الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41107" data-attributes="member: 329"><p>الحكم التّكليفيّ :</p><p>6 - يحرم الإقدام على البيع الفاسد إذا كان المتصرّف عالماً بفساده ، لأنّ فيه مخالفةً شرعيّةً ولو في وصف العقد ، والفاسد منهيّ عنه ، والنّهي يدلّ على كونه غير مباح .</p><p>أسباب الفساد :</p><p>7 - ما يلي من الأسباب تفسد العقد عند الحنفيّة ولا تبطله ، والبيع في هذه الأحوال يفيد الحكم بشرط القبض ، ويطبّق عليه أحكام الفاسد الآتي ذكرها ، وهذه الأسباب تعتبر من أسباب بطلان العقد وعدم اعتباره أصلاً عند جمهور الفقهاء ، وحيث إنّ البيع الفاسد هو مصطلح الحنفيّة فقط فيقتصر على ذكر أسباب الفساد عندهم :</p><p>أ - عدم القدرة على التّسليم إلاّ بتحمّل الضّرر :</p><p>8 - من شروط البيع الصّحيح : أن يكون المبيع مقدور التّسليم من غير ضرر يلحق البائع ، فإن لم يمكن تسليمه إلاّ بضرر يلزمه فالبيع فاسد ، لأنّ الضّرر لا يستحقّ بالعقد ، ولا يلزم بالتزام العاقد إلاّ تسليم المعقود عليه ، فأمّا ما وراءه فلا . </p><p>وعلى ذلك إذا باع جذعاً في سقف ، أو آجرّاً في حائط ، أو ذراعاً في ديباج فإنّه لا يجوز ، لأنّه لا يمكنه تسليمه إلاّ بالنّزع والقطع ، وفيه ضرر بالبائع ، والضّرر غير مستحقّ بالعقد . فكان بيع ما لا يجب تسليمه شرعاً ، فيكون فاسداً . </p><p>فإن نزعه البائع وسلّمه إلى المشتري قبل أن يفسخ العقد جاز البيع ، حتّى يجبر المشتري على الأخذ ، لأنّ المانع من الجواز ضرر البائع بالتّسليم ، فإذا سلّم باختياره ورضاه فقد زال المانع . ولو باع حلية سيفه ، فإن كان يتخلّص منه من غير ضرر يجوز ، وإن كان لا يتخلّص إلاّ بضرر فالبيع فاسد ، إلاّ إذا فصل وسلّم . </p><p>وكذلك الحكم في بيع ذراع من ثوب يضرّه التّبعيض ، وبيع فصّ خاتم مركّب فيه ، وكذا بيع نصيبه من ثوب مشترك من غير شريكه ، للضّرر في تسليم ذلك كلّه .</p><p>ب - جهالة المبيع أو الثّمن أو الأجل :</p><p>9 - من شروط صحّة البيع أن يكون المبيع والثّمن معلومين علماً يمنع من المنازعة ، فإن كان أحدهما مجهولاً جهالةً مفضيةً إلى المنازعة فسد البيع . فإذا قال : بعتك شاةً من هذا القطيع ، أو ثوباً من هذا العدل فسد البيع ، لأنّ الشّاة من القطيع أو الثّوب من العدل مجهول جهالةً مفضيةً إلى المنازعة ، لفحش التّفاوت بين شاة وشاة ، وثوب وثوب فيوجب الفساد . لكن إذا عيّن البائع شاةً أو ثوباً وسلّمه إليه ، ورضي به جاز ، ويكون ذلك ابتداءً بيعاً بالمراضاة . ولو باع شيئاً بعشرة دراهم ، وفي البلد نقود مختلفة ، انصرف إلى النّقد الغالب ، فيصحّ العقد ، لكنّه إذا كان في البلد عدّة نقود غالبة فالبيع فاسد ، لأنّ الثّمن مجهول إذ البعض ليس بأولى من البعض .</p><p>10 - وإذا كان البيع فيه أجل ، يشترط لصحّته أن يكون الأجل معلوماً ، فإن كان مجهولاً يفسد البيع ، سواء أكانت جهالة الأجل فاحشةً ، كهبوب الرّيح ونزول المطر وقدوم فلان وموته ونحو ذلك ، أم متقاربةً كالحصاد والدّياس والنّيروز والمهرجان وقدوم الحاجّ ونحو ذلك ، لأنّ الأوّل فيه غرر الوجود والعدم ، والنّوع الثّاني ممّا يتقدّم ويتأخّر فيؤدّي إلى المنازعة ، فيوجب فساد البيع .</p><p>ت - البيع بالإكراه :</p><p>11 - الإكراه إذا كان ملجئاً ، أي بالتّهديد بإتلاف النّفس أو العضو مثلاً ، يعدم الرّضا ويفسد الاختيار ، فيبطل عقد البيع وسائر العقود بغير خلاف . </p><p>أمّا الإكراه غير الملجئ ، كالتّهديد بالحبس والضّرر اليسير ، فيفسد البيع عند الحنفيّة ولا يبطله ، فيثبت به الملك عند القبض ، وينقلب صحيحاً لازماً بإجازة المكرَه ، لأنّ الإكراه غير الملجئ لا يعدم الاختيار - الّذي هو : ترجيح فعل الشّيء على تركه - ، وإنّما يعدم الرّضا - الارتياح إلى الشّيء - والرّضا ليس ركناً من أركان البيع ، بل هو شرط من شروط صحّته . كما هو مفصّل في بحث ( إكراه ) . وكذلك بيع المضطرّ فاسد ، كما إذا اضطرّ شخص إلى بيع شيء من ماله ولم يرض المشتري إلاّ بشرائه بأقلّ من ثمن المثل بغبن فاحش .</p><p>ث - الشّرط المفسد :</p><p>12 - من شروط صحّة البيع أن يكون خالياً عن الشّروط المفسدة ، وهي أنواع . </p><p>منها ما في وجوده غرر ، نحو ما إذا اشترى ناقةً على أنّها حامل ، لأنّ الشّرط يحتمل الوجود والعدم ولا يمكن الوقوف عليه للحال ، لأنّ عظم البطن والتّحرّك يحتمل أن يكون لعارض ، فكان في البيع بهذا الشّرط غرر يوجب فساده ، لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أنّه « نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر » . </p><p>ويروي الحسن بن زياد عن أبي حنيفة : أنّ البيع بهذا الشّرط جائز ، لأنّ كونها حاملاً بمنزلة شرط كون العبد كاتباً أو خيّاطاً ونحو ذلك ، وذا جائز ، فكذا هذا . </p><p>وقد ألحق بعض الفقهاء بهذا المثال شراء بقرة على أنّها حلوب ، أو قمريّةً على أنّها تصوّت ، أو كبشاً على أنّه نطاح ، أو ديكاً على أنّه مقاتل ، فالبيع فاسد عند أبي حنيفة ، وهو إحدى الرّوايتين عن محمّد ، لأنّه شرط فيه غرر . </p><p>وفي الموضوع أمثلة خلافيّة يرجع إليها في مظانّها . </p><p>ومن الشّروط الفاسدة الّتي تفسد العقد : كلّ شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للبائع أو للمشتري ، وليس بملائم ولا ممّا جرى به التّعامل بين النّاس . نحو : إذا باع داراً على أن يسكنها البائع شهراً ثمّ يسلّمها إليه ، أو أرضاً على أن يزرعها سنةً ، أو دابّةً على أن يركبها شهراً ، أو ثوباً على أن يلبسه أسبوعاً ، فالبيع في كلّ هذه الصّور فاسد ، لأنّ زيادة المنفعة المشروطة في البيع تكون رباً ، لأنّها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع ، والبيع الّذي فيه رباً فاسد . وكذا ما فيه شبهة الرّبا ، فإنّها مفسدة للبيع . ( ر : ربا ) . </p><p>ومن الشّروط المفسدة : شرط خيار مؤبّد في البيع ، وكذلك شرط خيار مؤقّت بأجل مجهول جهالةً فاحشةً ، كهبوب الرّيح ومجيء المطر مثلاً ، وتفصيله في مصطلح : ( شرط ) .</p><p>ج - اشتمال العقد على التّوقيت :</p><p>13 - من شروط صحّة البيع : ألا يكون العقد مؤقّتاً ، فإن أقّته فالبيع فاسد ، لأنّ عقد البيع عقد تمليك العين ، وعقود تمليك الأعيان لا تصحّ مؤقّتةً ، ولهذا عرّف بعض الفقهاء البيع بأنّه : عقد معاوضة ماليّة يفيد ملك عين على التّأبيد . </p><p>وللتّفصيل ينظر مصطلح : ( أجل ، تأقيت ) .</p><p>ح - اشتمال العقد على الرّبا :</p><p>14 - من شروط صحّة البيع : الخلوّ عن الرّبا ، لأنّ البيع الّذي فيه رباً فاسد عند الحنفيّة ، لأنّ الرّبا حرام بنصّ الكتاب الكريم . قال اللّه تعالى : { وأحلَّ اللّه البيعَ وحرَّمَ الرّبا } . وكذلك يشترط أن يكون البيع خالياً عن شبهة الرّبا ، واحتمال الرّبا . قال الكاسانيّ : حقيقة الرّبا كما هي مفسدة للبيع ، فاحتمال الرّبا مفسد له أيضاً ، ولأنّ الشّبهة ملحقة بالحقيقة في باب الحرمات احتياطاً ، وأصله ما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « الحلال بَيّنٌ والحرام بيّن ، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك » .</p><p>خ - البيع بغرر :</p><p>15 - الغرر هو خطر حصول الشّيء أو عدم حصوله ، فإذا كان الغرر في أصل المبيع ، بأن يكون محتملاً للوجود والعدم ، كبيع الثّمار قبل أن تخلق ، وبيع الطّير في الهواء قبل أن يصطاد ، فالعقد باطل ، وإن كان في أوصافه كبيع الرّطب على النّخل بتمر مقطوع فالعقد فاسد عند الحنفيّة لجهالة قدر المبيع . وتفصيله في مصطلح : ( غرر ) .</p><p>د - بيع المنقول قبل قبضه :</p><p>16 - من اشترى عيناً منقولةً لا يصحّ بيعه لها قبل قبضها من البائع الأوّل ، لما روي « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطّعام حتّى يقبض » . </p><p>ولأنّه بيع فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه ، لأنّه إذا هلك قبل القبض يبطل البيع الأوّل ، فينفسخ الثّاني ، لأنّه بناءً على الأوّل ، وسواء أباعه من بائعه الأوّل أو من غيره . وكذلك لو قبض نصف المبيع المنقول الّذي اشتراه ، فأشرك رجلاً فيما اشتراه جاز فيما قبض ، ولم يجز فيما لم يقبض ، لأنّ الإشراك نوع بيع والمبيع منقول ، فلم يكن غير المقبوض محلاً له شرعاً ، فلم يصحّ في غير المقبوض ، وصحّ في قدر المقبوض . ( ر : قبض ) .</p><p>تجزّؤ الفساد :</p><p>17 - الأصل اقتصار الفساد على قدر المفسد ، فالصّفقة إذا اشتملت على الصّحيح والفاسد يقتصر الفساد فيه على قدر المفسد ، ويصحّ في الباقي ، وهذا متّفق عليه بين فقهاء الحنفيّة إذا كان الفساد طارئاً . وقد ورد في صور بيع العينة : ما لو باع شيئاً بعشرة ولم يقبض الثّمن ، ثمّ اشتراه بخمسة لم يجز ، أمّا إذا اشترى ذلك الشّيء مضموماً إليه غيره فيصحّ . جاء في الهداية : أنّ من اشترى سلعةً بخمسمائة ، ثمّ باعها وأخرى معها بخمسمائة من البائع قبل نقد الثّمن ، فالبيع جائز في الّتي لم يشترها من البائع ، ولا يجوز في الأخرى لأنّه لا بدّ أن يجعل الثّمن بمقابلة الّتي لم يشترها ، فيكون مشترياً للأخرى بأقلّ ممّا باع قبل نقد الثّمن ، وهو فاسد بشبهة الرّبا . أمّا إذا كان الفساد مقارناً للعقد فكذلك الحكم عند أبي يوسف ومحمّد ، لأنّهما لا يفرّقان بين الفساد الطّارئ والفساد المقارن . </p><p>وقال أبو حنيفة : متى فسد العقد في البعض بمفسد مقارن يفسد في الكلّ لأنّه إذا كان الفساد مقارناً يصير قبول العقد في الفاسد شرط قبول العقد في الآخر ، وهذا شرط فاسد ، فيؤثّر في الكلّ ، ولم يوجد هذا المعنى في الفساد الطّارئ ، فاقتصر الفساد فيه على قدر المفسد . وعلى ذلك إذا اشترى ديناراً بعشرة دراهم نسيئةً ، ثمّ نقد بعض العشرة دون البعض في المجلس فسد الكلّ عند أبي حنيفة ، لأنّ الفساد مقارن للعقد ، فيؤثّر في فساد الكلّ . وعندهما يصحّ بقدر ما قبض ويفسد في الباقي ، بناءً على اقتصار الفساد على قدر المفسد .</p><p>أمثلة للبيع الفاسد :</p><p>18 - ذكر الحنفيّة في كتبهم - بعد بيان البيع الباطل - أمثلةً عن البيع الفاسد ، وذلك بناءً على أصلهم من التّفرقة بينهما ، ومن أمثلة البيع الفاسد : </p><p>بيع ما سكت فيه عن الثّمن ، كبيعه بقيمته ، وذراع من ثوب يضرّه التّبعيض ، وبيع الملامسة والمنابذة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة » وبيع اللّبن في الضّرع ، والصّوف على الظّهر ، واللّحم في الشّاة ، وجذع في سقف ، وثوب من ثوبين إذا لم يشترط فيه خيار التّعيين . </p><p>أمّا اللّبن في الضّرع فللجهالة واختلاط المبيع بغيره ، وكذا الصّوف على الظّهر ، ولاحتمال وقوع التّنازع ، وقد « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع لبن في ضرع ، وسمن في لبن » . </p><p>وأمّا اللّحم في الشّاة والجذع في السّقف فلا يمكن تسليمه إلاّ بضرر لا يستحقّ عليه . وكذلك ذراع من ثوب وحلية في سيف ، وإن قلعه وسلّمه قبل نقض البيع جاز . </p><p>ولو باع عيناً على أن يسلّمها إلى رأس الشّهر فهو فاسد ، لأنّ تأجيل الأعيان باطل ، إذ لا فائدة فيه ، لأنّ التّأجيل شرع في الأثمان تيسيراً على المشتري ، ليتمكّن من تحصيل الثّمن ، وأنّه معدوم في الأعيان فكان شرطاً فاسداً . </p><p>ومن البيع الفاسد : بيع المزابنة والمحاقلة ، لنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عنهما ، ولشبهة الرّبا فيهما . ولو باع على أن يقرض المشتري دراهم أو ثوباً على أن يخيطه البائع فالبيع فاسد ، « لأنّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط » ، وهذا شرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ، وفيه منفعة لأحد العاقدين فيفسد العقد . </p><p>والبيع إلى النّيروز والمهرجان وصوم النّصارى وفطر اليهود إذا جهل المتبايعان ذلك فاسد ، وكذلك البيع إلى الحصاد والقطاف والدّياس وقدوم الحاجّ لجهالة الأجل ، وهي تقضي إلى المنازعة ، وإن أسقط الأجل قبل حلوله جاز البيع عند فقهاء الحنفيّة ، خلافاً لزفر حيث قال : الفاسد لا ينقلب صحيحاً .</p><p>19 - هذا ، ومن أمثلة البيع الفاسد الّتي ذكرها الحنفيّة : البيع بالخمر والخنزير ، أو بيعهما مقايضةً بالعين ، فإذا قوبلا بالعين كما إذا اشترى الثّوب بالخمر ، أو باع الخمر بالثّوب فالبيع فاسد ، أمّا إن قوبلا بالدّين كالدّراهم والدّنانير فالبيع باطل . </p><p>ووجه الفرق كما ذكره المرغينانيّ : أنّ الخمر والخنزير مال عند أهل الذّمّة ، إلاّ أنّه غير متقوّم ، لأنّ الشّرع أمر بإهانته وترك إعزازه ، وفي تملّكه بالعقد إعزاز له ، وهذا لأنّه متى اشتراها بالدّراهم فالدّراهم غير مقصودة ، لكونها وسيلةً لما أنّها تجب في الذّمّة ، وإنّما المقصود الخمر ، فسقط التّقوّم أصلاً فبطل العقد ، بخلاف مشتري الثّوب بالخمر لأنّ فيه إعزازاً للثّوب دون الخمر . وكذا إذا باع الخمر بالثّوب فيكون العقد فاسداً ، لأنّه يعتبر شراء الثّوب بالخمر ، لكونه مقايضةً . </p><p>20 - وهناك صوراً أخرى اختلف فقهاء الحنفيّة في اعتبارها بيعاً فاسداً أو بيعها باطلاً ، كبيع الحمل ، وبيع الطّير في الهواء ، والسّمك في البحر قبل اصطيادهما لو قوبلا بالعرض ، وبيع ضربة القانص والغائص . وبيع لؤلؤ في صدف ، وكذلك بيع الآبق ،واللّبن في الضّرع. </p><p>آثار البيع الفاسد :</p><p>21 - تقدّم أنّه لا فرق بين بيع البيع الفاسد والبيع الباطل عند جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - في الجملة ، فكلاهما غير منعقد ، فلا اعتبار بالبيع الفاسد شرعاً ، كما أنّه لا اعتبار بالبيع الباطل عندهم . </p><p>ولمّا قال خليل في مختصره : وفسد منهيّ عنه ، فسّره الدّردير بقوله : أي بطل ، أي لم ينعقد ، سواء أكان عبادةً ، كصوم يوم العيد ، أم عقداً ، كنكاح المريض والمحرم ، وكبيع ما لا يقدر على تسليمه ، أو مجهول ، لأنّ النّهي يقتضي الفساد . </p><p>وكتب على نصّ خليل الدّسوقيّ قوله : أي منهيّ عن تعاطيه . وهذه قضيّة كلّيّة شاملة للعبادات والمعاملات ، وهي العقود . وصرّح الشّافعيّة بأنّه لو حذف المتعاقدان المفسد للعقد ، ولو في مجلس الخيار ، لم ينقلب صحيحاً ، إذ لا عبرة بالفاسد . وهذا يعني أنّ الفاسد عندهم لا تلحقه الإجازة ، كالباطل عند الحنفيّة . وقد أخذ القليوبيّ والجمل وغيرهما على الإمام النّوويّ - رحمه الله تعالى - أنّه أهمل هنا فصلاً في حكم البيع الفاسد والمقبوض بالشّراء الفاسد ، وذكروا أحكامه مختصرةً . أمّا الحنفيّة فيفرّقون بين البيع الفاسد والبيع الباطل ، ويعتبرون الفاسد منعقداً خلافاً للباطل فإنّه غير منعقد ، وله أحكام سبقت في مصطلحه . أمّا البيع الفاسد فله أحكام نجملها فيما يلي : </p><p>أوّلاً - انتقال الملك بالقبض :</p><p>22 - البيع الفاسد يفيد الملك بقبض المشتري المبيع بإذن البائع صريحاً أو دلالةً عند الحنفيّة ، كما إذا قبضه في المجلس وسكت البائع ، فيجوز للمشتري التّصرّف في المبيع ، ببيع أو هبة أو صدقة أو إجارة ونحو ذلك ، إلاّ الانتفاع . </p><p>قال ابن عابدين : إذا ملكه تثبت له كلّ أحكام الملك إلاّ خمسةً : لا يحلّ له أكله ، ولا لبسه ، ولا وطؤها - إن كان المبيع أمةً - ولا أن يتزوّجها منه البائع ، ولا شفعة لجاره لو عقاراً . ودليل جواز التّصرّف في المبيع فاسداً حديث « عائشة رضي الله عنها ، حيث ذكرت لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّها أرادت أن تشتري بريرة ، فأبى مواليها أن يبيعوها إلاّ بشرط : أن يكون الولاء لهم ، فقال لها : خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنّ - الولاء لمن أعتق ، فاشترتها مع شرط الولاء لهم » . فأجاز العتق مع فساد البيع بالشّرط . ولأنّ ركن التّمليك ، وهو قوله : بعت واشتريت ، صدر من أهله ، وهو المكلّف المخاطب مضافاً إلى محلّه وهو المال عن ولاية ، إذ الكلام فيهما ، فينعقد لكونه وسيلةً إلى المصالح ، والفساد لمعنًى يجاوره ، كالبيع وقت النّداء ، والنّهي لا ينفي الانعقاد بل يقرّره ، لأنّه يقتضي تصوّر المنهيّ عنه والقدرة عليه ، لأنّ النّهي عمّا لا يتصوّر ، وعن غير المقدور قبيح ، إلاّ أنّه يفيد ملكاً خبيثاً لمكان النّهي . واشترطوا لإفادة البيع الفاسد الملك شرطين : </p><p>أحدهما : القبض ، فلا يثبت الملك قبل القبض ، لأنّه واجب الفسخ رفعاً للفساد ، وفي وجوب الملك قبل القبض تقرّر الفساد . </p><p>والثّاني : أن يكون القبض بإذن البائع ، فإن قبض بغير إذن لا يثبت الملك .</p><p>23 - هذا ، واختلف علماء الحنفيّة في كيفيّة حصول الملك والتّصرّف في المبيع بيعاً فاسداً . قال بعضهم : إنّ المشتري يملك التّصرّف فيه باعتبار تسليط البائع له ، لا باعتبار تملّك العين ، ولهذا لا يجوز أكل طعام اشتراه شراءً فاسداً . وذهب بعضهم إلى أنّ جواز التّصرّف بناءً على ملك العين ، واستدلّوا بما إذا اشترى داراً بشراء فاسد وقبضها ، فبيعت بجنبها دار ، له أن يأخذها بالشّفعة لنفسه ، ولم يملكها لمّا استحقّ الشّفعة . لكن لا تجب فيه شفعة للشّفيع وإن كان يفيد الملك ، لأنّ حقّ البائع لم ينقطع . </p><p>أي لأنّ لكلّ من البائع والمشتري الفسخ .</p><p>انتقال الملك بالقيمة لا بالمسمّى :</p><p>24 - اتّفق الحنفيّة على أنّ حصول الملك بالقبض في البيع الفاسد في مقابل قيمة المبيع ، لا الثّمن المسمّى الّذي اتّفق عليه الطّرفان . وذلك لأنّ العقد منهيّ عنه ، والتّسمية فاسدة فلا يجب المسمّى ، والمعتبر في القيمة يوم القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، ويوم الإتلاف عند محمّد .</p><p>ثانياً : استحقاق الفسخ :</p><p>25 - البيع الفاسد ، مع كونه غير مشروع بوصفه ، فالفساد مقترن به ، ودفع الفساد واجب فيستحقّ فسخه ، ولأنّ الفاسد يفيد ملكاً خبيثاً لمكان النّهي ، فكان لكلّ واحد منهما حقّ الفسخ ، إزالةً للخبث ودفعاً للفساد . ولأنّ من أسباب البيع الفاسد اشتراط الرّبا وإدخال الآجال المجهولة ونحو ذلك ، وهذه معصية والزّجر عن المعصية واجب ، واستحقاق الفسخ يصلح زاجراً عن المعصية ، لأنّه إذا علم أنّه يفسخ ، فالظّاهر أنّه يمتنع عن المباشرة كما علّله الفقهاء . </p><p>ولا يشترط في فسخه قضاء قاض ، لأنّ الواجب شرعاً لا يحتاج إلى القضاء . ولكن لو أصرّا على إمساك المبيع بيعاً فاسداً وعلم بذلك القاضي فله فسخه جبراً عليهما ، حقّاً للشّرع . </p><p>شروط الفسخ :</p><p>26 - الفسخ مشروط بما يلي :</p><p>أ - أن يكون بعلم المتعاقد الآخر ، ولا يشترط رضاه ، ونقل الكاسانيّ عن الكرخيّ أنّ هذا الشّرط من غير خلاف : ثمّ نقل عن الإسبيجابيّ أنّه شرط عندهما خلافاً لأبي يوسف ، وأنّ الخلاف فيه كالخلاف في خيار الشّرط والرّؤية .</p><p>ب - أن يكون المبيع قائماً في يد أحدهما .</p><p>ج - أن لا يعرض له ما يتعذّر به الرّدّ .</p><p>من يملك الفسخ :</p><p>27 - الفسخ إمّا أن يكون قبل القبض أو بعده :</p><p>أ - فإن كان الفسخ قبل القبض ، فلكلّ من المتعاقدين الفسخ بعلم صاحبه من غير رضاه ، لأنّ البيع الفاسد قبل القبض لا يفيد الملك ، فكان الفسخ قبل القبض بمنزلة الامتناع من القبول والإيجاب ، فيملكه كلّ واحد منهما ، لكنّه - كما يقول الزّيلعيّ - يتوقّف على علمه ، لأنّ فيه إلزام الفسخ له ، فلا يلزمه بدون علمه .</p><p>ب - وإن كان الفسخ بعد القبض : فإمّا أن يكون الفساد راجعاً إلى البدلين أو إلى غيرهما : - 1 - فإن كان الفساد في صلب العقد ، بأن كان راجعاً إلى البدلين : المبيع والثّمن ، كبيع درهم بدرهمين ، وكالبيع بالخمر والخنزير ، فكذلك الحكم ، ينفرد أحدهما بالفسخ ، لأنّ الفساد الرّاجع إلى البدل راجع إلى صلب العقد ، فلا يمكن تصحيحه ، لأنّه لا قوام للعقد إلاّ بالبدلين ، فكان الفساد قويّاً ، فيؤثّر في صلب العقد ، بعدم لزومه في حقّ المتعاقدين جميعاً . - 2 - وإن كان الفساد غير راجع إلى البدلين ، كالبيع بشرط زائد ، كالبيع إلى أجل مجهول ، أو بشرط فيه نفع لأحدهما : </p><p>- فالإسبيجابيّ قرّر أنّ ولاية الفسخ لصاحب الشّرط ، بلا خلاف ، لأنّ الفساد الّذي لا يرجع إلى البدل ، لا يكون قويّاً فيحتمل السّقوط ، فيظهر في حقّ صاحب الشّرط ، فلا يلزمه </p><p>- وذكر الكرخيّ خلافاً في المسألة : ففي قول أبي حنيفة وأبي يوسف : لكلّ منهما الفسخ ، لعدم اللّزوم ، بسبب الفساد . وفي قول محمّد : الفسخ لمن له منفعة الشّرط ، لأنّه القادر على تصحيح العقد بإسقاط المفسد ، فلو فسخه الآخر ، لأبطل حقّه عليه ، هذا لا يجوز .</p><p>طريق فسخ البيع الفاسد :</p><p>28 - يفسخ العقد الفاسد بطريقين : </p><p>الأوّل : بالقول ، وذلك بأن يقول من يملك الفسخ : فسخت العقد ، أو رددته ، أو نقضته ، فينفسخ بذلك ، ولا يحتاج إلى قضاء ولا رضا البائع ، سواء أكان قبل القبض أم بعده ، لأنّ استحقاق الفسخ ثبت رفعاً للفساد ، ورفع الفساد حقّ للّه تعالى ، فيظهر في حقّ الكافّة ، ولا يتوقّف على قضاء ولا رضاء . </p><p>الثّاني : بالفعل ، وذلك بأن يردّ المبيع على بائعه بأيّ وجه ، بهبة أو صدقة ، أو إعارة ، أو بيع أو إجارة ، فإذا فعل ذلك ، ووقع المبيع في يد بائعه - حقيقةً ، أو حكماً كالتّخلية - فهو متاركة للبيع ، وبرئ المشتري من ضمانه .</p><p>ما يبطل به حقّ الفسخ :</p><p>29 - لا يسقط حقّ الفسخ بصريح الإبطال والإسقاط ، بأن يقول : أسقطت ، أو : أبطلت ، أو : أوجبت البيع ، أو ألزمته ، لأنّ وجوب الفسخ ثبت حقّاً للّه تعالى ، دفعاً للفساد ، وما ثبت حقّاً للّه تعالى خالصاً ، لا يقدر العبد على إسقاطه مقصوداً ، كخيار الرّؤية . </p><p>لكن قد يسقط بطريق الضّرورة ، بأن يتصرّف العبد في حقّ نفسه مقصوداً ، فيتضمّن ذلك سقوط حقّ اللّه عزّ وجلّ ، بطريق الضّرورة . وإذا بطل حقّ الفسخ لزم البيع ، وتقرّر الضّمان ، وإذا لم يبطل لا يلزم البيع ، ولا يتقرّر الضّمان . وفيما يلي أهمّ صور ذلك . </p><p>الصّورة الأولى : التّصرّف القوليّ في المبيع بيعاً فاسداً .</p><p>30 - أطلق الحنفيّة القول بأنّه يبطل حقّ الفسخ بكلّ تصرّف يخرج المبيع عن ملك المشتري لتعلّق حقّ العبد به . وهذا التّعليل هو الّذي أصّله المالكيّة ، وذلك كما لو جعل المبيع مهراً ، أو بدل صلح ، أو بدل إجارة ، وعلّلوه قائلين : لخروجه عن ملكه بذلك . </p><p>أو وهبه وسلّمه ، لأنّ الهبة لا تفيد الملك إلاّ بالتّسليم بخلاف البيع . </p><p>أو رهنه وسلّمه ، لأنّ الرّهن لا يلزم بدون التّسليم . </p><p>أو وقفه وقفاً صحيحاً ، لأنّه استهلكه حين وقفه وأخرجه عن ملكه . </p><p>أو أوصى به ثمّ مات ، لأنّه ينتقل من ملكه إلى ملك الموصى له ، وهو ملك مبتدأ ، فصار كما لو باعه . أو تصدّق به وسلّمه أيضاً ، لأنّه لا يخرج عن ملك المتصدّق بدون تسليم . </p><p>وكذا العتق ، فقد استثنوه لقوّته وسرايته وتشوّف الشّارع إليه . </p><p>31 - ففي هذه الصّور كلّها ، ينفذ البيع الفاسد ، ويمتنع فسخه وذلك :</p><p>أ - لأنّ المشتري ملكه ، فملك التّصرّف فيه .</p><p>ب - ولأنّه تعلّق حقّ العبد بالعقد الثّاني ، ونقض العقد الأوّل ما كان إلاّ لحقّ الشّرع ، وحقّ العبد عند معارضة حقّ اللّه تعالى يقدّم بإذنه تعالى ، لغناه سبحانه وتعالى وسعة عفوه ، وفقر العبد دائماً إلى ربّه .</p><p>ج - ولأنّ العقد الأوّل مشروع بأصله لا بوصفه ، والثّاني مشروع بأصله ووصفه ، فلا يعارضه مجرّد الوصف .</p><p>د - ولأنّ البيع الثّاني حصل بتسليط من جهة البائع الأوّل ، لأنّ التّمليك منه - مع الإذن في القبض - تسليط على التّصرّف ، فلا يتمكّن من الاسترداد من المشتري الثّاني ، وإلاّ كان ساعياً في نقض ما تمّ من جهته ، ويؤدّي إلى المناقضة . </p><p>32 - استثنى الحنفيّة من ذلك : الإجارة . فقرّروا أنّها لا تمنع من فسخ البيع الفاسد ، لأنّ الإجارة تفسخ بالأعذار ، ورفع الفساد من الأعذار ، بل لا عذر أقوى من الفساد ، كما يقول الكاسانيّ . ولأنّها - كما يقول المرغينانيّ - تنعقد شيئاً فشيئاً ، فيكون الرّدّ امتناعاً . ونصّ الحنفيّة على أنّه إذا زال المانع من ممارسة حقّ الفسخ - كما لو رجع الواهب بهبته ، أو أفتك الرّاهن رهنه - عاد الحقّ في الفسخ ، لأنّ هذه العقود لم توجب الفسخ من كلّ وجه في حقّ الكلّ . لكن يشترط أن يكون ذلك قبل القضاء بالقيمة أو المثل ، لا بعده ، لأنّ قضاء القاضي بذلك يبطل حقّ البائع في العين ، وينقله إلى القيمة أو المثل بإذن الشّرع ، فلا يعود حقّه إلى العين وإن ارتفع السّبب ، كما لو قضى على الغائب بقيمة المغصوب بسبب فقده مثلاً ، ثمّ وجد المغصوب .</p><p>الصّورة الثّانية : الأفعال الّتي ترد على المبيع بيعاً فاسداً :</p><p>33 - ومنها البناء والغرس ، فلو بنى المشتري في الأرض الّتي اشتراها شراءً فاسداً بناءً أو غرس شجراً : </p><p>فذهب أبو حنيفة إلى أنّه يمتنع الفسخ بالبناء والغرس ، وذلك لأنّهما استهلاك عنده ، لأنّه يقصد بهما الدّوام ، وقد حصلا بتسليط من البائع ، فينقطع بهما حقّ الاسترداد ، كالبيع . وذهب الصّاحبان إلى أنّ البناء والغرس لا يمنعان من الفسخ ، وللبائع أن ينقضهما ويستردّ المبيع ، وذلك لأنّ حقّ الشّفعة - مع ضعفه - لا يبطل بالبناء والغرس ، فهذا أولى . </p><p>34 - وممّا يمنع الفسخ الزّيادة في المبيع أو النّقص منه .</p><p>أ - أمّا الزّيادة : فقد قرّر الحنفيّة أنّ كلّ زيادة متّصلة بالمبيع ، غير متولّدة منه ، كما لو كان المبيع قماشاً فخاطه ، أو ثوباً فصبغه ، أو قمحاً فطحنه ، أو قطناً فغزله ، ففي هذه الصّور كلّها وأمثالها يمتنع الفسخ ، وتلزم المشتري قيمة المبيع . </p><p>وأمّا الزّيادة المتّصلة المتولّدة كسمن المبيع ، والزّيادة المنفصلة المتولّدة كالولد ، والزّيادة المنفصلة غير المتولّدة كالكسب والهبة ، فإنّها لا تمنع الفسخ .</p><p>ب - وأمّا نقص المبيع ، فقد قرّروا أنّه إذا نقص في يد المشتري ، لا يبطل حقّه في الرّدّ ، ولا يمتنع الفسخ . لكن إن نقص وهو في يده بفعله ، أو بفعل المبيع نفسه ، أو بآفة سماويّة يأخذه البائع منه ، ويضمّنه أرش النّقصان . </p><p>ولو نقص وهو في يد المشتري بفعل البائع ، اعتبر البائع بذلك مستردّاً له . </p><p>ولو نقص بفعل أجنبيّ ، خيّر البائع بأخذه من المشتري أو من الجاني . </p><p>35 - وقد وضع الزّيلعيّ من الحنفيّة ضابطاً لما يمتنع به من الأفعال حقّ الاسترداد والفسخ ، فقال : إنّ المشتري متى فعل بالمبيع فعلاً ، ينقطع به حقّ المالك في الغصب ، ينقطع به حقّ المالك في الاسترداد ، كما إذا كان حنطةً فطحنها .</p><p>ثالثاً : من أحكام البيع الفاسد : حكم الرّبح في البدلين بالبيع الفاسد :</p><p>36 - صرّح فقهاء الحنفيّة بأنّه يطيب للبائع ما ربح في الثّمن ، ولا يطيب للمشتري ما ربح في المبيع ، فلو اشترى من رجل عيناً بالبيع الفاسد بألف درهم مثلاً وتقابضا ، وربح كلّ واحد منهما فيما قبض ، يتصدّق الّذي قبض العين بالرّبح ، لأنّها تتعيّن بالتّعيين ، فتمكّن الخبث فيها ، ويطيب الرّبح للّذي قبض الدّراهم ، لأنّ النّقد لا يتعيّن بالتّعيين . </p><p>ومفاد هذا الفرق : أنّه لو كان بيع مقايضة ( أي بيع عين بعين ) لا يطيب الرّبح لهما ، لأنّ كلّاً من البدلين مبيع من وجه ، فتمكّن الخبث فيهما معاً .</p><p>رابعاً : قبول البيع الفاسد للتّصحيح :</p><p>37 - البيع الفاسد إمّا أن يكون الفساد فيه ضعيفاً أو قويّاً :</p><p>أ - فإذا كان الفساد ضعيفاً ، وهو ما لم يدخل في صلب العقد ، فإنّه يمكن تصحيحه كما في البيع بشرط خيار لم يوقّت ، أو وقّت إلى وقت مجهول كالحصاد والدّياس ، وكما في البيع بثمن مؤجّل إلى أجل مجهول مثلاً ، فإذا أسقط الأجل مَنْ له الحقّ فيه قبل حلوله ، وقبل فسخه ، جاز البيع لزوال المفسد ، ولو كان إسقاط الأجل بعد الافتراق على ما حرّره ابن عابدين كذلك سائر البياعات الفاسدة تنقلب جائزةً بحذف المفسد ، فبيع جذع في سقف فاسد ، وكذلك بيع ذراع من ثوب وحلية في سيف ، لأنّه لا يمكن تسليم المبيع إلاّ بضرر لا يستحقّ عليه ، لكنّه إن قلعه وسلّمه قبل نقض البيع جاز ، وليس للمشتري الامتناع . وبيع ثوب من ثوبين فاسد لجهالة المبيع ، لكنّه لو قال : على أن يأخذ أيّهما شاء جاز لعدم المنازعة . وإن باع بشرط أن يعطيه المشتري رهناً ، ولم يكن الرّهن معيّناً ولا مسمًّى ، فالبيع فاسد ، لكن إذا تراضيا على تعيين الرّهن في المجلس ، ورفعه المشتري إليه قبل أن يتفرّقا ، أو عجّل المشتري الثّمن يبطل الأجل ، فيجوز البيع استحساناً لزوال الفساد . </p><p>هذا كلّه عند أكثر فقهاء الحنفيّة ، خلافاً لزفر حيث قال : البيع إذا انعقد على الفساد لا يحتمل الجواز بعد ذلك برفع المفسد ، لما فيه من الاستحالة .</p><p>ب - أمّا إذا كان الفساد قويّاً ، بأن يكون في صلب العقد ، وهو البدل أو المبدل ، فلا يحتمل الجواز برفع المفسد اتّفاقاً ، كما إذا باع عيناً بألف درهم ورطل من خمر ، فحطّ الخمر عن المشتري ، فهذا البيع فاسد ولا ينقلب صحيحاً .</p><p>خامساً : الضّمان إذا هلك المبيع :</p><p>38 - لا يختلف الفقهاء في أنّ المبيع بيعاً فاسداً ، إذا هلك وهو في يد المشتري ، ثبت ضمانه عليه ، وذلك بردّ مثله إن كان مثليّاً - مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً - وردّ قيمته إن كان قيميّاً ، بالغةً ما بلغت ، سواء أكانت أكثر من الثّمن أم أقلّ منه أم مثله . </p><p>وتجب القيمة في القيميّ ، عند جمهور الحنفيّة يوم القبض ، لأنّه به يدخل في ضمانه ، فهو اليوم الّذي انعقد به سبب الضّمان . وعند محمّد تعتبر قيمته يوم الإتلاف ( الهلاك ) ، لأنّه بالإتلاف يتقرّر المثل أو القيمة </p><p>39 - أمّا لو نقص المبيع بيعاً فاسداً في يد المشتري ، فالنّقص مضمون عليه على النّحو التّالي :</p><p>أ - لو نقص في يد المشتري بفعل المشتري ، أو المبيع نفسه ، أو بآفة سماويّة ، أخذه البائع مع تضمين المشتري أرش النّقصان .</p><p>ب - ولو نقص بفعل البائع ، صار بذلك مستردّاً للمبيع ، حتّى لو هلك عند المشتري ولم يوجد منه حبس عن البائع ، هلك على البائع .</p><p>ج - ولو نقص بفعل أجنبيّ ، خيّر البائع : </p><p>- فإن شاء أخذه من المشتري ، ثمّ يرجع المشتري على الجاني . </p><p>- وإن شاء اتّبع الجاني ، وهو لا يرجع على المشتري .</p><p>سادساً : ثبوت الخيار فيه :</p><p>40 - نصّ الحنفيّة على أنّ خيار الشّرط يثبت في البيع الفاسد ، كما يثبت في البيع الجائز حتّى لو باع عبداً بألف درهم ورطل من خمر ، على أنّه بالخيار ، فقبضه المشتري بإذن البائع ، وأعتقه في الأيّام الثّلاثة لا ينفذ إعتاقه ، ولولا خيار الشّرط للبائع لنفذ إعتاق المشتري بعد القبض . قال ابن عابدين : ومفاده صحّة إعتاقه بعد مضيّ المدّة ، لزوال الخيار ، وهو ظاهر . وكما يثبت خيار الشّرط في المبيع بيعاً فاسداً ، يثبت فيه خيار العيب ، وللمشتري بعد قبضه أن يردّه بالعيب بقضاء وبغير قضاء .</p><p></p><p>بيع الفضوليّ *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - البيع في اللّغة : مبادلة شيء بشيء . </p><p>وفي الشّرع هو : مبادلة المال المتقوّم بالمال المتقوّم تمليكاً وتملّكاً . </p><p>والفضوليّ لغةً : مَنْ يشتغل بما لا يعنيه . </p><p>وأمّا في الاصطلاح فهو : من لم يكن وليّاً ولا أصيلاً ولا وكيلاً في العقد . </p><p>وجاء في العناية : أنّ الفضوليّ بضمّ الفاء لا غير ، والفضل : الزّيادة ، وغلب استعمال الجمع ( فضول ) بدلاً من المفرد ( فضل ) فيما لا خير فيه . وقيل : لمن يشتغل بما لا يعنيه فضوليّ ، وهو في اصطلاح الفقهاء : من ليس بوكيل . </p><p>وجاء في حاشية الشّلبيّ على تبيين الحقائق : وفي حاشية ابن عابدين أنّ الفضوليّ : هو من يتصرّف في حقّ الغير بغير إذن شرعيّ ، كالأجنبيّ يزوّج أو يبيع . ولم ترد النّسبة إلى الواحد وهو الفضل ، وإن كان هو القياس ، لأنّه صار بالغلبة كالعلم لهذا المعنى ، فصار كالأنصاريّ والأعرابيّ . هذا ، ولفظ الفضوليّ عند الفقهاء يتناول كلّ من يتصرّف بلا ملك ولا ولاية ولا وكالة ، كالغاصب إذا تصرّف في المغصوب بالبيع أو غيره ، والوكيل إذا باع أو اشترى أو تصرّف مخالفاً لما أمره به موكّله ، فهو أيضاً يعتبر بهذه المخالفة فضوليّاً ، لأنّه تجاوز الحدود الّتي قيّده بها موكّله .</p><p>الحكم التّكليفيّ :</p><p>2 - الفقهاء الّذين يرون أنّ بيع الفضوليّ باطل مقتضى مذهبهم حرمة الإقدام على بيع الفضوليّ لأنّه تسبّب للمعاملات الباطلة . أمّا من رأى صحّته - وهم الحنفيّة والمالكيّة - فقد صرّح المالكيّة بأنّ بيع الفضوليّ بلا مصلحة للمالك حرام ، أمّا إن باع للمصلحة كخوف تلف أو ضياع فغير حرام ، بل ربّما كان مندوباً . </p><p>ولم نجد للحنفيّة تصريحاً بالحكم التّكليفيّ . </p><p>الحكم الإجماليّ :</p><p>3 - للفقهاء في بيع الفضوليّ اتّجاهان من حيث الجملة . </p><p>أحدهما : يجيز البيع ويوقف نفاذه على إجازة المالك . </p><p>والثّاني : يمنع البيع ويبطله . وأمّا الشّراء ، فإنّ منهم من يجيزه ويجعله موقوفاً على الإجازة كالبيع ، ومنهم من لا يجعله كذلك ، ومنهم من يذكر فيه تفصيلاً .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41107, member: 329"] الحكم التّكليفيّ : 6 - يحرم الإقدام على البيع الفاسد إذا كان المتصرّف عالماً بفساده ، لأنّ فيه مخالفةً شرعيّةً ولو في وصف العقد ، والفاسد منهيّ عنه ، والنّهي يدلّ على كونه غير مباح . أسباب الفساد : 7 - ما يلي من الأسباب تفسد العقد عند الحنفيّة ولا تبطله ، والبيع في هذه الأحوال يفيد الحكم بشرط القبض ، ويطبّق عليه أحكام الفاسد الآتي ذكرها ، وهذه الأسباب تعتبر من أسباب بطلان العقد وعدم اعتباره أصلاً عند جمهور الفقهاء ، وحيث إنّ البيع الفاسد هو مصطلح الحنفيّة فقط فيقتصر على ذكر أسباب الفساد عندهم : أ - عدم القدرة على التّسليم إلاّ بتحمّل الضّرر : 8 - من شروط البيع الصّحيح : أن يكون المبيع مقدور التّسليم من غير ضرر يلحق البائع ، فإن لم يمكن تسليمه إلاّ بضرر يلزمه فالبيع فاسد ، لأنّ الضّرر لا يستحقّ بالعقد ، ولا يلزم بالتزام العاقد إلاّ تسليم المعقود عليه ، فأمّا ما وراءه فلا . وعلى ذلك إذا باع جذعاً في سقف ، أو آجرّاً في حائط ، أو ذراعاً في ديباج فإنّه لا يجوز ، لأنّه لا يمكنه تسليمه إلاّ بالنّزع والقطع ، وفيه ضرر بالبائع ، والضّرر غير مستحقّ بالعقد . فكان بيع ما لا يجب تسليمه شرعاً ، فيكون فاسداً . فإن نزعه البائع وسلّمه إلى المشتري قبل أن يفسخ العقد جاز البيع ، حتّى يجبر المشتري على الأخذ ، لأنّ المانع من الجواز ضرر البائع بالتّسليم ، فإذا سلّم باختياره ورضاه فقد زال المانع . ولو باع حلية سيفه ، فإن كان يتخلّص منه من غير ضرر يجوز ، وإن كان لا يتخلّص إلاّ بضرر فالبيع فاسد ، إلاّ إذا فصل وسلّم . وكذلك الحكم في بيع ذراع من ثوب يضرّه التّبعيض ، وبيع فصّ خاتم مركّب فيه ، وكذا بيع نصيبه من ثوب مشترك من غير شريكه ، للضّرر في تسليم ذلك كلّه . ب - جهالة المبيع أو الثّمن أو الأجل : 9 - من شروط صحّة البيع أن يكون المبيع والثّمن معلومين علماً يمنع من المنازعة ، فإن كان أحدهما مجهولاً جهالةً مفضيةً إلى المنازعة فسد البيع . فإذا قال : بعتك شاةً من هذا القطيع ، أو ثوباً من هذا العدل فسد البيع ، لأنّ الشّاة من القطيع أو الثّوب من العدل مجهول جهالةً مفضيةً إلى المنازعة ، لفحش التّفاوت بين شاة وشاة ، وثوب وثوب فيوجب الفساد . لكن إذا عيّن البائع شاةً أو ثوباً وسلّمه إليه ، ورضي به جاز ، ويكون ذلك ابتداءً بيعاً بالمراضاة . ولو باع شيئاً بعشرة دراهم ، وفي البلد نقود مختلفة ، انصرف إلى النّقد الغالب ، فيصحّ العقد ، لكنّه إذا كان في البلد عدّة نقود غالبة فالبيع فاسد ، لأنّ الثّمن مجهول إذ البعض ليس بأولى من البعض . 10 - وإذا كان البيع فيه أجل ، يشترط لصحّته أن يكون الأجل معلوماً ، فإن كان مجهولاً يفسد البيع ، سواء أكانت جهالة الأجل فاحشةً ، كهبوب الرّيح ونزول المطر وقدوم فلان وموته ونحو ذلك ، أم متقاربةً كالحصاد والدّياس والنّيروز والمهرجان وقدوم الحاجّ ونحو ذلك ، لأنّ الأوّل فيه غرر الوجود والعدم ، والنّوع الثّاني ممّا يتقدّم ويتأخّر فيؤدّي إلى المنازعة ، فيوجب فساد البيع . ت - البيع بالإكراه : 11 - الإكراه إذا كان ملجئاً ، أي بالتّهديد بإتلاف النّفس أو العضو مثلاً ، يعدم الرّضا ويفسد الاختيار ، فيبطل عقد البيع وسائر العقود بغير خلاف . أمّا الإكراه غير الملجئ ، كالتّهديد بالحبس والضّرر اليسير ، فيفسد البيع عند الحنفيّة ولا يبطله ، فيثبت به الملك عند القبض ، وينقلب صحيحاً لازماً بإجازة المكرَه ، لأنّ الإكراه غير الملجئ لا يعدم الاختيار - الّذي هو : ترجيح فعل الشّيء على تركه - ، وإنّما يعدم الرّضا - الارتياح إلى الشّيء - والرّضا ليس ركناً من أركان البيع ، بل هو شرط من شروط صحّته . كما هو مفصّل في بحث ( إكراه ) . وكذلك بيع المضطرّ فاسد ، كما إذا اضطرّ شخص إلى بيع شيء من ماله ولم يرض المشتري إلاّ بشرائه بأقلّ من ثمن المثل بغبن فاحش . ث - الشّرط المفسد : 12 - من شروط صحّة البيع أن يكون خالياً عن الشّروط المفسدة ، وهي أنواع . منها ما في وجوده غرر ، نحو ما إذا اشترى ناقةً على أنّها حامل ، لأنّ الشّرط يحتمل الوجود والعدم ولا يمكن الوقوف عليه للحال ، لأنّ عظم البطن والتّحرّك يحتمل أن يكون لعارض ، فكان في البيع بهذا الشّرط غرر يوجب فساده ، لما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أنّه « نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر » . ويروي الحسن بن زياد عن أبي حنيفة : أنّ البيع بهذا الشّرط جائز ، لأنّ كونها حاملاً بمنزلة شرط كون العبد كاتباً أو خيّاطاً ونحو ذلك ، وذا جائز ، فكذا هذا . وقد ألحق بعض الفقهاء بهذا المثال شراء بقرة على أنّها حلوب ، أو قمريّةً على أنّها تصوّت ، أو كبشاً على أنّه نطاح ، أو ديكاً على أنّه مقاتل ، فالبيع فاسد عند أبي حنيفة ، وهو إحدى الرّوايتين عن محمّد ، لأنّه شرط فيه غرر . وفي الموضوع أمثلة خلافيّة يرجع إليها في مظانّها . ومن الشّروط الفاسدة الّتي تفسد العقد : كلّ شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للبائع أو للمشتري ، وليس بملائم ولا ممّا جرى به التّعامل بين النّاس . نحو : إذا باع داراً على أن يسكنها البائع شهراً ثمّ يسلّمها إليه ، أو أرضاً على أن يزرعها سنةً ، أو دابّةً على أن يركبها شهراً ، أو ثوباً على أن يلبسه أسبوعاً ، فالبيع في كلّ هذه الصّور فاسد ، لأنّ زيادة المنفعة المشروطة في البيع تكون رباً ، لأنّها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع ، والبيع الّذي فيه رباً فاسد . وكذا ما فيه شبهة الرّبا ، فإنّها مفسدة للبيع . ( ر : ربا ) . ومن الشّروط المفسدة : شرط خيار مؤبّد في البيع ، وكذلك شرط خيار مؤقّت بأجل مجهول جهالةً فاحشةً ، كهبوب الرّيح ومجيء المطر مثلاً ، وتفصيله في مصطلح : ( شرط ) . ج - اشتمال العقد على التّوقيت : 13 - من شروط صحّة البيع : ألا يكون العقد مؤقّتاً ، فإن أقّته فالبيع فاسد ، لأنّ عقد البيع عقد تمليك العين ، وعقود تمليك الأعيان لا تصحّ مؤقّتةً ، ولهذا عرّف بعض الفقهاء البيع بأنّه : عقد معاوضة ماليّة يفيد ملك عين على التّأبيد . وللتّفصيل ينظر مصطلح : ( أجل ، تأقيت ) . ح - اشتمال العقد على الرّبا : 14 - من شروط صحّة البيع : الخلوّ عن الرّبا ، لأنّ البيع الّذي فيه رباً فاسد عند الحنفيّة ، لأنّ الرّبا حرام بنصّ الكتاب الكريم . قال اللّه تعالى : { وأحلَّ اللّه البيعَ وحرَّمَ الرّبا } . وكذلك يشترط أن يكون البيع خالياً عن شبهة الرّبا ، واحتمال الرّبا . قال الكاسانيّ : حقيقة الرّبا كما هي مفسدة للبيع ، فاحتمال الرّبا مفسد له أيضاً ، ولأنّ الشّبهة ملحقة بالحقيقة في باب الحرمات احتياطاً ، وأصله ما روي عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « الحلال بَيّنٌ والحرام بيّن ، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك » . خ - البيع بغرر : 15 - الغرر هو خطر حصول الشّيء أو عدم حصوله ، فإذا كان الغرر في أصل المبيع ، بأن يكون محتملاً للوجود والعدم ، كبيع الثّمار قبل أن تخلق ، وبيع الطّير في الهواء قبل أن يصطاد ، فالعقد باطل ، وإن كان في أوصافه كبيع الرّطب على النّخل بتمر مقطوع فالعقد فاسد عند الحنفيّة لجهالة قدر المبيع . وتفصيله في مصطلح : ( غرر ) . د - بيع المنقول قبل قبضه : 16 - من اشترى عيناً منقولةً لا يصحّ بيعه لها قبل قبضها من البائع الأوّل ، لما روي « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطّعام حتّى يقبض » . ولأنّه بيع فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه ، لأنّه إذا هلك قبل القبض يبطل البيع الأوّل ، فينفسخ الثّاني ، لأنّه بناءً على الأوّل ، وسواء أباعه من بائعه الأوّل أو من غيره . وكذلك لو قبض نصف المبيع المنقول الّذي اشتراه ، فأشرك رجلاً فيما اشتراه جاز فيما قبض ، ولم يجز فيما لم يقبض ، لأنّ الإشراك نوع بيع والمبيع منقول ، فلم يكن غير المقبوض محلاً له شرعاً ، فلم يصحّ في غير المقبوض ، وصحّ في قدر المقبوض . ( ر : قبض ) . تجزّؤ الفساد : 17 - الأصل اقتصار الفساد على قدر المفسد ، فالصّفقة إذا اشتملت على الصّحيح والفاسد يقتصر الفساد فيه على قدر المفسد ، ويصحّ في الباقي ، وهذا متّفق عليه بين فقهاء الحنفيّة إذا كان الفساد طارئاً . وقد ورد في صور بيع العينة : ما لو باع شيئاً بعشرة ولم يقبض الثّمن ، ثمّ اشتراه بخمسة لم يجز ، أمّا إذا اشترى ذلك الشّيء مضموماً إليه غيره فيصحّ . جاء في الهداية : أنّ من اشترى سلعةً بخمسمائة ، ثمّ باعها وأخرى معها بخمسمائة من البائع قبل نقد الثّمن ، فالبيع جائز في الّتي لم يشترها من البائع ، ولا يجوز في الأخرى لأنّه لا بدّ أن يجعل الثّمن بمقابلة الّتي لم يشترها ، فيكون مشترياً للأخرى بأقلّ ممّا باع قبل نقد الثّمن ، وهو فاسد بشبهة الرّبا . أمّا إذا كان الفساد مقارناً للعقد فكذلك الحكم عند أبي يوسف ومحمّد ، لأنّهما لا يفرّقان بين الفساد الطّارئ والفساد المقارن . وقال أبو حنيفة : متى فسد العقد في البعض بمفسد مقارن يفسد في الكلّ لأنّه إذا كان الفساد مقارناً يصير قبول العقد في الفاسد شرط قبول العقد في الآخر ، وهذا شرط فاسد ، فيؤثّر في الكلّ ، ولم يوجد هذا المعنى في الفساد الطّارئ ، فاقتصر الفساد فيه على قدر المفسد . وعلى ذلك إذا اشترى ديناراً بعشرة دراهم نسيئةً ، ثمّ نقد بعض العشرة دون البعض في المجلس فسد الكلّ عند أبي حنيفة ، لأنّ الفساد مقارن للعقد ، فيؤثّر في فساد الكلّ . وعندهما يصحّ بقدر ما قبض ويفسد في الباقي ، بناءً على اقتصار الفساد على قدر المفسد . أمثلة للبيع الفاسد : 18 - ذكر الحنفيّة في كتبهم - بعد بيان البيع الباطل - أمثلةً عن البيع الفاسد ، وذلك بناءً على أصلهم من التّفرقة بينهما ، ومن أمثلة البيع الفاسد : بيع ما سكت فيه عن الثّمن ، كبيعه بقيمته ، وذراع من ثوب يضرّه التّبعيض ، وبيع الملامسة والمنابذة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الملامسة والمنابذة » وبيع اللّبن في الضّرع ، والصّوف على الظّهر ، واللّحم في الشّاة ، وجذع في سقف ، وثوب من ثوبين إذا لم يشترط فيه خيار التّعيين . أمّا اللّبن في الضّرع فللجهالة واختلاط المبيع بغيره ، وكذا الصّوف على الظّهر ، ولاحتمال وقوع التّنازع ، وقد « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع لبن في ضرع ، وسمن في لبن » . وأمّا اللّحم في الشّاة والجذع في السّقف فلا يمكن تسليمه إلاّ بضرر لا يستحقّ عليه . وكذلك ذراع من ثوب وحلية في سيف ، وإن قلعه وسلّمه قبل نقض البيع جاز . ولو باع عيناً على أن يسلّمها إلى رأس الشّهر فهو فاسد ، لأنّ تأجيل الأعيان باطل ، إذ لا فائدة فيه ، لأنّ التّأجيل شرع في الأثمان تيسيراً على المشتري ، ليتمكّن من تحصيل الثّمن ، وأنّه معدوم في الأعيان فكان شرطاً فاسداً . ومن البيع الفاسد : بيع المزابنة والمحاقلة ، لنهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عنهما ، ولشبهة الرّبا فيهما . ولو باع على أن يقرض المشتري دراهم أو ثوباً على أن يخيطه البائع فالبيع فاسد ، « لأنّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط » ، وهذا شرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ، وفيه منفعة لأحد العاقدين فيفسد العقد . والبيع إلى النّيروز والمهرجان وصوم النّصارى وفطر اليهود إذا جهل المتبايعان ذلك فاسد ، وكذلك البيع إلى الحصاد والقطاف والدّياس وقدوم الحاجّ لجهالة الأجل ، وهي تقضي إلى المنازعة ، وإن أسقط الأجل قبل حلوله جاز البيع عند فقهاء الحنفيّة ، خلافاً لزفر حيث قال : الفاسد لا ينقلب صحيحاً . 19 - هذا ، ومن أمثلة البيع الفاسد الّتي ذكرها الحنفيّة : البيع بالخمر والخنزير ، أو بيعهما مقايضةً بالعين ، فإذا قوبلا بالعين كما إذا اشترى الثّوب بالخمر ، أو باع الخمر بالثّوب فالبيع فاسد ، أمّا إن قوبلا بالدّين كالدّراهم والدّنانير فالبيع باطل . ووجه الفرق كما ذكره المرغينانيّ : أنّ الخمر والخنزير مال عند أهل الذّمّة ، إلاّ أنّه غير متقوّم ، لأنّ الشّرع أمر بإهانته وترك إعزازه ، وفي تملّكه بالعقد إعزاز له ، وهذا لأنّه متى اشتراها بالدّراهم فالدّراهم غير مقصودة ، لكونها وسيلةً لما أنّها تجب في الذّمّة ، وإنّما المقصود الخمر ، فسقط التّقوّم أصلاً فبطل العقد ، بخلاف مشتري الثّوب بالخمر لأنّ فيه إعزازاً للثّوب دون الخمر . وكذا إذا باع الخمر بالثّوب فيكون العقد فاسداً ، لأنّه يعتبر شراء الثّوب بالخمر ، لكونه مقايضةً . 20 - وهناك صوراً أخرى اختلف فقهاء الحنفيّة في اعتبارها بيعاً فاسداً أو بيعها باطلاً ، كبيع الحمل ، وبيع الطّير في الهواء ، والسّمك في البحر قبل اصطيادهما لو قوبلا بالعرض ، وبيع ضربة القانص والغائص . وبيع لؤلؤ في صدف ، وكذلك بيع الآبق ،واللّبن في الضّرع. آثار البيع الفاسد : 21 - تقدّم أنّه لا فرق بين بيع البيع الفاسد والبيع الباطل عند جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - في الجملة ، فكلاهما غير منعقد ، فلا اعتبار بالبيع الفاسد شرعاً ، كما أنّه لا اعتبار بالبيع الباطل عندهم . ولمّا قال خليل في مختصره : وفسد منهيّ عنه ، فسّره الدّردير بقوله : أي بطل ، أي لم ينعقد ، سواء أكان عبادةً ، كصوم يوم العيد ، أم عقداً ، كنكاح المريض والمحرم ، وكبيع ما لا يقدر على تسليمه ، أو مجهول ، لأنّ النّهي يقتضي الفساد . وكتب على نصّ خليل الدّسوقيّ قوله : أي منهيّ عن تعاطيه . وهذه قضيّة كلّيّة شاملة للعبادات والمعاملات ، وهي العقود . وصرّح الشّافعيّة بأنّه لو حذف المتعاقدان المفسد للعقد ، ولو في مجلس الخيار ، لم ينقلب صحيحاً ، إذ لا عبرة بالفاسد . وهذا يعني أنّ الفاسد عندهم لا تلحقه الإجازة ، كالباطل عند الحنفيّة . وقد أخذ القليوبيّ والجمل وغيرهما على الإمام النّوويّ - رحمه الله تعالى - أنّه أهمل هنا فصلاً في حكم البيع الفاسد والمقبوض بالشّراء الفاسد ، وذكروا أحكامه مختصرةً . أمّا الحنفيّة فيفرّقون بين البيع الفاسد والبيع الباطل ، ويعتبرون الفاسد منعقداً خلافاً للباطل فإنّه غير منعقد ، وله أحكام سبقت في مصطلحه . أمّا البيع الفاسد فله أحكام نجملها فيما يلي : أوّلاً - انتقال الملك بالقبض : 22 - البيع الفاسد يفيد الملك بقبض المشتري المبيع بإذن البائع صريحاً أو دلالةً عند الحنفيّة ، كما إذا قبضه في المجلس وسكت البائع ، فيجوز للمشتري التّصرّف في المبيع ، ببيع أو هبة أو صدقة أو إجارة ونحو ذلك ، إلاّ الانتفاع . قال ابن عابدين : إذا ملكه تثبت له كلّ أحكام الملك إلاّ خمسةً : لا يحلّ له أكله ، ولا لبسه ، ولا وطؤها - إن كان المبيع أمةً - ولا أن يتزوّجها منه البائع ، ولا شفعة لجاره لو عقاراً . ودليل جواز التّصرّف في المبيع فاسداً حديث « عائشة رضي الله عنها ، حيث ذكرت لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّها أرادت أن تشتري بريرة ، فأبى مواليها أن يبيعوها إلاّ بشرط : أن يكون الولاء لهم ، فقال لها : خذيها واشترطي لهم الولاء ، فإنّ - الولاء لمن أعتق ، فاشترتها مع شرط الولاء لهم » . فأجاز العتق مع فساد البيع بالشّرط . ولأنّ ركن التّمليك ، وهو قوله : بعت واشتريت ، صدر من أهله ، وهو المكلّف المخاطب مضافاً إلى محلّه وهو المال عن ولاية ، إذ الكلام فيهما ، فينعقد لكونه وسيلةً إلى المصالح ، والفساد لمعنًى يجاوره ، كالبيع وقت النّداء ، والنّهي لا ينفي الانعقاد بل يقرّره ، لأنّه يقتضي تصوّر المنهيّ عنه والقدرة عليه ، لأنّ النّهي عمّا لا يتصوّر ، وعن غير المقدور قبيح ، إلاّ أنّه يفيد ملكاً خبيثاً لمكان النّهي . واشترطوا لإفادة البيع الفاسد الملك شرطين : أحدهما : القبض ، فلا يثبت الملك قبل القبض ، لأنّه واجب الفسخ رفعاً للفساد ، وفي وجوب الملك قبل القبض تقرّر الفساد . والثّاني : أن يكون القبض بإذن البائع ، فإن قبض بغير إذن لا يثبت الملك . 23 - هذا ، واختلف علماء الحنفيّة في كيفيّة حصول الملك والتّصرّف في المبيع بيعاً فاسداً . قال بعضهم : إنّ المشتري يملك التّصرّف فيه باعتبار تسليط البائع له ، لا باعتبار تملّك العين ، ولهذا لا يجوز أكل طعام اشتراه شراءً فاسداً . وذهب بعضهم إلى أنّ جواز التّصرّف بناءً على ملك العين ، واستدلّوا بما إذا اشترى داراً بشراء فاسد وقبضها ، فبيعت بجنبها دار ، له أن يأخذها بالشّفعة لنفسه ، ولم يملكها لمّا استحقّ الشّفعة . لكن لا تجب فيه شفعة للشّفيع وإن كان يفيد الملك ، لأنّ حقّ البائع لم ينقطع . أي لأنّ لكلّ من البائع والمشتري الفسخ . انتقال الملك بالقيمة لا بالمسمّى : 24 - اتّفق الحنفيّة على أنّ حصول الملك بالقبض في البيع الفاسد في مقابل قيمة المبيع ، لا الثّمن المسمّى الّذي اتّفق عليه الطّرفان . وذلك لأنّ العقد منهيّ عنه ، والتّسمية فاسدة فلا يجب المسمّى ، والمعتبر في القيمة يوم القبض عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، ويوم الإتلاف عند محمّد . ثانياً : استحقاق الفسخ : 25 - البيع الفاسد ، مع كونه غير مشروع بوصفه ، فالفساد مقترن به ، ودفع الفساد واجب فيستحقّ فسخه ، ولأنّ الفاسد يفيد ملكاً خبيثاً لمكان النّهي ، فكان لكلّ واحد منهما حقّ الفسخ ، إزالةً للخبث ودفعاً للفساد . ولأنّ من أسباب البيع الفاسد اشتراط الرّبا وإدخال الآجال المجهولة ونحو ذلك ، وهذه معصية والزّجر عن المعصية واجب ، واستحقاق الفسخ يصلح زاجراً عن المعصية ، لأنّه إذا علم أنّه يفسخ ، فالظّاهر أنّه يمتنع عن المباشرة كما علّله الفقهاء . ولا يشترط في فسخه قضاء قاض ، لأنّ الواجب شرعاً لا يحتاج إلى القضاء . ولكن لو أصرّا على إمساك المبيع بيعاً فاسداً وعلم بذلك القاضي فله فسخه جبراً عليهما ، حقّاً للشّرع . شروط الفسخ : 26 - الفسخ مشروط بما يلي : أ - أن يكون بعلم المتعاقد الآخر ، ولا يشترط رضاه ، ونقل الكاسانيّ عن الكرخيّ أنّ هذا الشّرط من غير خلاف : ثمّ نقل عن الإسبيجابيّ أنّه شرط عندهما خلافاً لأبي يوسف ، وأنّ الخلاف فيه كالخلاف في خيار الشّرط والرّؤية . ب - أن يكون المبيع قائماً في يد أحدهما . ج - أن لا يعرض له ما يتعذّر به الرّدّ . من يملك الفسخ : 27 - الفسخ إمّا أن يكون قبل القبض أو بعده : أ - فإن كان الفسخ قبل القبض ، فلكلّ من المتعاقدين الفسخ بعلم صاحبه من غير رضاه ، لأنّ البيع الفاسد قبل القبض لا يفيد الملك ، فكان الفسخ قبل القبض بمنزلة الامتناع من القبول والإيجاب ، فيملكه كلّ واحد منهما ، لكنّه - كما يقول الزّيلعيّ - يتوقّف على علمه ، لأنّ فيه إلزام الفسخ له ، فلا يلزمه بدون علمه . ب - وإن كان الفسخ بعد القبض : فإمّا أن يكون الفساد راجعاً إلى البدلين أو إلى غيرهما : - 1 - فإن كان الفساد في صلب العقد ، بأن كان راجعاً إلى البدلين : المبيع والثّمن ، كبيع درهم بدرهمين ، وكالبيع بالخمر والخنزير ، فكذلك الحكم ، ينفرد أحدهما بالفسخ ، لأنّ الفساد الرّاجع إلى البدل راجع إلى صلب العقد ، فلا يمكن تصحيحه ، لأنّه لا قوام للعقد إلاّ بالبدلين ، فكان الفساد قويّاً ، فيؤثّر في صلب العقد ، بعدم لزومه في حقّ المتعاقدين جميعاً . - 2 - وإن كان الفساد غير راجع إلى البدلين ، كالبيع بشرط زائد ، كالبيع إلى أجل مجهول ، أو بشرط فيه نفع لأحدهما : - فالإسبيجابيّ قرّر أنّ ولاية الفسخ لصاحب الشّرط ، بلا خلاف ، لأنّ الفساد الّذي لا يرجع إلى البدل ، لا يكون قويّاً فيحتمل السّقوط ، فيظهر في حقّ صاحب الشّرط ، فلا يلزمه - وذكر الكرخيّ خلافاً في المسألة : ففي قول أبي حنيفة وأبي يوسف : لكلّ منهما الفسخ ، لعدم اللّزوم ، بسبب الفساد . وفي قول محمّد : الفسخ لمن له منفعة الشّرط ، لأنّه القادر على تصحيح العقد بإسقاط المفسد ، فلو فسخه الآخر ، لأبطل حقّه عليه ، هذا لا يجوز . طريق فسخ البيع الفاسد : 28 - يفسخ العقد الفاسد بطريقين : الأوّل : بالقول ، وذلك بأن يقول من يملك الفسخ : فسخت العقد ، أو رددته ، أو نقضته ، فينفسخ بذلك ، ولا يحتاج إلى قضاء ولا رضا البائع ، سواء أكان قبل القبض أم بعده ، لأنّ استحقاق الفسخ ثبت رفعاً للفساد ، ورفع الفساد حقّ للّه تعالى ، فيظهر في حقّ الكافّة ، ولا يتوقّف على قضاء ولا رضاء . الثّاني : بالفعل ، وذلك بأن يردّ المبيع على بائعه بأيّ وجه ، بهبة أو صدقة ، أو إعارة ، أو بيع أو إجارة ، فإذا فعل ذلك ، ووقع المبيع في يد بائعه - حقيقةً ، أو حكماً كالتّخلية - فهو متاركة للبيع ، وبرئ المشتري من ضمانه . ما يبطل به حقّ الفسخ : 29 - لا يسقط حقّ الفسخ بصريح الإبطال والإسقاط ، بأن يقول : أسقطت ، أو : أبطلت ، أو : أوجبت البيع ، أو ألزمته ، لأنّ وجوب الفسخ ثبت حقّاً للّه تعالى ، دفعاً للفساد ، وما ثبت حقّاً للّه تعالى خالصاً ، لا يقدر العبد على إسقاطه مقصوداً ، كخيار الرّؤية . لكن قد يسقط بطريق الضّرورة ، بأن يتصرّف العبد في حقّ نفسه مقصوداً ، فيتضمّن ذلك سقوط حقّ اللّه عزّ وجلّ ، بطريق الضّرورة . وإذا بطل حقّ الفسخ لزم البيع ، وتقرّر الضّمان ، وإذا لم يبطل لا يلزم البيع ، ولا يتقرّر الضّمان . وفيما يلي أهمّ صور ذلك . الصّورة الأولى : التّصرّف القوليّ في المبيع بيعاً فاسداً . 30 - أطلق الحنفيّة القول بأنّه يبطل حقّ الفسخ بكلّ تصرّف يخرج المبيع عن ملك المشتري لتعلّق حقّ العبد به . وهذا التّعليل هو الّذي أصّله المالكيّة ، وذلك كما لو جعل المبيع مهراً ، أو بدل صلح ، أو بدل إجارة ، وعلّلوه قائلين : لخروجه عن ملكه بذلك . أو وهبه وسلّمه ، لأنّ الهبة لا تفيد الملك إلاّ بالتّسليم بخلاف البيع . أو رهنه وسلّمه ، لأنّ الرّهن لا يلزم بدون التّسليم . أو وقفه وقفاً صحيحاً ، لأنّه استهلكه حين وقفه وأخرجه عن ملكه . أو أوصى به ثمّ مات ، لأنّه ينتقل من ملكه إلى ملك الموصى له ، وهو ملك مبتدأ ، فصار كما لو باعه . أو تصدّق به وسلّمه أيضاً ، لأنّه لا يخرج عن ملك المتصدّق بدون تسليم . وكذا العتق ، فقد استثنوه لقوّته وسرايته وتشوّف الشّارع إليه . 31 - ففي هذه الصّور كلّها ، ينفذ البيع الفاسد ، ويمتنع فسخه وذلك : أ - لأنّ المشتري ملكه ، فملك التّصرّف فيه . ب - ولأنّه تعلّق حقّ العبد بالعقد الثّاني ، ونقض العقد الأوّل ما كان إلاّ لحقّ الشّرع ، وحقّ العبد عند معارضة حقّ اللّه تعالى يقدّم بإذنه تعالى ، لغناه سبحانه وتعالى وسعة عفوه ، وفقر العبد دائماً إلى ربّه . ج - ولأنّ العقد الأوّل مشروع بأصله لا بوصفه ، والثّاني مشروع بأصله ووصفه ، فلا يعارضه مجرّد الوصف . د - ولأنّ البيع الثّاني حصل بتسليط من جهة البائع الأوّل ، لأنّ التّمليك منه - مع الإذن في القبض - تسليط على التّصرّف ، فلا يتمكّن من الاسترداد من المشتري الثّاني ، وإلاّ كان ساعياً في نقض ما تمّ من جهته ، ويؤدّي إلى المناقضة . 32 - استثنى الحنفيّة من ذلك : الإجارة . فقرّروا أنّها لا تمنع من فسخ البيع الفاسد ، لأنّ الإجارة تفسخ بالأعذار ، ورفع الفساد من الأعذار ، بل لا عذر أقوى من الفساد ، كما يقول الكاسانيّ . ولأنّها - كما يقول المرغينانيّ - تنعقد شيئاً فشيئاً ، فيكون الرّدّ امتناعاً . ونصّ الحنفيّة على أنّه إذا زال المانع من ممارسة حقّ الفسخ - كما لو رجع الواهب بهبته ، أو أفتك الرّاهن رهنه - عاد الحقّ في الفسخ ، لأنّ هذه العقود لم توجب الفسخ من كلّ وجه في حقّ الكلّ . لكن يشترط أن يكون ذلك قبل القضاء بالقيمة أو المثل ، لا بعده ، لأنّ قضاء القاضي بذلك يبطل حقّ البائع في العين ، وينقله إلى القيمة أو المثل بإذن الشّرع ، فلا يعود حقّه إلى العين وإن ارتفع السّبب ، كما لو قضى على الغائب بقيمة المغصوب بسبب فقده مثلاً ، ثمّ وجد المغصوب . الصّورة الثّانية : الأفعال الّتي ترد على المبيع بيعاً فاسداً : 33 - ومنها البناء والغرس ، فلو بنى المشتري في الأرض الّتي اشتراها شراءً فاسداً بناءً أو غرس شجراً : فذهب أبو حنيفة إلى أنّه يمتنع الفسخ بالبناء والغرس ، وذلك لأنّهما استهلاك عنده ، لأنّه يقصد بهما الدّوام ، وقد حصلا بتسليط من البائع ، فينقطع بهما حقّ الاسترداد ، كالبيع . وذهب الصّاحبان إلى أنّ البناء والغرس لا يمنعان من الفسخ ، وللبائع أن ينقضهما ويستردّ المبيع ، وذلك لأنّ حقّ الشّفعة - مع ضعفه - لا يبطل بالبناء والغرس ، فهذا أولى . 34 - وممّا يمنع الفسخ الزّيادة في المبيع أو النّقص منه . أ - أمّا الزّيادة : فقد قرّر الحنفيّة أنّ كلّ زيادة متّصلة بالمبيع ، غير متولّدة منه ، كما لو كان المبيع قماشاً فخاطه ، أو ثوباً فصبغه ، أو قمحاً فطحنه ، أو قطناً فغزله ، ففي هذه الصّور كلّها وأمثالها يمتنع الفسخ ، وتلزم المشتري قيمة المبيع . وأمّا الزّيادة المتّصلة المتولّدة كسمن المبيع ، والزّيادة المنفصلة المتولّدة كالولد ، والزّيادة المنفصلة غير المتولّدة كالكسب والهبة ، فإنّها لا تمنع الفسخ . ب - وأمّا نقص المبيع ، فقد قرّروا أنّه إذا نقص في يد المشتري ، لا يبطل حقّه في الرّدّ ، ولا يمتنع الفسخ . لكن إن نقص وهو في يده بفعله ، أو بفعل المبيع نفسه ، أو بآفة سماويّة يأخذه البائع منه ، ويضمّنه أرش النّقصان . ولو نقص وهو في يد المشتري بفعل البائع ، اعتبر البائع بذلك مستردّاً له . ولو نقص بفعل أجنبيّ ، خيّر البائع بأخذه من المشتري أو من الجاني . 35 - وقد وضع الزّيلعيّ من الحنفيّة ضابطاً لما يمتنع به من الأفعال حقّ الاسترداد والفسخ ، فقال : إنّ المشتري متى فعل بالمبيع فعلاً ، ينقطع به حقّ المالك في الغصب ، ينقطع به حقّ المالك في الاسترداد ، كما إذا كان حنطةً فطحنها . ثالثاً : من أحكام البيع الفاسد : حكم الرّبح في البدلين بالبيع الفاسد : 36 - صرّح فقهاء الحنفيّة بأنّه يطيب للبائع ما ربح في الثّمن ، ولا يطيب للمشتري ما ربح في المبيع ، فلو اشترى من رجل عيناً بالبيع الفاسد بألف درهم مثلاً وتقابضا ، وربح كلّ واحد منهما فيما قبض ، يتصدّق الّذي قبض العين بالرّبح ، لأنّها تتعيّن بالتّعيين ، فتمكّن الخبث فيها ، ويطيب الرّبح للّذي قبض الدّراهم ، لأنّ النّقد لا يتعيّن بالتّعيين . ومفاد هذا الفرق : أنّه لو كان بيع مقايضة ( أي بيع عين بعين ) لا يطيب الرّبح لهما ، لأنّ كلّاً من البدلين مبيع من وجه ، فتمكّن الخبث فيهما معاً . رابعاً : قبول البيع الفاسد للتّصحيح : 37 - البيع الفاسد إمّا أن يكون الفساد فيه ضعيفاً أو قويّاً : أ - فإذا كان الفساد ضعيفاً ، وهو ما لم يدخل في صلب العقد ، فإنّه يمكن تصحيحه كما في البيع بشرط خيار لم يوقّت ، أو وقّت إلى وقت مجهول كالحصاد والدّياس ، وكما في البيع بثمن مؤجّل إلى أجل مجهول مثلاً ، فإذا أسقط الأجل مَنْ له الحقّ فيه قبل حلوله ، وقبل فسخه ، جاز البيع لزوال المفسد ، ولو كان إسقاط الأجل بعد الافتراق على ما حرّره ابن عابدين كذلك سائر البياعات الفاسدة تنقلب جائزةً بحذف المفسد ، فبيع جذع في سقف فاسد ، وكذلك بيع ذراع من ثوب وحلية في سيف ، لأنّه لا يمكن تسليم المبيع إلاّ بضرر لا يستحقّ عليه ، لكنّه إن قلعه وسلّمه قبل نقض البيع جاز ، وليس للمشتري الامتناع . وبيع ثوب من ثوبين فاسد لجهالة المبيع ، لكنّه لو قال : على أن يأخذ أيّهما شاء جاز لعدم المنازعة . وإن باع بشرط أن يعطيه المشتري رهناً ، ولم يكن الرّهن معيّناً ولا مسمًّى ، فالبيع فاسد ، لكن إذا تراضيا على تعيين الرّهن في المجلس ، ورفعه المشتري إليه قبل أن يتفرّقا ، أو عجّل المشتري الثّمن يبطل الأجل ، فيجوز البيع استحساناً لزوال الفساد . هذا كلّه عند أكثر فقهاء الحنفيّة ، خلافاً لزفر حيث قال : البيع إذا انعقد على الفساد لا يحتمل الجواز بعد ذلك برفع المفسد ، لما فيه من الاستحالة . ب - أمّا إذا كان الفساد قويّاً ، بأن يكون في صلب العقد ، وهو البدل أو المبدل ، فلا يحتمل الجواز برفع المفسد اتّفاقاً ، كما إذا باع عيناً بألف درهم ورطل من خمر ، فحطّ الخمر عن المشتري ، فهذا البيع فاسد ولا ينقلب صحيحاً . خامساً : الضّمان إذا هلك المبيع : 38 - لا يختلف الفقهاء في أنّ المبيع بيعاً فاسداً ، إذا هلك وهو في يد المشتري ، ثبت ضمانه عليه ، وذلك بردّ مثله إن كان مثليّاً - مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً - وردّ قيمته إن كان قيميّاً ، بالغةً ما بلغت ، سواء أكانت أكثر من الثّمن أم أقلّ منه أم مثله . وتجب القيمة في القيميّ ، عند جمهور الحنفيّة يوم القبض ، لأنّه به يدخل في ضمانه ، فهو اليوم الّذي انعقد به سبب الضّمان . وعند محمّد تعتبر قيمته يوم الإتلاف ( الهلاك ) ، لأنّه بالإتلاف يتقرّر المثل أو القيمة 39 - أمّا لو نقص المبيع بيعاً فاسداً في يد المشتري ، فالنّقص مضمون عليه على النّحو التّالي : أ - لو نقص في يد المشتري بفعل المشتري ، أو المبيع نفسه ، أو بآفة سماويّة ، أخذه البائع مع تضمين المشتري أرش النّقصان . ب - ولو نقص بفعل البائع ، صار بذلك مستردّاً للمبيع ، حتّى لو هلك عند المشتري ولم يوجد منه حبس عن البائع ، هلك على البائع . ج - ولو نقص بفعل أجنبيّ ، خيّر البائع : - فإن شاء أخذه من المشتري ، ثمّ يرجع المشتري على الجاني . - وإن شاء اتّبع الجاني ، وهو لا يرجع على المشتري . سادساً : ثبوت الخيار فيه : 40 - نصّ الحنفيّة على أنّ خيار الشّرط يثبت في البيع الفاسد ، كما يثبت في البيع الجائز حتّى لو باع عبداً بألف درهم ورطل من خمر ، على أنّه بالخيار ، فقبضه المشتري بإذن البائع ، وأعتقه في الأيّام الثّلاثة لا ينفذ إعتاقه ، ولولا خيار الشّرط للبائع لنفذ إعتاق المشتري بعد القبض . قال ابن عابدين : ومفاده صحّة إعتاقه بعد مضيّ المدّة ، لزوال الخيار ، وهو ظاهر . وكما يثبت خيار الشّرط في المبيع بيعاً فاسداً ، يثبت فيه خيار العيب ، وللمشتري بعد قبضه أن يردّه بالعيب بقضاء وبغير قضاء . بيع الفضوليّ * التّعريف : 1 - البيع في اللّغة : مبادلة شيء بشيء . وفي الشّرع هو : مبادلة المال المتقوّم بالمال المتقوّم تمليكاً وتملّكاً . والفضوليّ لغةً : مَنْ يشتغل بما لا يعنيه . وأمّا في الاصطلاح فهو : من لم يكن وليّاً ولا أصيلاً ولا وكيلاً في العقد . وجاء في العناية : أنّ الفضوليّ بضمّ الفاء لا غير ، والفضل : الزّيادة ، وغلب استعمال الجمع ( فضول ) بدلاً من المفرد ( فضل ) فيما لا خير فيه . وقيل : لمن يشتغل بما لا يعنيه فضوليّ ، وهو في اصطلاح الفقهاء : من ليس بوكيل . وجاء في حاشية الشّلبيّ على تبيين الحقائق : وفي حاشية ابن عابدين أنّ الفضوليّ : هو من يتصرّف في حقّ الغير بغير إذن شرعيّ ، كالأجنبيّ يزوّج أو يبيع . ولم ترد النّسبة إلى الواحد وهو الفضل ، وإن كان هو القياس ، لأنّه صار بالغلبة كالعلم لهذا المعنى ، فصار كالأنصاريّ والأعرابيّ . هذا ، ولفظ الفضوليّ عند الفقهاء يتناول كلّ من يتصرّف بلا ملك ولا ولاية ولا وكالة ، كالغاصب إذا تصرّف في المغصوب بالبيع أو غيره ، والوكيل إذا باع أو اشترى أو تصرّف مخالفاً لما أمره به موكّله ، فهو أيضاً يعتبر بهذه المخالفة فضوليّاً ، لأنّه تجاوز الحدود الّتي قيّده بها موكّله . الحكم التّكليفيّ : 2 - الفقهاء الّذين يرون أنّ بيع الفضوليّ باطل مقتضى مذهبهم حرمة الإقدام على بيع الفضوليّ لأنّه تسبّب للمعاملات الباطلة . أمّا من رأى صحّته - وهم الحنفيّة والمالكيّة - فقد صرّح المالكيّة بأنّ بيع الفضوليّ بلا مصلحة للمالك حرام ، أمّا إن باع للمصلحة كخوف تلف أو ضياع فغير حرام ، بل ربّما كان مندوباً . ولم نجد للحنفيّة تصريحاً بالحكم التّكليفيّ . الحكم الإجماليّ : 3 - للفقهاء في بيع الفضوليّ اتّجاهان من حيث الجملة . أحدهما : يجيز البيع ويوقف نفاذه على إجازة المالك . والثّاني : يمنع البيع ويبطله . وأمّا الشّراء ، فإنّ منهم من يجيزه ويجعله موقوفاً على الإجازة كالبيع ، ومنهم من لا يجعله كذلك ، ومنهم من يذكر فيه تفصيلاً . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية