الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41103" data-attributes="member: 329"><p>ثالثاً : آثار الزّيادة أو الحطّ :</p><p>56 - من المقرّر عند فقهاء الحنفيّة أنّ الزّيادة والحطّ يلتحقان بأصل العقد السّابق بطريق الاستناد ، ما لم يمنع من ذلك مانع . بمعنى أنّه تثبت للزّيادة في المبيع حصّة من الثّمن ، كما لو كان الثّمن مقسّماً على الأصل والزّيادة ، وكذلك عكسه إذا كانت الزّيادة في الثّمن . ومن آثار ذلك :</p><p>أ - إذا تلف المبيع قبل القبض وبقيت الزّيادة ، أو هلكت الزّيادة وبقي المبيع ، سقطت حصّة الهالك من الثّمن . وهذا بخلاف الزّيادة النّاشئة من المبيع نفسه . </p><p>ب - للبائع حبس جميع المبيع حتّى يقبض الثّمن الأصليّ والزّيادة عليه .</p><p>ج - إمكان البيع بالأمانة من مرابحة أو تولية أو وضيعة ، فإنّ العبرة بالثّمن بعد الزّيادة أو الحطّ .</p><p>د - إذا استحقّ المبيع ، وقضي به للمستحقّ ؟ ، رجع المشتري على البائع بالثّمن كلّه من أصل وزيادة . وكذلك في الرّجوع بالعيب .</p><p>هـ - في الأخذ بالشّفعة ، يأخذ الشّفيع العقار بما استقرّ عليه الثّمن بعد الحطّ . </p><p>ولو زاد البائع شيئاً في المبيع يأخذ الشّفيع أصل العقار بحصّته من الثّمن لا بالثّمن كلّه . وهذا بالاتّفاق في الجملة على ما سيأتي . </p><p>وعند المالكيّة : الزّيادة والحطّ يلحقان بالبيع ، سواء أحدث ذلك عند التّقابض أم بعده . والزّيادة في الثّمن تكون في حكم الثّمن الأوّل ، فتردّ عند الاستحقاق ، وعند الرّدّ بالعيب ، وما أشبه ذلك . ويجوز حطّ كلّ الثّمن عن المشتري ، أي هبته له ، وللحطّ أثره في بيع المرابحة وفي الشّفعة . ففي بيع المرابحة ، يقول الدّردير والدّسوقيّ : يجب بيان هبة لبعض الثّمن إن كانت معتادةً بين النّاس ، بأن تشبه عطيّة النّاس ، فإن لم تعتد ( أي لم تجر بها عادة ) أو وهب له جميع الثّمن قبل النّقد أو بعده لم يجب البيان . </p><p>وفي الشّفعة ، يقول الشّيخ عليش : من اشترى شقصاً بألف درهم ، ثمّ وضع عنه البائع تسعمائة درهم بعد أخذ الشّفيع أو قبله ، فإن أشبه أن يكون ثمن الشّقص بين النّاس مائة درهم إذا تغابنوا بينهم ، أو اشتروا بغير تغابن ، وضع ذلك عن الشّفيع ، لأنّ ما أظهرا من الثّمن الأوّل إنّما كان سبباً لقلع الشّفعة . </p><p>وإن لم يشبه أن يكون ثمنه مائةً ، قال ابن يونس : أراد مثل أن يكون ثمنه ثلاثمائة أو أربعمائة ، لم يحطّ للشّفيع شيئاً ، وكانت الوضيعة هبةً للمبتاع ، وقال في موضع آخر : إن حطّ عن المبتاع ما يشبه أن يحطّ في البيوع وضع ذلك عن الشّفيع وإن كان لا يحطّ مثله فهي هبة ، ولا يحطّ عن الشّفيع شيئاً . </p><p>وأمّا الشّافعيّة فقد قالوا : إنّ الزّيادة أو الحطّ في الثّمن أو المثمّن ، إن كانت بعد لزوم العقد بانقضاء الخيار فلا تلحق به ، لأنّ البيع استقرّ بالثّمن الأوّل ، والزّيادة أو الحطّ بعد ذلك تبرّع ، ولا تلحق بالعقد . </p><p>وإن كان ذلك قبل لزوم العقد في مدّة خيار المجلس أو خيار الشّرط ، فالصّحيح عند جمهور الشّافعيّة ، وبه قطع أكثر العراقيّين : أنّه يلحق بالعقد في مدّة الخيارين جميعاً ، وهو ظاهر نصّ الشّافعيّ ، لأنّ الزّيادة أو الحطّ في مدّة خيار المجلس تلتحق بالعقد ، وقيس بخيار المجلس خيار الشّرط بجامع عدم الاستقرار . وهذا أحد الأوجه الّتي ذكرها النّوويّ . </p><p>وفي وجه آخر : لا يلحق ذلك ، وصحّحه المتولّي . </p><p>وفي وجه ثالث : يلحق في خيار المجلس دون خيار الشّرط ، قاله الشّيخ أبو زيد والقفّال . أمّا أثر ذلك في العقود . ففي الشّفعة تلحق الزّيادة الشّفيع كما تلزم المشتري ، ولو حطّ من الثّمن شيء فحكمه كذلك . وينظر التّفصيل في ( شفعة ) . </p><p>وفي التّولية والإشراك والمرابحة . جاء في نهاية المحتاج : لو حطّ عن المولّي - بكسر اللّام المشدّدة - من البائع بعض الثّمن بعد التّولية أو قبلها ، ولو بعد اللّزوم ، انحطّ عن المولى - بفتح اللّام - إذ خاصّة التّولية - وإن كانت بيعاً جديداً - التّنزيل على الثّمن الأوّل ، فإن حطّ جميعه انحطّ أيضاً ما لم يكن قبل لزوم التّولية ، وإلاّ - بأن كان قبل التّولية أو بعدها وقبل لزومها - بطلت لأنّها حيث بيع من غير ثمن ، ومن ثمّ لو تقايلا بعد حطّه بعد اللّزوم ، لم يرجع المشتري على البائع بشيء . </p><p>والإشراك والمرابحة كالتّولية في ذلك . وينظر التّفصيل في ( مرابحة ، تولية ، إشراك ) . وفي الرّدّ بالعيب جاء في نهاية المحتاج : لو أبرأ البائع المشتري من بعض الثّمن أو كلّه ، ثمّ ردّ المبيع بعيب ، فالأوجه أنّه لا يرجع في الإبراء من جميع الثّمن بشيء ، وفي الإبراء من بعضه إلاّ بالباقي . ولو وهب البائع للمشتري الثّمن ، فقيل : يمتنع الرّدّ ، وقيل : يردّ ، ويطالب ببدل الثّمن ، وهو الأوجه . </p><p>والحنابلة كالشّافعيّة في ذلك ، فقد جاء في شرح منتهى الإرادات : ما يزاد في ثمن أو مثمّن زمن الخيارين ( خيار المجلس وخيار الشّرط ) يلحق بالعقد ، فيخبر به في المرابحة والتّولية والإشراك كأصله . وما يوضع من ثمن أو مثمّن زمن الخيارين يلحق بالعقد ، فيجب أن يخبر به كأصله ، تنزيلاً لحال الخيار منزلة حال العقد . وإن حطّ الثّمن كلّه فهبة . </p><p>ولا يلحق بالعقد ما زيد أو حطّ بعد لزومه فلا يجب أن يخبر به . </p><p>وفي الرّدّ بالعيب جاء في شرح منتهى الإرادات : يأخذ مشتر ردّ المبيع ما دفعه من ثمن ، أو بدل ما أبرأه البائع منه ، أو بدل ما وهب له البائع من ثمنه ، كلاً كان أو بعضاً ، لاستحقاق المشتري بالفسخ استرجاع جميع الثّمن . وقال ابن قدامة في الشّفعة : يستحقّ الشّفيع الشّقص بالثّمن الّذي استقرّ عليه العقد ، فلو تبايعا بقدر ، ثمّ غيّراه في زمن الخيار بزيادة أو نقص ، ثبت ذلك التّغيير في حقّ الشّفيع ، لأنّ حقّ الشّفيع إنّما يثبت إذا تمّ العقد ، وإنّما يستحقّ بالثّمن الّذي هو ثابت حال استحقاقه ، ولأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد ، والتّغيير يلحق بالعقد فيه ، لأنّهما على اختيارهما فيه كما لو كان التّغيير في حال العقد . فأمّا إذا انقضى الخيار وانبرم العقد ، فزادا أو نقصا لم يلحق بالعقد ، لأنّ الزّيادة بعده هبة .</p><p>رابعاً : موانع التحاق الزّيادة أو الحطّ في حقّ الغير :</p><p>57 - يمتنع التحاق الزّيادة بالثّمن ، أو التحاق الحطّ به بأحد أمرين : </p><p>أحدهما - إذا ترتّب على التحاق الزّيادة أو الحطّ بالثّمن انتقاص من حقّ الغير ثابت بالعقد ، فيقتصر حكم الالتحاق على المتعاقدين دون الغير سدّاً لذريعة الإضرار به . </p><p>ومن آثار هذا المانع : أنّ المشتري إذا زاد في الثّمن ، وكان المبيع عقاراً ، فإنّ الشّفيع يأخذه بالثّمن الأصليّ دون الزّيادة ، سدّاً لباب التّواطؤ لتضييع حقّ الشّفعة . </p><p>أمّا الحطّ من الثّمن فيلتحق لعدم إضراره بالشّفيع ، وكذلك الزّيادة في المبيع . </p><p>الثّاني : إذا ترتّب على الالتحاق بطلان البيع ، كما لو شمل الحطّ جميع الثّمن ، لأنّه بمنزلة الإبراء المنفصل عن العقد ، وبذلك يخلو عقد البيع من الثّمن ، فيبطل . </p><p>ومن آثار هذا المانع : أنّه لو حطّ البائع كلّ الثّمن في العقار ، فإنّ الشّفيع يأخذه بجميع الثّمن الأصليّ ، لأنّ الحطّ إذا اعتبر إبراءً منفصلاً ترتّب عليه خلوّ البيع عن الثّمن ، ثمّ بطلانه ، وبذلك يبطل حقّ الشّفيع ، ولذا يبقى المبيع مقابلاً بجميع الثّمن في حقّه ، ولكن يسقط الثّمن عن المشتري بالحطّ ، ضرورة صحّة الإبراء في ذاته ، وهذا إن حطّ الثّمن بعد القبض ، أمّا إن حطّ قبله فيأخذه الشّفيع بالقيمة .</p><p>خامساً : مئونة تسليم المبيع أو الثّمن :</p><p>58 - اتّفق الفقهاء على أنّ أجرة الكيّال للمبيع ، أو الوزّان أو الذّراع أو العدّاد تكون على البائع وكذلك مئونة إحضاره إلى محلّ العقد إذا كان غائباً . إذ لا تحصل التّوفية إلاّ بذلك . واتّفقوا على أنّ أجرة كيل الثّمن أو وزنه أو عدّه ، وكذلك مئونة إحضار الثّمن الغائب تكون على المشتري ، إلاّ في الإقالة والتّولية والشّركة عند المالكيّة . </p><p>ولكنّهم اختلفوا في أجرة نقّاد الثّمن . </p><p>فعند الحنفيّة روايتان عن محمّد رحمه الله . ففي رواية رستم عنه : تكون على البائع ، لأنّ النّقد يكون بعد التّسليم ، ولأنّ البائع هو المحتاج إليه ، ليميّز ما تعلّق به حقّه من غيره ، أو ليعرف المعيب ليردّه . وبهذا قال الشّافعيّة . وفي الرّواية الأخرى عن محمّد ، وهي رواية ابن سماعة عنه : أنّها تكون على المشتري ، لأنّه يحتاج إلى تسليم الجيّد المقدّر ، والجودة تعرف بالنّقد ، كما يعرف القدر بالوزن ، فيكون عليه . وهذا ما ذهب إليه المالكيّة . </p><p>وقال الحنابلة : إنّ أجرة النّقّاد على الباذل ، سواء أكان البائع أم المشتري . </p><p>قال الشّربينيّ من الشّافعيّة : وأجرة نقّاد الثّمن على البائع ، ثمّ قال : وقياسه أن يكون في المبيع على المشتري ، لأنّ القصد منه إظهار عيب إن كان ليردّ به .</p><p>سادساً : هلاك المبيع أو الثّمن المعيّن كلّيّاً أو جزئيّاً قبل التّسليم :</p><p>59 - من آثار وجوب البيع : أنّ البائع يلزمه تسليم المبيع إلى المشتري ، ولا يسقط عنه هذا الحقّ إلاّ بالأداء ، ويظلّ البائع مسئولاً في حالة هلاك المبيع ، وتكون تبعة الهلاك عليه ، سواء كان الهلاك بفعل فاعل أو بآفة سماويّة . </p><p>وهذا ينطبق على الثّمن إذا كان معيّناً ، وهو ما لم يكن ملتزماً في الذّمّة ، لأنّ عينه في هذه الحال مقصودة في العقد كالمبيع . أمّا الثّمن الّذي في الذّمّة ، فإنّه يمكن البائع أخذ بدله . والهلاك إمّا أن يكون كلّيّاً أو جزئيّاً : فإذا هلك المبيع كلّه قبل التّسليم بآفة سماويّة ، فإنّه يهلك على ضمان البائع ، لحديث : « نهى عن ربح ما لم يضمن » . </p><p>ويترتّب على ذلك أنّ البيع ينفسخ ويسقط الثّمن ، وذلك لاستحالة تنفيذ العقد . </p><p>وهذا عند الحنفيّة . وكذلك الحكم عند الحنفيّة إن تلف بفعل البائع . </p><p>وللشّافعيّة قولان : المذهب أنّه : ينفسخ كالتّلف بآفة سماويّة ، والقول الآخر : يتخيّر المشتري بين الفسخ واسترداد الثّمن ، وبين إمضاء البيع وأخذ قيمة المبيع . </p><p>وفائدة انفساخ البيع هنا أنّه يسقط الثّمن عن المشتري إن لم يكن دفعه ، وله استرداده إن كان قد دفعه ، ولو لم ينفسخ لالتزم المشتري بالثّمن ، والتزم البائع بقيمة المبيع بالغةً ما بلغت . واعتبر الحنابلة الهلاك بفعل البائع كالهلاك بفعل الأجنبيّ ، وسيأتي تفصيله . </p><p>وإذا هلك المبيع بفعل المشتري ، فإنّ البيع يستقرّ ، ويلتزم المشتري بالثّمن ، ويعتبر إتلاف المشتري للمبيع بمنزلة قبض له ، وهذا بالاتّفاق . </p><p>وإذا كان الهلاك بفعل أجنبيّ ( ومثله هلاكه بفعل البائع عند الحنابلة ) فإنّ المشتري مخيّر ، فإمّا أن يفسخ البيع لتعذّر التّسليم ، ويسقط عنه الثّمن حينئذ ، ( وللبائع الرّجوع على من أتلف المبيع ) وإمّا أن يتمسّك بالبيع ، ويرجع على الأجنبيّ ، وعليه أداء الثّمن للبائع ، ورجوعه على الأجنبيّ بالمثل إن كان الهالك مثليّاً ، وبالقيمة إن كان قيميّاً ، وهذا مذهب الحنفيّة والحنابلة ، وهو الأظهر عند الشّافعيّة . ومقابل الأظهر : انفساخ البيع كالتّلف بآفة . وإذا هلك بعض المبيع ، فيختلف الحكم أيضاً تبعاً لمن صدر منه الإتلاف . </p><p>فإن هلك بعض المبيع بآفة سماويّة ، وترتّب على الهلاك نقصان المقدار ، فإنّه يسقط من الثّمن بحسب القدر التّالف ، ويخيّر المشتري بين أخذ الباقي بحصّته من الثّمن ، أو فسخ البيع لتفرّق الصّفقة ( ينظر خيار تفرّق الصّفقة ) هذا عند الحنفيّة والحنابلة . </p><p>ثمّ قال الحنفيّة : إن كان ما نشأ عن الهلاك الجزئيّ ليس نقصاً في المقدار ، بل في الوصف - وهو ما يدخل في المبيع تبعاً بلا ذكر - لم يسقط من الثّمن شيء ، بل للمشتري الخيار بين فسخ البيع أو إمضائه ، لأنّ الأوصاف لا يقابلها شيء من الثّمن إلاّ بالعدوان ، أو بتفصيل الثّمن ، وتخصيص جزء للوصف أو التّابع . </p><p>وإذا هلك البعض بفعل البائع سقط ما يقابله من الثّمن مطلقاً ، مع تخيير المشتري بين الأخذ والفسخ ، لتفرّق الصّفقة . </p><p>وإذا هلك البعض بفعل أجنبيّ ، كان للمشتري الخيار بين الفسخ وبين التّمسّك بالعقد والرّجوع على الأجنبيّ بضمان الجزء التّالف . </p><p>أمّا إن هلك بفعل المشتري نفسه ، فإنّه على ضمانه ، ويعتبر ذلك قبضاً . </p><p>أمّا المالكيّة فقد اعتبروا هلاك المبيع بفعل البائع أو بفعل الأجنبيّ يوجب عوض المتلف على البائع أو الأجنبيّ ، ولا خيار للمشتري ، سواء أكان الهلاك كلّيّاً أم جزئيّاً . </p><p>أمّا هلاكه أو تعيّبه بآفة سماويّة فهو من ضمان المشتري ، كلّما كان البيع صحيحاً لازماً ، لأنّ الضّمان ينتقل بالعقد ولو لم يقبض المشتري المبيع . واستثنى المالكيّة ستّ صور هي :</p><p>أ - ما لو كان في المبيع حقّ توفية لمشتريه ، وهو المثليّ من مكيل أو موزون أو معدود حتّى يفرغ في أواني المشتري ، فإذا هلك بيد البائع عند تفريغه فهو من ضمان البائع .</p><p>ب - السّلعة المحبوسة عند بائعها لأجل قبض الثّمن .</p><p>ج - المبيع الغائب على الصّفة أو على رؤية متقدّمة ، فلا يدخل ذلك كلّه في ضمان المشتري إلاّ بالقبض .</p><p>د - المبيع بيعاً فاسداً .</p><p>هـ - الثّمار المبيعة بعد بدوّ صلاحها ، فلا تدخل في ضمان المشتري إلاّ بعد أمن الجائحة .</p><p>و - الرّقيق حتّى تنتهي عهدة الثّلاثة الأيّام عقب البيع . لكنّهم فصلّوا في الهلاك الجزئيّ ، فيما إذا كان الباقي أقلّ من النّصف ، أو كان المبيع متّحداً ، فحينئذ للمشتري الخيار . </p><p>أمّا إذا كان الفائت هو النّصف فأكثر ، وتعدّد المبيع ، فإنّه يلزمه الباقي بحصّته من الثّمن .</p><p>الآثار المترتّبة على البيع :</p><p>أوّلاً : انتقال الملك : </p><p>60 - يملك المشتري المبيع ، ويملك البائع الثّمن ، ويكون ملك المشتري للمبيع بمجرّد عقد البيع الصّحيح ، ولا يتوقّف على التّقابض ، وإن كان للتّقابض أثره في الضّمان . </p><p>أمّا في عقد البيع الفاسد عند الحنفيّة فلا يملك المشتري المبيع إلاّ بالقبض وتفصيله في مصطلح ( البيع الفاسد ) . ويترتّب على انتقال الملك في البدلين ما يلي :</p><p>أ - أن يثبت للمشتري ملك ما يحصل في المبيع من زيادة متولّدة منه ، ولو لم يقبض المبيع . ولا يمنع من انتقال ملكيّة المبيع إلى المشتري كون الثّمن مؤجّلاً .</p><p>ب - أن تنفذ تصرّفات المشتري في المبيع ، وتصرّفات البائع في الثّمن ، كما لو أحال شخصاً به على المشتري . هذا بعد القبض ، أمّا تصرّف المشتري قبل القبض فإنّه فاسد أو باطل على خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح ( بيع ما لم يقبض ) .</p><p>ج - إذا قبض البائع الثّمن ، ولم يقبض المشتري المبيع ، حتّى لو مات البائع مفلساً ، فإنّ للمشتري حقّ التّقدّم في المبيع على سائر الغرماء . </p><p>ويكون المبيع في هذه الحال أمانةً في يد البائع ، ولا يدخل في التّركة .</p><p>د - لا يجوز اشتراط بقاء البائع محتفظاً بملكيّة المبيع إلى حين أداء الثّمن المؤجّل ، أو إلى أجل آخر معيّن . هذا ، ولا يمنع من انتقال الملك في المبيع أو الثّمن كونهما ديوناً ثابتةً في الذّمّة إذا لم يكونا من الأعيان ، لأنّ الدّيون تملك في الذّمم ولو لم تتعيّن ، فإنّ التّعيين أمر زائد عن أصل الملك ، فقد يحصل مقارناً له ، وقد يتأخّر عنه إلى أن يتمّ التّسليم كما لو اشترى مقداراً معلوماً من كمّيّة معينة من الأرز ، فإنّ حصّته من تلك الكميّة لا تتعيّن إلاّ بعد التّسليم ، وكذلك الثّمن إذا كان ديناً في الذّمّة .</p><p>ثانياً : أداء الثّمن الحالّ :</p><p>61 - الأصل في الثّمن الحلول ، وهذا متّفق عليه بين الفقهاء في الجملة ، قال ابن عبد البرّ : الثّمن أبداً حالّ ، إلاّ أن يذكر المتبايعان له أجلاً فيكون إلى أجله . </p><p>ونقل الأتاسيّ في شرح المجلّة عن السّراج في تعليل ذلك قوله : لأنّ الحلول مقتضى العقد وموجبه . وفي مجلّة الأحكام العدليّة : البيع المطلق ينعقد معجّلاً . ثمّ استثنت المجلّة ما لو جرى العرف في محلّ على أن يكون البيع المطلق مؤجّلاً أو مقسّطاً . كما صرّح المالكيّة بأنّه لا يجوز النّقد في بيع الخيار ، لا في زمن الخيار ، ولا في زمن عهدة الثّلاث في بيع الرّقيق ، ويفسد البيع باشتراط التّعجيل ، ولا يجوز أن يشترط نقد الثّمن في بيع الغائب على اللّزوم ، ويجوز تطوّعاً . وقد تبيّن ممّا سبق أنّ الثّمن إمّا أن يكون معجّلاً ، وإمّا أن يكون مؤجّلاً . </p><p>والثّمن المؤجّل إمّا أن يكون إلى موعد معيّن لجميع الثّمن ، وإمّا أن يكون منجّماً ( مقسّطاً ) على مواعيد معلومة . ومن جهة أخرى : فإنّ الثّمن إمّا عين معيّنة ، وإمّا دين ملتزم في الذّمّة . ففي الثّمن : إذا كان ديناً يختلف الحكم في أدائه بحسب كونه معجّلاً أو مؤجّلاً أو منجّماً ، فإذا كان مؤجّلاً أو منجّماً يتعيّن أن يكون الأجل معلوماً للمتعاقدين على تفصيل ينظر في بحث ( أجل ) . ولو دفع المشتري بعض الثّمن لم يحقّ له تسلّم المبيع ، ولا تسلّم ما يعادل الجزء المدفوع من الثّمن ، سواء أكان المبيع شيئاً واحداً أو أشياء متعدّدةً ، وسواء فصّل الثّمن على تلك الأشياء ، أم وقع عليها جملةً ، ما دام البيع قد تمّ بصفقة واحدة . هذا ما لم يكن هناك شرط على خلاف ذلك .</p><p>البدء بتسليم أحد البدلين :</p><p>62 - اختلف الفقهاء فيمن يسلّم أوّلاً : البائع أم المشتري حسب نوعي البدلين ، وينقسم ذلك إلى أحوال : </p><p>الحالة الأولى : أن يكونا معيّنين " المقايضة " أو ثمنين " الصّرف " :</p><p>63 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ المتعاقدين يسلّمان معاً تسويةً بدينهما في العينيّة والدّينيّة . وذهب المالكيّة إلى أنّهما يتركان حتّى يصطلحا ، فإن كان بحضرة حاكم وكلّ من يتولّى ذلك لهما . وعند الشّافعيّة في الأظهر : يجبران على التّسليم لاستواء الجانبين ، لأنّ الثّمن المعيّن كالمبيع في تعلّق الحقّ بالعين . وعند الحنابلة : ينصب الحاكم عدلاً بينهما ، يقبض منهما ، ثمّ يسلّمه إليهما قطعاً للنّزاع ، لاستوائهما في تعلّق حقّهما بعين الثّمن والمثمّن ، فيسلّم العدل المبيع أوّلاً ، لجريان العادة بذلك . </p><p>الحالة الثّانية : أن يكون أحدهما معيّناً والآخر ديناً في الذّمّة :</p><p>64 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة ، والشّافعيّة في قول : إلى أنّه يطالب المشتري بالتّسليم أوّلاً ، قال الصّاويّ : لأنّ المبيع في يد بائعه كالرّهن على الثّمن . وتوجيه ذلك أنّ حقّ المشتري تعيّن في المبيع ، فيدفع الثّمن ليتعيّن حقّ البائع بالقبض ، تحقيقاً للمساواة . </p><p>وذهب الشّافعيّة في المذهب ، والحنابلة : إلى أنّه يجبر البائع على التّسليم أوّلاً ، لأنّ قبض المبيع من تتمّات البيع ، واستحقاق الثّمن مرتّب على تمام البيع ، ولجريان العادة بذلك . </p><p>أمّا ما يترتّب على إخلال المشتري بأداء الثّمن الحالّ ، وكذلك الثّمن المؤجّل إذا حلّ أجله ، فقد اتّفق الفقهاء على أنّه : إذا كان المشتري موسراً ، فإنّه يجبر على أداء الثّمن الحالّ ، كما ذهب الجمهور في الجملة إلى أنّ للبائع حقّ الفسخ إذا كان المشتري مفلساً ، أو كان الثّمن غائباً عن البلد مسافة القصر . </p><p>وذهب الحنفيّة إلى أنّه ليس للبائع حقّ الفسخ ، لأنّه يمكنه التّقاضي للحصول على حقّه ، وهو في هذه الحالة دائن ، كغيره من الدّائنين . وهذا عندهم ما لم يشترط لنفسه خيار النّقد ، بأن يقول مثلاً : إن لم تدفع الثّمن في موعد كذا فلا بيع بيننا . واختلف في مقتضى هذا الشّرط ، هل هو انفساخ البيع ، أو استحقاقه الفسخ باعتباره فاسداً ؟ والمرجّح عند الحنفيّة : أنّه يفسد ولا ينفسخ ، وتفصيله في ( خيار النّقد ) </p><p>وللشّافعيّة والحنابلة تفصيل - في حال إخلال المشتري بأداء الثّمن الحالّ ، لا للفلس ، بل لغياب ماله غيبةً قريبةً في بلده ، أو في أقلّ من مسافة القصر - خلاصته : الحجر على المشتري في المبيع وسائر أمواله حتّى يسلّم الثّمن ، خوفاً من أن يتصرّف في ماله تصرّفاً يضرّ بالبائع . </p><p>أمّا إن كان المال غائباً مسافة القصر فأكثر ، فإنّه لا يكلّف البائع الصّبر إلى إحضاره ، بل يحجر على المبيع ومال المشتري كما سبق . ويملك البائع الفسخ في الأصحّ للشّافعيّة ، وهو وجه للحنابلة ، وهذا فضلاً عن حقّه في حبس مبيعه حتّى يقبض ثمنه . وعند الحنابلة وجه بأنّه : لا خيار للبائع في الفسخ فيما دون مسافة القصر ، لأنّه بمنزلة الحاضر . والقول الآخر للشّافعيّة ليس له الفسخ ، بل يباع المبيع ، ويؤدّى حقّه من الثّمن كسائر الدّيون .</p><p>اشتراط التّرادّ بالتّخلّف عن الأداء :</p><p>65 - ممّا يتّصل بما سبق عن الحنفيّة - من إثبات حقّ الفسخ إذا اشترطه لعدم الأداء في الموعد المحدّد ، وهو ما يسمّى ( خيار النّقد ) - تصريح المالكيّة بمثله فيما إذا قال البائع للمشتري : بعتك لوقت كذا ، أو على أن تأتيني بالثّمن في وقت كذا ، فإن لم تأت به في ذلك الوقت فلا بيع بيننا ، فقد جاء في المدوّنة تصحيح البيع وبطلان الشّرط . </p><p>وروي عن مالك قولان آخران : صحّة البيع والشّرط . وفسخ البيع . وتفصيله في ( خيار النّقد ) . هذا وإذا كان الثّمن مؤجّلاً ، فإنّ على البائع تسليم المبيع ، ولا يطالب المشتري بتسليم الثّمن إلاّ عند حلول الأجل . وكذلك إذا كان الثّمن منجّماً . وقد صرّح الشّافعيّة أنّه في الثّمن المؤجّل ليس للبائع حبس المبيع به ، وإن حلّ قبل التّسليم لرضاه بتأخيره . </p><p>أمّا إذا كان بعض الثّمن معجّلاً وبعضه مؤجّلاً ، فإنّ للبعض المعجّل حكم تعجيل الثّمن كلّه ، فلا يطالب المشتري البائع بتسليم المبيع ، إلاّ بعد تسليم الجزء المعجّل من الثّمن . </p><p>ولا بدّ في جميع الأحوال من أن يكون الأجل معلوماً ، فإذا كان كذلك جاز البيع مهما طال ولو إلى عشرين سنةً . وتفصيله في ( أجل ) . </p><p>وقد صرّح المالكيّة بأنّه لا بأس ببيع أهل السّوق على التّقاضي ، وقد عرفوا قدر ذلك بينهم . والتّقاضي : تأخير المطالبة بالدّين إلى مدًى متعارف عليه بين المتعاقدين . </p><p>ومن حقّ المشتري إذا كان المبيع معيباً ، أو ظهر أنّه مستحقّ أن يمتنع من أداء الثّمن ، إلى أن يستخدم حقّه في العيب فسخاً أو طلباً للأرش أو إلى أن يتبيّن أمر الاستحقاق . </p><p>ويجوز تأخير الدّين الحالّ ، أو المؤجّل بأجل قريب إلى أجل بعيد ، وأخذ مساوي الثّمن أو أقلّ منه من جنسه لأنّه تسليف أو تسليف مع إسقاط البعض وهو من المعروف ، ولكن لا يجوز . تأخير رأس مال السّلم . </p><p>وأجاز المالكيّة تأخير رأس المال في حدود ثلاثة أيّام ولو بشرط .</p><p>ثالثاً : تسليم المبيع :</p><p>66 - قال ابن رشد الحفيد : أجمعوا على أنّه لا يجوز بيع الأعيان إلى أجل ، ومن شرطها تسليم المبيع إلى المبتاع بإثر عقد الصّفقة . وقال التّسوّليّ في البهجة شرح التّحفة : يجب تسليم المبيع المعيّن ، لأنّ وجوب التّسليم حقّ للّه ، والعقد يفسد بالتّأخير . </p><p>وأجرة الكيل والوزن أو العدّ على البائع ، إذ لا تحصل التّوفية إلاّ به . </p><p>قال ابن قدامة : لأنّ على البائع تقبيض المبيع للمشتري ، والقبض لا يحصل إلاّ بذلك . </p><p>أمّا أجرة عدّ الثّمن وكيله ووزنه فعلى المشتري ، وأجرة نقل المبيع المحتاج إليه في تسليم المبيع المنقول على المشتري . </p><p>وتسليم المبيع أهمّ الأثّار الّتي يلتزم بها البائع في عقد البيع ، وهو يثبت عند تسليم الثّمن الحالّ ( أمّا في الثّمن المؤجّل فلا يتوقّف تسليم المبيع على أدائه ) ولا يتحقّق تسليم المبيع إلاّ إذا سلّم للمشتري خالياً من أيّ شاغل ، أي كانت العين قابلةً لكمال الانتفاع بها . </p><p>فإذا كان مشغولاً لم يصحّ التّسليم ، وأجبر البائع على تفريغ المبيع . </p><p>ومن صور شغل المبيع : أن يكون محلاً لعقد إجارة أبرمه البائع ، فإن رضي المشتري بالانتظار إلى نهاية مدّة الإجارة لم تكن له المطالبة بالتّسليم ، ولكن يحقّ له حبس الثّمن إلى أن تنتهي الإجارة ، ويصبح المبيع قابلاً للتّسليم . وكما يجب تسليم المبيع يجب تسليم توابعه . يختلف حكم القبض بين المثليّ من مكيل أو موزون أو معدود ، وبين غيره من عقار أو حيوان ونحوه . ففي قبض العقار تكفي التّخلية اتّفاقاً بشرط فراغه من أمتعة البائع ، فلو جمعت أمتعة البائع في غرفة صحّ قبض ما عداها ، وتوقّف قبضها على تفريغها . </p><p>لكن لو أذن البائع للمشتري بقبض الدّار والمتاع صحّ التّسليم ، لأنّ المتاع صار وديعةً عند المشتري . ومن عبارات المالكيّة : أنّ العقار إن كان أرضاً فقبضه بالتّخلية ، وإن كان داراً للسّكنى فقبضها بالإخلاء . فإن لم يحضر العاقدان العقار المبيع . فقد ذهب الشّافعيّة في الأصحّ ( ونقل مثله عن بعض الحنفيّة في العقار البعيد عن العاقدين ) إلى أنّه يعتبر مرور زمن يمكن فيه المضيّ إلى العقار ، لأنّه إذا لم يعتبر حضور العاقدين إلى العقار للمشقّة ، فلا مشقّة في اعتبار مضيّ الزّمان ، ويبدو أنّ الحكمة في ذلك الأمن من تداخل الضّمانين . </p><p>أمّا المنقول ، فقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى : أنّ قبض المكيل والموزون والمعدود باستيفاء الكيل أو الوزن أو العدّ . وقال الشّافعيّة : لا بدّ مع ذلك من النّقل . </p><p>وهذا ما لم يبع جزافاً ، فيحصل قبضه بالنّقل ، على خلاف وتفصيل . ر : ( بيع الجزاف ) . وأمّا غير ذلك من الحيوان والعروض ، فإنّ قبضها بحسب العرف ، كتسليم الثّوب وزمام الدّابّة وسوقها أو عزلها عن دوابّ البائع أو انصراف البائع عنها . </p><p>ولم يفرّق الحنفيّة - وهي رواية عن أحمد - بين المكيلات والموزونات والمعدودات وبين غيرها . فالتّخلية قبض في الجميع ، حتّى لو كانت التّخلية في بيت البائع فإنّها صحيحة . فإن هلك المبيع بعدئذ هلك من ضمان المشتري ، لأنّه كالوديعة عنده . </p><p>وينوب القبض السّابق للمبيع عن تجديد قبضه ، إذا كان قد قبض على سبيل الضّمان ، بأن كان المشتري قد غصبه من البائع قبل أن يشتريه منه ، فإنّ ذلك القبض يغني ، لأنّه قبض قويّ بمنزلة قبض المشتري ما اشتراه ، إذ تبعة هلاكه في الحالين على القابض . </p><p>أمّا إذا كان القبض السّابق من قبيل قبض الأمانة ، كقبض المستعير والوديع - وهو ما لا ضمانه ممّن هو بيده في حال هلاكه دون تعدّ أو تقصير - فيعتبر ذلك القبض ضعيفاً لا ينوب عن قبض الضّمان .</p><p>انتهاء البيع :</p><p>67 - بالإضافة إلى ما سبق الكلام عنه من انفساخ البيع بسبب بعض حالات الهلاك الكلّيّ ، فإنّ البيع ينتهي بتمام آثاره من تسليم وتسلّم . </p><p>وينتهي البيع أيضاً بالإقالة . وتفصيل الكلام عنها في مصطلح ( إقالة ) .</p><p></p><p>بيع الاستجرار *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - البيع : مبادلة المال بالمال تمليكاً وتملّكاً . </p><p>والاستجرار لغةً : الجذب والسّحب ، وأجررته الدّين : أخّرته له . </p><p>وبيع الاستجرار : أخذ الحوائج من البيّاع شيئاً فشيئاً ، ودفع ثمنها بعد ذلك .</p><p>الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>البيع بالتّعاطي :</p><p>2 - المعاطاة والتّعاطي : المناولة والمبادلة . </p><p>والبيع بالتّعاطي : أن يتقابض البائع والمشتري من غير صيغة ، أي إنّ البائع يعطي المبيع ولا يتلفّظ بشيء ، والمشتري يعطي الثّمن كذلك . </p><p>والفرق بين بيع الاستجرار والتّعاطي هو : أنّ بيع الاستجرار أعمّ ، لأنّه قد يكون بإيجاب وقبول ، وقد يكون بالتّعاطي ، كما أنّ الغالب في الاستجرار تأجيل الثّمن ، وعدم تحديده في بعض الصّور .</p><p>الأحكام المتعلّقة ببيع الاستجرار :</p><p>تتعدّد صور بيع الاستجرار ، ولذلك تختلف أحكامه من صورة لأخرى ، وبيان ذلك فيما يلي : مذهب الحنفيّة :</p><p>صور بيع الاستجرار الّتي وردت عند الحنفيّة هي :</p><p>3 - الصّورة الأولى : أن يأخذ الإنسان من البيّاع ما يحتاج إليه شيئاً فشيئاً ممّا يستهلك عادةً ، كالخبز والملح والزّيت والعدس ونحوها ، مع جهالة الثّمن وقت الأخذ ، ثمّ يشتريها بعد استهلاكها . </p><p>فالأصل عدم انعقاد هذا البيع ، لأنّ المبيع معدوم وقت الشّراء ، ومن شرائط المعقود عليه أن يكون موجوداً ، لكنّهم تسامحوا في هذا البيع وأخرجوه عن هذه القاعدة ( اشتراط وجود المبيع ) وأجازوا بيع المعدوم هنا استحساناً ، وذلك كما في البحر الرّائق والقنية . </p><p>وقال بعض الحنفيّة : ليس هذا بيع معدوم ، إنّما هو من باب ضمان المتلفات بإذن مالكها عرفاً ، تسهيلاً للأمر ودفعاً للحرج ، كما هو العادة . ولم يرتض الحمويّ وغيره هذا المعنى . وقال ابن عابدين : إنّ المسألة استحسان ، ويمكن تخريجها على قرض الأعيان ، ويكون ضمانها بالثّمن استحساناً ، كحلّ الانتفاع في الأشياء القيميّة ، لأنّ قرضها فاسد لا يحلّ الانتفاع به وإن ملّكت بالقبض .</p><p>4 - الصّورة الثّانية : وهي نفس الصّورة الأولى ، لكن تختلف عنها بالنّسبة لمعرفة الثّمن ، أي إنّ الإنسان يأخذ ما يحتاج إليه شيئاً فشيئاً مع العلم بالثّمن وقت الأخذ ، ثمّ يحاسبه بعد ذلك . وهذا البيع جائز ولا خلاف في انعقاده ، لأنّه كلّما أخذ شيئاً انعقد بيعاً بثمنه المعلوم ، ويكون بيعاً بالتّعاطي ، والبيع بالتّعاطي ينعقد ، سواء أدفع الثّمن وقت الأخذ أم تأجّل . ومثلها في الحكم : أن يدفع الإنسان إلى البيّاع الدّراهم دون أن يقول له : اشتريت ، وجعل يأخذ كلّ يوم خمسة أرطال مع العلم بثمنها . </p><p>هذا البيع جائز ، وما أكله حلال ، لأنّه وإن كانت نيّته الشّراء وقت الدّفع إلاّ أنّه لا ينعقد بيعاً بمجرّد النّيّة ، وإنّما انعقد بيعاً الآن بالتّعاطي ، والآن المبيع معلوم فينعقد البيع صحيحاً .</p><p>5- الصّورة الثّالثة : أن يدفع الإنسان إلى البيّاع دراهم ، ويقول له : اشتريت منك مائة رطل من خبز مثلاً ، وجعل يأخذ كلّ يوم خمسة أرطال . </p><p>هذا البيع فاسد ، وما أكل فهو مكروه ، وذلك لجهالة المبيع ، لأنّه اشترى خبزاً غير مشار إليه فكان المبيع مجهولاً ، ومن شرائط صحّة البيع : أن يكون المبيع معلوماً .</p><p>6- الصّورة الرّابعة : وهي أن يدفع الإنسان الدّراهم للبيّاع دون أن يقول له : اشتريت ، وجعل يأخذ كلّ يوم خمسة أرطال ولا يعلم ثمنها . </p><p>فهذا لا ينعقد بيعاً بالتّعاطي لجهالة الثّمن ، فإذا تصرّف الآخذ في المبيع ، وقد دفعه البيّاع برضاه بالدّفع وبالتّصرّف فيه على وجه التّعويض عنه ، لم ينعقد بيعاً ، وإن كان على نيّة البيع ، لأنّ البيع لا ينعقد بالنّيّة ، فيكون شبيه القرض المضمون بمثله أو بقيمته ، فإذا توافقا على شيء بدل المثل أو القيمة برئت ذمّة الآخذ .</p><p>مذهب المالكيّة :</p><p>الصّور الّتي وردت عند المالكيّة هي :</p><p>7 - أن يضع الإنسان عند البيّاع دراهم ، ثمّ يأخذ بجزء معلوم من الدّراهم سلعةً معلومةً وهكذا . فهذا البيع صحيح ، لأنّ السّلعة معلومة والثّمن معلوم .</p><p>8- أن يضع عند البيّاع درهماً ، ويقول له : آخذ به منك كذا وكذا من التّمر مثلاً ، أو كذا وكذا من اللّبن أو غير ذلك . يقدّر معه فيه سلعةً ما ، ويقدّر ثمنها قدراً ما ، ويترك السّلعة يأخذها متى شاء ، أو يؤقّت لها وقتاً يأخذها فيه ، فهذا البيع جائز أيضاً .</p><p>9- أن يترك عند البيّاع درهماً في سلعة معيّنة أو غير معيّنة ، على أن يأخذ منها في كلّ يوم بسعره ، وعقدا على ذلك البيع ، فهذا البيع غير جائز ، لأنّ ما عقدا عليه من الثّمن مجهول ، وذلك من الغرر الّذي يمنع صحّة البيع .</p><p>10 - أن يأخذ الإنسان من البيّاع ما يحتاج إليه بسعر معلوم ، فيأخذ كلّ يوم وزناً معلوماً بسعر معلوم ، والثّمن إلى أجل معلوم ، أو إلى العطاء إذا كان العطاء معلوماً مأموناً ، فهذا البيع جائز .</p><p>مذهب الشّافعيّة :</p><p>لبيع الاستجرار عند الشّافعيّة صورتان :</p><p>11 - إحداهما : أن يأخذ الإنسان من البيّاع ما يحتاجه شيئاً فشيئاً ، ولا يعطيه شيئاً ، ولا يتلفّظان ببيع ، بل نويا أخذه بثمنه المعتاد ، ويحاسبه بعد مدّة ويعطيه ، كما يفعل كثير من النّاس . قال النّوويّ : هذا البيع باطل بلا خلاف - أي عند الشّافعيّة - لأنّه ليس ببيع لفظيّ ولا معاطاةً . قال الأذرعيّ : وهذا ما أفتى به البغويّ ، وذكر ابن الصّلاح نحوه في فتاويه . وتسامح الغزاليّ فأباح هذا البيع ، لأنّ العرف جار به ، وهو عمدته في إباحته . </p><p>وقال الأذرعيّ : قول النّوويّ - إنّ هذا لا يعدّ معاطاةً ولا بيعاً - فيه نظر ، بل يعدّه النّاس بيعاً ، والغالب أن يكون قدر ثمن الحاجة معلوماً لهما عند الأخذ والعطاء ، وإن لم يتعرّضا له لفظاً .</p><p>12 - الثّانية : أن يقول الإنسان للبيّاع : أعطني بكذا لحماً أو خبزاً مثلاً ، فيدفع إليه مطلوبه فيقبضه ويرضى به ، ثمّ بعد مدّة يحاسبه ويؤدّي ما اجتمع عليه ، فهذا البيع مجزوم بصحّته عند من يجوّز المعاطاة .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41103, member: 329"] ثالثاً : آثار الزّيادة أو الحطّ : 56 - من المقرّر عند فقهاء الحنفيّة أنّ الزّيادة والحطّ يلتحقان بأصل العقد السّابق بطريق الاستناد ، ما لم يمنع من ذلك مانع . بمعنى أنّه تثبت للزّيادة في المبيع حصّة من الثّمن ، كما لو كان الثّمن مقسّماً على الأصل والزّيادة ، وكذلك عكسه إذا كانت الزّيادة في الثّمن . ومن آثار ذلك : أ - إذا تلف المبيع قبل القبض وبقيت الزّيادة ، أو هلكت الزّيادة وبقي المبيع ، سقطت حصّة الهالك من الثّمن . وهذا بخلاف الزّيادة النّاشئة من المبيع نفسه . ب - للبائع حبس جميع المبيع حتّى يقبض الثّمن الأصليّ والزّيادة عليه . ج - إمكان البيع بالأمانة من مرابحة أو تولية أو وضيعة ، فإنّ العبرة بالثّمن بعد الزّيادة أو الحطّ . د - إذا استحقّ المبيع ، وقضي به للمستحقّ ؟ ، رجع المشتري على البائع بالثّمن كلّه من أصل وزيادة . وكذلك في الرّجوع بالعيب . هـ - في الأخذ بالشّفعة ، يأخذ الشّفيع العقار بما استقرّ عليه الثّمن بعد الحطّ . ولو زاد البائع شيئاً في المبيع يأخذ الشّفيع أصل العقار بحصّته من الثّمن لا بالثّمن كلّه . وهذا بالاتّفاق في الجملة على ما سيأتي . وعند المالكيّة : الزّيادة والحطّ يلحقان بالبيع ، سواء أحدث ذلك عند التّقابض أم بعده . والزّيادة في الثّمن تكون في حكم الثّمن الأوّل ، فتردّ عند الاستحقاق ، وعند الرّدّ بالعيب ، وما أشبه ذلك . ويجوز حطّ كلّ الثّمن عن المشتري ، أي هبته له ، وللحطّ أثره في بيع المرابحة وفي الشّفعة . ففي بيع المرابحة ، يقول الدّردير والدّسوقيّ : يجب بيان هبة لبعض الثّمن إن كانت معتادةً بين النّاس ، بأن تشبه عطيّة النّاس ، فإن لم تعتد ( أي لم تجر بها عادة ) أو وهب له جميع الثّمن قبل النّقد أو بعده لم يجب البيان . وفي الشّفعة ، يقول الشّيخ عليش : من اشترى شقصاً بألف درهم ، ثمّ وضع عنه البائع تسعمائة درهم بعد أخذ الشّفيع أو قبله ، فإن أشبه أن يكون ثمن الشّقص بين النّاس مائة درهم إذا تغابنوا بينهم ، أو اشتروا بغير تغابن ، وضع ذلك عن الشّفيع ، لأنّ ما أظهرا من الثّمن الأوّل إنّما كان سبباً لقلع الشّفعة . وإن لم يشبه أن يكون ثمنه مائةً ، قال ابن يونس : أراد مثل أن يكون ثمنه ثلاثمائة أو أربعمائة ، لم يحطّ للشّفيع شيئاً ، وكانت الوضيعة هبةً للمبتاع ، وقال في موضع آخر : إن حطّ عن المبتاع ما يشبه أن يحطّ في البيوع وضع ذلك عن الشّفيع وإن كان لا يحطّ مثله فهي هبة ، ولا يحطّ عن الشّفيع شيئاً . وأمّا الشّافعيّة فقد قالوا : إنّ الزّيادة أو الحطّ في الثّمن أو المثمّن ، إن كانت بعد لزوم العقد بانقضاء الخيار فلا تلحق به ، لأنّ البيع استقرّ بالثّمن الأوّل ، والزّيادة أو الحطّ بعد ذلك تبرّع ، ولا تلحق بالعقد . وإن كان ذلك قبل لزوم العقد في مدّة خيار المجلس أو خيار الشّرط ، فالصّحيح عند جمهور الشّافعيّة ، وبه قطع أكثر العراقيّين : أنّه يلحق بالعقد في مدّة الخيارين جميعاً ، وهو ظاهر نصّ الشّافعيّ ، لأنّ الزّيادة أو الحطّ في مدّة خيار المجلس تلتحق بالعقد ، وقيس بخيار المجلس خيار الشّرط بجامع عدم الاستقرار . وهذا أحد الأوجه الّتي ذكرها النّوويّ . وفي وجه آخر : لا يلحق ذلك ، وصحّحه المتولّي . وفي وجه ثالث : يلحق في خيار المجلس دون خيار الشّرط ، قاله الشّيخ أبو زيد والقفّال . أمّا أثر ذلك في العقود . ففي الشّفعة تلحق الزّيادة الشّفيع كما تلزم المشتري ، ولو حطّ من الثّمن شيء فحكمه كذلك . وينظر التّفصيل في ( شفعة ) . وفي التّولية والإشراك والمرابحة . جاء في نهاية المحتاج : لو حطّ عن المولّي - بكسر اللّام المشدّدة - من البائع بعض الثّمن بعد التّولية أو قبلها ، ولو بعد اللّزوم ، انحطّ عن المولى - بفتح اللّام - إذ خاصّة التّولية - وإن كانت بيعاً جديداً - التّنزيل على الثّمن الأوّل ، فإن حطّ جميعه انحطّ أيضاً ما لم يكن قبل لزوم التّولية ، وإلاّ - بأن كان قبل التّولية أو بعدها وقبل لزومها - بطلت لأنّها حيث بيع من غير ثمن ، ومن ثمّ لو تقايلا بعد حطّه بعد اللّزوم ، لم يرجع المشتري على البائع بشيء . والإشراك والمرابحة كالتّولية في ذلك . وينظر التّفصيل في ( مرابحة ، تولية ، إشراك ) . وفي الرّدّ بالعيب جاء في نهاية المحتاج : لو أبرأ البائع المشتري من بعض الثّمن أو كلّه ، ثمّ ردّ المبيع بعيب ، فالأوجه أنّه لا يرجع في الإبراء من جميع الثّمن بشيء ، وفي الإبراء من بعضه إلاّ بالباقي . ولو وهب البائع للمشتري الثّمن ، فقيل : يمتنع الرّدّ ، وقيل : يردّ ، ويطالب ببدل الثّمن ، وهو الأوجه . والحنابلة كالشّافعيّة في ذلك ، فقد جاء في شرح منتهى الإرادات : ما يزاد في ثمن أو مثمّن زمن الخيارين ( خيار المجلس وخيار الشّرط ) يلحق بالعقد ، فيخبر به في المرابحة والتّولية والإشراك كأصله . وما يوضع من ثمن أو مثمّن زمن الخيارين يلحق بالعقد ، فيجب أن يخبر به كأصله ، تنزيلاً لحال الخيار منزلة حال العقد . وإن حطّ الثّمن كلّه فهبة . ولا يلحق بالعقد ما زيد أو حطّ بعد لزومه فلا يجب أن يخبر به . وفي الرّدّ بالعيب جاء في شرح منتهى الإرادات : يأخذ مشتر ردّ المبيع ما دفعه من ثمن ، أو بدل ما أبرأه البائع منه ، أو بدل ما وهب له البائع من ثمنه ، كلاً كان أو بعضاً ، لاستحقاق المشتري بالفسخ استرجاع جميع الثّمن . وقال ابن قدامة في الشّفعة : يستحقّ الشّفيع الشّقص بالثّمن الّذي استقرّ عليه العقد ، فلو تبايعا بقدر ، ثمّ غيّراه في زمن الخيار بزيادة أو نقص ، ثبت ذلك التّغيير في حقّ الشّفيع ، لأنّ حقّ الشّفيع إنّما يثبت إذا تمّ العقد ، وإنّما يستحقّ بالثّمن الّذي هو ثابت حال استحقاقه ، ولأنّ زمن الخيار بمنزلة حالة العقد ، والتّغيير يلحق بالعقد فيه ، لأنّهما على اختيارهما فيه كما لو كان التّغيير في حال العقد . فأمّا إذا انقضى الخيار وانبرم العقد ، فزادا أو نقصا لم يلحق بالعقد ، لأنّ الزّيادة بعده هبة . رابعاً : موانع التحاق الزّيادة أو الحطّ في حقّ الغير : 57 - يمتنع التحاق الزّيادة بالثّمن ، أو التحاق الحطّ به بأحد أمرين : أحدهما - إذا ترتّب على التحاق الزّيادة أو الحطّ بالثّمن انتقاص من حقّ الغير ثابت بالعقد ، فيقتصر حكم الالتحاق على المتعاقدين دون الغير سدّاً لذريعة الإضرار به . ومن آثار هذا المانع : أنّ المشتري إذا زاد في الثّمن ، وكان المبيع عقاراً ، فإنّ الشّفيع يأخذه بالثّمن الأصليّ دون الزّيادة ، سدّاً لباب التّواطؤ لتضييع حقّ الشّفعة . أمّا الحطّ من الثّمن فيلتحق لعدم إضراره بالشّفيع ، وكذلك الزّيادة في المبيع . الثّاني : إذا ترتّب على الالتحاق بطلان البيع ، كما لو شمل الحطّ جميع الثّمن ، لأنّه بمنزلة الإبراء المنفصل عن العقد ، وبذلك يخلو عقد البيع من الثّمن ، فيبطل . ومن آثار هذا المانع : أنّه لو حطّ البائع كلّ الثّمن في العقار ، فإنّ الشّفيع يأخذه بجميع الثّمن الأصليّ ، لأنّ الحطّ إذا اعتبر إبراءً منفصلاً ترتّب عليه خلوّ البيع عن الثّمن ، ثمّ بطلانه ، وبذلك يبطل حقّ الشّفيع ، ولذا يبقى المبيع مقابلاً بجميع الثّمن في حقّه ، ولكن يسقط الثّمن عن المشتري بالحطّ ، ضرورة صحّة الإبراء في ذاته ، وهذا إن حطّ الثّمن بعد القبض ، أمّا إن حطّ قبله فيأخذه الشّفيع بالقيمة . خامساً : مئونة تسليم المبيع أو الثّمن : 58 - اتّفق الفقهاء على أنّ أجرة الكيّال للمبيع ، أو الوزّان أو الذّراع أو العدّاد تكون على البائع وكذلك مئونة إحضاره إلى محلّ العقد إذا كان غائباً . إذ لا تحصل التّوفية إلاّ بذلك . واتّفقوا على أنّ أجرة كيل الثّمن أو وزنه أو عدّه ، وكذلك مئونة إحضار الثّمن الغائب تكون على المشتري ، إلاّ في الإقالة والتّولية والشّركة عند المالكيّة . ولكنّهم اختلفوا في أجرة نقّاد الثّمن . فعند الحنفيّة روايتان عن محمّد رحمه الله . ففي رواية رستم عنه : تكون على البائع ، لأنّ النّقد يكون بعد التّسليم ، ولأنّ البائع هو المحتاج إليه ، ليميّز ما تعلّق به حقّه من غيره ، أو ليعرف المعيب ليردّه . وبهذا قال الشّافعيّة . وفي الرّواية الأخرى عن محمّد ، وهي رواية ابن سماعة عنه : أنّها تكون على المشتري ، لأنّه يحتاج إلى تسليم الجيّد المقدّر ، والجودة تعرف بالنّقد ، كما يعرف القدر بالوزن ، فيكون عليه . وهذا ما ذهب إليه المالكيّة . وقال الحنابلة : إنّ أجرة النّقّاد على الباذل ، سواء أكان البائع أم المشتري . قال الشّربينيّ من الشّافعيّة : وأجرة نقّاد الثّمن على البائع ، ثمّ قال : وقياسه أن يكون في المبيع على المشتري ، لأنّ القصد منه إظهار عيب إن كان ليردّ به . سادساً : هلاك المبيع أو الثّمن المعيّن كلّيّاً أو جزئيّاً قبل التّسليم : 59 - من آثار وجوب البيع : أنّ البائع يلزمه تسليم المبيع إلى المشتري ، ولا يسقط عنه هذا الحقّ إلاّ بالأداء ، ويظلّ البائع مسئولاً في حالة هلاك المبيع ، وتكون تبعة الهلاك عليه ، سواء كان الهلاك بفعل فاعل أو بآفة سماويّة . وهذا ينطبق على الثّمن إذا كان معيّناً ، وهو ما لم يكن ملتزماً في الذّمّة ، لأنّ عينه في هذه الحال مقصودة في العقد كالمبيع . أمّا الثّمن الّذي في الذّمّة ، فإنّه يمكن البائع أخذ بدله . والهلاك إمّا أن يكون كلّيّاً أو جزئيّاً : فإذا هلك المبيع كلّه قبل التّسليم بآفة سماويّة ، فإنّه يهلك على ضمان البائع ، لحديث : « نهى عن ربح ما لم يضمن » . ويترتّب على ذلك أنّ البيع ينفسخ ويسقط الثّمن ، وذلك لاستحالة تنفيذ العقد . وهذا عند الحنفيّة . وكذلك الحكم عند الحنفيّة إن تلف بفعل البائع . وللشّافعيّة قولان : المذهب أنّه : ينفسخ كالتّلف بآفة سماويّة ، والقول الآخر : يتخيّر المشتري بين الفسخ واسترداد الثّمن ، وبين إمضاء البيع وأخذ قيمة المبيع . وفائدة انفساخ البيع هنا أنّه يسقط الثّمن عن المشتري إن لم يكن دفعه ، وله استرداده إن كان قد دفعه ، ولو لم ينفسخ لالتزم المشتري بالثّمن ، والتزم البائع بقيمة المبيع بالغةً ما بلغت . واعتبر الحنابلة الهلاك بفعل البائع كالهلاك بفعل الأجنبيّ ، وسيأتي تفصيله . وإذا هلك المبيع بفعل المشتري ، فإنّ البيع يستقرّ ، ويلتزم المشتري بالثّمن ، ويعتبر إتلاف المشتري للمبيع بمنزلة قبض له ، وهذا بالاتّفاق . وإذا كان الهلاك بفعل أجنبيّ ( ومثله هلاكه بفعل البائع عند الحنابلة ) فإنّ المشتري مخيّر ، فإمّا أن يفسخ البيع لتعذّر التّسليم ، ويسقط عنه الثّمن حينئذ ، ( وللبائع الرّجوع على من أتلف المبيع ) وإمّا أن يتمسّك بالبيع ، ويرجع على الأجنبيّ ، وعليه أداء الثّمن للبائع ، ورجوعه على الأجنبيّ بالمثل إن كان الهالك مثليّاً ، وبالقيمة إن كان قيميّاً ، وهذا مذهب الحنفيّة والحنابلة ، وهو الأظهر عند الشّافعيّة . ومقابل الأظهر : انفساخ البيع كالتّلف بآفة . وإذا هلك بعض المبيع ، فيختلف الحكم أيضاً تبعاً لمن صدر منه الإتلاف . فإن هلك بعض المبيع بآفة سماويّة ، وترتّب على الهلاك نقصان المقدار ، فإنّه يسقط من الثّمن بحسب القدر التّالف ، ويخيّر المشتري بين أخذ الباقي بحصّته من الثّمن ، أو فسخ البيع لتفرّق الصّفقة ( ينظر خيار تفرّق الصّفقة ) هذا عند الحنفيّة والحنابلة . ثمّ قال الحنفيّة : إن كان ما نشأ عن الهلاك الجزئيّ ليس نقصاً في المقدار ، بل في الوصف - وهو ما يدخل في المبيع تبعاً بلا ذكر - لم يسقط من الثّمن شيء ، بل للمشتري الخيار بين فسخ البيع أو إمضائه ، لأنّ الأوصاف لا يقابلها شيء من الثّمن إلاّ بالعدوان ، أو بتفصيل الثّمن ، وتخصيص جزء للوصف أو التّابع . وإذا هلك البعض بفعل البائع سقط ما يقابله من الثّمن مطلقاً ، مع تخيير المشتري بين الأخذ والفسخ ، لتفرّق الصّفقة . وإذا هلك البعض بفعل أجنبيّ ، كان للمشتري الخيار بين الفسخ وبين التّمسّك بالعقد والرّجوع على الأجنبيّ بضمان الجزء التّالف . أمّا إن هلك بفعل المشتري نفسه ، فإنّه على ضمانه ، ويعتبر ذلك قبضاً . أمّا المالكيّة فقد اعتبروا هلاك المبيع بفعل البائع أو بفعل الأجنبيّ يوجب عوض المتلف على البائع أو الأجنبيّ ، ولا خيار للمشتري ، سواء أكان الهلاك كلّيّاً أم جزئيّاً . أمّا هلاكه أو تعيّبه بآفة سماويّة فهو من ضمان المشتري ، كلّما كان البيع صحيحاً لازماً ، لأنّ الضّمان ينتقل بالعقد ولو لم يقبض المشتري المبيع . واستثنى المالكيّة ستّ صور هي : أ - ما لو كان في المبيع حقّ توفية لمشتريه ، وهو المثليّ من مكيل أو موزون أو معدود حتّى يفرغ في أواني المشتري ، فإذا هلك بيد البائع عند تفريغه فهو من ضمان البائع . ب - السّلعة المحبوسة عند بائعها لأجل قبض الثّمن . ج - المبيع الغائب على الصّفة أو على رؤية متقدّمة ، فلا يدخل ذلك كلّه في ضمان المشتري إلاّ بالقبض . د - المبيع بيعاً فاسداً . هـ - الثّمار المبيعة بعد بدوّ صلاحها ، فلا تدخل في ضمان المشتري إلاّ بعد أمن الجائحة . و - الرّقيق حتّى تنتهي عهدة الثّلاثة الأيّام عقب البيع . لكنّهم فصلّوا في الهلاك الجزئيّ ، فيما إذا كان الباقي أقلّ من النّصف ، أو كان المبيع متّحداً ، فحينئذ للمشتري الخيار . أمّا إذا كان الفائت هو النّصف فأكثر ، وتعدّد المبيع ، فإنّه يلزمه الباقي بحصّته من الثّمن . الآثار المترتّبة على البيع : أوّلاً : انتقال الملك : 60 - يملك المشتري المبيع ، ويملك البائع الثّمن ، ويكون ملك المشتري للمبيع بمجرّد عقد البيع الصّحيح ، ولا يتوقّف على التّقابض ، وإن كان للتّقابض أثره في الضّمان . أمّا في عقد البيع الفاسد عند الحنفيّة فلا يملك المشتري المبيع إلاّ بالقبض وتفصيله في مصطلح ( البيع الفاسد ) . ويترتّب على انتقال الملك في البدلين ما يلي : أ - أن يثبت للمشتري ملك ما يحصل في المبيع من زيادة متولّدة منه ، ولو لم يقبض المبيع . ولا يمنع من انتقال ملكيّة المبيع إلى المشتري كون الثّمن مؤجّلاً . ب - أن تنفذ تصرّفات المشتري في المبيع ، وتصرّفات البائع في الثّمن ، كما لو أحال شخصاً به على المشتري . هذا بعد القبض ، أمّا تصرّف المشتري قبل القبض فإنّه فاسد أو باطل على خلاف وتفصيل ينظر في مصطلح ( بيع ما لم يقبض ) . ج - إذا قبض البائع الثّمن ، ولم يقبض المشتري المبيع ، حتّى لو مات البائع مفلساً ، فإنّ للمشتري حقّ التّقدّم في المبيع على سائر الغرماء . ويكون المبيع في هذه الحال أمانةً في يد البائع ، ولا يدخل في التّركة . د - لا يجوز اشتراط بقاء البائع محتفظاً بملكيّة المبيع إلى حين أداء الثّمن المؤجّل ، أو إلى أجل آخر معيّن . هذا ، ولا يمنع من انتقال الملك في المبيع أو الثّمن كونهما ديوناً ثابتةً في الذّمّة إذا لم يكونا من الأعيان ، لأنّ الدّيون تملك في الذّمم ولو لم تتعيّن ، فإنّ التّعيين أمر زائد عن أصل الملك ، فقد يحصل مقارناً له ، وقد يتأخّر عنه إلى أن يتمّ التّسليم كما لو اشترى مقداراً معلوماً من كمّيّة معينة من الأرز ، فإنّ حصّته من تلك الكميّة لا تتعيّن إلاّ بعد التّسليم ، وكذلك الثّمن إذا كان ديناً في الذّمّة . ثانياً : أداء الثّمن الحالّ : 61 - الأصل في الثّمن الحلول ، وهذا متّفق عليه بين الفقهاء في الجملة ، قال ابن عبد البرّ : الثّمن أبداً حالّ ، إلاّ أن يذكر المتبايعان له أجلاً فيكون إلى أجله . ونقل الأتاسيّ في شرح المجلّة عن السّراج في تعليل ذلك قوله : لأنّ الحلول مقتضى العقد وموجبه . وفي مجلّة الأحكام العدليّة : البيع المطلق ينعقد معجّلاً . ثمّ استثنت المجلّة ما لو جرى العرف في محلّ على أن يكون البيع المطلق مؤجّلاً أو مقسّطاً . كما صرّح المالكيّة بأنّه لا يجوز النّقد في بيع الخيار ، لا في زمن الخيار ، ولا في زمن عهدة الثّلاث في بيع الرّقيق ، ويفسد البيع باشتراط التّعجيل ، ولا يجوز أن يشترط نقد الثّمن في بيع الغائب على اللّزوم ، ويجوز تطوّعاً . وقد تبيّن ممّا سبق أنّ الثّمن إمّا أن يكون معجّلاً ، وإمّا أن يكون مؤجّلاً . والثّمن المؤجّل إمّا أن يكون إلى موعد معيّن لجميع الثّمن ، وإمّا أن يكون منجّماً ( مقسّطاً ) على مواعيد معلومة . ومن جهة أخرى : فإنّ الثّمن إمّا عين معيّنة ، وإمّا دين ملتزم في الذّمّة . ففي الثّمن : إذا كان ديناً يختلف الحكم في أدائه بحسب كونه معجّلاً أو مؤجّلاً أو منجّماً ، فإذا كان مؤجّلاً أو منجّماً يتعيّن أن يكون الأجل معلوماً للمتعاقدين على تفصيل ينظر في بحث ( أجل ) . ولو دفع المشتري بعض الثّمن لم يحقّ له تسلّم المبيع ، ولا تسلّم ما يعادل الجزء المدفوع من الثّمن ، سواء أكان المبيع شيئاً واحداً أو أشياء متعدّدةً ، وسواء فصّل الثّمن على تلك الأشياء ، أم وقع عليها جملةً ، ما دام البيع قد تمّ بصفقة واحدة . هذا ما لم يكن هناك شرط على خلاف ذلك . البدء بتسليم أحد البدلين : 62 - اختلف الفقهاء فيمن يسلّم أوّلاً : البائع أم المشتري حسب نوعي البدلين ، وينقسم ذلك إلى أحوال : الحالة الأولى : أن يكونا معيّنين " المقايضة " أو ثمنين " الصّرف " : 63 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ المتعاقدين يسلّمان معاً تسويةً بدينهما في العينيّة والدّينيّة . وذهب المالكيّة إلى أنّهما يتركان حتّى يصطلحا ، فإن كان بحضرة حاكم وكلّ من يتولّى ذلك لهما . وعند الشّافعيّة في الأظهر : يجبران على التّسليم لاستواء الجانبين ، لأنّ الثّمن المعيّن كالمبيع في تعلّق الحقّ بالعين . وعند الحنابلة : ينصب الحاكم عدلاً بينهما ، يقبض منهما ، ثمّ يسلّمه إليهما قطعاً للنّزاع ، لاستوائهما في تعلّق حقّهما بعين الثّمن والمثمّن ، فيسلّم العدل المبيع أوّلاً ، لجريان العادة بذلك . الحالة الثّانية : أن يكون أحدهما معيّناً والآخر ديناً في الذّمّة : 64 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة ، والشّافعيّة في قول : إلى أنّه يطالب المشتري بالتّسليم أوّلاً ، قال الصّاويّ : لأنّ المبيع في يد بائعه كالرّهن على الثّمن . وتوجيه ذلك أنّ حقّ المشتري تعيّن في المبيع ، فيدفع الثّمن ليتعيّن حقّ البائع بالقبض ، تحقيقاً للمساواة . وذهب الشّافعيّة في المذهب ، والحنابلة : إلى أنّه يجبر البائع على التّسليم أوّلاً ، لأنّ قبض المبيع من تتمّات البيع ، واستحقاق الثّمن مرتّب على تمام البيع ، ولجريان العادة بذلك . أمّا ما يترتّب على إخلال المشتري بأداء الثّمن الحالّ ، وكذلك الثّمن المؤجّل إذا حلّ أجله ، فقد اتّفق الفقهاء على أنّه : إذا كان المشتري موسراً ، فإنّه يجبر على أداء الثّمن الحالّ ، كما ذهب الجمهور في الجملة إلى أنّ للبائع حقّ الفسخ إذا كان المشتري مفلساً ، أو كان الثّمن غائباً عن البلد مسافة القصر . وذهب الحنفيّة إلى أنّه ليس للبائع حقّ الفسخ ، لأنّه يمكنه التّقاضي للحصول على حقّه ، وهو في هذه الحالة دائن ، كغيره من الدّائنين . وهذا عندهم ما لم يشترط لنفسه خيار النّقد ، بأن يقول مثلاً : إن لم تدفع الثّمن في موعد كذا فلا بيع بيننا . واختلف في مقتضى هذا الشّرط ، هل هو انفساخ البيع ، أو استحقاقه الفسخ باعتباره فاسداً ؟ والمرجّح عند الحنفيّة : أنّه يفسد ولا ينفسخ ، وتفصيله في ( خيار النّقد ) وللشّافعيّة والحنابلة تفصيل - في حال إخلال المشتري بأداء الثّمن الحالّ ، لا للفلس ، بل لغياب ماله غيبةً قريبةً في بلده ، أو في أقلّ من مسافة القصر - خلاصته : الحجر على المشتري في المبيع وسائر أمواله حتّى يسلّم الثّمن ، خوفاً من أن يتصرّف في ماله تصرّفاً يضرّ بالبائع . أمّا إن كان المال غائباً مسافة القصر فأكثر ، فإنّه لا يكلّف البائع الصّبر إلى إحضاره ، بل يحجر على المبيع ومال المشتري كما سبق . ويملك البائع الفسخ في الأصحّ للشّافعيّة ، وهو وجه للحنابلة ، وهذا فضلاً عن حقّه في حبس مبيعه حتّى يقبض ثمنه . وعند الحنابلة وجه بأنّه : لا خيار للبائع في الفسخ فيما دون مسافة القصر ، لأنّه بمنزلة الحاضر . والقول الآخر للشّافعيّة ليس له الفسخ ، بل يباع المبيع ، ويؤدّى حقّه من الثّمن كسائر الدّيون . اشتراط التّرادّ بالتّخلّف عن الأداء : 65 - ممّا يتّصل بما سبق عن الحنفيّة - من إثبات حقّ الفسخ إذا اشترطه لعدم الأداء في الموعد المحدّد ، وهو ما يسمّى ( خيار النّقد ) - تصريح المالكيّة بمثله فيما إذا قال البائع للمشتري : بعتك لوقت كذا ، أو على أن تأتيني بالثّمن في وقت كذا ، فإن لم تأت به في ذلك الوقت فلا بيع بيننا ، فقد جاء في المدوّنة تصحيح البيع وبطلان الشّرط . وروي عن مالك قولان آخران : صحّة البيع والشّرط . وفسخ البيع . وتفصيله في ( خيار النّقد ) . هذا وإذا كان الثّمن مؤجّلاً ، فإنّ على البائع تسليم المبيع ، ولا يطالب المشتري بتسليم الثّمن إلاّ عند حلول الأجل . وكذلك إذا كان الثّمن منجّماً . وقد صرّح الشّافعيّة أنّه في الثّمن المؤجّل ليس للبائع حبس المبيع به ، وإن حلّ قبل التّسليم لرضاه بتأخيره . أمّا إذا كان بعض الثّمن معجّلاً وبعضه مؤجّلاً ، فإنّ للبعض المعجّل حكم تعجيل الثّمن كلّه ، فلا يطالب المشتري البائع بتسليم المبيع ، إلاّ بعد تسليم الجزء المعجّل من الثّمن . ولا بدّ في جميع الأحوال من أن يكون الأجل معلوماً ، فإذا كان كذلك جاز البيع مهما طال ولو إلى عشرين سنةً . وتفصيله في ( أجل ) . وقد صرّح المالكيّة بأنّه لا بأس ببيع أهل السّوق على التّقاضي ، وقد عرفوا قدر ذلك بينهم . والتّقاضي : تأخير المطالبة بالدّين إلى مدًى متعارف عليه بين المتعاقدين . ومن حقّ المشتري إذا كان المبيع معيباً ، أو ظهر أنّه مستحقّ أن يمتنع من أداء الثّمن ، إلى أن يستخدم حقّه في العيب فسخاً أو طلباً للأرش أو إلى أن يتبيّن أمر الاستحقاق . ويجوز تأخير الدّين الحالّ ، أو المؤجّل بأجل قريب إلى أجل بعيد ، وأخذ مساوي الثّمن أو أقلّ منه من جنسه لأنّه تسليف أو تسليف مع إسقاط البعض وهو من المعروف ، ولكن لا يجوز . تأخير رأس مال السّلم . وأجاز المالكيّة تأخير رأس المال في حدود ثلاثة أيّام ولو بشرط . ثالثاً : تسليم المبيع : 66 - قال ابن رشد الحفيد : أجمعوا على أنّه لا يجوز بيع الأعيان إلى أجل ، ومن شرطها تسليم المبيع إلى المبتاع بإثر عقد الصّفقة . وقال التّسوّليّ في البهجة شرح التّحفة : يجب تسليم المبيع المعيّن ، لأنّ وجوب التّسليم حقّ للّه ، والعقد يفسد بالتّأخير . وأجرة الكيل والوزن أو العدّ على البائع ، إذ لا تحصل التّوفية إلاّ به . قال ابن قدامة : لأنّ على البائع تقبيض المبيع للمشتري ، والقبض لا يحصل إلاّ بذلك . أمّا أجرة عدّ الثّمن وكيله ووزنه فعلى المشتري ، وأجرة نقل المبيع المحتاج إليه في تسليم المبيع المنقول على المشتري . وتسليم المبيع أهمّ الأثّار الّتي يلتزم بها البائع في عقد البيع ، وهو يثبت عند تسليم الثّمن الحالّ ( أمّا في الثّمن المؤجّل فلا يتوقّف تسليم المبيع على أدائه ) ولا يتحقّق تسليم المبيع إلاّ إذا سلّم للمشتري خالياً من أيّ شاغل ، أي كانت العين قابلةً لكمال الانتفاع بها . فإذا كان مشغولاً لم يصحّ التّسليم ، وأجبر البائع على تفريغ المبيع . ومن صور شغل المبيع : أن يكون محلاً لعقد إجارة أبرمه البائع ، فإن رضي المشتري بالانتظار إلى نهاية مدّة الإجارة لم تكن له المطالبة بالتّسليم ، ولكن يحقّ له حبس الثّمن إلى أن تنتهي الإجارة ، ويصبح المبيع قابلاً للتّسليم . وكما يجب تسليم المبيع يجب تسليم توابعه . يختلف حكم القبض بين المثليّ من مكيل أو موزون أو معدود ، وبين غيره من عقار أو حيوان ونحوه . ففي قبض العقار تكفي التّخلية اتّفاقاً بشرط فراغه من أمتعة البائع ، فلو جمعت أمتعة البائع في غرفة صحّ قبض ما عداها ، وتوقّف قبضها على تفريغها . لكن لو أذن البائع للمشتري بقبض الدّار والمتاع صحّ التّسليم ، لأنّ المتاع صار وديعةً عند المشتري . ومن عبارات المالكيّة : أنّ العقار إن كان أرضاً فقبضه بالتّخلية ، وإن كان داراً للسّكنى فقبضها بالإخلاء . فإن لم يحضر العاقدان العقار المبيع . فقد ذهب الشّافعيّة في الأصحّ ( ونقل مثله عن بعض الحنفيّة في العقار البعيد عن العاقدين ) إلى أنّه يعتبر مرور زمن يمكن فيه المضيّ إلى العقار ، لأنّه إذا لم يعتبر حضور العاقدين إلى العقار للمشقّة ، فلا مشقّة في اعتبار مضيّ الزّمان ، ويبدو أنّ الحكمة في ذلك الأمن من تداخل الضّمانين . أمّا المنقول ، فقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى : أنّ قبض المكيل والموزون والمعدود باستيفاء الكيل أو الوزن أو العدّ . وقال الشّافعيّة : لا بدّ مع ذلك من النّقل . وهذا ما لم يبع جزافاً ، فيحصل قبضه بالنّقل ، على خلاف وتفصيل . ر : ( بيع الجزاف ) . وأمّا غير ذلك من الحيوان والعروض ، فإنّ قبضها بحسب العرف ، كتسليم الثّوب وزمام الدّابّة وسوقها أو عزلها عن دوابّ البائع أو انصراف البائع عنها . ولم يفرّق الحنفيّة - وهي رواية عن أحمد - بين المكيلات والموزونات والمعدودات وبين غيرها . فالتّخلية قبض في الجميع ، حتّى لو كانت التّخلية في بيت البائع فإنّها صحيحة . فإن هلك المبيع بعدئذ هلك من ضمان المشتري ، لأنّه كالوديعة عنده . وينوب القبض السّابق للمبيع عن تجديد قبضه ، إذا كان قد قبض على سبيل الضّمان ، بأن كان المشتري قد غصبه من البائع قبل أن يشتريه منه ، فإنّ ذلك القبض يغني ، لأنّه قبض قويّ بمنزلة قبض المشتري ما اشتراه ، إذ تبعة هلاكه في الحالين على القابض . أمّا إذا كان القبض السّابق من قبيل قبض الأمانة ، كقبض المستعير والوديع - وهو ما لا ضمانه ممّن هو بيده في حال هلاكه دون تعدّ أو تقصير - فيعتبر ذلك القبض ضعيفاً لا ينوب عن قبض الضّمان . انتهاء البيع : 67 - بالإضافة إلى ما سبق الكلام عنه من انفساخ البيع بسبب بعض حالات الهلاك الكلّيّ ، فإنّ البيع ينتهي بتمام آثاره من تسليم وتسلّم . وينتهي البيع أيضاً بالإقالة . وتفصيل الكلام عنها في مصطلح ( إقالة ) . بيع الاستجرار * التّعريف : 1 - البيع : مبادلة المال بالمال تمليكاً وتملّكاً . والاستجرار لغةً : الجذب والسّحب ، وأجررته الدّين : أخّرته له . وبيع الاستجرار : أخذ الحوائج من البيّاع شيئاً فشيئاً ، ودفع ثمنها بعد ذلك . الألفاظ ذات الصّلة : البيع بالتّعاطي : 2 - المعاطاة والتّعاطي : المناولة والمبادلة . والبيع بالتّعاطي : أن يتقابض البائع والمشتري من غير صيغة ، أي إنّ البائع يعطي المبيع ولا يتلفّظ بشيء ، والمشتري يعطي الثّمن كذلك . والفرق بين بيع الاستجرار والتّعاطي هو : أنّ بيع الاستجرار أعمّ ، لأنّه قد يكون بإيجاب وقبول ، وقد يكون بالتّعاطي ، كما أنّ الغالب في الاستجرار تأجيل الثّمن ، وعدم تحديده في بعض الصّور . الأحكام المتعلّقة ببيع الاستجرار : تتعدّد صور بيع الاستجرار ، ولذلك تختلف أحكامه من صورة لأخرى ، وبيان ذلك فيما يلي : مذهب الحنفيّة : صور بيع الاستجرار الّتي وردت عند الحنفيّة هي : 3 - الصّورة الأولى : أن يأخذ الإنسان من البيّاع ما يحتاج إليه شيئاً فشيئاً ممّا يستهلك عادةً ، كالخبز والملح والزّيت والعدس ونحوها ، مع جهالة الثّمن وقت الأخذ ، ثمّ يشتريها بعد استهلاكها . فالأصل عدم انعقاد هذا البيع ، لأنّ المبيع معدوم وقت الشّراء ، ومن شرائط المعقود عليه أن يكون موجوداً ، لكنّهم تسامحوا في هذا البيع وأخرجوه عن هذه القاعدة ( اشتراط وجود المبيع ) وأجازوا بيع المعدوم هنا استحساناً ، وذلك كما في البحر الرّائق والقنية . وقال بعض الحنفيّة : ليس هذا بيع معدوم ، إنّما هو من باب ضمان المتلفات بإذن مالكها عرفاً ، تسهيلاً للأمر ودفعاً للحرج ، كما هو العادة . ولم يرتض الحمويّ وغيره هذا المعنى . وقال ابن عابدين : إنّ المسألة استحسان ، ويمكن تخريجها على قرض الأعيان ، ويكون ضمانها بالثّمن استحساناً ، كحلّ الانتفاع في الأشياء القيميّة ، لأنّ قرضها فاسد لا يحلّ الانتفاع به وإن ملّكت بالقبض . 4 - الصّورة الثّانية : وهي نفس الصّورة الأولى ، لكن تختلف عنها بالنّسبة لمعرفة الثّمن ، أي إنّ الإنسان يأخذ ما يحتاج إليه شيئاً فشيئاً مع العلم بالثّمن وقت الأخذ ، ثمّ يحاسبه بعد ذلك . وهذا البيع جائز ولا خلاف في انعقاده ، لأنّه كلّما أخذ شيئاً انعقد بيعاً بثمنه المعلوم ، ويكون بيعاً بالتّعاطي ، والبيع بالتّعاطي ينعقد ، سواء أدفع الثّمن وقت الأخذ أم تأجّل . ومثلها في الحكم : أن يدفع الإنسان إلى البيّاع الدّراهم دون أن يقول له : اشتريت ، وجعل يأخذ كلّ يوم خمسة أرطال مع العلم بثمنها . هذا البيع جائز ، وما أكله حلال ، لأنّه وإن كانت نيّته الشّراء وقت الدّفع إلاّ أنّه لا ينعقد بيعاً بمجرّد النّيّة ، وإنّما انعقد بيعاً الآن بالتّعاطي ، والآن المبيع معلوم فينعقد البيع صحيحاً . 5- الصّورة الثّالثة : أن يدفع الإنسان إلى البيّاع دراهم ، ويقول له : اشتريت منك مائة رطل من خبز مثلاً ، وجعل يأخذ كلّ يوم خمسة أرطال . هذا البيع فاسد ، وما أكل فهو مكروه ، وذلك لجهالة المبيع ، لأنّه اشترى خبزاً غير مشار إليه فكان المبيع مجهولاً ، ومن شرائط صحّة البيع : أن يكون المبيع معلوماً . 6- الصّورة الرّابعة : وهي أن يدفع الإنسان الدّراهم للبيّاع دون أن يقول له : اشتريت ، وجعل يأخذ كلّ يوم خمسة أرطال ولا يعلم ثمنها . فهذا لا ينعقد بيعاً بالتّعاطي لجهالة الثّمن ، فإذا تصرّف الآخذ في المبيع ، وقد دفعه البيّاع برضاه بالدّفع وبالتّصرّف فيه على وجه التّعويض عنه ، لم ينعقد بيعاً ، وإن كان على نيّة البيع ، لأنّ البيع لا ينعقد بالنّيّة ، فيكون شبيه القرض المضمون بمثله أو بقيمته ، فإذا توافقا على شيء بدل المثل أو القيمة برئت ذمّة الآخذ . مذهب المالكيّة : الصّور الّتي وردت عند المالكيّة هي : 7 - أن يضع الإنسان عند البيّاع دراهم ، ثمّ يأخذ بجزء معلوم من الدّراهم سلعةً معلومةً وهكذا . فهذا البيع صحيح ، لأنّ السّلعة معلومة والثّمن معلوم . 8- أن يضع عند البيّاع درهماً ، ويقول له : آخذ به منك كذا وكذا من التّمر مثلاً ، أو كذا وكذا من اللّبن أو غير ذلك . يقدّر معه فيه سلعةً ما ، ويقدّر ثمنها قدراً ما ، ويترك السّلعة يأخذها متى شاء ، أو يؤقّت لها وقتاً يأخذها فيه ، فهذا البيع جائز أيضاً . 9- أن يترك عند البيّاع درهماً في سلعة معيّنة أو غير معيّنة ، على أن يأخذ منها في كلّ يوم بسعره ، وعقدا على ذلك البيع ، فهذا البيع غير جائز ، لأنّ ما عقدا عليه من الثّمن مجهول ، وذلك من الغرر الّذي يمنع صحّة البيع . 10 - أن يأخذ الإنسان من البيّاع ما يحتاج إليه بسعر معلوم ، فيأخذ كلّ يوم وزناً معلوماً بسعر معلوم ، والثّمن إلى أجل معلوم ، أو إلى العطاء إذا كان العطاء معلوماً مأموناً ، فهذا البيع جائز . مذهب الشّافعيّة : لبيع الاستجرار عند الشّافعيّة صورتان : 11 - إحداهما : أن يأخذ الإنسان من البيّاع ما يحتاجه شيئاً فشيئاً ، ولا يعطيه شيئاً ، ولا يتلفّظان ببيع ، بل نويا أخذه بثمنه المعتاد ، ويحاسبه بعد مدّة ويعطيه ، كما يفعل كثير من النّاس . قال النّوويّ : هذا البيع باطل بلا خلاف - أي عند الشّافعيّة - لأنّه ليس ببيع لفظيّ ولا معاطاةً . قال الأذرعيّ : وهذا ما أفتى به البغويّ ، وذكر ابن الصّلاح نحوه في فتاويه . وتسامح الغزاليّ فأباح هذا البيع ، لأنّ العرف جار به ، وهو عمدته في إباحته . وقال الأذرعيّ : قول النّوويّ - إنّ هذا لا يعدّ معاطاةً ولا بيعاً - فيه نظر ، بل يعدّه النّاس بيعاً ، والغالب أن يكون قدر ثمن الحاجة معلوماً لهما عند الأخذ والعطاء ، وإن لم يتعرّضا له لفظاً . 12 - الثّانية : أن يقول الإنسان للبيّاع : أعطني بكذا لحماً أو خبزاً مثلاً ، فيدفع إليه مطلوبه فيقبضه ويرضى به ، ثمّ بعد مدّة يحاسبه ويؤدّي ما اجتمع عليه ، فهذا البيع مجزوم بصحّته عند من يجوّز المعاطاة . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية