الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41096" data-attributes="member: 329"><p>البلوغ بالسّنّ :</p><p>20 - جعل الشّارع البلوغ أمارةً على أوّل كمال العقل ، لأنّ الاطّلاع على أوّل كمال العقل متعذّر ، فأقيم البلوغ مقامه . والبلوغ بالسّنّ : يكون عند عدم وجود علامةٍ من علامات البلوغ قبل ذلك ، واختلف الفقهاء في سنّ البلوغ . فيرى الشّافعيّة ، والحنابلة ، وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة : أنّ البلوغ بالسّنّ يكون بتمام خمس عشرة سنةً قمريّةً للذّكر والأنثى ، كما صرّح الشّافعيّة بأنّها تحديديّة ، لخبر ابن عمر { عرضت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ ، وأنا ابن أربع عشرة سنةً فلم يجزني ، ولم يرني بلغت ، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنةً فأجازني ، ورآني بلغت } . قال الشّافعيّ : ردّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سبعة عشر من الصّحابة ، وهم أبناء أربع عشرة سنةً ، لأنّه لم يرهم بلغوا ، ثمّ عرضوا عليه وهم من أبناء خمس عشرة فأجازهم ، منهم : زيد بن ثابتٍ ورافع بن خديجٍ وابن عمر . ويرى المالكيّة أنّ البلوغ يكون بتمام ثماني عشرة سنةً ، وقيل بالدّخول فيها ، وقد أورد الحطّاب خمسة أقوالٍ في المذهب ، ففي روايةٍ : ثمانية عشر ، وقيل : سبعة عشر ، وزاد بعض شرّاح الرّسالة : ستّة عشرة ، وتسعة عشر ، وروي عن ابن وهبٍ خمسة عشر ، لحديث ابن عمر السّابق . ويرى أبو حنيفة : أنّ البلوغ بالسّنّ للغلام هو بلوغه ثماني عشرة سنةً ، والجارية سبع عشرة سنةً لقوله تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه } قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنه : الأشدّ ثماني عشرة سنةً . وهي أقلّ ما قيل فيه ، فأخذ به احتياطاً ، هذا أشدّ الصّبيّ ، والأنثى أسرع بلوغاً فنقصت سنةً .</p><p></p><p>السّنّ الأدنى للبلوغ الّذي لا تصحّ دعوى البلوغ قبله :</p><p>21 - السّنّ الأدنى للبلوغ في الذّكر : عند المالكيّة والشّافعيّة باستكمال تسع سنين قمريّةٍ بالتّمام ، وفي وجهٍ آخر للشّافعيّة : مضيّ نصف التّاسعة ، ذكره النّوويّ في شرح المهذّب . وعند الحنفيّة : اثنتا عشرة سنةً . وعند الحنابلة : عشر سنين . ويقبل إقرار الوليّ بأنّ الصّبيّ بلغ بالاحتلام ، إذا بلغ عشر سنين . والسّنّ الأدنى للبلوغ في الأنثى : تسع سنين قمريّةٍ عند الحنفيّة ، والشّافعيّة على الأظهر عندهم ، وكذا الحنابلة لأنّه أقلّ سنٍّ تحيض له المرأة ، ولحديث : { إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة } والمراد حكمها حكم المرأة ، وفي روايةٍ للشّافعيّة : نصف التّاسعة ، وقيل : الدّخول في التّاسعة ، ولأنّ هذا أقلّ سنٍّ لحيض الفتاة . والسّنّ الأدنى للبلوغ في الخنثى : تسع سنين قمريّةٍ بالتّمام ، وقيل نصف التّاسعة ، وقيل : الدّخول فيها .</p><p></p><p>إثبات البلوغ : يثبت البلوغ بالطّرق الآتية : الطّريق الأولى : الإقرار :</p><p>22 - تتّفق كلمة الفقهاء في المذاهب الأربعة على أنّ الصّغير إذا كان مراهقاً ، وأقرّ بالبلوغ بشيءٍ من العلامات الطّبيعيّة الّتي تخفى عادةً ، كالإنزال والاحتلام والحيض ، يصحّ إقراره ، وتثبت له أحكام البالغ فيما له وما عليه . قال المالكيّة : يقبل قوله في البلوغ نفياً وإثباتاً ، طالباً أو مطلوباً . فالطّالب كمن ادّعى البلوغ ليأخذ سهمه في الغنيمة ، أو ليؤمّ النّاس ، أو ليكمل العدد في صلاة الجمعة . والمطلوب كجانٍ ادّعى عدم البلوغ ليدرأ عن نفسه الحدّ أو القصاص أو الغرامة في إتلاف الوديعة ، وكمطلّقٍ ادّعى عدم البلوغ عند الطّلاق ، لئلاّ يقع عليه الطّلاق . ويشترط لقبول قوله أن يكون قد جاوز السّنّ الأدنى للبلوغ ، بل لا تقبل البيّنة ببلوغه قبل ذلك . فعند الحنفيّة : لا يقبل إقرار الصّبيّ قبل تمام اثني عشر عاماً ، وعند الحنابلة لا يقبل إقراره بذلك قبل تمام العاشرة ، وعند كليهما : لا يقبل إقرار الصّبيّة به قبل تمام التّاسعة ، ووجه صحّة الإقرار بالبلوغ : أنّه معنًى لا يعرف إلاّ من قبل الشّخص نفسه ، وفي تكليف الاطّلاع عليه عسر شديد ، ولا يكلّف البيّنة على ذلك . ولا يحلف أيضاً حتّى عند الخصومة ، فإن لم يكن في الحقيقة بالغاً فلا قيمة ليمينه ، لعدم الاعتداد بيمين الصّغير ، وإن كان بالغاً فيمينه تحصيل حاصلٍ ، وقد استثنى الشّافعيّة بعض الصّور يحلف فيها احتياطاً ، لكنّه يزاحم غيره في الحقوق ، كما لو طلب في الغنيمة سهم مقاتلٍ 23 - واشترط الفقهاء في المذاهب الأربعة لصحّة إقراره بذلك : أن لا يكون بحالٍ مريبةٍ ، أو كما عبّر الشّافعيّ رحمه الله : يقبل إن أشبه ، فإن لم يشبه لم يقبل ، ولو صدّقه أبوه . وعبّر الحنفيّة بقولهم إن لم يكذّبه الظّاهر ، بل يكون بحالٍ يحتلم مثله . والمراد أن يكون حال جسمه عند الإقرار حال البالغين ، ولا يشكّ في صدقه . هكذا أطلق فقهاء المذاهب - ما عدا المالكيّة - قبول قوله ، وفصّل المالكيّة فقالوا : إن ارتيب فيه يصدّق فيما يتعلّق بالجناية والطّلاق ، فلا يحدّ للشّبهة ، ولا يقع عليه الطّلاق استصحاباً لأصل الصّغر ، ولا يصدّق فيما يتعلّق بالمال ، فلو أقرّ بإتلاف الوديعة ، وأنّه بالغ ، فقال أبوه : إنّه غير بالغٍ ، فلا ضمان . وقد تعرّض بعض المالكيّة لقبول قول المراهقين في البلوغ إن ادّعياه بالإنبات . والفرق بين الإنبات وبين غيره من العلامات الطّبيعيّة الّتي ذكرت سابقاً : أنّه يسهل الاطّلاع عليه . وقد أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالكشف عمّن شكّ في بلوغه من غلمان بني قريظة . إلاّ أنّ كون العورة في الأصل يحرم كشفها ، دعا إلى قول الفقهاء إنّه يقبل قول الشّخص المشكوك فيه في نباتها وعدمه ، إلاّ أنّ ابن العربيّ المالكيّ خالف في ذلك وقال : إنّه ينبغي أن ينظر إليها ، ولكن لا ينظر مباشرةً بل من خلال المرآة . وردّ كلامه ابن القطّان من المالكيّة وقال : لا ينظر إليها مباشرةً ، ولا من خلال المرآة ، ويقبل كلامه إن ادّعى البلوغ بالإنبات .</p><p></p><p>البلوغ شرط للزوم الأحكام الشّرعيّة عند الفقهاء :</p><p>24 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الشّارع ربط التّكليف بالواجبات والمحرّمات ولزوم آثار الأحكام في الجملة بشرط البلوغ ، واستدلّوا على ذلك بأدلّةٍ منها :</p><p>أ - قول اللّه تعالى : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم } جعل البلوغ موجباً للاستئذان .</p><p>ب - ومنها قوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم } جعل بلوغ النّكاح موجباً لارتفاع الولاية الماليّة عن اليتيم ، بشرط كونه راشداً .</p><p>ج - ومنها قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ لمّا أرسله إلى اليمن : { خذ من كلّ حالمٍ ديناراً أو عدله معافريّاً } جعل الاحتلام موجباً للجزية .</p><p>د - ومنها ما حصل يوم قريظة ، من أنّ من اشتبهوا في بلوغه من الأسرى كان إذا أنبت قتل ، فإن لم يكن أنبت لم يقتل . فجعل الإنبات علامةً لجواز قتل الأسير .</p><p>هـ - ومنها قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : { لا يقبل اللّه صلاة حائضٍ إلاّ بخمارٍ } فجعل الحيض من المرأة موجباً لفساد صلاتها ، إن صلّت بغير خمارٍ .</p><p>و - ومنها حديث : { غسل يوم الجمعة واجب على كلّ محتلمٍ } بوّب عليه البخاريّ " باب بلوغ الصّبيان وشهادتهم " قال ابن حجرٍ : ويستفاد مقصود التّرجمة - يعني شهادة الصّبيان - بالقياس على بقيّة الأحكام من حيث تعلّق الوجوب بالاحتلام .</p><p>ز - ومنها حديث : { رفع القلم عن ثلاثةٍ : عن الصّغير حتّى يكبر ... } جعل الخروج عن حدّ الصّغير موجباً لكتابة الإثم ، على من فعل ما يوجبه . فهذه الأدلّة وأمثالها - ممّا يأتي في شأن علامات البلوغ - تدلّ على أنّ الشّارع ربط التّكليف ولزوم الأحكام عامّةً بشرط البلوغ ، فمن اعتبر بالغاً بأيّ علامةٍ من علامات البلوغ فهو رجل تامّ أو امرأة تامّة ، مكلّف - إن كان عاقلاً - كغيره من الرّجال والنّساء ، يلزمه ما يلزمهم ، وحقّ له ما يحقّ لهم . وقد نقل بعضهم الإجماع على ذلك ، فقال ابن المنذر : وأجمعوا على أنّ الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل . وقال ابن حجرٍ : أجمع العلماء على أنّ الاحتلام في الرّجال والنّساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام .</p><p></p><p>ما يشترط له البلوغ من الأحكام :</p><p>أ - ما يشترط لوجوبه البلوغ :</p><p>25 - التّكليف بالفرائض والواجبات وترك المحرّمات يشترط له البلوغ ، ولا تجب على غير البالغ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : { رفع القلم عن ثلاثةٍ : عن الصّغير حتّى يكبر ... } الحديث ، وذلك كالصّلاة والصّوم والحجّ على أنّ في الزّكاة خلافاً . ومع هذا ينبغي لوليّ الصّغير أن يجنّبه المحرّمات ، وأن يأمره بالصّلاة ونحوها ليعتادها ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : { مروا أبناءكم بالصّلاة لسبعٍ ، واضربوهم عليها لعشرٍ ، وفرّقوا بينهم في المضاجع } . ومع هذا إذا أدّاها الصّغير ، أو فعل المستحبّات تصحّ منه ، ويؤجر عليها . ولا يجب القصاص والحدود ، كحدّ السّرقة وحدّ القذف ولكن يجوز أن يؤدّب .</p><p></p><p>ب - ما يشترط لصحّته البلوغ :</p><p>26 - البلوغ شرط صحّةٍ في كلّ ما يشترط له تمام الأهليّة ، ومن ذلك : الولايات كلّها ، كالإمارة والقضاء والولاية على النّفس والشّهادة في الجملة . ومن ذلك التّصرّفات المتمحّضة للضّرر كالهبة والعاريّة والوقف والكفالة . ومن ذلك أيضاً : الطّلاق ، وما في معناه كالظّهار والإيلاء والخلع والعتق ، وكذلك النّذر . وينظر تفصيل كلّ ذلك في موطنه ، وفي مصطلح ( صغر ) .</p><p></p><p>ما يثبت بطروء البلوغ من الأحكام :</p><p>27 - من الصّعوبة بمكانٍ حصر جميع الأحكام الّتي تثبت بمجرّد طروء البلوغ ، وفيما يلي بعض الأمثلة للأحكام الّتي تثبت بمجرّد أن يحتلم الصّبيّ أو الصّبيّة ، أو يريا أيّة علامةٍ من علامات البلوغ : أوّلاً في باب الطّهارة : إعادة التّيمّم :</p><p>28 - عند الشّافعيّة والحنابلة إذا تيمّم ، وهو غير بالغٍ ، ثمّ بلغ بما لا ينقض الطّهارة كالسّنّ ، لزمه أن يعيد التّيمّم إن أراد أن يصلّي الفرض ، لأنّ تيمّمه قبل بلوغه كان لنافلةٍ ، إذ أنّه لو تيمّم للظّهر مثلاً فقد كانت في حقّه نافلةً ، فلا يستبيح به الفرض ، وهذا بخلاف من توضّأ أو اغتسل ثمّ بلغ ، لا يلزمه إعادتهما ، لأنّ الوضوء والغسل للنّافلة يرفعان الحدث من أصله . أمّا التّيمّم فهو مبيح وليس رافعاً ، والمشهور من مذهب المالكيّة كذلك : أنّه مبيح لا رافع . أمّا مذهب الحنفيّة ، وهو قول عند المالكيّة فهو أنّ التّيمّم رافع للحدث إلى وقت وجود الماء مع القدرة على استعماله ، وهذا يقتضي أن ليس على الصّبيّ إذا تيمّم ، ثمّ بلغ إعادة التّيمّم .</p><p></p><p>ثانياً - في باب الصّلاة :</p><p>29 - تجب على الصّبيّ أو الصّبيّة الصّلاة الّتي بلغ في وقتها إن لم يكن قد صلّاها إجماعاً ، حتّى المالكيّة - الّذين قالوا : يحرم تأخير الصّلاة إلى الوقت الضّروريّ ، أي للعصر في الجزء الآخر من وقتها ، والصّبح كذلك - قالوا : لو بلغ في الوقت الضّروريّ فعليه أن يصلّيها ، ولا حرمة عليه . 30 - ولو أنّه صلّى صلاة الوقت ، ثمّ بلغ قبل خروج وقتها ، لزمه إعادتها ، وذلك لأنّ الصّلاة الّتي صلّاها قبل البلوغ نفل في حقّه ، لعدم وجوبها عليه ، فلم تجزئه عن الواجب ، هذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . ونصّ المالكيّة أيضاً على أنّه لو صلّى الظّهر ، ثمّ بلغ قبل صلاة الجمعة ، تجب عليه الجمعة مع النّاس . وكذا إن صلّى الجمعة ، ثمّ بلغ ووجد جمعةً أخرى ، وجب عليه الإعادة معهم ، وإن فاتته الجمعة أعادها ظهراً ، لأنّ فعله الأوّل - ولو جمعةً - وقع نفلاً ، فلا يجزئ عن الفرض . أمّا مذهب الشّافعيّة ، فهو أنّه لا يلزم الصّبيّ الإعادة إذا بلغ في الوقت وقد صلّى ، قالوا : لأنّه أدّى وظيفة الوقت . ولو أنّه بلغ في أثناء الصّلاة يلزمه إتمام الصّلاة الّتي هو فيها ، ولا يجب عليه إعادتها ، بل تستحبّ . 31 - تجب عليه الصّلاة الّتي بلغ في وقتها ، كما تقدّم ، ويجب عليه مع ذلك أن يصلّي الصّلاة الّتي تجمع إلى الحاضرة قبلها ، فلو بلغ قبل أن تغرب الشّمس وجب عليه أن يصلّي الظّهر والعصر ، ولو بلغ قبل الفجر وجب عليه أن يصلّي المغرب والعشاء . قال ابن قدامة : روي هذا القول عن عبد الرّحمن بن عوفٍ وابن عبّاسٍ وطاووسٍ ومجاهدٍ والنّخعيّ والزّهريّ وربيعة ، وهو قول مالكٍ والشّافعيّ واللّيث وإسحاق وأبي ثورٍ وعامّة التّابعين ، إلاّ أنّ مالكاً قال : لا تجب الأولى إلاّ بإدراك ما يسع خمس ركعاتٍ أي الصّلاة الأولى منهما كاملةً وركعةً واحدةً على الأقلّ من الثّانية . وعند الحنابلة : لو أدرك ما يسع تكبيرة إحرامٍ فقد لزمته الصّلاتان . وعند الشّافعيّة : بإدراك ركعةٍ واحدةٍ . ووجه هذا القول : أنّ وقت الثّانية هو وقت للأولى حال العذر ، أي لأنّه يمكن في حال السّفر أو نحوه أن يؤخّر الظّهر إلى العصر ، والمغرب إلى العشاء ، فوقت العصر وقت للظّهر من وجهٍ ، وكذلك المغرب والعشاء ، فكأنّه بإدراكه وقت الثّانية مدرك للأولى أيضاً . وخالف في هذه المسألة الحنفيّة والثّوريّ والحسن البصريّ ، فرأوا أنّه يصلّي الصّلاة الّتي بلغ في وقتها فقط .</p><p></p><p>ثالثاً - الصّوم :</p><p>32 - إن بيّت الصّبيّ الصّوم في رمضان ، ثمّ بلغ أثناء النّهار وهو صائم ، فإنّه يجب عليه إتمام صومه بغير خلافٍ ، لأنّه - كما قال الرّمليّ الشّافعيّ - صار من أهل الوجوب في أثناء العبادة ، فأشبه ما لو دخل البالغ في صوم تطوّعٍ ، ثمّ نذر إتمامه . فإن صام في تلك الحال فلا قضاء عليه إلاّ في وجهٍ عند الحنابلة . أمّا إن بيّت الإفطار ، ثمّ بلغ أثناء النّهار ، فقد اختلف الفقهاء في ذلك في موضعين : في حكم الإمساك بقيّة النّهار ، وفي حكم قضاء ذلك اليوم . 33 - فأمّا الإمساك فقد اختلفوا فيه : فذهب الحنفيّة والحنابلة - وهو قول لدى الشّافعيّة - إلى أنّه يجب عليه الإمساك بقيّة اليوم ، لإدراكه وقت الإمساك ، وإن لم يدرك وقت الصّوم . واحتجّوا بما ورد في فرض عاشوراء - قبل أن ينسخ بفرض رمضان - فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : { من كان منكم أصبح مفطراً فليمسك بقيّة يومه ، ومن كان أصبح صائماً فليتمّ صومه } قالوا : والأمر يقتضي الوجوب ، وذلك لحرمة الشّهر . وذهب الشّافعيّة - في الأصحّ عندهم - إلى أنّ الإمساك في تلك الحال مستحبّ ، وليس واجباً . وإنّما استحبّوه لحرمة الوقت . ولم يجب الإمساك في تلك الحال ، لأنّه أفطر بعذرٍ هو الصّغر ، فأشبه المسافر إذا قدم ، والمريض إذا برأ . وذهب المالكيّة إلى أنّ الإمساك حينئذٍ لا يجب ولا يستحبّ ، ككلّ صاحب عذرٍ يباح لأجله الفطر . 34 - وأمّا القضاء قد اختلفوا فيه كذلك : فذهب الشّافعيّة - في قولٍ - إلى أنّ القضاء واجب ، وفصّل الحنابلة بين من أصبح مفطراً ، ثمّ بلغ في أثناء النّهار ، فالقضاء واجب عليه ، لأنّه أدرك جزءاً من وقت الوجوب ، ولا يمكن فعله إلاّ بصومٍ كاملٍ . وبين من بيّت الصّوم من اللّيل ، وأصبح صائماً ثمّ بلغ ، فلا قضاء عليه ، خلافاً لأبي الخطّاب منهم . وقال الحنفيّة والمالكيّة ، والشّافعيّة في الأصحّ عندهم : لا يجب القضاء لعدم تمكّنه من زمنٍ يسع الكلّ . وفرّقوا بين ذلك وبين الصّلاة ، إذ يجب فعلها لمن بلغ في الوقت ، لأنّ السّبب فيها الجزء المتّصل بأدائها ، فوجدت الأهليّة عنده ، وأمّا الصّوم فالسّبب فيه الجزء الأوّل والأهليّة منعدمة فيه ، وبهذا علّله الحنفيّة . هذا وقد ورد في المغني أنّ الأوزاعيّ كان يرى أنّ الصّبيّ إذا بلغ أثناء شهر رمضان ، يلزمه قضاء الأيّام الّتي سبقت بلوغه من الشّهر ، إن كان قد أفطرها ، وهو خلاف ما عليه عامّة أهل العلم .</p><p></p><p>رابعاً : الزّكاة :</p><p>35 - اختلف في وجوب الزّكاة على من لم يبلغ . فذهب جمهور الفقهاء إلى وجوبها ، لتعلّق الوجوب بالمال . وذهب الحنفيّة إلى أنّها لا تجب ، لأنّها عبادة تلزم الشّخص المكلّف ، والصّبيّ ليس من أهل التّكليف . فعلى هذا إذا بلغ الصّبيّ : فعند الحنفيّة يبدأ حول زكاته من حين بلوغه ، إن كان يملك نصاباً . أمّا عند غير الحنفيّة : فالحول الّذي بدأ قبل البلوغ ممتدّ بعده . وعند غير الحنفيّة كذلك يلزم الصّبيّ إذا بلغ راشداً أداء الزّكاة ، لما مضى من الأعوام ، منذ دخل المال في ملكه ، إن لم يكن وليّه يخرج عنه الزّكاة . أمّا إن بلغ سفيهاً ، فاستمرّ الحجر عليه ، فإنّه عند الحنفيّة يؤدّيها بنفسه لاشتراط النّيّة ، ولا يقوم عنه وليّه في ذلك . قالوا : غير أنّه يدفع القاضي إليه قدر الزّكاة ليفرّقها ، لكن يبعث معه أميناً ، كي لا يصرفها في غير وجهها ، بخلاف النّفقات الواجبة على السّفيه لأقاربه مثلاً ، فإنّ وليّه يتولّى دفعها لعدم اشتراط النّيّة فيها . أمّا عند الشّافعيّة ، قد قال الرّمليّ : لا يفرّق السّفيه الزّكاة بنفسه ، لكن إن أذن له الوليّ ، وعيّن المدفوع له ، صحّ صرفه ، كما يجوز للأجنبيّ توكيله فيه . وينبغي أن يكون تفريقه الزّكاة بحضرة الوليّ أو نائبه ، لاحتمال تلف المال لو خلا به السّفيه ، أو دعواه صرفها كاذباً . ولم يتعرّض لكون الوليّ يخرجها أو يؤخّرها إلى الرّشد . ولم يتعرّض المالكيّة والحنابلة لهذه المسألة فيما رأيناه من كلامهم .</p><p></p><p>خامساً : الحجّ :</p><p>36 - إذا حجّ الصّغير ثمّ بلغ فعليه حجّة أخرى ، هي حجّة الإسلام بالنّسبة إليه ، ولا تجزئه الحجّة الّتي حجّها قبل البلوغ . نقل الإجماع على ذلك التّرمذيّ وابن المنذر ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : { إنّي أريد أن أجدّد في صدور المؤمنين عهداً : أيّما مملوكٍ حجّ به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجّه ، وإن عتق قبل أن يموت فليحجّ ، وأيّما غلامٍ حجّ به أهله قبل أن يدرك ، فقد قضى حجّته ، وإن بلغ فليحجج } ، ولأنّها عبادة بدنيّة فعلها قبل وقت الوجوب ، فلم يمنع ذلك وجوبها عليه في وقتها . قال الرّمليّ : والمعنى فيه : أنّ الحجّ وظيفة العمر ، لا تكرار فيه ، فاعتبر وقوعه في حالة الكمال . 37 - إذا بلغ المراهق ( أو المراهقة ) وهو محرم بعد أن تجاوز الميقات ، فإن كان بلوغه وهو واقف بعرفة ، أو قبل الوقوف ، أو كان بلوغه بعد الوقوف ، ولكن رجع فوقف بعرفاتٍ قبل الفجر من ليلة يوم النّحر ، وأتمّ المناسك كلّها ، فهل تجزئه ذلك عن حجّة الإسلام ؟ مذهب الشّافعيّ وأحمد : أنّ ذلك يجزئه عن حجّة الإسلام ، ولا دم عليه ، ولا يجدّد لحجّته تلك إحراماً ، لما ورد عن ابن عبّاسٍ أنّه قال : إذا عتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجّته ، فإن عتق بجمعٍ - يعني المزدلفة - لم تجزئ عنه وقياساً على ما لو أحرم غيره من البالغين الأحرار بعرفة ، فإنّ ذلك يجزئه عن حجّة الإسلام إذا أتمّ مناسكه ، فكذلك من بلغ بعرفة . ومذهب الحنفيّة أنّ ذلك يجزئه بشرط أن يجدّد إحراماً بعد بلوغه قبل الوقوف ، فإن لم يجدّد إحراماً لم يجزئه ، لأنّ إحرامه انعقد نفلاً ، فلا ينقلب فرضاً . قالوا : والإحرام وإن كان شرطاً للحجّ إلاّ أنّه شبيه بالرّكن ، فاعتبرنا شبه الرّكن احتياطاً للعبادة . وفي روايةٍ عن الشّافعيّ - كما في مختصر المزنيّ - أنّ عليه في ذلك دماً ، أي لأنّه كمن جاوز الميقات غير محرم . ومذهب مالكٍ أنّ ذلك لا يجزئه عن حجّة الإسلام أصلاً . وليس له أن يجدّد إحرامه بعد بلوغه . ولكن عليه أن يمضي على إحرامه الّذي احتلم فيه ، ولا يجزئه من حجّة الإسلام . 38 - إذا تجاوز الصّبيّ الميقات غير محرمٍ ، ثمّ بلغ ، فأحرم من مكان دون الرّجوع إلى الميقات : يرى الحنفيّة والمالكيّة ، وهو رواية عند الحنابلة أنّه يجزئه ذلك ، وليس عليه دم ، لأنّه كالمكّيّ ومن كان منزله دون الميقات . ويرى الشّافعيّ ، وهو الرّواية الأخرى عن أحمد : أنّ عليه إن لم يرجع إلى الميقات دماً ، لأنّه تجاوز الميقات دون إحرامٍ .</p><p></p><p>سادساً : خيار البلوغ : تخيير الزّوج والزّوجة في الصّغر :</p><p>39 - يرى أكثر الحنفيّة : أنّ الصّغير أو الصّغيرة - ولو ثيّباً - إن زوّجهما غير الأب والجدّ ، كالأخ أو العمّ ، من كفءٍ وبمهر المثل ، صحّ النّكاح ، ولكن لهما خيار الفسخ بالبلوغ ، إذا علما بعقد النّكاح قبل البلوغ أو عنده ، أو علما بالنّكاح بعد البلوغ ، بأن بلغا ولم يعلما به ثمّ علما بعده ، فإن اختار الفسخ لا يتمّ الفسخ إلاّ بالقضاء ، لأنّ في أصله ضعفاً ، فيتوقّف على الرّجوع إلى القضاء . وقال أبو يوسف : لا خيار لهما ، اعتباراً بما لو زوّجهما الأب والجدّ ، ويبطل خيار البكر بالسّكوت لو مختارةً عالمةً بأصل النّكاح ، ولا يمتدّ إلى آخر مجلس بلوغها أو علمها بالنّكاح . أي إذا بلغت وهي عالمة بالنّكاح ، أو علمت به بعد بلوغها ، فلا بدّ من الفسخ في حال البلوغ أو العلم ، فلو سكتت - ولو قليلاً - بطل خيارها ، ولو قبل تبدّل المجلس . وكذا لا يمتدّ إلى آخر مجلس بلوغها أو علمها بالنّكاح ، بأن جهلت بأنّ لها خيار البلوغ ، أو بأنّه لا يمتدّ إلى آخر مجلس بلوغها ، فلا تعذر بدعوى جهلها أنّ لها الخيار ، لأنّ الدّار دار إسلامٍ ، فلا تعذر بالجهل ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمّد : إنّ خيارها يمتدّ إلى أن تعلم أنّ لها خياراً ، وخيار الصّغير إذا بلغ والثّيّب - سواء أكانت ثيّباً في الأصل ، أو كانت بكراً ، ثمّ دخل بها ، ثمّ بلغت - لا يبطل بالسّكوت بلا صريح الرّضا ، أو دلالةٍ على الرّضا ، كقبلةٍ ولمسٍ ودفع مهرٍ ، ولا يبطل بقيامها عن المجلس ، لأنّ وقته العمر ، فيبقى الخيار حتّى يوجد الرّضا . وإذا زوّج القاضي صغيرةً من كفءٍ ، وكان أبوها أو جدّها فاسقاً ، فلها الخيار في أظهر الرّوايتين عند أبي حنيفة ، وهو قول محمّدٍ . 40 - وعند المالكيّة : إذا عقد للصّغير وليّه - أباً كان أو غيره - على شروطٍ شرطت حين العقد ، وكانت تلزم إن وقعت من مكلّفٍ - كأن اشترط لها في العقد أنّه إن تزوّج عليها فهي ، أو الّتي تزوّجها طالق - أو زوّج الصّغير نفسه بالشّروط وأجازها وليّه ، ثمّ بلغ وكره بعد بلوغه تلك الشّروط - والحال أنّه لم يدخل بها ، لا قبل البلوغ ولا بعده - عالماً بها ، فهو مخيّر بين التزامها وثبوت النّكاح ، وبين عدم التزامها وفسخ النّكاح بطلاقٍ ، ومحلّ ذلك ما لم ترض المرأة بإسقاط الشّروط . والصّغيرة في هذا حكمها حكم الصّغير . والتّفصيل في باب ( الولاية ) من كتب الفقه . وإن زوّج الصّغير نفسه بغير إذن وليّه ، فلوليّه فسخ عقده بطلاقٍ ، لأنّه نكاح صحيح ، غاية الأمر أنّه غير لازمٍ . وقال ابن الموّاز من المالكيّة : إذا لم يرد الوليّ نكاح الصّبيّ - والحال أنّ المصلحة في ردّه - حتّى كبر وخرج من الولاية جاز النّكاح ، وينبغي أن ينتقل النّظر إليه فيمضي أو يردّ ، ومفاده أنّ للصّغير حقّ الاختيار بعد بلوغه . والتّفصيل في باب ( الولاية ) . 41 - ويرى الشّافعيّة في قولٍ عندهم : أنّ الصّغير إذا زوّجه أبوه امرأةً معيبةً بعيبٍ صحّ النّكاح ، وثبت له الخيار - إذا بلغ - ولا يصحّ على المذهب لأنّه خلاف الغبطة . والصّغير إن زوّجه أبوه من لا تكافئه ، ففي الأصحّ أنّ نكاحه على هذا الوجه جائز ، لأنّ الرّجل لا يتعيّر باستفراش من لا تكافئه ، ولكن له الخيار . وهناك قول بعدم صحّة العقد ، لأنّ الولاية ولاية مصلحةٍ ، وليست المصلحة في تزويجه ممّن لا تكافئه . وإن زوّج الأب أو الجدّ الصّغيرة من غير كفءٍ يثبت لها الخيار إذا بلغت ، لوقوع النّكاح على الوجه المذكور صحيحاً على خلاف الأظهر ، والنّقص لعدم الكفاءة يقتضي الخيار . وعلى الأظهر : التّزويج باطل . 42 - وعند الحنابلة لا يجوز لغير الأب تزويج الصّغيرة ، فإن زوّجها الأب فلا خيار لها ، وإن زوّجها غير الأب فالنّكاح باطل . وفي روايةٍ : يصحّ تزويج غير الأب ، وتخيّر إذا بلغت ، كمذهب أبي حنيفة . وقيل : تخيّر إذا بلغت تسعاً . فإن طلقت قبله وقع الطّلاق وبطل خيارها . وكذا يبطل خيارها إن وطئها بعد أن تمّ لها تسع سنين ولم تخيّر . وليس لوليّ صغيرٍ تزويجه بمعيبةٍ بعيبٍ يردّ به في النّكاح ، وكذا ليس لوليّ الصّغيرة تزويجها بمعيبٍ بعيبٍ يردّ به في النّكاح ، لوجوب نظره لهما بما فيه الحظّ والمصلحة ، ولا حظّ لهما في هذا العقد ، فإن فعل وليّ غير المكلّف والمكلّفة بأن زوّجه بمعيبٍ يردّ به - عالماً بالعيب - لم يصحّ النّكاح ، لأنّه عقد لهما عقداً لا يجوز ، وإن لم يعلم الوليّ أنّه معيب صحّ العقد ، ووجب عليه الفسخ إذا علم . وهذا خلافاً لما ورد في المنتهى فيما يوهم إباحة الفسخ ، ومن الحنابلة من قال : لا يفسخ ، وينتظر البلوغ لاختيارهما . وتفصيل ما ذكر يرجع إليه في باب ( النّكاح ، والولاية ) .</p><p></p><p>سابعاً - انتهاء الولاية على النّفس بالبلوغ :</p><p>43 - عند الحنفيّة : تنتهي الولاية على النّفس بالنّسبة لولاية الإنكاح في الحرّة بالتّكليف ( البلوغ والعقل ) فيصحّ نكاح حرّةٍ مكلّفةٍ بلا رضى وليٍّ ، وتترتّب الأحكام من طلاقٍ وتوارثٍ وغيرهما . وتنتهي الحضانة للجارية البكر ببلوغها بما تبلغ به النّساء من الحيض ونحوه ، ويضمّها الأب إلى نفسه وإن لم يخف عليها الفساد ، لو كانت حديثة السّنّ ، والأخ والعمّ كذلك عند فقد الأب ما لم يخف عليها منهما ، فينظر القاضي امرأةً ثقةً فتسلّم إليها ، وتنتهي ولاية الأب على الأنثى إذا كانت مسنّةً ، واجتمع لها رأي ، فتسكن حيث أحبّت حيث لا خوف عليها ، وإن ثيّباً لا يضمّها إلاّ إذا لم تكن مأمونةً على نفسها ، فللأب والجدّ الضّمّ ، لا لغيرهما كما في الابتداء . وتنتهي ولاية الأب على الغلام إذا بلغ وعقل واستغنى برأيه ، إلاّ إذا لم يكن مأموناً على نفسه ، بأن يكون مفسداً مخوفاً عليه ، فللأب ولاية ضمّه إليه لدفع فتنةٍ أو عارٍ ، وتأديبه إذا وقع منه شيء ، والجدّ بمنزلة الأب فيما ذكر من أحكام البكر والثّيّب والغلام . وعند المالكيّة : تنتهي الولاية على النّفس بالنّسبة للصّغير ببلوغه الطّبيعيّ ، وهو بلوغ النّكاح ، فيذهب حيث شاء ، ولكن إذا كان يخشى عليه الفساد لجماله مثلاً ، أو كما إذا كان يصطحب الأشرار وتعوّد معهم أخلاقاً فاسدةً ، يبقى حتّى تستقيم أخلاقه . وإذا بلغ الذّكر رشيداً ذهب حيث يشاء ، لانقطاع الحجر عنه بالنّسبة لذاته ، وإذا بلغ الذّكر - ولو زمناً أو مجنوناً - سقطت عنه حضانة الأمّ على المشهور . وبالنّسبة للأنثى ، فتستمرّ الحضانة عليها والولاية على النّفس حتّى تتزوّج ، ويدخل بها الزّوج . وعند الشّافعيّة : تنتهي الولاية على الصّغير - ذكراً كان أو أنثى - بمجرّد بلوغه . وعند الحنابلة : لا تثبت الحضانة إلاّ على الطّفل أو المعتوه ، فأمّا البالغ الرّشيد فلا حضانة عليه ، فإن كان رجلاً فله الانفراد بنفسه لاستغنائه عن أبويه ، وإن كانت أنثى لم يكن لها الانفراد ، ولأبيها منعها منه ، لأنّه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها ، ويلحق العار بها وبأهلها ، وإن لم يكن لها أب فلوليّها وأهلها منعها من ذلك .</p><p></p><p>ثامناً : الولاية على المال :</p><p>44 - تنقضي الولاية على المال أيضاً ببلوغ الصّغير عاقلاً ، ذكراً كان أو أنثى ، وينفكّ الحجر عنه ، ولكن يشترط لذلك باتّفاق الفقهاء أن يكون رشيداً ، لقوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم } وفي المسألة خلاف وتفصيل يرجع لمعرفته إلى أبواب الحجر .</p><p></p><p>بناء</p><p>التّعريف</p><p>1 - البناء لغةً : وضع شيءٍ على شيءٍ على وجهٍ يراد به الثّبوت . ويطلق على بناء الدّور ونحوها ، وضدّه الهدم والنّقض ، ويطلق البناء أيضاً على الدّخول بالزّوجة يقال : بنى على أهله ، وبنى بأهله . والأوّل أفصح ، ويكنّى بهذا عن الجماع بعد عقد النّكاح . وأصله : أنّ الرّجل كان إذا تزوّج بنى للعرس خباءً جديداً ، وعمّره بما يحتاج إليه . ويطلقه الفقهاء : على الدّور ونحوها ، وعلى إتمام العبادة بالنّيّة الأولى إذا طرأ فيها خلل لا يوجب التّجديد . ومن أمثلة ذلك : إذا سلّم المسبوق بسلام الإمام سهواً ، بنى على صلاته وسجد للسّهو . وإذا رعف المصلّي في الصّلاة ، ولم يصب الدّم ثوبه أو بدنه ، بنى على صلاته . إذا تكلّم المؤذّن أثناء الأذان عمداً أو سهواً بنى ، ولم يستأنف . وإذا خرج المجمعون أثناء الخطبة من المسجد ثمّ رجعوا قبل طول الفصل ، بنى الخطيب على ما مضى من خطبته في وجودهم ، ولم يستأنف . كما يطلق البناء على التّفريع على القاعدة الفقهيّة ، أي التّخريج عليها .</p><p>( الألفاظ ذات الصّلة ) :</p><p>أ - التّرميم :</p><p>2 - التّرميم : هو إصلاح البناء .</p><p>ب - العمارة :</p><p>3 - العمارة : ما يعمّر به المكان ، ويطلق على بناء الدّار ، وضدّ العمارة الخراب ، ويطلق الخراب على المكان الّذي خلا بعد عمارته .</p><p>ج - الأصل :</p><p>4 - الأصل لغةً : أسفل الشّيء . ويطلق اصطلاحاً على : ما يبنى عليه غيره ، ويقابله الفرع ، وعلى الرّاجح ، وعلى الدّليل ، وعلى القاعدة الّتي تجمع جزئيّاتٍ ، وعلى المتفرّع منه كالأب يتفرّع منه أولاده .</p><p>د - العقار :</p><p>5 - العقار هو : ما يقابل المنقول ، وهو كلّ ملكٍ ثابتٍ له أصل في الأرض ( الحكم الإجماليّ ) : أوّلاً - البناء ( بمعنى إقامة المباني ) 6 - الأصل في البناء الإباحة ، وإن زاد على سبعة أذرعٍ ، أمّا النّهي الوارد عنه في الحديث وهو { إذا أراد اللّه بعبدٍ شرّاً أخضر له اللّبن والطّين ، حتّى يبني } . فقد بيّن المناويّ أنّ ذلك يحمل على ما كان للتّفاخر ، أو زاد عن الحاجة . وتعتريه باقي الأحكام الخمسة : فيكون واجباً : كبناء دار المحجور عليه إذا كان في البناء غبطة ( مصلحة ظاهرة تنتهز قد لا تعوّض ) . وحراماً : كالبناء في الأماكن ذات المنافع المشتركة ، كالشّارع العامّ ، وبناء دور اللّهو ، والبناء بقصد الإضرار ، كسدّ الهواء عن الجار . ومندوباً : كبناء المساجد والمدارس ، والمستشفيات ، وكلّ ما فيه مصلحة عامّة للمسلمين حيث لا يتعيّن ذلك لتمام الواجبات ، وإلاّ صار واجباً ، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب . ومكروهاً : كالتّطاول في البنيان لغير حاجةٍ .</p><p></p><p>الوليمة للبناء :</p><p>7 - هي مستحبّة ، كبقيّة الولائم الّتي تقام لحدوث سرورٍ أو اندفاع شرٍّ ، وتسمّى الوليمة للبناء ( وكيرة ) ولا تتأكّد تأكّد وليمة النّكاح . وقد ذكر بعض الشّافعيّة قولاً بوجوبها ، لأنّ الشّافعيّ قال : بعد ذكر الولائم - ومنها الوكيرة - : ولا أرخّص في تركها . وذهب بعض المالكيّة إلى أنّها مكروهة ، وعن بعضهم أنّها مباحة . وينظر التّفصيل في مصطلح ( وليمة ) .</p><p></p><p>من أحكام البناء :</p><p>أ - هل البناء من المنقولات ؟ 8 - صرّح الحنفيّة بأنّ البناء من المنقولات . وعند بقيّة المذاهب هو من غير المنقول وللتّفصيل ينظر مصطلح ( عقار ) .</p><p></p><p>ب - قبض البناء :</p><p>9 - يكون قبض البناء في البيع بتخليته للمشتري ، وتمكين المشتري من التّصرّف فيه ، كما صرّح به الحنفيّة والشّافعيّة وقالوا : من تمكينه من التّصرّف تسليمه المفتاح إليه ، بشرط فراغ البناء من أمتعة البائع ، وأن لا يكون مانع شرعيّ أو حسّيّ . قالوا : لأنّ الشّارع أطلق القبض وأناط به أحكاماً ولم يبيّنه ، وليس له حدّ في اللّغة ، فيجب الرّجوع إلى العرف ، وهو يقتضي ما ذكرناه . وللتّفصيل ينظر مصطلح ( قبض ) .</p><p></p><p>ج - جريان الشّفعة في البناء المبيع :</p><p>10 - تجري الشّفعة في البناء إذا بيع مع الأرض تبعاً لها ، ولا تثبت فيه إذا بيع منفرداً ، وعلى هذا جمهور الفقهاء . وعند الإمام مالكٍ وعطاءٍ وهو رواية عن أحمد : تثبت فيه الشّفعة ، وإن بيع منفرداً . وانظر مصطلح ( شفعة ) .</p><p></p><p>د - البناء في الأراضي المباحة :</p><p>11 - يرى جمهور الفقهاء جواز البناء في الأرض المباحة ، ولو بدون إذن الإمام اكتفاءً بإذن الشّارع ، ولأنّه مباح ، كالاحتطاب والاصطياد . ولكن يستحبّ الاستئذان من الإمام خروجاً من خلاف من أوجبه . وإلى هذا ذهب الشّافعيّة ، والمالكيّة ، والحنابلة ، وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة . وقال أبو حنيفة : لا يجوز إلاّ بإذن الإمام ، واستدلّ بحديث : { ليس للمرء إلاّ ما طابت به نفس إمامه } وانظر مصطلح ( إحياء الموات ) .</p><p></p><p>هـ - تحجير الأرض للبناء :</p><p>12 - إذا احتجر أرضاً للبناء ، ولم يبن مدّةً يمكن البناء فيها ، ولا أحياها بغير ذلك ، بطل حقّه فيها ، لأنّ التّحجّر ذريعة إلى العمارة ، وهي لا تؤخّر عنه إلاّ بقدر أسبابها . ومن الفقهاء من يرى أنّه يرفع إلى السّلطان ، ولا يبطل حقّه بطول المدّة . وقد قدّر البعض المدّة بثلاث سنواتٍ ، لقول عمر رضي الله عنه ليس لمتحجّرٍ بعد ثلاث سنواتٍ حقّ هذا ما صرّح به الشّافعيّة ، وفي المذاهب الأخرى خلاف وتفصيل يرجع إليه في مصطلح ( إحياء الموات ) .</p><p></p><p>و - البناء في الأراضي المغصوبة :</p><p>13 - إذا بنى في أرضٍ مغصوبةٍ ، فطلب صاحب الأرض قلع بنائه قلع ، قال ابن قدامة : لا نعلم في ذلك خلافاً بين الفقهاء لحديث : { ليس لعرقٍ ظالمٍ حقّ } ولأنّه شغل ملك غيره بملكه الّذي لا حرمة له في نفسه بغير إذنه ، فلزمه تفريغه ، وإن أراد صاحب الأرض أخذ البناء بغير عوضٍ لم يكن له ذلك . وللحنفيّة تفصيل فيما إذا كان البناء أو الغرس بزعم سببٍ شرعيٍّ يعذر به الباني ، فينظر : إن كانت قيمة الأرض أكثر من قيمة البناء كلّف الغاصب القلع . وإن كانت أقلّ منه فلا يؤمر بالقلع ، ويغرم صاحب البناء لصاحب الأرض قيمة الأرض ، أمّا إذا كان البناء ظلماً ، فالخيار لصاحب الأرض بين الأمر بالقلع أو تملّك البناء مستحقّ القلع . أمّا ضمان منفعة الأرض في مدّة الغصب وآراء الفقهاء فيه فيرجع إليه في مصطلح ( غصب ) .</p><p></p><p>ز - البناء في الأرض المستأجرة :</p><p>14 - إذا بنى المستأجر في الأرض المستأجرة ، فإن انقضت مدّة الإجارة لزم المستأجر قلعها ، وتسليم الأرض فارغةً للمؤجر ، لأنّ البناء لا نهاية له ، وفي إبقائه إضرار بصاحب الأرض ، إلاّ أن يختار صاحب الأرض أن يغرم للمستأجر قيمة البناء مقلوعاً ويتملّكه ، فله ذلك برضا صاحب البناء إن لم تنقص الأرض بالقلع ، فيتملّكها حينئذٍ بغير رضاه . ولا فرق عند الحنفيّة بين الإجارة المطلقة والإجارة المشروط فيها القلع . أمّا عند المالكيّة فإن استأجر أرضاً لمدّةٍ طويلةٍ كتسعين سنةً - على مذهب من يرى ذلك منهم - ليبني فيها ، وفعل ثمّ مضت المدّة ، وأراد المؤجّر إخراج المستأجر ويدفع له قيمة بنائه منقوضاً ، فإنّه لا يجاب لذلك ، ويجب عليه بقاء البناء في أرضه ، وله كراء المثل في المستقبل ، وسواء كانت تلك الأرض المؤجّرة ملكاً أو وقفاً على جهةٍ . أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فإنّ شرط القلع بعد انتهاء مدّة الإجارة لزم المستأجر القلع وفاءً بشرطه ، وليس على مالك الأرض أرش نقص البناء بالقلع ، ولا على المستأجر تسوية الأرض وإصلاحها لتراضيهما بالقلع ، وإن أطلقا فللمكتري قلعه ، لأنّه ملكه فله أخذه ، وعليه تسوية الأرض إن قلعه لأنّه ضرر أدخله في ملك غيره بغير إذنه ، وإن أبى القلع لم يجبر عليه ، إلاّ أن يضمن له المالك أرش النّقص بالقلع فيجبر عليه . أمّا المالك فله الخيار بين ثلاثة أشياء : أن يدفع للمستأجر قيمة البناء فيتملّكه ، أو يقلع البناء ويضمن أرش النّقص ، أو يقرّ البناء فيأخذ من المستأجر أجرة المثل . والتّفصيل في ( الإجارة ) .</p><p></p><p>ح - البناء في الأرض المستعارة :</p><p>15 - إذا استعار أرضاً للبناء لم يكن له أن يبني بعد انتهاء مدّة العاريّة أو الرّجوع عن العاريّة ، فإن فعل ذلك قلع بناؤه ، وحكمه حكم الغاصب ، وعليه تسوية الأرض وضمان نقص الأرض ، لأنّه عدوان . أمّا إذا بنى قبل الرّجوع ، فإن شرط عليه : القلع مجّاناً عند الرّجوع لزمه القلع عملاً بالشّرط . وإن لم يشترط القلع فلا يقلع مجّاناً ، سواء كانت العاريّة مطلقةً أو مقيّدةً بوقتٍ ، لأنّ البناء مال محترم فلا يقلع مجّاناً ، فيخيّر المعير بين الأمور الثّلاثة الّتي مرّت في الإجارة المطلقة ، وهذا في الجملة عند غير الحنفيّة . وفرّق الحنفيّة بين المطلقة والمؤقّتة ، فإن كانت العاريّة مؤقّتةً فرجع قبل الوقت ضمن المعير ما نقص في قيمة البناء بالقلع ، لأنّ المستعير مغرور من قبل المعير ، أمّا المطلقة فلا ضمان على المعير ، لأنّ المستعير مغترّ غير مغرورٍ ، حيث اعتمد إطلاق العقد ، وظنّ أنّه يتركه مدّةً طويلةً .</p><p></p><p>ط - البناء في الأرض الموقوفة 16 - إذا بنى في الأرض الموقوفة المستأجرة بغير إذن ناظر الوقف قلع بناؤه إن لم يكن ضرر على الأرض بالقلع ، ويضمن منافعها الّتي فاتت بيده ، بهذا صرّح الحنفيّة في هذه المسألة ، والضّمان هو الأصل عند غير الحنفيّة في منفعة كلّ مغصوبٍ .</p><p></p><p>ي - بناء المساجد :</p><p>17 - بناء المساجد في الأمصار والقرى والمحالّ حسب الحاجة فرض كفايةٍ وهو من أجلّ أعمال البرّ الّتي حثّ الشّارع عليها . قال تعالى : { في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه } . وجاء في الخبر الصّحيح { من بنى مسجداً ، يبتغي به وجه اللّه ، بنى اللّه له مثله في الجنّة } . وأمّا ما يراعى في بناء المساجد فينظر في مصطلح ( مسجد ) .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41096, member: 329"] البلوغ بالسّنّ : 20 - جعل الشّارع البلوغ أمارةً على أوّل كمال العقل ، لأنّ الاطّلاع على أوّل كمال العقل متعذّر ، فأقيم البلوغ مقامه . والبلوغ بالسّنّ : يكون عند عدم وجود علامةٍ من علامات البلوغ قبل ذلك ، واختلف الفقهاء في سنّ البلوغ . فيرى الشّافعيّة ، والحنابلة ، وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة : أنّ البلوغ بالسّنّ يكون بتمام خمس عشرة سنةً قمريّةً للذّكر والأنثى ، كما صرّح الشّافعيّة بأنّها تحديديّة ، لخبر ابن عمر { عرضت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ ، وأنا ابن أربع عشرة سنةً فلم يجزني ، ولم يرني بلغت ، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنةً فأجازني ، ورآني بلغت } . قال الشّافعيّ : ردّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سبعة عشر من الصّحابة ، وهم أبناء أربع عشرة سنةً ، لأنّه لم يرهم بلغوا ، ثمّ عرضوا عليه وهم من أبناء خمس عشرة فأجازهم ، منهم : زيد بن ثابتٍ ورافع بن خديجٍ وابن عمر . ويرى المالكيّة أنّ البلوغ يكون بتمام ثماني عشرة سنةً ، وقيل بالدّخول فيها ، وقد أورد الحطّاب خمسة أقوالٍ في المذهب ، ففي روايةٍ : ثمانية عشر ، وقيل : سبعة عشر ، وزاد بعض شرّاح الرّسالة : ستّة عشرة ، وتسعة عشر ، وروي عن ابن وهبٍ خمسة عشر ، لحديث ابن عمر السّابق . ويرى أبو حنيفة : أنّ البلوغ بالسّنّ للغلام هو بلوغه ثماني عشرة سنةً ، والجارية سبع عشرة سنةً لقوله تعالى : { ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه } قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنه : الأشدّ ثماني عشرة سنةً . وهي أقلّ ما قيل فيه ، فأخذ به احتياطاً ، هذا أشدّ الصّبيّ ، والأنثى أسرع بلوغاً فنقصت سنةً . السّنّ الأدنى للبلوغ الّذي لا تصحّ دعوى البلوغ قبله : 21 - السّنّ الأدنى للبلوغ في الذّكر : عند المالكيّة والشّافعيّة باستكمال تسع سنين قمريّةٍ بالتّمام ، وفي وجهٍ آخر للشّافعيّة : مضيّ نصف التّاسعة ، ذكره النّوويّ في شرح المهذّب . وعند الحنفيّة : اثنتا عشرة سنةً . وعند الحنابلة : عشر سنين . ويقبل إقرار الوليّ بأنّ الصّبيّ بلغ بالاحتلام ، إذا بلغ عشر سنين . والسّنّ الأدنى للبلوغ في الأنثى : تسع سنين قمريّةٍ عند الحنفيّة ، والشّافعيّة على الأظهر عندهم ، وكذا الحنابلة لأنّه أقلّ سنٍّ تحيض له المرأة ، ولحديث : { إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة } والمراد حكمها حكم المرأة ، وفي روايةٍ للشّافعيّة : نصف التّاسعة ، وقيل : الدّخول في التّاسعة ، ولأنّ هذا أقلّ سنٍّ لحيض الفتاة . والسّنّ الأدنى للبلوغ في الخنثى : تسع سنين قمريّةٍ بالتّمام ، وقيل نصف التّاسعة ، وقيل : الدّخول فيها . إثبات البلوغ : يثبت البلوغ بالطّرق الآتية : الطّريق الأولى : الإقرار : 22 - تتّفق كلمة الفقهاء في المذاهب الأربعة على أنّ الصّغير إذا كان مراهقاً ، وأقرّ بالبلوغ بشيءٍ من العلامات الطّبيعيّة الّتي تخفى عادةً ، كالإنزال والاحتلام والحيض ، يصحّ إقراره ، وتثبت له أحكام البالغ فيما له وما عليه . قال المالكيّة : يقبل قوله في البلوغ نفياً وإثباتاً ، طالباً أو مطلوباً . فالطّالب كمن ادّعى البلوغ ليأخذ سهمه في الغنيمة ، أو ليؤمّ النّاس ، أو ليكمل العدد في صلاة الجمعة . والمطلوب كجانٍ ادّعى عدم البلوغ ليدرأ عن نفسه الحدّ أو القصاص أو الغرامة في إتلاف الوديعة ، وكمطلّقٍ ادّعى عدم البلوغ عند الطّلاق ، لئلاّ يقع عليه الطّلاق . ويشترط لقبول قوله أن يكون قد جاوز السّنّ الأدنى للبلوغ ، بل لا تقبل البيّنة ببلوغه قبل ذلك . فعند الحنفيّة : لا يقبل إقرار الصّبيّ قبل تمام اثني عشر عاماً ، وعند الحنابلة لا يقبل إقراره بذلك قبل تمام العاشرة ، وعند كليهما : لا يقبل إقرار الصّبيّة به قبل تمام التّاسعة ، ووجه صحّة الإقرار بالبلوغ : أنّه معنًى لا يعرف إلاّ من قبل الشّخص نفسه ، وفي تكليف الاطّلاع عليه عسر شديد ، ولا يكلّف البيّنة على ذلك . ولا يحلف أيضاً حتّى عند الخصومة ، فإن لم يكن في الحقيقة بالغاً فلا قيمة ليمينه ، لعدم الاعتداد بيمين الصّغير ، وإن كان بالغاً فيمينه تحصيل حاصلٍ ، وقد استثنى الشّافعيّة بعض الصّور يحلف فيها احتياطاً ، لكنّه يزاحم غيره في الحقوق ، كما لو طلب في الغنيمة سهم مقاتلٍ 23 - واشترط الفقهاء في المذاهب الأربعة لصحّة إقراره بذلك : أن لا يكون بحالٍ مريبةٍ ، أو كما عبّر الشّافعيّ رحمه الله : يقبل إن أشبه ، فإن لم يشبه لم يقبل ، ولو صدّقه أبوه . وعبّر الحنفيّة بقولهم إن لم يكذّبه الظّاهر ، بل يكون بحالٍ يحتلم مثله . والمراد أن يكون حال جسمه عند الإقرار حال البالغين ، ولا يشكّ في صدقه . هكذا أطلق فقهاء المذاهب - ما عدا المالكيّة - قبول قوله ، وفصّل المالكيّة فقالوا : إن ارتيب فيه يصدّق فيما يتعلّق بالجناية والطّلاق ، فلا يحدّ للشّبهة ، ولا يقع عليه الطّلاق استصحاباً لأصل الصّغر ، ولا يصدّق فيما يتعلّق بالمال ، فلو أقرّ بإتلاف الوديعة ، وأنّه بالغ ، فقال أبوه : إنّه غير بالغٍ ، فلا ضمان . وقد تعرّض بعض المالكيّة لقبول قول المراهقين في البلوغ إن ادّعياه بالإنبات . والفرق بين الإنبات وبين غيره من العلامات الطّبيعيّة الّتي ذكرت سابقاً : أنّه يسهل الاطّلاع عليه . وقد أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالكشف عمّن شكّ في بلوغه من غلمان بني قريظة . إلاّ أنّ كون العورة في الأصل يحرم كشفها ، دعا إلى قول الفقهاء إنّه يقبل قول الشّخص المشكوك فيه في نباتها وعدمه ، إلاّ أنّ ابن العربيّ المالكيّ خالف في ذلك وقال : إنّه ينبغي أن ينظر إليها ، ولكن لا ينظر مباشرةً بل من خلال المرآة . وردّ كلامه ابن القطّان من المالكيّة وقال : لا ينظر إليها مباشرةً ، ولا من خلال المرآة ، ويقبل كلامه إن ادّعى البلوغ بالإنبات . البلوغ شرط للزوم الأحكام الشّرعيّة عند الفقهاء : 24 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الشّارع ربط التّكليف بالواجبات والمحرّمات ولزوم آثار الأحكام في الجملة بشرط البلوغ ، واستدلّوا على ذلك بأدلّةٍ منها : أ - قول اللّه تعالى : { وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم } جعل البلوغ موجباً للاستئذان . ب - ومنها قوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم } جعل بلوغ النّكاح موجباً لارتفاع الولاية الماليّة عن اليتيم ، بشرط كونه راشداً . ج - ومنها قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ لمّا أرسله إلى اليمن : { خذ من كلّ حالمٍ ديناراً أو عدله معافريّاً } جعل الاحتلام موجباً للجزية . د - ومنها ما حصل يوم قريظة ، من أنّ من اشتبهوا في بلوغه من الأسرى كان إذا أنبت قتل ، فإن لم يكن أنبت لم يقتل . فجعل الإنبات علامةً لجواز قتل الأسير . هـ - ومنها قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : { لا يقبل اللّه صلاة حائضٍ إلاّ بخمارٍ } فجعل الحيض من المرأة موجباً لفساد صلاتها ، إن صلّت بغير خمارٍ . و - ومنها حديث : { غسل يوم الجمعة واجب على كلّ محتلمٍ } بوّب عليه البخاريّ " باب بلوغ الصّبيان وشهادتهم " قال ابن حجرٍ : ويستفاد مقصود التّرجمة - يعني شهادة الصّبيان - بالقياس على بقيّة الأحكام من حيث تعلّق الوجوب بالاحتلام . ز - ومنها حديث : { رفع القلم عن ثلاثةٍ : عن الصّغير حتّى يكبر ... } جعل الخروج عن حدّ الصّغير موجباً لكتابة الإثم ، على من فعل ما يوجبه . فهذه الأدلّة وأمثالها - ممّا يأتي في شأن علامات البلوغ - تدلّ على أنّ الشّارع ربط التّكليف ولزوم الأحكام عامّةً بشرط البلوغ ، فمن اعتبر بالغاً بأيّ علامةٍ من علامات البلوغ فهو رجل تامّ أو امرأة تامّة ، مكلّف - إن كان عاقلاً - كغيره من الرّجال والنّساء ، يلزمه ما يلزمهم ، وحقّ له ما يحقّ لهم . وقد نقل بعضهم الإجماع على ذلك ، فقال ابن المنذر : وأجمعوا على أنّ الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل . وقال ابن حجرٍ : أجمع العلماء على أنّ الاحتلام في الرّجال والنّساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام . ما يشترط له البلوغ من الأحكام : أ - ما يشترط لوجوبه البلوغ : 25 - التّكليف بالفرائض والواجبات وترك المحرّمات يشترط له البلوغ ، ولا تجب على غير البالغ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : { رفع القلم عن ثلاثةٍ : عن الصّغير حتّى يكبر ... } الحديث ، وذلك كالصّلاة والصّوم والحجّ على أنّ في الزّكاة خلافاً . ومع هذا ينبغي لوليّ الصّغير أن يجنّبه المحرّمات ، وأن يأمره بالصّلاة ونحوها ليعتادها ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : { مروا أبناءكم بالصّلاة لسبعٍ ، واضربوهم عليها لعشرٍ ، وفرّقوا بينهم في المضاجع } . ومع هذا إذا أدّاها الصّغير ، أو فعل المستحبّات تصحّ منه ، ويؤجر عليها . ولا يجب القصاص والحدود ، كحدّ السّرقة وحدّ القذف ولكن يجوز أن يؤدّب . ب - ما يشترط لصحّته البلوغ : 26 - البلوغ شرط صحّةٍ في كلّ ما يشترط له تمام الأهليّة ، ومن ذلك : الولايات كلّها ، كالإمارة والقضاء والولاية على النّفس والشّهادة في الجملة . ومن ذلك التّصرّفات المتمحّضة للضّرر كالهبة والعاريّة والوقف والكفالة . ومن ذلك أيضاً : الطّلاق ، وما في معناه كالظّهار والإيلاء والخلع والعتق ، وكذلك النّذر . وينظر تفصيل كلّ ذلك في موطنه ، وفي مصطلح ( صغر ) . ما يثبت بطروء البلوغ من الأحكام : 27 - من الصّعوبة بمكانٍ حصر جميع الأحكام الّتي تثبت بمجرّد طروء البلوغ ، وفيما يلي بعض الأمثلة للأحكام الّتي تثبت بمجرّد أن يحتلم الصّبيّ أو الصّبيّة ، أو يريا أيّة علامةٍ من علامات البلوغ : أوّلاً في باب الطّهارة : إعادة التّيمّم : 28 - عند الشّافعيّة والحنابلة إذا تيمّم ، وهو غير بالغٍ ، ثمّ بلغ بما لا ينقض الطّهارة كالسّنّ ، لزمه أن يعيد التّيمّم إن أراد أن يصلّي الفرض ، لأنّ تيمّمه قبل بلوغه كان لنافلةٍ ، إذ أنّه لو تيمّم للظّهر مثلاً فقد كانت في حقّه نافلةً ، فلا يستبيح به الفرض ، وهذا بخلاف من توضّأ أو اغتسل ثمّ بلغ ، لا يلزمه إعادتهما ، لأنّ الوضوء والغسل للنّافلة يرفعان الحدث من أصله . أمّا التّيمّم فهو مبيح وليس رافعاً ، والمشهور من مذهب المالكيّة كذلك : أنّه مبيح لا رافع . أمّا مذهب الحنفيّة ، وهو قول عند المالكيّة فهو أنّ التّيمّم رافع للحدث إلى وقت وجود الماء مع القدرة على استعماله ، وهذا يقتضي أن ليس على الصّبيّ إذا تيمّم ، ثمّ بلغ إعادة التّيمّم . ثانياً - في باب الصّلاة : 29 - تجب على الصّبيّ أو الصّبيّة الصّلاة الّتي بلغ في وقتها إن لم يكن قد صلّاها إجماعاً ، حتّى المالكيّة - الّذين قالوا : يحرم تأخير الصّلاة إلى الوقت الضّروريّ ، أي للعصر في الجزء الآخر من وقتها ، والصّبح كذلك - قالوا : لو بلغ في الوقت الضّروريّ فعليه أن يصلّيها ، ولا حرمة عليه . 30 - ولو أنّه صلّى صلاة الوقت ، ثمّ بلغ قبل خروج وقتها ، لزمه إعادتها ، وذلك لأنّ الصّلاة الّتي صلّاها قبل البلوغ نفل في حقّه ، لعدم وجوبها عليه ، فلم تجزئه عن الواجب ، هذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . ونصّ المالكيّة أيضاً على أنّه لو صلّى الظّهر ، ثمّ بلغ قبل صلاة الجمعة ، تجب عليه الجمعة مع النّاس . وكذا إن صلّى الجمعة ، ثمّ بلغ ووجد جمعةً أخرى ، وجب عليه الإعادة معهم ، وإن فاتته الجمعة أعادها ظهراً ، لأنّ فعله الأوّل - ولو جمعةً - وقع نفلاً ، فلا يجزئ عن الفرض . أمّا مذهب الشّافعيّة ، فهو أنّه لا يلزم الصّبيّ الإعادة إذا بلغ في الوقت وقد صلّى ، قالوا : لأنّه أدّى وظيفة الوقت . ولو أنّه بلغ في أثناء الصّلاة يلزمه إتمام الصّلاة الّتي هو فيها ، ولا يجب عليه إعادتها ، بل تستحبّ . 31 - تجب عليه الصّلاة الّتي بلغ في وقتها ، كما تقدّم ، ويجب عليه مع ذلك أن يصلّي الصّلاة الّتي تجمع إلى الحاضرة قبلها ، فلو بلغ قبل أن تغرب الشّمس وجب عليه أن يصلّي الظّهر والعصر ، ولو بلغ قبل الفجر وجب عليه أن يصلّي المغرب والعشاء . قال ابن قدامة : روي هذا القول عن عبد الرّحمن بن عوفٍ وابن عبّاسٍ وطاووسٍ ومجاهدٍ والنّخعيّ والزّهريّ وربيعة ، وهو قول مالكٍ والشّافعيّ واللّيث وإسحاق وأبي ثورٍ وعامّة التّابعين ، إلاّ أنّ مالكاً قال : لا تجب الأولى إلاّ بإدراك ما يسع خمس ركعاتٍ أي الصّلاة الأولى منهما كاملةً وركعةً واحدةً على الأقلّ من الثّانية . وعند الحنابلة : لو أدرك ما يسع تكبيرة إحرامٍ فقد لزمته الصّلاتان . وعند الشّافعيّة : بإدراك ركعةٍ واحدةٍ . ووجه هذا القول : أنّ وقت الثّانية هو وقت للأولى حال العذر ، أي لأنّه يمكن في حال السّفر أو نحوه أن يؤخّر الظّهر إلى العصر ، والمغرب إلى العشاء ، فوقت العصر وقت للظّهر من وجهٍ ، وكذلك المغرب والعشاء ، فكأنّه بإدراكه وقت الثّانية مدرك للأولى أيضاً . وخالف في هذه المسألة الحنفيّة والثّوريّ والحسن البصريّ ، فرأوا أنّه يصلّي الصّلاة الّتي بلغ في وقتها فقط . ثالثاً - الصّوم : 32 - إن بيّت الصّبيّ الصّوم في رمضان ، ثمّ بلغ أثناء النّهار وهو صائم ، فإنّه يجب عليه إتمام صومه بغير خلافٍ ، لأنّه - كما قال الرّمليّ الشّافعيّ - صار من أهل الوجوب في أثناء العبادة ، فأشبه ما لو دخل البالغ في صوم تطوّعٍ ، ثمّ نذر إتمامه . فإن صام في تلك الحال فلا قضاء عليه إلاّ في وجهٍ عند الحنابلة . أمّا إن بيّت الإفطار ، ثمّ بلغ أثناء النّهار ، فقد اختلف الفقهاء في ذلك في موضعين : في حكم الإمساك بقيّة النّهار ، وفي حكم قضاء ذلك اليوم . 33 - فأمّا الإمساك فقد اختلفوا فيه : فذهب الحنفيّة والحنابلة - وهو قول لدى الشّافعيّة - إلى أنّه يجب عليه الإمساك بقيّة اليوم ، لإدراكه وقت الإمساك ، وإن لم يدرك وقت الصّوم . واحتجّوا بما ورد في فرض عاشوراء - قبل أن ينسخ بفرض رمضان - فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : { من كان منكم أصبح مفطراً فليمسك بقيّة يومه ، ومن كان أصبح صائماً فليتمّ صومه } قالوا : والأمر يقتضي الوجوب ، وذلك لحرمة الشّهر . وذهب الشّافعيّة - في الأصحّ عندهم - إلى أنّ الإمساك في تلك الحال مستحبّ ، وليس واجباً . وإنّما استحبّوه لحرمة الوقت . ولم يجب الإمساك في تلك الحال ، لأنّه أفطر بعذرٍ هو الصّغر ، فأشبه المسافر إذا قدم ، والمريض إذا برأ . وذهب المالكيّة إلى أنّ الإمساك حينئذٍ لا يجب ولا يستحبّ ، ككلّ صاحب عذرٍ يباح لأجله الفطر . 34 - وأمّا القضاء قد اختلفوا فيه كذلك : فذهب الشّافعيّة - في قولٍ - إلى أنّ القضاء واجب ، وفصّل الحنابلة بين من أصبح مفطراً ، ثمّ بلغ في أثناء النّهار ، فالقضاء واجب عليه ، لأنّه أدرك جزءاً من وقت الوجوب ، ولا يمكن فعله إلاّ بصومٍ كاملٍ . وبين من بيّت الصّوم من اللّيل ، وأصبح صائماً ثمّ بلغ ، فلا قضاء عليه ، خلافاً لأبي الخطّاب منهم . وقال الحنفيّة والمالكيّة ، والشّافعيّة في الأصحّ عندهم : لا يجب القضاء لعدم تمكّنه من زمنٍ يسع الكلّ . وفرّقوا بين ذلك وبين الصّلاة ، إذ يجب فعلها لمن بلغ في الوقت ، لأنّ السّبب فيها الجزء المتّصل بأدائها ، فوجدت الأهليّة عنده ، وأمّا الصّوم فالسّبب فيه الجزء الأوّل والأهليّة منعدمة فيه ، وبهذا علّله الحنفيّة . هذا وقد ورد في المغني أنّ الأوزاعيّ كان يرى أنّ الصّبيّ إذا بلغ أثناء شهر رمضان ، يلزمه قضاء الأيّام الّتي سبقت بلوغه من الشّهر ، إن كان قد أفطرها ، وهو خلاف ما عليه عامّة أهل العلم . رابعاً : الزّكاة : 35 - اختلف في وجوب الزّكاة على من لم يبلغ . فذهب جمهور الفقهاء إلى وجوبها ، لتعلّق الوجوب بالمال . وذهب الحنفيّة إلى أنّها لا تجب ، لأنّها عبادة تلزم الشّخص المكلّف ، والصّبيّ ليس من أهل التّكليف . فعلى هذا إذا بلغ الصّبيّ : فعند الحنفيّة يبدأ حول زكاته من حين بلوغه ، إن كان يملك نصاباً . أمّا عند غير الحنفيّة : فالحول الّذي بدأ قبل البلوغ ممتدّ بعده . وعند غير الحنفيّة كذلك يلزم الصّبيّ إذا بلغ راشداً أداء الزّكاة ، لما مضى من الأعوام ، منذ دخل المال في ملكه ، إن لم يكن وليّه يخرج عنه الزّكاة . أمّا إن بلغ سفيهاً ، فاستمرّ الحجر عليه ، فإنّه عند الحنفيّة يؤدّيها بنفسه لاشتراط النّيّة ، ولا يقوم عنه وليّه في ذلك . قالوا : غير أنّه يدفع القاضي إليه قدر الزّكاة ليفرّقها ، لكن يبعث معه أميناً ، كي لا يصرفها في غير وجهها ، بخلاف النّفقات الواجبة على السّفيه لأقاربه مثلاً ، فإنّ وليّه يتولّى دفعها لعدم اشتراط النّيّة فيها . أمّا عند الشّافعيّة ، قد قال الرّمليّ : لا يفرّق السّفيه الزّكاة بنفسه ، لكن إن أذن له الوليّ ، وعيّن المدفوع له ، صحّ صرفه ، كما يجوز للأجنبيّ توكيله فيه . وينبغي أن يكون تفريقه الزّكاة بحضرة الوليّ أو نائبه ، لاحتمال تلف المال لو خلا به السّفيه ، أو دعواه صرفها كاذباً . ولم يتعرّض لكون الوليّ يخرجها أو يؤخّرها إلى الرّشد . ولم يتعرّض المالكيّة والحنابلة لهذه المسألة فيما رأيناه من كلامهم . خامساً : الحجّ : 36 - إذا حجّ الصّغير ثمّ بلغ فعليه حجّة أخرى ، هي حجّة الإسلام بالنّسبة إليه ، ولا تجزئه الحجّة الّتي حجّها قبل البلوغ . نقل الإجماع على ذلك التّرمذيّ وابن المنذر ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : { إنّي أريد أن أجدّد في صدور المؤمنين عهداً : أيّما مملوكٍ حجّ به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجّه ، وإن عتق قبل أن يموت فليحجّ ، وأيّما غلامٍ حجّ به أهله قبل أن يدرك ، فقد قضى حجّته ، وإن بلغ فليحجج } ، ولأنّها عبادة بدنيّة فعلها قبل وقت الوجوب ، فلم يمنع ذلك وجوبها عليه في وقتها . قال الرّمليّ : والمعنى فيه : أنّ الحجّ وظيفة العمر ، لا تكرار فيه ، فاعتبر وقوعه في حالة الكمال . 37 - إذا بلغ المراهق ( أو المراهقة ) وهو محرم بعد أن تجاوز الميقات ، فإن كان بلوغه وهو واقف بعرفة ، أو قبل الوقوف ، أو كان بلوغه بعد الوقوف ، ولكن رجع فوقف بعرفاتٍ قبل الفجر من ليلة يوم النّحر ، وأتمّ المناسك كلّها ، فهل تجزئه ذلك عن حجّة الإسلام ؟ مذهب الشّافعيّ وأحمد : أنّ ذلك يجزئه عن حجّة الإسلام ، ولا دم عليه ، ولا يجدّد لحجّته تلك إحراماً ، لما ورد عن ابن عبّاسٍ أنّه قال : إذا عتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجّته ، فإن عتق بجمعٍ - يعني المزدلفة - لم تجزئ عنه وقياساً على ما لو أحرم غيره من البالغين الأحرار بعرفة ، فإنّ ذلك يجزئه عن حجّة الإسلام إذا أتمّ مناسكه ، فكذلك من بلغ بعرفة . ومذهب الحنفيّة أنّ ذلك يجزئه بشرط أن يجدّد إحراماً بعد بلوغه قبل الوقوف ، فإن لم يجدّد إحراماً لم يجزئه ، لأنّ إحرامه انعقد نفلاً ، فلا ينقلب فرضاً . قالوا : والإحرام وإن كان شرطاً للحجّ إلاّ أنّه شبيه بالرّكن ، فاعتبرنا شبه الرّكن احتياطاً للعبادة . وفي روايةٍ عن الشّافعيّ - كما في مختصر المزنيّ - أنّ عليه في ذلك دماً ، أي لأنّه كمن جاوز الميقات غير محرم . ومذهب مالكٍ أنّ ذلك لا يجزئه عن حجّة الإسلام أصلاً . وليس له أن يجدّد إحرامه بعد بلوغه . ولكن عليه أن يمضي على إحرامه الّذي احتلم فيه ، ولا يجزئه من حجّة الإسلام . 38 - إذا تجاوز الصّبيّ الميقات غير محرمٍ ، ثمّ بلغ ، فأحرم من مكان دون الرّجوع إلى الميقات : يرى الحنفيّة والمالكيّة ، وهو رواية عند الحنابلة أنّه يجزئه ذلك ، وليس عليه دم ، لأنّه كالمكّيّ ومن كان منزله دون الميقات . ويرى الشّافعيّ ، وهو الرّواية الأخرى عن أحمد : أنّ عليه إن لم يرجع إلى الميقات دماً ، لأنّه تجاوز الميقات دون إحرامٍ . سادساً : خيار البلوغ : تخيير الزّوج والزّوجة في الصّغر : 39 - يرى أكثر الحنفيّة : أنّ الصّغير أو الصّغيرة - ولو ثيّباً - إن زوّجهما غير الأب والجدّ ، كالأخ أو العمّ ، من كفءٍ وبمهر المثل ، صحّ النّكاح ، ولكن لهما خيار الفسخ بالبلوغ ، إذا علما بعقد النّكاح قبل البلوغ أو عنده ، أو علما بالنّكاح بعد البلوغ ، بأن بلغا ولم يعلما به ثمّ علما بعده ، فإن اختار الفسخ لا يتمّ الفسخ إلاّ بالقضاء ، لأنّ في أصله ضعفاً ، فيتوقّف على الرّجوع إلى القضاء . وقال أبو يوسف : لا خيار لهما ، اعتباراً بما لو زوّجهما الأب والجدّ ، ويبطل خيار البكر بالسّكوت لو مختارةً عالمةً بأصل النّكاح ، ولا يمتدّ إلى آخر مجلس بلوغها أو علمها بالنّكاح . أي إذا بلغت وهي عالمة بالنّكاح ، أو علمت به بعد بلوغها ، فلا بدّ من الفسخ في حال البلوغ أو العلم ، فلو سكتت - ولو قليلاً - بطل خيارها ، ولو قبل تبدّل المجلس . وكذا لا يمتدّ إلى آخر مجلس بلوغها أو علمها بالنّكاح ، بأن جهلت بأنّ لها خيار البلوغ ، أو بأنّه لا يمتدّ إلى آخر مجلس بلوغها ، فلا تعذر بدعوى جهلها أنّ لها الخيار ، لأنّ الدّار دار إسلامٍ ، فلا تعذر بالجهل ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمّد : إنّ خيارها يمتدّ إلى أن تعلم أنّ لها خياراً ، وخيار الصّغير إذا بلغ والثّيّب - سواء أكانت ثيّباً في الأصل ، أو كانت بكراً ، ثمّ دخل بها ، ثمّ بلغت - لا يبطل بالسّكوت بلا صريح الرّضا ، أو دلالةٍ على الرّضا ، كقبلةٍ ولمسٍ ودفع مهرٍ ، ولا يبطل بقيامها عن المجلس ، لأنّ وقته العمر ، فيبقى الخيار حتّى يوجد الرّضا . وإذا زوّج القاضي صغيرةً من كفءٍ ، وكان أبوها أو جدّها فاسقاً ، فلها الخيار في أظهر الرّوايتين عند أبي حنيفة ، وهو قول محمّدٍ . 40 - وعند المالكيّة : إذا عقد للصّغير وليّه - أباً كان أو غيره - على شروطٍ شرطت حين العقد ، وكانت تلزم إن وقعت من مكلّفٍ - كأن اشترط لها في العقد أنّه إن تزوّج عليها فهي ، أو الّتي تزوّجها طالق - أو زوّج الصّغير نفسه بالشّروط وأجازها وليّه ، ثمّ بلغ وكره بعد بلوغه تلك الشّروط - والحال أنّه لم يدخل بها ، لا قبل البلوغ ولا بعده - عالماً بها ، فهو مخيّر بين التزامها وثبوت النّكاح ، وبين عدم التزامها وفسخ النّكاح بطلاقٍ ، ومحلّ ذلك ما لم ترض المرأة بإسقاط الشّروط . والصّغيرة في هذا حكمها حكم الصّغير . والتّفصيل في باب ( الولاية ) من كتب الفقه . وإن زوّج الصّغير نفسه بغير إذن وليّه ، فلوليّه فسخ عقده بطلاقٍ ، لأنّه نكاح صحيح ، غاية الأمر أنّه غير لازمٍ . وقال ابن الموّاز من المالكيّة : إذا لم يرد الوليّ نكاح الصّبيّ - والحال أنّ المصلحة في ردّه - حتّى كبر وخرج من الولاية جاز النّكاح ، وينبغي أن ينتقل النّظر إليه فيمضي أو يردّ ، ومفاده أنّ للصّغير حقّ الاختيار بعد بلوغه . والتّفصيل في باب ( الولاية ) . 41 - ويرى الشّافعيّة في قولٍ عندهم : أنّ الصّغير إذا زوّجه أبوه امرأةً معيبةً بعيبٍ صحّ النّكاح ، وثبت له الخيار - إذا بلغ - ولا يصحّ على المذهب لأنّه خلاف الغبطة . والصّغير إن زوّجه أبوه من لا تكافئه ، ففي الأصحّ أنّ نكاحه على هذا الوجه جائز ، لأنّ الرّجل لا يتعيّر باستفراش من لا تكافئه ، ولكن له الخيار . وهناك قول بعدم صحّة العقد ، لأنّ الولاية ولاية مصلحةٍ ، وليست المصلحة في تزويجه ممّن لا تكافئه . وإن زوّج الأب أو الجدّ الصّغيرة من غير كفءٍ يثبت لها الخيار إذا بلغت ، لوقوع النّكاح على الوجه المذكور صحيحاً على خلاف الأظهر ، والنّقص لعدم الكفاءة يقتضي الخيار . وعلى الأظهر : التّزويج باطل . 42 - وعند الحنابلة لا يجوز لغير الأب تزويج الصّغيرة ، فإن زوّجها الأب فلا خيار لها ، وإن زوّجها غير الأب فالنّكاح باطل . وفي روايةٍ : يصحّ تزويج غير الأب ، وتخيّر إذا بلغت ، كمذهب أبي حنيفة . وقيل : تخيّر إذا بلغت تسعاً . فإن طلقت قبله وقع الطّلاق وبطل خيارها . وكذا يبطل خيارها إن وطئها بعد أن تمّ لها تسع سنين ولم تخيّر . وليس لوليّ صغيرٍ تزويجه بمعيبةٍ بعيبٍ يردّ به في النّكاح ، وكذا ليس لوليّ الصّغيرة تزويجها بمعيبٍ بعيبٍ يردّ به في النّكاح ، لوجوب نظره لهما بما فيه الحظّ والمصلحة ، ولا حظّ لهما في هذا العقد ، فإن فعل وليّ غير المكلّف والمكلّفة بأن زوّجه بمعيبٍ يردّ به - عالماً بالعيب - لم يصحّ النّكاح ، لأنّه عقد لهما عقداً لا يجوز ، وإن لم يعلم الوليّ أنّه معيب صحّ العقد ، ووجب عليه الفسخ إذا علم . وهذا خلافاً لما ورد في المنتهى فيما يوهم إباحة الفسخ ، ومن الحنابلة من قال : لا يفسخ ، وينتظر البلوغ لاختيارهما . وتفصيل ما ذكر يرجع إليه في باب ( النّكاح ، والولاية ) . سابعاً - انتهاء الولاية على النّفس بالبلوغ : 43 - عند الحنفيّة : تنتهي الولاية على النّفس بالنّسبة لولاية الإنكاح في الحرّة بالتّكليف ( البلوغ والعقل ) فيصحّ نكاح حرّةٍ مكلّفةٍ بلا رضى وليٍّ ، وتترتّب الأحكام من طلاقٍ وتوارثٍ وغيرهما . وتنتهي الحضانة للجارية البكر ببلوغها بما تبلغ به النّساء من الحيض ونحوه ، ويضمّها الأب إلى نفسه وإن لم يخف عليها الفساد ، لو كانت حديثة السّنّ ، والأخ والعمّ كذلك عند فقد الأب ما لم يخف عليها منهما ، فينظر القاضي امرأةً ثقةً فتسلّم إليها ، وتنتهي ولاية الأب على الأنثى إذا كانت مسنّةً ، واجتمع لها رأي ، فتسكن حيث أحبّت حيث لا خوف عليها ، وإن ثيّباً لا يضمّها إلاّ إذا لم تكن مأمونةً على نفسها ، فللأب والجدّ الضّمّ ، لا لغيرهما كما في الابتداء . وتنتهي ولاية الأب على الغلام إذا بلغ وعقل واستغنى برأيه ، إلاّ إذا لم يكن مأموناً على نفسه ، بأن يكون مفسداً مخوفاً عليه ، فللأب ولاية ضمّه إليه لدفع فتنةٍ أو عارٍ ، وتأديبه إذا وقع منه شيء ، والجدّ بمنزلة الأب فيما ذكر من أحكام البكر والثّيّب والغلام . وعند المالكيّة : تنتهي الولاية على النّفس بالنّسبة للصّغير ببلوغه الطّبيعيّ ، وهو بلوغ النّكاح ، فيذهب حيث شاء ، ولكن إذا كان يخشى عليه الفساد لجماله مثلاً ، أو كما إذا كان يصطحب الأشرار وتعوّد معهم أخلاقاً فاسدةً ، يبقى حتّى تستقيم أخلاقه . وإذا بلغ الذّكر رشيداً ذهب حيث يشاء ، لانقطاع الحجر عنه بالنّسبة لذاته ، وإذا بلغ الذّكر - ولو زمناً أو مجنوناً - سقطت عنه حضانة الأمّ على المشهور . وبالنّسبة للأنثى ، فتستمرّ الحضانة عليها والولاية على النّفس حتّى تتزوّج ، ويدخل بها الزّوج . وعند الشّافعيّة : تنتهي الولاية على الصّغير - ذكراً كان أو أنثى - بمجرّد بلوغه . وعند الحنابلة : لا تثبت الحضانة إلاّ على الطّفل أو المعتوه ، فأمّا البالغ الرّشيد فلا حضانة عليه ، فإن كان رجلاً فله الانفراد بنفسه لاستغنائه عن أبويه ، وإن كانت أنثى لم يكن لها الانفراد ، ولأبيها منعها منه ، لأنّه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها ، ويلحق العار بها وبأهلها ، وإن لم يكن لها أب فلوليّها وأهلها منعها من ذلك . ثامناً : الولاية على المال : 44 - تنقضي الولاية على المال أيضاً ببلوغ الصّغير عاقلاً ، ذكراً كان أو أنثى ، وينفكّ الحجر عنه ، ولكن يشترط لذلك باتّفاق الفقهاء أن يكون رشيداً ، لقوله تعالى : { وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم } وفي المسألة خلاف وتفصيل يرجع لمعرفته إلى أبواب الحجر . بناء التّعريف 1 - البناء لغةً : وضع شيءٍ على شيءٍ على وجهٍ يراد به الثّبوت . ويطلق على بناء الدّور ونحوها ، وضدّه الهدم والنّقض ، ويطلق البناء أيضاً على الدّخول بالزّوجة يقال : بنى على أهله ، وبنى بأهله . والأوّل أفصح ، ويكنّى بهذا عن الجماع بعد عقد النّكاح . وأصله : أنّ الرّجل كان إذا تزوّج بنى للعرس خباءً جديداً ، وعمّره بما يحتاج إليه . ويطلقه الفقهاء : على الدّور ونحوها ، وعلى إتمام العبادة بالنّيّة الأولى إذا طرأ فيها خلل لا يوجب التّجديد . ومن أمثلة ذلك : إذا سلّم المسبوق بسلام الإمام سهواً ، بنى على صلاته وسجد للسّهو . وإذا رعف المصلّي في الصّلاة ، ولم يصب الدّم ثوبه أو بدنه ، بنى على صلاته . إذا تكلّم المؤذّن أثناء الأذان عمداً أو سهواً بنى ، ولم يستأنف . وإذا خرج المجمعون أثناء الخطبة من المسجد ثمّ رجعوا قبل طول الفصل ، بنى الخطيب على ما مضى من خطبته في وجودهم ، ولم يستأنف . كما يطلق البناء على التّفريع على القاعدة الفقهيّة ، أي التّخريج عليها . ( الألفاظ ذات الصّلة ) : أ - التّرميم : 2 - التّرميم : هو إصلاح البناء . ب - العمارة : 3 - العمارة : ما يعمّر به المكان ، ويطلق على بناء الدّار ، وضدّ العمارة الخراب ، ويطلق الخراب على المكان الّذي خلا بعد عمارته . ج - الأصل : 4 - الأصل لغةً : أسفل الشّيء . ويطلق اصطلاحاً على : ما يبنى عليه غيره ، ويقابله الفرع ، وعلى الرّاجح ، وعلى الدّليل ، وعلى القاعدة الّتي تجمع جزئيّاتٍ ، وعلى المتفرّع منه كالأب يتفرّع منه أولاده . د - العقار : 5 - العقار هو : ما يقابل المنقول ، وهو كلّ ملكٍ ثابتٍ له أصل في الأرض ( الحكم الإجماليّ ) : أوّلاً - البناء ( بمعنى إقامة المباني ) 6 - الأصل في البناء الإباحة ، وإن زاد على سبعة أذرعٍ ، أمّا النّهي الوارد عنه في الحديث وهو { إذا أراد اللّه بعبدٍ شرّاً أخضر له اللّبن والطّين ، حتّى يبني } . فقد بيّن المناويّ أنّ ذلك يحمل على ما كان للتّفاخر ، أو زاد عن الحاجة . وتعتريه باقي الأحكام الخمسة : فيكون واجباً : كبناء دار المحجور عليه إذا كان في البناء غبطة ( مصلحة ظاهرة تنتهز قد لا تعوّض ) . وحراماً : كالبناء في الأماكن ذات المنافع المشتركة ، كالشّارع العامّ ، وبناء دور اللّهو ، والبناء بقصد الإضرار ، كسدّ الهواء عن الجار . ومندوباً : كبناء المساجد والمدارس ، والمستشفيات ، وكلّ ما فيه مصلحة عامّة للمسلمين حيث لا يتعيّن ذلك لتمام الواجبات ، وإلاّ صار واجباً ، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب . ومكروهاً : كالتّطاول في البنيان لغير حاجةٍ . الوليمة للبناء : 7 - هي مستحبّة ، كبقيّة الولائم الّتي تقام لحدوث سرورٍ أو اندفاع شرٍّ ، وتسمّى الوليمة للبناء ( وكيرة ) ولا تتأكّد تأكّد وليمة النّكاح . وقد ذكر بعض الشّافعيّة قولاً بوجوبها ، لأنّ الشّافعيّ قال : بعد ذكر الولائم - ومنها الوكيرة - : ولا أرخّص في تركها . وذهب بعض المالكيّة إلى أنّها مكروهة ، وعن بعضهم أنّها مباحة . وينظر التّفصيل في مصطلح ( وليمة ) . من أحكام البناء : أ - هل البناء من المنقولات ؟ 8 - صرّح الحنفيّة بأنّ البناء من المنقولات . وعند بقيّة المذاهب هو من غير المنقول وللتّفصيل ينظر مصطلح ( عقار ) . ب - قبض البناء : 9 - يكون قبض البناء في البيع بتخليته للمشتري ، وتمكين المشتري من التّصرّف فيه ، كما صرّح به الحنفيّة والشّافعيّة وقالوا : من تمكينه من التّصرّف تسليمه المفتاح إليه ، بشرط فراغ البناء من أمتعة البائع ، وأن لا يكون مانع شرعيّ أو حسّيّ . قالوا : لأنّ الشّارع أطلق القبض وأناط به أحكاماً ولم يبيّنه ، وليس له حدّ في اللّغة ، فيجب الرّجوع إلى العرف ، وهو يقتضي ما ذكرناه . وللتّفصيل ينظر مصطلح ( قبض ) . ج - جريان الشّفعة في البناء المبيع : 10 - تجري الشّفعة في البناء إذا بيع مع الأرض تبعاً لها ، ولا تثبت فيه إذا بيع منفرداً ، وعلى هذا جمهور الفقهاء . وعند الإمام مالكٍ وعطاءٍ وهو رواية عن أحمد : تثبت فيه الشّفعة ، وإن بيع منفرداً . وانظر مصطلح ( شفعة ) . د - البناء في الأراضي المباحة : 11 - يرى جمهور الفقهاء جواز البناء في الأرض المباحة ، ولو بدون إذن الإمام اكتفاءً بإذن الشّارع ، ولأنّه مباح ، كالاحتطاب والاصطياد . ولكن يستحبّ الاستئذان من الإمام خروجاً من خلاف من أوجبه . وإلى هذا ذهب الشّافعيّة ، والمالكيّة ، والحنابلة ، وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة . وقال أبو حنيفة : لا يجوز إلاّ بإذن الإمام ، واستدلّ بحديث : { ليس للمرء إلاّ ما طابت به نفس إمامه } وانظر مصطلح ( إحياء الموات ) . هـ - تحجير الأرض للبناء : 12 - إذا احتجر أرضاً للبناء ، ولم يبن مدّةً يمكن البناء فيها ، ولا أحياها بغير ذلك ، بطل حقّه فيها ، لأنّ التّحجّر ذريعة إلى العمارة ، وهي لا تؤخّر عنه إلاّ بقدر أسبابها . ومن الفقهاء من يرى أنّه يرفع إلى السّلطان ، ولا يبطل حقّه بطول المدّة . وقد قدّر البعض المدّة بثلاث سنواتٍ ، لقول عمر رضي الله عنه ليس لمتحجّرٍ بعد ثلاث سنواتٍ حقّ هذا ما صرّح به الشّافعيّة ، وفي المذاهب الأخرى خلاف وتفصيل يرجع إليه في مصطلح ( إحياء الموات ) . و - البناء في الأراضي المغصوبة : 13 - إذا بنى في أرضٍ مغصوبةٍ ، فطلب صاحب الأرض قلع بنائه قلع ، قال ابن قدامة : لا نعلم في ذلك خلافاً بين الفقهاء لحديث : { ليس لعرقٍ ظالمٍ حقّ } ولأنّه شغل ملك غيره بملكه الّذي لا حرمة له في نفسه بغير إذنه ، فلزمه تفريغه ، وإن أراد صاحب الأرض أخذ البناء بغير عوضٍ لم يكن له ذلك . وللحنفيّة تفصيل فيما إذا كان البناء أو الغرس بزعم سببٍ شرعيٍّ يعذر به الباني ، فينظر : إن كانت قيمة الأرض أكثر من قيمة البناء كلّف الغاصب القلع . وإن كانت أقلّ منه فلا يؤمر بالقلع ، ويغرم صاحب البناء لصاحب الأرض قيمة الأرض ، أمّا إذا كان البناء ظلماً ، فالخيار لصاحب الأرض بين الأمر بالقلع أو تملّك البناء مستحقّ القلع . أمّا ضمان منفعة الأرض في مدّة الغصب وآراء الفقهاء فيه فيرجع إليه في مصطلح ( غصب ) . ز - البناء في الأرض المستأجرة : 14 - إذا بنى المستأجر في الأرض المستأجرة ، فإن انقضت مدّة الإجارة لزم المستأجر قلعها ، وتسليم الأرض فارغةً للمؤجر ، لأنّ البناء لا نهاية له ، وفي إبقائه إضرار بصاحب الأرض ، إلاّ أن يختار صاحب الأرض أن يغرم للمستأجر قيمة البناء مقلوعاً ويتملّكه ، فله ذلك برضا صاحب البناء إن لم تنقص الأرض بالقلع ، فيتملّكها حينئذٍ بغير رضاه . ولا فرق عند الحنفيّة بين الإجارة المطلقة والإجارة المشروط فيها القلع . أمّا عند المالكيّة فإن استأجر أرضاً لمدّةٍ طويلةٍ كتسعين سنةً - على مذهب من يرى ذلك منهم - ليبني فيها ، وفعل ثمّ مضت المدّة ، وأراد المؤجّر إخراج المستأجر ويدفع له قيمة بنائه منقوضاً ، فإنّه لا يجاب لذلك ، ويجب عليه بقاء البناء في أرضه ، وله كراء المثل في المستقبل ، وسواء كانت تلك الأرض المؤجّرة ملكاً أو وقفاً على جهةٍ . أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فإنّ شرط القلع بعد انتهاء مدّة الإجارة لزم المستأجر القلع وفاءً بشرطه ، وليس على مالك الأرض أرش نقص البناء بالقلع ، ولا على المستأجر تسوية الأرض وإصلاحها لتراضيهما بالقلع ، وإن أطلقا فللمكتري قلعه ، لأنّه ملكه فله أخذه ، وعليه تسوية الأرض إن قلعه لأنّه ضرر أدخله في ملك غيره بغير إذنه ، وإن أبى القلع لم يجبر عليه ، إلاّ أن يضمن له المالك أرش النّقص بالقلع فيجبر عليه . أمّا المالك فله الخيار بين ثلاثة أشياء : أن يدفع للمستأجر قيمة البناء فيتملّكه ، أو يقلع البناء ويضمن أرش النّقص ، أو يقرّ البناء فيأخذ من المستأجر أجرة المثل . والتّفصيل في ( الإجارة ) . ح - البناء في الأرض المستعارة : 15 - إذا استعار أرضاً للبناء لم يكن له أن يبني بعد انتهاء مدّة العاريّة أو الرّجوع عن العاريّة ، فإن فعل ذلك قلع بناؤه ، وحكمه حكم الغاصب ، وعليه تسوية الأرض وضمان نقص الأرض ، لأنّه عدوان . أمّا إذا بنى قبل الرّجوع ، فإن شرط عليه : القلع مجّاناً عند الرّجوع لزمه القلع عملاً بالشّرط . وإن لم يشترط القلع فلا يقلع مجّاناً ، سواء كانت العاريّة مطلقةً أو مقيّدةً بوقتٍ ، لأنّ البناء مال محترم فلا يقلع مجّاناً ، فيخيّر المعير بين الأمور الثّلاثة الّتي مرّت في الإجارة المطلقة ، وهذا في الجملة عند غير الحنفيّة . وفرّق الحنفيّة بين المطلقة والمؤقّتة ، فإن كانت العاريّة مؤقّتةً فرجع قبل الوقت ضمن المعير ما نقص في قيمة البناء بالقلع ، لأنّ المستعير مغرور من قبل المعير ، أمّا المطلقة فلا ضمان على المعير ، لأنّ المستعير مغترّ غير مغرورٍ ، حيث اعتمد إطلاق العقد ، وظنّ أنّه يتركه مدّةً طويلةً . ط - البناء في الأرض الموقوفة 16 - إذا بنى في الأرض الموقوفة المستأجرة بغير إذن ناظر الوقف قلع بناؤه إن لم يكن ضرر على الأرض بالقلع ، ويضمن منافعها الّتي فاتت بيده ، بهذا صرّح الحنفيّة في هذه المسألة ، والضّمان هو الأصل عند غير الحنفيّة في منفعة كلّ مغصوبٍ . ي - بناء المساجد : 17 - بناء المساجد في الأمصار والقرى والمحالّ حسب الحاجة فرض كفايةٍ وهو من أجلّ أعمال البرّ الّتي حثّ الشّارع عليها . قال تعالى : { في بيوتٍ أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه } . وجاء في الخبر الصّحيح { من بنى مسجداً ، يبتغي به وجه اللّه ، بنى اللّه له مثله في الجنّة } . وأمّا ما يراعى في بناء المساجد فينظر في مصطلح ( مسجد ) . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية