الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41111" data-attributes="member: 329"><p>المثال الثّالث :</p><p>45 - لو قال بكر لعمرو ، خذه بهذا الكيل الّذي قد شاهدته ، فأخذه به صحّ ، لأنّه شاهد كيله وعلمه ، فلا معنى لاعتبار كيله مرّةً ثانيةً . وفي رواية عن أحمد أنّه لا يجزئ ، وذلك للحديث المتقدّم « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطّعام ، حتّى يجري فيه الصّاعان } ... » وهذا داخل فيه . ولأنّه قبضه من غير كيل ، فأشبه ما لو قبضه جزافاً . </p><p>المثال الرّابع :</p><p>46 - لو قال بكر لعمرو : احضرنا حتّى أكتاله لنفسي ، ثمّ تكتاله أنت ، وفعلا ، صحّ بغير إشكال . ولو اكتال بكر لنفسه ، ثمّ أخذه عمرو بذلك الكيل الّذي شاهده ، فعلى روايتين . </p><p>ولو تركه في المكيال ، ودفعه إلى عمرو ، ليفرّغه لنفسه صحّ ، وكان ذلك قبضاً صحيحاً ، لأنّ استدامة الكيل بمنزلة ابتدائه ، ولا معنى لابتداء الكيل هاهنا ، إذ لا يحصل به زيادة علم . ومع أنّ ابن قدامة أسند إلى الشّافعيّة عدم صحّة القبض ، للنّهي عن بيع الطّعام حتّى يجري فيه الصّاعان ، وقرّر أنّه يمكن القول بموجب الحديث ، وأنّه يعتبر قبض المشتري له في المكيال إجراءً لصاعه فيه ، إلاّ أنّ ابن حجر نصّ على أنّ الاستدامة في نحو المكيال كالتّجديد ، فتكفي . </p><p>المثال الخامس :</p><p>47 - لو دفع بكر إلى عمرو دراهم ، فقال : اشتر لك بها مثل الطّعام الّذي لك عليّ ، ففعل ، لم يصحّ ، لأنّه فضوليّ إذ اشترى لنفسه بمال غيره ،لأنّ دراهم بكر لا يكون عوضها لعمرو. والشّافعيّة يعلّلون بأنّه : لا يمكن أن يشتري بمال غيره لنفسه ، والدّراهم أمانة في يده ، فإن اشترى بعينها بطل الشّراء ، وإن اشترى بثمن في ذمّته ، صحّ الشّراء له ، والثّمن عليه . وإن قال : اشتر لي بها طعاماً ، ثمّ اقبضه لنفسك ففعل ، صحّ الشّراء ، ولم يصحّ القبض لنفسه . وعلّله الشّافعيّة بأنّ حقّ الإنسان لا يتمكّن غيره من قبضه لنفسه ، وضمنه الغريم القابض لاستيلائه عليه لنفسه . </p><p>وقال الحنابلة : إنّ قبضه لنفسه فرع عن قبض موكّله ، ولم يوجد . </p><p>وإن قال : اشتر لي بها طعاماً ( واقبضه لي ) ثمّ اقبضه لنفسك ، ففعل ، جاز ، لأنّه وكّله بالشّراء والقبض ، ثمّ الاستيفاء من نفسه لنفسه ، وذلك صحيح . </p><p>وقال الشّافعيّة : صحّ الشّراء والقبض الأوّل دون الثّاني ، لاتّحاد القابض والمقبض ، دون الأوّل . لكنّ الحنابلة قاسوه على مسألة شراء الوالد لنفسه من مال ولده الصّغير ، وهبته له ، وقبضه لنفسه من نفسه . والشّافعيّة يمنعون القياس في هذه الصّورة ، وليس لواحد تولّي الطّرفين عندهم ، ولو بوكالة عنهما . كما يمنعه المالكيّة أيضاً ، لأنّه يصير قابضاً من نفسه لنفسه ، وليس هو ممّن يتولّى طرفي العقد ، فقبضه كلا قبض . </p><p>المثال السّادس :</p><p>48 - اشترى اثنان طعاماً ، فقبضاه ، ثمّ باع أحدهما نصيبه من الآخر قبل أن يقتسماه :</p><p>أ - فيحتمل أن لا يجوز ذلك ، لأنّه لم يقبض نصيبه منفرداً ، فأشبه غير المقبوض .</p><p>ب - ويحتمل الجواز ، لأنّه مقبوض لهما ، يجوز بيعه لأجنبيّ ، فجاز بيعه لشريكه ، كسائر الأموال . ولو تقاسماه وافترقا ، ثمّ باع أحدهما نصيبه بذلك الكيل الّذي كاله ، لم يجز ، كما لو اشترى من رجل طعاماً ، فاكتاله وتفرّقا ، ثمّ باعه إيّاه بذلك الكيل . أمّا لو تقاسماه ولم يفترقا ، وباع أحدهما نصيبه بذلك الكيل ، ففيه روايتان . كما تقدّم في المثال الرّابع . </p><p>49 - وقد تناول الحنفيّة هذه المسألة تناولاً خاصّاً ، بالنّصّ والتّفصيل والتّعليل . فقال المرغينانيّ منهم : من اشترى مكيلاً مكايلةً ( أي بشرط الكيل ) أو موزوناً موازنةً ( أي بشرط الوزن ) فاكتاله أو اتّزنه ، ثمّ باعه مكايلةً أو موازنةً ، لم يجز للمشتري منه أن يبيعه ، ولا أن يأكله ، حتّى يعيد الكيل والوزن وذلك لحديثي جابر وعثمان رضي الله عنهما المذكورين سابقاً . ولأنّه يحتمل أن يزيد على المشروط ، وذلك للبائع في المقدّرات ، والتّصرّف في مال الآخرين حرام ، فيجب التّحرّز عنه . </p><p>ولأنّ الكيل والوزن والعدّ من تمام القبض ، فأصل القبض شرط لجواز التّصرّف فيه على ما سبق ، فكذا تمامه . </p><p>وقد قيّد الحكم المذكور بالشّراء ، لأنّه لو ملكه بهبة أو إرث أو وصيّة ، جاز التّصرّف فيه قبل الكيل . كما أنّ البيع عند الإطلاق ينصرف إلى الكامل ، وهو البيع الصّحيح ، حتّى لو باع ما اشتراه فاسداً ، بعد قبضه مكايلةً ، لم يحتج المشتري الثّاني إلى إعادة الكيل . قال أبو يوسف : لأنّ البيع الفاسد يملك بالقبض ، كالقرض . </p><p>كما ألحقوا بالمكيل والموزون المعدود الّذي لا يتفاوت ، كالجوز والبيض ، إذا اشترى معادّةً . وبه قال أبو حنيفة في أظهر الرّوايتين عنه ، فأفسد البيع قبل العدّ ثانياً لاتّحاد الجامع ، وهو : وجوب تعرّف المقدار ، وزوال احتمال اختلاط المالين ، فإنّ الزّيادة فيه للبائع ، خلافاً لما روي عنهما من جواز البيع الثّاني قبل العدّ . وقد ذكر المعدود مع المكيل والموزون في متن الكنز والتّنوير . واستثنوا من الموزون الدّراهم والدّنانير ، لجواز التّصرّف فيهما بعد القبض قبل الوزن في عقد الصّرف أو السّلم ، كبيع التّعاطي ، فإنّه لا يحتاج في الموزونات إلى وزن المشتري ثانياً ، لأنّه صار بيعاً بالقبض بعد الوزن . </p><p>ويلاحظ أنّ الحنفيّة استثنوا من هذا الحكم - كغيرهم - المبيع مجازفةً ، إذا لم يكن البائع اشترى مكايلةً ، لأنّ كلّ المشار إليه للمشتري ، فلا يتصوّر فيه اختلاط الملكين . </p><p>وكذلك ما إذا باع الثّوب مذارعةً ، لأنّ الزّيادة للمشتري ، إذ الذّرع وصف في الثّوب ، لا يقابله شيء من الثّمن ، بخلاف القدر . </p><p>ويبدو أنّ تحديد الأذرع ليس له ما يقابله من الثّمن في أيّامهم ، لأنّ الثّوب في زمانهم ، يطلق على ما يكفي كساءً واحداً ، فلا تضرّ الزّيادة فيه ، ولا تختلط بملك البائع ، بخلاف الأثواب والأقمشة في أيّامنا ، حيث تقتطع منها أذرع لتخاط ثياباً ، فإنّها مقابلة بالثّمن ، وتعتبر من القدر . ومع أنّ بعض الحنفيّة أطلق تحريم البيع قبل إعادة الكيل ، لكنّ الشّرّاح فسّروه بكراهة التّحريم ، وذلك لأنّ النّهي في الحديث المذكور خبر آحاد ، لا تثبت به الحرمة القطعيّة عند الحنفيّة . ومع ذلك ، فلا يقال لآكله : إنّه أكل حراماً ، فقد نصّ في الجامع الصّغير على أنّه : لو أكله ، وقد قبضه بلا كيل ، لا يقال : إنّه أكل حراماً ، لأنّه أكل ملك نفسه ، إلاّ أنّه آثم ، لتركه ما أمر به من الكيل . </p><p>50 - ومع أنّ البيع قبل إعادة الكيل مكروه تحريماً ، لكنّ الحنفيّة صرّحوا بفساده . </p><p>وهذه عبارة الإمام محمّد في الجامع الصّغير : عن أبي حنيفة ، قال : إذا اشتريت شيئاً ممّا يكال أو يوزن أو يعدّ ، فاشتريت ما يكال كيلاً ، وما يوزن وزناً ، وما يعدّ عدّاً ، فلا تبعه حتّى تكيله وتزنه وتعدّه ، فإن بعته قبل أن تفعل ، وقد قبضته ، فالبيع فاسد في الكيل والوزن . وعلّق ابن عابدين رحمه الله تعالى على هذا بأنّ الفاسد هو البيع الثّاني ، وهو بيع المشتري قبل كيله ، وأنّ الأوّل وقع صحيحاً ، لكنّه يحرم عليه التّصرّف فيه من أكل أو بيع حتّى يكيله ، فإذا باعه قبل كيله ، وقع البيع الثّاني فاسداً ، لأنّ العلّة كون الكيل من تمام القبض ، فإذا باعه قبل كيله ، فكأنّه باع قبل القبض ، وبيع المنقول قبل قبضه لا يصحّ . 51 - ويمكن أن يتّخذ التّصرّف في المكيل والموزون بعد شرائه هذه الصّور، عند الحنفيّة : الأولى : أن يشتري مكايلةً ، ويبيع مكايلةً ، ففي هذه الصّورة لا يجوز للمشتري من المشتري الأوّل أن يبيعه ، حتّى يعيد الكيل لنفسه ، كما كان الحكم في حقّ المشتري الأوّل ، للنّهي عنه في الحديث المتقدّم ، ولاحتمال الزّيادة كما تقدّم . </p><p>الثّانية : أن يشتري مجازفةً ، ويبيع كذلك مجازفةً ، فلا يحتاج إلى كيل ، لعدم الافتقار إلى تعيين المقدار . </p><p>الثّالثة : أن يشتري مكايلةً ، ويبيع مجازفةً ، فلا يحتاج المشتري الثّاني إلى كيل ، لأنّه لمّا اشتراه مجازفةً ، ملك جميع ما كان مشاراً إليه ، فكان متصرّفاً في ملك نفسه . </p><p>الرّابعة : أن يشتري مجازفةً ، ويبيع مكايلةً ، فيحتاج إلى كيل واحد ، إمّا كيل المشتري ، أو كيل البائع بحضرته ، لأنّ الكيل شرط لجواز التّصرّف فيما بيع مكايلةً ، لمكان الحاجة إلى تعيين المقدار الواقع مبيعاً ، وأمّا المجازفة فلا يحتاج إليه . </p><p>فبناءً على هذه الصّورة الأخيرة ، تخرج هذه الصّورة الّتي حقّقها ابن عابدين - رحمه الله - وهي : إذا ملك زيد طعاماً ، بيع مجازفةً أو بإرث ونحوه ، ثمّ باعه من عمرو مكايلةً سقط هنا صاع البائع ، لأنّ ملكه الأوّل لا يتوقّف على الكيل ، وبقي الاحتياج إلى كيل للمشتري فقط ، فلا يصحّ بيعه من عمرو بلا كيل ، فهنا فسد البيع الثّاني فقط . ثمّ إذا باعه عمرو من بكر ، فلا بدّ من كيل آخر لبكر ، فهنا فسد البيع الأوّل والثّاني ، لوجود العلّة في كلّ منهما . 52 - وبصدد الكيل المعتبر شرعاً ، نصّ الحنفيّة على أنّه :</p><p>أ - لا معتبر بكيل البائع قبل البيع من المشتري الثّاني ، وإن كان كاله لنفسه بحضرة المشتري عن شرائه هو ، لأنّه ليس صاع البائع والمشتري ، وهو الشّرط بالنّصّ .</p><p>ب - ولا معتبر بكيله بعد البيع الثّاني ، بغيبة المشتري ، لأنّ الكيل من باب التّسليم ، لأنّ به يصير المبيع معلوماً ، ولا تسليم إلاّ بحضرته .</p><p>ج - وإن كاله أو وزنه بعد البيع ، بحضرة المشتري ، ففيه اختلاف المشايخ : </p><p>- قيل : لا يكتفى به ، ولا بدّ من الكيل أو الوزن مرّتين ، احتجاجاً بظاهر الحديث . </p><p>- وقال عامّتهم : كفاه ذلك ، حتّى يحلّ للمشتري التّصرّف فيه قبل كيله ووزنه إذا قبضه ، وهذا هو الصّحيح ، لأنّ الغرض من الكيل والوزن صيرورة المبيع معلوماً ، وقد حصل ذلك بكيل واحد ، وتحقّق معنى التّسليم . وقد بحث البابرتيّ ، في الاكتفاء بالكيل الواحد في هذه الصّورة ، ونظر إلى تعليل الحكم في الأصل ، باحتمال الزّيادة على المشروط ، وقرّر : أنّ مقتضى ذلك الاكتفاء بالكيل الواحد في أوّل المسألة أيضاً ، وقال : ولو ثبت أنّ وجوب الكيلين عزيمة ، والاكتفاء بالكيل الواحد رخصة ، أو قياس واستحسان ، لكان ذلك مدفعاً جارياً على القوانين ( أي القواعد ) لكن لم أظفر بذلك .</p><p>خ - بيع الكالئ بالكالئ :</p><p>53 - الكالئ مأخوذ من : كلأ الدّين يكلأ ، مهموز بفتحتين ، كلوءاً : إذا تأخّر ، فهو كالئ بالهمز ، ويجوز تخفيفه ، فيصير مثل القاضي . وكان الأصمعيّ لا يهمزه . قال : هو مثل القاضي ، ولا يجوز همزه . وبيع الكالئ بالكالئ هو : بيع النّسيئة بالنّسيئة . </p><p>قال أبو عبيد : صورته : أن يسلّم الرّجل الدّراهم في طعام إلى أجل ، فإذا حلّ الأجل يقول الّذي عليه الطّعام : ليس عندي طعام ولكن بعني إيّاه إلى أجل . فهذه نسيئة انقلبت إلى نسيئة . فلو قبض الطّعام ، ثمّ باعه منه أو من غيره ، لم يكن كالئاً بكالئ . </p><p>ولا يخرج المعنى الشّرعيّ عن المعنى اللّغويّ ، إذ هو بيع الدّين بالدّين . </p><p>وقد ورد النّهي عنه في حديث ابن عمر رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ » ، وقال : « هو النّسيئة بالنّسيئة » . </p><p>وفسّر أيضاً ببيع الدّين ، كما ورد التّصريح به في رواية . </p><p>وفي بيع الدّين صورتان : بيعه من المدين نفسه ، وبيعه من غيره . </p><p>ولا يختلف الفقهاء في عدم جواز بيع الدّين من غير مَنْ عليه الدّين . </p><p>وإنّما اختلفوا في جواز بيعه ممّن هو عليه ، وجمهورهم - بوجه عامّ - لا يجيزه ، إلاّ في أحوال معيّنة ، خلافاً للحنفيّة . وفيما يلي عرض لأهمّ الصّور والتّقاسيم الّتي يطرحها الفقهاء في هذا الصّدد ، مع تبيان أحكامها . </p><p>54 - مذهب المالكيّة : ويتّخذ العقد على الدّين عندهم صوراً شتّى :</p><p>أ - فسخ ما في ذمّة المدين أي إسقاطه في شيء يتأخّر قبضه عن وقت الفسخ ، سواء أحلّ الدّين المفسوخ أم لا ، إن كان المؤخّر من غير جنسه أو من جنسه بأكثر منه ، وسواء أكان المفسوخ فيه معيّناً كالعقار ، أم كان منافع ذات معيّنة كركوب دابّة . فهذا غير جائز ، وهو من ربا الجاهليّة ، وهو أشدّ الأنواع تحريماً ، وتحريمه بالكتاب .</p><p>ب - بيع الدّين بدين لغير من هو عليه ولو حالاً : وهذا ممنوع بالسّنّة . </p><p>فمن له دين على زيد ، ولآخر دين على عمرو ، فباع كلّ منهما دينه بدين صاحبه ، كان محرّماً بالسّنّة ، وهو فاسد . </p><p>أمّا بيعه بمعيّن يتأخّر قبضه كعقار ، أو بمنفعة ذات معيّنة ، كما لو كان لزيد دين على عمرو ، فباع زيد ذلك الدّين لخالد بما ذكر ، فإنّه جائز . وقد اعتبر العقار ومنافع الذّات المعيّنة من قبيل الحاضر ولو تأخّر تسليمه ، لأنّ ذلك ليس ممّا يضمن في الذّمّة إذ لا تثبت المعيّنات في الذّمّة فهما نقد بهذا المعنى . أي حاضر ينقد ولا يثبت بالذّمّة .</p><p>ج - تأخير رأس مال السّلم أكثر من ثلاثة أيّام ، وهو عين ، فهذا منهيّ عنه غير جائز ، لما فيه من ابتداء دين بدين . ووجه كون هذا من ابتداء الدّين بالدّين ، أنّ كلّاً منهما شغل ذمّة صاحبه بدين له عليه . أمّا لو كان رأس المال غير عين ، فإنّه يجوز تأخيره أكثر من ثلاثة أيّام ، إن لم يكن بشرط . فكلّ واحد من هذه الصّور الثّلاث يقال له بيع الدّين بالدّين لغةً ، إلاّ أنّ فقهاء المالكيّة سمّوا كلّ واحد منها باسم يخصّه . </p><p>هذه أقسام بيع الدّين بالدّين عند المالكيّة إذاً وأحكامها . </p><p>أمّا بيع الدّين بالنّقد ، فإنّه لا يجوز ، إلاّ إذا كان المدين حيّاً حاضراً في البلد ، وإن لم يحضر مجلس البيع ، وأقرّ بالدّين ، وكان ممّن تأخذه الأحكام ( أي من المكلّفين ) ، وبيع الدّين بغير جنسه ، أو بيع بجنسه وكان متساوياً ، لا أنقص ولا أزيد ، وليس ذهباً بفضّة ولا عكسه ، وليس بين المشتري والمدين عداوة . </p><p>ويشترط أن يكون الدّين ممّا يجوز أن يباع قبل قبضه ، وهذا احتراز من طعام المعاوضة . قال الدّسوقيّ : فإن وجدت تلك الشّروط جاز بيعه ، وإن تخلّف شرط منها منع البيع . </p><p>55 - ومذهب الشّافعيّ الجديد ، وهو رواية عن الإمام أحمد : جواز الاستبدال عن الثّمن الّذي في الذّمّة . ومذهبه القديم هو المنع . </p><p>ودليل المذهب الجديد ، وهو نفسه دليل الحنابلة في هذه الرّواية ، حديث « ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنت أبيع الإبل بالدّنانير ، وآخذ مكانها الدّراهم ، وأبيع بالدّراهم ، وآخذ مكانها الدّنانير ، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ، فقال : لا بأس إذا تفرّقتما وليس بينكما شيء » . قالوا : وهذا تصرّف في الثّمن قبل قبضه ، وهو أحد العوضين . ودليل المذهب القديم : حديث : « إذا اشتريت بيعاً فلا تبعه حتّى تقبضه » . </p><p>فإن استبدل بموافق في علّة الرّبا ، كدراهم بدنانير ، اشترط قبض البدل في المجلس . </p><p>وإن استبدل بغير موافق في علّة الرّبا ، كما لو اشترى ثوباً بدراهم في الذّمّة ، لم يشترط ذلك . أمّا بيع الدّين لغير من هو عليه ، فباطل في الأظهر من مذهب الشّافعيّة ، وهو باطل أيضاً في مذهب الحنابلة . كما لو اشترى ثوباً من زيد بمائة له على عمرو ، وذلك لعدم القدرة على التّسليم . وفي قول ثان للشّافعيّة ، يصحّ ، وصحّحه في أصل الرّوضة ، مخالفاً للرّافعيّ ، وهو المعتمد ، نظراً لاستقرار الدّين ، كبيعه ممّن هو عليه . </p><p>لكن يشترط في هذا قبض العوضين في المجلس ، فلو تفرّقا قبل قبض أحدهما في البيع . وإن كان مقتضى كلام الأكثرين يخالفه ، كما ذكره المحلّيّ . </p><p>أمّا لو كان لزيد وعمرو دينان على شخص ، فباع زيد عمراً دينه بدينه ، بطل قطعاً بلا خلاف ، اتّفق الجنس أو اختلف ، وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ » . </p><p>56 - ومذهب الحنابلة بطلان بيع الدّين بدين ممّن هو عليه ، أو من غيره مطلقاً . وذكروا له صوراً ، سوى ما وافقوا فيه مذهب الشّافعيّة من بعض الصّور ممّا ذكرنا . وقال في ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ بيع الدّين بالدّين لا يجوز . وقال أحمد : إنّما هو إجماع </p><p>57 - بقي أن نشير إلى موقف الحنفيّة المتميّز بالتّفرقة بين بيع الدّين ممّن هو عليه ، وبين بيعه مِنْ غير مَنْ هو عليه ، وأنّ التّصرّف الجائز في الدّين ، هو تمليكه ممّن عليه الدّين ، ولو بعوض ، ولا يجوز من غيره كما نقله الحصكفيّ عن ابن ملك . </p><p>واستثنوا ثلاث صور أجازوا فيها تمليك الدّين لغير من هو عليه . </p><p>الأولى : إذا سلّط الدّائن غيره على قبض الدّين ، فيكون وكيلاً قابضاً للموكّل ، ثمّ لنفسه . الثّانية : الحوالة واستثناء جوازها إجماع - كما صرّح به الشّافعيّة . </p><p>الثّالثة : الوصيّة . ومعنى عدم الجواز هنا : عدم الانعقاد ، وبذلك عبّر الكاسانيّ فقال : ولا ينعقد بيع الدّين من غير من عليه الدّين ، لأنّ الدّين إمّا أن يكون عبارةً عن مال حكميّ في الذّمّة ، وإمّا أن يكون عبارةً عن فعل تمليك المال وتسليمه ، وكلّ ذلك غير مقدور التّسليم في حقّ البائع . ولو شرط التّسليم على المدين لا يصحّ أيضاً ، لأنّه شرط التّسليم على غير البائع ، فيكون شرطاً فاسداً ، فيفسد البيع . ويجوز بيعه ممّن هو عليه ، لأنّ المانع هو العجز عن التّسليم ، ولا حاجة إلى التّسليم هاهنا . ونظيره بيع المغصوب ، فإنّه يصحّ من الغاصب ، ولا يصحّ من غيره ، إذا كان الغاصب منكراً ، ولا بيّنة للمالك . ويمكن لزيادة التّفصيل والتّصوير ، في بيع الكالئ بالكالئ ، مراجعة مصطلح : ( ربا ، صرف ، دين ) .</p><p>د - بيع اللّحم بالحيوان :</p><p>58 - ورد فيه حديث سعيد بن المسيّب « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللّحم بالحيوان » وفي لفظ : « نهى عن بيع الحيّ بالميّت » . </p><p>ويتوزّع البحث في هذه المسألة على النّقاط التّالية : </p><p>أوّلاً : هل اللّحم كلّه جنس واحد ؟</p><p>59 - هذه مسألة خلافيّة بين الفقهاء ، وهي كالأصل بالنّسبة إلى ما بعدها . </p><p>- أ - فمذهب الحنفيّة ، ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة ، والأصحّ عند الحنابلة : هو أنّ اللّحم أجناس ، باختلاف أصوله : فالإبل بأنواعها - العرّاب والبخاتيّ والهجين ، وذي السّنامين ، وذي السّنام الواحد - كلّها جنس واحد ، فكذا لحومها . والبقر والجواميس جنس واحد . والغنم والمعز جنس واحد . ويحتمل أن يكونا صنفين ، لأنّ القرآن فرّق بينهما كما فرّق بين الإبل والبقر ، فقال : { ثمانيةَ أزواجٍ : من الضّأْنِ اثنينِ ومن المعزِ اثنين } .. { ومِنَ الإبِلِ اثنين ، ومن البقرِ اثنينِ } . </p><p>والوحش أصناف : بقرها صنف ، وغنمها صنف ، وظباؤها صنف . </p><p>والطّير أصناف ، كلّ ما انفرد باسم وصفة فهو صنف .</p><p>- ب - والأظهر عند الشّافعيّة ، وقول الخرقيّ من الحنابلة ، ورواية عن الإمام أحمد : أنّ اللّحم كلّه جنس واحد . </p><p>- ج - ويبدو من تمثيل المالكيّة للجنس الواحد ببيع لحم بقريّ بكبش حيّ ، ولغير الجنس ببيع الحيوان الحيّ بلحم طير أو سمك : أنّهم يعتبرون لحوم الأنعام جنساً ، ولحوم الطّير جنساً ، ولحوم الأسماك جنساً . ونصّ ابن جزيّ على أنّ اللّحوم عند مالك ثلاثه أصناف : فلحم ذوات الأربع صنف ، ولحم الطّيور صنف ، ولحم الحيتان صنف .</p><p>ثانياً : بيع اللّحم بحيوان من جنسه :</p><p>60 - لا يستجيز جمهور الفقهاء بيع اللّحم بحيوان من جنسه ، كلحم شاة بشاة حيّة ، وذلك : للنّهي عن بيع اللّحم بالحيوان في الحديث المتقدّم - كما يقول الشّافعيّة - ولأنّه مال ربويّ ، بيع بما فيه من جنسه مع جهالة المقدار ، فلم يجز كبيع السّمسم بالشّيرج . ولأنّه بيع معلوم - وهو اللّحم - بمجهول وهو الحيوان ، وهو المزابنة ، كما يقول المالكيّة . </p><p>فهذا قول مالك ، وهو محمل الحديث عنده : أن يباع حيوان مباح الأكل بلحم من جنسه ، وهو مذهب الشّافعيّ ، وهو أيضاً المذهب عند الحنابلة ، بلا خلاف . وأجاز الحنفيّة هذا البيع ، ولكن : منهم من اعتبرهما جنسين مختلفين ( لأنّ أحدهما موزون ، والآخر معدود ) فبنوا عليه جواز بيعهما مجازفةً ، عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، لأنّه باع الجنس بخلاف الجنس . ومنهم من اعتبرهما جنساً واحداً ، وبنوا مذهبهما - أي مذهب الشّيخين - على أنّ الشّاة ليست بموزونة ، فيجوز بيع أحدهما بالآخر ، مجازفةً ومفاضلةً ، لأنّ ربا الفضل يعتمد اجتماع الوصفين : الجنس والقدر ، لكن بشرط التّعيين كما عبّر الحصكفيّ ( أي التّقابض ) أو يداً بيد ، كما عبّر الكاسانيّ - وقال : هو الصّحيح - والبابرتيّ . </p><p>أمّا نسيئةً فلا يجوز ، لأنّهما عندئذ سلم ، وهو في كلّ منهما غير صحيح ، كما نقله ابن عابدين عن النّهر . لكنّ الإمام محمّداً ، شرط في جواز بيع اللّحم بحيوان من جنسه ، أن يكون اللّحم المفرز أكثر من الّذي في الشّاة ، ليكون لحم الشّاة بمقابلة مثله من اللّحم ، والباقي بمقابلة الإسقاط ، إذ لو لم يكن كذلك يتحقّق الرّبا ، فلا يجوز عنده ، وذلك عملاً بالحديث المتقدّم . ولأنّهما جنس واحد ، ولهذا لا يجوز بيع أحدهما بالآخر نسيئةً ، فكذا متفاضلاً ، كالزّيت بالزّيتون .</p><p>ثالثاً : بيع اللّحم بحيوان من غير جنسه :</p><p>61 - كبيع الشّاة الحيّة بلحم الإبل أو البقر عند غير المالكيّة ، وكبيع الشّاة الحيّة بلحم طير أو سمك عند المالكيّة . </p><p>أجاز هذه الصّورة جمهور الفقهاء ، من الحنفيّة والمالكيّة ، وهو غير الأظهر عند الشّافعيّة ، اختاره القاضي من الحنابلة ، ورواية عن الإمام أحمد ، عليها متن الإقناع . </p><p>وعلّل ذلك الحنفيّة ، بأنّهما أصلان مختلفان ، فهما جنسان مختلفان فيجوز بيعهما ( مطلقاً ) مجازفةً ، نقداً ونسيئةً ، لانعدام الوزن والجنس ، فلا يتحقّق الرّبا أصلاً . </p><p>ومع أنّ المالكيّة أجازوا - على اصطلاحهم في أجناس اللّحوم - بيع اللّحم بغير جنسه مطلقاً ، لكنّهم قيّدوه بأن يكون حالاً . أمّا إن كان إلى أجل فلا يجوز ، إذا كان الحيوان لا يراد للقنيّة ، وإلاّ فيجوز بيعه بلحم من غير جنسه لأجل . </p><p>كما قرّر الشّافعيّة أنّ القول بالجواز مبنيّ على أنّ اللّحوم أجناس ، وعلّلوا الجواز بأنّه قياس على بيع اللّحم باللّحم . قالوا : وهذا في المأكول ، وأمّا في غيره فوجه الجواز فيه هو : أنّ سبب المنع بيع مال الرّبا بأصله المشتمل عليه ، ولم يوجد ذلك هنا . </p><p>وعلّل من قال من الحنابلة بجوازه : بأنّه مال الرّبا بيع بغير أصله فجاز ، كما لو باعه بالأثمان . ولم يجز هذه الصّورة - أعني بيع اللّحم بحيوان من غير جنسه - الشّافعيّة في الأظهر من أقوالهم ، ولا الحنابلة في الظّاهر من مذهبهم ، وصرّحوا بالبطلان ، وذلك : لعموم نصّ الحديثين السّابقين . ولأنّ اللّحم كلّه جنس واحد . </p><p>ويلاحظ أنّ صاحب الشّرح الكبير الحنبليّ صرّح بأنّ سبب الاختلاف في بيع اللّحم بغير جنسه ، مبنيّ على الاختلاف في اللّحم ، فإنّ القائلين بأنّه جنس واحد لا يجيزون البيع ، والقائلون بأنّه أجناس يجيزونه . كما يلاحظ أنّ الشّافعيّة : أطلقوا اللّحم في الحديث ، حتّى لو كان لحم سمك أو ألية أو كبداً أو طحالاً . وأطلقوا الحيوان ، حتّى لو كان سمكاً أو جراداً ، مأكولاً كالإبل ، أو غير مأكول كالحمار ، فبيع اللّحم بالحيوان عندهم باطل مطلقاً في الأظهر .</p><p>رابعاً : بيع اللّحم بحيوان غير مأكول :</p><p>62 - الجمهور من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة على جواز هذه الصّورة ، وهو قول عند الشّافعيّة . قال ابن قدامة : وإن باعه بحيوان غير مأكول جاز في ظاهر قول أصحابنا ، وهو قول عامّة الفقهاء . كما علّل الشّافعيّة ما ذهب إليه بعضهم من الجواز في هذه الصّورة : بأنّ سبب المنع هو بيع مال الرّبا بأصله المشتمل عليه ، ولم يوجد ذلك هنا . لكنّ الأظهر عندهم - كما تقدّم آنفاً - تحريم بيع اللّحم بالحيوان بإطلاق للحديث .</p><p>ذ - بيع الرّطب بالتّمر :</p><p>63 - ورد النّهي عن بيع الرّطب بالتّمر في حديث سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه ، « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : سئل عن بيع الرّطب بالتّمر ، فقال : أينقص الرّطب إذا جفّ ؟ قالوا : نعم ، قال : فلا إذاً » وفي رواية أنّه قال : « لا يباع رطب بيابس » . </p><p>ولا يستجيز جمهور الفقهاء : مالك والشّافعيّ وأحمد والصّاحبان من الحنفيّة هذا البيع ، ونحوه : كالعنب بالزّبيب ، واللّبن بالجبن ، والحنطة الرّطبة باليابسة ، وذلك : </p><p>للحديث المذكور ، قالوا : وفيه إشارة إلى أنّ المماثلة تعتبر عند الجفاف ، وإلاّ فالنّقص أوضح من أن يسأل عنه ، وهي مجهولة الآن . </p><p>ولأنّه جنس فيه الرّبا ، بيع بعضه ببعض ، على وجه ينفرد أحدهما بالنّقصان ، فلم يجز . وعبارة الخرقيّ ولا يباع شيء من الرّطب بيابس من جنسه ، إلاّ العرايا . </p><p>وربّما اعتبره بعض المالكيّة من المزابنة ، وهي - بتفسير ابن جزيّ - بيع شيء رطب بيابس من جنسه ، سواء أكان ربويّاً أم غير ربويّ ، فتمتنع في الرّبويّ ، لتوقّع التّفاضل والغرر ، وتمتنع في غير الرّبويّ للنّهي الوارد عنها في الحديث ، وللغرر . </p><p>64 - وتفرّد أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - بالقول بالجواز - كما يقول الكمال بن الهمام ومتون الحنفيّة عليه . ونصّ الحصكفيّ على أنّه : يجوز بيع رطب برطب ، أو بتمر متماثلاً .. في الحال لا المآل ، خلافاً لهما ، فلو باع مجازفةً لم يجز اتّفاقاً . </p><p>وقد استدلّ أبو حنيفة بحديث عبادة بن الصّامت رضي الله عنه ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « الذّهب بالذّهب ، والفضّة بالفضّة ، والبرّ بالبرّ ، والشّعير بالشّعير ، والتّمر بالتّمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، سواءً بسواء ، يداً بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف ، فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يداً بيد » . </p><p>ففي وجه الاستدلال بهذا الحديث يقول أبو حنيفة :</p><p> الرُّطَب : إمّا أن يكون تمراً ، أو لا يكون . فإن كان تمراً ، جاز العقد عليه ، لقوله في أوّل الحديث : « التّمر بالتّمر » ، وإن كان غير تمر ، جاز العقد عليه أيضاً ، لقوله في آخر الحديث : « إذا اختلف النّوعان فبيعوا كيف شئتم » . ولم يأخذ بحديث النّهي السّابق لأنّه دائر على زيد بن عيّاش ، وزيد بن عيّاش ممّن لا يقبل حديثه وهو مجهول وعلى تقدير صحّته ، فقد ورد بلفظ « نهى عن بيع الرّطب بالتّمر نسيئةً » وهذه زيادة يجب قبولها . ولاستكمال مبحث بيع الرّطب بالتّمر ، وما يتّصل به من التّفاصيل والأحكام . </p><p>يراجع مصطلح ( رباً ) .</p><p>ر- بيع وسلف :</p><p>65 - ورد فيه حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم « لا يحلّ سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك » وفي رواية « عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّه قال : يا رسول اللّه : إنّا نسمع منك أحاديث ، أفتأذن لنا بكتابتها ؟ قال : نعم . فكان أوّل ما كتب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكّة : لا يجوز شرطان في بيع واحد ، ولا بيع وسلف جميعاً ، ولا بيع ما لم يضمن ... » الحديث . </p><p>وقد فسّر محمّد بن الحسن رحمه الله تعالى السّلف والبيع بأنّه قول الرّجل للرّجل : أبيعك داري هذه بكذا وكذا ، على أن تقرضني كذا وكذا . وبهذا تئول المسألة إلى موضوع البيع بشرط ، ولا يختلف الفقهاء في فساد البيع بذلك ، في الجملة . </p><p>وصرّح ابن جزيّ بأنّ البيع باشتراط السّلف من أحد المتبايعين لا يجوز بإجماع ، وإن يكن بطلان الشّرط وحده روايةً واحتمالاً عند الحنابلة . </p><p>والمالكيّة ، حينما تحدّثوا عن بيوع الآجال - وهي بيوع ظاهرها الجواز ، لكنّها تؤدّي إلى ممنوع - منعوا بيع ما كثر قصد النّاس إليه ، توصّلاً إلى الرّبا الممنوع ، كأن كان جائزاً في الظّاهر ، وذلك للتّهمة ، وسدّ الذّريعة ، ومثّلوا لها : باجتماع بيع وسلف ، أو سلف جرّ منفعةً ، أو ضمان بجعل . وصوّروا البيع والسّلف بصور ثلاث : </p><p>الأولى : بيع جائز في الظّاهر يؤدّي - كما يقول الدّردير - إلى بيع وسلف ، فإنّه يمنع للتّهمة ، على أنّهما قصدا البيع والسّلف الممنوع . وذلك كأن يبيع سلعتين بدينارين لشهر ، ثمّ يشتري إحداهما بدينار نقداً ، فآل الأمر إلى أنّ البائع أخرج من يده سلعةً وديناراً نقداً ، لأنّ السّلعة الّتي خرجت من يده ثمّ عادت إليها ملغاة كما يقول الدّسوقيّ ثمّ أخذ عنهما عند الأجل دينارين ، أحدهما عن السّلعة وهو بيع ، والآخر عن الدّينار وهو سلف . </p><p>فهذه الصّورة تؤدّي إلى بيع وسلف ، وهو جائز في ظاهره ، ولا خلاف في المذهب في منعه ، صرّح بذلك ابن بشير وتابعوه ، وغيرهم . </p><p>وحيث تكرّر في هذه الصّورة البيع ، منعت عندهم ، لتهمة قصد البيع والسّلف . </p><p>الثّانية : بيع وسلف بشرط من البائع أو المشتري . وهذه الصّورة ممنوعة غير جائزة ، لأنّ الانتفاع بالقرض هو من جملة الثّمن ، إن كان شرط السّلف صادراً من البائع ، أو هو من جملة المثمّن - أي المبيع - إن كان شرط السّلف صادراً من المشتري، ففيه سلف جرّ نفعاً. الثّالثة : بيع وسلف بلا شرط ، لا صراحةً ولا حكماً ، وهي جائزة على المعتمد .</p><p>ز- بيع وشرط :</p><p>66 - ورد النّهي في السّنّة عن ( بيع وشرط ) ومن ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط » . </p><p>وينظر تفصيله في مصطلح : ( بيع ، وشرط )</p><p>أسباب النّهي المتعلّقة بالغرر :</p><p>67 - هذا هو السّبب الثّاني من أسباب النّهي عن البيع ، ممّا يتعلّق بلازم العقد ، وكان الأوّل هو الرّبا . وقد ورد النّهي عن بيوع الغرر ، في حديث أبي هريرة رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة ، وعن بيع الغرر » . وغيره ممّا سيأتي . والغرر في اللّغة هو : الخطر . </p><p>وله في اصطلاح الفقهاء تعريفات شتّى . فهو عند الحنفيّة : ما طوي عنك علمه . </p><p>وعند بعض المالكيّة : التّردّد بين أمرين : أحدهما على الغرض ، والثّاني على خلافه . </p><p>وعند الشّافعيّة : ما انطوت عنّا عاقبته ، أو : ما تردّد بين أمرين أغلبهما أخوفهما . </p><p>ويرى بعض المالكيّة أنّ الغرر والخطر لفظان مترادفان بمعنًى واحد ، وهو ما جهلت عينه . ويرى المحقّقون منهم أنّهما متباينان : </p><p>فالخطر : ما لم يتيقّن وجوده ، كما لو قال : بعني فرسك بما أربح غداً . </p><p>والغرر : ما يتيقّن وجوده ، ويشكّ في تمامه ، كبيع الثّمار قبل بدوّ صلاحها . </p><p>68 - وقد تقدّمت صور ينطبق عليها الغرر ، عند الكلام عن شروط انعقاد البيع ، منها : كون المبيع مالاً موجوداً مملوكاً مقدور التّسليم ، فلا يصحّ بيع الحمل في بطن أمّه ، ولا ما سيخرجه الصّيّاد في شبكته ، ولا الطّير في الهواء ، ولا الجمل الشّارد . إلخ . </p><p>والغرر نوعان : أحدهما : ما يرجع إلى أصل وجود المعقود عليه ، أو ملكيّة البائع له ، أو قدرته على تسليمه ، فهذا يوجب بطلان البيع ، فلا ينعقد البيع اتّفاقاً في شيء من ذلك . والآخر : ما يرجع إلى وصف في المعقود عليه أو مقداره ، أو يورث فيه أو في الثّمن أو في الأجل جهالةً . فهذا محلّ خلاف . تفصيله في مصطلح ( غرر ) .</p><p>وفيما يلي صور الغرر الّتي ورد النّهي فيها بخصوصها ، والحكم الفقهيّ فيها ، من البطلان أو الفساد . إذ النّهي عن بيع الغرر - كما يقول النّوويّ - أصل من أصول الشّرع ، يدخل تحته مسائل كثيرة جدّاً . منها : بيع الحصاة وبيع الملامسة وبيع المنابذة . وتنظر في مصطلحاتها . ومنها ما يلي :</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41111, member: 329"] المثال الثّالث : 45 - لو قال بكر لعمرو ، خذه بهذا الكيل الّذي قد شاهدته ، فأخذه به صحّ ، لأنّه شاهد كيله وعلمه ، فلا معنى لاعتبار كيله مرّةً ثانيةً . وفي رواية عن أحمد أنّه لا يجزئ ، وذلك للحديث المتقدّم « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطّعام ، حتّى يجري فيه الصّاعان } ... » وهذا داخل فيه . ولأنّه قبضه من غير كيل ، فأشبه ما لو قبضه جزافاً . المثال الرّابع : 46 - لو قال بكر لعمرو : احضرنا حتّى أكتاله لنفسي ، ثمّ تكتاله أنت ، وفعلا ، صحّ بغير إشكال . ولو اكتال بكر لنفسه ، ثمّ أخذه عمرو بذلك الكيل الّذي شاهده ، فعلى روايتين . ولو تركه في المكيال ، ودفعه إلى عمرو ، ليفرّغه لنفسه صحّ ، وكان ذلك قبضاً صحيحاً ، لأنّ استدامة الكيل بمنزلة ابتدائه ، ولا معنى لابتداء الكيل هاهنا ، إذ لا يحصل به زيادة علم . ومع أنّ ابن قدامة أسند إلى الشّافعيّة عدم صحّة القبض ، للنّهي عن بيع الطّعام حتّى يجري فيه الصّاعان ، وقرّر أنّه يمكن القول بموجب الحديث ، وأنّه يعتبر قبض المشتري له في المكيال إجراءً لصاعه فيه ، إلاّ أنّ ابن حجر نصّ على أنّ الاستدامة في نحو المكيال كالتّجديد ، فتكفي . المثال الخامس : 47 - لو دفع بكر إلى عمرو دراهم ، فقال : اشتر لك بها مثل الطّعام الّذي لك عليّ ، ففعل ، لم يصحّ ، لأنّه فضوليّ إذ اشترى لنفسه بمال غيره ،لأنّ دراهم بكر لا يكون عوضها لعمرو. والشّافعيّة يعلّلون بأنّه : لا يمكن أن يشتري بمال غيره لنفسه ، والدّراهم أمانة في يده ، فإن اشترى بعينها بطل الشّراء ، وإن اشترى بثمن في ذمّته ، صحّ الشّراء له ، والثّمن عليه . وإن قال : اشتر لي بها طعاماً ، ثمّ اقبضه لنفسك ففعل ، صحّ الشّراء ، ولم يصحّ القبض لنفسه . وعلّله الشّافعيّة بأنّ حقّ الإنسان لا يتمكّن غيره من قبضه لنفسه ، وضمنه الغريم القابض لاستيلائه عليه لنفسه . وقال الحنابلة : إنّ قبضه لنفسه فرع عن قبض موكّله ، ولم يوجد . وإن قال : اشتر لي بها طعاماً ( واقبضه لي ) ثمّ اقبضه لنفسك ، ففعل ، جاز ، لأنّه وكّله بالشّراء والقبض ، ثمّ الاستيفاء من نفسه لنفسه ، وذلك صحيح . وقال الشّافعيّة : صحّ الشّراء والقبض الأوّل دون الثّاني ، لاتّحاد القابض والمقبض ، دون الأوّل . لكنّ الحنابلة قاسوه على مسألة شراء الوالد لنفسه من مال ولده الصّغير ، وهبته له ، وقبضه لنفسه من نفسه . والشّافعيّة يمنعون القياس في هذه الصّورة ، وليس لواحد تولّي الطّرفين عندهم ، ولو بوكالة عنهما . كما يمنعه المالكيّة أيضاً ، لأنّه يصير قابضاً من نفسه لنفسه ، وليس هو ممّن يتولّى طرفي العقد ، فقبضه كلا قبض . المثال السّادس : 48 - اشترى اثنان طعاماً ، فقبضاه ، ثمّ باع أحدهما نصيبه من الآخر قبل أن يقتسماه : أ - فيحتمل أن لا يجوز ذلك ، لأنّه لم يقبض نصيبه منفرداً ، فأشبه غير المقبوض . ب - ويحتمل الجواز ، لأنّه مقبوض لهما ، يجوز بيعه لأجنبيّ ، فجاز بيعه لشريكه ، كسائر الأموال . ولو تقاسماه وافترقا ، ثمّ باع أحدهما نصيبه بذلك الكيل الّذي كاله ، لم يجز ، كما لو اشترى من رجل طعاماً ، فاكتاله وتفرّقا ، ثمّ باعه إيّاه بذلك الكيل . أمّا لو تقاسماه ولم يفترقا ، وباع أحدهما نصيبه بذلك الكيل ، ففيه روايتان . كما تقدّم في المثال الرّابع . 49 - وقد تناول الحنفيّة هذه المسألة تناولاً خاصّاً ، بالنّصّ والتّفصيل والتّعليل . فقال المرغينانيّ منهم : من اشترى مكيلاً مكايلةً ( أي بشرط الكيل ) أو موزوناً موازنةً ( أي بشرط الوزن ) فاكتاله أو اتّزنه ، ثمّ باعه مكايلةً أو موازنةً ، لم يجز للمشتري منه أن يبيعه ، ولا أن يأكله ، حتّى يعيد الكيل والوزن وذلك لحديثي جابر وعثمان رضي الله عنهما المذكورين سابقاً . ولأنّه يحتمل أن يزيد على المشروط ، وذلك للبائع في المقدّرات ، والتّصرّف في مال الآخرين حرام ، فيجب التّحرّز عنه . ولأنّ الكيل والوزن والعدّ من تمام القبض ، فأصل القبض شرط لجواز التّصرّف فيه على ما سبق ، فكذا تمامه . وقد قيّد الحكم المذكور بالشّراء ، لأنّه لو ملكه بهبة أو إرث أو وصيّة ، جاز التّصرّف فيه قبل الكيل . كما أنّ البيع عند الإطلاق ينصرف إلى الكامل ، وهو البيع الصّحيح ، حتّى لو باع ما اشتراه فاسداً ، بعد قبضه مكايلةً ، لم يحتج المشتري الثّاني إلى إعادة الكيل . قال أبو يوسف : لأنّ البيع الفاسد يملك بالقبض ، كالقرض . كما ألحقوا بالمكيل والموزون المعدود الّذي لا يتفاوت ، كالجوز والبيض ، إذا اشترى معادّةً . وبه قال أبو حنيفة في أظهر الرّوايتين عنه ، فأفسد البيع قبل العدّ ثانياً لاتّحاد الجامع ، وهو : وجوب تعرّف المقدار ، وزوال احتمال اختلاط المالين ، فإنّ الزّيادة فيه للبائع ، خلافاً لما روي عنهما من جواز البيع الثّاني قبل العدّ . وقد ذكر المعدود مع المكيل والموزون في متن الكنز والتّنوير . واستثنوا من الموزون الدّراهم والدّنانير ، لجواز التّصرّف فيهما بعد القبض قبل الوزن في عقد الصّرف أو السّلم ، كبيع التّعاطي ، فإنّه لا يحتاج في الموزونات إلى وزن المشتري ثانياً ، لأنّه صار بيعاً بالقبض بعد الوزن . ويلاحظ أنّ الحنفيّة استثنوا من هذا الحكم - كغيرهم - المبيع مجازفةً ، إذا لم يكن البائع اشترى مكايلةً ، لأنّ كلّ المشار إليه للمشتري ، فلا يتصوّر فيه اختلاط الملكين . وكذلك ما إذا باع الثّوب مذارعةً ، لأنّ الزّيادة للمشتري ، إذ الذّرع وصف في الثّوب ، لا يقابله شيء من الثّمن ، بخلاف القدر . ويبدو أنّ تحديد الأذرع ليس له ما يقابله من الثّمن في أيّامهم ، لأنّ الثّوب في زمانهم ، يطلق على ما يكفي كساءً واحداً ، فلا تضرّ الزّيادة فيه ، ولا تختلط بملك البائع ، بخلاف الأثواب والأقمشة في أيّامنا ، حيث تقتطع منها أذرع لتخاط ثياباً ، فإنّها مقابلة بالثّمن ، وتعتبر من القدر . ومع أنّ بعض الحنفيّة أطلق تحريم البيع قبل إعادة الكيل ، لكنّ الشّرّاح فسّروه بكراهة التّحريم ، وذلك لأنّ النّهي في الحديث المذكور خبر آحاد ، لا تثبت به الحرمة القطعيّة عند الحنفيّة . ومع ذلك ، فلا يقال لآكله : إنّه أكل حراماً ، فقد نصّ في الجامع الصّغير على أنّه : لو أكله ، وقد قبضه بلا كيل ، لا يقال : إنّه أكل حراماً ، لأنّه أكل ملك نفسه ، إلاّ أنّه آثم ، لتركه ما أمر به من الكيل . 50 - ومع أنّ البيع قبل إعادة الكيل مكروه تحريماً ، لكنّ الحنفيّة صرّحوا بفساده . وهذه عبارة الإمام محمّد في الجامع الصّغير : عن أبي حنيفة ، قال : إذا اشتريت شيئاً ممّا يكال أو يوزن أو يعدّ ، فاشتريت ما يكال كيلاً ، وما يوزن وزناً ، وما يعدّ عدّاً ، فلا تبعه حتّى تكيله وتزنه وتعدّه ، فإن بعته قبل أن تفعل ، وقد قبضته ، فالبيع فاسد في الكيل والوزن . وعلّق ابن عابدين رحمه الله تعالى على هذا بأنّ الفاسد هو البيع الثّاني ، وهو بيع المشتري قبل كيله ، وأنّ الأوّل وقع صحيحاً ، لكنّه يحرم عليه التّصرّف فيه من أكل أو بيع حتّى يكيله ، فإذا باعه قبل كيله ، وقع البيع الثّاني فاسداً ، لأنّ العلّة كون الكيل من تمام القبض ، فإذا باعه قبل كيله ، فكأنّه باع قبل القبض ، وبيع المنقول قبل قبضه لا يصحّ . 51 - ويمكن أن يتّخذ التّصرّف في المكيل والموزون بعد شرائه هذه الصّور، عند الحنفيّة : الأولى : أن يشتري مكايلةً ، ويبيع مكايلةً ، ففي هذه الصّورة لا يجوز للمشتري من المشتري الأوّل أن يبيعه ، حتّى يعيد الكيل لنفسه ، كما كان الحكم في حقّ المشتري الأوّل ، للنّهي عنه في الحديث المتقدّم ، ولاحتمال الزّيادة كما تقدّم . الثّانية : أن يشتري مجازفةً ، ويبيع كذلك مجازفةً ، فلا يحتاج إلى كيل ، لعدم الافتقار إلى تعيين المقدار . الثّالثة : أن يشتري مكايلةً ، ويبيع مجازفةً ، فلا يحتاج المشتري الثّاني إلى كيل ، لأنّه لمّا اشتراه مجازفةً ، ملك جميع ما كان مشاراً إليه ، فكان متصرّفاً في ملك نفسه . الرّابعة : أن يشتري مجازفةً ، ويبيع مكايلةً ، فيحتاج إلى كيل واحد ، إمّا كيل المشتري ، أو كيل البائع بحضرته ، لأنّ الكيل شرط لجواز التّصرّف فيما بيع مكايلةً ، لمكان الحاجة إلى تعيين المقدار الواقع مبيعاً ، وأمّا المجازفة فلا يحتاج إليه . فبناءً على هذه الصّورة الأخيرة ، تخرج هذه الصّورة الّتي حقّقها ابن عابدين - رحمه الله - وهي : إذا ملك زيد طعاماً ، بيع مجازفةً أو بإرث ونحوه ، ثمّ باعه من عمرو مكايلةً سقط هنا صاع البائع ، لأنّ ملكه الأوّل لا يتوقّف على الكيل ، وبقي الاحتياج إلى كيل للمشتري فقط ، فلا يصحّ بيعه من عمرو بلا كيل ، فهنا فسد البيع الثّاني فقط . ثمّ إذا باعه عمرو من بكر ، فلا بدّ من كيل آخر لبكر ، فهنا فسد البيع الأوّل والثّاني ، لوجود العلّة في كلّ منهما . 52 - وبصدد الكيل المعتبر شرعاً ، نصّ الحنفيّة على أنّه : أ - لا معتبر بكيل البائع قبل البيع من المشتري الثّاني ، وإن كان كاله لنفسه بحضرة المشتري عن شرائه هو ، لأنّه ليس صاع البائع والمشتري ، وهو الشّرط بالنّصّ . ب - ولا معتبر بكيله بعد البيع الثّاني ، بغيبة المشتري ، لأنّ الكيل من باب التّسليم ، لأنّ به يصير المبيع معلوماً ، ولا تسليم إلاّ بحضرته . ج - وإن كاله أو وزنه بعد البيع ، بحضرة المشتري ، ففيه اختلاف المشايخ : - قيل : لا يكتفى به ، ولا بدّ من الكيل أو الوزن مرّتين ، احتجاجاً بظاهر الحديث . - وقال عامّتهم : كفاه ذلك ، حتّى يحلّ للمشتري التّصرّف فيه قبل كيله ووزنه إذا قبضه ، وهذا هو الصّحيح ، لأنّ الغرض من الكيل والوزن صيرورة المبيع معلوماً ، وقد حصل ذلك بكيل واحد ، وتحقّق معنى التّسليم . وقد بحث البابرتيّ ، في الاكتفاء بالكيل الواحد في هذه الصّورة ، ونظر إلى تعليل الحكم في الأصل ، باحتمال الزّيادة على المشروط ، وقرّر : أنّ مقتضى ذلك الاكتفاء بالكيل الواحد في أوّل المسألة أيضاً ، وقال : ولو ثبت أنّ وجوب الكيلين عزيمة ، والاكتفاء بالكيل الواحد رخصة ، أو قياس واستحسان ، لكان ذلك مدفعاً جارياً على القوانين ( أي القواعد ) لكن لم أظفر بذلك . خ - بيع الكالئ بالكالئ : 53 - الكالئ مأخوذ من : كلأ الدّين يكلأ ، مهموز بفتحتين ، كلوءاً : إذا تأخّر ، فهو كالئ بالهمز ، ويجوز تخفيفه ، فيصير مثل القاضي . وكان الأصمعيّ لا يهمزه . قال : هو مثل القاضي ، ولا يجوز همزه . وبيع الكالئ بالكالئ هو : بيع النّسيئة بالنّسيئة . قال أبو عبيد : صورته : أن يسلّم الرّجل الدّراهم في طعام إلى أجل ، فإذا حلّ الأجل يقول الّذي عليه الطّعام : ليس عندي طعام ولكن بعني إيّاه إلى أجل . فهذه نسيئة انقلبت إلى نسيئة . فلو قبض الطّعام ، ثمّ باعه منه أو من غيره ، لم يكن كالئاً بكالئ . ولا يخرج المعنى الشّرعيّ عن المعنى اللّغويّ ، إذ هو بيع الدّين بالدّين . وقد ورد النّهي عنه في حديث ابن عمر رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ » ، وقال : « هو النّسيئة بالنّسيئة » . وفسّر أيضاً ببيع الدّين ، كما ورد التّصريح به في رواية . وفي بيع الدّين صورتان : بيعه من المدين نفسه ، وبيعه من غيره . ولا يختلف الفقهاء في عدم جواز بيع الدّين من غير مَنْ عليه الدّين . وإنّما اختلفوا في جواز بيعه ممّن هو عليه ، وجمهورهم - بوجه عامّ - لا يجيزه ، إلاّ في أحوال معيّنة ، خلافاً للحنفيّة . وفيما يلي عرض لأهمّ الصّور والتّقاسيم الّتي يطرحها الفقهاء في هذا الصّدد ، مع تبيان أحكامها . 54 - مذهب المالكيّة : ويتّخذ العقد على الدّين عندهم صوراً شتّى : أ - فسخ ما في ذمّة المدين أي إسقاطه في شيء يتأخّر قبضه عن وقت الفسخ ، سواء أحلّ الدّين المفسوخ أم لا ، إن كان المؤخّر من غير جنسه أو من جنسه بأكثر منه ، وسواء أكان المفسوخ فيه معيّناً كالعقار ، أم كان منافع ذات معيّنة كركوب دابّة . فهذا غير جائز ، وهو من ربا الجاهليّة ، وهو أشدّ الأنواع تحريماً ، وتحريمه بالكتاب . ب - بيع الدّين بدين لغير من هو عليه ولو حالاً : وهذا ممنوع بالسّنّة . فمن له دين على زيد ، ولآخر دين على عمرو ، فباع كلّ منهما دينه بدين صاحبه ، كان محرّماً بالسّنّة ، وهو فاسد . أمّا بيعه بمعيّن يتأخّر قبضه كعقار ، أو بمنفعة ذات معيّنة ، كما لو كان لزيد دين على عمرو ، فباع زيد ذلك الدّين لخالد بما ذكر ، فإنّه جائز . وقد اعتبر العقار ومنافع الذّات المعيّنة من قبيل الحاضر ولو تأخّر تسليمه ، لأنّ ذلك ليس ممّا يضمن في الذّمّة إذ لا تثبت المعيّنات في الذّمّة فهما نقد بهذا المعنى . أي حاضر ينقد ولا يثبت بالذّمّة . ج - تأخير رأس مال السّلم أكثر من ثلاثة أيّام ، وهو عين ، فهذا منهيّ عنه غير جائز ، لما فيه من ابتداء دين بدين . ووجه كون هذا من ابتداء الدّين بالدّين ، أنّ كلّاً منهما شغل ذمّة صاحبه بدين له عليه . أمّا لو كان رأس المال غير عين ، فإنّه يجوز تأخيره أكثر من ثلاثة أيّام ، إن لم يكن بشرط . فكلّ واحد من هذه الصّور الثّلاث يقال له بيع الدّين بالدّين لغةً ، إلاّ أنّ فقهاء المالكيّة سمّوا كلّ واحد منها باسم يخصّه . هذه أقسام بيع الدّين بالدّين عند المالكيّة إذاً وأحكامها . أمّا بيع الدّين بالنّقد ، فإنّه لا يجوز ، إلاّ إذا كان المدين حيّاً حاضراً في البلد ، وإن لم يحضر مجلس البيع ، وأقرّ بالدّين ، وكان ممّن تأخذه الأحكام ( أي من المكلّفين ) ، وبيع الدّين بغير جنسه ، أو بيع بجنسه وكان متساوياً ، لا أنقص ولا أزيد ، وليس ذهباً بفضّة ولا عكسه ، وليس بين المشتري والمدين عداوة . ويشترط أن يكون الدّين ممّا يجوز أن يباع قبل قبضه ، وهذا احتراز من طعام المعاوضة . قال الدّسوقيّ : فإن وجدت تلك الشّروط جاز بيعه ، وإن تخلّف شرط منها منع البيع . 55 - ومذهب الشّافعيّ الجديد ، وهو رواية عن الإمام أحمد : جواز الاستبدال عن الثّمن الّذي في الذّمّة . ومذهبه القديم هو المنع . ودليل المذهب الجديد ، وهو نفسه دليل الحنابلة في هذه الرّواية ، حديث « ابن عمر رضي الله عنهما قال : كنت أبيع الإبل بالدّنانير ، وآخذ مكانها الدّراهم ، وأبيع بالدّراهم ، وآخذ مكانها الدّنانير ، فأتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ، فقال : لا بأس إذا تفرّقتما وليس بينكما شيء » . قالوا : وهذا تصرّف في الثّمن قبل قبضه ، وهو أحد العوضين . ودليل المذهب القديم : حديث : « إذا اشتريت بيعاً فلا تبعه حتّى تقبضه » . فإن استبدل بموافق في علّة الرّبا ، كدراهم بدنانير ، اشترط قبض البدل في المجلس . وإن استبدل بغير موافق في علّة الرّبا ، كما لو اشترى ثوباً بدراهم في الذّمّة ، لم يشترط ذلك . أمّا بيع الدّين لغير من هو عليه ، فباطل في الأظهر من مذهب الشّافعيّة ، وهو باطل أيضاً في مذهب الحنابلة . كما لو اشترى ثوباً من زيد بمائة له على عمرو ، وذلك لعدم القدرة على التّسليم . وفي قول ثان للشّافعيّة ، يصحّ ، وصحّحه في أصل الرّوضة ، مخالفاً للرّافعيّ ، وهو المعتمد ، نظراً لاستقرار الدّين ، كبيعه ممّن هو عليه . لكن يشترط في هذا قبض العوضين في المجلس ، فلو تفرّقا قبل قبض أحدهما في البيع . وإن كان مقتضى كلام الأكثرين يخالفه ، كما ذكره المحلّيّ . أمّا لو كان لزيد وعمرو دينان على شخص ، فباع زيد عمراً دينه بدينه ، بطل قطعاً بلا خلاف ، اتّفق الجنس أو اختلف ، وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ » . 56 - ومذهب الحنابلة بطلان بيع الدّين بدين ممّن هو عليه ، أو من غيره مطلقاً . وذكروا له صوراً ، سوى ما وافقوا فيه مذهب الشّافعيّة من بعض الصّور ممّا ذكرنا . وقال في ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أنّ بيع الدّين بالدّين لا يجوز . وقال أحمد : إنّما هو إجماع 57 - بقي أن نشير إلى موقف الحنفيّة المتميّز بالتّفرقة بين بيع الدّين ممّن هو عليه ، وبين بيعه مِنْ غير مَنْ هو عليه ، وأنّ التّصرّف الجائز في الدّين ، هو تمليكه ممّن عليه الدّين ، ولو بعوض ، ولا يجوز من غيره كما نقله الحصكفيّ عن ابن ملك . واستثنوا ثلاث صور أجازوا فيها تمليك الدّين لغير من هو عليه . الأولى : إذا سلّط الدّائن غيره على قبض الدّين ، فيكون وكيلاً قابضاً للموكّل ، ثمّ لنفسه . الثّانية : الحوالة واستثناء جوازها إجماع - كما صرّح به الشّافعيّة . الثّالثة : الوصيّة . ومعنى عدم الجواز هنا : عدم الانعقاد ، وبذلك عبّر الكاسانيّ فقال : ولا ينعقد بيع الدّين من غير من عليه الدّين ، لأنّ الدّين إمّا أن يكون عبارةً عن مال حكميّ في الذّمّة ، وإمّا أن يكون عبارةً عن فعل تمليك المال وتسليمه ، وكلّ ذلك غير مقدور التّسليم في حقّ البائع . ولو شرط التّسليم على المدين لا يصحّ أيضاً ، لأنّه شرط التّسليم على غير البائع ، فيكون شرطاً فاسداً ، فيفسد البيع . ويجوز بيعه ممّن هو عليه ، لأنّ المانع هو العجز عن التّسليم ، ولا حاجة إلى التّسليم هاهنا . ونظيره بيع المغصوب ، فإنّه يصحّ من الغاصب ، ولا يصحّ من غيره ، إذا كان الغاصب منكراً ، ولا بيّنة للمالك . ويمكن لزيادة التّفصيل والتّصوير ، في بيع الكالئ بالكالئ ، مراجعة مصطلح : ( ربا ، صرف ، دين ) . د - بيع اللّحم بالحيوان : 58 - ورد فيه حديث سعيد بن المسيّب « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللّحم بالحيوان » وفي لفظ : « نهى عن بيع الحيّ بالميّت » . ويتوزّع البحث في هذه المسألة على النّقاط التّالية : أوّلاً : هل اللّحم كلّه جنس واحد ؟ 59 - هذه مسألة خلافيّة بين الفقهاء ، وهي كالأصل بالنّسبة إلى ما بعدها . - أ - فمذهب الحنفيّة ، ومقابل الأظهر عند الشّافعيّة ، والأصحّ عند الحنابلة : هو أنّ اللّحم أجناس ، باختلاف أصوله : فالإبل بأنواعها - العرّاب والبخاتيّ والهجين ، وذي السّنامين ، وذي السّنام الواحد - كلّها جنس واحد ، فكذا لحومها . والبقر والجواميس جنس واحد . والغنم والمعز جنس واحد . ويحتمل أن يكونا صنفين ، لأنّ القرآن فرّق بينهما كما فرّق بين الإبل والبقر ، فقال : { ثمانيةَ أزواجٍ : من الضّأْنِ اثنينِ ومن المعزِ اثنين } .. { ومِنَ الإبِلِ اثنين ، ومن البقرِ اثنينِ } . والوحش أصناف : بقرها صنف ، وغنمها صنف ، وظباؤها صنف . والطّير أصناف ، كلّ ما انفرد باسم وصفة فهو صنف . - ب - والأظهر عند الشّافعيّة ، وقول الخرقيّ من الحنابلة ، ورواية عن الإمام أحمد : أنّ اللّحم كلّه جنس واحد . - ج - ويبدو من تمثيل المالكيّة للجنس الواحد ببيع لحم بقريّ بكبش حيّ ، ولغير الجنس ببيع الحيوان الحيّ بلحم طير أو سمك : أنّهم يعتبرون لحوم الأنعام جنساً ، ولحوم الطّير جنساً ، ولحوم الأسماك جنساً . ونصّ ابن جزيّ على أنّ اللّحوم عند مالك ثلاثه أصناف : فلحم ذوات الأربع صنف ، ولحم الطّيور صنف ، ولحم الحيتان صنف . ثانياً : بيع اللّحم بحيوان من جنسه : 60 - لا يستجيز جمهور الفقهاء بيع اللّحم بحيوان من جنسه ، كلحم شاة بشاة حيّة ، وذلك : للنّهي عن بيع اللّحم بالحيوان في الحديث المتقدّم - كما يقول الشّافعيّة - ولأنّه مال ربويّ ، بيع بما فيه من جنسه مع جهالة المقدار ، فلم يجز كبيع السّمسم بالشّيرج . ولأنّه بيع معلوم - وهو اللّحم - بمجهول وهو الحيوان ، وهو المزابنة ، كما يقول المالكيّة . فهذا قول مالك ، وهو محمل الحديث عنده : أن يباع حيوان مباح الأكل بلحم من جنسه ، وهو مذهب الشّافعيّ ، وهو أيضاً المذهب عند الحنابلة ، بلا خلاف . وأجاز الحنفيّة هذا البيع ، ولكن : منهم من اعتبرهما جنسين مختلفين ( لأنّ أحدهما موزون ، والآخر معدود ) فبنوا عليه جواز بيعهما مجازفةً ، عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، لأنّه باع الجنس بخلاف الجنس . ومنهم من اعتبرهما جنساً واحداً ، وبنوا مذهبهما - أي مذهب الشّيخين - على أنّ الشّاة ليست بموزونة ، فيجوز بيع أحدهما بالآخر ، مجازفةً ومفاضلةً ، لأنّ ربا الفضل يعتمد اجتماع الوصفين : الجنس والقدر ، لكن بشرط التّعيين كما عبّر الحصكفيّ ( أي التّقابض ) أو يداً بيد ، كما عبّر الكاسانيّ - وقال : هو الصّحيح - والبابرتيّ . أمّا نسيئةً فلا يجوز ، لأنّهما عندئذ سلم ، وهو في كلّ منهما غير صحيح ، كما نقله ابن عابدين عن النّهر . لكنّ الإمام محمّداً ، شرط في جواز بيع اللّحم بحيوان من جنسه ، أن يكون اللّحم المفرز أكثر من الّذي في الشّاة ، ليكون لحم الشّاة بمقابلة مثله من اللّحم ، والباقي بمقابلة الإسقاط ، إذ لو لم يكن كذلك يتحقّق الرّبا ، فلا يجوز عنده ، وذلك عملاً بالحديث المتقدّم . ولأنّهما جنس واحد ، ولهذا لا يجوز بيع أحدهما بالآخر نسيئةً ، فكذا متفاضلاً ، كالزّيت بالزّيتون . ثالثاً : بيع اللّحم بحيوان من غير جنسه : 61 - كبيع الشّاة الحيّة بلحم الإبل أو البقر عند غير المالكيّة ، وكبيع الشّاة الحيّة بلحم طير أو سمك عند المالكيّة . أجاز هذه الصّورة جمهور الفقهاء ، من الحنفيّة والمالكيّة ، وهو غير الأظهر عند الشّافعيّة ، اختاره القاضي من الحنابلة ، ورواية عن الإمام أحمد ، عليها متن الإقناع . وعلّل ذلك الحنفيّة ، بأنّهما أصلان مختلفان ، فهما جنسان مختلفان فيجوز بيعهما ( مطلقاً ) مجازفةً ، نقداً ونسيئةً ، لانعدام الوزن والجنس ، فلا يتحقّق الرّبا أصلاً . ومع أنّ المالكيّة أجازوا - على اصطلاحهم في أجناس اللّحوم - بيع اللّحم بغير جنسه مطلقاً ، لكنّهم قيّدوه بأن يكون حالاً . أمّا إن كان إلى أجل فلا يجوز ، إذا كان الحيوان لا يراد للقنيّة ، وإلاّ فيجوز بيعه بلحم من غير جنسه لأجل . كما قرّر الشّافعيّة أنّ القول بالجواز مبنيّ على أنّ اللّحوم أجناس ، وعلّلوا الجواز بأنّه قياس على بيع اللّحم باللّحم . قالوا : وهذا في المأكول ، وأمّا في غيره فوجه الجواز فيه هو : أنّ سبب المنع بيع مال الرّبا بأصله المشتمل عليه ، ولم يوجد ذلك هنا . وعلّل من قال من الحنابلة بجوازه : بأنّه مال الرّبا بيع بغير أصله فجاز ، كما لو باعه بالأثمان . ولم يجز هذه الصّورة - أعني بيع اللّحم بحيوان من غير جنسه - الشّافعيّة في الأظهر من أقوالهم ، ولا الحنابلة في الظّاهر من مذهبهم ، وصرّحوا بالبطلان ، وذلك : لعموم نصّ الحديثين السّابقين . ولأنّ اللّحم كلّه جنس واحد . ويلاحظ أنّ صاحب الشّرح الكبير الحنبليّ صرّح بأنّ سبب الاختلاف في بيع اللّحم بغير جنسه ، مبنيّ على الاختلاف في اللّحم ، فإنّ القائلين بأنّه جنس واحد لا يجيزون البيع ، والقائلون بأنّه أجناس يجيزونه . كما يلاحظ أنّ الشّافعيّة : أطلقوا اللّحم في الحديث ، حتّى لو كان لحم سمك أو ألية أو كبداً أو طحالاً . وأطلقوا الحيوان ، حتّى لو كان سمكاً أو جراداً ، مأكولاً كالإبل ، أو غير مأكول كالحمار ، فبيع اللّحم بالحيوان عندهم باطل مطلقاً في الأظهر . رابعاً : بيع اللّحم بحيوان غير مأكول : 62 - الجمهور من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة على جواز هذه الصّورة ، وهو قول عند الشّافعيّة . قال ابن قدامة : وإن باعه بحيوان غير مأكول جاز في ظاهر قول أصحابنا ، وهو قول عامّة الفقهاء . كما علّل الشّافعيّة ما ذهب إليه بعضهم من الجواز في هذه الصّورة : بأنّ سبب المنع هو بيع مال الرّبا بأصله المشتمل عليه ، ولم يوجد ذلك هنا . لكنّ الأظهر عندهم - كما تقدّم آنفاً - تحريم بيع اللّحم بالحيوان بإطلاق للحديث . ذ - بيع الرّطب بالتّمر : 63 - ورد النّهي عن بيع الرّطب بالتّمر في حديث سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه ، « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : سئل عن بيع الرّطب بالتّمر ، فقال : أينقص الرّطب إذا جفّ ؟ قالوا : نعم ، قال : فلا إذاً » وفي رواية أنّه قال : « لا يباع رطب بيابس » . ولا يستجيز جمهور الفقهاء : مالك والشّافعيّ وأحمد والصّاحبان من الحنفيّة هذا البيع ، ونحوه : كالعنب بالزّبيب ، واللّبن بالجبن ، والحنطة الرّطبة باليابسة ، وذلك : للحديث المذكور ، قالوا : وفيه إشارة إلى أنّ المماثلة تعتبر عند الجفاف ، وإلاّ فالنّقص أوضح من أن يسأل عنه ، وهي مجهولة الآن . ولأنّه جنس فيه الرّبا ، بيع بعضه ببعض ، على وجه ينفرد أحدهما بالنّقصان ، فلم يجز . وعبارة الخرقيّ ولا يباع شيء من الرّطب بيابس من جنسه ، إلاّ العرايا . وربّما اعتبره بعض المالكيّة من المزابنة ، وهي - بتفسير ابن جزيّ - بيع شيء رطب بيابس من جنسه ، سواء أكان ربويّاً أم غير ربويّ ، فتمتنع في الرّبويّ ، لتوقّع التّفاضل والغرر ، وتمتنع في غير الرّبويّ للنّهي الوارد عنها في الحديث ، وللغرر . 64 - وتفرّد أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - بالقول بالجواز - كما يقول الكمال بن الهمام ومتون الحنفيّة عليه . ونصّ الحصكفيّ على أنّه : يجوز بيع رطب برطب ، أو بتمر متماثلاً .. في الحال لا المآل ، خلافاً لهما ، فلو باع مجازفةً لم يجز اتّفاقاً . وقد استدلّ أبو حنيفة بحديث عبادة بن الصّامت رضي الله عنه ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « الذّهب بالذّهب ، والفضّة بالفضّة ، والبرّ بالبرّ ، والشّعير بالشّعير ، والتّمر بالتّمر ، والملح بالملح ، مثلاً بمثل ، سواءً بسواء ، يداً بيد ، فإذا اختلفت هذه الأصناف ، فبيعوا كيف شئتم ، إذا كان يداً بيد » . ففي وجه الاستدلال بهذا الحديث يقول أبو حنيفة : الرُّطَب : إمّا أن يكون تمراً ، أو لا يكون . فإن كان تمراً ، جاز العقد عليه ، لقوله في أوّل الحديث : « التّمر بالتّمر » ، وإن كان غير تمر ، جاز العقد عليه أيضاً ، لقوله في آخر الحديث : « إذا اختلف النّوعان فبيعوا كيف شئتم » . ولم يأخذ بحديث النّهي السّابق لأنّه دائر على زيد بن عيّاش ، وزيد بن عيّاش ممّن لا يقبل حديثه وهو مجهول وعلى تقدير صحّته ، فقد ورد بلفظ « نهى عن بيع الرّطب بالتّمر نسيئةً » وهذه زيادة يجب قبولها . ولاستكمال مبحث بيع الرّطب بالتّمر ، وما يتّصل به من التّفاصيل والأحكام . يراجع مصطلح ( رباً ) . ر- بيع وسلف : 65 - ورد فيه حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم « لا يحلّ سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك » وفي رواية « عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنّه قال : يا رسول اللّه : إنّا نسمع منك أحاديث ، أفتأذن لنا بكتابتها ؟ قال : نعم . فكان أوّل ما كتب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكّة : لا يجوز شرطان في بيع واحد ، ولا بيع وسلف جميعاً ، ولا بيع ما لم يضمن ... » الحديث . وقد فسّر محمّد بن الحسن رحمه الله تعالى السّلف والبيع بأنّه قول الرّجل للرّجل : أبيعك داري هذه بكذا وكذا ، على أن تقرضني كذا وكذا . وبهذا تئول المسألة إلى موضوع البيع بشرط ، ولا يختلف الفقهاء في فساد البيع بذلك ، في الجملة . وصرّح ابن جزيّ بأنّ البيع باشتراط السّلف من أحد المتبايعين لا يجوز بإجماع ، وإن يكن بطلان الشّرط وحده روايةً واحتمالاً عند الحنابلة . والمالكيّة ، حينما تحدّثوا عن بيوع الآجال - وهي بيوع ظاهرها الجواز ، لكنّها تؤدّي إلى ممنوع - منعوا بيع ما كثر قصد النّاس إليه ، توصّلاً إلى الرّبا الممنوع ، كأن كان جائزاً في الظّاهر ، وذلك للتّهمة ، وسدّ الذّريعة ، ومثّلوا لها : باجتماع بيع وسلف ، أو سلف جرّ منفعةً ، أو ضمان بجعل . وصوّروا البيع والسّلف بصور ثلاث : الأولى : بيع جائز في الظّاهر يؤدّي - كما يقول الدّردير - إلى بيع وسلف ، فإنّه يمنع للتّهمة ، على أنّهما قصدا البيع والسّلف الممنوع . وذلك كأن يبيع سلعتين بدينارين لشهر ، ثمّ يشتري إحداهما بدينار نقداً ، فآل الأمر إلى أنّ البائع أخرج من يده سلعةً وديناراً نقداً ، لأنّ السّلعة الّتي خرجت من يده ثمّ عادت إليها ملغاة كما يقول الدّسوقيّ ثمّ أخذ عنهما عند الأجل دينارين ، أحدهما عن السّلعة وهو بيع ، والآخر عن الدّينار وهو سلف . فهذه الصّورة تؤدّي إلى بيع وسلف ، وهو جائز في ظاهره ، ولا خلاف في المذهب في منعه ، صرّح بذلك ابن بشير وتابعوه ، وغيرهم . وحيث تكرّر في هذه الصّورة البيع ، منعت عندهم ، لتهمة قصد البيع والسّلف . الثّانية : بيع وسلف بشرط من البائع أو المشتري . وهذه الصّورة ممنوعة غير جائزة ، لأنّ الانتفاع بالقرض هو من جملة الثّمن ، إن كان شرط السّلف صادراً من البائع ، أو هو من جملة المثمّن - أي المبيع - إن كان شرط السّلف صادراً من المشتري، ففيه سلف جرّ نفعاً. الثّالثة : بيع وسلف بلا شرط ، لا صراحةً ولا حكماً ، وهي جائزة على المعتمد . ز- بيع وشرط : 66 - ورد النّهي في السّنّة عن ( بيع وشرط ) ومن ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط » . وينظر تفصيله في مصطلح : ( بيع ، وشرط ) أسباب النّهي المتعلّقة بالغرر : 67 - هذا هو السّبب الثّاني من أسباب النّهي عن البيع ، ممّا يتعلّق بلازم العقد ، وكان الأوّل هو الرّبا . وقد ورد النّهي عن بيوع الغرر ، في حديث أبي هريرة رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة ، وعن بيع الغرر » . وغيره ممّا سيأتي . والغرر في اللّغة هو : الخطر . وله في اصطلاح الفقهاء تعريفات شتّى . فهو عند الحنفيّة : ما طوي عنك علمه . وعند بعض المالكيّة : التّردّد بين أمرين : أحدهما على الغرض ، والثّاني على خلافه . وعند الشّافعيّة : ما انطوت عنّا عاقبته ، أو : ما تردّد بين أمرين أغلبهما أخوفهما . ويرى بعض المالكيّة أنّ الغرر والخطر لفظان مترادفان بمعنًى واحد ، وهو ما جهلت عينه . ويرى المحقّقون منهم أنّهما متباينان : فالخطر : ما لم يتيقّن وجوده ، كما لو قال : بعني فرسك بما أربح غداً . والغرر : ما يتيقّن وجوده ، ويشكّ في تمامه ، كبيع الثّمار قبل بدوّ صلاحها . 68 - وقد تقدّمت صور ينطبق عليها الغرر ، عند الكلام عن شروط انعقاد البيع ، منها : كون المبيع مالاً موجوداً مملوكاً مقدور التّسليم ، فلا يصحّ بيع الحمل في بطن أمّه ، ولا ما سيخرجه الصّيّاد في شبكته ، ولا الطّير في الهواء ، ولا الجمل الشّارد . إلخ . والغرر نوعان : أحدهما : ما يرجع إلى أصل وجود المعقود عليه ، أو ملكيّة البائع له ، أو قدرته على تسليمه ، فهذا يوجب بطلان البيع ، فلا ينعقد البيع اتّفاقاً في شيء من ذلك . والآخر : ما يرجع إلى وصف في المعقود عليه أو مقداره ، أو يورث فيه أو في الثّمن أو في الأجل جهالةً . فهذا محلّ خلاف . تفصيله في مصطلح ( غرر ) . وفيما يلي صور الغرر الّتي ورد النّهي فيها بخصوصها ، والحكم الفقهيّ فيها ، من البطلان أو الفساد . إذ النّهي عن بيع الغرر - كما يقول النّوويّ - أصل من أصول الشّرع ، يدخل تحته مسائل كثيرة جدّاً . منها : بيع الحصاة وبيع الملامسة وبيع المنابذة . وتنظر في مصطلحاتها . ومنها ما يلي : [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية