الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41094" data-attributes="member: 329"><p>ب - قضاء البغاة وحكم نفاذه :</p><p>36 - لو ظهر أهل البغي على بلدٍ فولّوا فيه قاضياً من أهله ، وليس من أهل البغي صحّ اتّفاقاً ، وعليه أن يقيم الحدود . أمّا إن كان منهم ، فإذا ظهر أهل العدل على هذا البلد ، فرفعت أقضيته إلى قاضي أهل العدل نفذ منها ما هو عدل ، وكذا ما قضاه برأي بعض المجتهدين ، لأنّ قضاء القاضي في المجتهدات نافذ ، وإن كان مخالفاً لرأي قاضي أهل العدل . وقال المالكيّة : إذا كان الباغي متأوّلاً ، وأقام قاضياً ، فحكم بشيءٍ فإنّه ينفذ ، ولا تتصفّح أحكامه ، بل تحمل على الصّحّة ، ويرتفع بها الخلاف . قال الموّاق : هذا في ظاهر المذهب . أمّا غير المتأوّل فأحكامه تتعقّب . وقال ابن القاسم : لا يجوز قضاؤهم . وقال الشّافعيّة والحنابلة : إن كان ممّن يستبيح دماء أهل العدل وأموالهم لم تنفذ أحكامه ، لأنّ من شرط القضاء العدالة والاجتهاد ، وهذا ليس بعدلٍ ولا مجتهدٍ ، وإن كان ممّن لا يستبيح ذلك نفذ من حكمه ما ينفذ من حكم أهل العدل ، لأنّ لهم تأويلاً يسوغ فيه الاجتهاد ، فلم ينقض من حكمه ما يسوغ الاجتهاد فيه ، ولأنّه اختلاف في الفروع بتأويلٍ سائغٍ ، فلم يمنع صحّة القضاء ولم يفسق كاختلاف الفقهاء ، وإذا حكم بما لا يخالف إجماعاً نفذ حكمه ، وإن خالف الإجماع نقض ، وإن حكم بسقوط الضّمان عن أهل البغي فيما أتلفوه حال الحرب جاز حكمه ، لأنّه موضع اجتهادٍ ، وإن كان فيما أتلفوه قبل الحرب لم ينفذ ، لأنّه مخالف للإجماع ، وإن حكم على أهل العدل بالضّمان فيما أتلفوه حال الحرب لم ينفذ حكمه لمخالفته للإجماع ، وإن حكم عليهم بوجوب الضّمان فيما أتلفوه في غير حال الحرب نفذ حكمه .</p><p></p><p>ج - كتاب قاضي البغاة إلى قاضي أهل العدل :</p><p>37 - لا يقبل قاضي أهل العدل كتاب قاضي البغاة عند الحنفيّة ، لأنّهم فسقة . وعند الشّافعيّة والحنابلة : يجوز الحكم بكتابهم إلينا بسماع البيّنة في الأصحّ ، ويستحبّ عدم تنفيذه والحكم به ، استخفافاً بهم حيث لا ضرر على المحكوم له . فإن قبله جاز ، لأنّه ينفذ حكمه ، فجاز الحكم بكتابه ، كقاضي أهل العدل ، لأنّه حكم والحاكم من أهله . بل لو كان الحكم لواحدٍ منّا على واحدٍ منهم ، فالمتّجه وجوب التّنفيذ . وقيل : لا يجوز اعتبار كتابه ، لما فيه من إعلاءٍ لمنصبه . ولم نقف على نصٍّ للمالكيّة في هذا ، لكنّهم اشترطوا في القاضي الّذي يقبل كتابه : العدالة ، سواء أكان تولّى القضاء من قبل الوالي المتغلّب أو من قبل الكافر ، رعايةً لمصالح العباد ، ممّا يفيد جواز قبول كتاب قاضي أهل البغي .</p><p></p><p>د - إقامتهم للحدّ ، ووجوبه عليهم :</p><p>38 - الحدّ الّذي يقيمه إمام أهل البغي يقع موقعه ، ويكون مجزئاً ، ولا يعاد ثانياً على المحدود إن كان غير قتلٍ ، ولا دية عليه إن كان قتلاً ، لأنّ عليّاً رضي الله عنه قاتل أهل البصرة ، ولم يلغ ما فعلوه ، لأنّهم فعلوه بتأويلٍ سائغٍ ، فوجب إمضاؤه ، وهذا ما صرّح به كلّ من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وقال الحنفيّة : إذا كان القاضي الّذي أقامه إمام أهل البغي من أهل البلد الّتي تغلّبوا عليها ، وليس من البغاة ، وجب عليه إقامة الحدّ وأجزأ . وأمّا إذا كان من أهل البغي ، وكانوا امتنعوا بدار الحرب ، فإنّ الحدّ لا يجب ، إذ الفعل لم يقع موجباً أصلاً لوقوعه في غير دار الإسلام ، لعدم الولاية على مكان وقوع الجريمة وقت وقوعها . ولو رجع إلى دار الإسلام لا يقام عليه الحدّ أيضاً . وعلى هذا لو تغلّبنا عليهم لا يقام . ولو كانوا أقاموه فإنّه لا تجب إعادته ، لعدم وجوبه أصلاً . وقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : إذا ارتكبوا حال امتناعهم ما يوجب حدّاً ، ثمّ قدر عليهم - ولم يكن أقيم الحدّ - أقيمت فيهم حدود اللّه ، ولا تسقط الحدود باختلاف الدّار . وهو قول ابن المنذر لعموم الآيات والأخبار ، ولأنّ كلّ موضعٍ تجب فيه العبادة في أوقاتها تجب الحدود فيه عند وجود أسبابها كدار أهل العدل ، ولأنّه زانٍ أو سارق لا شبهة في زناه وسرقته ، فوجب عليه الحدّ كالذّمّيّ في دار العدل .</p><p></p><p>شهادة البغاة :</p><p>39 - الأصل قبول شهادتهم . فقد نصّ الحنفيّة على قبول شهادة أهل الأهواء إن كانوا عدولاً في أهوائهم ، إلاّ بعض الرّافضة كالخطابيّة ، ومن كانت بدعته تكفّر ، أو كان صاحب عصبيّةٍ ، أو فيه مجانة ، فإنّ شهادته لا تقبل لكفره ولفسقه . ويقول المالكيّة : تقبل شهادة البغاة إذا لم يكونوا مبتدعين ، ولا تقبل إذا كانوا مبتدعين والعبرة بوقت الأداء . وقال الشّافعيّة : تقبل شهادة البغاة لتأويلهم ، إلاّ أن يكونوا ممّن يشهدون لموافقيهم بتصديقهم ، فلا تقبل حينئذٍ لبعضهم . وقال الحنابلة : البغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع ليسوا بفاسقين ، وإنّما هم يخطئون في تأويلهم ، فهم كالمجتهدين ، فمن شهد منهم قبلت شهادته إذا كان عدلاً . ونقل عن أبي حنيفة أنّهم يفسقون بالبغي وخروجهم على الإمام ، ولكن تقبل شهادتهم ، لأنّ فسقهم من جهة الدّين فلا تردّ به الشّهادة .</p><p></p><p>بغي انظر : بغاة</p><p></p><p>بقر</p><p>التّعريف</p><p>1 - البقر : اسم جنسٍ . قال ابن سيده : ويطلق على الأهليّ والوحشيّ ، وعلى الذّكر والأنثى ، وواحده بقرة ، وقيل : إنّما دخلته الهاء لأنّه واحد من الجنس . والجمع : بقرات ، وقد سوّى الفقهاء الجاموس بالبقر في الأحكام ، وعاملوهما كجنسٍ واحدٍ . زكاة البقر :</p><p>2 - زكاة البقر واجبة بالسّنّة والإجماع . أمّا السّنّة فما روى البخاريّ عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : { والّذي نفسي بيده ، أو والّذي لا إله غيره - أو كما حلف - ما من رجلٍ تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدّي حقّها إلاّ أتى بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه ، تطؤه بأخفافها ، وتنطحه بقرونها ، كلّما جازت أخراها ردّت عليه أولاها حتّى يقضى بين النّاس } . وما روى النّسائيّ والتّرمذيّ عن مسروقٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم { بعث معاذاً إلى اليمن ، وأمره أن يأخذ من كلّ حالمٍ ديناراً ، ومن البقر من كلّ ثلاثين تبيعاً أو تبيعةً ، ومن كلّ أربعين مسنّةً } . وقد أجمع الصّحابة ومن بعدهم على وجوب الزّكاة في الأنعام ، ولم يخالف في ذلك أحد ، والبقر صنف من الأنعام ، فوجبت الزّكاة فيها كالإبل والغنم ، وإنّما كان الخلاف في بعض الشّروط كما سيأتي .</p><p></p><p>شروط وجوب الزّكاة في البقر :</p><p>3 - يشترط في وجوب الزّكاة في البقر شروط عامّة تفصيلها في الزّكاة ، وهناك شروط خاصّة بيانها فيما يلي : اشتراط السّوم :</p><p>4 - المراد بالسّوم في زكاة الماشية : أن ترعى الماشية أكثر أيّام السّنة في كلأٍ مباحٍ ، سواء أكانت ترعى بنفسها أم براعٍ يرعاها ، هذا وقد ذهب جمهور العلماء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وغيرهم إلى أنّه يشترط السّوم في زكاة الماشية ، ومن بين تلك الماشية البقر ، فيشترط فيها السّوم أيضاً ، وأمّا البقر العوامل والمعلوفة فلا زكاة فيها ، لانتفاء السّوم . وقال الإمام مالك : لا يشترط السّوم في زكاة البقر ، فالبقر العوامل والمعلوفة تجب فيها الزّكاة عنده . استدلّ الإمام مالك لما ذهب إليه بالإطلاق في الأحاديث الموجبة لزكاة البقر ، وهو الّذي استقرّ عليه عمل أهل المدينة ، وعمل أهل المدينة أحد أصول المالكيّة . واستدلّ القائلون باشتراط السّوم في زكاة الماشية بما روي عن عليٍّ رضي الله عنه ، قال الرّاوي أحسبه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في صدقة البقر قال : { وليس في العوامل شيء } ، وأيضاً بما روي عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : { ليس في البقر العوامل شيء } وقد حمل الجمهور النّصوص المطلقة في البقر على النّصوص المقيّدة بالسّوم الواردة في الإبل والغنم ، كما استدلّوا بقياس البقر على الإبل والغنم في اشتراط السّوم . وأيضاً فإنّ صفة النّماء معتبرة في الزّكاة ، فلا توجد إلاّ في السّائمة ، أمّا البقر العوامل فصفة النّماء مفقودة فيها ، ومثلها المعلوفة فلا نماء فيها أيضاً ، لأنّ علفها يستغرق نماءها ، إلاّ أن يعدّها للتّجارة ، فيزكّيها زكاة عروض التّجارة .</p><p></p><p>الزّكاة في بقر الوحش :</p><p>5 - ذهب أكثر العلماء إلى عدم وجوب الزّكاة في بقر الوحش ، وعند الحنابلة روايتان ، فالمذهب عندهم وجوب الزّكاة فيها ، لأنّ مطلق الخبر الّذي أوجب الزّكاة في البقر - والّذي سبق ذكره - يتناولها . والرّواية الثّانية عندهم عدم وجوب الزّكاة فيها . قال ابن قدامة : وهي أصحّ ، وهو قول أكثر أهل العلم في عدم وجوب الزّكاة في بقر الوحش ، لأنّ اسم البقر عند الإطلاق لا ينصرف إليها ولا يفهم منه إذ كانت لا تسمّى بقراً بدون الإضافة ، فيقال : بقر الوحش ، ولأنّ العادة تنفي وجود نصابٍ منها موصوفاً بصفة السّوم حولاً كاملاً ، ولأنّها حيوان لا يجزئ نوعه في الأضحيّة والهدي ، فلا تجب فيها الزّكاة كالظّباء ، ولأنّها ليست من بهيمة الأنعام ، فلا تجب فيها الزّكاة كسائر الوحوش ، والسّرّ في ذلك أنّ الزّكاة إنّما وجبت في بهيمة الأنعام دون غيرها لكثرة النّماء فيها ، من درّها ونسلها وكثرة الانتفاع بها لكثرتها وخفّة مئونتها ، وهذا المعنى يختصّ بها ، فاختصّت الزّكاة بها دون غيرها .</p><p></p><p>زكاة المتولّد بين الوحشيّ والأهليّ :</p><p>6 - ذهب الحنابلة إلى وجوب الزّكاة في المتولّد بين الوحشيّ والأهليّ ، سواء أكان الوحشيّ هو الفحل أم الأمّ ، واحتجّوا لذلك بأنّ المتولّد بين الوحشيّ والأهليّ متولّد بين الّذي تجب فيه الزّكاة وبين ما لا تجب فيه ، فيرجّح جانب الوجوب ، قياساً على المتولّد بين السّائمة والمعلوفة ، فتجب فيه الزّكاة ، فكذلك المتولّد بين الوحشيّ والأهليّ . وعلى هذا القول تضمّ إلى جنسها من الأهليّ في وجوب الزّكاة ، ويكمّل بها نصابها ، وتكون كأحد أنواعه . وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الأمّهات أهليّةً وجبت الزّكاة فيها ، وإلاّ فلا . واستدلّ لهذا القول بأنّ جانب الأمّ في الحيوان هو المعتبر ، لأنّ الأمّ في الحيوان هي الّتي تقوم وحدها برعاية ابنها . وقال الشّافعيّ : لا زكاة فيه مطلقاً ، سواء أكانت الوحشيّة من قبل الفحل أم من قبل الأمّ .</p><p></p><p></p><p> </p><p>اشتراط تمام النّصاب : أمّا النّصاب فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوالٍ ، من أشهرها اتّجاهان :</p><p>8 - الاتّجاه الأوّل : وهو قول عليّ بن أبي طالبٍ ومعاذ بن جبلٍ وأبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنهم وقال به الشّعبيّ وشهر بن حوشبٍ وطاووس وعمر بن عبد العزيز والحسن البصريّ ، ونقله الزّهريّ عن أهل الشّام ، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبلٍ والشّافعيّ ، قالوا : ليس فيما دون الثّلاثين من البقر شيء ، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو تبيعة ، ( والتّبيع هو الّذي له سنتان ، أو الّذي له سنة وطعن في الثّانية ، وقيل : ستّة أشهرٍ ، والتّبيعة مثله ) ، ثمّ لا شيء فيها حتّى تبلغ أربعين ، فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنّة . ثمّ لا شيء فيها حتّى تبلغ ستّين ، فإذا بلغتها ففيها تبيعان أو تبيعتان . ثمّ لا شيء فيها حتّى تبلغ عشراً زائدةً ، فإذا بلغتها ففي كلّ ثلاثين من ذلك العدد تبيع أو تبيعة وفي كلّ أربعين مسنّ أو مسنّة ، ففي سبعين تبيع ومسنّة ، وفي ثمانين مسنّتان ، وفي تسعين ثلاثة أتبعةٍ ، وفي مائةٍ مسنّة وتبيعان ، وفي مائةٍ وعشرٍ مسنّتان وتبيع ، وفي مائةٍ وعشرين ثلاث مسنّاتٍ أو أربعة أتبعةٍ ، فالمالك مخيّر بين إخراج الأتبعة أو المسنّات ، وإن كان الأولى النّظر إلى حاجة الفقراء والأصلح لهم . ثمّ يتغيّر الواجب كلّما زاد العدد عشراً . واحتجّ أصحاب هذا القول بما روي عن معاذٍ رضي الله عنه { أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كلّ حالمٍ ديناراً ، ومن البقر من كلّ ثلاثين تبيعاً أو تبيعةً ، ومن كلّ أربعين مسنّةً } . وروى ابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة عن { معاذٍ أنّه سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الأوقاص : ما بين الثّلاثين إلى الأربعين ، وما بين الأربعين إلى الخمسين ؟ قال : ليس فيها شيء } . واحتجّوا أيضاً بما جاء في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزمٍ : { فرائض البقر ليس فيما دون الثّلاثين من البقر صدقة ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل رائع جذع ، إلى أن تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنّة . إلى أن تبلغ سبعين ، فإنّ فيها بقرةً وعجلاً جذعاً ، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنّتان ، ثمّ على هذا الحساب } . هذا ، ولتفصيل أحكام ما بين الفريضتين في الزّكاة - وهو المسمّى بالوقص - ينظر مصطلح : ( أوقاص ) .</p><p>9- الاتّجاه الثّاني : قول سعيد بن المسيّب والزّهريّ وأبي قلابة وغيرهم : أنّ نصاب البقر هو نصاب الإبل ، وأنّه يؤخذ في زكاة البقر ما يؤخذ من الإبل ، دون اعتبارٍ للأسنان الّتي اشترطت في الإبل ، من بنت مخاضٍ وبنت لبونٍ وحقّةٍ وجذعةٍ ، وروي هذا عن كتاب عمر بن الخطّاب في الزّكاة ، وعن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهم ، وشيوخٍ أدّوا الصّدقات على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وروى أبو عبيدٍ : أنّ في كتاب عمر بن الخطّاب ( في الزّكاة ) أنّ البقر يؤخذ منها مثل ما يؤخذ من الإبل ، قال : وقد سئل عنها غيرهم ، فقالوا : فيها ما في الإبل . وقد ذكر ابن حزمٍ بسنده عن الزّهريّ وقتادة كلاهما عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ رضي الله عنهما قال : في كلّ خمسٍ من البقر شاة ، وفي عشرٍ شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياهٍ ، وفي عشرين أربع شياهٍ . قال الزّهريّ : فرائض البقر مثل فرائض الإبل غير أسنانٍ فيها : فإذا كانت البقر خمساً وعشرين ففيها بقرة إلى خمسٍ وسبعين ، فإذا زادت على خمسٍ وسبعين ففيها بقرتان إلى مائةٍ وعشرين ، فإذا زادت على مائةٍ وعشرين ففي كلّ أربعين بقرة . قال الزّهريّ : وبلغنا أنّ قولهم : في كلّ ثلاثين تبيع ، وفي كلّ أربعين بقرة ، أنّ ذلك كان تخفيفاً لأهل اليمن ، ثمّ كان بعد ذلك لا يروى . وروي أيضاً عن عكرمة بن خالدٍ قال : استعملت - أي ولّيت - على صدقات ( عكّ ) فلقيت أشياخاً ممّن صدّق ( أخذت منهم الصّدقة ) على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاختلفوا عليّ : فمنهم من قال اجعلها مثل صدقة الإبل ، ومنهم من قال : في ثلاثين تبيع ، ومنهم من قال : في أربعين بقرة مسنّة . وذكر ابن حزمٍ أيضاً بسنده عن ابن المسيّب وأبي قلابة وآخرين مثل ما نقل عن الزّهريّ ، ونقل عن عمر بن عبد الرّحمن بن خلدة الأنصاريّ : أنّ صدقة البقر صدقة الإبل ، غير أنّه لا أسنان فيها .</p><p></p><p>ما يجزئ في الأضحيّة :</p><p>10 - لا يجزئ في الأضحيّة سوى النّعم ، وهي الإبل والبقر والغنم ، خلافاً لمن قال : يجوز التّضحية بأيّ شيءٍ من مأكول اللّحم من النّعم أو من غيرها . وتفصيله في ( الأضحيّة ) . واتّفق العلماء على أنّ الشّخص إذا ضحّى بالبقرة الواحدة عن نفسه فقط فإنّ الأضحيّة تقع له ، وسواء أكانت واجبةً أم متطوّعاً بها .</p><p>11 - وأمّا الاشتراك في التّضحية بالبقرة الواحدة ففيه خلاف : فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وأكثر أهل العلم : إلى أنّ البقرة الواحدة تجزئ عن سبعة أشخاصٍ ، فيجوز لهم الاشتراك في البقرة الواحدة ، وسواء أكانوا أهل بيتٍ واحدٍ ، أم أهل بيتين ، أم متفرّقين ، وسواء أكانت أضحيّةً واجبةً أم متطوّعاً بها ، وسواء أراد بعضهم القربة أم أراد اللّحم ، فيقع لكلّ واحدٍ منهم ما قصد . إلاّ أنّه عند الحنفيّة لا بدّ أن يريد كلّهم القربة ، فلو أراد أحدهم اللّحم لم تجزئ عن الكلّ عندهم . وقال مالك : يجزئ الرّأس الواحد من الإبل أو البقر أو الغنم عن واحدٍ ، وعن أهل البيت وإن كثر عددهم وكانوا أكثر من سبعةٍ ، إذا أشركهم فيها تطوّعاً ، ولا تجزئ إذا اشتروها بينهم بالشّركة ، ولا على أجنبيّين فصاعداً . واحتجّ أصحاب القول الأوّل بما رواه جابر قال : { نحرنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعةٍ ، والبقرة عن سبعةٍ } وعنه قال : { خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مهلّين ، فأمرنا أن نشترك في الإبل والبقر ، كلّ سبعةٍ منّا في بدنةٍ } . وأمّا مالك فقد أخذ بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه كان يقول : البدنة عن واحدٍ والبقرة عن واحدٍ ، والشّاة عن واحدٍ لا أعلم شركاً . وقد روي هذا أيضاً عن غير ابن عمر كمحمّد بن سيرين فإنّه يرى أنّ النّفس الواحدة لا تجزئ إلاّ عن نفسٍ واحدةٍ فقط .</p><p></p><p>البقر في الهدي :</p><p>12 - حكم البقرة في الهدي كحكمها في الأضحيّة ، باستثناء ما يتّصل بالتّضحية عن الرّجل وأهل بيته ، وتفصيله في ( الحجّ ، والهدي ) . أمّا إشعار البقر في الهدي فقد اتّفق العلماء ( سوى أبي حنيفة ) على أنّ الإشعار سنّة ، وأنّه مستحبّ ، وقد فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم والصّحابة من بعده ، واتّفقوا أيضاً على أنّ الإشعار سنّة في الإبل ، سواء أكان لها سنام أم لم يكن لها سنام ، فإن لم يكن لها سنام فإنّها تشعر في موضع السّنام . وأمّا البقر فمذهب الشّافعيّة : الإشعار فيها مطلقاً ، سواء أكان لها سنام أم لم يكن لها سنام ، فهي عندهم كالإبل . وقد ذهب مالك إلى أنّ البقر إذا كان لها سنام فإنّها تشعر ، أمّا إذا لم يكن لها سنام فإنّها لا تشعر .</p><p></p><p>( حكم التّقليد ) :</p><p>13 - التّقليد : جعل القلادة في العنق ، وتقليد الهدي : أن يعلّق في عنقه قطعة من جلدٍ ، ليعرف أنّه هدي فلا يتعرّض له . واتّفق العلماء على أنّ التّقليد مستحبّ في الإبل والبقر . وأمّا الغنم فقد ذهب الشّافعيّة إلى استحباب التّقليد فيها كالإبل والبقر . وذهب أبو حنيفة ومالك إلى عدم استحباب التّقليد فيها . وتقليد الإبل والبقر يكون بالنّعال ونحوها ممّا يشعر أنّها هدي .</p><p></p><p>ذكاة البقر :</p><p>14 - ذكاة البقر كذكاة الغنم ، فإذا أريد تذكية البقرة فإنّها تضجع على جنبها الأيسر ، وتشدّ قوائمها الثّلاث : اليد اليمنى واليسرى والرّجل اليسرى ، وتترك الرّجل اليمنى بلا شدٍّ لتحرّكها عند الذّبح ، ويمسك الذّابح رأسها بيده اليسرى ، ويمسك السّكّين بيده اليمنى ، ثمّ يبدأ الذّبح بعد أن يقول : باسم اللّه واللّه أكبر وبعد أن يتّجه هو وذبيحته نحو القبلة . وأمّا الإبل فإنّها تنحر بطعنها في اللّبّة ، أي أسفل العنق ، وهي قائمة معقولة الرّكبة اليسرى .</p><p></p><p>استعمال البقر للرّكوب :</p><p>15 - اتّفق العلماء على أنّ ما يركب من الأنعام ويحمل عليه هو الإبل . وأمّا البقر فإنّه لم يخلق للرّكوب ، وإنّما خلق لينتفع به في حرث الأرض ، وغير ذلك من المنافع سوى الرّكوب . وأمّا الغنم فهي للدّرّ والنّسل واللّحم لقوله تعالى : { وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون ، وعليها وعلى الفلك تحملون } ، وقوله تعالى : { اللّه الّذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون } ، وقوله تعالى : { وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون } . وأمّا الآيات الّتي تذكر أنّ الأنعام تركب فهي محمولة عند العلماء على بعض الأنعام ، وهي الإبل ، وهو من العامّ الّذي أريد به الخاصّ . وممّا يدلّ على أنّ استعمال البقر للرّكوب غير لائقٍ ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : { بينما رجل يسوق بقرةً له قد حمل عليها ، التفتت إليه البقرة فقالت : إنّي لم أخلق لهذا ، ولكنّي إنّما خلقت للحرث ، فقال النّاس : سبحان اللّه - تعجّباً وفزعاً - أبقرة تكلّم ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : فإنّي أومن به وأبو بكرٍ وعمر } .</p><p></p><p>بول وروث البقر :</p><p>16 - اتّفق الفقهاء على نجاسة بول وروث ما لا يؤكل لحمه ، سواء أكان إنساناً أم غيره . وأمّا بول وروث ما يؤكل لحمه كالإبل والبقر والغنم ففيه الخلاف فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والشّافعيّ إلى نجاسة الأبوال والأرواث كلّها ، من مأكول اللّحم وغيره . وذهب مالك وأحمد وطائفة من السّلف ، ووافقهم من الشّافعيّة ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبّان والإصطخريّ والرّويانيّ ، ومن الحنفيّة محمّد بن الحسن إلى طهارة بول ما يؤكل لحمه . وانظر للتّفصيل والاستدلال مصطلح ( نجاسة ) .</p><p></p><p>حكم البقر في الدّية :</p><p>17 - اختلف العلماء في اعتبار البقر أصلاً في الدّية على قولين : فذهب أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ في القديم إلى أنّ الدّية ثلاثة أصولٍ : الإبل ، والذّهب ، والفضّة ، وليس أصلاً . وذهب صاحبا أبي حنيفة ( أبو يوسف ومحمّد بن الحسن ) والثّوريّ وأحمد بن حنبلٍ إلى أنّ الدّية خمسة أصولٍ : الإبل ، والذّهب ، والفضّة ، والبقر ، والغنم . وزاد الصّاحبان : الحلل ، وهو قول عمر وعطاءٍ وطاووسٍ وفقهاء المدينة السّبعة ، فعلى هذا القول تعتبر البقر أصلاً من أصول الدّية ، ويجوز لأصحابها - كما عند الصّاحبين - دفعها ابتداءً ، ولا يكلّفون غيرها . وذهب الشّافعيّ في الجديد إلى أنّ الدّية ليس لها إلاّ أصل واحد ، وهو الإبل ، فإذا فقدت فالواجب قيمتها من نقد البلد بالغةً ما بلغت . فليست البقر أصلاً على هذا القول كذلك . وانظر للتّفصيل مصطلح ( دية ) .</p><p></p><p>بكاء</p><p>التّعريف</p><p>1 - البكاء : مصدر بكى يبكي بكًى ، وبكاءً . قال في اللّسان : البكاء يقصر ويمدّ . قال الفرّاء وغيره : إذا مددت أردت الصّوت الّذي يكون مع البكاء ، وإذا قصرت أردت الدّموع وخروجها . قال كعب بن مالكٍ رضي الله عنه في رثاء حمزة بكت عيني وحقّ لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل قال الخليل : من قصر ذهب به إلى معنى الحزن ، ومن مدّه ذهب به إلى معنى الصّوت . والتّباكي : تكلّف البكاء كما في الحديث { فإن لم تبكوا فتباكوا } . ولا يخرج استعمال الفقهاء عن ذلك .</p><p>الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>أ - الصّياح والصّراخ :</p><p>2 - الصّياح والصّراخ في اللّغة : هو الصّوت بأقصى الطّاقة ، وقد يكون معهما بكاء ، وقد لا يكون ، ويرد الصّراخ أيضاً لرفع الصّوت على سبيل الاستغاثة .</p><p>ب - النّياح :</p><p>3 - النّياح والنّياحة لغةً : البكاء بصوتٍ على الميّت . وقال في المصباح ، وهو قريب ممّا جاء في القاموس : ناحت المرأة على الميّت نوحاً من باب قال ، والاسم النّواح وزان غرابٍ ، وربّما قيل : النّياح بالكسر ، فهي نائحة ، والنّياحة بالكسر : الاسم منه ، والمناحة بفتح الميم : موضع النّوح . ج النّدب :</p><p>4 - النّدب لغةً : الدّعاء إلى الأمر والحثّ عليه . والنّدب : البكاء على الميّت وتعداد محاسنه . والاسم : النّدبة . د - النّحب ، أو النّحيب :</p><p>5 - النّحب لغةً : أشدّ البكاء ، كالنّحيب . العويل :</p><p>6 - العويل : هو رفع الصّوت بالبكاء ، يقال : أعولت المرأة إعوالاً وعويلاً . هذا ويتّضح ممّا تقدّم أنّ النّحيب والعويل معناهما البكاء الشّديد ، وأنّ الصّراخ والصّياح متقاربان في المعنى ، وأنّ النّواح يأتي بمعنى البكاء على الميّت ، وأنّ النّدب هو تعداد محاسن الميّت ، وأنّ البكاء ما كان مصحوباً بصوتٍ ، والبكى ما كان بلا صوتٍ ، بأن كان قاصراً على خروج الدّمع . أسباب البكاء :</p><p>7 - للبكاء أسباب ، منها : خشية اللّه تعالى ، والحزن ، وشدّة الفرح . الحكم التّكليفيّ للبكاء في المصيبة :</p><p>8 - البكاء قد يكون قاصراً على خروج الدّمع فقط بلا صوتٍ ، أو بصوتٍ لا يمكن الاحتراز عنه ، وقد يكون مصحوباً بصوتٍ كصراخٍ أو نواحٍ أو ندبٍ وغيرها ، وهذا يختلف باختلاف من يصدر منه البكاء ، فمن النّاس من يقدر على كتمان الحزن ، ويملك السّيطرة على مشاعره ، ومنهم من لا يستطيع ذلك . فإن كان البكاء مجرّداً عن فعل اليد ، كشقّ جيبٍ أو لطمٍ ، وعن فعل اللّسان ، كالصّراخ ودعوى الويل والثّبور ونحو ذلك ، فإنّه مباح لقوله صلى الله عليه وسلم { إنّه مهما كان من العين والقلب فمن اللّه عزّ وجلّ ومن الرّحمة ، وما كان من اليد واللّسان فمن الشّيطان } ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً { إنّ اللّه لا يعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب ، ولكن يعذّب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم } . أمّا حكم البكاء في غير هذه الحالة فسيأتي فيما بعد .</p><p></p><p>البكاء من خشية اللّه تعالى :</p><p>9 - المؤمن يعيش في جهادٍ مع نفسه ، ويراقب اللّه في جميع أفعاله وتصرّفاته ، فهو يخاف اللّه ، ويبكي عند ذكره سبحانه تعالى ، فهذا من المخبتين الّذين بشّرهم اللّه سبحانه وتعالى بقوله : { وبشّر المخبتين الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم والصّابرين على ما أصابهم والمقيمي الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون } وهم الّذين عناهم اللّه بقوله : { إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربّهم يتوكّلون } . وممّا قاله القرطبيّ في تفسير هذه الآية ، مع الإشارة إلى غيرها من الآيات القريبة منها في المعنى : وصف اللّه تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوجل عند ذكره ، وذلك لقوّة إيمانهم ومراعاتهم لربّهم ، وكأنّهم بين يديه ، ونظير هذه الآية { وبشّر المخبتين الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم } وقال : { الّذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر اللّه } ، فهذا يرجع إلى كمال المعرفة وثقة القلب ، والوجل : الفزع من عذاب اللّه ، فلا تناقض ، وقد جمع اللّه بين المعنيين في قوله تعالى : { اللّه نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه } أي تسكن نفوسهم مع اللّه من حيث اليقين ، وإن كانوا يخافون اللّه .</p><p>10 - فهذه حالة العارفين باللّه ، الخائفين من سطوته وعقوبته . لا كما يفعله جهّال العوّام والمبتدعة الطّغام ، من الزّعيق والزّئير ومن النّهاق الّذي يشبه نهاق الحمير ، فيقال لمن تعاطى ذلك ، وزعم أنّ ذلك وجد وخشوع : لم تبلغ أن تساوي حال الرّسول ولا حال أصحابه في المعرفة باللّه ، والخوف منه ، والتّعظيم لجلاله ، ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن اللّه والبكاء خوفاً من اللّه ، ولذلك وصف اللّه أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال : { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرّسول ترى أعينهم تفيض من الدّمع ممّا عرفوا من الحقّ يقولون ربّنا آمنا فاكتبنا مع الشّاهدين } . فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم ، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم ، فمن كان مستنّاً فليستنّ بهم ، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسّهم حالاً ، والجنون فنون . روى مسلم عن أنس بن مالكٍ { أنّ النّاس سألوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى أحفّوه في المسألة ، فخرج ذات يومٍ ، فصعد المنبر ، فقال : سلوني ، لا تسألوني عن شيءٍ إلاّ بيّنته لكم ، ما دمت في مقامي هذا . فلمّا سمع ذلك القوم أرموا ورهبوا أن يكون بين يدي أمرٍ قد حضر ، قال أنس : فجعلت ألتفت يميناً وشمالاً فإذا كلّ إنسانٍ لافّ رأسه في ثوبه يبكي ... } . وذكر الحديث . وروى التّرمذيّ وصحّحه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : { وعظنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب } . الحديث . ولم يقل : زعقنا ولا رقصنا ولا زفنا ولا قمنا . وقال صاحب روح المعاني في تفسير قوله تعالى : { الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم } أي خافت قلوبهم منه عزّ وجلّ لإشراق أشعّة الجلال عليها .</p><p>11 - والبكاء خشيةً من اللّه له أثره في العمل ، وفي غفران الذّنوب ، ويدلّ لذلك ما رواه التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : { عينان لا تمسّهما النّار : عين بكت من خشية اللّه ، وعين باتت تحرس في سبيل اللّه } . قال صاحب تحفة الأحوذيّ : قوله : { عينان لا تمسّهما النّار } أي لا تمسّ صاحبهما ، فعبّر بالجزء عن الجملة ، وعبّر بالمسّ إشارةً إلى امتناع ما فوقه بالأولى ، وفي روايةٍ : « أبداً " وفي روايةٍ : { لا يقربان النّار } . وقد ذكر صاحب روح المعاني أخباراً وردت في مدح البكاء خشيةً من اللّه تعالى ، من بينها هذا الحديث المتقدّم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : { لا يلج النّار رجل بكى من خشية اللّه تعالى حتّى يعود اللّبن في الضّرع ، ولا يجتمع على عبدٍ غبار في سبيل اللّه تعالى ودخان جهنّم } .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41094, member: 329"] ب - قضاء البغاة وحكم نفاذه : 36 - لو ظهر أهل البغي على بلدٍ فولّوا فيه قاضياً من أهله ، وليس من أهل البغي صحّ اتّفاقاً ، وعليه أن يقيم الحدود . أمّا إن كان منهم ، فإذا ظهر أهل العدل على هذا البلد ، فرفعت أقضيته إلى قاضي أهل العدل نفذ منها ما هو عدل ، وكذا ما قضاه برأي بعض المجتهدين ، لأنّ قضاء القاضي في المجتهدات نافذ ، وإن كان مخالفاً لرأي قاضي أهل العدل . وقال المالكيّة : إذا كان الباغي متأوّلاً ، وأقام قاضياً ، فحكم بشيءٍ فإنّه ينفذ ، ولا تتصفّح أحكامه ، بل تحمل على الصّحّة ، ويرتفع بها الخلاف . قال الموّاق : هذا في ظاهر المذهب . أمّا غير المتأوّل فأحكامه تتعقّب . وقال ابن القاسم : لا يجوز قضاؤهم . وقال الشّافعيّة والحنابلة : إن كان ممّن يستبيح دماء أهل العدل وأموالهم لم تنفذ أحكامه ، لأنّ من شرط القضاء العدالة والاجتهاد ، وهذا ليس بعدلٍ ولا مجتهدٍ ، وإن كان ممّن لا يستبيح ذلك نفذ من حكمه ما ينفذ من حكم أهل العدل ، لأنّ لهم تأويلاً يسوغ فيه الاجتهاد ، فلم ينقض من حكمه ما يسوغ الاجتهاد فيه ، ولأنّه اختلاف في الفروع بتأويلٍ سائغٍ ، فلم يمنع صحّة القضاء ولم يفسق كاختلاف الفقهاء ، وإذا حكم بما لا يخالف إجماعاً نفذ حكمه ، وإن خالف الإجماع نقض ، وإن حكم بسقوط الضّمان عن أهل البغي فيما أتلفوه حال الحرب جاز حكمه ، لأنّه موضع اجتهادٍ ، وإن كان فيما أتلفوه قبل الحرب لم ينفذ ، لأنّه مخالف للإجماع ، وإن حكم على أهل العدل بالضّمان فيما أتلفوه حال الحرب لم ينفذ حكمه لمخالفته للإجماع ، وإن حكم عليهم بوجوب الضّمان فيما أتلفوه في غير حال الحرب نفذ حكمه . ج - كتاب قاضي البغاة إلى قاضي أهل العدل : 37 - لا يقبل قاضي أهل العدل كتاب قاضي البغاة عند الحنفيّة ، لأنّهم فسقة . وعند الشّافعيّة والحنابلة : يجوز الحكم بكتابهم إلينا بسماع البيّنة في الأصحّ ، ويستحبّ عدم تنفيذه والحكم به ، استخفافاً بهم حيث لا ضرر على المحكوم له . فإن قبله جاز ، لأنّه ينفذ حكمه ، فجاز الحكم بكتابه ، كقاضي أهل العدل ، لأنّه حكم والحاكم من أهله . بل لو كان الحكم لواحدٍ منّا على واحدٍ منهم ، فالمتّجه وجوب التّنفيذ . وقيل : لا يجوز اعتبار كتابه ، لما فيه من إعلاءٍ لمنصبه . ولم نقف على نصٍّ للمالكيّة في هذا ، لكنّهم اشترطوا في القاضي الّذي يقبل كتابه : العدالة ، سواء أكان تولّى القضاء من قبل الوالي المتغلّب أو من قبل الكافر ، رعايةً لمصالح العباد ، ممّا يفيد جواز قبول كتاب قاضي أهل البغي . د - إقامتهم للحدّ ، ووجوبه عليهم : 38 - الحدّ الّذي يقيمه إمام أهل البغي يقع موقعه ، ويكون مجزئاً ، ولا يعاد ثانياً على المحدود إن كان غير قتلٍ ، ولا دية عليه إن كان قتلاً ، لأنّ عليّاً رضي الله عنه قاتل أهل البصرة ، ولم يلغ ما فعلوه ، لأنّهم فعلوه بتأويلٍ سائغٍ ، فوجب إمضاؤه ، وهذا ما صرّح به كلّ من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وقال الحنفيّة : إذا كان القاضي الّذي أقامه إمام أهل البغي من أهل البلد الّتي تغلّبوا عليها ، وليس من البغاة ، وجب عليه إقامة الحدّ وأجزأ . وأمّا إذا كان من أهل البغي ، وكانوا امتنعوا بدار الحرب ، فإنّ الحدّ لا يجب ، إذ الفعل لم يقع موجباً أصلاً لوقوعه في غير دار الإسلام ، لعدم الولاية على مكان وقوع الجريمة وقت وقوعها . ولو رجع إلى دار الإسلام لا يقام عليه الحدّ أيضاً . وعلى هذا لو تغلّبنا عليهم لا يقام . ولو كانوا أقاموه فإنّه لا تجب إعادته ، لعدم وجوبه أصلاً . وقال المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : إذا ارتكبوا حال امتناعهم ما يوجب حدّاً ، ثمّ قدر عليهم - ولم يكن أقيم الحدّ - أقيمت فيهم حدود اللّه ، ولا تسقط الحدود باختلاف الدّار . وهو قول ابن المنذر لعموم الآيات والأخبار ، ولأنّ كلّ موضعٍ تجب فيه العبادة في أوقاتها تجب الحدود فيه عند وجود أسبابها كدار أهل العدل ، ولأنّه زانٍ أو سارق لا شبهة في زناه وسرقته ، فوجب عليه الحدّ كالذّمّيّ في دار العدل . شهادة البغاة : 39 - الأصل قبول شهادتهم . فقد نصّ الحنفيّة على قبول شهادة أهل الأهواء إن كانوا عدولاً في أهوائهم ، إلاّ بعض الرّافضة كالخطابيّة ، ومن كانت بدعته تكفّر ، أو كان صاحب عصبيّةٍ ، أو فيه مجانة ، فإنّ شهادته لا تقبل لكفره ولفسقه . ويقول المالكيّة : تقبل شهادة البغاة إذا لم يكونوا مبتدعين ، ولا تقبل إذا كانوا مبتدعين والعبرة بوقت الأداء . وقال الشّافعيّة : تقبل شهادة البغاة لتأويلهم ، إلاّ أن يكونوا ممّن يشهدون لموافقيهم بتصديقهم ، فلا تقبل حينئذٍ لبعضهم . وقال الحنابلة : البغاة إذا لم يكونوا من أهل البدع ليسوا بفاسقين ، وإنّما هم يخطئون في تأويلهم ، فهم كالمجتهدين ، فمن شهد منهم قبلت شهادته إذا كان عدلاً . ونقل عن أبي حنيفة أنّهم يفسقون بالبغي وخروجهم على الإمام ، ولكن تقبل شهادتهم ، لأنّ فسقهم من جهة الدّين فلا تردّ به الشّهادة . بغي انظر : بغاة بقر التّعريف 1 - البقر : اسم جنسٍ . قال ابن سيده : ويطلق على الأهليّ والوحشيّ ، وعلى الذّكر والأنثى ، وواحده بقرة ، وقيل : إنّما دخلته الهاء لأنّه واحد من الجنس . والجمع : بقرات ، وقد سوّى الفقهاء الجاموس بالبقر في الأحكام ، وعاملوهما كجنسٍ واحدٍ . زكاة البقر : 2 - زكاة البقر واجبة بالسّنّة والإجماع . أمّا السّنّة فما روى البخاريّ عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : { والّذي نفسي بيده ، أو والّذي لا إله غيره - أو كما حلف - ما من رجلٍ تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدّي حقّها إلاّ أتى بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه ، تطؤه بأخفافها ، وتنطحه بقرونها ، كلّما جازت أخراها ردّت عليه أولاها حتّى يقضى بين النّاس } . وما روى النّسائيّ والتّرمذيّ عن مسروقٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم { بعث معاذاً إلى اليمن ، وأمره أن يأخذ من كلّ حالمٍ ديناراً ، ومن البقر من كلّ ثلاثين تبيعاً أو تبيعةً ، ومن كلّ أربعين مسنّةً } . وقد أجمع الصّحابة ومن بعدهم على وجوب الزّكاة في الأنعام ، ولم يخالف في ذلك أحد ، والبقر صنف من الأنعام ، فوجبت الزّكاة فيها كالإبل والغنم ، وإنّما كان الخلاف في بعض الشّروط كما سيأتي . شروط وجوب الزّكاة في البقر : 3 - يشترط في وجوب الزّكاة في البقر شروط عامّة تفصيلها في الزّكاة ، وهناك شروط خاصّة بيانها فيما يلي : اشتراط السّوم : 4 - المراد بالسّوم في زكاة الماشية : أن ترعى الماشية أكثر أيّام السّنة في كلأٍ مباحٍ ، سواء أكانت ترعى بنفسها أم براعٍ يرعاها ، هذا وقد ذهب جمهور العلماء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وغيرهم إلى أنّه يشترط السّوم في زكاة الماشية ، ومن بين تلك الماشية البقر ، فيشترط فيها السّوم أيضاً ، وأمّا البقر العوامل والمعلوفة فلا زكاة فيها ، لانتفاء السّوم . وقال الإمام مالك : لا يشترط السّوم في زكاة البقر ، فالبقر العوامل والمعلوفة تجب فيها الزّكاة عنده . استدلّ الإمام مالك لما ذهب إليه بالإطلاق في الأحاديث الموجبة لزكاة البقر ، وهو الّذي استقرّ عليه عمل أهل المدينة ، وعمل أهل المدينة أحد أصول المالكيّة . واستدلّ القائلون باشتراط السّوم في زكاة الماشية بما روي عن عليٍّ رضي الله عنه ، قال الرّاوي أحسبه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في صدقة البقر قال : { وليس في العوامل شيء } ، وأيضاً بما روي عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : { ليس في البقر العوامل شيء } وقد حمل الجمهور النّصوص المطلقة في البقر على النّصوص المقيّدة بالسّوم الواردة في الإبل والغنم ، كما استدلّوا بقياس البقر على الإبل والغنم في اشتراط السّوم . وأيضاً فإنّ صفة النّماء معتبرة في الزّكاة ، فلا توجد إلاّ في السّائمة ، أمّا البقر العوامل فصفة النّماء مفقودة فيها ، ومثلها المعلوفة فلا نماء فيها أيضاً ، لأنّ علفها يستغرق نماءها ، إلاّ أن يعدّها للتّجارة ، فيزكّيها زكاة عروض التّجارة . الزّكاة في بقر الوحش : 5 - ذهب أكثر العلماء إلى عدم وجوب الزّكاة في بقر الوحش ، وعند الحنابلة روايتان ، فالمذهب عندهم وجوب الزّكاة فيها ، لأنّ مطلق الخبر الّذي أوجب الزّكاة في البقر - والّذي سبق ذكره - يتناولها . والرّواية الثّانية عندهم عدم وجوب الزّكاة فيها . قال ابن قدامة : وهي أصحّ ، وهو قول أكثر أهل العلم في عدم وجوب الزّكاة في بقر الوحش ، لأنّ اسم البقر عند الإطلاق لا ينصرف إليها ولا يفهم منه إذ كانت لا تسمّى بقراً بدون الإضافة ، فيقال : بقر الوحش ، ولأنّ العادة تنفي وجود نصابٍ منها موصوفاً بصفة السّوم حولاً كاملاً ، ولأنّها حيوان لا يجزئ نوعه في الأضحيّة والهدي ، فلا تجب فيها الزّكاة كالظّباء ، ولأنّها ليست من بهيمة الأنعام ، فلا تجب فيها الزّكاة كسائر الوحوش ، والسّرّ في ذلك أنّ الزّكاة إنّما وجبت في بهيمة الأنعام دون غيرها لكثرة النّماء فيها ، من درّها ونسلها وكثرة الانتفاع بها لكثرتها وخفّة مئونتها ، وهذا المعنى يختصّ بها ، فاختصّت الزّكاة بها دون غيرها . زكاة المتولّد بين الوحشيّ والأهليّ : 6 - ذهب الحنابلة إلى وجوب الزّكاة في المتولّد بين الوحشيّ والأهليّ ، سواء أكان الوحشيّ هو الفحل أم الأمّ ، واحتجّوا لذلك بأنّ المتولّد بين الوحشيّ والأهليّ متولّد بين الّذي تجب فيه الزّكاة وبين ما لا تجب فيه ، فيرجّح جانب الوجوب ، قياساً على المتولّد بين السّائمة والمعلوفة ، فتجب فيه الزّكاة ، فكذلك المتولّد بين الوحشيّ والأهليّ . وعلى هذا القول تضمّ إلى جنسها من الأهليّ في وجوب الزّكاة ، ويكمّل بها نصابها ، وتكون كأحد أنواعه . وقال أبو حنيفة ومالك : إن كانت الأمّهات أهليّةً وجبت الزّكاة فيها ، وإلاّ فلا . واستدلّ لهذا القول بأنّ جانب الأمّ في الحيوان هو المعتبر ، لأنّ الأمّ في الحيوان هي الّتي تقوم وحدها برعاية ابنها . وقال الشّافعيّ : لا زكاة فيه مطلقاً ، سواء أكانت الوحشيّة من قبل الفحل أم من قبل الأمّ . اشتراط تمام النّصاب : أمّا النّصاب فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوالٍ ، من أشهرها اتّجاهان : 8 - الاتّجاه الأوّل : وهو قول عليّ بن أبي طالبٍ ومعاذ بن جبلٍ وأبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنهم وقال به الشّعبيّ وشهر بن حوشبٍ وطاووس وعمر بن عبد العزيز والحسن البصريّ ، ونقله الزّهريّ عن أهل الشّام ، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبلٍ والشّافعيّ ، قالوا : ليس فيما دون الثّلاثين من البقر شيء ، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو تبيعة ، ( والتّبيع هو الّذي له سنتان ، أو الّذي له سنة وطعن في الثّانية ، وقيل : ستّة أشهرٍ ، والتّبيعة مثله ) ، ثمّ لا شيء فيها حتّى تبلغ أربعين ، فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنّة . ثمّ لا شيء فيها حتّى تبلغ ستّين ، فإذا بلغتها ففيها تبيعان أو تبيعتان . ثمّ لا شيء فيها حتّى تبلغ عشراً زائدةً ، فإذا بلغتها ففي كلّ ثلاثين من ذلك العدد تبيع أو تبيعة وفي كلّ أربعين مسنّ أو مسنّة ، ففي سبعين تبيع ومسنّة ، وفي ثمانين مسنّتان ، وفي تسعين ثلاثة أتبعةٍ ، وفي مائةٍ مسنّة وتبيعان ، وفي مائةٍ وعشرٍ مسنّتان وتبيع ، وفي مائةٍ وعشرين ثلاث مسنّاتٍ أو أربعة أتبعةٍ ، فالمالك مخيّر بين إخراج الأتبعة أو المسنّات ، وإن كان الأولى النّظر إلى حاجة الفقراء والأصلح لهم . ثمّ يتغيّر الواجب كلّما زاد العدد عشراً . واحتجّ أصحاب هذا القول بما روي عن معاذٍ رضي الله عنه { أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كلّ حالمٍ ديناراً ، ومن البقر من كلّ ثلاثين تبيعاً أو تبيعةً ، ومن كلّ أربعين مسنّةً } . وروى ابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة عن { معاذٍ أنّه سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الأوقاص : ما بين الثّلاثين إلى الأربعين ، وما بين الأربعين إلى الخمسين ؟ قال : ليس فيها شيء } . واحتجّوا أيضاً بما جاء في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزمٍ : { فرائض البقر ليس فيما دون الثّلاثين من البقر صدقة ، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل رائع جذع ، إلى أن تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنّة . إلى أن تبلغ سبعين ، فإنّ فيها بقرةً وعجلاً جذعاً ، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنّتان ، ثمّ على هذا الحساب } . هذا ، ولتفصيل أحكام ما بين الفريضتين في الزّكاة - وهو المسمّى بالوقص - ينظر مصطلح : ( أوقاص ) . 9- الاتّجاه الثّاني : قول سعيد بن المسيّب والزّهريّ وأبي قلابة وغيرهم : أنّ نصاب البقر هو نصاب الإبل ، وأنّه يؤخذ في زكاة البقر ما يؤخذ من الإبل ، دون اعتبارٍ للأسنان الّتي اشترطت في الإبل ، من بنت مخاضٍ وبنت لبونٍ وحقّةٍ وجذعةٍ ، وروي هذا عن كتاب عمر بن الخطّاب في الزّكاة ، وعن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهم ، وشيوخٍ أدّوا الصّدقات على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وروى أبو عبيدٍ : أنّ في كتاب عمر بن الخطّاب ( في الزّكاة ) أنّ البقر يؤخذ منها مثل ما يؤخذ من الإبل ، قال : وقد سئل عنها غيرهم ، فقالوا : فيها ما في الإبل . وقد ذكر ابن حزمٍ بسنده عن الزّهريّ وقتادة كلاهما عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ رضي الله عنهما قال : في كلّ خمسٍ من البقر شاة ، وفي عشرٍ شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياهٍ ، وفي عشرين أربع شياهٍ . قال الزّهريّ : فرائض البقر مثل فرائض الإبل غير أسنانٍ فيها : فإذا كانت البقر خمساً وعشرين ففيها بقرة إلى خمسٍ وسبعين ، فإذا زادت على خمسٍ وسبعين ففيها بقرتان إلى مائةٍ وعشرين ، فإذا زادت على مائةٍ وعشرين ففي كلّ أربعين بقرة . قال الزّهريّ : وبلغنا أنّ قولهم : في كلّ ثلاثين تبيع ، وفي كلّ أربعين بقرة ، أنّ ذلك كان تخفيفاً لأهل اليمن ، ثمّ كان بعد ذلك لا يروى . وروي أيضاً عن عكرمة بن خالدٍ قال : استعملت - أي ولّيت - على صدقات ( عكّ ) فلقيت أشياخاً ممّن صدّق ( أخذت منهم الصّدقة ) على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاختلفوا عليّ : فمنهم من قال اجعلها مثل صدقة الإبل ، ومنهم من قال : في ثلاثين تبيع ، ومنهم من قال : في أربعين بقرة مسنّة . وذكر ابن حزمٍ أيضاً بسنده عن ابن المسيّب وأبي قلابة وآخرين مثل ما نقل عن الزّهريّ ، ونقل عن عمر بن عبد الرّحمن بن خلدة الأنصاريّ : أنّ صدقة البقر صدقة الإبل ، غير أنّه لا أسنان فيها . ما يجزئ في الأضحيّة : 10 - لا يجزئ في الأضحيّة سوى النّعم ، وهي الإبل والبقر والغنم ، خلافاً لمن قال : يجوز التّضحية بأيّ شيءٍ من مأكول اللّحم من النّعم أو من غيرها . وتفصيله في ( الأضحيّة ) . واتّفق العلماء على أنّ الشّخص إذا ضحّى بالبقرة الواحدة عن نفسه فقط فإنّ الأضحيّة تقع له ، وسواء أكانت واجبةً أم متطوّعاً بها . 11 - وأمّا الاشتراك في التّضحية بالبقرة الواحدة ففيه خلاف : فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وأكثر أهل العلم : إلى أنّ البقرة الواحدة تجزئ عن سبعة أشخاصٍ ، فيجوز لهم الاشتراك في البقرة الواحدة ، وسواء أكانوا أهل بيتٍ واحدٍ ، أم أهل بيتين ، أم متفرّقين ، وسواء أكانت أضحيّةً واجبةً أم متطوّعاً بها ، وسواء أراد بعضهم القربة أم أراد اللّحم ، فيقع لكلّ واحدٍ منهم ما قصد . إلاّ أنّه عند الحنفيّة لا بدّ أن يريد كلّهم القربة ، فلو أراد أحدهم اللّحم لم تجزئ عن الكلّ عندهم . وقال مالك : يجزئ الرّأس الواحد من الإبل أو البقر أو الغنم عن واحدٍ ، وعن أهل البيت وإن كثر عددهم وكانوا أكثر من سبعةٍ ، إذا أشركهم فيها تطوّعاً ، ولا تجزئ إذا اشتروها بينهم بالشّركة ، ولا على أجنبيّين فصاعداً . واحتجّ أصحاب القول الأوّل بما رواه جابر قال : { نحرنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعةٍ ، والبقرة عن سبعةٍ } وعنه قال : { خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مهلّين ، فأمرنا أن نشترك في الإبل والبقر ، كلّ سبعةٍ منّا في بدنةٍ } . وأمّا مالك فقد أخذ بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه كان يقول : البدنة عن واحدٍ والبقرة عن واحدٍ ، والشّاة عن واحدٍ لا أعلم شركاً . وقد روي هذا أيضاً عن غير ابن عمر كمحمّد بن سيرين فإنّه يرى أنّ النّفس الواحدة لا تجزئ إلاّ عن نفسٍ واحدةٍ فقط . البقر في الهدي : 12 - حكم البقرة في الهدي كحكمها في الأضحيّة ، باستثناء ما يتّصل بالتّضحية عن الرّجل وأهل بيته ، وتفصيله في ( الحجّ ، والهدي ) . أمّا إشعار البقر في الهدي فقد اتّفق العلماء ( سوى أبي حنيفة ) على أنّ الإشعار سنّة ، وأنّه مستحبّ ، وقد فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم والصّحابة من بعده ، واتّفقوا أيضاً على أنّ الإشعار سنّة في الإبل ، سواء أكان لها سنام أم لم يكن لها سنام ، فإن لم يكن لها سنام فإنّها تشعر في موضع السّنام . وأمّا البقر فمذهب الشّافعيّة : الإشعار فيها مطلقاً ، سواء أكان لها سنام أم لم يكن لها سنام ، فهي عندهم كالإبل . وقد ذهب مالك إلى أنّ البقر إذا كان لها سنام فإنّها تشعر ، أمّا إذا لم يكن لها سنام فإنّها لا تشعر . ( حكم التّقليد ) : 13 - التّقليد : جعل القلادة في العنق ، وتقليد الهدي : أن يعلّق في عنقه قطعة من جلدٍ ، ليعرف أنّه هدي فلا يتعرّض له . واتّفق العلماء على أنّ التّقليد مستحبّ في الإبل والبقر . وأمّا الغنم فقد ذهب الشّافعيّة إلى استحباب التّقليد فيها كالإبل والبقر . وذهب أبو حنيفة ومالك إلى عدم استحباب التّقليد فيها . وتقليد الإبل والبقر يكون بالنّعال ونحوها ممّا يشعر أنّها هدي . ذكاة البقر : 14 - ذكاة البقر كذكاة الغنم ، فإذا أريد تذكية البقرة فإنّها تضجع على جنبها الأيسر ، وتشدّ قوائمها الثّلاث : اليد اليمنى واليسرى والرّجل اليسرى ، وتترك الرّجل اليمنى بلا شدٍّ لتحرّكها عند الذّبح ، ويمسك الذّابح رأسها بيده اليسرى ، ويمسك السّكّين بيده اليمنى ، ثمّ يبدأ الذّبح بعد أن يقول : باسم اللّه واللّه أكبر وبعد أن يتّجه هو وذبيحته نحو القبلة . وأمّا الإبل فإنّها تنحر بطعنها في اللّبّة ، أي أسفل العنق ، وهي قائمة معقولة الرّكبة اليسرى . استعمال البقر للرّكوب : 15 - اتّفق العلماء على أنّ ما يركب من الأنعام ويحمل عليه هو الإبل . وأمّا البقر فإنّه لم يخلق للرّكوب ، وإنّما خلق لينتفع به في حرث الأرض ، وغير ذلك من المنافع سوى الرّكوب . وأمّا الغنم فهي للدّرّ والنّسل واللّحم لقوله تعالى : { وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون ، وعليها وعلى الفلك تحملون } ، وقوله تعالى : { اللّه الّذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون } ، وقوله تعالى : { وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون } . وأمّا الآيات الّتي تذكر أنّ الأنعام تركب فهي محمولة عند العلماء على بعض الأنعام ، وهي الإبل ، وهو من العامّ الّذي أريد به الخاصّ . وممّا يدلّ على أنّ استعمال البقر للرّكوب غير لائقٍ ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : { بينما رجل يسوق بقرةً له قد حمل عليها ، التفتت إليه البقرة فقالت : إنّي لم أخلق لهذا ، ولكنّي إنّما خلقت للحرث ، فقال النّاس : سبحان اللّه - تعجّباً وفزعاً - أبقرة تكلّم ؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : فإنّي أومن به وأبو بكرٍ وعمر } . بول وروث البقر : 16 - اتّفق الفقهاء على نجاسة بول وروث ما لا يؤكل لحمه ، سواء أكان إنساناً أم غيره . وأمّا بول وروث ما يؤكل لحمه كالإبل والبقر والغنم ففيه الخلاف فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والشّافعيّ إلى نجاسة الأبوال والأرواث كلّها ، من مأكول اللّحم وغيره . وذهب مالك وأحمد وطائفة من السّلف ، ووافقهم من الشّافعيّة ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبّان والإصطخريّ والرّويانيّ ، ومن الحنفيّة محمّد بن الحسن إلى طهارة بول ما يؤكل لحمه . وانظر للتّفصيل والاستدلال مصطلح ( نجاسة ) . حكم البقر في الدّية : 17 - اختلف العلماء في اعتبار البقر أصلاً في الدّية على قولين : فذهب أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ في القديم إلى أنّ الدّية ثلاثة أصولٍ : الإبل ، والذّهب ، والفضّة ، وليس أصلاً . وذهب صاحبا أبي حنيفة ( أبو يوسف ومحمّد بن الحسن ) والثّوريّ وأحمد بن حنبلٍ إلى أنّ الدّية خمسة أصولٍ : الإبل ، والذّهب ، والفضّة ، والبقر ، والغنم . وزاد الصّاحبان : الحلل ، وهو قول عمر وعطاءٍ وطاووسٍ وفقهاء المدينة السّبعة ، فعلى هذا القول تعتبر البقر أصلاً من أصول الدّية ، ويجوز لأصحابها - كما عند الصّاحبين - دفعها ابتداءً ، ولا يكلّفون غيرها . وذهب الشّافعيّ في الجديد إلى أنّ الدّية ليس لها إلاّ أصل واحد ، وهو الإبل ، فإذا فقدت فالواجب قيمتها من نقد البلد بالغةً ما بلغت . فليست البقر أصلاً على هذا القول كذلك . وانظر للتّفصيل مصطلح ( دية ) . بكاء التّعريف 1 - البكاء : مصدر بكى يبكي بكًى ، وبكاءً . قال في اللّسان : البكاء يقصر ويمدّ . قال الفرّاء وغيره : إذا مددت أردت الصّوت الّذي يكون مع البكاء ، وإذا قصرت أردت الدّموع وخروجها . قال كعب بن مالكٍ رضي الله عنه في رثاء حمزة بكت عيني وحقّ لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل قال الخليل : من قصر ذهب به إلى معنى الحزن ، ومن مدّه ذهب به إلى معنى الصّوت . والتّباكي : تكلّف البكاء كما في الحديث { فإن لم تبكوا فتباكوا } . ولا يخرج استعمال الفقهاء عن ذلك . الألفاظ ذات الصّلة : أ - الصّياح والصّراخ : 2 - الصّياح والصّراخ في اللّغة : هو الصّوت بأقصى الطّاقة ، وقد يكون معهما بكاء ، وقد لا يكون ، ويرد الصّراخ أيضاً لرفع الصّوت على سبيل الاستغاثة . ب - النّياح : 3 - النّياح والنّياحة لغةً : البكاء بصوتٍ على الميّت . وقال في المصباح ، وهو قريب ممّا جاء في القاموس : ناحت المرأة على الميّت نوحاً من باب قال ، والاسم النّواح وزان غرابٍ ، وربّما قيل : النّياح بالكسر ، فهي نائحة ، والنّياحة بالكسر : الاسم منه ، والمناحة بفتح الميم : موضع النّوح . ج النّدب : 4 - النّدب لغةً : الدّعاء إلى الأمر والحثّ عليه . والنّدب : البكاء على الميّت وتعداد محاسنه . والاسم : النّدبة . د - النّحب ، أو النّحيب : 5 - النّحب لغةً : أشدّ البكاء ، كالنّحيب . العويل : 6 - العويل : هو رفع الصّوت بالبكاء ، يقال : أعولت المرأة إعوالاً وعويلاً . هذا ويتّضح ممّا تقدّم أنّ النّحيب والعويل معناهما البكاء الشّديد ، وأنّ الصّراخ والصّياح متقاربان في المعنى ، وأنّ النّواح يأتي بمعنى البكاء على الميّت ، وأنّ النّدب هو تعداد محاسن الميّت ، وأنّ البكاء ما كان مصحوباً بصوتٍ ، والبكى ما كان بلا صوتٍ ، بأن كان قاصراً على خروج الدّمع . أسباب البكاء : 7 - للبكاء أسباب ، منها : خشية اللّه تعالى ، والحزن ، وشدّة الفرح . الحكم التّكليفيّ للبكاء في المصيبة : 8 - البكاء قد يكون قاصراً على خروج الدّمع فقط بلا صوتٍ ، أو بصوتٍ لا يمكن الاحتراز عنه ، وقد يكون مصحوباً بصوتٍ كصراخٍ أو نواحٍ أو ندبٍ وغيرها ، وهذا يختلف باختلاف من يصدر منه البكاء ، فمن النّاس من يقدر على كتمان الحزن ، ويملك السّيطرة على مشاعره ، ومنهم من لا يستطيع ذلك . فإن كان البكاء مجرّداً عن فعل اليد ، كشقّ جيبٍ أو لطمٍ ، وعن فعل اللّسان ، كالصّراخ ودعوى الويل والثّبور ونحو ذلك ، فإنّه مباح لقوله صلى الله عليه وسلم { إنّه مهما كان من العين والقلب فمن اللّه عزّ وجلّ ومن الرّحمة ، وما كان من اليد واللّسان فمن الشّيطان } ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً { إنّ اللّه لا يعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب ، ولكن يعذّب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم } . أمّا حكم البكاء في غير هذه الحالة فسيأتي فيما بعد . البكاء من خشية اللّه تعالى : 9 - المؤمن يعيش في جهادٍ مع نفسه ، ويراقب اللّه في جميع أفعاله وتصرّفاته ، فهو يخاف اللّه ، ويبكي عند ذكره سبحانه تعالى ، فهذا من المخبتين الّذين بشّرهم اللّه سبحانه وتعالى بقوله : { وبشّر المخبتين الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم والصّابرين على ما أصابهم والمقيمي الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون } وهم الّذين عناهم اللّه بقوله : { إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربّهم يتوكّلون } . وممّا قاله القرطبيّ في تفسير هذه الآية ، مع الإشارة إلى غيرها من الآيات القريبة منها في المعنى : وصف اللّه تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوجل عند ذكره ، وذلك لقوّة إيمانهم ومراعاتهم لربّهم ، وكأنّهم بين يديه ، ونظير هذه الآية { وبشّر المخبتين الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم } وقال : { الّذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر اللّه } ، فهذا يرجع إلى كمال المعرفة وثقة القلب ، والوجل : الفزع من عذاب اللّه ، فلا تناقض ، وقد جمع اللّه بين المعنيين في قوله تعالى : { اللّه نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه } أي تسكن نفوسهم مع اللّه من حيث اليقين ، وإن كانوا يخافون اللّه . 10 - فهذه حالة العارفين باللّه ، الخائفين من سطوته وعقوبته . لا كما يفعله جهّال العوّام والمبتدعة الطّغام ، من الزّعيق والزّئير ومن النّهاق الّذي يشبه نهاق الحمير ، فيقال لمن تعاطى ذلك ، وزعم أنّ ذلك وجد وخشوع : لم تبلغ أن تساوي حال الرّسول ولا حال أصحابه في المعرفة باللّه ، والخوف منه ، والتّعظيم لجلاله ، ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن اللّه والبكاء خوفاً من اللّه ، ولذلك وصف اللّه أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال : { وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرّسول ترى أعينهم تفيض من الدّمع ممّا عرفوا من الحقّ يقولون ربّنا آمنا فاكتبنا مع الشّاهدين } . فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم ، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم ، فمن كان مستنّاً فليستنّ بهم ، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسّهم حالاً ، والجنون فنون . روى مسلم عن أنس بن مالكٍ { أنّ النّاس سألوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى أحفّوه في المسألة ، فخرج ذات يومٍ ، فصعد المنبر ، فقال : سلوني ، لا تسألوني عن شيءٍ إلاّ بيّنته لكم ، ما دمت في مقامي هذا . فلمّا سمع ذلك القوم أرموا ورهبوا أن يكون بين يدي أمرٍ قد حضر ، قال أنس : فجعلت ألتفت يميناً وشمالاً فإذا كلّ إنسانٍ لافّ رأسه في ثوبه يبكي ... } . وذكر الحديث . وروى التّرمذيّ وصحّحه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال : { وعظنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب } . الحديث . ولم يقل : زعقنا ولا رقصنا ولا زفنا ولا قمنا . وقال صاحب روح المعاني في تفسير قوله تعالى : { الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم } أي خافت قلوبهم منه عزّ وجلّ لإشراق أشعّة الجلال عليها . 11 - والبكاء خشيةً من اللّه له أثره في العمل ، وفي غفران الذّنوب ، ويدلّ لذلك ما رواه التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : { عينان لا تمسّهما النّار : عين بكت من خشية اللّه ، وعين باتت تحرس في سبيل اللّه } . قال صاحب تحفة الأحوذيّ : قوله : { عينان لا تمسّهما النّار } أي لا تمسّ صاحبهما ، فعبّر بالجزء عن الجملة ، وعبّر بالمسّ إشارةً إلى امتناع ما فوقه بالأولى ، وفي روايةٍ : « أبداً " وفي روايةٍ : { لا يقربان النّار } . وقد ذكر صاحب روح المعاني أخباراً وردت في مدح البكاء خشيةً من اللّه تعالى ، من بينها هذا الحديث المتقدّم . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : { لا يلج النّار رجل بكى من خشية اللّه تعالى حتّى يعود اللّبن في الضّرع ، ولا يجتمع على عبدٍ غبار في سبيل اللّه تعالى ودخان جهنّم } . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية