الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41109" data-attributes="member: 329"><p>بيع الصّدقة والهبة قبل القبض :</p><p>13 - الصّدقة هي : تمليك المال في الحياة من يحتاجه بغير عوض ، تقرّباً إلى اللّه تعالى ، وجوباً أو ندباً . وهذا التّعريف - كما يرى - يشمل الصّدقة المفروضة ، الّتي تؤخذ من مال الغنيّ في آخر الحول وهي زكاة المال ، أو في آخر شهر الصّوم وهي زكاة الفطر تطهيراً للغنيّ والصّائم ، ويشمل الصّدقة المتطوّع بها ، وهي المستحبّة في جميع الأوقات . </p><p>وقد جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه المتقدّم آنفاً ، « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن شراء الصّدقات حتّى تقبض » . وفي حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم له : « لا تبع ما ليس عندك » .</p><p>14 - ويعتبر جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنبليّة وبعض المالكيّة الصّدقة ونحوها ، كالهبة والرّهن والقرض والإعارة والإيداع ، من عقود التّبرّعات ، الّتي لا تتمّ ولا تملّك إلاّ بالقبض ، والعقد فيها قبل القبض يعتبر عديم الأثر . </p><p>وعبارة المرغينانيّ في فصل الصّدقة : والصّدقة كالهبة لا تصحّ إلاّ بالقبض ، لأنّه ( أي التّصدّق ) تبرّع كالهبة . </p><p>بل قال الكاسانيّ : القبض شرط جواز الصّدقة ، لا تملّك قبل القبض ، عند عامّة العلماء . واستدلّ لذلك : بما روي « عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال خبراً عن اللّه سبحانه وتعالى : يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك يا بن آدم من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدّقت فأمضيت » اعتبر اللّه سبحانه وتعالى الإمضاء في الصّدقة ، والإمضاء هو التّسليم . فدلّ على أنّه شرط . </p><p>وبما روي عن أبي بكر وعمر وابن عبّاس ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم أنّهم قالوا : لا تتمّ الصّدقة إلاّ بالقبض . وبأنّ الصّدقة عقد تبرئة ، فلا يفيد الحكم بنفسه كالهبة . </p><p>وفي الهبة يقول : لو صحّت بدون القبض لثبت للموهوب له ولاية مطالبة الواهب بالتّسليم ، فتصير عقد ضمان ، وهذا تغيير المشروع . </p><p>وهذا الّذي قاله الحنفيّة ، هو الّذي يقابل المشهور من مذهب المالكيّة ، وهو ضعيف ، عبّروا عنه بقولهم : وقيل : إنّما تملك بالقبض وهذا النّصّ وإن ورد في الهبة ، لكنّ تعريفهم الصّدقة ، كما أشرنا إليه قبلاً وما يأتي من الأحكام ، يفيد التّعميم في الهبة والصّدقة . </p><p>وهو أيضاً مذهب الشّافعيّة ، إذ قالوا : لا يملك موهوب - بالمعنى الأعمّ الشّامل للصّدقة والهديّة - إلاّ بقبض بإذن الواهب . </p><p>وجاء في نصوص الشّافعيّة : إذا حلف لا يهب له ، فوهب له ولم يقبل ، أو قبل ولم يقبض لا يحنث في الأصحّ . وذلك لأنّه لا بدّ من القبول والقبض حتّى تصحّ الهبة وتتمّ . </p><p>وكذلك المذهب عند الحنابلة مطلقاً كما يقول المرداويّ . فقد صرّحوا بأنّ أنواع الهبة : صدقة وهديّة ونحلة ، ومعانيها متقاربة ، وكلّها تمليك في الحياة بلا عوض ، تجري فيها أحكامها أي تجري أحكام كلّ واحدة من المذكورات في البقيّة . </p><p>وقالوا : وتلزم الهبة بقبضها بإذن واهب ، ولا تلزم قبله ، أي قبل القبض بإذن الواهب ، ولو كانت الهبة في غير مكيل ونحوه ، ففي جميعها لا تلزم إلاّ بالقبض . </p><p>وقد استدلّ الحنابلة لما ذهبوا إليه - من إطلاق شرط القبض في الهبة ونحوها ، كالصّدقة الّتي نواجهها - بما روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنّ أبا بكر رضي الله عنه نحلها جذاذ عشرين وسقاً من ماله بالعالية ، فلمّا مرض قال : يا بنيّة : كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً ، ولو كنت جذذته أو قبضته كان ذلك ، فإنّما هو اليوم مال وارث ، فاقتسموه على كتاب اللّه تعالى . وذكر البهوتيّ أنّه روي عن عمر وعثمان ، وابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم ، نحو هذا ، ولم يعرف لهم مخالف من الصّحابة . ورتّبوا على اشتراط القبض ، جواز رجوع الواهب في هبته ( وكذا الصّدقة ) قبل القبض ، لعدم تمام العقد . </p><p>وخالف في اشتراط القبض المالكيّة في مشهور مذهبهم . فقرّروا أنّ الهبة ( وكذلك الصّدقة كما يؤخذ من تفريعاتهم ) تملك بالقول على المشهور ، وللموهوب له طلبها من الواهب ، إذا امتنع من تسليمها ، ليجبره على تمكين الموهوب له منها . </p><p>وأشار الحنابلة في كتبهم إلى دليل المالكيّة وهو حديث ابن عبّاس رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : العائد في هبته كالعائد في قيئه » ويروى « في صدقته » . ويروى « كالكلب يقيء ثمّ يعود في قيئه » . وجاء في نصوص المالكيّة :</p><p>أ - لو قال : داري صدقة أو هبة أو حبس على الفقراء ، لا يقضى عليه ( لعدم التّعيين ) .</p><p>ب - ولو قال : داري صدقة أو هبة أو حبس على زيد ، فإنّه يقضى عليه بذلك ، لأنّه قصد البرّ والقربة حينئذ .</p><p>ج - ولو قال : للّه عليّ دفع درهم لزيد أو للفقراء ، لا يقضى به مطلقاً ، وقيل يقضى . وعلّلوا هذا بأنّ القضاء لا بدّ فيه من تعيين المتصدّق عليه أو الموهوب له ، ولا بدّ فيه من قصد القربة . وفي رواية عن الإمام أحمد أنّه في المكيل والموزون لا تصحّ الهبة والصّدقة ، ولا تلزم فيه الصّدقة والهبة إلاّ بالقبض . </p><p>وفي غيرهما يصحّ بغير قبض ، ويلزم بمجرّد العقد . ويثبت فيه الملك بغير قبض . </p><p>وحاصل الدّليل في هذه التّفرقة القياس على البيع ، من حيث إنّها تمليك ، ففي البيع ما لا يلزم قبل القبض ، كالصّرف والرّبويّات ، وفيه ما يلزم قبل القبض ، وهو ما عدا ذلك . والخلاصة أنّ جمهور الفقهاء يشترطون القبض في التّبرّعات .</p><p></p><p>بيع المحاقلة *</p><p>1- المحاقلة في اللّغة : بيع الزّرع في سنبله بالبرّ أو بحنطة - كما يقول الفيّوميّ - وفي الاصطلاح : بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصاً . والخرص : الحزر . </p><p>وعرّفها الحنبليّة بما هو أعمّ ، وقالوا : هي بيع الحبّ في سنبله بجنسه .</p><p>2 - ولا يختلف الفقهاء ، في أنّ بيع المحاقلة غير جائز ، وهو فاسد عند الحنفيّة ، باطل عند غيرهم ، وذلك لحديث جابر رضي الله عنه قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة » . </p><p>ولأنّه بيع مكيل بمكيل من جنسه ، فلا يجوز خرصاً ، لأنّ فيه شبهة الرّبا الملحقة بالحقيقة في التّحريم . ولعدم العلم بالمماثلة - بتعبير الشّافعيّة عن معنى البطلان - ويقول الحنابلة في تمام التّعليل : والجهل بالتّساوي كالعلم بالتّفاضل . </p><p>وأيضاً تزيد المحاقلة - كما قال الشّافعيّة على المزابنة - بأنّ المقصود من المبيع فيها مستور بما ليس من صلاحه فانتفت الرّؤية أيضاً . </p><p>ويؤخذ من كتب المالكيّة ، التّعليل العامّ لفساد المزابنة ونحوهما بالغرر والرّبويّة في الرّبويّات في الجنس الواحد . ولزيادة التّفصيل ينظر مصطلح ( محاقلة ) .</p><p></p><p>بيع المرابحة *</p><p>انظر : مرابحة .</p><p></p><p>بيع المزابنة *</p><p>1 - المزابنة : مأخوذة من الزّبن ، وهو في اللّغة : الدّفع لأنّها تؤدّي إلى النّزاع والمدافعة . أي بسبب الغبن كما يقول الشّافعيّة . </p><p>وفي الاصطلاح الفقهيّ : عرّفها الجمهور بأنّها : بيع الرّطب على النّخيل بتمر مجذوذ ، مثل كيله خرصاً . ( أي ظنّاً وتقديراً ) والخرص : الحزر . وذلك بأن يقدّر الرّطب الّذي على النّخل بمقدار مائة صاع مثلاً ، بطريق الظّنّ والحزر ، فيبيع بقدره من التّمر . فلو لم يكن الثّمن رطباً فهو جائز بسبب اختلاف الجنس . </p><p>وعرّفها الدّردير من المالكيّة بأنّها : بيع مجهول بمعلوم ، ربويّ أو غيره . أو : بيع مجهول بمجهول من جنسه . وعرّفها ابن جزيّ ، منهم أيضاً ، بأنّها : بيع شيء رطب ، بيابس من جنسه ، سواء أكان ربويّاً ، أم غير ربويّ .</p><p>حكم بيع المزابنة :</p><p>2 - لم يختلف الفقهاء في حكم هذا البيع . فقد اتّفقوا على أنّه بيع فاسد ، ولا يصحّ ، وذلك لما يأتي : </p><p>- أ - حديث جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال : { نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة } . </p><p>- ب - ولشبهة الرّبا ، لأنّه بيع مكيل بمكيل من جنسه ، مع احتمال عدم المساواة بينهما بالكيل . ويصرّح الشّافعيّة بأنّ فيهما الرّبا ، لعدم العلم بالمماثلة فيهما . </p><p>- ج - وللغرر - كما علّله ابن جزيّ - . ومثل بيع الرّطب بالتّمر ، بيع العنب بالزّبيب ، كما ورد في بعض الرّوايات ، زيادةً على المذكور في الحديث السّابق : « وعن بيع العنب بالزّبيب ، وعن كلّ تمر بخرصه » وأطلق المالكيّة - لعلّه لذلك - عدم جواز بيع كلّ رطب بيابس من جنسه ، لا متفاضلاً ولا مثلاً بمثل ، حتّى الحبوب .</p><p></p><p>بيع المزايدة *</p><p>انظر : مزايدة .</p><p></p><p>بيع المساومة *</p><p>انظر : مساومة .</p><p></p><p>بيع المسترسل *</p><p>انظر : استرسال .</p><p></p><p>بيع الملامسة *</p><p>1 - الملامسة من بيوع الجاهليّة أيضاً . وقد ثبت النّهي عنها في الحديث ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة » . وفسّره أبو هريرة في رواية مسلم بقوله : أمّا الملامسة : فأن يلمس كلّ واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمّل . والمنابذة : أن ينبذ كلّ واحد ثوبه إلى الآخر ، ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه . وعن أبي سعيد الخدريّ « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين ولبستين : نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع » . والملامسة : لمس الرّجل ثوب الآخر بيده ، باللّيل أو بالنّهار ، ولا يقلّبه إلاّ بذلك . والمنابذة : أن ينبذ الرّجل إلى الرّجل ثوبه ، وينبذ الآخر إليه ثوبه ، ويكون بذلك بيعهما ، من غير نظر ولا تراض . </p><p>2 - وفسّرت الملامسة مع ذلك في الفقه بصور :</p><p>أ - أن يلمس ثوباً مطويّاً ، أو في ظلمة ، ثمّ يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه ، اكتفاءً بلمسه عن رؤيته . أو يلمس كلّ منهما ثوب صاحبه بغير تأمّل - كما يعبّر الحنفيّة - وذلك على سبيل المشاركة من الجانبين خلافاً لما أشار إليه الشّيخ الدّردير ، وخالفه فيه الشّيخ عليش وهو مأخوذ من التّفسير المأثور .</p><p>ب - أو يكون الثّوب مطويّاً ، فيقول البائع للمشتري : إذا لمسته فقد بعتكه ، اكتفاءً بلمسه عن الصّيغة . قال في المغرب : بيع الملامسة واللّماس ، أن يقول لصاحبه : إذا لمست ثوبك أو لمست ثوبي ، فقد وجب البيع .</p><p>ج - أو يبيعه شيئاً على أنّه متى لمسه لزم البيع ، وانقطع خيار المجلس وغيره ، وهو مرويّ عن أبي حنيفة ، أو يقول المشتري كذلك .</p><p>3 - وهذا البيع بصوره المذكورة كلّها ، فاسد عند عامّة الفقهاء ، قال ابن قدامة : لا نعلم فيه خلافاً ، وذلك لعدم الرّؤية في الصّورة الأولى ، مع لزوم البيع ، اكتفاءً باللّمس عن الرّؤية . ولعدم الصّيغة في الصّورة الثّانية . </p><p>كما قال الشّافعيّة . ولتعليق التّمليك على أنّه متى لمسه وجب البيع ، وسقط خيار المجلس في الثّالثة ، في تعبير الحنفيّة ، والتّملّكيّات لا تحتمله لأدائه إلى معنى القمار . </p><p>وعلّل الحنابلة الفساد بعلّتين : الأولى : الجهالة . والأخرى : كونه معلّقاً على شرط ، وهو لمس الثّوب . ولعلّ هذا هو الغرر المقصود في تعبير ابن قدامة . </p><p>وأجمل الشّوكانيّ التّعليل ، بالغرر والجهالة وإبطال خيار المجلس .</p><p>4 - هذا ، ونصّ المالكيّة في فروعهم التّفصيليّة هنا ، على أنّ الاكتفاء في لزوم البيع ، وتحقّقه باللّمس ، من غير أن ينشر الثّوب ويعلم ما فيه ، هو المفسد : قالوا : فلو باعه قبل التّأمّل فيه ، على شرط أن ينظر فيه بعد ذلك ، فإن أعجبه أمسكه وإلاّ ردّه ، كان جائزاً .</p><p></p><p>بيع المنابذة *</p><p>1 - بيع المنابذة أيضاً من بيوع الجاهليّة . وثبت النّهي عنها في صحاح الأحاديث ، كما ثبت عن الملامسة ، وفسّرت في بعضها . وصوّرها الفقهاء فيما يأتي :</p><p>أ - أن ينبذ كلّ واحد من المتبايعين ثوبه إلى الآخر ، ولا ينظر كلّ واحد منهما إلى ثوب صاحبه - أو ينبذه إليه بلا تأمّل كما عبّر المالكيّة - على جعل النّبذ بيعاً . وهذا التّفسير المأثور عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه في رواية مسلم : « فيكون ذلك بيعهما ، من غير نظر ولا تراض » وهو المنقول عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى .</p><p>ب - أن يجعلا النّبذ بيعاً ، اكتفاءً به عن الصّيغة ، فيقول أحدهما : أنبذ إليك ثوباً بعشرة ، فيأخذه الآخر " والصّورة الأولى فيها مشاركة بخلاف هذه " .</p><p>ج - أن يقول : بعتك هذا بكذا ، على أنّي إذا نبذته إليك ، لزم البيع وانقطع الخيار .</p><p>د - أن يقول : أيّ ثوب نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا ، وهذا ظاهر كلام أحمد - رحمه الله تعالى . هذا ولا بدّ أن يسبق تراوضهما على الثّمن مع ذلك ، وإلاّ كان المنع لعدم ذكر الثّمن . وقد سبق عن الحنفيّة ، أنّ السّكوت عن الثّمن مفسد للبيع ، ونفيه عنه مبطل له .</p><p>2 - وكلّ هذه الصّور فاسدة ، بلا خلاف بين أهل العلم ، صرّح بذلك ابن قدامة وغيره ، معلّلين الفساد : </p><p>- بالنّهي في الحديث الصّحيح المتقدّم . </p><p>- والجهالة ، وعلّل بها الحنفيّة والحنابلة . </p><p>- وتعليق التّمليك بالخطر ، لأنّه - في الصّورة الأولى الّتي ذكرها الحنفيّة - في معنى : إذا نبذت إليك الثّوب فقد اشتريته ، والتّمليكات لا تحتمله ، لأدائه إلى معنى القمار . </p><p>- ولعدم الرّؤية ، أو عدم الصّيغة ، أو للشّرط الفاسد ، كما علّل الشّافعيّة .</p><p></p><p>بيع منهيّ عنه *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - البيع في اللّغة والاصطلاح ، سبق الكلام عنه في مصطلح " بيع " . أمّا " المنهيّ عنه " فهو صيغة مفعول من النّهي . والنّهي لغةً : الزّجر عن الشّيء ، وهو : ضدّ الأمر . واصطلاحاً : طلب الكفّ عن الفعل على جهة الاستعلاء . </p><p>الأصل في البيع الحلّ إلاّ لطارئ :</p><p>2 - أنّ الأصل في البيع هو الإباحة والصّحّة ، حتّى يقوم الدّليل على الحظر أو الفساد . والدّليل على ذلك هو قول اللّه تعالى في كتابه العزيز : { وأحلّ اللّهُ البيعَ } فإنّه عامّ في إباحة جميع البيوع . ودليل العموم هو : أنّ لفظ البيع مفرد محلًّى بالألف واللام ، والمفرد المحلّى بالألف واللّام يفيد العموم عند أهل الأصول ، إذا لم يكن هناك عهد مطلقاً ، ولا قصد إلى إرادة الحقيقة والماهيّة . فصار حاصل معنى الآية : أنّ كلّ بيع حلال ، أخذاً بعموم اللّفظ . غير أنّ أهل العلم لم يختلفوا في أنّ هذه الآية ، وإن كان مخرجها مخرج العموم ، فقد لحقها التّخصيص ، لأنّهم - كما يقول الرّازيّ الجصّاص ، وكما سيأتي - متّفقون على حظر كثير من البياعات ، نحو بيع ما لم يقبض ، وبيع ما ليس عند الإنسان ، وبيع الغرر ، والمجاهيل وعقد البيع على المحرّمات من الأشياء . </p><p>وقد كان لفظ الآية يوجب جواز هذه البياعات ، وإنّما خصّت منها بدلائل ، إلاّ أنّ تخصيصها غير مانع من اعتبار عموم لفظ الآية ، فيما لم تقم الدّلالة على تخصيصه . </p><p>موجب النّهي :</p><p>3 - موجب النّهي عند الجمهور التّحريم إلاّ بقرينة تصرفه عن التّحريم إلى غيره ، كالكراهة أو الإرشاد أو الدّعاء أو نحوها . وهناك خلاف وتفصيل ينظر في الملحق الأصوليّ . وفي مصطلح : ( نهي ) . فإذا وجدت قرينة أو دليل يصرف النّهي عن التّحريم ، كان المراد بالنّهي الكراهة . وهي لغةً : ضدّ المحبّة . واصطلاحاً : تشمل :</p><p>أ - المكروه تحريماً ، وهو ما كان إلى الحرمة أقرب ، بمعنى أن يتعلّق به محذور دون استحقاق العقوبة بالنّار كحرمان الشّفاعة ، وهو المحمل عند إطلاق الكراهة - عند الحنفيّة - لكنّه عند الإمام محمّد حرام ثبتت حرمته بدليل ظنّيّ .</p><p>ب - كما تشمل المكروه تنزيهاً ، وهو ما كان إلى الحلّ أقرب ، بمعنى أنّه لا يعاقب فاعله أصلاً ، لكن يثاب تاركه أدنى ثواب ، فيكون تركه أولى من فعله . ويرادف المكروه تنزيهاً </p><p>( خلاف الأولى ) وكثيراً ما يطلقونه أيضاً . فإذا ذكروا مكروهاً : فلا بدّ من النّظر في دليله : أ - فإن كان نهياً ظنّيّاً ، يحكم بكراهة التّحريم ، إلاّ لصارف للنّهي عن التّحريم إلى النّدب .</p><p>ب - وإن لم يكن الدّليل نهياً ، بل كان مفيداً للتّرك غير الجازم ، فهي تنزيهيّة . وبين المكروهين : تحريماً وتنزيهاً ( الإساءة ) وهي دون المكروه تحريماً ، وفوق المكروه تنزيهاً . وتتمثّل بترك السّنّة عامداً غير مستخفّ ، فإنّ السّنّة يندب إلى تحصيلها ، ويلام على تركها ، مع لحوق إثم يسير . </p><p>وإذا كان الحنفيّة قد صرّحوا بأنّ لفظ المكروه إذا أطلق في كلامهم فالمراد منه التّحريم ، ما لم ينصّ على كراهة التّنزيه . فإنّ المالكيّة نصّوا على العكس ، فإنّ الكراهة متى أطلقت لا تنصرف إلاّ للتّنزيه . وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فإنّهم يطلقون ( الكراهة ) على ما يراد بالكراهة التّنزيهيّة عند غيرهم .</p><p>أسباب النّهي عن البيع :</p><p>4 - أسباب النّهي عقديّة أو غير عقديّة . والأسباب العقديّة منها ما يتعلّق بمحلّ العقد ، ومنها ما يتعلّق بلازم العقد : </p><p>الأسباب الّتي تتعلّق بمحلّ العقد :</p><p>محلّ العقد : وهو المعقود عليه . ويشترط فيه الفقهاء جملةً من الشّروط : </p><p>الشّرط الأوّل ما يتعلّق بالمعقود عليه :</p><p>5 - أن يكون المعقود عليه موجوداً حين العقد ( أي غير معدوم ) فلا يقع عندهم بيع المعدوم ، ويعتبر باطلاً . ويتمثّل هذا في البيوع الآتية : بيع المضامين ، والملاقيح ، وحبل الحبلة ، وبيع الجنين في بطن أمّه . </p><p>والمضامين : جمع مضمون ، كمجنون . وهي : ما في أصلاب الفحول ، عند الجمهور وبعض المالكيّة كابن جزيّ . </p><p>أمّا الملاقيح : فهي جمع ملقوحة وملقوح ، وهي : ما في أرحام الأنعام والخيل من الأجنّة . وفسّر الإمام مالك المضامين بأنّها : بيع ما في بطون إناث الإبل ، وأنّ الملاقيح بيع ما في ظهور الفحول . </p><p>وأمّا بيع حبل الحبلة فهو بيع نتاج النّتاج ، بأن يبيع ولد ما تلده هذه النّاقة أو الدّابّة ، فولد ولدها هو نتاج النّتاج . ولا يختلف الفقهاء في بطلان بيع هذه الجملة من البيوع . </p><p>قال ابن المنذر : وقد أجمعوا على أنّ بيع الملاقيح والمضامين غير جائز ، وذلك لحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة » . ولقول سعيد بن المسيّب : لا ربا في الحيوان ، وإنّما نهي من الحيوان عن ثلاثة : عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة .</p><p>ولأنّ في هذا البيع غرراً ، فعسى أن لا تلد النّاقة ، أو تموت قبل ذلك ، فهو بيع معدوم وماله خطر المعدوم . وعلّله الشّافعيّة بأنّه : بيع ما ليس بمملوك ، ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه . وعلّله الحنابلة : بالجهالة ، فإنّه لا تعلم صفته ولا حياته ، وبأنّه غير مقدور التّسليم ، وإذا لم يجز بيع الحمل ، فأولى أن لا يجوز بيع حمله .</p><p>6 - ومن قبيل بيع المعدوم أيضاً : بيع عسب الفحل . وقد روي في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ثمن عسب الفحل » ويروى : « عن عسب الفحل » . فقال الكاسانيّ فيها : ولا يمكن حمل النّهي على نفس العسب ، وهو الضّراب ، لأنّ ذلك جائز بالإعارة ، فيحمل على البيع والإجارة ، إلاّ أنّه حذف ذلك ، وأضمره فيه ، كما في قوله تعالى : { واسْأل القرية } . </p><p>وذكر الشّافعيّة نحو هذا في تأويل الحديث ، وطرقوا له ثلاثة أوجه من الاحتمالات ، ونصّوا - كغيرهم - على بطلان بيعه ، وقالوا : يحرم ثمن مائة ، ويبطل بيعه ، لأنّه غير معلوم ولا متقوّم ، ولا مقدور على تسليمه .</p><p>الشّرط الثّاني ما يتعلّق بمحلّ العقد :</p><p>7 - أن يكون المعقود عليه مالاً ، بمعناه الفقهيّ الاصطلاحيّ ، وهو : ما يميل إليه الطّبع ، ويجري فيه البذل والمنع . ( ر : مصطلح : مال ) فلا ينعقد بيع ما ليس بمال . وذلك مثل بيع المسلم الميتة فإنّه باطل ، سواء أماتت حتف أنفها ، أم ماتت بخنق ونحوه من غير تذكية ، وهذا لقوله تعالى : { حُرِّمَتْ عليكم الميتة والدّم } ولا يستثنى من ذلك إلاّ السّمك والجراد ، لحديث : « أحلّت لنا ميتتان ودمان : فأمّا الميتتان فالحوت والجراد ، وأمّا الدّمان فالكبد والطّحال » . أمّا بيع الذّمّيّ للميّتة ، فإن كان موتها حتف أنفها أي بغير ضرب ولا قتل - وهي : ما تنفّست حتّى انقضى رمقها - فهي ليست مالاً بالاتّفاق . </p><p>وأمّا ما لم يمت حتف أنفه ، بل مات خنقاً ، أو بما يدين به الذّمّيّ ، وليس تذكيةً في شرعنا فالرّوايات مختلفة عند الحنفيّة في جواز بيعه وفي فساده : فالرّواية عن أبي يوسف الجواز ، والرّواية عن محمّد الفساد ، ولا رواية في البطلان . </p><p>وأمّا غير الحنفيّة ، فلا يفرّقون بين ما مات حتف أنفه وما ليس كذلك في بطلان البيع . </p><p>قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على عدم جواز بيع الميتة أو شيء منها . </p><p>ودليل التّحريم حديث : « إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام » ويحرم ولا ينعقد بيع الدّم المسفوح ، لقوله تعالى : { أو دماً مَسْفوحاً } والتّقييد بالمسفوحيّة مخرج ما سواه ، فإنّه يجوز بيعه ، كالكبد والطّحال ، وقد استثنيا من تحريم الدّم ، بحديث</p><p> « أحلّت لنا ميتتان ودمان » ... " الآنف الذّكر ، ولا خلاف في ذلك ، وصرّح ابن المنذر والشّوكانيّ بإجماع أهل العلم على تحريم بيعه . </p><p>وعلّة تحريم بيع الميتة والدّم ونحوهما عند الحنفيّة انتفاء الماليّة ، وعند الآخرين نجاسة العين . ومن صوّر انتفاء الماليّة في محلّ العقد : بيع الحرّ . وكذلك البيع به ، بجعله ثمناً ، بإدخال الباء عليه ( كأن يقول : بعتك هذا البيت بهذا الغلام ، وهو حرّ ) لأنّ حقيقة البيع : مبادلة مال بمال . ولم يوجد هنا ، لأنّه ليس بمال . </p><p>وفي الوعيد الشّديد على تحريم هذا البيع ، ورد حديث : « ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، ومن كنت خصمه خصمته . رجل أعطى بي ثمّ غدر ، ورجل باع حرّاً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً ، فاستوفى منه ولم يعطه أجره » .</p><p>الشّرط الثّالث : التّقوّم :</p><p>8 - وممّا يتعلّق بمحلّ العقد - بعد كونه مالاً - أن يكون متقوّماً . </p><p>والتّقوّم عند الحنفيّة ضربان : </p><p>عرفيّ : ويكون بالإحراز ، فغير المحرز ، كالصّيد والحشيش ، ليس بمتقوّم . </p><p>وشرعيّ : ويكون بإباحة الانتفاع به ، وهو المراد هنا . فما ليس بمتقوّم من المال بهذا المعنى ، وهو غير ما كان الانتفاع به غير مباح ، يبطل بيعه . ومن الفقهاء من استغنى عن الماليّة والتّقوّم ، بشرطي الطّهارة والنّفع ، كما فعل المالكيّة والشّافعيّة . </p><p>ومنهم من استغنى عن شرط التّقوّم هذا بشرط الماليّة ، بتعريف المال عنده بأنّه : ما فيه منفعة غير محرّمة ، ويباح لغير حاجة أو ضرورة . وهؤلاء هم الحنابلة . </p><p>فخرج بقيد المنفعة ، ما لا منفعة فيه أصلاً : كالحشرات ، وما فيه منفعة محرّمة كالخمر . وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب . وما فيه منفعة مباحة للضّرورة ، كالميتة في حال المخمصة . </p><p>9 - فمن أمثلة غير المتقوّم : بيع الخمر والخنزير ، فإنّه فاسد عند جمهور الفقهاء . والمعنى فيه هو نجاسة عينه ، ويلحق بهما باقي نجس العين ، وكذا كلّ ما نجاسته أصليّة أو ذاتيّة ولا يمكن تطهيره . ونقل ابن قدامة عن ابن المنذر إجماع أهل العلم على القول به ودليله حديث جابر المتقدّم : « إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام » . والحنفيّة فرّقوا بين بيع المذكورات بثمن أو بدين ثابت في الذّمّة ، فهو باطل . </p><p>وبين بيعها بأعيان أو عروض ، فإنّ البيع يبطل في الخمر ، ويفسد فيما يقابلها من العروض والأعيان . ووجه الفرق : أنّ المبيع هو الأصل في البيع ، وليست الخمر ونحوها محلاً للتّمليك ، فبطل البيع فيها ، فكذا يبطل في ثمنها . </p><p>أمّا إذا كان الثّمن عيناً ، فإنّه حينئذ مبيع من وجه ، مقصود بالتّملّك ، ولكن فسدت التّسمية ، فوجبت قيمته دون الخمر المسمّى . </p><p>وكذلك فرّق الحنفيّة في بيع المذكورات بين المسلم وبين الذّمّيّ . وفي هذا يقول الكاسانيّ : ولا ينعقد بيع الخنزير من المسلم ، لأنّه ليس بمال في حقّ المسلمين . فأمّا أهل الذّمّة ، فلا يمنعون من تبايع الخمر والخنزير فيما بينهم لما يلي :</p><p>أ - أمّا على قول بعض مشايخنا ، فلأنّه مباح الانتفاع به شرعاً لهم ، كالخلّ وكالشّاة لنا ، فكان مالاً في حقّهم ، فيجوز بيعه . وروي عن سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه :" أنّه كتب إلى عشّاره بالشّام : أن ولّوهم بيعها ، وخذوا العشر من أثمانها ". </p><p>ولو لم يجز بيع الخمر منهم لما أمرهم بتوليتهم البيع .</p><p>ب - وعن بعض مشايخنا : حرمة الخمر والخنزير ثابتة على العموم في حقّ المسلم والكافر ، لأنّ الكفّار مخاطبون بشرائع هي حرمات ، وهو الصّحيح من مذهب أصحابنا ، فكانت الحرمة ثابتةً في حقّ المسلم والكافر ، لكنّهم لا يمنعون من بيعها ، لأنّهم لا يعتقدون حرمتها ، ويتموّلونها ، ونحن أمرنا بتركهم وما يدينون . فيقول ابن عابدين - رحمه الله - معلّقاً على عبارة الكاسانيّ : وظاهره الحكم بصحّتها فيما بينهم ، ولو بيعت بالثّمن .</p><p>10 - ومن أمثلة غير المتقوّم أيضاً عند الحنفيّة ، الميتة الّتي لم تمت حتف أنفها ، بل ماتت بالخنق ونحوه ، فإنّها مال عند الذّمّيّ كالخمر . وسبق الكلام عنها في شرط الماليّة .</p><p>11 - ويتّصل بغير المتقوّم : المتنجّس الّذي لا يقبل التّطهير ، كالسّمن والزّيت والعسل واللّبن والخلّ . </p><p>والمشهور والأصحّ من مذهب الأكثرين من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : عدم جواز بيعها ، لأنّ أكلها حرام ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « سئل عن الفأرة تموت في السّمن ، فقال : ... وإن كان مائعاً فلا تقربوه » وإذا كان حراماً لم يجز بيعه لحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : لعن اللّه اليهود ، حرّمت عليهم الشّحوم ، فجمّلوها " أي أذابوها " فباعوها » ... </p><p>ولأنّها نجسة ، فلا يجوز بيعها ، قياساً على شحم الميتة ، فهي في معنى نجس العين . </p><p>وقد قرّر المالكيّة أنّ مشهور مذهبهم هو عدم جواز بيعها اختياراً ، أمّا اضطراراً فيصحّ . ومقابل المشهور رواية وقعت لمالك ، هي جواز بيعه ، وكان يفتي بها ابن اللّبّاد . </p><p>قال ابن رشد : والمشهور عن مالك ، المعلوم من مذهبه في المدوّنة وغيرها ، أنّ بيعه لا يجوز ، والأظهر أنّ بيعه جائز ممّن لا يغشّ به إذا بيّن ، لأنّ تنجيسه بسقوط النّجاسة فيه لا يسقط ملك ربّه عنه ، ولا يذهب جملة المنافع منه ، ولا يجوز أن يتلف عليه ، فجاز له أن يبيعه ممّن يصرفه فيما كان له هو أن يصرفه فيه ، وهذا في الزّيت على مذهب من لا يجيز غسله . وأمّا على مذهب من يجيز غسله - وروي ذلك عن مالك - فسبيله في البيع سبيل الثّوب المتنجّس . وجعل ابن جزيّ قياس ابن رشد ممّا أجازه ابن وهب إذا بيّن . وأشار إلى الاختلاف في الاستصباح به في غير المساجد . </p><p>وفي قول للشّافعيّة ، هو مقابل الأصحّ عندهم : أنّه إذا أمكن تطهيره ، بأن يصبّ عليه في إناء ماء يغلبه ، ويحرّك بخشبة حتّى يصل إلى جميع أجزائه ، جاز بيعه قياساً على الثّوب المتنجّس . والأصحّ عندهم المنع من البيع ، لتعذّر التّطهير ، لحديث الفأرة المتقدّم ، فإنّه لو أمكن تطهيره لم يقل في الحديث : « ألقوها وما حولها » وفي رواية : « فأريقوه » وكذلك الخلاف عندهم في بيع الماء النّجس . فيجوز عند بعضهم ، لإمكان تطهيره بالمكاثرة . </p><p>وجزم بعضهم بمنع الجواز ، وهو المعتمد - كما يقول القليوبيّ نقلاً عن شيخه - إن كان دون القلّتين ، وذلك نظراً إلى النّجاسة الآن ، فإن كان أكثر من قلّتين صحّ عندهم . </p><p>وكذلك الحنابلة الّذين لم يستجيزوا بيع الدّهن النّجس ، رووا عن الإمام أحمد أنّه يجوز بيعه لكافر يعلم نجاسته ، وذلك لأنّه يعتقد حلّه ، ويستبيح أكله ، ولأنّه روي عن أبي موسى : لتّوا به السّويق وبيعوه ، ولا تبيعوه من مسلم ، وبيّنوه . لكنّ الصّحيح عند الحنابلة عدم الجواز لحديث ابن عبّاس المتقدّم : « لعن اللّه اليهود ، حرّمت عليهم الشّحوم فجمّلوها » . ولأنّه لا يجوز بيعها من مسلم ، فلا يجوز بيعها من كافر ، كالخمر والخنزير ، فإنّهم يعتقدون حلّه ، ولا يجوز بيعه لهم . ولأنّه دهن نجس ، فلم يجز بيعه لكافر ، كشحوم الميتة . </p><p>هذا ، وأمّا الثّوب المتنجّس أو الإناء المتنجّس ونحوهما من كلّ ما يطهر بالغسل من المتنجّسات فقد نصّوا على صحّة بيعه ، لما أنّه ينتفع به بعد التّطهير ، وطهارته أصليّة ، وإنّما عرض لها نجاسة يمكن إزالتها . </p><p>وقد أوجب المالكيّة تبيين النّجاسة مطلقاً ، سواء أكان الثّوب - مثلاً - جديداً أم قديماً ، وسواء أكان ممّا يفسده الغسل أم لا ، وسواء أكان المشتري يصلّي أم لا ، قالوا : لأنّ النّفوس تكرهه ، فإن لم يبيّن وجب للمشتري الخيار . </p><p>أمّا الحنفيّة فقد نصّوا - خلافاً للأصحّ المشهور عند الجمهور - على جواز بيع الدّهن المتنجّس ، وهو الّذي عرضت له النّجاسة ، وأجازوا الانتفاع به في غير الأكل ، كالاستصباح به في غير المساجد والدّبّاغة وغيرهما . </p><p>وفرّقوا بين الدّهن المتنجّس وبين دهن الميتة ، فإنّ هذا نجس ، لأنّه جزؤها ، فلا يكون مالاً ، فلا يجوز بيعه اتّفاقاً ، كما لا يجوز الانتفاع به واستدلّ له ابن عابدين - رحمه الله - بحديث : « إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام . فقيل يا رسول اللّه أرأيت شحوم الميتة ، فإنّها يطلى بها السّفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها النّاس ؟ فقال : لا ، هو حرام » .</p><p>12 - ويتّصل بغير المتقوّم والنّجاسات والمتنجّسات ، بيع عظم الميتة وجلدها وصوفها وحافرها وريشها ونحوها . ومذهب الجمهور : أنّه لا يجوز بيعها لنجاستها ، لقوله تعالى : { حرّمت عليكم الميتة } وهذه أجزاء الميتة ، فتكون حراماً ، فلا يجوز بيعها . وقد جاء في الحديث : « لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب » . بل نصّ الحنابلة على عدم جواز بيع شيء من الميتة ، ولو كان ذلك لمضطرّ ، إلاّ السّمك والجراد والجندب ، لحلّ أكلها . </p><p>أمّا الحنفيّة ففصّلوا في هذه المسألة بين غير الآدميّ وبين الآدميّ ، وبين جلد الميتة قبل الدّبغ وبين جلدها بعد الدّبغ . قالوا :</p><p>أ - إنّ جلد الميتة قبل الدّبغ لا يجوز بيعه ، لما روي في الحديث المتقدّم آنفاً : « لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب » ولأنّ نجاسته من الرّطوبات المتّصلة به بأصل الخلقة ، فصار كلحم الميتة . بخلاف الثّوب النّجس حيث يجوز بيعه ، لأنّ نجاسته ليست بأصل الخلقة ، فلا يمنع من جواز البيع .</p><p>ب - أمّا بعد الدّبغ فإنّه يجوز بيعه والانتفاع به ، لأنّه طهر بالدّبّاغ .</p><p>ج - أمّا العظم ونحوه ، فإنّه طاهر بأصل الخلقة ، والقاعدة عندهم : أنّ كلّ شيء لا يسري فيه الدّم لا ينجس بالموت ، كالشّعر والرّيش والوبر والقرن والحافر والعظم - كما نصّوا عليه في الطّهارات - فيجوز بيعه والانتفاع به ، ودليلهم على ذلك ، كما ذكره الكاسانيّ : أنّ اللّه تعالى جعل لنا هذه الأشياء ، وامتنّ علينا بها من غير فصل بين الذّكيّة والميّتة ، فيدلّ على تأكّد الإباحة ، قال تعالى : { واللّه جعلَ لكم من بيوتِكم سَكَناً ، وجَعَل لكم من جلودِ الأنعامِ بيوتاً تَسْتَخِفُّونها يومَ ظَعْنِكم ويومَ إقامَتِكم ، ومن أصوافِها وأوبارِها وأشعارِها أثاثاً ومتاعاً إلى حين } . </p><p>ولأنّ حرمة الميتة ليست لموتها ، فإنّ الموت موجود في السّمك والجراد ، وهما حلالان بالنّصّ ، بل لما فيها من الرّطوبات السّيّالة والدّماء النّجسة ، لانجمادها بالموت . ولهذا يطهر جلد الميتة بالدّبّاغ ، حتّى يجوز بيعه ، لزوال الرّطوبة عنه ، ولا رطوبة في هذه الأشياء ، فلا تكون حراماً . بل نصّ الحنفيّة ، ومنهم الزّيلعيّ ، على أنّ لحوم السّباع وشحومها وجلودها بعد الذّكاة الشّرعيّة هي كجلود الميتة بعد الدّبّاغ ، حتّى يجوز بيعها والانتفاع بها في غير الأكل ، وذلك لطهارتها بالذّكاة . يستثنى من ذلك جلد الخنزير ، فإنّه نجس العين ( وكذا لحمه وعظمه وشعره ) فلا يطهر بالتّذكية ولا بالدّبّاغ . وإن خالف في ذلك - فيما سوى الخنزير - بعض الحنفيّة ، فقرّر الشّرنبلاليّ أنّه تطهّر الذّكاة الشّرعيّة جلد غير المأكول ، دون لحمه ، على أصحّ ما يفتى به ، ويجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف بيع عظم الفيل والانتفاع به كسائر السّباع . وعند محمّد لا يجوز ، وهو عنده كالخنزير . </p><p>أمّا عظم الآدميّ وشعره ، فوافق الحنفيّة . الجمهور في أنّه لا يباع . قال الكاسانيّ : لا لنجاسته " لأنّه طاهر في الصّحيح من الرّواية ، لكن احتراماً له ، والابتذال بالبيع يشعر الإهانة . وقد روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « لعن اللّه الواصلة والمستوصلة » فنصّ الحنفيّة على أنّه لا يجوز الانتفاع به للحديث المذكور . وصرّحوا بأنّ الآدميّ مكرّم شرعاً ، وإن كان كافراً ، فإيراد العقد عليه وابتذاله وإلحاقه بالجمادات إذلال له ، وهو غير جائز . وبعض الآدميّ في حكم كلّه . وصرّح الكمال من الحنفيّة ببطلان بيعه .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41109, member: 329"] بيع الصّدقة والهبة قبل القبض : 13 - الصّدقة هي : تمليك المال في الحياة من يحتاجه بغير عوض ، تقرّباً إلى اللّه تعالى ، وجوباً أو ندباً . وهذا التّعريف - كما يرى - يشمل الصّدقة المفروضة ، الّتي تؤخذ من مال الغنيّ في آخر الحول وهي زكاة المال ، أو في آخر شهر الصّوم وهي زكاة الفطر تطهيراً للغنيّ والصّائم ، ويشمل الصّدقة المتطوّع بها ، وهي المستحبّة في جميع الأوقات . وقد جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه المتقدّم آنفاً ، « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن شراء الصّدقات حتّى تقبض » . وفي حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم له : « لا تبع ما ليس عندك » . 14 - ويعتبر جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنبليّة وبعض المالكيّة الصّدقة ونحوها ، كالهبة والرّهن والقرض والإعارة والإيداع ، من عقود التّبرّعات ، الّتي لا تتمّ ولا تملّك إلاّ بالقبض ، والعقد فيها قبل القبض يعتبر عديم الأثر . وعبارة المرغينانيّ في فصل الصّدقة : والصّدقة كالهبة لا تصحّ إلاّ بالقبض ، لأنّه ( أي التّصدّق ) تبرّع كالهبة . بل قال الكاسانيّ : القبض شرط جواز الصّدقة ، لا تملّك قبل القبض ، عند عامّة العلماء . واستدلّ لذلك : بما روي « عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال خبراً عن اللّه سبحانه وتعالى : يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك يا بن آدم من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدّقت فأمضيت » اعتبر اللّه سبحانه وتعالى الإمضاء في الصّدقة ، والإمضاء هو التّسليم . فدلّ على أنّه شرط . وبما روي عن أبي بكر وعمر وابن عبّاس ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم أنّهم قالوا : لا تتمّ الصّدقة إلاّ بالقبض . وبأنّ الصّدقة عقد تبرئة ، فلا يفيد الحكم بنفسه كالهبة . وفي الهبة يقول : لو صحّت بدون القبض لثبت للموهوب له ولاية مطالبة الواهب بالتّسليم ، فتصير عقد ضمان ، وهذا تغيير المشروع . وهذا الّذي قاله الحنفيّة ، هو الّذي يقابل المشهور من مذهب المالكيّة ، وهو ضعيف ، عبّروا عنه بقولهم : وقيل : إنّما تملك بالقبض وهذا النّصّ وإن ورد في الهبة ، لكنّ تعريفهم الصّدقة ، كما أشرنا إليه قبلاً وما يأتي من الأحكام ، يفيد التّعميم في الهبة والصّدقة . وهو أيضاً مذهب الشّافعيّة ، إذ قالوا : لا يملك موهوب - بالمعنى الأعمّ الشّامل للصّدقة والهديّة - إلاّ بقبض بإذن الواهب . وجاء في نصوص الشّافعيّة : إذا حلف لا يهب له ، فوهب له ولم يقبل ، أو قبل ولم يقبض لا يحنث في الأصحّ . وذلك لأنّه لا بدّ من القبول والقبض حتّى تصحّ الهبة وتتمّ . وكذلك المذهب عند الحنابلة مطلقاً كما يقول المرداويّ . فقد صرّحوا بأنّ أنواع الهبة : صدقة وهديّة ونحلة ، ومعانيها متقاربة ، وكلّها تمليك في الحياة بلا عوض ، تجري فيها أحكامها أي تجري أحكام كلّ واحدة من المذكورات في البقيّة . وقالوا : وتلزم الهبة بقبضها بإذن واهب ، ولا تلزم قبله ، أي قبل القبض بإذن الواهب ، ولو كانت الهبة في غير مكيل ونحوه ، ففي جميعها لا تلزم إلاّ بالقبض . وقد استدلّ الحنابلة لما ذهبوا إليه - من إطلاق شرط القبض في الهبة ونحوها ، كالصّدقة الّتي نواجهها - بما روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنّ أبا بكر رضي الله عنه نحلها جذاذ عشرين وسقاً من ماله بالعالية ، فلمّا مرض قال : يا بنيّة : كنت نحلتك جذاذ عشرين وسقاً ، ولو كنت جذذته أو قبضته كان ذلك ، فإنّما هو اليوم مال وارث ، فاقتسموه على كتاب اللّه تعالى . وذكر البهوتيّ أنّه روي عن عمر وعثمان ، وابن عمر وابن عبّاس رضي الله عنهم ، نحو هذا ، ولم يعرف لهم مخالف من الصّحابة . ورتّبوا على اشتراط القبض ، جواز رجوع الواهب في هبته ( وكذا الصّدقة ) قبل القبض ، لعدم تمام العقد . وخالف في اشتراط القبض المالكيّة في مشهور مذهبهم . فقرّروا أنّ الهبة ( وكذلك الصّدقة كما يؤخذ من تفريعاتهم ) تملك بالقول على المشهور ، وللموهوب له طلبها من الواهب ، إذا امتنع من تسليمها ، ليجبره على تمكين الموهوب له منها . وأشار الحنابلة في كتبهم إلى دليل المالكيّة وهو حديث ابن عبّاس رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : العائد في هبته كالعائد في قيئه » ويروى « في صدقته » . ويروى « كالكلب يقيء ثمّ يعود في قيئه » . وجاء في نصوص المالكيّة : أ - لو قال : داري صدقة أو هبة أو حبس على الفقراء ، لا يقضى عليه ( لعدم التّعيين ) . ب - ولو قال : داري صدقة أو هبة أو حبس على زيد ، فإنّه يقضى عليه بذلك ، لأنّه قصد البرّ والقربة حينئذ . ج - ولو قال : للّه عليّ دفع درهم لزيد أو للفقراء ، لا يقضى به مطلقاً ، وقيل يقضى . وعلّلوا هذا بأنّ القضاء لا بدّ فيه من تعيين المتصدّق عليه أو الموهوب له ، ولا بدّ فيه من قصد القربة . وفي رواية عن الإمام أحمد أنّه في المكيل والموزون لا تصحّ الهبة والصّدقة ، ولا تلزم فيه الصّدقة والهبة إلاّ بالقبض . وفي غيرهما يصحّ بغير قبض ، ويلزم بمجرّد العقد . ويثبت فيه الملك بغير قبض . وحاصل الدّليل في هذه التّفرقة القياس على البيع ، من حيث إنّها تمليك ، ففي البيع ما لا يلزم قبل القبض ، كالصّرف والرّبويّات ، وفيه ما يلزم قبل القبض ، وهو ما عدا ذلك . والخلاصة أنّ جمهور الفقهاء يشترطون القبض في التّبرّعات . بيع المحاقلة * 1- المحاقلة في اللّغة : بيع الزّرع في سنبله بالبرّ أو بحنطة - كما يقول الفيّوميّ - وفي الاصطلاح : بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصاً . والخرص : الحزر . وعرّفها الحنبليّة بما هو أعمّ ، وقالوا : هي بيع الحبّ في سنبله بجنسه . 2 - ولا يختلف الفقهاء ، في أنّ بيع المحاقلة غير جائز ، وهو فاسد عند الحنفيّة ، باطل عند غيرهم ، وذلك لحديث جابر رضي الله عنه قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة » . ولأنّه بيع مكيل بمكيل من جنسه ، فلا يجوز خرصاً ، لأنّ فيه شبهة الرّبا الملحقة بالحقيقة في التّحريم . ولعدم العلم بالمماثلة - بتعبير الشّافعيّة عن معنى البطلان - ويقول الحنابلة في تمام التّعليل : والجهل بالتّساوي كالعلم بالتّفاضل . وأيضاً تزيد المحاقلة - كما قال الشّافعيّة على المزابنة - بأنّ المقصود من المبيع فيها مستور بما ليس من صلاحه فانتفت الرّؤية أيضاً . ويؤخذ من كتب المالكيّة ، التّعليل العامّ لفساد المزابنة ونحوهما بالغرر والرّبويّة في الرّبويّات في الجنس الواحد . ولزيادة التّفصيل ينظر مصطلح ( محاقلة ) . بيع المرابحة * انظر : مرابحة . بيع المزابنة * 1 - المزابنة : مأخوذة من الزّبن ، وهو في اللّغة : الدّفع لأنّها تؤدّي إلى النّزاع والمدافعة . أي بسبب الغبن كما يقول الشّافعيّة . وفي الاصطلاح الفقهيّ : عرّفها الجمهور بأنّها : بيع الرّطب على النّخيل بتمر مجذوذ ، مثل كيله خرصاً . ( أي ظنّاً وتقديراً ) والخرص : الحزر . وذلك بأن يقدّر الرّطب الّذي على النّخل بمقدار مائة صاع مثلاً ، بطريق الظّنّ والحزر ، فيبيع بقدره من التّمر . فلو لم يكن الثّمن رطباً فهو جائز بسبب اختلاف الجنس . وعرّفها الدّردير من المالكيّة بأنّها : بيع مجهول بمعلوم ، ربويّ أو غيره . أو : بيع مجهول بمجهول من جنسه . وعرّفها ابن جزيّ ، منهم أيضاً ، بأنّها : بيع شيء رطب ، بيابس من جنسه ، سواء أكان ربويّاً ، أم غير ربويّ . حكم بيع المزابنة : 2 - لم يختلف الفقهاء في حكم هذا البيع . فقد اتّفقوا على أنّه بيع فاسد ، ولا يصحّ ، وذلك لما يأتي : - أ - حديث جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما قال : { نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن المزابنة والمحاقلة } . - ب - ولشبهة الرّبا ، لأنّه بيع مكيل بمكيل من جنسه ، مع احتمال عدم المساواة بينهما بالكيل . ويصرّح الشّافعيّة بأنّ فيهما الرّبا ، لعدم العلم بالمماثلة فيهما . - ج - وللغرر - كما علّله ابن جزيّ - . ومثل بيع الرّطب بالتّمر ، بيع العنب بالزّبيب ، كما ورد في بعض الرّوايات ، زيادةً على المذكور في الحديث السّابق : « وعن بيع العنب بالزّبيب ، وعن كلّ تمر بخرصه » وأطلق المالكيّة - لعلّه لذلك - عدم جواز بيع كلّ رطب بيابس من جنسه ، لا متفاضلاً ولا مثلاً بمثل ، حتّى الحبوب . بيع المزايدة * انظر : مزايدة . بيع المساومة * انظر : مساومة . بيع المسترسل * انظر : استرسال . بيع الملامسة * 1 - الملامسة من بيوع الجاهليّة أيضاً . وقد ثبت النّهي عنها في الحديث ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة » . وفسّره أبو هريرة في رواية مسلم بقوله : أمّا الملامسة : فأن يلمس كلّ واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمّل . والمنابذة : أن ينبذ كلّ واحد ثوبه إلى الآخر ، ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه . وعن أبي سعيد الخدريّ « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعتين ولبستين : نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع » . والملامسة : لمس الرّجل ثوب الآخر بيده ، باللّيل أو بالنّهار ، ولا يقلّبه إلاّ بذلك . والمنابذة : أن ينبذ الرّجل إلى الرّجل ثوبه ، وينبذ الآخر إليه ثوبه ، ويكون بذلك بيعهما ، من غير نظر ولا تراض . 2 - وفسّرت الملامسة مع ذلك في الفقه بصور : أ - أن يلمس ثوباً مطويّاً ، أو في ظلمة ، ثمّ يشتريه على أن لا خيار له إذا رآه ، اكتفاءً بلمسه عن رؤيته . أو يلمس كلّ منهما ثوب صاحبه بغير تأمّل - كما يعبّر الحنفيّة - وذلك على سبيل المشاركة من الجانبين خلافاً لما أشار إليه الشّيخ الدّردير ، وخالفه فيه الشّيخ عليش وهو مأخوذ من التّفسير المأثور . ب - أو يكون الثّوب مطويّاً ، فيقول البائع للمشتري : إذا لمسته فقد بعتكه ، اكتفاءً بلمسه عن الصّيغة . قال في المغرب : بيع الملامسة واللّماس ، أن يقول لصاحبه : إذا لمست ثوبك أو لمست ثوبي ، فقد وجب البيع . ج - أو يبيعه شيئاً على أنّه متى لمسه لزم البيع ، وانقطع خيار المجلس وغيره ، وهو مرويّ عن أبي حنيفة ، أو يقول المشتري كذلك . 3 - وهذا البيع بصوره المذكورة كلّها ، فاسد عند عامّة الفقهاء ، قال ابن قدامة : لا نعلم فيه خلافاً ، وذلك لعدم الرّؤية في الصّورة الأولى ، مع لزوم البيع ، اكتفاءً باللّمس عن الرّؤية . ولعدم الصّيغة في الصّورة الثّانية . كما قال الشّافعيّة . ولتعليق التّمليك على أنّه متى لمسه وجب البيع ، وسقط خيار المجلس في الثّالثة ، في تعبير الحنفيّة ، والتّملّكيّات لا تحتمله لأدائه إلى معنى القمار . وعلّل الحنابلة الفساد بعلّتين : الأولى : الجهالة . والأخرى : كونه معلّقاً على شرط ، وهو لمس الثّوب . ولعلّ هذا هو الغرر المقصود في تعبير ابن قدامة . وأجمل الشّوكانيّ التّعليل ، بالغرر والجهالة وإبطال خيار المجلس . 4 - هذا ، ونصّ المالكيّة في فروعهم التّفصيليّة هنا ، على أنّ الاكتفاء في لزوم البيع ، وتحقّقه باللّمس ، من غير أن ينشر الثّوب ويعلم ما فيه ، هو المفسد : قالوا : فلو باعه قبل التّأمّل فيه ، على شرط أن ينظر فيه بعد ذلك ، فإن أعجبه أمسكه وإلاّ ردّه ، كان جائزاً . بيع المنابذة * 1 - بيع المنابذة أيضاً من بيوع الجاهليّة . وثبت النّهي عنها في صحاح الأحاديث ، كما ثبت عن الملامسة ، وفسّرت في بعضها . وصوّرها الفقهاء فيما يأتي : أ - أن ينبذ كلّ واحد من المتبايعين ثوبه إلى الآخر ، ولا ينظر كلّ واحد منهما إلى ثوب صاحبه - أو ينبذه إليه بلا تأمّل كما عبّر المالكيّة - على جعل النّبذ بيعاً . وهذا التّفسير المأثور عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه في رواية مسلم : « فيكون ذلك بيعهما ، من غير نظر ولا تراض » وهو المنقول عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى . ب - أن يجعلا النّبذ بيعاً ، اكتفاءً به عن الصّيغة ، فيقول أحدهما : أنبذ إليك ثوباً بعشرة ، فيأخذه الآخر " والصّورة الأولى فيها مشاركة بخلاف هذه " . ج - أن يقول : بعتك هذا بكذا ، على أنّي إذا نبذته إليك ، لزم البيع وانقطع الخيار . د - أن يقول : أيّ ثوب نبذته إليّ فقد اشتريته بكذا ، وهذا ظاهر كلام أحمد - رحمه الله تعالى . هذا ولا بدّ أن يسبق تراوضهما على الثّمن مع ذلك ، وإلاّ كان المنع لعدم ذكر الثّمن . وقد سبق عن الحنفيّة ، أنّ السّكوت عن الثّمن مفسد للبيع ، ونفيه عنه مبطل له . 2 - وكلّ هذه الصّور فاسدة ، بلا خلاف بين أهل العلم ، صرّح بذلك ابن قدامة وغيره ، معلّلين الفساد : - بالنّهي في الحديث الصّحيح المتقدّم . - والجهالة ، وعلّل بها الحنفيّة والحنابلة . - وتعليق التّمليك بالخطر ، لأنّه - في الصّورة الأولى الّتي ذكرها الحنفيّة - في معنى : إذا نبذت إليك الثّوب فقد اشتريته ، والتّمليكات لا تحتمله ، لأدائه إلى معنى القمار . - ولعدم الرّؤية ، أو عدم الصّيغة ، أو للشّرط الفاسد ، كما علّل الشّافعيّة . بيع منهيّ عنه * التّعريف : 1 - البيع في اللّغة والاصطلاح ، سبق الكلام عنه في مصطلح " بيع " . أمّا " المنهيّ عنه " فهو صيغة مفعول من النّهي . والنّهي لغةً : الزّجر عن الشّيء ، وهو : ضدّ الأمر . واصطلاحاً : طلب الكفّ عن الفعل على جهة الاستعلاء . الأصل في البيع الحلّ إلاّ لطارئ : 2 - أنّ الأصل في البيع هو الإباحة والصّحّة ، حتّى يقوم الدّليل على الحظر أو الفساد . والدّليل على ذلك هو قول اللّه تعالى في كتابه العزيز : { وأحلّ اللّهُ البيعَ } فإنّه عامّ في إباحة جميع البيوع . ودليل العموم هو : أنّ لفظ البيع مفرد محلًّى بالألف واللام ، والمفرد المحلّى بالألف واللّام يفيد العموم عند أهل الأصول ، إذا لم يكن هناك عهد مطلقاً ، ولا قصد إلى إرادة الحقيقة والماهيّة . فصار حاصل معنى الآية : أنّ كلّ بيع حلال ، أخذاً بعموم اللّفظ . غير أنّ أهل العلم لم يختلفوا في أنّ هذه الآية ، وإن كان مخرجها مخرج العموم ، فقد لحقها التّخصيص ، لأنّهم - كما يقول الرّازيّ الجصّاص ، وكما سيأتي - متّفقون على حظر كثير من البياعات ، نحو بيع ما لم يقبض ، وبيع ما ليس عند الإنسان ، وبيع الغرر ، والمجاهيل وعقد البيع على المحرّمات من الأشياء . وقد كان لفظ الآية يوجب جواز هذه البياعات ، وإنّما خصّت منها بدلائل ، إلاّ أنّ تخصيصها غير مانع من اعتبار عموم لفظ الآية ، فيما لم تقم الدّلالة على تخصيصه . موجب النّهي : 3 - موجب النّهي عند الجمهور التّحريم إلاّ بقرينة تصرفه عن التّحريم إلى غيره ، كالكراهة أو الإرشاد أو الدّعاء أو نحوها . وهناك خلاف وتفصيل ينظر في الملحق الأصوليّ . وفي مصطلح : ( نهي ) . فإذا وجدت قرينة أو دليل يصرف النّهي عن التّحريم ، كان المراد بالنّهي الكراهة . وهي لغةً : ضدّ المحبّة . واصطلاحاً : تشمل : أ - المكروه تحريماً ، وهو ما كان إلى الحرمة أقرب ، بمعنى أن يتعلّق به محذور دون استحقاق العقوبة بالنّار كحرمان الشّفاعة ، وهو المحمل عند إطلاق الكراهة - عند الحنفيّة - لكنّه عند الإمام محمّد حرام ثبتت حرمته بدليل ظنّيّ . ب - كما تشمل المكروه تنزيهاً ، وهو ما كان إلى الحلّ أقرب ، بمعنى أنّه لا يعاقب فاعله أصلاً ، لكن يثاب تاركه أدنى ثواب ، فيكون تركه أولى من فعله . ويرادف المكروه تنزيهاً ( خلاف الأولى ) وكثيراً ما يطلقونه أيضاً . فإذا ذكروا مكروهاً : فلا بدّ من النّظر في دليله : أ - فإن كان نهياً ظنّيّاً ، يحكم بكراهة التّحريم ، إلاّ لصارف للنّهي عن التّحريم إلى النّدب . ب - وإن لم يكن الدّليل نهياً ، بل كان مفيداً للتّرك غير الجازم ، فهي تنزيهيّة . وبين المكروهين : تحريماً وتنزيهاً ( الإساءة ) وهي دون المكروه تحريماً ، وفوق المكروه تنزيهاً . وتتمثّل بترك السّنّة عامداً غير مستخفّ ، فإنّ السّنّة يندب إلى تحصيلها ، ويلام على تركها ، مع لحوق إثم يسير . وإذا كان الحنفيّة قد صرّحوا بأنّ لفظ المكروه إذا أطلق في كلامهم فالمراد منه التّحريم ، ما لم ينصّ على كراهة التّنزيه . فإنّ المالكيّة نصّوا على العكس ، فإنّ الكراهة متى أطلقت لا تنصرف إلاّ للتّنزيه . وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فإنّهم يطلقون ( الكراهة ) على ما يراد بالكراهة التّنزيهيّة عند غيرهم . أسباب النّهي عن البيع : 4 - أسباب النّهي عقديّة أو غير عقديّة . والأسباب العقديّة منها ما يتعلّق بمحلّ العقد ، ومنها ما يتعلّق بلازم العقد : الأسباب الّتي تتعلّق بمحلّ العقد : محلّ العقد : وهو المعقود عليه . ويشترط فيه الفقهاء جملةً من الشّروط : الشّرط الأوّل ما يتعلّق بالمعقود عليه : 5 - أن يكون المعقود عليه موجوداً حين العقد ( أي غير معدوم ) فلا يقع عندهم بيع المعدوم ، ويعتبر باطلاً . ويتمثّل هذا في البيوع الآتية : بيع المضامين ، والملاقيح ، وحبل الحبلة ، وبيع الجنين في بطن أمّه . والمضامين : جمع مضمون ، كمجنون . وهي : ما في أصلاب الفحول ، عند الجمهور وبعض المالكيّة كابن جزيّ . أمّا الملاقيح : فهي جمع ملقوحة وملقوح ، وهي : ما في أرحام الأنعام والخيل من الأجنّة . وفسّر الإمام مالك المضامين بأنّها : بيع ما في بطون إناث الإبل ، وأنّ الملاقيح بيع ما في ظهور الفحول . وأمّا بيع حبل الحبلة فهو بيع نتاج النّتاج ، بأن يبيع ولد ما تلده هذه النّاقة أو الدّابّة ، فولد ولدها هو نتاج النّتاج . ولا يختلف الفقهاء في بطلان بيع هذه الجملة من البيوع . قال ابن المنذر : وقد أجمعوا على أنّ بيع الملاقيح والمضامين غير جائز ، وذلك لحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة » . ولقول سعيد بن المسيّب : لا ربا في الحيوان ، وإنّما نهي من الحيوان عن ثلاثة : عن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة . ولأنّ في هذا البيع غرراً ، فعسى أن لا تلد النّاقة ، أو تموت قبل ذلك ، فهو بيع معدوم وماله خطر المعدوم . وعلّله الشّافعيّة بأنّه : بيع ما ليس بمملوك ، ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه . وعلّله الحنابلة : بالجهالة ، فإنّه لا تعلم صفته ولا حياته ، وبأنّه غير مقدور التّسليم ، وإذا لم يجز بيع الحمل ، فأولى أن لا يجوز بيع حمله . 6 - ومن قبيل بيع المعدوم أيضاً : بيع عسب الفحل . وقد روي في الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن ثمن عسب الفحل » ويروى : « عن عسب الفحل » . فقال الكاسانيّ فيها : ولا يمكن حمل النّهي على نفس العسب ، وهو الضّراب ، لأنّ ذلك جائز بالإعارة ، فيحمل على البيع والإجارة ، إلاّ أنّه حذف ذلك ، وأضمره فيه ، كما في قوله تعالى : { واسْأل القرية } . وذكر الشّافعيّة نحو هذا في تأويل الحديث ، وطرقوا له ثلاثة أوجه من الاحتمالات ، ونصّوا - كغيرهم - على بطلان بيعه ، وقالوا : يحرم ثمن مائة ، ويبطل بيعه ، لأنّه غير معلوم ولا متقوّم ، ولا مقدور على تسليمه . الشّرط الثّاني ما يتعلّق بمحلّ العقد : 7 - أن يكون المعقود عليه مالاً ، بمعناه الفقهيّ الاصطلاحيّ ، وهو : ما يميل إليه الطّبع ، ويجري فيه البذل والمنع . ( ر : مصطلح : مال ) فلا ينعقد بيع ما ليس بمال . وذلك مثل بيع المسلم الميتة فإنّه باطل ، سواء أماتت حتف أنفها ، أم ماتت بخنق ونحوه من غير تذكية ، وهذا لقوله تعالى : { حُرِّمَتْ عليكم الميتة والدّم } ولا يستثنى من ذلك إلاّ السّمك والجراد ، لحديث : « أحلّت لنا ميتتان ودمان : فأمّا الميتتان فالحوت والجراد ، وأمّا الدّمان فالكبد والطّحال » . أمّا بيع الذّمّيّ للميّتة ، فإن كان موتها حتف أنفها أي بغير ضرب ولا قتل - وهي : ما تنفّست حتّى انقضى رمقها - فهي ليست مالاً بالاتّفاق . وأمّا ما لم يمت حتف أنفه ، بل مات خنقاً ، أو بما يدين به الذّمّيّ ، وليس تذكيةً في شرعنا فالرّوايات مختلفة عند الحنفيّة في جواز بيعه وفي فساده : فالرّواية عن أبي يوسف الجواز ، والرّواية عن محمّد الفساد ، ولا رواية في البطلان . وأمّا غير الحنفيّة ، فلا يفرّقون بين ما مات حتف أنفه وما ليس كذلك في بطلان البيع . قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على عدم جواز بيع الميتة أو شيء منها . ودليل التّحريم حديث : « إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام » ويحرم ولا ينعقد بيع الدّم المسفوح ، لقوله تعالى : { أو دماً مَسْفوحاً } والتّقييد بالمسفوحيّة مخرج ما سواه ، فإنّه يجوز بيعه ، كالكبد والطّحال ، وقد استثنيا من تحريم الدّم ، بحديث « أحلّت لنا ميتتان ودمان » ... " الآنف الذّكر ، ولا خلاف في ذلك ، وصرّح ابن المنذر والشّوكانيّ بإجماع أهل العلم على تحريم بيعه . وعلّة تحريم بيع الميتة والدّم ونحوهما عند الحنفيّة انتفاء الماليّة ، وعند الآخرين نجاسة العين . ومن صوّر انتفاء الماليّة في محلّ العقد : بيع الحرّ . وكذلك البيع به ، بجعله ثمناً ، بإدخال الباء عليه ( كأن يقول : بعتك هذا البيت بهذا الغلام ، وهو حرّ ) لأنّ حقيقة البيع : مبادلة مال بمال . ولم يوجد هنا ، لأنّه ليس بمال . وفي الوعيد الشّديد على تحريم هذا البيع ، ورد حديث : « ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، ومن كنت خصمه خصمته . رجل أعطى بي ثمّ غدر ، ورجل باع حرّاً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً ، فاستوفى منه ولم يعطه أجره » . الشّرط الثّالث : التّقوّم : 8 - وممّا يتعلّق بمحلّ العقد - بعد كونه مالاً - أن يكون متقوّماً . والتّقوّم عند الحنفيّة ضربان : عرفيّ : ويكون بالإحراز ، فغير المحرز ، كالصّيد والحشيش ، ليس بمتقوّم . وشرعيّ : ويكون بإباحة الانتفاع به ، وهو المراد هنا . فما ليس بمتقوّم من المال بهذا المعنى ، وهو غير ما كان الانتفاع به غير مباح ، يبطل بيعه . ومن الفقهاء من استغنى عن الماليّة والتّقوّم ، بشرطي الطّهارة والنّفع ، كما فعل المالكيّة والشّافعيّة . ومنهم من استغنى عن شرط التّقوّم هذا بشرط الماليّة ، بتعريف المال عنده بأنّه : ما فيه منفعة غير محرّمة ، ويباح لغير حاجة أو ضرورة . وهؤلاء هم الحنابلة . فخرج بقيد المنفعة ، ما لا منفعة فيه أصلاً : كالحشرات ، وما فيه منفعة محرّمة كالخمر . وما فيه منفعة مباحة للحاجة كالكلب . وما فيه منفعة مباحة للضّرورة ، كالميتة في حال المخمصة . 9 - فمن أمثلة غير المتقوّم : بيع الخمر والخنزير ، فإنّه فاسد عند جمهور الفقهاء . والمعنى فيه هو نجاسة عينه ، ويلحق بهما باقي نجس العين ، وكذا كلّ ما نجاسته أصليّة أو ذاتيّة ولا يمكن تطهيره . ونقل ابن قدامة عن ابن المنذر إجماع أهل العلم على القول به ودليله حديث جابر المتقدّم : « إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام » . والحنفيّة فرّقوا بين بيع المذكورات بثمن أو بدين ثابت في الذّمّة ، فهو باطل . وبين بيعها بأعيان أو عروض ، فإنّ البيع يبطل في الخمر ، ويفسد فيما يقابلها من العروض والأعيان . ووجه الفرق : أنّ المبيع هو الأصل في البيع ، وليست الخمر ونحوها محلاً للتّمليك ، فبطل البيع فيها ، فكذا يبطل في ثمنها . أمّا إذا كان الثّمن عيناً ، فإنّه حينئذ مبيع من وجه ، مقصود بالتّملّك ، ولكن فسدت التّسمية ، فوجبت قيمته دون الخمر المسمّى . وكذلك فرّق الحنفيّة في بيع المذكورات بين المسلم وبين الذّمّيّ . وفي هذا يقول الكاسانيّ : ولا ينعقد بيع الخنزير من المسلم ، لأنّه ليس بمال في حقّ المسلمين . فأمّا أهل الذّمّة ، فلا يمنعون من تبايع الخمر والخنزير فيما بينهم لما يلي : أ - أمّا على قول بعض مشايخنا ، فلأنّه مباح الانتفاع به شرعاً لهم ، كالخلّ وكالشّاة لنا ، فكان مالاً في حقّهم ، فيجوز بيعه . وروي عن سيّدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه :" أنّه كتب إلى عشّاره بالشّام : أن ولّوهم بيعها ، وخذوا العشر من أثمانها ". ولو لم يجز بيع الخمر منهم لما أمرهم بتوليتهم البيع . ب - وعن بعض مشايخنا : حرمة الخمر والخنزير ثابتة على العموم في حقّ المسلم والكافر ، لأنّ الكفّار مخاطبون بشرائع هي حرمات ، وهو الصّحيح من مذهب أصحابنا ، فكانت الحرمة ثابتةً في حقّ المسلم والكافر ، لكنّهم لا يمنعون من بيعها ، لأنّهم لا يعتقدون حرمتها ، ويتموّلونها ، ونحن أمرنا بتركهم وما يدينون . فيقول ابن عابدين - رحمه الله - معلّقاً على عبارة الكاسانيّ : وظاهره الحكم بصحّتها فيما بينهم ، ولو بيعت بالثّمن . 10 - ومن أمثلة غير المتقوّم أيضاً عند الحنفيّة ، الميتة الّتي لم تمت حتف أنفها ، بل ماتت بالخنق ونحوه ، فإنّها مال عند الذّمّيّ كالخمر . وسبق الكلام عنها في شرط الماليّة . 11 - ويتّصل بغير المتقوّم : المتنجّس الّذي لا يقبل التّطهير ، كالسّمن والزّيت والعسل واللّبن والخلّ . والمشهور والأصحّ من مذهب الأكثرين من المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة : عدم جواز بيعها ، لأنّ أكلها حرام ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « سئل عن الفأرة تموت في السّمن ، فقال : ... وإن كان مائعاً فلا تقربوه » وإذا كان حراماً لم يجز بيعه لحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : لعن اللّه اليهود ، حرّمت عليهم الشّحوم ، فجمّلوها " أي أذابوها " فباعوها » ... ولأنّها نجسة ، فلا يجوز بيعها ، قياساً على شحم الميتة ، فهي في معنى نجس العين . وقد قرّر المالكيّة أنّ مشهور مذهبهم هو عدم جواز بيعها اختياراً ، أمّا اضطراراً فيصحّ . ومقابل المشهور رواية وقعت لمالك ، هي جواز بيعه ، وكان يفتي بها ابن اللّبّاد . قال ابن رشد : والمشهور عن مالك ، المعلوم من مذهبه في المدوّنة وغيرها ، أنّ بيعه لا يجوز ، والأظهر أنّ بيعه جائز ممّن لا يغشّ به إذا بيّن ، لأنّ تنجيسه بسقوط النّجاسة فيه لا يسقط ملك ربّه عنه ، ولا يذهب جملة المنافع منه ، ولا يجوز أن يتلف عليه ، فجاز له أن يبيعه ممّن يصرفه فيما كان له هو أن يصرفه فيه ، وهذا في الزّيت على مذهب من لا يجيز غسله . وأمّا على مذهب من يجيز غسله - وروي ذلك عن مالك - فسبيله في البيع سبيل الثّوب المتنجّس . وجعل ابن جزيّ قياس ابن رشد ممّا أجازه ابن وهب إذا بيّن . وأشار إلى الاختلاف في الاستصباح به في غير المساجد . وفي قول للشّافعيّة ، هو مقابل الأصحّ عندهم : أنّه إذا أمكن تطهيره ، بأن يصبّ عليه في إناء ماء يغلبه ، ويحرّك بخشبة حتّى يصل إلى جميع أجزائه ، جاز بيعه قياساً على الثّوب المتنجّس . والأصحّ عندهم المنع من البيع ، لتعذّر التّطهير ، لحديث الفأرة المتقدّم ، فإنّه لو أمكن تطهيره لم يقل في الحديث : « ألقوها وما حولها » وفي رواية : « فأريقوه » وكذلك الخلاف عندهم في بيع الماء النّجس . فيجوز عند بعضهم ، لإمكان تطهيره بالمكاثرة . وجزم بعضهم بمنع الجواز ، وهو المعتمد - كما يقول القليوبيّ نقلاً عن شيخه - إن كان دون القلّتين ، وذلك نظراً إلى النّجاسة الآن ، فإن كان أكثر من قلّتين صحّ عندهم . وكذلك الحنابلة الّذين لم يستجيزوا بيع الدّهن النّجس ، رووا عن الإمام أحمد أنّه يجوز بيعه لكافر يعلم نجاسته ، وذلك لأنّه يعتقد حلّه ، ويستبيح أكله ، ولأنّه روي عن أبي موسى : لتّوا به السّويق وبيعوه ، ولا تبيعوه من مسلم ، وبيّنوه . لكنّ الصّحيح عند الحنابلة عدم الجواز لحديث ابن عبّاس المتقدّم : « لعن اللّه اليهود ، حرّمت عليهم الشّحوم فجمّلوها » . ولأنّه لا يجوز بيعها من مسلم ، فلا يجوز بيعها من كافر ، كالخمر والخنزير ، فإنّهم يعتقدون حلّه ، ولا يجوز بيعه لهم . ولأنّه دهن نجس ، فلم يجز بيعه لكافر ، كشحوم الميتة . هذا ، وأمّا الثّوب المتنجّس أو الإناء المتنجّس ونحوهما من كلّ ما يطهر بالغسل من المتنجّسات فقد نصّوا على صحّة بيعه ، لما أنّه ينتفع به بعد التّطهير ، وطهارته أصليّة ، وإنّما عرض لها نجاسة يمكن إزالتها . وقد أوجب المالكيّة تبيين النّجاسة مطلقاً ، سواء أكان الثّوب - مثلاً - جديداً أم قديماً ، وسواء أكان ممّا يفسده الغسل أم لا ، وسواء أكان المشتري يصلّي أم لا ، قالوا : لأنّ النّفوس تكرهه ، فإن لم يبيّن وجب للمشتري الخيار . أمّا الحنفيّة فقد نصّوا - خلافاً للأصحّ المشهور عند الجمهور - على جواز بيع الدّهن المتنجّس ، وهو الّذي عرضت له النّجاسة ، وأجازوا الانتفاع به في غير الأكل ، كالاستصباح به في غير المساجد والدّبّاغة وغيرهما . وفرّقوا بين الدّهن المتنجّس وبين دهن الميتة ، فإنّ هذا نجس ، لأنّه جزؤها ، فلا يكون مالاً ، فلا يجوز بيعه اتّفاقاً ، كما لا يجوز الانتفاع به واستدلّ له ابن عابدين - رحمه الله - بحديث : « إنّ اللّه ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام . فقيل يا رسول اللّه أرأيت شحوم الميتة ، فإنّها يطلى بها السّفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها النّاس ؟ فقال : لا ، هو حرام » . 12 - ويتّصل بغير المتقوّم والنّجاسات والمتنجّسات ، بيع عظم الميتة وجلدها وصوفها وحافرها وريشها ونحوها . ومذهب الجمهور : أنّه لا يجوز بيعها لنجاستها ، لقوله تعالى : { حرّمت عليكم الميتة } وهذه أجزاء الميتة ، فتكون حراماً ، فلا يجوز بيعها . وقد جاء في الحديث : « لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب » . بل نصّ الحنابلة على عدم جواز بيع شيء من الميتة ، ولو كان ذلك لمضطرّ ، إلاّ السّمك والجراد والجندب ، لحلّ أكلها . أمّا الحنفيّة ففصّلوا في هذه المسألة بين غير الآدميّ وبين الآدميّ ، وبين جلد الميتة قبل الدّبغ وبين جلدها بعد الدّبغ . قالوا : أ - إنّ جلد الميتة قبل الدّبغ لا يجوز بيعه ، لما روي في الحديث المتقدّم آنفاً : « لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب » ولأنّ نجاسته من الرّطوبات المتّصلة به بأصل الخلقة ، فصار كلحم الميتة . بخلاف الثّوب النّجس حيث يجوز بيعه ، لأنّ نجاسته ليست بأصل الخلقة ، فلا يمنع من جواز البيع . ب - أمّا بعد الدّبغ فإنّه يجوز بيعه والانتفاع به ، لأنّه طهر بالدّبّاغ . ج - أمّا العظم ونحوه ، فإنّه طاهر بأصل الخلقة ، والقاعدة عندهم : أنّ كلّ شيء لا يسري فيه الدّم لا ينجس بالموت ، كالشّعر والرّيش والوبر والقرن والحافر والعظم - كما نصّوا عليه في الطّهارات - فيجوز بيعه والانتفاع به ، ودليلهم على ذلك ، كما ذكره الكاسانيّ : أنّ اللّه تعالى جعل لنا هذه الأشياء ، وامتنّ علينا بها من غير فصل بين الذّكيّة والميّتة ، فيدلّ على تأكّد الإباحة ، قال تعالى : { واللّه جعلَ لكم من بيوتِكم سَكَناً ، وجَعَل لكم من جلودِ الأنعامِ بيوتاً تَسْتَخِفُّونها يومَ ظَعْنِكم ويومَ إقامَتِكم ، ومن أصوافِها وأوبارِها وأشعارِها أثاثاً ومتاعاً إلى حين } . ولأنّ حرمة الميتة ليست لموتها ، فإنّ الموت موجود في السّمك والجراد ، وهما حلالان بالنّصّ ، بل لما فيها من الرّطوبات السّيّالة والدّماء النّجسة ، لانجمادها بالموت . ولهذا يطهر جلد الميتة بالدّبّاغ ، حتّى يجوز بيعه ، لزوال الرّطوبة عنه ، ولا رطوبة في هذه الأشياء ، فلا تكون حراماً . بل نصّ الحنفيّة ، ومنهم الزّيلعيّ ، على أنّ لحوم السّباع وشحومها وجلودها بعد الذّكاة الشّرعيّة هي كجلود الميتة بعد الدّبّاغ ، حتّى يجوز بيعها والانتفاع بها في غير الأكل ، وذلك لطهارتها بالذّكاة . يستثنى من ذلك جلد الخنزير ، فإنّه نجس العين ( وكذا لحمه وعظمه وشعره ) فلا يطهر بالتّذكية ولا بالدّبّاغ . وإن خالف في ذلك - فيما سوى الخنزير - بعض الحنفيّة ، فقرّر الشّرنبلاليّ أنّه تطهّر الذّكاة الشّرعيّة جلد غير المأكول ، دون لحمه ، على أصحّ ما يفتى به ، ويجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف بيع عظم الفيل والانتفاع به كسائر السّباع . وعند محمّد لا يجوز ، وهو عنده كالخنزير . أمّا عظم الآدميّ وشعره ، فوافق الحنفيّة . الجمهور في أنّه لا يباع . قال الكاسانيّ : لا لنجاسته " لأنّه طاهر في الصّحيح من الرّواية ، لكن احتراماً له ، والابتذال بالبيع يشعر الإهانة . وقد روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « لعن اللّه الواصلة والمستوصلة » فنصّ الحنفيّة على أنّه لا يجوز الانتفاع به للحديث المذكور . وصرّحوا بأنّ الآدميّ مكرّم شرعاً ، وإن كان كافراً ، فإيراد العقد عليه وابتذاله وإلحاقه بالجمادات إذلال له ، وهو غير جائز . وبعض الآدميّ في حكم كلّه . وصرّح الكمال من الحنفيّة ببطلان بيعه . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية