لا يقتل ، وإن كانت الحرب قائمةً فللإمام قتله ، إذا خاف منه الضّرر . وفي بعض كتب المالكيّة : أنّه إذا أسر بعد انقضاء الحرب يستتاب ، فإن لم يتب قتل ، وقيل : يؤدّب ولا يقتل . وقال الشّافعيّة : إن قتله ضمنه بالدّية ، لأنّه بالأسر صار محقون الدّم ، وقيل : فيه قصاص . وقيل : لا قصاص فيه ، لأنّ أبا حنيفة يجيز قتله فصار ذلك شبهةً . وإن كان أسير بالغاً فدخل في الطّاعة أطلقه ، وإن لم يدخل في الطّاعة حبسه إلى أن تنتهي الحرب . وإن كان عبداً أو صبيّاً لم يحبس ، لأنّه ليس من أهل البيعة ، وقال بعض الشّافعيّة : يحبس لأنّ في حبسه كسراً لقلوبهم . وهذا ما قاله الحنابلة . وقال الحنفيّة : إذا كانت للأسير فئة ، فالإمام بالخيار إن شاء قتله ، وإن شاء حبسه دفعاً لشرّه بقدر الإمكان ، ويحكم الإمام بنظره فيما هو أحسن في كسر الشّوكة . فداء الأسرى : 21 - نصّ الفقهاء على جواز فداء أسارى أهل العدل بأسارى البغاة ، وقالوا : إن قتل أهل البغي أسرى أهل العدل لم يجز لأهل العدل قتل أسراهم ، لأنّهم لا يقتلون بجناية غيرهم ، وإن أبى البغاة مفاداة الأسرى الّذين معهم وحبسوهم ، قال ابن قدامة : احتمل أن يجوز لأهل العدل حبس من معهم ليتوصّلوا إلى تخليص أسراهم بذلك ، ويحتمل ألاّ يجوز حبسهم ، ويطلقون ، لأنّ الذّنب في حبس أسارى أهل العدل لغيرهم . وتفصيل الكلام عن أسرى البغاة في مصطلح ( أسرى ) . ( موادعة البغاة ) : 22 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا يجوز موادعة البغاة على مالٍ . فإن وادعهم الإمام على مالٍ بطلت الموادعة . ولو طلبوا الموادعة - أي الصّلح على ترك المقاتلة بغير مالٍ - أجيبوا إليها إن كان ذلك خيراً . فإن بان له أنّ قصدهم الرّجوع إلى الطّاعة ومعرفة الحقّ أمهلهم . وقال ابن المنذر : أجمع على هذا كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم . فإن كان قصدهم الاجتماع على قتاله وانتظار مددٍ ، أو ليأخذوا الإمام على غرّةٍ عاجلهم ولم ينظرهم . وإذا وقعت الموادعة فأعطى كلّ فريقٍ رهناً على أيّهما غدر يقتل الآخرون الرّهن ، فغدر أهل البغي وقتلوا الرّهن ، لا يحلّ لأهل العدل قتل الرّهن ، بل يحبسونهم حتّى يهلك أهل البغي أو يتوبوا ، لأنّهم صاروا آمنين بالموادعة ، أو بإعطائه الأمان لهم حين أخذناهم رهناً . والغدر من غيرهم لا يؤاخذون به ، لكنّهم يحبسون مخافة أن يرجعوا إلى فئتهم فيكونون لهم قوّةً تغريهم على المقاتلة . 23 - وإن بذل البغاة لأهل العدل رهائن على إنظارهم لم يجز أخذها لذلك ، لأنّ الرّهائن لا يجوز قتلهم لغدر أهلهم ، وإن كان في أيديهم أسرى من أهل العدل ، وأعطوا بذلك رهائن منهم قبلهم الإمام ، واستظهر لأهل العدل . فإن أطلقوا أسرى أهل العدل الّذين عندهم أطلق رهائنهم . وإن قتلوا من عندهم لم يجز قتل رهائنهم ، لأنّهم لا يقتلون بقتل غيرهم ، لأنّهم صاروا آمنين . فإذا انقضت الحرب خلّي الرّهائن كما تخلّى الأسرى منهم . من لا يجوز قتله من البغاة : 24 - يتّفق الفقهاء على أصل قاعدةٍ : أنّ من لا يجوز قتله من أهل الحرب - كالنّساء والشّيوخ والصّبيان والعميان - لا يجوز قتله من البغاة ما لم يقاتلوا ، لأنّ قتلهم لدفع شرّ قتالهم ، فيختصّ ذلك بأهل القتال . وهؤلاء ليسوا من أهل القتال عادةً ، فلا يقتلون إلاّ إذا قاتلوا ولو بالتّحريض ، لوجود القتال من حيث المعنى ، فيباح قتلهم إلاّ الصّبيّ والمعتوه . فالأصل أنّهما لا يقصدان القتل . فيحلّ قتلهما حال القتال إن قاتلا حقيقةً أو معنًى . أمّا الحنفيّة ، فعلى مذهبهم في تخيير الإمام بين قتل أسرى البغاة أو حبسهم ، يرون جواز قتل من قاتل أو حرّض من الشّيوخ ونحوهم ، فيقتلون حال القتال أو بعد الفراغ منه . لكن لا يقتل الصّبيّ والمعتوه بعد الفراغ من القتال ، لأنّ القتل بعد الفراغ والأسر بطريق العقوبة ، وهما ليسا من أهل العقوبة . وأمّا قتلهما حال الحرب فدفعاً لشرّهم كدفع الصّائل . وقال الحنابلة : إن حضر مع البغاة عبيد ونساء وصبيان قوتلوا مقبلين ، وتركوا مدبرين كغيرهم من الأحرار والذّكور البالغين ، لأنّ قتالهم للدّفع ، ولو أراد أحد هؤلاء قتل إنسانٍ جاز دفعه وقتاله . وقد نصّ المالكيّة على أنّ البغاة لو تترّسوا بذرّيّتهم تركوا ، إلاّ أن يترتّب على تركهم تلف أكثر المسلمين . حضور من لا يقاتل من القادرين على القتال مع البغاة : 25 - إذا حضر مع البغاة من لا يقاتل - برغم قدرته على القتال - لم يجز أن يقصد بالقتل ، لأنّ القصد من قتالهم كفّهم ، وهذا قد كفّ نفسه لقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم } فإنّه يدلّ على تحريم قتل المؤمن عمداً على وجه العموم ، وإنّما خصّ من ذلك ما حصل ضرورة دفع الباغي والصّائل ، ففيما عداه يبقى على العموم ، فمن لا يقاتل تورّعاً عنه - مع قدرته عليه - ولا يخاف منه القتال بعد ذلك ، وهو مسلم لا يحتاج لدفعٍ فلا يحلّ دمه . وفي وجهٍ عند الشّافعيّة يجوز قتله ، لأنّ عليّاً نهاهم عن قتل محمّدٍ السّجّاد بن طلحة بن عبيد اللّه ولم يكن يقاتل ، وإنّما كان يحمل راية أبيه ، فقتله رجل وأنشد شعراً ، فلم ينكر عليّ قتله ، ولأنّه صار ردءاً لهم . حكم قتال المحارم من البغاة : 26 - اتّفق الفقهاء في الجملة على عدم جواز قتل العادل لذي رحمه المحرّم من أهل البغي ، وقصر المالكيّة ذلك على الأبوين فقط . بل منهم من قال بجواز قتل أبويه ، وكذا في روايةٍ عند الحنابلة ذكرها القاضي . ومنهم من صرّح بالكراهة ، وهو الأصحّ لقوله تعالى : { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدّنيا معروفاً } ولما روى الشّافعيّ أنّ { النّبيّ صلى الله عليه وسلم كفّ أبا حذيفة بن عتبة عن قتل أبيه } . وصرّح بعضهم بعدم الحلّ ، لأنّ اللّه أمر بالمصاحبة بالمعروف ، والأمر يقتضي الوجوب . وللفقهاء تفصيل وأدلّة . يقول الحنفيّة : لا يجوز للعادل أن يبتدئ بقتل ذي رحمٍ محرمٍ من أهل البغي مباشرةً ، إذ اجتمع فيه حرمتان : حرمة الإسلام وحرمة القرابة . وإذا أراد الباغي قتل العادل فله أن يدفعه ، وإن كان لا يندفع إلاّ بالقتل فيجوز له أن يتسبّب ليقتله غيره ، لأنّ الإسلام في الأصل عاصم : { فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم ... } والباغي مسلم ، إلاّ أنّه أبيح قتل غير ذي الرّحم المحرّم من أهل البغي لدفع شرّهم ، لا لشركهم ، ودفع الشّرّ يحصل بالدّفع والتّسبّب ليقتله غيره . وقال المالكيّة : كره للرّجل قتل أبيه الباغي ، ومثل أبيه أمّه ، بل هي أولى ، لما جبلت عليه من الحنان والشّفقة ، ولا يكره قتل جدّه وأخيه وابنه . وقال ابن سحنونٍ : ولا بأس أن يقتل الرّجل في قتال البغاة أخاه وقرابته ، فأمّا الأب وحده فلا أحبّ قتله عمداً ، وروى ابن عبد السّلام جواز قتل الابن الباغي ، وهو غير المشهور . وقال الشّافعيّة : يكره أن يقصد قتل ذي رحمٍ محرمٍ ، كما يكره في قتال الكفّار ، فإن قاتله لم يكره . وقال الحنابلة : الأصحّ كراهة قتل ذي الرّحم المحرّم الباغي ، ونقل ابن قدامة عن القاضي أنّه لا يكره ، لأنّه قتل بحقٍّ ، فأشبه إقامة الحدّ عليه . إرث العادل من الباغي الّذي قتله والعكس : 27 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة - وهو قول لأبي بكرٍ من الحنابلة - إلى أنّ العادل إذا قتل قريبه الباغي ورثه ، لأنّه قتل بحقٍّ ، فلم يمنع الميراث كالقصاص ، ولأنّ قتل الباغي واجب ، ولا إثم على القاتل بقتله ، ولا يجب الضّمان عليه . فكذا لا يحرم من الإرث . وكذا لو قتل الباغي ذا رحمه العادل عند المالكيّة وأبي بكرٍ من الحنابلة ، لقولهم " ومواريثهم قائمة » . أمّا الحنفيّة فقالوا : لو قتل الباغي قريبه العادل وقال : أنا على حقٍّ ورثه عند أبي حنيفة ومحمّدٍ ، خلافاً لأبي يوسف . وإن قال : قتلته وأنا على الباطل لا يرث اتّفاقاً بين الإمام وصاحبيه . واستدلّ - أبو حنيفة - بأنّه أتلف ما أتلف عن تأويلٍ فاسدٍ ، والفاسد منه ملحق بالصّحيح إذا انضمّت إليه منعة ، وهو إن كان فاسداً في نفسه فإنّه يسقط به الضّمان ، فكذا لا يوجب الحرمان ، كما أنّ التّأويل في اعتقاده هو صحيح . وذهب الشّافعيّة ، وهو قول ابن حامدٍ من الحنابلة إلى أنّه لا يرث لعموم حديث : { ليس لقاتلٍ شيء } وكذا بالنّسبة للباغي إذا قتل العادل ، ونصّ الشّافعيّة : لا يرث قاتل من مقتوله مطلقاً . ما يجوز قتال البغاة به : 28 - يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة قتال البغاة - إذا تحصّنوا - بكلّ ما يقاتل به أهل الحرب ، بالسّيف والرّمي بالنّبل وبالمنجنيق والحريق والتّغريق ، وقطع الميرة ( المؤن ) والماء عنهم ، وكذا إذا فعل البغاة معهم مثل ذلك ، لأنّ قتالهم لدفع شرّهم وكسر شوكتهم ، فيقاتلون بكلّ ما يحصل به ذلك . وقال المالكيّة : إلاّ أن يكون فيهم نسوة أو ذراريّ ، فلا نرميهم بالنّار . وقال الشّافعيّة والحنابلة بعدم جواز قتالهم بالنّار والرّمي بالمنجنيق ، ولا بكلّ عظيمٍ يعمّ ، كالتّغريق وإرسال سيولٍ جارفةٍ ، ولا يجوز محاصرتهم وقطع الطّعام والشّراب عنهم إلاّ لضرورةٍ ، بأن قاتلوا به ، أو أحاطوا بنّا ولم يندفعوا إلاّ به ، ويكون فعل ذلك بقصد الخلاص منهم لا بقصد قتلهم ، لأنّه لا يجوز قتل من لا يقاتل ، وما يعمّ إتلافه يقع على من يقاتل ومن لا يقاتل . مقاتلة البغاة بسلاحهم الّذي في أيدينا : 29 - يجوز عند الحنفيّة والمالكيّة ، وهو وجه عند الحنابلة ، قتالهم بسلاحهم وخيلهم وكلّ أدوات القتال الّتي استولينا عليها منهم ، إن احتاج أهل العدل إلى هذا ، لأنّ عليّاً رضي الله عنه قسّم ما استولى عليه من سلاح البغاة بين أصحابه بالبصرة ، وكانت قسمةً للحاجة لا للتّمليك ، ولأنّ للإمام أن يفعل ذلك في مال أهل العدل عند الحاجة ، ففي مال الباغي أولى . ونقل ابن قدامة عن القاضي أنّ أحمد أومأ إلى جواز الانتفاع به حال التحام الحرب ، ومنعه في غير قتالهم ، لأنّ هذه الحالة يجوز فيها إتلاف نفوسهم ، وحبس سلاحهم وكراعهم ، فجاز الانتفاع به كسلاح أهل الحرب . وقال أبو الخطّاب : في هذه المسألة وجهان . أمّا الشّافعيّة ، وهو الوجه الآخر عند الحنابلة الّذي ذكره أبو الخطّاب ، فيرون أنّه لا يجوز لأحدٍ استعمال شيءٍ ممّا استولينا عليه من سلاح البغاة وخيلهم إلاّ لضرورةٍ ، ويلزم دفع أجرة المثل لهم ، كمضطرٍّ لأكل طعام غيره يلزمه ثمنه ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : { لا يحلّ مال امرئٍ مسلمٍ إلاّ بطيب نفسٍ منه } ولأنّ من لا يجوز أخذ ماله لم يجز الانتفاع بماله من غير إذنه ومن غير ضرورةٍ ، ولأنّ الإسلام عصم أموالهم ، وإنّما أبيح قتالهم لردّهم إلى الطّاعة ، فيبقى المال على عصمته ، ومتى انقضت الحرب وجب ردّه إليهم كسائر أموالهم ، ولا يردّ إليهم قبل ذلك لئلاّ يقاتلونا به . الاستعانة في قتالهم بالمشركين : 30 - اتّفق المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة على تحريم الاستعانة بالكفّار في قتال البغاة ، لأنّ القصد كفّهم لا قتلهم ، والكفّار لا يقصدون إلاّ قتلهم ، وإن دعت الحاجة إلى الاستعانة بهم ، فإن كان من الممكن القدرة على كفّ هؤلاء الكفّار المستعان بهم جاز ، وإن لم يقدر لم يجز . كما نصّ الشّافعيّة والحنابلة على أنّه لا يجوز الاستعانة على قتالهم بمن يرى من أهل العدل ( وهم فقهاء الحنفيّة ) قتل البغاة وهم مدبرون ، على ما سبق بيانه . ويتّفق الحنفيّة مع الجمهور في أنّه لا يحلّ الاستعانة بأهل الشّرك إذا كان حكم أهل الشّرك ، هو الظّاهر ، أمّا إذا كان حكم أهل العدل هو الظّاهر فلا بأس بالاستعانة بالذّمّيّين وصنفٍ من البغاة ، ولو لم تكن هناك حاجة ، لأنّ أهل العدل يقاتلون لإعزاز الدّين ، والاستعانة على البغاة بهم كالاستعانة عليهم بأدوات القتال . قتلى معارك البغاة وحكم الصّلاة عليهم : 31 - من قتل من أهل العدل كان شهيداً ، لأنّه قتل في قتالٍ أمر اللّه به ، وذلك بقوله جلّ شأنه : { فقاتلوا الّتي تبغي } ولا يغسّل ، ولا يصلّى عليه ، لأنّه شهيد معركةٍ أمر بالقتال فيها ، فأشبه شهيد معركة الكفّار . وفي روايةٍ عند الحنابلة : يغسّل ويصلّي عليه ، وهو قول الأوزاعيّ وابن المنذر ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : { صلّوا على من قال لا إله إلاّ اللّه } واستثنى قتيل الكفّار في المعركة ، ففيما عداه يبقى على الأصل . أمّا قتلى البغاة ، فمذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : أنّهم يغسّلون ويكفّنون ويصلّى عليهم ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : { صلّوا على من قال : لا إله إلاّ اللّه } ولأنّهم مسلمون لم يثبت لهم حكم الشّهادة ، فيغسّلون ويصلّى عليهم . ومثله الحنفيّة ، سواء أكانت لهم فئة ، أم لم تكن لهم فئة على الرّأي الصّحيح عندهم . وقد روي : أنّ عليّاً رضي الله عنه لم يصلّ على أهل حروراء ، ولكنّهم يغسّلون ويكفّنون ويدفنون . ولم يفرّق الجمهور بين الخوارج وغيرهم من البغاة في حكم التّغسيل والتّكفين والصّلاة . تقاتل أهل البغي : 32 - إن اقتتل فريقان من أهل البغي ، فإن قدر الإمام على قهرهما ، لم يعاون واحداً منهما ، لأنّ الفريقين على خطأٍ ، وإن لم يقدر على قهرهما ، ولم يأمن أن يجتمعا على قتاله ، ضمّ إلى نفسه أقربهما إلى الحقّ . فإن استويا في ذلك اجتهد رأيه في ضمّ أحدهما ، ولا يقصد بذلك معاونته على الآخر ، بل يقصد الاستعانة به على الآخر ، فإذا انهزم الآخر لم يقاتل الّذي ضمّه إلى نفسه حتّى يدعوه إلى الطّاعة ، لأنّه بالاستعانة به حصل على الأمان ، نصّ على هذا الشّافعيّة والحنابلة . ولم يوجد فيما رجعنا إليه من كتب الحنفيّة والمالكيّة حكم هذه الصّورة . وجاء في كتب الحنفيّة : لو قتل باغٍ مثله عمداً في عسكرهم ، ثمّ ظهر أهل العدل على البغاة ، فلا شيء على القاتل ، لكون المقتول مباح الدّم ، إذ لو قتله العادل لا يجب عليه شيء ، فلا يجب على الباغي القاتل دية ولا قصاص ، ولا إثم عليه أيضاً ، ولأنّه لا ولاية لإمام العدل حين القتل ، فلم ينعقد موجباً للجزاء ، كالقتل في دار الحرب . وقالوا : لو غلب أهل البغي على بلدٍ ، فقاتلهم آخرون من أهل البغي ، فأرادوا أن يسبوا ذراريّ أهل المدينة ، وجب على أهل البلد أن يقاتلوا دفاعاً عن ذراريّهم . وقال الحنفيّة أيضاً : لو قتل تاجر من أهل العدل تاجراً آخر من أهل العدل في عسكر أهل البغي ، أو قتل الأسير من أهل العدل أسيراً آخر ، ثمّ ظهر عليه فلا قصاص عليه ، لأنّ الفعل لم يقع موجباً للجزاء ، لتعذّر الاستيفاء وانعدام الولاية ، كما لو فعل ذلك في دار الحرب ، لأنّ عسكر أهل البغي في حقّ انقطاع الولاية ودار الحرب سواء . استعانة البغاة بالكفّار : 33 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا استعان البغاة بالحربيّين وأمّنوهم ، أو عقدوا لهم ذمّةً ، لم يعتبر الأمان بالنّسبة لنا إن ظفرنا بهم ، لأنّ الأمان من شرط صحّته إلزام كفّهم عن المسلمين ، وهؤلاء يشترطون عليهم قتال المسلمين ، فلا يصحّ الأمان لهم . ولأهل العدل قتالهم ، وحكم أسرهم في يد أهل العدل حكم الأسير الحربيّ . أمّا ما إذا استعان البغاة بالمستأمنين ، فمتى أعانوهم كانوا ناقضين للعهد ، وصاروا كأهل الحرب ، لأنّهم تركوا الشّرط ، وهو كفّهم عن المسلمين ، وعهدهم مؤقّت بخلاف الذّمّيّين ، فإن فعلوا ذلك مكرهين ، وكانت لهم منعة ، لم ينتقض عهدهم . وإن استعانوا بأهل الذّمّة فأعانوهم ، وقاتلوا معهم ، فعند الشّافعيّة والحنابلة وجهان : أحدهما : ينتقض عهدهم ، لأنّهم قاتلوا أهل الحقّ فينتقض عهدهم ، كما لو انفردوا بقتالهم ، وعلى هذا يكونون كأهل الحرب ، فيقتلون مقبلين ومدبرين ، ويجهز على جريحهم ، ويسترقّون ، وغير ذلك من أحكام قتال الحربيّين . والوجه الثّاني : أنّه لا ينقض عهدهم ، لأنّ أهل الذّمّة لا يعرفون المحقّ من المبطل ، فيكون ذلك شبهةً لهم . وعلى هذا يكونون كأهل البغي في الكفّ عن قتل أسرهم ومدبرهم وجريحهم . والحنفيّة والمالكيّة يتّفقون مع الشّافعيّة والحنابلة في أنّ معونة الذّمّيّين للبغاة استجابة لطلبهم لا تنقض عهد الذّمّة ، كما أنّ هذا الفعل من أهل البغي ليس نقضاً للأمان . فالّذين انضمّوا إليهم من أهل الذّمّة لم يخرجوا من أن يكونوا ملتزمين حكم الإسلام في المعاملات ، وأن يكونوا من أهل الدّار . وإن أكرههم البغاة على معونتهم لم ينقض عهدهم - قولاً واحداً - ويقبل قولهم ، لأنّهم تحت أيديهم وقدرتهم . ونصّ الحنفيّة على أنّهم يأخذون حكم البغاة ، وأطلقوا هذه العبارة ممّا يفيد أنّهم كالبغاة في عدم ضمان ما أتلفوه لأهل العدل أثناء القتال ، وهو ما صرّح به المالكيّة ، إذ قالوا بالنّسبة للذّمّيّ الخارج مع البغاة المتأوّلين استجابةً لطلبهم : لا يضمن نفساً ولا مالاً . لكنّ الشّافعيّة والحنابلة نصّوا على أنّهم يضمنون ما أتلفوا على أهل العدل حال القتال وغيره ، إذ لا تأويل لهم . إعطاء الأمان للباغي من العادل : 34 - صرّح الحنفيّة أنّه إذا أمّن رجل من أهل العدل رجلاً من أهل البغي جاز أمانه ، لأنّه ليس أعلى شقاقاً من الكافر الّذي يجوز إعطاء الأمان له . فكذا هذا ، بل هو أولى وأحقّ ، لأنّه مسلم ، وقد يحتاج إلى مناظرته ليتوب ، ولا يتأتّى ذلك ما لم يأمن كلّ الآخر . ولو دخل باغٍ بأمانٍ ، فقتله عادل عمداً ، لزمته الدّية . تصرّفات إمام البغاة إذا استولى البغاة على بلدٍ في دار الإسلام ، ونصّبوا لهم إماماً ، وأحدث الإمام تصرّفاتٍ باعتباره حاكماً ، كالجباية من جمع الزّكاة والعشور والجزية والخراج ، واستيفاء الحدود والتّعازير وإقامة القضاة ، فهل تنفذ هذه التّصرّفات ، وتترتّب عليها آثارها في حقّ أهل العدل ؟ بيان ذلك فيما يأتي : أ - جباية الزّكاة والجزية والعشور والخراج : 35 - ذهب الفقهاء إلى أنّ ما جباه أهل البغي من البلاد الّتي غلبوا عليها ، من الزّكاة والجزية والعشور والخارج ، يعتدّ به ، لأنّ ما فعلوه أو أخذوه كان بتأويلٍ سائغٍ ، فوجب إمضاؤه ، كالحاكم إذا حكم بما يسوغ الاجتهاد فيه ، ولا حرج على النّاس في دفع ذلك إليهم ، فقد كان ابن عمر إذا أتاه ساعي نجدة الحروريّ دفع إليه زكاته ، وكذلك سلمة بن الأكوع . وليس لإمام أهل العدل إذا ظهر على هذه البلاد أن يطالب بشيءٍ ممّا جبوه ، ولا يرجع به على من أخذ منه ، وقد روي نحو هذا عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع ، ولأنّ ولاية الأخذ كانت له باعتبار الحماية ، ولم يحمهم ، ولأنّ في ترك الاحتساب بها ضرراً عظيماً ومشقّةً كبيرةً ، فإنّهم قد يغلبون على البلاد السّنين الكثيرة ، فلو لم يحتسب ما أخذوه ، أدّى إلى أخذ الصّدقات منهم عن كلّ تلك المدّة . وقال أبو عبيدٍ : على من أخذوا منه الزّكاة الإعادة ، لأنّه أخذها من لا ولاية له صحيحة ، فأشبه ما لو أخذها آحاد الرّعيّة . وذهب فقهاء الحنفيّة إلى أنّه إذا كان إمام أهل البغي صرف ما أخذه في مصرفه أجزأ من أخذ منه ، ولا إعادة عليه ، لوصول الحقّ إلى مستحقّه . وإن لم يكن صرفه في حقّه فعلى من أخذ منهم أن يعيدوا دفعه فيما بينهم وبين اللّه تعالى ، لأنّه لم يصل إلى مستحقّه . وقال الكمال ابن الهمام : قال المشايخ : لا إعادة على الأرباب في الخراج ، لأنّ البغاة مقاتلة ، وهم مصرف الخراج وإن كانوا أغنياء ، وكذلك في العشر إن كانوا فقراء ، أمّا إن كانوا أغنياء فقد أفتوا بالإعادة ، وذلك في زكاة الأموال كلّها . وقال الشّافعيّة والحنابلة : إن عاد بلد البغاة إلى أهل العدل ، فادّعى من عليه الزّكاة أنّه دفعها إلى أهل البغي قبل قوله . وفي استحلافه وجهان عند الشّافعيّة ، وقال أحمد : لا يستحلف النّاس على صدقاتهم . وإن ادّعى من عليه الجزية أنّه دفعها إليهم لم يقبل قوله ، لأنّها عوض ، فلم يقبل قوله في الدّفع ، كالمستأجر إذا ادّعى دفع الأجرة . وعند الحنابلة يحتمل قبول قولهم إذا مضى الحول ، لأنّ الظّاهر أنّ البغاة لا يدّعون الجزية لهم ، فكان القول قولهم ، لأنّ الظّاهر معهم ، ولأنّه إذا مضى لذلك سنون كثيرة شقّ عليهم إقامة البيّنة على مدّعيهم ، فيؤدّي ذلك إلى تغريمهم الجزية مرّتين . وإن ادّعى من عليه الخراج أنّه دفعه إليهم ، ففيه وجهان : أحدهما : يقبل قوله ، لأنّه مسلم ، فقبل قوله في الدّفع لمن عليه الزّكاة . والثّاني : لا يقبل ، لأنّ الخراج ثمن أو أجرة ، فلم يقبل قوله في الدّفع ، كالثّمن في البيع والأجرة في الإجارة . ويصحّ تفريقهم سهم المرتزقة على جنودهم ، لاعتقادهم التّأويل المحتمل ، فأشبه الحكم بالاجتهاد ، ولما في عدم الاعتداد به من الإضرار بالرّعيّة ، ولأنّ جندهم من جند الإسلام ، ورعب الكفّار قائم بهم ، وسواء أكانت الزّكاة معجّلةً أم لا ، واستمرّت شوكتهم على وجوبها أم لا ، وقيل : لا يعتدّ بتفرقتهم لئلاّ يتقوّوا به علينا ، وإن كان من عليه الخراج ذمّيّاً فهو كالجزية ، لأنّه عوض على غير المسلم . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية