الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41102" data-attributes="member: 329"><p>ثانياً : وسيلة معرفة المبيع وتعيينه </p><p>34 - إذا كان المبيع غائباً عن المجلس ولم تتمّ معرفة المبيع برؤيته أو الإشارة إليه على ما سبق ، فإنّها تتمّ بالوصف الّذي يميّزه عن غيره ، مع بيان مقداره . </p><p>وإذا كان عقاراً كان لا بدّ من بيان حدوده ، لاختلاف قيمة العقار باختلاف جهته وموقعه . وإذا كان من المكيلات أو الموزونات أو المذروعات أو المعدودات فإنّه تحصل معرفتها بالمقدار الّذي تباع به . وفي ذلك بعض التّفصيلات سيأتي بيانها قريباً . </p><p>ويصحّ بيع الجزاف ، وهو إمّا أن يكون بإجمال الثّمن على الصّبرة كلّها ، فيصحّ باتّفاق مع مراعاة ما ذكره المالكيّة من شروط في بيع الجزاف . </p><p>وإمّا بتفصيله بنحو : كلّ صاع بكذا ، فيصحّ عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ومحمّد . وقال أبو حنيفة : يصحّ في قفيز واحد ، ويبطل فيما سواه ، لجهالة المجموع الّذي وقع عليه العقد . </p><p>وقال الشّافعيّة : إن قدّر الصّبرة كأن قال : بعتك الصّبرة كلّ صاع بدرهم ، على أنّها مائة ، صحّ البيع إن خرجت مائة لتوافق الجملة والتّفصيل ، وإن لم تخرج مائةً ، بأن خرجت أقلّ أو أكثر ، ففي الصّحيح لا يصحّ البيع ، لتعذّر الجمع بين جملة الثّمن وتفصيله ، والقول الثّاني يصحّ . ويجوز بيع المكيل بالوزن ، وعكسه ، وهذا في الجملة في غير الرّبويّات ، أي فيما لا يحرم التّفاضل فيه ، للنّصّ على ذلك في الرّبويّات . </p><p>ويجوز البيع بمكيال أو ميزان خاصّ ، كحجر معيّن للمتبايعين ، ولو لم يكن متعارفاً عليه عند غيرهما . أمّا البيع بمكيال غير منضبط ، بأن كان يتّسع ويضيق فلا يجوز . مع استثناء بيع الماء بالقرب ، فيجوز استحساناً لجريان العرف به كما يقول الحنفيّة .</p><p>ثالثاً - شمول المبيع : </p><p>توابع المبيع :</p><p>35 - يقع البيع على العين ومنافعها ، ولذا كان من مقتضاه أحياناً أن يدخل في المبيع ماله صلةً به ، لتحقيق المنفعة المرادة منه ، أو أن يقضي العرف بشمول المبيع لأشياء تدخل فيه ولو لم يصرّح بذلك في العقد . كما أنّها لا تنفصل عنه لا بالاستثناء . </p><p>فعند الحنفيّة يدخل في المبيع ما يلي :</p><p>أ - ما يتناوله مدلول اسم المبيع ، بحيث يعتبر جزءاً من أجزائه . فبيع الدّار مثلاً يدخل فيه غرفها ، وبيع الخزانة يدخل فيه الأدراج .</p><p>ب - ما لا يقبل الانفكاك عن المبيع بالنّظر إلى الغرض من العقد عليه . </p><p>فبيع القفل يدخل معه المفتاح .</p><p>ج - ما كان متّصلاً بالمبيع اتّصال قرار ، بأن كان موضوعاً على وجه الدّوام ، كبيع الدّار تدخل فيه الأبواب والأحواض .</p><p>د - ما جرى العرف ببيعه مع المبيع تابعاً له . كالخطام بالنّسبة للبعير . </p><p>فالأصل أنّ هذه الأمور كلّها ترجع إلى العرف ، وهو يختلف باختلاف البلاد ، فما جرى العرف في بلد بدخوله في البيع تبعاً دخل فيه ، وإن لم يجر هذا العرف في بلد آخر . </p><p>ولذلك يقول ابن عابدين نقلاً عن الذّخيرة في بيع الدّار : الأصل أنّ ما لا يكون من بناء الدّار ولا متّصلاً بها ، لا يدخل إلاّ إذا جرى العرف أنّ البائع لا يمنعه عن المشتري ، فالمفتاح يدخل استحساناً لا قياساً لعدم اتّصاله ، وقلنا بدخوله بحكم العرف . </p><p>ثمّ قال ابن عابدين : ومقتضى ذلك أنّ شرب الدّار يدخل في ديارنا ( دمشق ) للتّعارف ، بل هو أولى من دخول السّلم المنفصل في عرف مصر القاهرة ، لأنّ الدّار في دمشق إذا كان لها ماء جار وانقطع عنها أصلاً لم ينتفع بها ، وأيضاً إذا علم المشتري أنّه لا يستحقّ شربها بعقد البيع لا يرضى بشرائها إلاّ بثمن قليل جدّاً بالنّسبة للدّار الّتي يدخل فيها شربها . </p><p>ويقول القرافيّ في الفرق بين قاعدة : ما يتبع العقد عرفاً ، وقاعدة : ما لا يتبعه - بعد أن سرد الأبواب في ذلك - قال : وهذه الأبواب الّتي سردتها مبنيّة على العوائد ، غير مسألة الثّمار المؤبّرة بسبب أنّ مدركها النّصّ والقياس ، وما عداها مدركه العرف والعادة ، فإذا تغيّرت العادة أو بطلت بطلت هذه الفتاوى ، وحرمت الفتوى بها لعدم مدركها فتأمّل ذلك ، بل تتبع الفتوى هذه العوائد كيفما تقلّبت ، كما تتبع النّقود في كلّ عصر وحين ، وكلّ ما صرّح به في النّقود واقتضته اللّغة فهذا هو الّذي لا يختلف باختلاف العوائد ، ولا يقال : إنّ العرف اقتضاه . ومعنى شمول المبيع لتلك الأشياء أنّها تدخل معه بالثّمن نفسه دون أن يكون لها حصّة من الثّمن ، لأنّ القاعدة أنّ كلّ ما يدخل في المبيع تبعاً لا حصّة له من الثّمن . </p><p>ويعتبر مثل ذلك - عند الحنفيّة - ما كان وصفاً بالنّسبة للمبيع ، فإذا تلف بعد العقد وقبل القبض ، لم يكن للمشتري إسقاط شيء في مقابله من الثّمن ، بل يتخيّر بين التّمسّك بالعقد وبين الفسخ ، وهو من قبيل خيار فوات الوصف ، وذلك بخلاف ما لو هلك شيء من ذات المبيع ( لا من توابعه ) فإنّه يتمكّن به المشتري من إسقاط ما يخصّه من الثّمن . </p><p>وأمّا عند الشّافعيّة والحنابلة : إن قال بعتك هذه الدّار دخل فيها ما اتّصل بها من الرّفوف المسمّرة والخوابي والأجاجين المدفونة فيها ، وكلّ ما اتّصل بها اتّصال استقرار لمصلحتها . ولا يدخل المنفصل عند الحنابلة ، وأحد وجهين عند الشّافعيّة ، فيدخل حجر الرّحى السّفلانيّ إن كان متّصلاً ، ولا يدخل الحجر الفوقانيّ ، ولا مثل دلو وحبل وبكرة ومفتاح .</p><p>الاستثناء من المبيع :</p><p>36 - ينبني حكم الاستثناء من المبيع على نصّ وضابط مبنيّ عليه ، مع اتّفاق الفقهاء في بعض ما ينبني على ذلك من مسائل ، واختلافهم في بعضها الآخر بسبب اختلافهم في التّوجيه ، وبيان ذلك فيما يلي : </p><p>أمّا النّصّ فهو ما رواه البخاريّ من أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « نهى عن الثنيا إلاّ أن تعلم » . وأمّا الضّابط فهو أنّ كلّ ما يجوز بيعه منفرداً يجوز استثناؤه ، وما لا يجوز إيقاع البيع عليه بانفراده لا يجوز استثناؤه . </p><p>ولا بدّ من كون المستثنى معلوماً ، لأنّه إن كان مجهولاً عاد على الباقي بالجهالة ، فلم يصحّ البيع . وعلى ذلك لا يجوز استثناء الحمل من بيع الدّابّة ، لأنّه لا يجوز إفراده بالبيع ، فكذا استثناؤه ، وهو قول الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلاّ فيما نقل عن الإمام أحمد بصحّة استثنائه ، وبه قال الحسن والنّخعيّ وإسحاق وأبو ثور ، لما روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه باع جاريةً واستثنى ما في بطنها ، ولأنّه يصحّ استثناؤه في العتق ، فصحّ في البيع قياساً عليه . </p><p>وهكذا كلّ مجهول لا يجوز استثناؤه ، كاستثناء شاة غير معيّنة من قطيع . </p><p>ولا يجوز بيع الحائط واستثناء شجرة أو نخلة غير معيّنة لأنّ استثناء المجهول من المعلوم يصيّره مجهولاً ، فإن عيّن المستثنى صحّ البيع والاستثناء . وهذا عند الجمهور . </p><p>ويجوز عند الإمام مالك استثناء نخلات أو شجرات وإن لم تكن بأعيانها ، على أن يختارها ، إذا كان ثمرها قدر الثّلث أو أقلّ ، وكانت ثمار الحائط لوناً واحداً ، لخفّة الغرر في ذلك . </p><p>ولا يجوز بيع ثمرة واستثناء أرطال معلومة منها ، « لنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الثنيا » ، ولأنّ الباقي بعد الاستثناء مجهول . روي ذلك عن سعيد بن المسيّب والشّافعيّ والأوزاعيّ وإسحاق وأبي ثور ، وهو قول الحنابلة غير أبي الخطّاب ، وهو رواية الحسن وقول الطّحاويّ من الحنفيّة . </p><p>ويجوز ذلك عند الإمام مالك إذا كان قدر ثلث فأقلّ ، والجواز هو ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، وهو قول ابن سيرين وسالم بن عبد اللّه وأبي الخطّاب من الحنابلة ، لأنّه استثنى معلوماً . ويجوز استثناء جزء مشاع كربع وثلث ، لأنّه لا يؤدّي إلى جهالة المستثنى ولا المستثنى منه ، فصحّ كما لو اشترى شجرةً بعينها . وقال أبو بكر وابن أبي موسى من الحنابلة : لا يجوز . ويجوز عند الحنابلة بيع الحيوان المأكول واستثناء رأسه وجلده وأطرافه وسواقطه . وجوّز مالك ذلك في السّفر فقط ، إذ لا ثمن للسّواقط هناك ، وكرهه في الحضر ، ولأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسّواقط ، والدّليل على جواز استثناء ذلك « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الثّنيا إلاّ أن تعلم » وهذه معلومة .</p><p>وروي « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مرّوا براعي غنم فذهب أبو بكر وعامر فاشتريا منه شاةً . وشرطا له سلبها »أي جلدها وأكارعها وبطنها ولا يجوز ذلك عند الحنفيّة والشّافعيّة . </p><p>وممّا اختلف الفقهاء فيه من الاستثناء ما اعتبره بعضهم شرطاً صحيحاً ، فأجازه وأجاز البيع ، واعتبره غيرهم شرطاً فاسداً ، فأبطله وأبطل البيع . </p><p>ومثال ذلك : من يبيع الدّار ويستثنى سكناها شهراً مثلاً ، فأجاز ذلك المالكيّة والحنابلة ، واستدلّوا بحديث « جابر أنّه باع النّبيّ صلى الله عليه وسلم جملاً ، واشترط ظهره إلى المدينة أي ركوبه » وفي لفظ : قال : « بعته واستثنيت حملانه إلى أهلي » . </p><p>وعند الحنفيّة والشّافعيّة : لا يجوز ذلك ، ويبطل الشّرط والبيع ، لأنّه شرط غير ملائم .</p><p>بيع الأصول :</p><p>37 - الأصول : جمع أصل ، وهو ما ينبني عليه غيره ، والمراد بالأصول هنا ما عبّر عنه النّوويّ ، بقوله في " تحريره " الأصول : الشّجر والأرض وفي شرح منتهى الإرادات : المراد بالأصول هنا : أرض ودور وبساتين . </p><p>وقد درج الفقهاء على إفراد فصل بعنوان ( بيع الأصول ) ذاكرين فيه ما يتبع هذه الأصول في البيع وما لا يتبعها . وبيان ذلك كما يأتي .</p><p>38 - بيع الأرض : من باع أرضاً دخل فيها الغراس والبناء لاتّصالها بها اتّصال قرار ، وهي من حقوقها ، وهذا في جميع المذاهب إلاّ في قول عند الشّافعيّة أنّه إن أطلق ولم يقل بحقوقها فلا يدخل البناء والشّجر لكنّ المذهب دخوله عند الإطلاق . كما أنّ الشّافعيّة فسّروا الشّجر الّذي يتبع الأرض بالشّجر الرّطب ، أمّا اليابس فلا يدخل ، على ما صرّح به ابن الرّفعة والسّبكيّ تفقّهاً . وقال الإسنويّ لا يدخل جزماً . </p><p>كما يدخل في بيع الأرض الحجارة المخلوقة والمثبتة فيها ، لأنّها من أجزائها ، دون المدفونة كالكنز فلا تدخل في البيع ، وتكون للبائع ، لكن قال القرافيّ : لا تدخل المدفونة إلاّ على القول بأنّ من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها . وإن كان في الأرض زرع يجزّ مرّةً بعد أخرى فالأصول للمشتري ، والجزّة الظّاهرة عند البيع للبائع . </p><p>39 - ومن باع داراً دخل في البيع بناؤها ، وفناؤها وما فيها من شجر مغروس ، وما كان متّصلاً بها لمصلحتها ، كسلالم ، ورفوف مسمّرة ، وأبواب ورحًى منصوبة ، ولا يتناول ما فيها من كنز مدفون ولا ما هو منفصل عنها كحبل ودلو ، ولا ما ينقل كحجر وخشب . </p><p>أمّا الغلق المثبّت فيدخل مفتاحه عند الحنفيّة والمالكيّة على ما تقدّم ، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ، وفي رواية عند الحنابلة .</p><p>40 - ومن باع شجراً تبعه الأغصان والورق وسائر أجزاء الشّجر ، لأنّه من أجزائها خلق لمصلحتها ، أمّا الأرض الّتي هي مكان غرسها فتدخل أيضاً في بيعها عند المالكيّة ، وعند الحنفيّة إن اشتراها للقرار اتّفاقاً . ولا تدخل عند الحنابلة ، وعلى الأصحّ عند الشّافعيّة ، لأنّ الاسم لا يتناولها ولا هي تبع للمبيع . </p><p>وإن كان في الشّجر أو النّخل ثمر فالمؤبّر للبائع ، إلاّ أن يشترط ذلك المشتري ، لما روى ابن عمر رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : من باع نخلاً قد أبّرت فثمرتها للبائع ، إلاّ أن يشترط المبتاع » . </p><p>أمّا إذا لم تكن مؤبّرةً فهي للمشتري ، لأنّ قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم دلّ على أنّها إذا لم تكن مؤبّرةً فهي للمبتاع ، ولأنّ ثمرة النّخل كالحمل ، لأنّه نماء كامن لظهوره غاية . </p><p>وهذا عند الجمهور . وعند الحنفيّة لا تدخل الثّمرة مؤبّرةً أو غير مؤبّرة على الصّحيح إلاّ بالشّرط للحديث المتقدّم . لكن برواية ليس فيها التّأبير .</p><p>41 - ومن باع حيواناً تبعه ما جرى العرف بتبعيّته له كاللّجام والمقود والسّرج ، وفرّق الشّافعيّة بين ما هو متّصل بالحيوان كالبرّة ( الحلقة الّتي في أنف الدّابّة ) وكالنّعل المسمّر ، فهذا يدخل في بيع الحيوان تبعاً . </p><p>أمّا اللّجام والسّرج والمقود ، فلا يدخل في بيع الحيوان اقتصاراً على مقتضى اللّفظ .</p><p>بيع الثّمار :</p><p>42 - يجوز باتّفاق الفقهاء بيع الثّمار وحدها منفردةً عن الشّجر ، ولا يجوز بيعها إلاّ بعد بدوّ صلاحها - مع اختلافهم في تفسير بدوّ الصّلاح - هل هو ظهور النّضج والحلاوة ونحو ذلك كما يقول الجمهور ، أو هو أمن العاهة والفساد كما يقول الحنفيّة . </p><p>ودليل الجواز مأخوذ من حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه : « نهى عن بيع الثّمرة حتّى يبدو صلاحها » . </p><p>قال ابن قدامة : فمفهومه إباحة بيعها بعد بدوّ صلاحها ، وهذا عند من يقول بالمفهوم . </p><p>كما أنّ الأصل جواز كلّ بيع استكمل شروطه . ويجوز كذلك بيع الثّمار بعد ظهورها ، وقبل بدوّ الصّلاح بشرط القطع في الحال ، وذلك إذا كان ينتفع به ، وهذا باتّفاق ، إلاّ أنّ المالكيّة زادوا على ذلك شرطين أحدهما : أن يحتاج المتبايعان أو أحدهما للبيع . </p><p>والثّاني : أن لا يتمالأ أكثر أهل البلد على الدّخول في هذا البيع . </p><p>فإن بيع الثّمر قبل بدوّ الصّلاح بشرط التّبقية أو على الإطلاق دون بيان جذّ ولا تبقية فعند الجمهور- المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة- البيع باطل . </p><p>والحكم كذلك عند الحنفيّة إن شرط التّرك ، وإن لم يشترط قطعاً ولا تبقيةً فإنّه يجوز باتّفاق أهل المذهب ، إذا كان ينتفع به . وعلى الصّحيح إن كان لا ينتفع به ، لأنّه مال منتفع به في ثاني الحال ، إن لم يكن منتفعاً به في الحال ، فإن شرط التّرك فسد البيع . </p><p>فإن باع الثّمرة مع الأصل جاز بالاتّفاق ، لأنّها تكون تبعاً لأصل . </p><p>وينظر تفصيل ذلك في مصطلح : ( ثمار ) .</p><p>رابعاً : حضور المبيع وغيابه </p><p>أ - حضور المبيع :</p><p>43 - من المقرّر أنّ الإشارة إلى المبيع هي أقوى طرق التّعريف والتّعيين ، ولذلك إذا كان المبيع في حضرة المتعاقدين - مجلس العقد - وتمّ تعيينه بالإشارة بحيث عرفه المشتري ورآه ، فإنّ البيع لازم إذا خلا من سبب خاصّ - لا يتّصل برؤية المبيع - من الأسباب الّتي ينشأ بها الخيار للمشتري . </p><p>حتّى لو اقترنت الإشارة بالوصف ، وكان الوصف مغايراً لما رآه المشتري ورضي به ، فإنّه ليس له المطالبة بعدئذ بالوصف ، ما دام العقد قد تمّ بعد الرّؤية والرّضا . </p><p>ويعبّر عن ذلك بالقاعدة الفقهيّة التّالية " الوصف في الحاضر لغو ، وفي الغائب معتبر " . وهذا بخلاف التّغاير بين اسم المبيع والإشارة إليه ، كقوله : بعتك هذه الفرس ، وأشار إلى ناقة مثلاً ، فالتّسمية هي المعتبرة ، لأنّ الاسم يحدّد به جنس المبيع ، فهذا غلط في الجنس لا في الوصف ، والغلط في الجنس غير مغتفر ، لأنّه يكون به المبيع معدوماً . </p><p>وقد صرّح القرافيّ : بأنّه إن لم يذكر الجنس في البيع ، بأن قال : بعتك ثوباً امتنع إجماعاً . وهذا إذا كان الوصف ممّا يدركه المشتري ، أمّا لو كان ممّا يخفى عليه ، أو يحتاج إلى اختبار ، كالوصف للبقرة بأنّها حلوب ، ثمّ تبيّن للمشتري أنّها ليست كذلك ، فإنّ فوات الوصف هنا مؤثّر ، إن كان قد اشترط في العقد ، ولو كان المبيع حاضراً مشاراً إليه . لأنّ الوصف هنا معتبر من البائع ، ويترتّب على فواته خيار للمشتري يسمّى : خيار فوات الوصف . ويستوي في استحقاق الخيار بفوات الوصف أن يكون المبيع حاضراً أو غائباً . وتفصيل ذلك في ( خيار الوصف ) .</p><p>ب - غياب المبيع :</p><p>44 - إذا كان المبيع غائباً ، فإمّا أن يشتري بالوصف الكاشف له ، على النّحو المبيّن في عقد السّلم ، وإمّا أن يشتري دون وصف ، بل يحدّد بالإشارة إلى مكانه أو إضافته إلى ما يتميّز به . فإن كان البيع بالوصف ، وهو هنا غير الوصف المرغوب السّابق ، فإذا تبيّنت المطابقة بين المبيع بعد مشاهدته وبين الوصف لزم البيع ، وإلاّ كان للمشتري خيار الخلف عند جمهور الفقهاء . </p><p>أمّا الحنفيّة فإنّهم يثبتون للمشتري هنا خيار الرّؤية ، بقطع النّظر عن سبق وصفه أو عدمه ، وتفصيله في " خيار الوصف ، وخيار الرّؤية " . لكن إن تمّ الشّراء على أساس النّموذج ، ولم يختلف المبيع عنه ، فليس للمشتري خيار رؤية . </p><p>وبيع الغائب مع الوصف صحيح عند الجمهور في الجملة- الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشّافعيّة- فقد أجازه الحنفيّة ولو لم يسبق وصفه . وفي قول للشّافعيّة لا بدّ من الوصف لأنّ للمشتري هنا خيار الرّؤية على كلّ حال ، سواء مع الوصف والمطابقة ، أو المخالفة ، ومع عدم الوصف . وهو خيار حكميّ لا يحتاج إلى اشتراط . وأجازه الحنابلة مع الوصف على الوجه المطلوب لصحّة السّلم ، وقصروا الخيار على حال عدم المطابقة . وأجازه المالكيّة بثلاثة شروط :</p><p>أ - ألاّ يكون قريباً جدّاً بحيث تمكن رؤيته بغير مشقّة ، لأنّ بيعه غائباً في هذه الحال عدول عن اليقين إلى توقّع الضّرر فلا يجوز .</p><p>ب - ألاّ يكون بعيداً جدّاً ، لتوقّع تغيّره قبل التّسليم ، أو لاحتمال تعذّر تسليمه .</p><p>ج - أن يصفه البائع بصفاته الّتي تتعلّق الأغراض بها وهي صفات السّلم . </p><p>والأظهر في مذهب الشّافعيّة : أنّه لا يصحّ بيع الغائب ، وهو : ما لم يره المتعاقدان أو أحدهما ، وإن كان حاضراً ، للنّهي عن بيع الغرر . </p><p>أمّا البيع على البرنامج ، وهو الدّفتر المبيّنة فيه الأوصاف ، أو على الأنموذج بأن يريه صاعاً ويبيعه الصّبرة على أنّها مثله فقد أجازه الحنفيّة ، وهو قول للحنابلة صوّبه المرداويّ - لما سبق - والمالكيّة ، والأصحّ للحنابلة منعه ، وأجازه الشّافعيّة فيما لو قال مثلاً : بعتك الحنطة الّتي في هذا البيت ، وهذا أنموذجها ، ويدخل الأنموذج في البيع . </p><p>وللمالكيّة تفصيل فيما إذا ظهر أنّ ما في العدل المبيع على البرنامج أقلّ أو أكثر ، وتفصيله في ( ظهور المبيع زائداً أو ناقصاً ) .</p><p>خامساً ظهور النقصان أو الزيادة في المبيع :</p><p>45 - يختلف الحكم في المبيع إذا ظهر فيه نقصان أو زيادة بين أن يكون البيع على أساس المقدار ، وبين أن يكون من قبيل بيع الجزاف ( أو المجازفة ) وهو ما يسمى أيضاً ( بيع الصُبْرة ) ومنه بعض صور البيع على البرنامج أو الأنموذج ، حيث يظهر القدر مخالفاً لما كتب في البرنامج .</p><p>أ- بيع الجزاف :</p><p>46 - إذا كان البيع جزافاً فلا أثر لظهور النقص أو الزيادة عما توقعه المشتري أو البائع .</p><p>وتفصيل ذلك في ( بيع الجزاف )</p><p> ب - بيع المقدّرات :</p><p>47 - إذا ظهر نقص أو زيادة فيما بيع مقدراً بكيل أو وزن او ذرع أو عد ، فيننظر في المبيع ، هل هو مما يضره التبعيض أو لا يضره ؟ كما ينظر في أساس الثمن الذي تم عليه البيع هل هو مجمل أو مفصل على أجزاء ؟ </p><p>فإذا كان المبيع مما لا يضره التبعيض ( كالمكيلات بأنواعها ، وكذلك بعض الموزونات كالقمح ، والمذروعات كالقماش الذي يباع بالذراع ، دون نضر إلى ما يكفي للثوب الواحد ، وكذلك المعدودات المتقاربة ). فإن الزيادة في المبيع هي للبائع ، والنقص على حسابه ، ولا حاجة في هذه الحال للنظر إلى تفصيل الثمن أو إجماله .</p><p>وإذا كان الثمن مفصلاً ، كما لو قال : كل ذراع بدرهم ، فالزيادة للبائع والنقص عليه ، ولا حاجة للنظر إلى كونه يضره التبعيض أو لا . </p><p>أما إذا كان الثمن غير مفصل ، والمبيع مما يضره التبعيض ، فإن الزيادة للمشتري والنقص عليه ، ولا يقابله شيء من الثمن ، لكن يثبت للمشتري الخيار في حال النقص ، وهو خيار تفرق الصفقة . </p><p>وذلك لأن ما لا يضره التبعيض يعتبر التقدير فيه كالجزء ، وما يضره التبعيض يعتبر التقدير فيه كالوصف . والوصف لا يقابله شيء من الثمن بل يثبت به الخيار .</p><p>هذا ما ذهب إليه الحنفية . </p><p>وذهب الشافعية في الصحيح ، وهو رواية عند الحنابلة إلى : أنه إذا ظهر في المبيع المقدر زيادة أو نقصان فالبيع باطل ، لأنه لا يمكن إجبار البائع على تسليم الزيادة ، ولا المشتري علىأخذ البعض ، وهناك ضرر في الشركة بين البائع والمشتري بالنسبة لما زاد .</p><p>وللمالكية تفصيل بين كون النقص قليلاً أو كثيراً . فإن كان قليلاً لزم المشتري الباقي بما ينوبه من الثمن ، وإن كان كثيراً كان مخيراً في الباقي بين أخذه بما ينوبه ، أو رده . </p><p>وقيل : إن ذلك بمنزلة الصفة للمبيع ، فإن وجده أكثر فهو للمشتري ، وإن وجده أقل كان المشتري بالخيار بين أخذه بجميع الثمن أو رده .</p><p>ومقابل الصحيح عند الشافعية في ظهور الزيادة أو النقصان : صحة البيع للإشارة تغليباً . ثم للشافعية تفصيل ، وهو أنه إن قابل البائع الجملة بالجملة ، كقوله : بعتك الصبرة بمائة على أنها مائة ، ففي حال الزيادة أو النقصان يصح البيع ، ويثبت الخيار لمن عليه الضرر .</p><p>أما إن قابل الأجزاء بالأجزاء كقوله : بعتك الصبرة كل صاع بدرهم على أنها مائة صاع ، فإذا ظهرت زيادة أو نقصان فالبيع صحيح عند الأسنوي ، وفرق الماوردي بين النقصان فيكون البيع صحيحاً ، وبين الزيادة ففيه الخلاف السابق ، وهو بطلان البيع على الصحيح ، أو صحته على ما يقابله .</p><p>وذكر ابن قدامة في المغني أنه إذا قال : بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب على أنه عشرة أذرع ، فبانَ أحد عشر ، ففيه روايتان :</p><p>إحداهما : البيع الباطل ، لأنه لا يمكن إجبار البائع على تسليم الزيادة وإنما باع عشرة ، ولا المشتري على أخذ البعض ، وإنما اشترى الكل وعليه ضرر في الشركة أيضاً .</p><p>والثانية : البيع صحيح والزيادة للبائع ، لأن ذلك نقص على المشتري ، فلا يمنع صحة البيع كالعيب ، ثم يخير البائع بين تسليم المبيع زائداً ، وبين تسليم العشرة ، فإن رضي بتسليم الجميع فلا خيار للمشتري ، لأنه زاده خيراً ، وإن أبى تسليمه زائداً فللمشتري الخيار بين الفسخ ، والأخذ بجميع الثمن المسمى وقسط الزائد ، فإن رضي بالأخذ أخذ العشرة ، والبائع شريك له بالذراع . وهل للبائع خيار الفسخ ؟ وجهان . </p><p>أحدهما : له الفسخ لأن عليه ضرراً في المشاركة . </p><p>والثاني : لا خيار له ، وقواه ابن قدامة ، وإن بانَ المبيع تسعة ففيه روايتان : </p><p>إحداهما : يبطل البيع كما تقدم . </p><p>والثانية : البيع صحيح ، والمشتري بالخيار بين الفسخ والإمساك بتسعة أعشار الثمن . </p><p>وإن اشترى صبرة على أنها عشرة أقفزة ، فبانت أحد عشر ، رد الزائد ولا خيار له هاهنا ، لأنه ضرر في الزيادة . وإن بانت تسعة أخذها بقسطها من الثمن . </p><p>ومتى سمى الكيل في الصبرة لا يكون قبضها إلا بالكيل ، فإن وجدها زائدة رد الزيادة ، وإن كانت ناقصة أخذها بقسطها من الثمن . </p><p>وهل له الفسخ في حالة النقصان ؟ على وجهين . أحدهما : له الخيار . والثاني : لاخيار له. </p><p>الثّمن وأحكامه وأحواله </p><p>أوّلاً : تعريف الثّمن :</p><p>48 - الثّمن هو ما يبذله المشتري من عوض للحصول على المبيع ، والثّمن أحد جزأي المعقود عليه - وهو الثّمن والمثمّن - وهما من مقوّمات عقد البيع ، ولذا ذهب الجمهور إلى أنّ هلاك الثّمن المعيّن قبل القبض ينفسخ به البيع في الجملة . </p><p>ويرى الحنفيّة أنّ المقصود الأصليّ من البيع هو المبيع ، لأنّ الانتفاع إنّما يكون بالأعيان ، والأثمان وسيلة للمبادلة ، ولذا اعتبروا التّقوّم في الثّمن شرط صحّة ، وهو في المبيع شرط انعقاد ، وهي تفرقة خاصّة بهم دون الجمهور ، فإن كان الثّمن غير متقوّم لم يبطل البيع عندهم ، بل ينعقد فاسداً ، فإذا أزيل سبب الفساد صحّ البيع . </p><p>كما أنّ هلاك الثّمن قبل القبض لا يبطل به البيع ، بل يستحقّ البائع بدله . </p><p>أمّا هلاك المبيع فإنّه يبطل به البيع . والثّمن غير القيمة ، لأنّ القيمة هي : ما يساويه الشّيء في تقويم المقوّمين ( أهل الخبرة ) ، أمّا الثّمن فهو كلّ ما يتراضى عليه المتعاقدان ، سواء أكان أكثر من القيمة ، أم أقلّ منها ، أم مثلها . </p><p>فالقيمة هي الثّمن الحقيقيّ للشّيء . أمّا الثّمن المتراضى عليه فهو الثّمن المسمّى . </p><p>والسّعر هو : الثّمن المقدّر للسّلعة . والتّسعير : تحديد أسعار بيع السّلع . </p><p>وقد يكون التّسعير من السّلطان ، ثمّ يمنع النّاس من البيع بزيادة عليها أو أقلّ منها . </p><p>حكم التّسعير :</p><p>49 - اختلف الفقهاء في التّسعير ، فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ لوليّ الأمر ذلك ، إذا كان الباعة يتعدّون القيمة ، وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلاّ بالتّسعير بمشورة أهل الرّأي والبصر ، وذلك لفعل عمر رضي الله عنه حين مرّ بحاطب في السّوق فقال له :" إمّا أن ترفع السّعر وإمّا أن تدخل بيتك فتبيع كيف شئت ". </p><p>وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى تحريم التّسعير ، وكراهة الشّراء به ، وحرمة البيع وبطلانه إذا كان بالإكراه . وذلك لحديث « إنّ اللّه هو المسعّر القابض الباسط الرّازق ، وإنّي لأرجو أن ألقى اللّه وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال » . </p><p>وتفصيل ذلك في مصطلح ( تسعير ) .</p><p>ثانياً : ما يصلح ثمناً وما لا يصلح :</p><p>50 - كلّ ما صلح أن يكون مبيعاً صلح أن يكون ثمناً ، والعكس صحيح أيضاً ، هذا ما يفهم من اتّجاه الجمهور . </p><p>وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا عكس ، فما صلح أن يكون ثمناً قد لا يصلح أن يكون مبيعاً . </p><p>والثّمن إمّا أن يكون ممّا يثبت في الذّمّة ، وذلك كالنّقود والمثليّات من مكيل أو موزون أو مذروع أو عدديّ متقارب . وإمّا أن يكون من الأعيان القيميّة كما في بيع السّلم ، إذا كان رأس المال عيناً من القيميّات ، وكما في بيع المقايضة . </p><p>والذّهب والفضّة أثمان بالخلقة ، سواء كانا مضروبين نقوداً أو غير مضروبين . </p><p>وكذلك الفلوس أثمان ، والأثمان لا تتعيّن بالتّعيين عند الحنفيّة والمالكيّة ( واستثنى المالكيّة الصّرف والكراء ) فلو قال المشتري : اشتريت السّلعة بهذا الدّينار ، وأشار إليه ، فإنّ له بعد ذلك أن يدفع سواه ، لأنّ النّقود من المثليّات ، وهي تثبت في الذّمّة ، والّذي يثبت في الذّمّة يحصل الوفاء به بأيّ فرد مماثل ولا يقبل التّعيين . </p><p>وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها تتعيّن بالتّعيين . أمّا إذا كان الثّمن قيميّاً فإنّه يتعيّن ، لأنّ القيميّات لا تثبت في الذّمّة ، ولا يحلّ فرد منها محلّ آخر إلاّ بالتّراضي .</p><p>ثالثاً : تعيين الثّمن وتمييزه عن المبيع :</p><p>51 - لتمييز الثّمن عن المبيع صرّح الحنفيّة بالضّابط التّالي ، وهو متّفق مع عبارات المالكيّة والشّافعيّة :</p><p>أ - إذا كان أحد العوضين نقوداً اعتبرت هي الثّمن ، وما عداها هو المبيع مهما كان نوعه . ولا ينظر إلى الصّيغة ، حتّى لو قال : بعتك ديناراً بهذه السّلعة ، فإنّ الدّينار هو الثّمن رغم دخول الباء على ( السّلعة ) وهي تدخل عادةً على الثّمن .</p><p>ب - إذا كان أحد العوضين أعياناً قيميّةً ، والآخر أموالاً مثليّةً معيّنةً أي مشاراً إليها ، فالقيميّ هو المبيع ، والمثليّ هو الثّمن ، ولا عبرة أيضاً بما إذا كانت الصّيغة تقتضي غير هذا . أمّا إذا كانت الأموال المثليّة غير معيّنة - أي ملتزمة في الذّمّة - فالثّمن هو العوض المقترن بالباء ، كما لو قال : بعتك هذه السّلعة برطل من الأرز ، فالأرز هو الثّمن لدخول الباء عليه . ولو قال : بعتك رطلاً من الأرز بهذه السّلعة ، فالسّلعة هي الثّمن ، وهو من بيع السّلم لأنّه بيع موصوف في الذّمّة مؤجّل بثمن معجّل .</p><p>ج - إذا كان كلّ من العوضين مالاً مثليّاً ، فالثّمن هو ما اقترن بالباء كما لو قال : بعتك أرزاً بقمح ، فالقمح هو الثّمن .</p><p>د - إذا كان كلّ من العوضين من الأعيان القيميّة فإنّ كلاً منهما ثمن من وجه ومبيع من وجه . وهذا التّفصيل للحنفيّة . </p><p>أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فإنّ الثّمن : هو ، ما دخلت عليه الباء . </p><p>وأمّا المالكيّة فقد نصّوا على أنّه لا مانع من كون النّقود مبيعةً ، لأنّ كلاً من العوضين مبيع بالآخر ، وفي البهجة : كلّ من العوضين ثمن للآخر .</p><p>ومن أحكام الثّمن عدا ما سبقت الإشارة إليه :</p><p> أ - إذا تنازع المتعاقدان فيمن يسلّم أوّلاً ، فإنّه يجب تسليم الثّمن أوّلاً قبل تسليم المبيع .</p><p>ب - كلفة تسليم الثّمن على المشتري ، وكلفة تسليم المبيع على البائع .</p><p>ج - اشتراط القبض لجواز التّصرّف في العوض خاصّ بالمبيع لا بالثّمن ، على تفصيل يعرف في " بيع منهيّ عنه ، بيع المبيع قبل قبضه " .</p><p>د - تأجيل الثّمن - رأس المال - في بيع السّلم لا يجوز ، بخلاف المبيع فهو مؤجّل بمقتضى العقد . وهذا في الجملة . وتفصيله في مصطلح ( ثمن ) .</p><p>رابعاً : إبهام الثّمن :</p><p> 52 - إذا بيّن ثمناً وأطلق ، فلم يبيّن نوعه ، كما لو قال : بكذا ديناراً ، وفي بلد العقد أنواع من الدّنانير مختلفة في القيمة متساوية في الرّواج ، فالعقد فاسد لجهالة مقدار الثّمن . أمّا إذا كان بعضها أروج ، فالعقد صحيح ، وينصرف إلى الأروج ، كما لو قال في الكويت : بعتك بدينار فالعقد صحيح ، والثّمن دنانير كويتيّة ، لأنّها أروج من غيرها من الدّنانير الموجودة في محلّ العقد . هذا وتفصيل أحكام الثّمن تنظر في ( ثمن ) .</p><p>خامساً : تحديد الثّمن بالنّظر إلى رأس المال :</p><p>53 - تحديد الثّمن إمّا أن يعلم بالمشاهدة والإشارة ، وهي أبلغ طرق التّعريف ، سواء بيّن المقدار أم لم يبيّن . كما لو باع سلعةً بصرّة من الدّنانير ، وأشار إليها . </p><p>وإمّا أن يكون الثّمن غائباً عن مجلس العقد ، وحينئذ لا بدّ من بيان نوعه ووصفه وقدره . ثمّ إنّ الثّمن إمّا أن لا يبنى على ثمن الشّراء ( رأس مال البائع ) أو يبنى على ذلك بلا ربح ولا خسارة ، أو بربح معلوم ، أو بخسارة معلومة . </p><p>فالأوّل ، وهو ما لا ينظر فيه إلى ثمن الشّراء ، هو : بيع المساومة ، وهو الأغلب في البيوع . أمّا النّوع الآخر فهو بيع الأمانة . وينقسم إلى : تولية ، وهو البيع بمثل الثّمن الأوّل . </p><p>وإذا كان لبعض المبيع بنسبته من الثّمن الأوّل فهو إشراك . وإن كان بربح فهو مرابحة . </p><p>أو بخسارة فهو وضيعة . وتفصيل هذه البيوع في مصطلحاتها .</p><p>أحكام مشتركة بين المبيع والثّمن :</p><p>أوّلاً : الزّيادة في البيع أو الثّمن .</p><p>54 - يجوز للمشتري أن يزيد في الثّمن بعد العقد ، وكذلك يجوز للبائع أن يزيد في المبيع . على أن يقترن ذلك بقبول الطّرف الآخر في مجلس الزّيادة . </p><p>ويشترط أن يكون المبيع قائماً ، إذا كانت الزّيادة في الثّمن ، لأنّه إذا كان هالكاً قوبلت الزّيادة بمعدوم ، وإذا كان في حكم الهالك - وهو ما أخرجه عن ملكه - قوبلت الزّيادة بما هو في حكم المعدوم . ولا فرق فيما لو كانت الزّيادة بعد التّقابض أو قبله ، أو كانت من جنس المبيع أو الثّمن أو من غير جنسه . </p><p>وحكم الزّيادة أنّها تعديل للعقد السّابق وليست هبةً ، ولذا لا تحتاج إلى القبض المشروط لتمام الهبة ، وهذا في الجملة . هذا مذهب الحنفيّة . </p><p>أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فإنّ الزّيادة بعد لزوم البيع بانقضاء خيار المجلس وخيار الشّرط لا تلحق ، بل هي في حكم الهبة . وسيأتي تفصيل ذلك .</p><p>ثانياً : الحطّ من المبيع أو الثّمن :</p><p>55 - يجوز للمشتري الحطّ من المبيع ، ويجوز للبائع الحطّ من الثّمن ، إذا قبل الطّرف الآخر في مجلس الحطّ ، ويستوي أن يكون الحطّ بعد التّقابض أو قبله ، فلو حطّ المشتري أو البائع بعد القبض كان للآخر حقّ الاسترداد للمحطوط . </p><p>ولا يشترط لجواز حطّ البائع من الثّمن أن يكون المبيع قائماً ، لأنّ الحطّ إسقاط ، ولا يلزم أن يكون في مقابلة شيء . أمّا في حطّ المشتري بعض المبيع عن البائع ، فيشترط أن يكون المبيع ديناً ثابتاً في الذّمّة ليقبل الحطّ . أمّا لو كان عيناً معيّنةً فإنّه لا يصحّ الحطّ من المبيع حينئذ ، لأنّ الأعيان لا تقبل الإسقاط ( ر : إبراء ، وإسقاط ) .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41102, member: 329"] ثانياً : وسيلة معرفة المبيع وتعيينه 34 - إذا كان المبيع غائباً عن المجلس ولم تتمّ معرفة المبيع برؤيته أو الإشارة إليه على ما سبق ، فإنّها تتمّ بالوصف الّذي يميّزه عن غيره ، مع بيان مقداره . وإذا كان عقاراً كان لا بدّ من بيان حدوده ، لاختلاف قيمة العقار باختلاف جهته وموقعه . وإذا كان من المكيلات أو الموزونات أو المذروعات أو المعدودات فإنّه تحصل معرفتها بالمقدار الّذي تباع به . وفي ذلك بعض التّفصيلات سيأتي بيانها قريباً . ويصحّ بيع الجزاف ، وهو إمّا أن يكون بإجمال الثّمن على الصّبرة كلّها ، فيصحّ باتّفاق مع مراعاة ما ذكره المالكيّة من شروط في بيع الجزاف . وإمّا بتفصيله بنحو : كلّ صاع بكذا ، فيصحّ عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ومحمّد . وقال أبو حنيفة : يصحّ في قفيز واحد ، ويبطل فيما سواه ، لجهالة المجموع الّذي وقع عليه العقد . وقال الشّافعيّة : إن قدّر الصّبرة كأن قال : بعتك الصّبرة كلّ صاع بدرهم ، على أنّها مائة ، صحّ البيع إن خرجت مائة لتوافق الجملة والتّفصيل ، وإن لم تخرج مائةً ، بأن خرجت أقلّ أو أكثر ، ففي الصّحيح لا يصحّ البيع ، لتعذّر الجمع بين جملة الثّمن وتفصيله ، والقول الثّاني يصحّ . ويجوز بيع المكيل بالوزن ، وعكسه ، وهذا في الجملة في غير الرّبويّات ، أي فيما لا يحرم التّفاضل فيه ، للنّصّ على ذلك في الرّبويّات . ويجوز البيع بمكيال أو ميزان خاصّ ، كحجر معيّن للمتبايعين ، ولو لم يكن متعارفاً عليه عند غيرهما . أمّا البيع بمكيال غير منضبط ، بأن كان يتّسع ويضيق فلا يجوز . مع استثناء بيع الماء بالقرب ، فيجوز استحساناً لجريان العرف به كما يقول الحنفيّة . ثالثاً - شمول المبيع : توابع المبيع : 35 - يقع البيع على العين ومنافعها ، ولذا كان من مقتضاه أحياناً أن يدخل في المبيع ماله صلةً به ، لتحقيق المنفعة المرادة منه ، أو أن يقضي العرف بشمول المبيع لأشياء تدخل فيه ولو لم يصرّح بذلك في العقد . كما أنّها لا تنفصل عنه لا بالاستثناء . فعند الحنفيّة يدخل في المبيع ما يلي : أ - ما يتناوله مدلول اسم المبيع ، بحيث يعتبر جزءاً من أجزائه . فبيع الدّار مثلاً يدخل فيه غرفها ، وبيع الخزانة يدخل فيه الأدراج . ب - ما لا يقبل الانفكاك عن المبيع بالنّظر إلى الغرض من العقد عليه . فبيع القفل يدخل معه المفتاح . ج - ما كان متّصلاً بالمبيع اتّصال قرار ، بأن كان موضوعاً على وجه الدّوام ، كبيع الدّار تدخل فيه الأبواب والأحواض . د - ما جرى العرف ببيعه مع المبيع تابعاً له . كالخطام بالنّسبة للبعير . فالأصل أنّ هذه الأمور كلّها ترجع إلى العرف ، وهو يختلف باختلاف البلاد ، فما جرى العرف في بلد بدخوله في البيع تبعاً دخل فيه ، وإن لم يجر هذا العرف في بلد آخر . ولذلك يقول ابن عابدين نقلاً عن الذّخيرة في بيع الدّار : الأصل أنّ ما لا يكون من بناء الدّار ولا متّصلاً بها ، لا يدخل إلاّ إذا جرى العرف أنّ البائع لا يمنعه عن المشتري ، فالمفتاح يدخل استحساناً لا قياساً لعدم اتّصاله ، وقلنا بدخوله بحكم العرف . ثمّ قال ابن عابدين : ومقتضى ذلك أنّ شرب الدّار يدخل في ديارنا ( دمشق ) للتّعارف ، بل هو أولى من دخول السّلم المنفصل في عرف مصر القاهرة ، لأنّ الدّار في دمشق إذا كان لها ماء جار وانقطع عنها أصلاً لم ينتفع بها ، وأيضاً إذا علم المشتري أنّه لا يستحقّ شربها بعقد البيع لا يرضى بشرائها إلاّ بثمن قليل جدّاً بالنّسبة للدّار الّتي يدخل فيها شربها . ويقول القرافيّ في الفرق بين قاعدة : ما يتبع العقد عرفاً ، وقاعدة : ما لا يتبعه - بعد أن سرد الأبواب في ذلك - قال : وهذه الأبواب الّتي سردتها مبنيّة على العوائد ، غير مسألة الثّمار المؤبّرة بسبب أنّ مدركها النّصّ والقياس ، وما عداها مدركه العرف والعادة ، فإذا تغيّرت العادة أو بطلت بطلت هذه الفتاوى ، وحرمت الفتوى بها لعدم مدركها فتأمّل ذلك ، بل تتبع الفتوى هذه العوائد كيفما تقلّبت ، كما تتبع النّقود في كلّ عصر وحين ، وكلّ ما صرّح به في النّقود واقتضته اللّغة فهذا هو الّذي لا يختلف باختلاف العوائد ، ولا يقال : إنّ العرف اقتضاه . ومعنى شمول المبيع لتلك الأشياء أنّها تدخل معه بالثّمن نفسه دون أن يكون لها حصّة من الثّمن ، لأنّ القاعدة أنّ كلّ ما يدخل في المبيع تبعاً لا حصّة له من الثّمن . ويعتبر مثل ذلك - عند الحنفيّة - ما كان وصفاً بالنّسبة للمبيع ، فإذا تلف بعد العقد وقبل القبض ، لم يكن للمشتري إسقاط شيء في مقابله من الثّمن ، بل يتخيّر بين التّمسّك بالعقد وبين الفسخ ، وهو من قبيل خيار فوات الوصف ، وذلك بخلاف ما لو هلك شيء من ذات المبيع ( لا من توابعه ) فإنّه يتمكّن به المشتري من إسقاط ما يخصّه من الثّمن . وأمّا عند الشّافعيّة والحنابلة : إن قال بعتك هذه الدّار دخل فيها ما اتّصل بها من الرّفوف المسمّرة والخوابي والأجاجين المدفونة فيها ، وكلّ ما اتّصل بها اتّصال استقرار لمصلحتها . ولا يدخل المنفصل عند الحنابلة ، وأحد وجهين عند الشّافعيّة ، فيدخل حجر الرّحى السّفلانيّ إن كان متّصلاً ، ولا يدخل الحجر الفوقانيّ ، ولا مثل دلو وحبل وبكرة ومفتاح . الاستثناء من المبيع : 36 - ينبني حكم الاستثناء من المبيع على نصّ وضابط مبنيّ عليه ، مع اتّفاق الفقهاء في بعض ما ينبني على ذلك من مسائل ، واختلافهم في بعضها الآخر بسبب اختلافهم في التّوجيه ، وبيان ذلك فيما يلي : أمّا النّصّ فهو ما رواه البخاريّ من أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « نهى عن الثنيا إلاّ أن تعلم » . وأمّا الضّابط فهو أنّ كلّ ما يجوز بيعه منفرداً يجوز استثناؤه ، وما لا يجوز إيقاع البيع عليه بانفراده لا يجوز استثناؤه . ولا بدّ من كون المستثنى معلوماً ، لأنّه إن كان مجهولاً عاد على الباقي بالجهالة ، فلم يصحّ البيع . وعلى ذلك لا يجوز استثناء الحمل من بيع الدّابّة ، لأنّه لا يجوز إفراده بالبيع ، فكذا استثناؤه ، وهو قول الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلاّ فيما نقل عن الإمام أحمد بصحّة استثنائه ، وبه قال الحسن والنّخعيّ وإسحاق وأبو ثور ، لما روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه باع جاريةً واستثنى ما في بطنها ، ولأنّه يصحّ استثناؤه في العتق ، فصحّ في البيع قياساً عليه . وهكذا كلّ مجهول لا يجوز استثناؤه ، كاستثناء شاة غير معيّنة من قطيع . ولا يجوز بيع الحائط واستثناء شجرة أو نخلة غير معيّنة لأنّ استثناء المجهول من المعلوم يصيّره مجهولاً ، فإن عيّن المستثنى صحّ البيع والاستثناء . وهذا عند الجمهور . ويجوز عند الإمام مالك استثناء نخلات أو شجرات وإن لم تكن بأعيانها ، على أن يختارها ، إذا كان ثمرها قدر الثّلث أو أقلّ ، وكانت ثمار الحائط لوناً واحداً ، لخفّة الغرر في ذلك . ولا يجوز بيع ثمرة واستثناء أرطال معلومة منها ، « لنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الثنيا » ، ولأنّ الباقي بعد الاستثناء مجهول . روي ذلك عن سعيد بن المسيّب والشّافعيّ والأوزاعيّ وإسحاق وأبي ثور ، وهو قول الحنابلة غير أبي الخطّاب ، وهو رواية الحسن وقول الطّحاويّ من الحنفيّة . ويجوز ذلك عند الإمام مالك إذا كان قدر ثلث فأقلّ ، والجواز هو ظاهر الرّواية عند الحنفيّة ، وهو قول ابن سيرين وسالم بن عبد اللّه وأبي الخطّاب من الحنابلة ، لأنّه استثنى معلوماً . ويجوز استثناء جزء مشاع كربع وثلث ، لأنّه لا يؤدّي إلى جهالة المستثنى ولا المستثنى منه ، فصحّ كما لو اشترى شجرةً بعينها . وقال أبو بكر وابن أبي موسى من الحنابلة : لا يجوز . ويجوز عند الحنابلة بيع الحيوان المأكول واستثناء رأسه وجلده وأطرافه وسواقطه . وجوّز مالك ذلك في السّفر فقط ، إذ لا ثمن للسّواقط هناك ، وكرهه في الحضر ، ولأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسّواقط ، والدّليل على جواز استثناء ذلك « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الثّنيا إلاّ أن تعلم » وهذه معلومة . وروي « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا هاجر إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة مرّوا براعي غنم فذهب أبو بكر وعامر فاشتريا منه شاةً . وشرطا له سلبها »أي جلدها وأكارعها وبطنها ولا يجوز ذلك عند الحنفيّة والشّافعيّة . وممّا اختلف الفقهاء فيه من الاستثناء ما اعتبره بعضهم شرطاً صحيحاً ، فأجازه وأجاز البيع ، واعتبره غيرهم شرطاً فاسداً ، فأبطله وأبطل البيع . ومثال ذلك : من يبيع الدّار ويستثنى سكناها شهراً مثلاً ، فأجاز ذلك المالكيّة والحنابلة ، واستدلّوا بحديث « جابر أنّه باع النّبيّ صلى الله عليه وسلم جملاً ، واشترط ظهره إلى المدينة أي ركوبه » وفي لفظ : قال : « بعته واستثنيت حملانه إلى أهلي » . وعند الحنفيّة والشّافعيّة : لا يجوز ذلك ، ويبطل الشّرط والبيع ، لأنّه شرط غير ملائم . بيع الأصول : 37 - الأصول : جمع أصل ، وهو ما ينبني عليه غيره ، والمراد بالأصول هنا ما عبّر عنه النّوويّ ، بقوله في " تحريره " الأصول : الشّجر والأرض وفي شرح منتهى الإرادات : المراد بالأصول هنا : أرض ودور وبساتين . وقد درج الفقهاء على إفراد فصل بعنوان ( بيع الأصول ) ذاكرين فيه ما يتبع هذه الأصول في البيع وما لا يتبعها . وبيان ذلك كما يأتي . 38 - بيع الأرض : من باع أرضاً دخل فيها الغراس والبناء لاتّصالها بها اتّصال قرار ، وهي من حقوقها ، وهذا في جميع المذاهب إلاّ في قول عند الشّافعيّة أنّه إن أطلق ولم يقل بحقوقها فلا يدخل البناء والشّجر لكنّ المذهب دخوله عند الإطلاق . كما أنّ الشّافعيّة فسّروا الشّجر الّذي يتبع الأرض بالشّجر الرّطب ، أمّا اليابس فلا يدخل ، على ما صرّح به ابن الرّفعة والسّبكيّ تفقّهاً . وقال الإسنويّ لا يدخل جزماً . كما يدخل في بيع الأرض الحجارة المخلوقة والمثبتة فيها ، لأنّها من أجزائها ، دون المدفونة كالكنز فلا تدخل في البيع ، وتكون للبائع ، لكن قال القرافيّ : لا تدخل المدفونة إلاّ على القول بأنّ من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها . وإن كان في الأرض زرع يجزّ مرّةً بعد أخرى فالأصول للمشتري ، والجزّة الظّاهرة عند البيع للبائع . 39 - ومن باع داراً دخل في البيع بناؤها ، وفناؤها وما فيها من شجر مغروس ، وما كان متّصلاً بها لمصلحتها ، كسلالم ، ورفوف مسمّرة ، وأبواب ورحًى منصوبة ، ولا يتناول ما فيها من كنز مدفون ولا ما هو منفصل عنها كحبل ودلو ، ولا ما ينقل كحجر وخشب . أمّا الغلق المثبّت فيدخل مفتاحه عند الحنفيّة والمالكيّة على ما تقدّم ، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة ، وفي رواية عند الحنابلة . 40 - ومن باع شجراً تبعه الأغصان والورق وسائر أجزاء الشّجر ، لأنّه من أجزائها خلق لمصلحتها ، أمّا الأرض الّتي هي مكان غرسها فتدخل أيضاً في بيعها عند المالكيّة ، وعند الحنفيّة إن اشتراها للقرار اتّفاقاً . ولا تدخل عند الحنابلة ، وعلى الأصحّ عند الشّافعيّة ، لأنّ الاسم لا يتناولها ولا هي تبع للمبيع . وإن كان في الشّجر أو النّخل ثمر فالمؤبّر للبائع ، إلاّ أن يشترط ذلك المشتري ، لما روى ابن عمر رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : من باع نخلاً قد أبّرت فثمرتها للبائع ، إلاّ أن يشترط المبتاع » . أمّا إذا لم تكن مؤبّرةً فهي للمشتري ، لأنّ قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم دلّ على أنّها إذا لم تكن مؤبّرةً فهي للمبتاع ، ولأنّ ثمرة النّخل كالحمل ، لأنّه نماء كامن لظهوره غاية . وهذا عند الجمهور . وعند الحنفيّة لا تدخل الثّمرة مؤبّرةً أو غير مؤبّرة على الصّحيح إلاّ بالشّرط للحديث المتقدّم . لكن برواية ليس فيها التّأبير . 41 - ومن باع حيواناً تبعه ما جرى العرف بتبعيّته له كاللّجام والمقود والسّرج ، وفرّق الشّافعيّة بين ما هو متّصل بالحيوان كالبرّة ( الحلقة الّتي في أنف الدّابّة ) وكالنّعل المسمّر ، فهذا يدخل في بيع الحيوان تبعاً . أمّا اللّجام والسّرج والمقود ، فلا يدخل في بيع الحيوان اقتصاراً على مقتضى اللّفظ . بيع الثّمار : 42 - يجوز باتّفاق الفقهاء بيع الثّمار وحدها منفردةً عن الشّجر ، ولا يجوز بيعها إلاّ بعد بدوّ صلاحها - مع اختلافهم في تفسير بدوّ الصّلاح - هل هو ظهور النّضج والحلاوة ونحو ذلك كما يقول الجمهور ، أو هو أمن العاهة والفساد كما يقول الحنفيّة . ودليل الجواز مأخوذ من حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه : « نهى عن بيع الثّمرة حتّى يبدو صلاحها » . قال ابن قدامة : فمفهومه إباحة بيعها بعد بدوّ صلاحها ، وهذا عند من يقول بالمفهوم . كما أنّ الأصل جواز كلّ بيع استكمل شروطه . ويجوز كذلك بيع الثّمار بعد ظهورها ، وقبل بدوّ الصّلاح بشرط القطع في الحال ، وذلك إذا كان ينتفع به ، وهذا باتّفاق ، إلاّ أنّ المالكيّة زادوا على ذلك شرطين أحدهما : أن يحتاج المتبايعان أو أحدهما للبيع . والثّاني : أن لا يتمالأ أكثر أهل البلد على الدّخول في هذا البيع . فإن بيع الثّمر قبل بدوّ الصّلاح بشرط التّبقية أو على الإطلاق دون بيان جذّ ولا تبقية فعند الجمهور- المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة- البيع باطل . والحكم كذلك عند الحنفيّة إن شرط التّرك ، وإن لم يشترط قطعاً ولا تبقيةً فإنّه يجوز باتّفاق أهل المذهب ، إذا كان ينتفع به . وعلى الصّحيح إن كان لا ينتفع به ، لأنّه مال منتفع به في ثاني الحال ، إن لم يكن منتفعاً به في الحال ، فإن شرط التّرك فسد البيع . فإن باع الثّمرة مع الأصل جاز بالاتّفاق ، لأنّها تكون تبعاً لأصل . وينظر تفصيل ذلك في مصطلح : ( ثمار ) . رابعاً : حضور المبيع وغيابه أ - حضور المبيع : 43 - من المقرّر أنّ الإشارة إلى المبيع هي أقوى طرق التّعريف والتّعيين ، ولذلك إذا كان المبيع في حضرة المتعاقدين - مجلس العقد - وتمّ تعيينه بالإشارة بحيث عرفه المشتري ورآه ، فإنّ البيع لازم إذا خلا من سبب خاصّ - لا يتّصل برؤية المبيع - من الأسباب الّتي ينشأ بها الخيار للمشتري . حتّى لو اقترنت الإشارة بالوصف ، وكان الوصف مغايراً لما رآه المشتري ورضي به ، فإنّه ليس له المطالبة بعدئذ بالوصف ، ما دام العقد قد تمّ بعد الرّؤية والرّضا . ويعبّر عن ذلك بالقاعدة الفقهيّة التّالية " الوصف في الحاضر لغو ، وفي الغائب معتبر " . وهذا بخلاف التّغاير بين اسم المبيع والإشارة إليه ، كقوله : بعتك هذه الفرس ، وأشار إلى ناقة مثلاً ، فالتّسمية هي المعتبرة ، لأنّ الاسم يحدّد به جنس المبيع ، فهذا غلط في الجنس لا في الوصف ، والغلط في الجنس غير مغتفر ، لأنّه يكون به المبيع معدوماً . وقد صرّح القرافيّ : بأنّه إن لم يذكر الجنس في البيع ، بأن قال : بعتك ثوباً امتنع إجماعاً . وهذا إذا كان الوصف ممّا يدركه المشتري ، أمّا لو كان ممّا يخفى عليه ، أو يحتاج إلى اختبار ، كالوصف للبقرة بأنّها حلوب ، ثمّ تبيّن للمشتري أنّها ليست كذلك ، فإنّ فوات الوصف هنا مؤثّر ، إن كان قد اشترط في العقد ، ولو كان المبيع حاضراً مشاراً إليه . لأنّ الوصف هنا معتبر من البائع ، ويترتّب على فواته خيار للمشتري يسمّى : خيار فوات الوصف . ويستوي في استحقاق الخيار بفوات الوصف أن يكون المبيع حاضراً أو غائباً . وتفصيل ذلك في ( خيار الوصف ) . ب - غياب المبيع : 44 - إذا كان المبيع غائباً ، فإمّا أن يشتري بالوصف الكاشف له ، على النّحو المبيّن في عقد السّلم ، وإمّا أن يشتري دون وصف ، بل يحدّد بالإشارة إلى مكانه أو إضافته إلى ما يتميّز به . فإن كان البيع بالوصف ، وهو هنا غير الوصف المرغوب السّابق ، فإذا تبيّنت المطابقة بين المبيع بعد مشاهدته وبين الوصف لزم البيع ، وإلاّ كان للمشتري خيار الخلف عند جمهور الفقهاء . أمّا الحنفيّة فإنّهم يثبتون للمشتري هنا خيار الرّؤية ، بقطع النّظر عن سبق وصفه أو عدمه ، وتفصيله في " خيار الوصف ، وخيار الرّؤية " . لكن إن تمّ الشّراء على أساس النّموذج ، ولم يختلف المبيع عنه ، فليس للمشتري خيار رؤية . وبيع الغائب مع الوصف صحيح عند الجمهور في الجملة- الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشّافعيّة- فقد أجازه الحنفيّة ولو لم يسبق وصفه . وفي قول للشّافعيّة لا بدّ من الوصف لأنّ للمشتري هنا خيار الرّؤية على كلّ حال ، سواء مع الوصف والمطابقة ، أو المخالفة ، ومع عدم الوصف . وهو خيار حكميّ لا يحتاج إلى اشتراط . وأجازه الحنابلة مع الوصف على الوجه المطلوب لصحّة السّلم ، وقصروا الخيار على حال عدم المطابقة . وأجازه المالكيّة بثلاثة شروط : أ - ألاّ يكون قريباً جدّاً بحيث تمكن رؤيته بغير مشقّة ، لأنّ بيعه غائباً في هذه الحال عدول عن اليقين إلى توقّع الضّرر فلا يجوز . ب - ألاّ يكون بعيداً جدّاً ، لتوقّع تغيّره قبل التّسليم ، أو لاحتمال تعذّر تسليمه . ج - أن يصفه البائع بصفاته الّتي تتعلّق الأغراض بها وهي صفات السّلم . والأظهر في مذهب الشّافعيّة : أنّه لا يصحّ بيع الغائب ، وهو : ما لم يره المتعاقدان أو أحدهما ، وإن كان حاضراً ، للنّهي عن بيع الغرر . أمّا البيع على البرنامج ، وهو الدّفتر المبيّنة فيه الأوصاف ، أو على الأنموذج بأن يريه صاعاً ويبيعه الصّبرة على أنّها مثله فقد أجازه الحنفيّة ، وهو قول للحنابلة صوّبه المرداويّ - لما سبق - والمالكيّة ، والأصحّ للحنابلة منعه ، وأجازه الشّافعيّة فيما لو قال مثلاً : بعتك الحنطة الّتي في هذا البيت ، وهذا أنموذجها ، ويدخل الأنموذج في البيع . وللمالكيّة تفصيل فيما إذا ظهر أنّ ما في العدل المبيع على البرنامج أقلّ أو أكثر ، وتفصيله في ( ظهور المبيع زائداً أو ناقصاً ) . خامساً ظهور النقصان أو الزيادة في المبيع : 45 - يختلف الحكم في المبيع إذا ظهر فيه نقصان أو زيادة بين أن يكون البيع على أساس المقدار ، وبين أن يكون من قبيل بيع الجزاف ( أو المجازفة ) وهو ما يسمى أيضاً ( بيع الصُبْرة ) ومنه بعض صور البيع على البرنامج أو الأنموذج ، حيث يظهر القدر مخالفاً لما كتب في البرنامج . أ- بيع الجزاف : 46 - إذا كان البيع جزافاً فلا أثر لظهور النقص أو الزيادة عما توقعه المشتري أو البائع . وتفصيل ذلك في ( بيع الجزاف ) ب - بيع المقدّرات : 47 - إذا ظهر نقص أو زيادة فيما بيع مقدراً بكيل أو وزن او ذرع أو عد ، فيننظر في المبيع ، هل هو مما يضره التبعيض أو لا يضره ؟ كما ينظر في أساس الثمن الذي تم عليه البيع هل هو مجمل أو مفصل على أجزاء ؟ فإذا كان المبيع مما لا يضره التبعيض ( كالمكيلات بأنواعها ، وكذلك بعض الموزونات كالقمح ، والمذروعات كالقماش الذي يباع بالذراع ، دون نضر إلى ما يكفي للثوب الواحد ، وكذلك المعدودات المتقاربة ). فإن الزيادة في المبيع هي للبائع ، والنقص على حسابه ، ولا حاجة في هذه الحال للنظر إلى تفصيل الثمن أو إجماله . وإذا كان الثمن مفصلاً ، كما لو قال : كل ذراع بدرهم ، فالزيادة للبائع والنقص عليه ، ولا حاجة للنظر إلى كونه يضره التبعيض أو لا . أما إذا كان الثمن غير مفصل ، والمبيع مما يضره التبعيض ، فإن الزيادة للمشتري والنقص عليه ، ولا يقابله شيء من الثمن ، لكن يثبت للمشتري الخيار في حال النقص ، وهو خيار تفرق الصفقة . وذلك لأن ما لا يضره التبعيض يعتبر التقدير فيه كالجزء ، وما يضره التبعيض يعتبر التقدير فيه كالوصف . والوصف لا يقابله شيء من الثمن بل يثبت به الخيار . هذا ما ذهب إليه الحنفية . وذهب الشافعية في الصحيح ، وهو رواية عند الحنابلة إلى : أنه إذا ظهر في المبيع المقدر زيادة أو نقصان فالبيع باطل ، لأنه لا يمكن إجبار البائع على تسليم الزيادة ، ولا المشتري علىأخذ البعض ، وهناك ضرر في الشركة بين البائع والمشتري بالنسبة لما زاد . وللمالكية تفصيل بين كون النقص قليلاً أو كثيراً . فإن كان قليلاً لزم المشتري الباقي بما ينوبه من الثمن ، وإن كان كثيراً كان مخيراً في الباقي بين أخذه بما ينوبه ، أو رده . وقيل : إن ذلك بمنزلة الصفة للمبيع ، فإن وجده أكثر فهو للمشتري ، وإن وجده أقل كان المشتري بالخيار بين أخذه بجميع الثمن أو رده . ومقابل الصحيح عند الشافعية في ظهور الزيادة أو النقصان : صحة البيع للإشارة تغليباً . ثم للشافعية تفصيل ، وهو أنه إن قابل البائع الجملة بالجملة ، كقوله : بعتك الصبرة بمائة على أنها مائة ، ففي حال الزيادة أو النقصان يصح البيع ، ويثبت الخيار لمن عليه الضرر . أما إن قابل الأجزاء بالأجزاء كقوله : بعتك الصبرة كل صاع بدرهم على أنها مائة صاع ، فإذا ظهرت زيادة أو نقصان فالبيع صحيح عند الأسنوي ، وفرق الماوردي بين النقصان فيكون البيع صحيحاً ، وبين الزيادة ففيه الخلاف السابق ، وهو بطلان البيع على الصحيح ، أو صحته على ما يقابله . وذكر ابن قدامة في المغني أنه إذا قال : بعتك هذه الأرض أو هذا الثوب على أنه عشرة أذرع ، فبانَ أحد عشر ، ففيه روايتان : إحداهما : البيع الباطل ، لأنه لا يمكن إجبار البائع على تسليم الزيادة وإنما باع عشرة ، ولا المشتري على أخذ البعض ، وإنما اشترى الكل وعليه ضرر في الشركة أيضاً . والثانية : البيع صحيح والزيادة للبائع ، لأن ذلك نقص على المشتري ، فلا يمنع صحة البيع كالعيب ، ثم يخير البائع بين تسليم المبيع زائداً ، وبين تسليم العشرة ، فإن رضي بتسليم الجميع فلا خيار للمشتري ، لأنه زاده خيراً ، وإن أبى تسليمه زائداً فللمشتري الخيار بين الفسخ ، والأخذ بجميع الثمن المسمى وقسط الزائد ، فإن رضي بالأخذ أخذ العشرة ، والبائع شريك له بالذراع . وهل للبائع خيار الفسخ ؟ وجهان . أحدهما : له الفسخ لأن عليه ضرراً في المشاركة . والثاني : لا خيار له ، وقواه ابن قدامة ، وإن بانَ المبيع تسعة ففيه روايتان : إحداهما : يبطل البيع كما تقدم . والثانية : البيع صحيح ، والمشتري بالخيار بين الفسخ والإمساك بتسعة أعشار الثمن . وإن اشترى صبرة على أنها عشرة أقفزة ، فبانت أحد عشر ، رد الزائد ولا خيار له هاهنا ، لأنه ضرر في الزيادة . وإن بانت تسعة أخذها بقسطها من الثمن . ومتى سمى الكيل في الصبرة لا يكون قبضها إلا بالكيل ، فإن وجدها زائدة رد الزيادة ، وإن كانت ناقصة أخذها بقسطها من الثمن . وهل له الفسخ في حالة النقصان ؟ على وجهين . أحدهما : له الخيار . والثاني : لاخيار له. الثّمن وأحكامه وأحواله أوّلاً : تعريف الثّمن : 48 - الثّمن هو ما يبذله المشتري من عوض للحصول على المبيع ، والثّمن أحد جزأي المعقود عليه - وهو الثّمن والمثمّن - وهما من مقوّمات عقد البيع ، ولذا ذهب الجمهور إلى أنّ هلاك الثّمن المعيّن قبل القبض ينفسخ به البيع في الجملة . ويرى الحنفيّة أنّ المقصود الأصليّ من البيع هو المبيع ، لأنّ الانتفاع إنّما يكون بالأعيان ، والأثمان وسيلة للمبادلة ، ولذا اعتبروا التّقوّم في الثّمن شرط صحّة ، وهو في المبيع شرط انعقاد ، وهي تفرقة خاصّة بهم دون الجمهور ، فإن كان الثّمن غير متقوّم لم يبطل البيع عندهم ، بل ينعقد فاسداً ، فإذا أزيل سبب الفساد صحّ البيع . كما أنّ هلاك الثّمن قبل القبض لا يبطل به البيع ، بل يستحقّ البائع بدله . أمّا هلاك المبيع فإنّه يبطل به البيع . والثّمن غير القيمة ، لأنّ القيمة هي : ما يساويه الشّيء في تقويم المقوّمين ( أهل الخبرة ) ، أمّا الثّمن فهو كلّ ما يتراضى عليه المتعاقدان ، سواء أكان أكثر من القيمة ، أم أقلّ منها ، أم مثلها . فالقيمة هي الثّمن الحقيقيّ للشّيء . أمّا الثّمن المتراضى عليه فهو الثّمن المسمّى . والسّعر هو : الثّمن المقدّر للسّلعة . والتّسعير : تحديد أسعار بيع السّلع . وقد يكون التّسعير من السّلطان ، ثمّ يمنع النّاس من البيع بزيادة عليها أو أقلّ منها . حكم التّسعير : 49 - اختلف الفقهاء في التّسعير ، فذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّ لوليّ الأمر ذلك ، إذا كان الباعة يتعدّون القيمة ، وعجز القاضي عن صيانة حقوق المسلمين إلاّ بالتّسعير بمشورة أهل الرّأي والبصر ، وذلك لفعل عمر رضي الله عنه حين مرّ بحاطب في السّوق فقال له :" إمّا أن ترفع السّعر وإمّا أن تدخل بيتك فتبيع كيف شئت ". وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى تحريم التّسعير ، وكراهة الشّراء به ، وحرمة البيع وبطلانه إذا كان بالإكراه . وذلك لحديث « إنّ اللّه هو المسعّر القابض الباسط الرّازق ، وإنّي لأرجو أن ألقى اللّه وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال » . وتفصيل ذلك في مصطلح ( تسعير ) . ثانياً : ما يصلح ثمناً وما لا يصلح : 50 - كلّ ما صلح أن يكون مبيعاً صلح أن يكون ثمناً ، والعكس صحيح أيضاً ، هذا ما يفهم من اتّجاه الجمهور . وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا عكس ، فما صلح أن يكون ثمناً قد لا يصلح أن يكون مبيعاً . والثّمن إمّا أن يكون ممّا يثبت في الذّمّة ، وذلك كالنّقود والمثليّات من مكيل أو موزون أو مذروع أو عدديّ متقارب . وإمّا أن يكون من الأعيان القيميّة كما في بيع السّلم ، إذا كان رأس المال عيناً من القيميّات ، وكما في بيع المقايضة . والذّهب والفضّة أثمان بالخلقة ، سواء كانا مضروبين نقوداً أو غير مضروبين . وكذلك الفلوس أثمان ، والأثمان لا تتعيّن بالتّعيين عند الحنفيّة والمالكيّة ( واستثنى المالكيّة الصّرف والكراء ) فلو قال المشتري : اشتريت السّلعة بهذا الدّينار ، وأشار إليه ، فإنّ له بعد ذلك أن يدفع سواه ، لأنّ النّقود من المثليّات ، وهي تثبت في الذّمّة ، والّذي يثبت في الذّمّة يحصل الوفاء به بأيّ فرد مماثل ولا يقبل التّعيين . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّها تتعيّن بالتّعيين . أمّا إذا كان الثّمن قيميّاً فإنّه يتعيّن ، لأنّ القيميّات لا تثبت في الذّمّة ، ولا يحلّ فرد منها محلّ آخر إلاّ بالتّراضي . ثالثاً : تعيين الثّمن وتمييزه عن المبيع : 51 - لتمييز الثّمن عن المبيع صرّح الحنفيّة بالضّابط التّالي ، وهو متّفق مع عبارات المالكيّة والشّافعيّة : أ - إذا كان أحد العوضين نقوداً اعتبرت هي الثّمن ، وما عداها هو المبيع مهما كان نوعه . ولا ينظر إلى الصّيغة ، حتّى لو قال : بعتك ديناراً بهذه السّلعة ، فإنّ الدّينار هو الثّمن رغم دخول الباء على ( السّلعة ) وهي تدخل عادةً على الثّمن . ب - إذا كان أحد العوضين أعياناً قيميّةً ، والآخر أموالاً مثليّةً معيّنةً أي مشاراً إليها ، فالقيميّ هو المبيع ، والمثليّ هو الثّمن ، ولا عبرة أيضاً بما إذا كانت الصّيغة تقتضي غير هذا . أمّا إذا كانت الأموال المثليّة غير معيّنة - أي ملتزمة في الذّمّة - فالثّمن هو العوض المقترن بالباء ، كما لو قال : بعتك هذه السّلعة برطل من الأرز ، فالأرز هو الثّمن لدخول الباء عليه . ولو قال : بعتك رطلاً من الأرز بهذه السّلعة ، فالسّلعة هي الثّمن ، وهو من بيع السّلم لأنّه بيع موصوف في الذّمّة مؤجّل بثمن معجّل . ج - إذا كان كلّ من العوضين مالاً مثليّاً ، فالثّمن هو ما اقترن بالباء كما لو قال : بعتك أرزاً بقمح ، فالقمح هو الثّمن . د - إذا كان كلّ من العوضين من الأعيان القيميّة فإنّ كلاً منهما ثمن من وجه ومبيع من وجه . وهذا التّفصيل للحنفيّة . أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فإنّ الثّمن : هو ، ما دخلت عليه الباء . وأمّا المالكيّة فقد نصّوا على أنّه لا مانع من كون النّقود مبيعةً ، لأنّ كلاً من العوضين مبيع بالآخر ، وفي البهجة : كلّ من العوضين ثمن للآخر . ومن أحكام الثّمن عدا ما سبقت الإشارة إليه : أ - إذا تنازع المتعاقدان فيمن يسلّم أوّلاً ، فإنّه يجب تسليم الثّمن أوّلاً قبل تسليم المبيع . ب - كلفة تسليم الثّمن على المشتري ، وكلفة تسليم المبيع على البائع . ج - اشتراط القبض لجواز التّصرّف في العوض خاصّ بالمبيع لا بالثّمن ، على تفصيل يعرف في " بيع منهيّ عنه ، بيع المبيع قبل قبضه " . د - تأجيل الثّمن - رأس المال - في بيع السّلم لا يجوز ، بخلاف المبيع فهو مؤجّل بمقتضى العقد . وهذا في الجملة . وتفصيله في مصطلح ( ثمن ) . رابعاً : إبهام الثّمن : 52 - إذا بيّن ثمناً وأطلق ، فلم يبيّن نوعه ، كما لو قال : بكذا ديناراً ، وفي بلد العقد أنواع من الدّنانير مختلفة في القيمة متساوية في الرّواج ، فالعقد فاسد لجهالة مقدار الثّمن . أمّا إذا كان بعضها أروج ، فالعقد صحيح ، وينصرف إلى الأروج ، كما لو قال في الكويت : بعتك بدينار فالعقد صحيح ، والثّمن دنانير كويتيّة ، لأنّها أروج من غيرها من الدّنانير الموجودة في محلّ العقد . هذا وتفصيل أحكام الثّمن تنظر في ( ثمن ) . خامساً : تحديد الثّمن بالنّظر إلى رأس المال : 53 - تحديد الثّمن إمّا أن يعلم بالمشاهدة والإشارة ، وهي أبلغ طرق التّعريف ، سواء بيّن المقدار أم لم يبيّن . كما لو باع سلعةً بصرّة من الدّنانير ، وأشار إليها . وإمّا أن يكون الثّمن غائباً عن مجلس العقد ، وحينئذ لا بدّ من بيان نوعه ووصفه وقدره . ثمّ إنّ الثّمن إمّا أن لا يبنى على ثمن الشّراء ( رأس مال البائع ) أو يبنى على ذلك بلا ربح ولا خسارة ، أو بربح معلوم ، أو بخسارة معلومة . فالأوّل ، وهو ما لا ينظر فيه إلى ثمن الشّراء ، هو : بيع المساومة ، وهو الأغلب في البيوع . أمّا النّوع الآخر فهو بيع الأمانة . وينقسم إلى : تولية ، وهو البيع بمثل الثّمن الأوّل . وإذا كان لبعض المبيع بنسبته من الثّمن الأوّل فهو إشراك . وإن كان بربح فهو مرابحة . أو بخسارة فهو وضيعة . وتفصيل هذه البيوع في مصطلحاتها . أحكام مشتركة بين المبيع والثّمن : أوّلاً : الزّيادة في البيع أو الثّمن . 54 - يجوز للمشتري أن يزيد في الثّمن بعد العقد ، وكذلك يجوز للبائع أن يزيد في المبيع . على أن يقترن ذلك بقبول الطّرف الآخر في مجلس الزّيادة . ويشترط أن يكون المبيع قائماً ، إذا كانت الزّيادة في الثّمن ، لأنّه إذا كان هالكاً قوبلت الزّيادة بمعدوم ، وإذا كان في حكم الهالك - وهو ما أخرجه عن ملكه - قوبلت الزّيادة بما هو في حكم المعدوم . ولا فرق فيما لو كانت الزّيادة بعد التّقابض أو قبله ، أو كانت من جنس المبيع أو الثّمن أو من غير جنسه . وحكم الزّيادة أنّها تعديل للعقد السّابق وليست هبةً ، ولذا لا تحتاج إلى القبض المشروط لتمام الهبة ، وهذا في الجملة . هذا مذهب الحنفيّة . أمّا عند الشّافعيّة والحنابلة فإنّ الزّيادة بعد لزوم البيع بانقضاء خيار المجلس وخيار الشّرط لا تلحق ، بل هي في حكم الهبة . وسيأتي تفصيل ذلك . ثانياً : الحطّ من المبيع أو الثّمن : 55 - يجوز للمشتري الحطّ من المبيع ، ويجوز للبائع الحطّ من الثّمن ، إذا قبل الطّرف الآخر في مجلس الحطّ ، ويستوي أن يكون الحطّ بعد التّقابض أو قبله ، فلو حطّ المشتري أو البائع بعد القبض كان للآخر حقّ الاسترداد للمحطوط . ولا يشترط لجواز حطّ البائع من الثّمن أن يكون المبيع قائماً ، لأنّ الحطّ إسقاط ، ولا يلزم أن يكون في مقابلة شيء . أمّا في حطّ المشتري بعض المبيع عن البائع ، فيشترط أن يكون المبيع ديناً ثابتاً في الذّمّة ليقبل الحطّ . أمّا لو كان عيناً معيّنةً فإنّه لا يصحّ الحطّ من المبيع حينئذ ، لأنّ الأعيان لا تقبل الإسقاط ( ر : إبراء ، وإسقاط ) . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية