الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41105" data-attributes="member: 329"><p>القسم الثّاني : بيع تكون التّلجئة فيه في الثّمن أو البدل : </p><p>وهو أيضاً على ضربين .</p><p>10 - الضّرب الأوّل : بيع تكون التّلجئة فيه في قدر الثّمن . </p><p>ومثاله أن يتواضعا في السّرّ والباطن على أنّ الثّمن ألف ، ثمّ يتبايعا في الظّاهر بألفين ، فهل العبرة في مثل هذا البيع بالظّاهر أو الباطن ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين : أحدهما : أنّ العبرة بالظّاهر ، أي بما تعاقدا عليه ، وهو الثّمن المعلن . </p><p>ذهب إلى ذلك أبو حنيفة فيما رواه عنه أبو يوسف . وهو ما ذهب إليه الشّافعيّة ، وهو أظهر الوجهين عند الحنابلة ، وقطع به القاضي . </p><p>ثانيهما : أنّ العبرة بالباطن ، أي بما اتّفقا عليه سرّاً ، وهذا القول رواه محمّد في الإملاء من غير خلاف ، وهو قول أبي يوسف أيضاً . وهو أيضاً ما ذهب إليه الحنابلة على أحد الوجهين عندهم ، وهو مذهب المالكيّة على ما نصّوا عليه في مهر السّرّ ومهر العلانية . ووجه القول بأنّ الثّمن هو الثّمن المعلن : هو أنّ المذكور في العقد هو الّذي يصحّ العقد به ، وما ذكراه سرّاً لم يذكراه حالة العقد ، فسقط حكمه ، وأيضاً فإنّ الاتّفاق السّابق ملغًى ، بدليل أنّهما لو اتّفقا على شرط فاسد ثمّ عقدا بلا شرط صحّ العقد . </p><p>ووجه القول بأنّ الثّمن هو ثمن السّرّ : هو أنّهما اتّفقا على أنّهما لم يقصدا الألف الزّائدة ، فكأنّهما هزلا بها . أي فلا تضمّ إلى الثّمن ، ويبقى الثّمن هو الثّمن الّذي اتّفقا عليه في السّرّ ، وهذا عند الحنفيّة والحنابلة القائلين بفساد بيع الهازل . </p><p>وأمّا عند الشّافعيّة القائلين بصحّته - في أصحّ الوجهين - فتضمّ إلى الثّمن . هذا ، ويفهم ممّا ذكره صاحب البدائع من أنّ المعتبر هل هو ثمن السّرّ أو الثّمن المعلن ، أنّ محلّه إن قالا عند المواضعة : إنّ أحد الألفين المعلنين رياء وسمعة ، أمّا إذا لم يقولا ذلك عند المواضعة فالثّمن ما تعاقدا عليه ، لأنّ الثّمن اسم للمذكور عند العقد ، والمذكور عند العقد ألفان .</p><p>11 - الضّرب الثّاني : بيع تكون فيه التّلجئة في جنس الثّمن . </p><p>ومثال ذلك : أن يتّفقا في السّرّ على أنّ الثّمن ألف درهم ، ثمّ يظهرا البيع بمائة دينار ، فهل يبطل هذا البيع أو يصحّ بالثّمن المعلن ؟ </p><p>ذهب محمّد إلى أنّ هذا البيع يبطل قياساً ، ويصحّ استحساناً ، أي بالثّمن المعلن . </p><p>ومحلّه - كما جاء في البدائع - إن قالا عند المواضعة : إنّ الثّمن المعلن رياء وسمعة ، فإن لم يقولا ذلك فالثّمن ما تعاقدا عليه ، لأنّ الثّمن اسم للمذكور عند العقد ، والمذكور عند العقد إنّما هو مائة دينار . </p><p>ووجه بطلان هذا البيع على القياس : هو أنّ ثمن السّرّ لم يذكراه في العقد ، وثمن العلانية لم يقصداه فقد هزلا به ، فسقط وبقي بيعاً بلا ثمن فلا يصحّ . </p><p>ووجه صحّته استحساناً : هو أنّهما لم يقصدا بيعاً باطلاً بل بيعاً صحيحاً ، فيجب حمله على الصّحّة ما أمكن ، ولا يمكن حمله على الصّحّة إلاّ بثمن العلانية ، فكأنّهما انصرفا عمّا شرطاه في الباطن ، فتعلّق الحكم بالظّاهر ، كما لو اتّفقا على أن يبيعاه بيع تلجئة فتواهبا ، بخلاف الألف والألفين ، لأنّ الثّمن المذكور المشروط في السّرّ مذكور في العقد وزيادة ، فتعلّق العقد به . </p><p>12 - هذا وذكر صاحب البدائع أيضاً أنّ هذا كلّه إذا اتّفقا في السّرّ ولم يتعاقدا في السّرّ ، أمّا إذا اتّفقا في السّرّ وتعاقدا أيضاً في السّرّ بثمن ، ثمّ تواضعا على أن يظهرا العقد بأكثر منه أو بجنس آخر ، فإن لم يقولا : إنّ العقد الثّاني رياء وسمعة فالعقد الثّاني يرفع العقد الأوّل ، والثّمن هو المذكور في العقد الثّاني ، لأنّ البيع يحتمل الفسخ والإقالة ، فشروعهما في العقد الثّاني إبطال للأوّل ، فبطل الأوّل وانعقد الثّاني بما سمّي عنده . وإن قالا : رياء وسمعة ، فإن كان الثّمن من جنس آخر فالعقد هو العقد الأوّل ، لأنّهما لمّا ذكرا الرّياء والسّمعة فقد أبطلا المسمّى في العقد الثّاني ، فلم يصحّ العقد الثّاني ، فبقي العقد الأوّل . </p><p>وإن كان من جنس الأوّل فالعقد هو العقد الثّاني ، لأنّ البيع يحتمل الفسخ ، فكان العقد هو العقد الثّاني لكن بالثّمن الأوّل ، والزّيادة باطلة لأنّهما أبطلاها حيث هزلا بها .</p><p>13 - وأمّا الشّافعيّة فإنّ البيع يصحّ عندهم بالثّمن المعلن ، ولا أثر للاتّفاق السّابق لأنّه ملغًى ، فصار كما لو اتّفقا على شرط فاسد ، ثمّ تبايعا بلا شرط .</p><p>14 - وأمّا الحنابلة ، فقد جاء في الفروع في كتاب الصّداق : أنّهما لو اتّفقا قبل البيع على ثمن ، ثمّ عقدا البيع بثمن آخر أنّ فيه وجهين : </p><p>أحدهما : أنّ الثّمن ما اتّفقا عليه . والثّاني : ما وقع عليه العقد كالنّكاح .</p><p>15 - وأمّا المالكيّة ، فإنّهم لم يصرّحوا في كتبهم ببيع التّلجئة كغيرهم ، وإنّما ذكروا بيع المكره والمضغوط وبيع الهازل ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ، لكنّهم تكلّموا عن عقد النّكاح وتسمية مهر للسّرّ ومهر للعلانية ، وبيّنوا أنّ العمل بمهر السّرّ إذا كانت هناك بيّنة تشهد على أنّ مهر العلن لا عبرة به ، وإنّما ذكر للأبّهة والفخر . فإذا لم تكن هناك بيّنة واتّفق الزّوجان على مهر السّرّ عمل به ، فإن اختلفا حلّفت الزّوجة الزّوج إن ادّعت الرّجوع عن صداق السّرّ القليل إلى صداق العلانية الكثير ، فإن حلف عمل بصداق السّرّ ، وإن نكل حلفت الزّوجة على الرّجوع وعمل بصداق العلانية ، فإن نكلت عمل بصداق السّرّ .</p><p>16 - هذا ، وذكر صاحب التّبصرة في القضاء بشهادة الاسترعاء : أنّ الاسترعاء في البيوع لا يجوز ، مثل أن يشهد قبل البيع أنّه راجع في البيع ، وأنّ بيعه لأمر يتوقّعه ، لأنّ المبايعة خلاف ما يتطوّع به ، وقد أخذ البائع فيه ثمناً وفي ذلك حقّ للمبتاع ، إلاّ أن يعرف الشّهود الإكراه على البيع والإخافة ، فيجوز الاسترعاء إذا انعقد قبل البيع ، وتضمّن العقد شهادة من يعرف الإخافة والتّوقّع الّذي ذكره . وهذا يفيد أنّ المكره على البيع لأمر يتوقّعه أو يخافه لا يلزمه البيع عند المالكيّة ، بل له أن يرجع فيه حتّى بعد أن يقبض الثّمن ، ما دام شهود الاسترعاء قد عرفوا الإكراه على البيع وسبب الإخافة .</p><p>أثر الاختلاف بين البائع والمشتري :</p><p>17 - لو ادّعى أحدهما بيع التّلجئة ، وأنكر الآخر ، فإن جاء مدّعي التّلجئة ببيّنة قبلت ، وإلاّ فالقول لمدّعي الأصل وهو عدم التّلجئة بيمينه . ولو قدّم كلّ منهما بيّنةً قدّمت بيّنة مدّعي التّلجئة ، لأنّه يثبت خلاف الظّاهر . </p><p>ولو تبايعا في العلانية ، فإن اعترفا ببنائه على التّلجئة ، فالبيع في العلانية باطل باتّفاقهما على أنّهما هزلا به ، وإلاّ فالبيع لازم . وهذا بناءً على ما ذهب إليه القائلون بصحّة بيع السّرّ وبطلان البيع المعلن ، وهم أبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة ، وهو المذهب عند الحنابلة ، والمفهوم من مذهب المالكيّة . </p><p>أمّا من ذهب إلى صحّة البيع الثّاني وبطلان الاتّفاق المسبق في السّرّ ، فلا ترد هذه التّفصيلات عندهم ، وهم أبو حنيفة والشّافعيّة والقاضي من الحنابلة . </p><p>هذا من حيث الجملة ، وتنظر تفصيلات المسألة والخلاف فيها في مباحث البيع والدّعوى .</p><p></p><p>بيع التّولية *</p><p>انظر : تولية .</p><p></p><p>بيع الثّنيّة *</p><p>انظر : بيع الوفاء .</p><p></p><p>البيع الجبريّ *</p><p>تعريفه :</p><p>1 - البيع الجبريّ مركّب من لفظين : " البيع " و"الجبريّ " فالبيع مبادلة مال بمال على وجه مخصوص . والجبريّ : من جبره على الأمر جبراً : حمله عليه قهراً . </p><p>فالبيع الجبريّ في استعمال الفقهاء هو : البيع الحاصل من مكره بحقّ ، أو البيع عليه نيابةً عنه ، لإيفاء حقّ وجب عليه ، أو لدفع ضرر ، أو تحقيق مصلحة عامّة .</p><p>الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>أ - الإكراه على البيع :</p><p>2 - الإكراه في اللّغة : حمل الإنسان على أمر بغير اختياره . </p><p>وفي الشّرع : فعل يوجده المكرِه فيدفع المكرَه إلى ما طلب منه . </p><p>فالفرق بينه وبين البيع الجبريّ : أنّ البيع الجبريّ لا يكون إلاّ بحقّ ، أمّا البيع بالإكراه فهو في الأصل أعمّ ، لكنّ الغالب إطلاقه على الإكراه بلا حقّ .</p><p>ب - بيع التّلجئة :</p><p>3 - بيع التّلجئة في اصطلاح الفقهاء : أن يظهرا عقداً وهما لا يريدانه ، يلجأ إليه صاحب المال خوفاً من عدوّ أو سلطان جائر . </p><p>فالفرق بينه وبين البيع الجبريّ أنّ بيع التّلجئة فيه صورة البيع لا حقيقته .</p><p>حكمه التّكليفيّ :</p><p>4 - يختلف حكم البيع الجبريّ باختلاف سببه ، فإن كان لإيفاء حقّ ، كبيع ماله لإيفاء دين حالّ ، وبطلب صاحب الحقّ فهو واجب ، وكذا إذا كان لمصلحة عامّة ، كتوسعة المسجد الّذي ضاق على المصلّين ، أو الطّريق العامّ . </p><p>ويقوم البيع في الفقه الإسلاميّ - كسائر العقود القوليّة - على التّراضي الحرّ على إنشائه من الجانبين لقوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا لا تأْكلوا أموالَكم بَيْنَكم بالباطلِ إلاّ أنْ تكونَ تِجَارةً عن تَرَاضٍ منكم } وخبر : « إنّما البيعُ عن تَرَاض » ولا يقرّ الفقهاء بيعاً لم يقم على التّراضي من الجانبين : البائع والمشتري ، إلاّ ما توجبه المصلحة العامّة لإحقاق حقّ ، أو تحقيق مصلحة عامّة ، أو دفع ضرر خاصّ أو عامّ ، وهو ما يسمّى في عرفهم : الإكراه المشروع ، أو الإكراه بحقّ . ومنها : العقود الجبريّة الّتي يجريها الحاكم ، إمّا مباشرةً نيابةً عمّن يجب عليه إجراؤها ، إذا امتنع عنها ، أو يجبر هو على إجرائها . </p><p>ويذكر الفقهاء أمثلةً للجبر المشروع على البيع منها : </p><p>إجبار المدين على بيع ماله :</p><p>5 - يجبر المدين على بيع ماله لإيفاء دين حالّ ، إذا امتنع عن أدائه وله مال ظاهر ، فيجبره الحاكم على وفاء الدّين بالتّعزير عليه بالحبس أو الضّرب ، فإن أصرّ على الامتناع قضى الحاكم الدّين من ماله جبراً عليه ، إذا كان له مال ظاهر من جنس الدّين . </p><p>هذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء . أمّا إذا كان ماله من غير جنس الدّين كالعقار والعروض ، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الإمام يبيع ماله عليه جبراً نيابةً عنه . </p><p>وعند الإمام أبي حنيفة ، لا يبيع الحاكم ماله عليه ، بل يحبسه حتّى يقوم بإيفاء الدّين ببيع ماله أو غيره ، لأنّ ولاية الحاكم - في نظر الإمام - على من عليه الدّين ، لا على ماله ، فلم ينفذ بيعه في ماله بغير إذنه ، ولأنّ البيع تجارة ولا يصحّ إلاّ بتراض ، وفيه أيضاً نوع من الحجر الّذي لا يجيزه أبو حنيفة . وقد خالفه صاحباه في ذلك ، فأجازا بيع الحاكم ماله لوفاء دينه بيعاً جبريّاً ، ورأيهما هو المفتى به في المذهب .</p><p>بيع المرهون :</p><p>6 - إذا رهن عيناً بدين حالّ أو مؤجّل ، وحلّ الأجل ، وامتنع المدين عن أداء الدّين أجبره الحاكم على بيع المرهون ، أو باع عليه نيابةً عنه ، لأنّه حقّ وجب عليه ، فإذا امتنع عن أدائه قام الحاكم مقامه في أدائه ، كالإيفاء في جنس الدّين . وللتّفصيل ر : ( رهن ) . وقال الإمام أبو حنيفة : لا يبيع عرضه ولا عقاره ، بل يحبسه حتّى يرضى ببيع ماله أو بغيره .</p><p>جبر المحتكر :</p><p>7 - إذا كان عند إنسان طعام فاضل عن حاجته ، يحتاج إليه النّاس وامتنع عن بيعه لهم ، أجبره الحاكم على بيعه دفعاً للضّرر . وللتّفصيل ر : ( احتكار ) .</p><p>الجبر على البيع للنّفقة الواجبة :</p><p>8 - إذا امتنع المكلّف عن الإنفاق على من تجب عليه نفقته كالزّوجة والأولاد والأبوين ، ولم يعرف له نقد ظاهر باع الحاكم عروضه أو عقاره للإنفاق عليهم . </p><p>وينظر التّفصيل في ( النّفقة ) .</p><p>الأخذ بالشّفعة جبراً :</p><p>9 - الشّفعة حقّ منحه الشّرع للشّريك القديم ، أو الجار الملاصق ، فيتملّك الشّقص المبيع عن مشتريه بما قام عليه من الثّمن والتّكاليف جبراً عليه . </p><p>وللتّفصيل انظر مصطلح ( شفعة ) .</p><p></p><p>بيع الجزاف *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - الجزاف اسم من جازف مجازفةً من باب قاتل ، والجُزاف بالضّمّ خارج عن القياس والقياس بكسر الجيم . وهو في اللّغة من الجزف ، أي الأخذ بكثرة ، وجزف في الكيل جزفاً : أكثر منه . ويقال لمن يرسل كلامه إرسالاً من غير قانون : جازف في كلامه ، فأقيم نهج الصّواب في الكلام مقام الكيل والوزن . وبيع الجزاف اصطلاحاً : هو بيع ما يكال ، أو يوزن ، أو يُعَدّ ، جملةً بلا كيل ولا وزن ، ولا عدّ . </p><p>الحكم التّكليفيّ :</p><p>2 - الأصل أنّ من شرط صحّة عقد البيع أن يكون المبيع معلوماً ، ولكن لا يشترط العلم به من كلّ وجه ، بل يشترط العلم بعين المبيع وقدره وصفته ، وفي بيع الجزاف يحصل العلم بالقدر ، كبيع صبرة طعام ، دون معرفة كيلها أو وزنها ، وبيع قطيع الماشية دون معرفة عددها ، وبيع الأرض دون معرفة مساحتها ، وبيع الثّوب دون معرفة طوله . </p><p>وبيع الجزاف استثني من الأصل لحاجة النّاس واضطرارهم إليه ، بما يقتضي التّسهيل في التّعامل . قال الدّسوقيّ : الأصل في بيع الجزاف منعه ، ولكنّه خفّف فيما شقّ علمه من المعدود ، أو قلّ جهله في المكيل والموزون . </p><p>ودليله حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - « كنّا نشتري الطّعام من الرّكبان جزافاً ، فنهانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتّى ننقله من مكانه » . وفي رواية : « رأيت النّاس في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطّعام جزافاً يضربون في أن يبيعوه في مكانه ، وذلك حتّى يؤووه إلى رحالهم » . وفي رواية : « يحوّلوه » وفي أخرى : أنّ عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما كان يشتري الطّعام جزافاً فيحمله إلى أهله فدلّ على أنّهم كانوا يتعاملون ببيع الجزاف ، فيكون هذا دالّاً على جوازه ، وألفاظ الرّواية تدلّ على أنّه كان في عهد الرّسول صلى الله عليه وسلم ، ممّا يفيد حكم الرّفع . ولهذا اتّفق الفقهاء على جوازه من حيث الجملة ، والأظهر عند الشّافعيّة جوازه مع الكراهة .</p><p>شروط بيع الجزاف :</p><p>3 - اشترط المالكيّة لجواز بيع الجزاف ستّة شروط : </p><p>- أ - أن يرى المبيع جزافاً حال العقد ، أو قبله إذا استمرّ على حاله إلى وقت العقد دون تغيير ، وهذا ما لم يلزم على الرّؤية فساد المبيع ، كقلال الخلّ المطيّنة يفسدها فتحها ، فيكتفى برؤيتها في مجلس العقد . </p><p>- ب - أن يجهل المتبايعان معاً قدر الكيل أو الوزن أو العدد ، فإن كان أحدهما يعلم قدرها فلا يصحّ . </p><p>- ج - أن يحزرا ويقدّرا قدره عند إرادة العقد عليه . </p><p>- د - أن تستوي الأرض الّتي يوضع عليها المبيع . </p><p>- هـ - ألا يكون ما يراد بيعه جزافاً كثيراً جدّاً ، لتعذّر تقديره . سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً . كما يشترط ألا يقلّ جدّاً إن كان معدوداً ، لأنّه لا مشقّة في معرفة قدره بالعدّ . أمّا إن كان مكيلاً أو موزوناً فيجوز وإن قلّ جدّاً . </p><p>- و-أن يشقّ عدّه ولا تقصد أفراده بالبيع ، سواء قلّ ثمنه أو لم يقلّ كالبيض . </p><p>وإذا قصدت أفراده جاز بيعه جزافاً إن قلّ ثمنه بالنّسبة لبعضها مع بعض . ومنع من بيعه جزافاً إن لم يقلّ ثمنها كالثّياب . </p><p>أمّا إذا لم يشقّ عدّه لم يجز أن يباع جزافاً ، سواء أقصدت أفراده أم لم تقصد ، قلّ ثمنها أو لم يقلّ . وانفرد المالكيّة في تفصيل الشّروط على هذا النّحو ، وإن كان منها ما شاركهم غيرهم في اعتبارها ، كما في الشّرط الأوّل والثّاني والرّابع . كما سيأتي تفصيله .</p><p>ولبيع الجزاف صور تختلف أحكامها على التّفصيل التّالي : </p><p>بيع الصّبرة جزافاً :</p><p>4 - الصّبرة هي : الكومة المجتمعة من الطّعام ونحوه . </p><p>والصّبرة المجهولة القدر المعلومة بالرّؤية ، إمّا أن تباع بثمن إجماليّ ، وإمّا أن تباع على أساس السّعر الإفراديّ ، كما لو قال : كلّ صاع منها بكذا . </p><p>فأمّا النّوع الأوّل ، فقد قال ابن قدامة : لا نعلم في جوازه خلافاً إن كان ممّا يتساوى أجزاؤه . ويشترط عند الجميع أن لا يكون من الأموال الرّبويّة إذا بيع شيء منها بجنسه كما يأتي . وأمّا الثّاني : وهو بيع الصّبرة الّتي يجهل مقدار كيلها أو وزنها على أساس سعر وحدة الكيل أو الوزن ، فقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن وأبو يوسف من الحنفيّة : إلى جواز بيع الصّبرة الّتي يجهل عدد صيعانها مجازفةً ، بأن يقول : بعتك هذه الصّبرة من الطّعام كلّ صاع بدرهم ، لأنّ رؤية الصّبرة تكفي في تقديرها ، ولا يضرّ الجهل بجملة الثّمن ، لأنّ بالإمكان معرفته بالتّفصيل بكيل الصّبرة ، فيرتفع الغرر ، وتزول الجهالة . وذهب أبو حنيفة : إلى أنّ البيع يجوز في قفيز واحد ، ولا يجوز في الصّبرة كلّها ، إلاّ إذا عرف عدد الصّيعان ، وذلك لتعذّر صرف البيع إلى الكلّ للجهالة بالمبيع والثّمن ، فيصرف إلى الأقلّ وهو معلوم . </p><p>فإذا زالت الجهالة بتسمية جملة القفزان ، أو بأن تكال الصّبرة في مجلس العقد ، جاز بيع الصّبرة ويخرج بذلك عن أن يكون جزافاً . </p><p>تساوي موضع صبرة الطّعام عند بيعها جزافاً :</p><p>5 - لا يحلّ للبائع في بيع صبرة الطّعام جزافاً أن يضعها على موضع ينقصها ، كأن تكون على دكّة أو حجر ونحوه ، وكذلك السّمن ونحوه من المائعات الّتي تباع بوضعها في ظرف أو إناء ، فلا يجوز للبائع - إن باعها جزافاً - أن يكون الظّرف ممّا تختلف أجزاؤه رقّةً وغلظاً ، لأنّ هذا غشّ يؤدّي إلى الغرر والجهالة والنّزاع ، فلا يمكن معه تقديرها بمجرّد رؤيتها . فإذا كانت الصّبرة على دكّة أو ربوة أو حجر لينقصها سواء أقصد البائع أم لم يقصد ، فاشتراها المشتري وهو غير عالم بذلك ، فالبيع صحيح وملزم للبائع ، وللمشتري الخيار في فسخ العقد ، أو الرّجوع بالنّقص في الثّمن على البائع ، بأن تقوّم الصّبرة مغشوشةً مع وضعها على دكّة أو حجر ، وتقوّم بدون ذلك ، فما نقص من ثمنها رجع به المشتري على البائع . وإن باعه صبرة الطّعام ، وظهر أنّ تحتها حفرةً فلا خيار للمشتري ، لأنّ ذلك ينفعه ولا يضرّه ، لأنّه سيزيد في قدرها . وللبائع الخيار إن لم يعلم بالحفرة .</p><p>بيع المذروعات والمعدودات المتفاوتة جزافاً :</p><p>6 - ذهب الجمهور إلى جواز أن يباع قطيع الماشية مع الجهل بعدده ، كلّ رأس بكذا . </p><p>وأن تباع الأرض والثّوب جزافاً ، كلّ ذراع بكذا ، مع الجهل بجملة الذّرعان . </p><p>وذهب أبو حنيفة إلى عدم الجواز ، وهو قول ابن القطّان من الشّافعيّة . </p><p>والفرق بين المكيلات والموزونات ، وبين المعدودات والمذروعات : أنّ الأولى لا تتفاوت أجزاؤها في العادة تفاوتاً فاحشاً إذا فرّقت ، فتكفي رؤيتها جملةً . أمّا المعدودات والمذروعات كالماشية والأرض ، فتتفاوت أجزاؤها إذا فرّقت ، ولا تكفي رؤيتها جملةً .</p><p>البيع جزافاً مع علم أحد المتبايعين بقدر المبيع :</p><p>7 - يشترط لصحّة بيع الجزاف أن يكون المتبايعان يجهلان قدر المبيع جميعاً ، أو يعلمانه جميعاً ، ولا يجوز البيع جزافاً مع علم أحد المتعاقدين بقدر المبيع دون الآخر ، وذلك عند المالكيّة والحنابلة وفي وجه للشّافعيّة . </p><p>ووجه عدم الجواز عندهم : ما فيه من الغرر ، فإنّ بيع الجزاف جاز للضّرورة والحاجة فيما يباع تخميناً وحزراً ، فإذا عرف قدره لم يجز أن يباع جزافاً إذ لا ضرورة فيه . </p><p>ويترتّب عليه أن يردّ المشتري السّلعة الّتي اشتراها جزافاً ، إذا علم بعلم البائع بقدرها ، وللبائع فسخ العقد إذا علم بعلم المشتري بقدرها . </p><p>وعند الحنفيّة ، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة : أنّه يصحّ مع علم أحد المتعاقدين بمقدار المبيع . وعن أحمد رواية بكراهته وعدم تحريمه ، مراعاةً لخلاف العلماء فيه .</p><p>بيع الرّبويّ بجنسه جزافاً :</p><p>8 - لا يجوز أن يباع المال الرّبويّ بجنسه مجازفةً . لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : { الذّهب بالذّهب ، والفضّة بالفضّة ، والبرّ بالبرّ ، والشّعير بالشّعير ، والتّمر بالتّمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، سواءً بسواء . يداً بيد } فدلّ الحديث على أنّه لا يباع الرّبويّ بجنسه إلاّ بتحقّق المماثلة بينهما ، وإلاّ بالتّقابض . </p><p>ولا يمكن أن تتحقّق المماثلة في البيع الجزاف ، لأنّه قائم على التّخمين والتّقدير ، فيبقى احتمال الرّبا قائماً ، وقد « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن المزابنة وهي بيع الثّمر الرّطب بالثّمر الجافّ » ، وذلك فيما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يبيع الرّجل تمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً ، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً ، وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام ، نهى عن ذلك كلّه » . </p><p>وذلك لأنّه ينقص إذا جفّ ، فيكون مجهول المقدار . </p><p>والقاعدة في الرّبويّات : أنّ الجهل بالتّماثل كالعلم بالتّفاضل .</p><p>ضمّ معلوم في البيع أو جزاف إلى جزاف :</p><p>9 - إذا ضمّ جزاف إلى جزاف في البيع بثمن واحد أو بثمنين لم يمنع ذلك صحّة البيع ، لأنّهما في معنى الجزاف الواحد ، من حيث تناول الرّخصة لهما . كما لو قال : بعتك صبرتي التّمر والحبّ هاتين ، أو بعتك ثمرة حائطيّ هذين جزافاً بثلاث دنانير ، أو قال : أولاهما بدينار ، والثّانية بدينارين . وكذا لو ضمّ إلى الجزاف سلعةً ممّا لا يباع كيلاً أو وزناً ، كما لو قال : بعتك هذه الصّبرة وهذه الدّابّة بعشرة دنانير . </p><p>أمّا إن ضمّ في البيع إلى الجزاف معلوم بكيل أو وزن أو عدد ، فقد يؤدّي ذلك إلى فساد البيع ، لأنّ انضمامه إليه يصيّر في المعلوم جهلاً لم يكن . </p><p>وقد قسم المالكيّة انضمام المعلوم القدر بكيل أو وزن أو عدّ إلى أربع صور : لأنّ الجزاف إمّا أن يكون الأصل فيه - بحسب العرف - أن يباع جزافاً كالأرض ، أو أن يباع بالتّقدير كالكيل للحبوب . وكذلك المعلوم القدر المنضمّ إليه ، إمّا أن يكون الأصل فيه أن يباع جزافاً ، أو أن يباع بالتّقدير : فإن كان الجزاف أصله أن يباع جزافاً ، والمعلوم القدر أصله أن يباع بالكيل أو الوزن أو العدّ ، كجزاف أرض مع مكيل حبّ ، صحّ البيع في هذه الصّورة ،لأنّ كلاً منهما بيع على أصله . ويفسد البيع في الصّور الثّلاث الأخرى ، لمخالفة الأصل في كليهما أو في أحدهما ، وأمثلتها :</p><p>أ - جزاف حبّ مع مكيل أرض ( أي أرض مقدرة بالمساحة ) .</p><p>ب - جزاف حبّ مع مكيل حبّ .</p><p>ج - جزاف أرض مع مكيل أرض . هذا كلّه في الجزاف إذا بيع على غير كيل أو نحوه . </p><p>أمّا إن بيع الجزاف على كيل أو نحوه فلا يجوز أن يضمّ إليه شيء غيره مطلقاً ، كأن قال : بعتك هذه الصّبرة كلّ صاع بدرهم ، على أنّ مع المبيع سلعة كذا من غير تسمية ثمن لها ، بل ثمنها من جملة ما اشترى به الصّبرة ، لأنّ ما يخصّ السّلعة من الثّمن حين البيع مجهول ، ومعنى مطلقاً : أي سواء كانت السّلعة من جنس الصّبرة ، أو من غير جنسها ، لأنّه إذا سمّى الثّمن فبان أنّه يساوي أكثر ، وسامح فيه البائع من أجل إتمام الصّفقة جزافاً ، كانت التّسمية كعدمها ، لأنّه صار بمثابة الّذي لم يسمّ . </p><p>وإذا لم يسمّ ثمنها ، كان ما يخصّ السّلعة من الثّمن مجهولاً . </p><p>وعند الحنابلة : لو قال : بعتك هذه الصّبرة وقفيزاً من هذه الصّبرة الأخرى بعشرة دراهم صحّ . أمّا لو قال : بعتك هذه الصّبرة ، كلّ قفيز بدرهم ، على أن أزيدك قفيزاً من هذه الصّبرة الأخرى لم يصحّ . قالوا : لإفضائه إلى جهالة الثّمن في التّفصيل ، لأنّه يصير قفيزاً وشيئاً بدرهم ، والشّيء لا يعرفانه ، لعدم معرفتهما بكمّيّة ما في الصّبرة من القفزان . وذهب الشّافعيّة إلى بطلان البيع في صورة ما إذا قال البائع : بعتك هذه الصّبرة كلّ صاع بدرهم ، على أن أزيدك صاعاً من هذه الصّبرة الأخرى . لأنّه يفضي إلى الجهالة في جملة الثّمن وتفصيله ، فيصير كأنّه باعه صاعاً وشيئاً بدرهم ، والشّيء لا يعرف ، للجهالة بكمّيّة ما في الصّبرة من الصّيعان . ولم نطّلع على تفصيل للحنفيّة في هذه المسألة .</p><p>10 - لو باع هذه الصّبرة أو نحوها بمائة درهم ، كلّ صاع أو رأس أو ذراع بدرهم صحّ البيع ، إن خرج ما باعه مائةً ، لتوافق الجملة والتّفصيل فلا غرر ولا جهالة . وإن لم تخرج مائةً ، بأن خرجت أقلّ أو أكثر ، لم يصحّ البيع على الصّحيح عند الشّافعيّة ، وذلك لتعذّر الجمع بين الجملة والثّمن وتفصيله . والوجه الثّاني عندهم أنّه يصحّ تغليباً للإشارة .</p><p>ظهور المبيع أقلّ أو أكثر من المسمّى :</p><p>11 - من ابتاع صبرة طعام على أنّها مائة قفيز بمائة درهم ، فوجدها أقلّ أو أكثر ، ومن ابتاع ثوباً على أنّه عشرة أذرع بعشرة دراهم ، أو أرضاً على أنّها مائة ذراع بمائة درهم ، فوجدها أقلّ أو أكثر ، ذهب جمهور الفقهاء إلى صحّة البيع في هذه الصّورة ، سواء ظهر المبيع زائداً أم ناقصاً عمّا وقع عليه الاتّفاق في العقد . </p><p>وسواء أكان المبيع ثوباً أم أرضاً من المذروعات ، أو صبرة طعام من المكيلات . وفي رواية للحنابلة : أنّ البيع باطل ، إذا كان المعقود عليه أرضاً أو ثوباً ، وذلك لاختلال الوصف فيهما ، لأنّه لا يمكن إجبار البائع على تسليم الزّيادة ، ولا يمكن إجبار المشتري على أخذ البعض ، لأنّه اشترى الكلّ . كما لا يجبران على الشّركة في القدر الزّائد للضّرر الحاصل بسبب الشّركة . واتّفق الفقهاء - من حيث الجملة - على ثبوت الخيار للبائع في حال الزّيادة ، وللمشتري في حال النّقصان في الصّورة المتقدّمة . </p><p>وفرّق الحنفيّة والحنابلة بين ما يباع ذرعاً كالثّوب والأرض ، وبين ما يباع كيلاً كصبرة الطّعام ، ولم يفرّق الشّافعيّة بينهما ، بل أثبتوا الخيار لمن عليه الضّرر مطلقاً . </p><p>ففي صورة ما إذا ابتاع صبرةً من طعام على أنّها مائة قفيز بمائة درهم فوجدها أقلّ . </p><p>ذهب الحنفيّة والحنابلة : إلى أنّ المشتري بالخيار إن شاء أخذ الموجود بحصّته من الثّمن ، وإن شاء فسخ البيع ، وذلك لأنّ الثّمن ينقسم على أجزاء المبيع المثليّ مكيلاً أو موزوناً ، ولم يتمّ رضا المشتري به لأنّه أقلّ ممّا تمّ العقد عليه ، ولهذا كان له خيار أخذ الموجود بحصّته من الثّمن ، وكان له خيار الفسخ لأنّه وجد المبيع ناقصاً . </p><p>وفي قول للحنابلة : أنّه ليس له خيار الفسخ ، لأنّ نقصان القدر ليس بعيب في الباقي من الكيل . وعند الشّافعيّة : للمشتري الخيار بين أن يأخذ الموجود بكلّ الثّمن المسمّى ، وبين الفسخ . وإذا وجد الصّبرة أكثر ممّا تمّ عليه الاتّفاق : ردّ المشتري الزّيادة للبائع لأنّه تضرّر بالزّيادة ، ولأنّ البيع وقع على مقدار معيّن ، فما زاد عليه لا يدخل في البيع . وهذا عند الحنفيّة والحنابلة . وعند الشّافعيّة : يثبت الخيار للبائع ، ولا يسقط خياره فيما إذا قال المشتري للبائع : لا تفسخ ، وأنا أقنع بالقدر المشروط ، أو أنا أعطيك ثمن الزّائد . </p><p>وإذا كان ما يباع جزافاً مذروعاً كالثّوب والأرض ، وظهر أنّه أقلّ ممّا اتّفق عليه في العقد ، فذهب الحنفيّة والشّافعيّة : إلى أنّ المشتري بالخيار بين أن يأخذ الموجود بجملة الثّمن وبين أن يترك البيع ، ولا يسقط خيار المشتري فيما إذا حطّ البائع من الثّمن قدر النّقص . </p><p>وذهب الحنابلة إلى أنّ المشتري بالخيار بين أن يأخذ الموجود بحصّته من الثّمن ، أو أن يترك البيع . وإذا ظهر أنّ المبيع أكثر ممّا اتّفق عليه ، فذهب الحنفيّة إلى أنّ الزّيادة للمشتري بالثّمن نفسه ، لأنّ الذّرع كالوصف ، والأوصاف لا يقابلها شيء من الثّمن ، ولا خيار للبائع . وذهب الحنابلة والشّافعيّة : إلى أنّ البائع بالخيار . </p><p>وللحنابلة تفصيل في مذهبهم : فذهبوا إلى تخيير البائع بين تسليم المبيع زائداً ، وبين تسليم القدر الموجود . فإن رضي بتسليم الجميع فلا خيار للمشتري ، لأنّه زاده خيراً . وإن أبى تسليمه زائداً ، فللمشتري الخيار بين الفسخ أو الأخذ بجميع الثّمن المسمّى وقسط الزّائد . فإن رضي بالأخذ أخذ العشرة ، والبائع شريك له في الذّراع . </p><p>وفي تخيير البائع في الفسخ وجهان . الأوّل : له الفسخ ، لأنّ عليه ضرراً في المشاركة . </p><p>الثّاني : لا خيار له ، لأنّه رضي ببيع الجميع بهذا الثّمن . فإذا وصل إليه الثّمن مع بقاء جزء له فيه كان زيادةً على ما رضي به من الثّمن ، فلا يستحقّ بها الفسخ . فإن بذلها البائع للمشتري بثمن ، أو طلبها المشتري بثمن ، لم يلزم الآخر القبول ، لأنّها معاوضة يعتبر فيها التّراضي منهما ، فلا يجبر واحد منهما عليه . وإن تراضيا على ذلك جاز . </p><p>ووجه التّفريق بين المذروعات والمكيلات : أنّ المتّفق عليه في العقد على المكيلات هو القدر ، أمّا في المذروعات فهو الوصف . </p><p>والقدر يقابله الثّمن ، أمّا الوصف فهو تابع للمبيع ، ولا يقابله شيء من الثّمن . ولهذا يأخذ المبيع بحصّته من الثّمن ، إذا فات القدر المتّفق عليه . ويأخذ المبيع بالثّمن كاملاً ، إذا فات الوصف المتّفق عليه . فلو قال البائع : بعتك الثّوب على أنّه مائة ذراع بمائة درهم ، كلّ ذراع بدرهم ، فوجدها ناقصةً ، فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها بحصّتها من الثّمن ، وإن شاء ترك . لأنّ الوصف وإن كان تابعاً للمبيع ، إلاّ أنّه صار أصلاً ، لأنّه أفرد بذكر الثّمن ، فينزّل كلّ ذراع منزله ثوب مستقلّ . </p><p>لأنّه لو أخذ بكلّ الثّمن لم يكن آخذاً لكلّ ذراع بدرهم . فإن وجدها زائدةً ، فهو بالخيار إن شاء أخذ الجميع كلّ ذراع بدرهم ، وإن شاء فسخ البيع ، لأنّه إن حصل له الزّيادة في الذّرع تلزمه زيادة الثّمن ، فكان نفعاً يشوبه ضرر ، فيخيّر بين أخذ الزّيادة وبين فسخ البيع .</p><p></p><p>بيع الحاضر للبادي *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - الحاضر : ضدّ البادي ، والحاضرة ضدّ البادية . </p><p>والحاضر : من كان من أهل الحضر ، وهو ساكن الحاضرة ، وهي المدن والقرى ، والرّيف وهو أرض فيها - عادةً - زرع وخصب . </p><p>وقال الشّلبيّ : الحاضر : المقيم في المدن والقرى . والبادي : ساكن البادية ، وهي ما عدا ذلك المذكور من المدن والقرى والرّيف ، قال تعالى : { وإنْ يأتِ الأحزابُ يَوَدُّوا لو أَنَّهم بَادُونَ في الأَعْرابِ } أي نازلون ، وقال الشّلبيّ : المقيم بالبادية . والنّسبة إلى الحاضرة : حضريّ ، وإلى البادية بدويّ . وعبّر بعض المالكيّة : ببيع حاضر لعموديّ ، والعموديّ هو البدويّ ، نسبةً إلى عمود ، لأنّ البدو يسكنون الخيام . </p><p>غير أنّ الحنابلة اعتبروا البدويّ شاملاً للمقيم في البادية ، ولكلّ من يدخل البلدة من غير أهلها ، سواء أكان بدويّاً ، أم كان من قرية أو بلدة أخرى . وهو قول عند المالكيّة .</p><p>2 - والمراد ببيع الحاضر للبادي عند الجمهور : أن يتولّى الحضريّ بيع سلعة البدويّ ، بأن يصير الحاضر سمساراً للبادي البائع . </p><p>قال الحلوانيّ : هو أن يمنع السّمسار الحاضرُ القرويَّ من البيع ، ويقول له : لا تبع أنت ، أنا أعلم بذلك ، فيتوكّل له ، ويبيع ويغالي ، ولو تركه يبيع بنفسه لرخّص على النّاس . فالبيع - على هذا - هو من الحاضر للحاضر نيابةً عن البادي ، بثمن أغلى . </p><p>وعلى هذا التّفسير ، تكون اللّام في « ولا يبيع حاضرٌ لباد » على حقيقتها كما يقول ابن عابدين ، وهي : التّعليل .</p><p>3 - وذهب بعض الحنفيّة - كصاحب الهداية - إلى أنّ المراد بالحديث : أن يبيع الحضريّ سلعته من البدويّ ، وذلك طمعاً في الثّمن الغالي ، فهو منهيّ عنه ، لما فيه من الإضرار بأهل البلد . وعلى هذا التّفسير تكون اللّام في « ولا يبيع حاضر لباد » بمعنى من - كما يقول البابرتيّ - : فهذا تفسير من قال : إنّ الحاضر هو المالك ، والبادي هو المشتري . </p><p>قال الخير الرّمليّ : ويشهد لصحّة هذا التّفسير ، ما في الفصول العماديّة ، عن أبي يوسف : لو أنّ أعراباً قدموا الكوفة ، وأرادوا أن يمتاروا ( يتزوّدوا من الطّعام ) منها ، ألا ترى أنّ أهل البلدة يمنعون عن الشّراء للحكرة ، فهذا أولى . </p><p>وصرّح الحصكفيّ من الحنفيّة ، بأنّ الأصحّ - كما في المجتبى - أنّهما : السّمسار والبائع ( وهو التّفسير الأوّل الّذي عليه الجمهور ) وذلك لوجهين : </p><p>أوّلهما : موافقته لآخر الحديث في بعض رواياته : « دعوا النّاس ، يرزق اللّه بعضهم من بعض » الآخر : أنّه عدّي باللام ، لا بمن . </p><p>فعلى هذا يكون مذهب الحنفيّة ، كالجمهور في تفسير الحديث . </p><p>النّهي عن هذا البيع :</p><p>4 - لا يختلف الفقهاء في منع هذا البيع . فقد ورد النّهي عنه في أحاديث كثيرة منها : حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه قال : « لا تَلَقُّوا الرّكبانَ ، ولا يبع بعضُكم على بيعِ بعض ، ولا تَنَاجَشُوا ، ولا يَبع حاضر لباد ، ولا تصرُّوا الغنم » ومنها حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « لا يبع حاضر لباد ، دعوا النّاس ، يرزق اللّه بعضهم من بعض » ومنها حديث أنس رضي الله عنه قال : « نهينا أن يبيع حاضر لباد ، وإن كان أخاه وأباه » وفي لفظ « وإن كان أخاه لأبيه وأمّه » .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41105, member: 329"] القسم الثّاني : بيع تكون التّلجئة فيه في الثّمن أو البدل : وهو أيضاً على ضربين . 10 - الضّرب الأوّل : بيع تكون التّلجئة فيه في قدر الثّمن . ومثاله أن يتواضعا في السّرّ والباطن على أنّ الثّمن ألف ، ثمّ يتبايعا في الظّاهر بألفين ، فهل العبرة في مثل هذا البيع بالظّاهر أو الباطن ؟ اختلف الفقهاء في ذلك على قولين : أحدهما : أنّ العبرة بالظّاهر ، أي بما تعاقدا عليه ، وهو الثّمن المعلن . ذهب إلى ذلك أبو حنيفة فيما رواه عنه أبو يوسف . وهو ما ذهب إليه الشّافعيّة ، وهو أظهر الوجهين عند الحنابلة ، وقطع به القاضي . ثانيهما : أنّ العبرة بالباطن ، أي بما اتّفقا عليه سرّاً ، وهذا القول رواه محمّد في الإملاء من غير خلاف ، وهو قول أبي يوسف أيضاً . وهو أيضاً ما ذهب إليه الحنابلة على أحد الوجهين عندهم ، وهو مذهب المالكيّة على ما نصّوا عليه في مهر السّرّ ومهر العلانية . ووجه القول بأنّ الثّمن هو الثّمن المعلن : هو أنّ المذكور في العقد هو الّذي يصحّ العقد به ، وما ذكراه سرّاً لم يذكراه حالة العقد ، فسقط حكمه ، وأيضاً فإنّ الاتّفاق السّابق ملغًى ، بدليل أنّهما لو اتّفقا على شرط فاسد ثمّ عقدا بلا شرط صحّ العقد . ووجه القول بأنّ الثّمن هو ثمن السّرّ : هو أنّهما اتّفقا على أنّهما لم يقصدا الألف الزّائدة ، فكأنّهما هزلا بها . أي فلا تضمّ إلى الثّمن ، ويبقى الثّمن هو الثّمن الّذي اتّفقا عليه في السّرّ ، وهذا عند الحنفيّة والحنابلة القائلين بفساد بيع الهازل . وأمّا عند الشّافعيّة القائلين بصحّته - في أصحّ الوجهين - فتضمّ إلى الثّمن . هذا ، ويفهم ممّا ذكره صاحب البدائع من أنّ المعتبر هل هو ثمن السّرّ أو الثّمن المعلن ، أنّ محلّه إن قالا عند المواضعة : إنّ أحد الألفين المعلنين رياء وسمعة ، أمّا إذا لم يقولا ذلك عند المواضعة فالثّمن ما تعاقدا عليه ، لأنّ الثّمن اسم للمذكور عند العقد ، والمذكور عند العقد ألفان . 11 - الضّرب الثّاني : بيع تكون فيه التّلجئة في جنس الثّمن . ومثال ذلك : أن يتّفقا في السّرّ على أنّ الثّمن ألف درهم ، ثمّ يظهرا البيع بمائة دينار ، فهل يبطل هذا البيع أو يصحّ بالثّمن المعلن ؟ ذهب محمّد إلى أنّ هذا البيع يبطل قياساً ، ويصحّ استحساناً ، أي بالثّمن المعلن . ومحلّه - كما جاء في البدائع - إن قالا عند المواضعة : إنّ الثّمن المعلن رياء وسمعة ، فإن لم يقولا ذلك فالثّمن ما تعاقدا عليه ، لأنّ الثّمن اسم للمذكور عند العقد ، والمذكور عند العقد إنّما هو مائة دينار . ووجه بطلان هذا البيع على القياس : هو أنّ ثمن السّرّ لم يذكراه في العقد ، وثمن العلانية لم يقصداه فقد هزلا به ، فسقط وبقي بيعاً بلا ثمن فلا يصحّ . ووجه صحّته استحساناً : هو أنّهما لم يقصدا بيعاً باطلاً بل بيعاً صحيحاً ، فيجب حمله على الصّحّة ما أمكن ، ولا يمكن حمله على الصّحّة إلاّ بثمن العلانية ، فكأنّهما انصرفا عمّا شرطاه في الباطن ، فتعلّق الحكم بالظّاهر ، كما لو اتّفقا على أن يبيعاه بيع تلجئة فتواهبا ، بخلاف الألف والألفين ، لأنّ الثّمن المذكور المشروط في السّرّ مذكور في العقد وزيادة ، فتعلّق العقد به . 12 - هذا وذكر صاحب البدائع أيضاً أنّ هذا كلّه إذا اتّفقا في السّرّ ولم يتعاقدا في السّرّ ، أمّا إذا اتّفقا في السّرّ وتعاقدا أيضاً في السّرّ بثمن ، ثمّ تواضعا على أن يظهرا العقد بأكثر منه أو بجنس آخر ، فإن لم يقولا : إنّ العقد الثّاني رياء وسمعة فالعقد الثّاني يرفع العقد الأوّل ، والثّمن هو المذكور في العقد الثّاني ، لأنّ البيع يحتمل الفسخ والإقالة ، فشروعهما في العقد الثّاني إبطال للأوّل ، فبطل الأوّل وانعقد الثّاني بما سمّي عنده . وإن قالا : رياء وسمعة ، فإن كان الثّمن من جنس آخر فالعقد هو العقد الأوّل ، لأنّهما لمّا ذكرا الرّياء والسّمعة فقد أبطلا المسمّى في العقد الثّاني ، فلم يصحّ العقد الثّاني ، فبقي العقد الأوّل . وإن كان من جنس الأوّل فالعقد هو العقد الثّاني ، لأنّ البيع يحتمل الفسخ ، فكان العقد هو العقد الثّاني لكن بالثّمن الأوّل ، والزّيادة باطلة لأنّهما أبطلاها حيث هزلا بها . 13 - وأمّا الشّافعيّة فإنّ البيع يصحّ عندهم بالثّمن المعلن ، ولا أثر للاتّفاق السّابق لأنّه ملغًى ، فصار كما لو اتّفقا على شرط فاسد ، ثمّ تبايعا بلا شرط . 14 - وأمّا الحنابلة ، فقد جاء في الفروع في كتاب الصّداق : أنّهما لو اتّفقا قبل البيع على ثمن ، ثمّ عقدا البيع بثمن آخر أنّ فيه وجهين : أحدهما : أنّ الثّمن ما اتّفقا عليه . والثّاني : ما وقع عليه العقد كالنّكاح . 15 - وأمّا المالكيّة ، فإنّهم لم يصرّحوا في كتبهم ببيع التّلجئة كغيرهم ، وإنّما ذكروا بيع المكره والمضغوط وبيع الهازل ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ، لكنّهم تكلّموا عن عقد النّكاح وتسمية مهر للسّرّ ومهر للعلانية ، وبيّنوا أنّ العمل بمهر السّرّ إذا كانت هناك بيّنة تشهد على أنّ مهر العلن لا عبرة به ، وإنّما ذكر للأبّهة والفخر . فإذا لم تكن هناك بيّنة واتّفق الزّوجان على مهر السّرّ عمل به ، فإن اختلفا حلّفت الزّوجة الزّوج إن ادّعت الرّجوع عن صداق السّرّ القليل إلى صداق العلانية الكثير ، فإن حلف عمل بصداق السّرّ ، وإن نكل حلفت الزّوجة على الرّجوع وعمل بصداق العلانية ، فإن نكلت عمل بصداق السّرّ . 16 - هذا ، وذكر صاحب التّبصرة في القضاء بشهادة الاسترعاء : أنّ الاسترعاء في البيوع لا يجوز ، مثل أن يشهد قبل البيع أنّه راجع في البيع ، وأنّ بيعه لأمر يتوقّعه ، لأنّ المبايعة خلاف ما يتطوّع به ، وقد أخذ البائع فيه ثمناً وفي ذلك حقّ للمبتاع ، إلاّ أن يعرف الشّهود الإكراه على البيع والإخافة ، فيجوز الاسترعاء إذا انعقد قبل البيع ، وتضمّن العقد شهادة من يعرف الإخافة والتّوقّع الّذي ذكره . وهذا يفيد أنّ المكره على البيع لأمر يتوقّعه أو يخافه لا يلزمه البيع عند المالكيّة ، بل له أن يرجع فيه حتّى بعد أن يقبض الثّمن ، ما دام شهود الاسترعاء قد عرفوا الإكراه على البيع وسبب الإخافة . أثر الاختلاف بين البائع والمشتري : 17 - لو ادّعى أحدهما بيع التّلجئة ، وأنكر الآخر ، فإن جاء مدّعي التّلجئة ببيّنة قبلت ، وإلاّ فالقول لمدّعي الأصل وهو عدم التّلجئة بيمينه . ولو قدّم كلّ منهما بيّنةً قدّمت بيّنة مدّعي التّلجئة ، لأنّه يثبت خلاف الظّاهر . ولو تبايعا في العلانية ، فإن اعترفا ببنائه على التّلجئة ، فالبيع في العلانية باطل باتّفاقهما على أنّهما هزلا به ، وإلاّ فالبيع لازم . وهذا بناءً على ما ذهب إليه القائلون بصحّة بيع السّرّ وبطلان البيع المعلن ، وهم أبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة ، وهو المذهب عند الحنابلة ، والمفهوم من مذهب المالكيّة . أمّا من ذهب إلى صحّة البيع الثّاني وبطلان الاتّفاق المسبق في السّرّ ، فلا ترد هذه التّفصيلات عندهم ، وهم أبو حنيفة والشّافعيّة والقاضي من الحنابلة . هذا من حيث الجملة ، وتنظر تفصيلات المسألة والخلاف فيها في مباحث البيع والدّعوى . بيع التّولية * انظر : تولية . بيع الثّنيّة * انظر : بيع الوفاء . البيع الجبريّ * تعريفه : 1 - البيع الجبريّ مركّب من لفظين : " البيع " و"الجبريّ " فالبيع مبادلة مال بمال على وجه مخصوص . والجبريّ : من جبره على الأمر جبراً : حمله عليه قهراً . فالبيع الجبريّ في استعمال الفقهاء هو : البيع الحاصل من مكره بحقّ ، أو البيع عليه نيابةً عنه ، لإيفاء حقّ وجب عليه ، أو لدفع ضرر ، أو تحقيق مصلحة عامّة . الألفاظ ذات الصّلة : أ - الإكراه على البيع : 2 - الإكراه في اللّغة : حمل الإنسان على أمر بغير اختياره . وفي الشّرع : فعل يوجده المكرِه فيدفع المكرَه إلى ما طلب منه . فالفرق بينه وبين البيع الجبريّ : أنّ البيع الجبريّ لا يكون إلاّ بحقّ ، أمّا البيع بالإكراه فهو في الأصل أعمّ ، لكنّ الغالب إطلاقه على الإكراه بلا حقّ . ب - بيع التّلجئة : 3 - بيع التّلجئة في اصطلاح الفقهاء : أن يظهرا عقداً وهما لا يريدانه ، يلجأ إليه صاحب المال خوفاً من عدوّ أو سلطان جائر . فالفرق بينه وبين البيع الجبريّ أنّ بيع التّلجئة فيه صورة البيع لا حقيقته . حكمه التّكليفيّ : 4 - يختلف حكم البيع الجبريّ باختلاف سببه ، فإن كان لإيفاء حقّ ، كبيع ماله لإيفاء دين حالّ ، وبطلب صاحب الحقّ فهو واجب ، وكذا إذا كان لمصلحة عامّة ، كتوسعة المسجد الّذي ضاق على المصلّين ، أو الطّريق العامّ . ويقوم البيع في الفقه الإسلاميّ - كسائر العقود القوليّة - على التّراضي الحرّ على إنشائه من الجانبين لقوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا لا تأْكلوا أموالَكم بَيْنَكم بالباطلِ إلاّ أنْ تكونَ تِجَارةً عن تَرَاضٍ منكم } وخبر : « إنّما البيعُ عن تَرَاض » ولا يقرّ الفقهاء بيعاً لم يقم على التّراضي من الجانبين : البائع والمشتري ، إلاّ ما توجبه المصلحة العامّة لإحقاق حقّ ، أو تحقيق مصلحة عامّة ، أو دفع ضرر خاصّ أو عامّ ، وهو ما يسمّى في عرفهم : الإكراه المشروع ، أو الإكراه بحقّ . ومنها : العقود الجبريّة الّتي يجريها الحاكم ، إمّا مباشرةً نيابةً عمّن يجب عليه إجراؤها ، إذا امتنع عنها ، أو يجبر هو على إجرائها . ويذكر الفقهاء أمثلةً للجبر المشروع على البيع منها : إجبار المدين على بيع ماله : 5 - يجبر المدين على بيع ماله لإيفاء دين حالّ ، إذا امتنع عن أدائه وله مال ظاهر ، فيجبره الحاكم على وفاء الدّين بالتّعزير عليه بالحبس أو الضّرب ، فإن أصرّ على الامتناع قضى الحاكم الدّين من ماله جبراً عليه ، إذا كان له مال ظاهر من جنس الدّين . هذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء . أمّا إذا كان ماله من غير جنس الدّين كالعقار والعروض ، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الإمام يبيع ماله عليه جبراً نيابةً عنه . وعند الإمام أبي حنيفة ، لا يبيع الحاكم ماله عليه ، بل يحبسه حتّى يقوم بإيفاء الدّين ببيع ماله أو غيره ، لأنّ ولاية الحاكم - في نظر الإمام - على من عليه الدّين ، لا على ماله ، فلم ينفذ بيعه في ماله بغير إذنه ، ولأنّ البيع تجارة ولا يصحّ إلاّ بتراض ، وفيه أيضاً نوع من الحجر الّذي لا يجيزه أبو حنيفة . وقد خالفه صاحباه في ذلك ، فأجازا بيع الحاكم ماله لوفاء دينه بيعاً جبريّاً ، ورأيهما هو المفتى به في المذهب . بيع المرهون : 6 - إذا رهن عيناً بدين حالّ أو مؤجّل ، وحلّ الأجل ، وامتنع المدين عن أداء الدّين أجبره الحاكم على بيع المرهون ، أو باع عليه نيابةً عنه ، لأنّه حقّ وجب عليه ، فإذا امتنع عن أدائه قام الحاكم مقامه في أدائه ، كالإيفاء في جنس الدّين . وللتّفصيل ر : ( رهن ) . وقال الإمام أبو حنيفة : لا يبيع عرضه ولا عقاره ، بل يحبسه حتّى يرضى ببيع ماله أو بغيره . جبر المحتكر : 7 - إذا كان عند إنسان طعام فاضل عن حاجته ، يحتاج إليه النّاس وامتنع عن بيعه لهم ، أجبره الحاكم على بيعه دفعاً للضّرر . وللتّفصيل ر : ( احتكار ) . الجبر على البيع للنّفقة الواجبة : 8 - إذا امتنع المكلّف عن الإنفاق على من تجب عليه نفقته كالزّوجة والأولاد والأبوين ، ولم يعرف له نقد ظاهر باع الحاكم عروضه أو عقاره للإنفاق عليهم . وينظر التّفصيل في ( النّفقة ) . الأخذ بالشّفعة جبراً : 9 - الشّفعة حقّ منحه الشّرع للشّريك القديم ، أو الجار الملاصق ، فيتملّك الشّقص المبيع عن مشتريه بما قام عليه من الثّمن والتّكاليف جبراً عليه . وللتّفصيل انظر مصطلح ( شفعة ) . بيع الجزاف * التّعريف : 1 - الجزاف اسم من جازف مجازفةً من باب قاتل ، والجُزاف بالضّمّ خارج عن القياس والقياس بكسر الجيم . وهو في اللّغة من الجزف ، أي الأخذ بكثرة ، وجزف في الكيل جزفاً : أكثر منه . ويقال لمن يرسل كلامه إرسالاً من غير قانون : جازف في كلامه ، فأقيم نهج الصّواب في الكلام مقام الكيل والوزن . وبيع الجزاف اصطلاحاً : هو بيع ما يكال ، أو يوزن ، أو يُعَدّ ، جملةً بلا كيل ولا وزن ، ولا عدّ . الحكم التّكليفيّ : 2 - الأصل أنّ من شرط صحّة عقد البيع أن يكون المبيع معلوماً ، ولكن لا يشترط العلم به من كلّ وجه ، بل يشترط العلم بعين المبيع وقدره وصفته ، وفي بيع الجزاف يحصل العلم بالقدر ، كبيع صبرة طعام ، دون معرفة كيلها أو وزنها ، وبيع قطيع الماشية دون معرفة عددها ، وبيع الأرض دون معرفة مساحتها ، وبيع الثّوب دون معرفة طوله . وبيع الجزاف استثني من الأصل لحاجة النّاس واضطرارهم إليه ، بما يقتضي التّسهيل في التّعامل . قال الدّسوقيّ : الأصل في بيع الجزاف منعه ، ولكنّه خفّف فيما شقّ علمه من المعدود ، أو قلّ جهله في المكيل والموزون . ودليله حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - « كنّا نشتري الطّعام من الرّكبان جزافاً ، فنهانا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتّى ننقله من مكانه » . وفي رواية : « رأيت النّاس في عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا ابتاعوا الطّعام جزافاً يضربون في أن يبيعوه في مكانه ، وذلك حتّى يؤووه إلى رحالهم » . وفي رواية : « يحوّلوه » وفي أخرى : أنّ عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما كان يشتري الطّعام جزافاً فيحمله إلى أهله فدلّ على أنّهم كانوا يتعاملون ببيع الجزاف ، فيكون هذا دالّاً على جوازه ، وألفاظ الرّواية تدلّ على أنّه كان في عهد الرّسول صلى الله عليه وسلم ، ممّا يفيد حكم الرّفع . ولهذا اتّفق الفقهاء على جوازه من حيث الجملة ، والأظهر عند الشّافعيّة جوازه مع الكراهة . شروط بيع الجزاف : 3 - اشترط المالكيّة لجواز بيع الجزاف ستّة شروط : - أ - أن يرى المبيع جزافاً حال العقد ، أو قبله إذا استمرّ على حاله إلى وقت العقد دون تغيير ، وهذا ما لم يلزم على الرّؤية فساد المبيع ، كقلال الخلّ المطيّنة يفسدها فتحها ، فيكتفى برؤيتها في مجلس العقد . - ب - أن يجهل المتبايعان معاً قدر الكيل أو الوزن أو العدد ، فإن كان أحدهما يعلم قدرها فلا يصحّ . - ج - أن يحزرا ويقدّرا قدره عند إرادة العقد عليه . - د - أن تستوي الأرض الّتي يوضع عليها المبيع . - هـ - ألا يكون ما يراد بيعه جزافاً كثيراً جدّاً ، لتعذّر تقديره . سواء كان مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً . كما يشترط ألا يقلّ جدّاً إن كان معدوداً ، لأنّه لا مشقّة في معرفة قدره بالعدّ . أمّا إن كان مكيلاً أو موزوناً فيجوز وإن قلّ جدّاً . - و-أن يشقّ عدّه ولا تقصد أفراده بالبيع ، سواء قلّ ثمنه أو لم يقلّ كالبيض . وإذا قصدت أفراده جاز بيعه جزافاً إن قلّ ثمنه بالنّسبة لبعضها مع بعض . ومنع من بيعه جزافاً إن لم يقلّ ثمنها كالثّياب . أمّا إذا لم يشقّ عدّه لم يجز أن يباع جزافاً ، سواء أقصدت أفراده أم لم تقصد ، قلّ ثمنها أو لم يقلّ . وانفرد المالكيّة في تفصيل الشّروط على هذا النّحو ، وإن كان منها ما شاركهم غيرهم في اعتبارها ، كما في الشّرط الأوّل والثّاني والرّابع . كما سيأتي تفصيله . ولبيع الجزاف صور تختلف أحكامها على التّفصيل التّالي : بيع الصّبرة جزافاً : 4 - الصّبرة هي : الكومة المجتمعة من الطّعام ونحوه . والصّبرة المجهولة القدر المعلومة بالرّؤية ، إمّا أن تباع بثمن إجماليّ ، وإمّا أن تباع على أساس السّعر الإفراديّ ، كما لو قال : كلّ صاع منها بكذا . فأمّا النّوع الأوّل ، فقد قال ابن قدامة : لا نعلم في جوازه خلافاً إن كان ممّا يتساوى أجزاؤه . ويشترط عند الجميع أن لا يكون من الأموال الرّبويّة إذا بيع شيء منها بجنسه كما يأتي . وأمّا الثّاني : وهو بيع الصّبرة الّتي يجهل مقدار كيلها أو وزنها على أساس سعر وحدة الكيل أو الوزن ، فقد ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن وأبو يوسف من الحنفيّة : إلى جواز بيع الصّبرة الّتي يجهل عدد صيعانها مجازفةً ، بأن يقول : بعتك هذه الصّبرة من الطّعام كلّ صاع بدرهم ، لأنّ رؤية الصّبرة تكفي في تقديرها ، ولا يضرّ الجهل بجملة الثّمن ، لأنّ بالإمكان معرفته بالتّفصيل بكيل الصّبرة ، فيرتفع الغرر ، وتزول الجهالة . وذهب أبو حنيفة : إلى أنّ البيع يجوز في قفيز واحد ، ولا يجوز في الصّبرة كلّها ، إلاّ إذا عرف عدد الصّيعان ، وذلك لتعذّر صرف البيع إلى الكلّ للجهالة بالمبيع والثّمن ، فيصرف إلى الأقلّ وهو معلوم . فإذا زالت الجهالة بتسمية جملة القفزان ، أو بأن تكال الصّبرة في مجلس العقد ، جاز بيع الصّبرة ويخرج بذلك عن أن يكون جزافاً . تساوي موضع صبرة الطّعام عند بيعها جزافاً : 5 - لا يحلّ للبائع في بيع صبرة الطّعام جزافاً أن يضعها على موضع ينقصها ، كأن تكون على دكّة أو حجر ونحوه ، وكذلك السّمن ونحوه من المائعات الّتي تباع بوضعها في ظرف أو إناء ، فلا يجوز للبائع - إن باعها جزافاً - أن يكون الظّرف ممّا تختلف أجزاؤه رقّةً وغلظاً ، لأنّ هذا غشّ يؤدّي إلى الغرر والجهالة والنّزاع ، فلا يمكن معه تقديرها بمجرّد رؤيتها . فإذا كانت الصّبرة على دكّة أو ربوة أو حجر لينقصها سواء أقصد البائع أم لم يقصد ، فاشتراها المشتري وهو غير عالم بذلك ، فالبيع صحيح وملزم للبائع ، وللمشتري الخيار في فسخ العقد ، أو الرّجوع بالنّقص في الثّمن على البائع ، بأن تقوّم الصّبرة مغشوشةً مع وضعها على دكّة أو حجر ، وتقوّم بدون ذلك ، فما نقص من ثمنها رجع به المشتري على البائع . وإن باعه صبرة الطّعام ، وظهر أنّ تحتها حفرةً فلا خيار للمشتري ، لأنّ ذلك ينفعه ولا يضرّه ، لأنّه سيزيد في قدرها . وللبائع الخيار إن لم يعلم بالحفرة . بيع المذروعات والمعدودات المتفاوتة جزافاً : 6 - ذهب الجمهور إلى جواز أن يباع قطيع الماشية مع الجهل بعدده ، كلّ رأس بكذا . وأن تباع الأرض والثّوب جزافاً ، كلّ ذراع بكذا ، مع الجهل بجملة الذّرعان . وذهب أبو حنيفة إلى عدم الجواز ، وهو قول ابن القطّان من الشّافعيّة . والفرق بين المكيلات والموزونات ، وبين المعدودات والمذروعات : أنّ الأولى لا تتفاوت أجزاؤها في العادة تفاوتاً فاحشاً إذا فرّقت ، فتكفي رؤيتها جملةً . أمّا المعدودات والمذروعات كالماشية والأرض ، فتتفاوت أجزاؤها إذا فرّقت ، ولا تكفي رؤيتها جملةً . البيع جزافاً مع علم أحد المتبايعين بقدر المبيع : 7 - يشترط لصحّة بيع الجزاف أن يكون المتبايعان يجهلان قدر المبيع جميعاً ، أو يعلمانه جميعاً ، ولا يجوز البيع جزافاً مع علم أحد المتعاقدين بقدر المبيع دون الآخر ، وذلك عند المالكيّة والحنابلة وفي وجه للشّافعيّة . ووجه عدم الجواز عندهم : ما فيه من الغرر ، فإنّ بيع الجزاف جاز للضّرورة والحاجة فيما يباع تخميناً وحزراً ، فإذا عرف قدره لم يجز أن يباع جزافاً إذ لا ضرورة فيه . ويترتّب عليه أن يردّ المشتري السّلعة الّتي اشتراها جزافاً ، إذا علم بعلم البائع بقدرها ، وللبائع فسخ العقد إذا علم بعلم المشتري بقدرها . وعند الحنفيّة ، وهو الأصحّ عند الشّافعيّة : أنّه يصحّ مع علم أحد المتعاقدين بمقدار المبيع . وعن أحمد رواية بكراهته وعدم تحريمه ، مراعاةً لخلاف العلماء فيه . بيع الرّبويّ بجنسه جزافاً : 8 - لا يجوز أن يباع المال الرّبويّ بجنسه مجازفةً . لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : { الذّهب بالذّهب ، والفضّة بالفضّة ، والبرّ بالبرّ ، والشّعير بالشّعير ، والتّمر بالتّمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، سواءً بسواء . يداً بيد } فدلّ الحديث على أنّه لا يباع الرّبويّ بجنسه إلاّ بتحقّق المماثلة بينهما ، وإلاّ بالتّقابض . ولا يمكن أن تتحقّق المماثلة في البيع الجزاف ، لأنّه قائم على التّخمين والتّقدير ، فيبقى احتمال الرّبا قائماً ، وقد « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن المزابنة وهي بيع الثّمر الرّطب بالثّمر الجافّ » ، وذلك فيما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يبيع الرّجل تمر حائطه إن كان نخلاً بتمر كيلاً ، وإن كان كرماً أن يبيعه بزبيب كيلاً ، وإن كان زرعاً أن يبيعه بكيل طعام ، نهى عن ذلك كلّه » . وذلك لأنّه ينقص إذا جفّ ، فيكون مجهول المقدار . والقاعدة في الرّبويّات : أنّ الجهل بالتّماثل كالعلم بالتّفاضل . ضمّ معلوم في البيع أو جزاف إلى جزاف : 9 - إذا ضمّ جزاف إلى جزاف في البيع بثمن واحد أو بثمنين لم يمنع ذلك صحّة البيع ، لأنّهما في معنى الجزاف الواحد ، من حيث تناول الرّخصة لهما . كما لو قال : بعتك صبرتي التّمر والحبّ هاتين ، أو بعتك ثمرة حائطيّ هذين جزافاً بثلاث دنانير ، أو قال : أولاهما بدينار ، والثّانية بدينارين . وكذا لو ضمّ إلى الجزاف سلعةً ممّا لا يباع كيلاً أو وزناً ، كما لو قال : بعتك هذه الصّبرة وهذه الدّابّة بعشرة دنانير . أمّا إن ضمّ في البيع إلى الجزاف معلوم بكيل أو وزن أو عدد ، فقد يؤدّي ذلك إلى فساد البيع ، لأنّ انضمامه إليه يصيّر في المعلوم جهلاً لم يكن . وقد قسم المالكيّة انضمام المعلوم القدر بكيل أو وزن أو عدّ إلى أربع صور : لأنّ الجزاف إمّا أن يكون الأصل فيه - بحسب العرف - أن يباع جزافاً كالأرض ، أو أن يباع بالتّقدير كالكيل للحبوب . وكذلك المعلوم القدر المنضمّ إليه ، إمّا أن يكون الأصل فيه أن يباع جزافاً ، أو أن يباع بالتّقدير : فإن كان الجزاف أصله أن يباع جزافاً ، والمعلوم القدر أصله أن يباع بالكيل أو الوزن أو العدّ ، كجزاف أرض مع مكيل حبّ ، صحّ البيع في هذه الصّورة ،لأنّ كلاً منهما بيع على أصله . ويفسد البيع في الصّور الثّلاث الأخرى ، لمخالفة الأصل في كليهما أو في أحدهما ، وأمثلتها : أ - جزاف حبّ مع مكيل أرض ( أي أرض مقدرة بالمساحة ) . ب - جزاف حبّ مع مكيل حبّ . ج - جزاف أرض مع مكيل أرض . هذا كلّه في الجزاف إذا بيع على غير كيل أو نحوه . أمّا إن بيع الجزاف على كيل أو نحوه فلا يجوز أن يضمّ إليه شيء غيره مطلقاً ، كأن قال : بعتك هذه الصّبرة كلّ صاع بدرهم ، على أنّ مع المبيع سلعة كذا من غير تسمية ثمن لها ، بل ثمنها من جملة ما اشترى به الصّبرة ، لأنّ ما يخصّ السّلعة من الثّمن حين البيع مجهول ، ومعنى مطلقاً : أي سواء كانت السّلعة من جنس الصّبرة ، أو من غير جنسها ، لأنّه إذا سمّى الثّمن فبان أنّه يساوي أكثر ، وسامح فيه البائع من أجل إتمام الصّفقة جزافاً ، كانت التّسمية كعدمها ، لأنّه صار بمثابة الّذي لم يسمّ . وإذا لم يسمّ ثمنها ، كان ما يخصّ السّلعة من الثّمن مجهولاً . وعند الحنابلة : لو قال : بعتك هذه الصّبرة وقفيزاً من هذه الصّبرة الأخرى بعشرة دراهم صحّ . أمّا لو قال : بعتك هذه الصّبرة ، كلّ قفيز بدرهم ، على أن أزيدك قفيزاً من هذه الصّبرة الأخرى لم يصحّ . قالوا : لإفضائه إلى جهالة الثّمن في التّفصيل ، لأنّه يصير قفيزاً وشيئاً بدرهم ، والشّيء لا يعرفانه ، لعدم معرفتهما بكمّيّة ما في الصّبرة من القفزان . وذهب الشّافعيّة إلى بطلان البيع في صورة ما إذا قال البائع : بعتك هذه الصّبرة كلّ صاع بدرهم ، على أن أزيدك صاعاً من هذه الصّبرة الأخرى . لأنّه يفضي إلى الجهالة في جملة الثّمن وتفصيله ، فيصير كأنّه باعه صاعاً وشيئاً بدرهم ، والشّيء لا يعرف ، للجهالة بكمّيّة ما في الصّبرة من الصّيعان . ولم نطّلع على تفصيل للحنفيّة في هذه المسألة . 10 - لو باع هذه الصّبرة أو نحوها بمائة درهم ، كلّ صاع أو رأس أو ذراع بدرهم صحّ البيع ، إن خرج ما باعه مائةً ، لتوافق الجملة والتّفصيل فلا غرر ولا جهالة . وإن لم تخرج مائةً ، بأن خرجت أقلّ أو أكثر ، لم يصحّ البيع على الصّحيح عند الشّافعيّة ، وذلك لتعذّر الجمع بين الجملة والثّمن وتفصيله . والوجه الثّاني عندهم أنّه يصحّ تغليباً للإشارة . ظهور المبيع أقلّ أو أكثر من المسمّى : 11 - من ابتاع صبرة طعام على أنّها مائة قفيز بمائة درهم ، فوجدها أقلّ أو أكثر ، ومن ابتاع ثوباً على أنّه عشرة أذرع بعشرة دراهم ، أو أرضاً على أنّها مائة ذراع بمائة درهم ، فوجدها أقلّ أو أكثر ، ذهب جمهور الفقهاء إلى صحّة البيع في هذه الصّورة ، سواء ظهر المبيع زائداً أم ناقصاً عمّا وقع عليه الاتّفاق في العقد . وسواء أكان المبيع ثوباً أم أرضاً من المذروعات ، أو صبرة طعام من المكيلات . وفي رواية للحنابلة : أنّ البيع باطل ، إذا كان المعقود عليه أرضاً أو ثوباً ، وذلك لاختلال الوصف فيهما ، لأنّه لا يمكن إجبار البائع على تسليم الزّيادة ، ولا يمكن إجبار المشتري على أخذ البعض ، لأنّه اشترى الكلّ . كما لا يجبران على الشّركة في القدر الزّائد للضّرر الحاصل بسبب الشّركة . واتّفق الفقهاء - من حيث الجملة - على ثبوت الخيار للبائع في حال الزّيادة ، وللمشتري في حال النّقصان في الصّورة المتقدّمة . وفرّق الحنفيّة والحنابلة بين ما يباع ذرعاً كالثّوب والأرض ، وبين ما يباع كيلاً كصبرة الطّعام ، ولم يفرّق الشّافعيّة بينهما ، بل أثبتوا الخيار لمن عليه الضّرر مطلقاً . ففي صورة ما إذا ابتاع صبرةً من طعام على أنّها مائة قفيز بمائة درهم فوجدها أقلّ . ذهب الحنفيّة والحنابلة : إلى أنّ المشتري بالخيار إن شاء أخذ الموجود بحصّته من الثّمن ، وإن شاء فسخ البيع ، وذلك لأنّ الثّمن ينقسم على أجزاء المبيع المثليّ مكيلاً أو موزوناً ، ولم يتمّ رضا المشتري به لأنّه أقلّ ممّا تمّ العقد عليه ، ولهذا كان له خيار أخذ الموجود بحصّته من الثّمن ، وكان له خيار الفسخ لأنّه وجد المبيع ناقصاً . وفي قول للحنابلة : أنّه ليس له خيار الفسخ ، لأنّ نقصان القدر ليس بعيب في الباقي من الكيل . وعند الشّافعيّة : للمشتري الخيار بين أن يأخذ الموجود بكلّ الثّمن المسمّى ، وبين الفسخ . وإذا وجد الصّبرة أكثر ممّا تمّ عليه الاتّفاق : ردّ المشتري الزّيادة للبائع لأنّه تضرّر بالزّيادة ، ولأنّ البيع وقع على مقدار معيّن ، فما زاد عليه لا يدخل في البيع . وهذا عند الحنفيّة والحنابلة . وعند الشّافعيّة : يثبت الخيار للبائع ، ولا يسقط خياره فيما إذا قال المشتري للبائع : لا تفسخ ، وأنا أقنع بالقدر المشروط ، أو أنا أعطيك ثمن الزّائد . وإذا كان ما يباع جزافاً مذروعاً كالثّوب والأرض ، وظهر أنّه أقلّ ممّا اتّفق عليه في العقد ، فذهب الحنفيّة والشّافعيّة : إلى أنّ المشتري بالخيار بين أن يأخذ الموجود بجملة الثّمن وبين أن يترك البيع ، ولا يسقط خيار المشتري فيما إذا حطّ البائع من الثّمن قدر النّقص . وذهب الحنابلة إلى أنّ المشتري بالخيار بين أن يأخذ الموجود بحصّته من الثّمن ، أو أن يترك البيع . وإذا ظهر أنّ المبيع أكثر ممّا اتّفق عليه ، فذهب الحنفيّة إلى أنّ الزّيادة للمشتري بالثّمن نفسه ، لأنّ الذّرع كالوصف ، والأوصاف لا يقابلها شيء من الثّمن ، ولا خيار للبائع . وذهب الحنابلة والشّافعيّة : إلى أنّ البائع بالخيار . وللحنابلة تفصيل في مذهبهم : فذهبوا إلى تخيير البائع بين تسليم المبيع زائداً ، وبين تسليم القدر الموجود . فإن رضي بتسليم الجميع فلا خيار للمشتري ، لأنّه زاده خيراً . وإن أبى تسليمه زائداً ، فللمشتري الخيار بين الفسخ أو الأخذ بجميع الثّمن المسمّى وقسط الزّائد . فإن رضي بالأخذ أخذ العشرة ، والبائع شريك له في الذّراع . وفي تخيير البائع في الفسخ وجهان . الأوّل : له الفسخ ، لأنّ عليه ضرراً في المشاركة . الثّاني : لا خيار له ، لأنّه رضي ببيع الجميع بهذا الثّمن . فإذا وصل إليه الثّمن مع بقاء جزء له فيه كان زيادةً على ما رضي به من الثّمن ، فلا يستحقّ بها الفسخ . فإن بذلها البائع للمشتري بثمن ، أو طلبها المشتري بثمن ، لم يلزم الآخر القبول ، لأنّها معاوضة يعتبر فيها التّراضي منهما ، فلا يجبر واحد منهما عليه . وإن تراضيا على ذلك جاز . ووجه التّفريق بين المذروعات والمكيلات : أنّ المتّفق عليه في العقد على المكيلات هو القدر ، أمّا في المذروعات فهو الوصف . والقدر يقابله الثّمن ، أمّا الوصف فهو تابع للمبيع ، ولا يقابله شيء من الثّمن . ولهذا يأخذ المبيع بحصّته من الثّمن ، إذا فات القدر المتّفق عليه . ويأخذ المبيع بالثّمن كاملاً ، إذا فات الوصف المتّفق عليه . فلو قال البائع : بعتك الثّوب على أنّه مائة ذراع بمائة درهم ، كلّ ذراع بدرهم ، فوجدها ناقصةً ، فالمشتري بالخيار إن شاء أخذها بحصّتها من الثّمن ، وإن شاء ترك . لأنّ الوصف وإن كان تابعاً للمبيع ، إلاّ أنّه صار أصلاً ، لأنّه أفرد بذكر الثّمن ، فينزّل كلّ ذراع منزله ثوب مستقلّ . لأنّه لو أخذ بكلّ الثّمن لم يكن آخذاً لكلّ ذراع بدرهم . فإن وجدها زائدةً ، فهو بالخيار إن شاء أخذ الجميع كلّ ذراع بدرهم ، وإن شاء فسخ البيع ، لأنّه إن حصل له الزّيادة في الذّرع تلزمه زيادة الثّمن ، فكان نفعاً يشوبه ضرر ، فيخيّر بين أخذ الزّيادة وبين فسخ البيع . بيع الحاضر للبادي * التّعريف : 1 - الحاضر : ضدّ البادي ، والحاضرة ضدّ البادية . والحاضر : من كان من أهل الحضر ، وهو ساكن الحاضرة ، وهي المدن والقرى ، والرّيف وهو أرض فيها - عادةً - زرع وخصب . وقال الشّلبيّ : الحاضر : المقيم في المدن والقرى . والبادي : ساكن البادية ، وهي ما عدا ذلك المذكور من المدن والقرى والرّيف ، قال تعالى : { وإنْ يأتِ الأحزابُ يَوَدُّوا لو أَنَّهم بَادُونَ في الأَعْرابِ } أي نازلون ، وقال الشّلبيّ : المقيم بالبادية . والنّسبة إلى الحاضرة : حضريّ ، وإلى البادية بدويّ . وعبّر بعض المالكيّة : ببيع حاضر لعموديّ ، والعموديّ هو البدويّ ، نسبةً إلى عمود ، لأنّ البدو يسكنون الخيام . غير أنّ الحنابلة اعتبروا البدويّ شاملاً للمقيم في البادية ، ولكلّ من يدخل البلدة من غير أهلها ، سواء أكان بدويّاً ، أم كان من قرية أو بلدة أخرى . وهو قول عند المالكيّة . 2 - والمراد ببيع الحاضر للبادي عند الجمهور : أن يتولّى الحضريّ بيع سلعة البدويّ ، بأن يصير الحاضر سمساراً للبادي البائع . قال الحلوانيّ : هو أن يمنع السّمسار الحاضرُ القرويَّ من البيع ، ويقول له : لا تبع أنت ، أنا أعلم بذلك ، فيتوكّل له ، ويبيع ويغالي ، ولو تركه يبيع بنفسه لرخّص على النّاس . فالبيع - على هذا - هو من الحاضر للحاضر نيابةً عن البادي ، بثمن أغلى . وعلى هذا التّفسير ، تكون اللّام في « ولا يبيع حاضرٌ لباد » على حقيقتها كما يقول ابن عابدين ، وهي : التّعليل . 3 - وذهب بعض الحنفيّة - كصاحب الهداية - إلى أنّ المراد بالحديث : أن يبيع الحضريّ سلعته من البدويّ ، وذلك طمعاً في الثّمن الغالي ، فهو منهيّ عنه ، لما فيه من الإضرار بأهل البلد . وعلى هذا التّفسير تكون اللّام في « ولا يبيع حاضر لباد » بمعنى من - كما يقول البابرتيّ - : فهذا تفسير من قال : إنّ الحاضر هو المالك ، والبادي هو المشتري . قال الخير الرّمليّ : ويشهد لصحّة هذا التّفسير ، ما في الفصول العماديّة ، عن أبي يوسف : لو أنّ أعراباً قدموا الكوفة ، وأرادوا أن يمتاروا ( يتزوّدوا من الطّعام ) منها ، ألا ترى أنّ أهل البلدة يمنعون عن الشّراء للحكرة ، فهذا أولى . وصرّح الحصكفيّ من الحنفيّة ، بأنّ الأصحّ - كما في المجتبى - أنّهما : السّمسار والبائع ( وهو التّفسير الأوّل الّذي عليه الجمهور ) وذلك لوجهين : أوّلهما : موافقته لآخر الحديث في بعض رواياته : « دعوا النّاس ، يرزق اللّه بعضهم من بعض » الآخر : أنّه عدّي باللام ، لا بمن . فعلى هذا يكون مذهب الحنفيّة ، كالجمهور في تفسير الحديث . النّهي عن هذا البيع : 4 - لا يختلف الفقهاء في منع هذا البيع . فقد ورد النّهي عنه في أحاديث كثيرة منها : حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه قال : « لا تَلَقُّوا الرّكبانَ ، ولا يبع بعضُكم على بيعِ بعض ، ولا تَنَاجَشُوا ، ولا يَبع حاضر لباد ، ولا تصرُّوا الغنم » ومنها حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « لا يبع حاضر لباد ، دعوا النّاس ، يرزق اللّه بعضهم من بعض » ومنها حديث أنس رضي الله عنه قال : « نهينا أن يبيع حاضر لباد ، وإن كان أخاه وأباه » وفي لفظ « وإن كان أخاه لأبيه وأمّه » . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية