الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41113" data-attributes="member: 329"><p>د - بيع السّمك في الماء :</p><p>89 - وممّا ورد النّهي عن بيعه للغرر : السّمك في الماء . وذلك في حديث ابن مسعود رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : لا تشتروا السّمك في الماء ، فإنّه غرر » . وجمهور الفقهاء متّفقون على أنّه لا يصحّ بيعه قبل اصطياده ، كما لا يصحّ بيعه إذا صيد ثمّ ألقي في الماء بحيث لا يمكن أخذه إلاّ بمشقّة ، وأنّه فاسد ، لأنّه بيع ما لم يملك ، وفيه غرر كثير فلا يغتفر إجماعاً ، ولأنّه لا يقدر على تسليمه إلاّ بعد اصطياده ، فأشبه الطّير في الهواء ، كما أنّه مجهول فلا يصحّ بيعه ، كاللّبن في الضّرع والنّوى في التّمر . </p><p>ومذهب الحنفيّة أنّه باطل - باصطلاحهم فيه - ومنهم من ذهب إلى أنّه فاسد ، إذا بيع بعرض ، لأنّ السّمك يكون حينئذ ثمناً والعرض مبيعاً ، واذا دخلت الجهالة على الثّمن كان البيع فاسداً ، ولم يكن باطلاً . فإن بيع بالدّراهم والدّنانير فهو باطل ، لعدم الملك في المبيع ، إذ يتعيّن كون السّمك حينئذ مبيعاً ، والدّراهم أو الدّنانير ثمناً . وفيه صور من الجواز بشروط خاصّة وأحكام يرجع في تفصيلها إلى موطنه من مصطلح ( غرر ) .</p><p>90 - ومثل بيع السّمك في الماء ، بيع الطّير في الهواء ، ولا يختلف الفقهاء في فساده . وللحنفيّة - خلافاً للشّافعيّة والحنابلة - تفصيل بين ما إذا كان يرجع بعد الإرسال فيصحّ ، وبين ما إذا كان لا يرجع بعد الإرسال ، فلا يصحّ . </p><p>أمّا بيعه قبل صيده ، فباطل عندهم ، كما هو الإجماع . </p><p>وانظر بعض أحكامه ، وتفصيلاته ، وتعليلات الجواز وعدمه في مصطلح ( غرر ، بيع ) .</p><p>هـ - بيع العبد الآبق :</p><p>91 - ورد في الحديث عن أبي سعيد رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد وهو آبق » فيحرم عند الجمهور بيعه في الجملة . </p><p>وأجاز الحنفيّة بيعه ممّن هو عنده ، أو يقدر على أخذه . </p><p>وقيّد الشّافعيّة الجواز ببيعه لمن يقدر على ردّه بلا مشقّة لا تحتمل عادةً ، وبلا مؤنة لها وقع . وأطلق الحنابلة عدم الجواز ، ولو علم مكانه أو قدر على تحصيله ، فإن حصل في يد إنسان ، جاز ، لإمكان تسليمه . وقيس عليه : الجمل الشّارد ، والفرس العاشر ، والضّالّ إلاّ من يسهل عليه ردّه والمغصوب إلاّ لقادر على انتزاعه عند الشّافعيّة . وبيعه من الغاصب صحيح قطعاً . وهناك فروع كثيرة ، تراجع في مصطلح : ( بيع ، غرر ) .</p><p>و - بيع اللّبن في الضّرع :</p><p>92 - ورد في النّهي عنه حديث ابن عبّاس رضي الله عنه ، قال : « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يباع ثمر حتّى يطعم ، أو صوف على ظهر ، أو لبن في ضرع ، أو سمن في لبن » . والشّوكانيّ يصرّح بأنّ الفقهاء مجمعون على فساده للحديث المذكور ، وعلّلوه بأنّه مجهول الصّفّة والمقدار ، فأشبه الحمل . </p><p>وتردّد الحنفيّة في القول بفساده لاختلاط الملكين ، أو بطلانه للشّكّ في وجوده . </p><p>ووضع ابن الهمام من الحنفيّة لهذا وأمثاله ضابطاً ، وهو : أنّ كلّ ما بيع بغلافه لا يجوز باستثناء الحبوب في قشرها ، وتفصيل أحكامه في ( بيع ، غرر ) .</p><p>ز - بيع الصّوف وهو على الظّهر :</p><p>93 - ورد فيه الحديث المتقدّم آنفاً . ( ف ) . وممّن نصّ على فساده الحنفيّة ، وهو المذهب عند الحنابلة . وذهب أبو يوسف إلى جوازه ، وهو رواية أيضاً عن الإمام أحمد ، بشرط جزّه في الحال ، وقال المرداويّ : فيه قوّة .</p><p>وذهب المالكيّة إلى جوازه بشرط جزّه خلال أيّام قليلة كنصف شهر . </p><p>وحجّة القائلين بالفساد : النّهي الوارد فيه ، وأنّه من أوصاف الحيوان وهي لا تفرد بالبيع ، واختلاط المبيع بغيره لأنّه ينبت من الأسفل ، أو اتّصاله بالحيوان فلم يجز إفراده كأعضائه ، أو الجهالة والتّنازع في موضع القطع . وأبو يوسف - رحمه الله - يقيسه على بيع القصيل ( الفصفصة ، أو البرسيم ) وفسّر بأنّه الشّعير يجزّ أخضر لعلف الدّوابّ . وفيه تفصيلات وصور تراجع في مصطلح ( بيع ، غرر ، جهالة ) .</p><p>ح - بيع السّمن في اللّبن :</p><p>94 - ورد في النّهي عنه حديث ابن عبّاس رضي الله عنه المتقدّم « ... أو سمن في لبن » ولا يصحّ هذا البيع ، وذلك لاختلاط المبيع بغيره بحيث لا يمتاز عنه ، وفيه جهالة وغرر ، ثمّ هو من الأشياء الّتي في غلفها ، والّتي لا يمكن أخذها وتسليمها إلاّ بإفساد الخلقة . </p><p>كما يقول ابن الهمام من الحنفيّة باستثناء الحبوب ، فلا يصحّ بيعه .</p><p>ط - الثّنيا أو استثناء المجهول في البيع :</p><p>95 - ورد فيها حديث جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « نهى عن المحاقلة ، والمزابنة ، والثّنيا ، إلاّ أن تعلم » ومعنى الثّنيا : الاستثناء ، وهي في البيع : أن يبيع شيئاً ويستثني بعضه ، فإن كان المستثنى معلوماً ، كشجرة معلومة من أشجار بيعت ، صحّ البيع . وإن كان مجهولاً كبعض الأشجار ، لم يصحّ . </p><p>فوضع الفقهاء لذلك هذه القاعدة ، وهي : أنّ ما جاز إيراد العقد عليه بانفراده صحّ استثناؤه منه . وعلّق عليها ابن عابدين قوله : هذه قاعدة مذكورة في عامّة المعتبرات ، مفرّع عليها مسائل . وأشار الشّافعيّة أيضاً إلى هذه القاعدة ، وكذا الحنابلة ، وسمّاها صاحب الشّرح الكبير ضابطاً . فقال : وضابط هذا الباب أنّه لا يصحّ استثناء ما لا يصحّ بيعه منفرداً .</p><p>96 - وإليك بعض التّطبيقات : </p><p>- أ - لو باع هذا القطيع إلاّ شاةً غير معيّنة ، لم يصحّ في قول أكثر أهل العلم ، وذلك للحديث المذكور في النّهي عن بيع الثّنيا إلاّ أن تعلم ، ولأنّه مبيع مجهول فلم يصحّ ، فصار كما لو قال : بعتك شاةً تختارها من هذا القطيع . وكذلك لو باع بستاناً إلاّ شجرةً غير معيّنة . ومالك - رحمه الله - أجاز ذلك ، فللبائع عنده أن يبيع البستان ، ويستثني خمساً من شجراته ، لأنّ البائع - في الغالب - يعرف جيّد شجر بستانه ورديئه ، فلا يتوهّم فيه أنّه يختار ثمّ ينتقل ، بخلاف المشتري الّذي يتوهّم فيه التّنقّل من واحدة إلى أخرى ، ويؤدّي إلى التّفاضل بين الطّعامين إن كانا ربويّين أو أحدهما ، لأنّ المنتقل إليه يحتمل أن يكون أقلّ من المنتقل عنه أو أكثر أو مساوياً ، والشّكّ في التّماثل كتحقّق التّفاضل ، ويؤدّي إلى بيع الطّعام قبل قبضه إن كانا مكيلين أو أحدهما .</p><p>- ب - لو باع هذه الصّبرة من القمح ونحوه ، إلاّ قفيزاً أو رطلاً : </p><p>- جاز ذلك عند الحنفيّة ومالك ، وهو رواية عن أحمد ، لأنّ الثّنيا هنا معلومة ، فصار كما لو استثنى منها جزءاً مشاعاً - كما سيأتي -</p><p>- ومذهب أحمد أنّه لا يجوز ، لأنّ المبيع إنّما علم بالمشاهدة لا بالقدر ، والاستثناء يغيّر حكم المشاهدة ، لأنّه لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة ، فلم يجز . </p><p>- ج - لو باع هذا القطيع إلاّ شاةً معيّنةً ، أو باع هذا البستان إلاّ شجرةً بعينها جاز ذلك ، لأنّ المستثنى معلوم ، ولا يؤدّي إلى الجهالة . والمبيع معلوم بالمشاهدة ، لكون المستثنى معلوماً ، فانتفى المفسد .</p><p>- د - لو باع الصّبرة إلاّ أرطالاً معلومةً : - جاز عند الحنفيّة ، لأنّه يصحّ إيراد العقد عليها ، إذا علم أنّه يبقى أكثر من المستثنى ، ويكون استثناء القليل من الكثير ، كما لو استثنى رطلاً واحداً . وكذا يصحّ عندهم لو كان استثناء الأرطال المعلومة من ثمر على رءوس النّخل ، في ظاهر الرّواية . </p><p>- وعند أحمد - وهو رواية عن أبي حنيفة ، وهي الأقيس بمذهبه - لا يجوز هنا كما في الصّورة الأولى ، إن جهل المتعاقدان كمّيّة أرطالها ، لأنّ الجهل بذلك يؤدّي إلى الجهل بما يبقى بعد المستثنى .</p><p>- هـ - لو استثنى جزءاً غير معيّن بل شائعاً ، كربع وثلث ، فإنّه صحيح بالاتّفاق ، للعلم بالمبيع في أجزائه ، ولصحّة إيراد العقد عليها . ولو باعه أرضاً أو داراً أو ثوباً، إلاّ ذراعاً : - فمذهب الشّافعيّة والحنابلة ، وأحد قولين للصّاحبين من الحنفيّة أنّه : إذا كان المتعاقدان يعلمان عدّة أذرع الأرض أو الدّار أو الثّوب ، كعشرة - مثلاً - صحّ البيع ، وكان المذكور مشاعاً فيها ، كأنّه استثنى العشر ، وإن كانا لا يعلمان ( كلاهما أو أحدهما ) لم يصحّ ، لأنّ المبيع ليس معيّناً ولا مشاعاً ، فيكون مجهولاً . </p><p>97 - ويمكن تطبيق قاعدة : ما جاز إيراد العقد عليه بانفراده صحّ استثناؤه من العقد ، على هذه الصّورة كما ذكرها الحنفيّة ، وهي : ما إذا باعه عشرة أذرع من دار أو أرض هي مائة ذراع ، سواء أكانت تحتمل القسمة أم لا : </p><p>- فأبو حنيفة لا يجيز العقد لجهالة الموضع ، لأنّ البيع وقع على قدر معيّن من الأرض لا على شائع ، والدّار تتفاوت جوانبها وأجزاؤها ، وهذه جهالة مفضية إلى النّزاع ، وإذا لم يصحّ إيراد العقد عليه لم يصحّ استثناؤه من العقد ، بخلاف مسألة الصّبرة ، لعدم تفاوت أجزائها . </p><p>- والصّاحبان يقولان : إذا سمّى جملة الذّرعان صحّ ، وإلاّ لم يصحّ ، للجهالة - كما تقدّم- </p><p>- والصّحيح من مذهبهما جواز العقد ، وإن لم يبيّنا جملة مساحة الأرض بالذّرعان ، لأنّ هذه الجهالة بيدهما إزالتها فتقاس وتعلم نسبة العشرة المبيعة منها ، ويكون البيع شائعاً في الأرض كلّها . وإذا صحّ إيراد العقد على العشرة ، جاز استثناؤها منه .</p><p>98 - لو باع شاةً واستثنى حملها لم يصحّ البيع اتّفاقاً ، وكذا لو استثنى بعض أعضائها ، لأنّه لا يجوز إفراد المذكور بالعقد ، فكذا لا يجوز استثناؤه منه ، فصار شرطاً فاسداً - كما يقول ابن عابدين - وفيه منفعة للبائع ، فيفسد البيع . </p><p>وجوّز الحنابلة استثناء رأس الحيوان المأكول ، وجلده وسواقطه وسلبه وأطرافه ، لأنّ </p><p>« النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا خرج من مكّة - أي مهاجراً - إلى المدينة ، ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة رضي الله عنهما مرّوا براعي غنم ، فاشتريا منه شاةً ، وشرطا له سلبها » ويلحق الحضر بالسّفر عندهم كما نصّوا عليه . </p><p>وعن مالك صحّة استثناء المذكورات في السّفر دون الحضر ، لأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسّواقط ، فجوّز له شراء اللّحم دونها .</p><p>أسباب النّهي غير العقديّة :</p><p>99 - ويراد بها : ما لا يتعلّق بمحلّ العقد ، ولا بوصف ملازم للعقد بحيث لا ينفكّ عنه ، بل يتعلّق بأمر خارج عن ذلك ، فما هو بركن ولا بشرط . </p><p>ويمكن تقسيم هذه الأسباب إلى هذين النّوعين : </p><p>النّوع الأوّل : ما يؤدّي إلى تضييق أو إيذاء أو ضرر : مادّيّ أو معنويّ ، خاصّ أو عامّ . وذلك كالغبن ، وبيع المسلم على بيع أخيه ، وبيع السّلاح من أهل الحرب . </p><p>النّوع الآخر : ما يؤدّي إلى مخالفة دينيّة بحتة ، أو عباديّة محضة ، كالبيع عند أذان الجمعة ، وبيع المصحف من الكافر . </p><p>النّوع الأوّل : الأسباب الّتي تؤدّي إلى الضّرر المطلق</p><p>100 - من أهمّ ما يشمله هذا النّوع ، البيوع الآتية :</p><p>أ - التّفرقة بين الأمّ وبين ولدها في بيع الرّقيق :</p><p>101 - اتّفق الفقهاء على منع هذا البيع ، لثبوت النّهي عنه في السّنّة فمن ذلك : حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم « ملعون من فرّق بين والدة وولدها » . </p><p>وحديث أبي أيّوب الأنصاريّ رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « من فرّق بين والدة وولدها ، فرّق اللّه بينه وبين أحبّته يوم القيامة » . </p><p>مذاهب الفقهاء في حكم هذا التّفريق :</p><p>102 - هذا التّفريق غير جائز - بوجه عامّ ، وعلى التّفصيل الآتي في أحواله - عند عامّة الفقهاء : </p><p>مذهب الجمهور : مالك ، والشّافعيّ وأحمد أنّ التّفريق بالبيع حرام . </p><p>وعند مالك : يجب فسخه ، وإن لم يمكن جمعهما في حوز ( أو ملك واحد ) . على تفصيل بين عقود المعاوضات وغيرها سيأتي : </p><p>وعندهما ( الشّافعيّ وأحمد ) : البيع باطل . وفي قول للشّافعيّة : يمنع من التّفريق . </p><p>ومذهب أبي حنيفة ومحمّد ، أنّ البيع جائز مفيد للحكم بنفسه ، لكنّه مكروه ، والبائع آثم بالتّفريق . ومذهب أبي يوسف أنّ البيع فاسد في الوالدين والمولودين ، جائز في سائر ذوي الأرحام . وروي عنه أنّ البيع فاسد في جميع ذلك . وتفصيل أدلّة هذه الاتّجاهات تنظر في مصطلح ( رقّ ) .</p><p>103 - هذا ومذهب الحنفيّة والحنابلة تعميم التّحريم ، بحيث يشمل كلّ تفريق بين كلّ ذي رحم محرم . ومذهب المالكيّة قصره على التّفريق بالبيع بين الأمّ الوالدة وبين ولدها الصّغير الّذي لم يثغر ( أي لم يبدّل أسنانه ) فقط . </p><p>والشّافعيّة قصروه على قرابة الولاد مهما نزل ، إذا كان الولد صغيراً حتّى يميّز ويستقلّ بنفسه ، في طعامه وشرابه ، ولو لم يبلغ سبع سنين . وتفصيل الأدلّة في مصطلح ( رقّ ) .</p><p>حكم التّفرقة بين الحيوان الصّغير وبين أمّه :</p><p>104 - الرّاجح عند المالكيّة ، جواز التّفرقة بين الحيوان البهيميّ وبين أمّه ، وأنّ التّفريق الممنوع خاصّ بالعاقل . ويروى عن ابن القاسم منهم : المنع من التّفرقة بين الأمّ وبين ولدها في الحيوان أيضاً ، وهو ظاهر الحديث ، حتّى يستغني عن أمّه بالرّعي . </p><p>فعلى هذا ، لو فرّق بينهما بالبيع لم يفسخ . ويجبران على جمعهما في حوز ، وليس هذا كتفريق العاقل .</p><p>105 - وهذا الّذي منع منه ابن القاسم ، هو مذهب الشّافعيّة أيضاً ، الّذين نصّوا على أنّ التّفريق بين البهيمة وولدها حرام . ثمّ فصّلوا في المسألة ، وقالوا : </p><p>يكره ذبح الأمّ الّتي استغنى الولد عن لبنها ، ويحرم ذبحها إن لم يستغن عن لبنها ، ولا يصحّ البيع ولا التّصرّف ، ولو لم يكن الحيوان مأكولاً وذبح الصّغير وهو مأكول حلال قطعاً . وبيعه ممّن يظنّ أنّه يذبحه قبل استغنائه ، وكذلك بيع الأمّ قبل استغنائه باطل - وإن قال ابن حجر بحلّه - لأنّه ربّما لا يقع الذّبح حالاً أو أصلاً ، فيوجد المحذور ، وشرط الذّبح على المشتري غير صحيح . نعم ، إذا علم المشتري أنّ البائع نذر ذبحه ، وشرط البائع على المشتري الذّبح ، صحّ البيع وكان ذلك افتداءً ، ووجب على المشتري ذبحه ، فإن امتنع ذبحه القاضي ، وفرّقه الذّابح على الفقراء . وبيع الولد المستغني عن أمّه مكروه إلاّ لغرض الذّبح . وذبحهما كليهما لا يحرم . ولم نجد للحنفيّة والحنابلة كلاماً في هذه المسألة .</p><p>ب - بيع العصير لمن يتّخذه خمراً :</p><p>106 - المراد بالعصير : عصير العنب ، أي معصوره المستخرج منه . </p><p>وقد ذهب الفقهاء مذاهب مختلفة في الحكم التّكليفيّ في هذه الجزئيّة . </p><p>فذهب المالكيّة والحنابلة إلى حرمة هذا البيع ، وهو الأصحّ والمعتمد عند الشّافعيّة إن كان يعلم أو يظنّ أيلولته إلى الخمر ، فإن شكّ كره . ونحوه قول للصّاحبين - أشار الحصكفيّ لتضعيفه - بأنّه مكروه ، والكراهة إن أطلقت عند الحنفيّة للتّحريم . </p><p>وعبارة المالكيّة : وحرّم على المكلّف بيع العنب لمن يعلم أنّه يعصره خمراً . وقد استدلّوا بقوله تعالى : { ولا تَعَاونوا على الإِثمِ والعُدوانِ } قال ابن قدامة : وهذا نهي يقتضي التّحريم . واستدلّوا كذلك بحديث « لعنت الخمر على عشرة أوجه : بعينها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها ، وشاربها ، وساقيها » . ووجه الاستدلال كما يقول عميرة البرلّسيّ : أنّه يدلّ على تحريم التّسبّب إلى الحرام . </p><p>ولما روي عن ابن سيرين ، أنّ قيّماً كان لسعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه في أرض له ، فأخبره عن عنب أنّه لا يصلح زبيباً ، ولا يصلح أن يباع إلاّ لمن يعصره ، فأمره بقلعه ، وقال : بئس الشّيخ أنا إن بعت الخمر . ولأنّه يعقد البيع على عصر لمن يعلم أنّه يريده للمعصية ، فأشبه إجارة الرّجل أمته لمن يعلم أنّه يستأجرها ليزني بها . </p><p>والقول الآخر للشّافعيّة : أنّه مكروه . والبيع صحيح على القولين . </p><p>وذهب أبو حنيفة إلى أنّ هذا البيع جائز ، وحكاه ابن المنذر عن الحسن وعطاء والثّوريّ ، ونقل عن هذا قوله : " بع الحلال ممّن شئت " واستدلّوا بقوله تعالى : { وَأَحَلَّ اللّه البيعَ } وقد تمّ بأركانه وشروطه . </p><p>ولأنّ المعصية لا تقوم بعينه ، بل بعد تغيّره بشربه ، وهو فعل فاعل مختار ، وليس الشّرب من ضرورات الحمل ، لأنّ الشّرب قد يوجد بدون الحمل ، وليس الحمل من ضرورات الشّرب ، لأنّ الحمل قد يوجد للإراقة والتّخليل بالصّبّ في الخلّ ، فليست المعصية من لوازم الحمل ، وصار كالاستئجار لعصر العنب ، وهذا قياس وقولهما استحسان كما قال الكرلانيّ . لكن يبدو أنّ المذهب - مع ذلك - أنّه مكروه تنزيهاً ، وأنّه خلاف الأولى ، فقد قال صاحب الهداية : ولا بأس ببيع العصير ممّن يعلم أنّه يتّخذه خمراً وكلمة لا بأس لكراهة التّنزيه ، فتركه أولى . وقول أبي حنيفة هذا ، هو المذهب عند الحنفيّة ، وهو الّذي عليه المتون .</p><p>اشتراط علم البائع بقصد المشتري اتّخاذ العصير للخمر :</p><p>107 - اشترط الجمهور للمنع من هذا البيع : أن يعلم البائع بقصد المشتري اتّخاذ الخمر من العصير ، فلو لم يعلم لم يكره بلا خلاف ، كما ذكره القهستانيّ من الحنفيّة ، وهو صريح كلام المرغينانيّ الآنف الذّكر . وكذلك قال ابن قدامة : إنّما يحرم البيع إذا علم البائع قصد المشتري ذلك : إمّا بقوله ، وإمّا بقرائن مختصّة به تدلّ على ذلك . </p><p>أمّا الشّافعيّة فاكتفوا بظنّ البائع أنّ المشتري يعصر خمراً أو مسكراً ، واختاره ابن تيميّة .</p><p>108 - أمّا إذا لم يعلم البائع بحال المشتري ، أو كان المشتري ممّن يعمل الخلّ والخمر معاً ، أو كان البائع يشكّ في حاله ، أو يتوهّم : - فمذهب الجمهور الجواز ، كما هو نصّ الحنفيّة والحنابلة . - ومذهب الشّافعيّة أنّ البيع في حال الشّكّ أو التّوهّم مكروه .</p><p>حكم بيع العصير لذمّيّ يتّخذه خمراً :</p><p>109 - إنّ مقتضى العموم والإطلاق في منع بيع العصير ممّن يتّخذه خمراً ، وكذا ما علّلته الشّروح - كما يقول ابن عابدين - أنّه لا فرق بين المسلم والكافر في بيع العصير منهما ، وأنّ من ذهب من الفقهاء إلى أنّ الكفّار غير مخاطبين بفروع الشّريعة ، يرون جواز بيع العصير من الكافر . والأصحّ أنّهم مخاطبون ولا فرق ، وصرّح بذلك الحنابلة أيضاً . والشّافعيّة صرّحوا بذلك ، وقالوا بحرمة البيع للعاصر ولو كان كافراً ، لحرمة ذلك عليه ، وإن كنّا لا نتعرّض له بشرطه ، أي عدم إظهاره .</p><p>الحكم في بيع العصير وشموله لغيره :</p><p>110 - عمّم جمهور الفقهاء الحكم في بيع العصير ممّن يتّخذه خمراً ، ولم يقصروه على العصير ، بل عدّوه إلى العنب نفسه وإلى الرّطب والزّبيب ، فهي مثل العصير في التّحريم ، كلّما قصد بها اتّخاذ الخمر والمسكر . </p><p>فقال الشّافعيّة : وبيع نحو رطب ، كعنب ، لمتّخذه مسكراً . </p><p>وقال الحنابلة : ولا يصحّ بيع ما قصد به الحرام ، كعنب وكعصير لمتّخذهما خمراً ، وكذا زبيب ونحوه . وقال المالكيّة : وكذا يمنع بيع كلّ شيء ، علم أنّ المشتري قصد به أمراً لا يجوز . وتردّد الحنفيّة في المسألة : </p><p>- فذهب صاحب المحيط منهم إلى : أنّ بيع العنب والكرم ممّن يتّخذه خمراً لا يكره . </p><p>- ونقل القهستانيّ عن بعضهم : أنّ بيع العنب هو أيضاً على الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه . فعنده لا بأس به ، وهو مكروه تنزيهاً . وعندهما يمنع ، وهو مكروه تحريماً .</p><p>حكم بيع العصير لمتّخذه خمراً ، من حيث الصّحّة والبطلان :</p><p>111 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة ، والحنابلة في وجه : إلى صحّة هذا البيع . وعلّله الشّافعيّة بأنّ النّهي - المستفاد من حديث لعن العاصر وإن كان يقتضي الكراهة أو التّحريم ، لأنّ البيع سبب لمعصية متحقّقة أو متوهّمة - لا يقتضي البطلان هنا ، لأنّه راجع إلى معنًى خارج عن ذات المنهيّ عنه وعن لازمها ، لكنّه مقترن به ، نظير البيع بعد نداء الجمعة ، فإنّه ليس لذاته لا لازمها ، بل هو لخشية تفويتها . </p><p>وذهب المالكيّة إلى : أنّه يجبر المشتري على إخراجه من ملكه ، من غير فسخ للبيع . </p><p>أمّا الحنابلة فنصّوا على : أنّه إذا ثبت التّحريم ، بأن علم البائع قصد المشتري الخمر بشراء العنب ، بأيّ وجه حصل العلم ، فالبيع باطل ، وذلك لأنّه عَقَدَ على عينٍ لمعصية اللّه تعالى بها فلم يصحّ ، ولأنّ التّحريم هنا لحقِّ اللّه تعالى فأفسد العقد ، كبيع درهم بدرهمين .</p><p>بيع ما يقصد به فعل محرّم :</p><p>112 - ذهب الجمهور إلى أنّ كلّ ما يقصد به الحرام ، وكلّ تصرّف يفضي إلى معصية فهو محرّم ، فيمتنع بيع كلّ شيء علم أنّ المشتري قصد به أمراً لا يجوز . </p><p>113 - فمن أمثلته عند المالكيّة : بيع الأمة لأهل الفساد ، والأرض لتتّخذ كنيسةً أو خمّارةً ، وبيع الخشب لمن يتّخذه صليباً ، والنّحاس لمن يتّخذه ناقوساً . </p><p>قال الدّسوقيّ : وكذا يمنع أن يباع للحربيّين آلة الحرب ، من سلاح أو كراع أو سرج ، وكلّ ما يتقوّون به في الحرب ، من نحاس أو خباء أو ماعون . </p><p>وأمّا بيع الطّعام لهم ، فقال ابن يونس عن ابن حبيب : يجوز في الهدنة ، وأمّا في غير الهدنة فلا يجوز . والّذي في المعيار عن الشّاطبيّ : أنّ المذهب المنع مطلقاً ، وهو الّذي عزاه ابن فرحون في التّبصرة ، وابن جزيّ في القوانين لابن القاسم . </p><p>وذكر في المعيار أيضاً عن الشّاطبيّ : أنّ بيع الشّمع لهم ممنوع ، إذا كانوا يستعينون به على إضرار المسلمين ، فإن كان لأعيادهم فمكروه .</p><p>114 - ومن أمثلته عند الشّافعيّة : بيع مخدّر لمن يظنّ أنّه يتعاطاه على وجه محرّم ، وخشب لمن يتّخذه آلة لهو ، وثوب حرير لرجل يلبسه بلا نحو ضرورة . وكذا بيع سلاح لنحو باغ وقاطع طريق ، وديك لمن يهارش به ، وكبش لمن يناطح به ، ودابّة لمن يحمّلها فوق طاقتها . كما نصّ الشّروانيّ وابن قاسم العبّاديّ على منع بيع مسلم كافراً طعاماً ، علم أو ظنّ أنّه يأكله نهاراً في رمضان ، كما أفتى به الرّمليّ ، قال : لأنّ ذلك إعانة على المعصية ، بناءً على أنّ الرّاجح أنّ الكفّار مخاطبون بفروع الشّريعة .</p><p>115 - ومن أمثلته عند الحنابلة : بيع السّلاح لأهل الحرب ، أو لقطّاع الطّريق ، أو في الفتنة ، أو إجارة داره لبيع الخمر فيها ، أو لتتّخذ كنيسةً ، أو بيت نار وأشباه ذلك ، فهذا حرام . قال ابن عقيل : وقد نصّ أحمد رحمه الله تعالى - على مسائل نبّه بها على ذلك ، فقال في القصّاب والخبّاز : إذا علم أنّ من يشتري منه ، يدعو عليه من يشرب المسكر ، لا يبيعه ، ومن يخترط ( يصنع ) الأقداح لا يبيعها ممّن يشرب فيها ( أي الخمر ) ونهى عن بيع الدّيباج ( أي الحرير ) للرّجال .</p><p>116 - ذهب أبو حنيفة إلى أنّه : لا يكره بيع ما لم تقم المعصية به ، كبيع الكبش النّطوح ، والحمامة الطّيّارة ، والخشب ممّن يتّخذ منه المعازف . بخلاف بيع السّلاح من أهل الفتنة ، لأنّ المعصية تقوم بعينه ، وهي الإعانة على الإثم والعدوان ، وإنّه منهيّ عنه . بخلاف بيع ما يتّخذ منه السّلاح كالحديد ، لأنّه ليس معدّاً للقتال ، فلا يتحقّق معنى الإعانة . </p><p>وذهب الصّاحبان من الحنفيّة ، إلى أنّه لا ينبغي للمسلم أن يفعل ذلك ، لأنّه إعانة على المعصية ، فهو مكروه عندهما ، خلافاً للإمام ، وليس بحرام ، خلافاً لما ذهب إليه الجمهور . وبحث الحنفيّة نظير هذه المسألة في الإجارة ، كما سبق عند الحنابلة ، كما لو آجر شخص نفسه ليعمل في بناء كنيسة ، أو ليحمل خمر الذّمّيّ بنفسه أو على دابّته ، أو ليرعى له الخنازير ، أو آجر بيتاً ليتّخذ بيت نار ، أو كنيسةً أو بيعةً ، أو يباع فيه الخمر ، جاز له ذلك عند أبي حنيفة ، لأنّه لا معصية في عين العمل ، وإنّما المعصية بفعل المستأجر ، وهو فعل فاعل مختار كشربه الخمر وبيعها ، ففي هذا يقول المرغينانيّ : إنّ الإجارة ترد على منفعة البيت ( ونحوه ) ولهذا تجب الأجرة بمجرّد التّسليم ، ولا معصية فيه ، وإنّما المعصية بفعل المستأجر ، وهو مختار فيه ، فقطع نسبته عنه . ويرى الصّاحبان كراهة ذلك ، لما فيه من الإعانة على المعصية . وطرح بعض الحنفيّة هذا الضّابط : وهو أنّ ما قامت المعصية بعينه ، يكره بيعه تحريماً ( كبيع السّلاح من أهل الفتنة ) وما لم تقم بعينه يكره تنزيهاً .</p><p>حكم بيع ما يقصد به فعل محرّم ، من حيث الصّحّة والبطلان :</p><p>117 - ذهب الجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ) وهو أيضاً احتمال عند الحنابلة إلى : أنّ البيع صحيح ، لأنّه لم يفقد ركناً ولا شرطاً . غير أنّ المالكيّة نصّوا مع ذلك ، في مسألة بيع السّلاح ، على إجبار المشتري على إخراجه عن ملكه ، ببيع أو هبة أو نحوهما ، من غير فسخ للبيع . </p><p>يقول الدّسوقيّ : يمنع أن يباع للحربيّين آلة الحرب ، من سلاح أو كراع أو سرج ، وكلّ ما يتقوّون به في الحرب ، من نحاس أو خباء أو ماعون ، ويجبرون على إخراج ذلك . </p><p>كما نصّ القليوبيّ من الشّافعيّة ، على أنّ من باع أمةً لمن يكرهها على الزّنى ، ودابّةً لمن يحمّلها فوق طاقتها ، فللحاكم أن يبيع هذين على مالكهما قهراً عليه . ومذهب الحنابلة أنّ هذا البيع باطل ، لأنّه عقد على عين لمعصية اللّه تعالى بها ، فلم يصحّ .</p><p>ج - بيع الرّجل على بيع أخيه :</p><p>118 - من صوره أن يتراضى المتبايعان على ثمن سلعة ، فيجيء آخر ، فيقول : أنا أبيعك مثل هذه السّلعة بأنقص من هذا الثّمن ، أو يقول : أبيعك خيراً منها بثمنها أو بدونه - أي بأقلّ منه - أو يعرض على المشتري سلعةً رغب فيها المشتري ، ففسخ البيع واشترى هذه . وقد ثبت النّهي في الصّحيح عن ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « لا يبعْ بعضُكم على بيع بعض » . وفي لفظ آخر : « لا يبع الرّجل على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه ، إلاّ أن يأذن له » . </p><p>وفي لفظ : « لا يبع بعضكم على بيع بعض ، حتّى يبتاع أو يذر » . </p><p>وفي لفظ : « لا يبيع الرّجل على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه ، إلاّ أن يأذن له » . </p><p>وفي لفظ : « لا يبيع بعضكم على بيع أخيه » . </p><p>حكمه :</p><p>119 - ذهب الشّافعيّة ، وهو وجه محتمل عند الحنابلة إلى : أنّ هذا البيع محرّم ، لكنّه لا يبطل البيع ، بل هو صحيح لرجوع النّهي إلى معنًى خارج عن الذّات وعن لازمها ، إذ لم يفقد ركناً ولا شرطاً ، لكنّ النّهي لمعنًى مقترن به ، وهو خارج غير لازم ، وهو الإيذاء هنا . هذا تعليل الشّافعيّة . وتعليل الحنابلة : أنّ المحرّم هو عرض سلعته على المشتري ، أو قوله الّذي فسخ البيع من أجله ، وذلك سابق على البيع ، ولأنّه إذا صحّ الفسخ الّذي حصل به الضّرر ، فالبيع المحصّل للمصلحة أولى ، ولأنّ النّهي لحقّ آدميّ ، فأشبه بيع النّجش . وذهب الحنفيّة إلى أنّ هذا البيع ونحوه من البياعات مكروه تحريماً ، قال ابن الهمام : هذه الكراهات كلّها تحريميّة ، لا نعلم خلافاً في الإثم ، وذلك للأحاديث المذكورة ، ولما فيه من الإيحاش والإضرار . والمذهب عند الحنابلة : أنّه غير جائز وهو حرام ، ولا يصحّ هذا البيع ، بل هو باطل لأنّه منهيّ عنه ، لما فيه من الإضرار بالمسلم والإفساد عليه ، والنّهي يقتضي الفساد .</p><p>120 - وقيّد الشّافعيّة والحنابلة البيع المنهيّ عنه بما يلي : </p><p>- 1 - أن يكون البيع على البيع قبل لزوم البيع ، وذلك لبقاء خيار المجلس أو الشّرط ، وكذا بعد اللّزوم في زمن خيار العيب ، إذا اطّلع المشتري على عيب ، على المعتمد عندهم . وهذا معنى قول الحنابلة : أن يكون البيع زمن الخيارين ، فلو حدث بعد مضيّ الخيار ولزوم البيع لا يحرم ، لعدم تمكّن المشتري من الفسخ إذاً ، ولا معنى له . </p><p>- 2 - أن يكون البيع على البيع بغير إذنه له - كما قاله القاضي زكريّا - ( أي بغير إذن البائع الأوّل ، للّذي باع على بيع أخيه ) . </p><p>وقيّد الحنفيّة منع البيع على بيع غيره بما إذا تراضى المتبايعان على البيع .</p><p>121 - وذكر الشّافعيّة بعض الفروع والأحكام ، في هذه الجزئيّة ، فقرّروا : </p><p>- أنّ الحرمة ثابتة ، ولو كان المشتري مغبوناً في صفقته ، إذ النّصيحة الواجبة تحصل بالتّعريف من غير بيع . وقيّد القليوبيّ الحرمة بما إذا لم يعلم الرّضا باطناً . </p><p>- مثل البيع على البيع ، أن يبيع بائع المشتري في زمن الخيار سلعةً مثل الّتي اشتراها . وسبب المنع الخشية من أن يردّ المشتري بالخيار السّلعة الأولى ، كما نصّ عليه الشّافعيّ رضي الله عنه . </p><p>- يمنع البيع على بيع غيره إلى أن يتبيّن ما يؤول إليه الأمر ، بأن يلزم البيع أو يعرض المشتري عن الشّراء ، فإن أعرض انتهت مدّة المنع ، وجاز للغير أن يبيعه . </p><p>- مثل البيع في التّحريم على البيع غيره من بقيّة العقود ، كالإجارة والعاريّة ( أي الاستعارة ) والاقتراض والاتّهاب ، والمساقاة ، والمزارعة ، والجعالة . قال الحنابلة : فتحرم ولا تصحّ إذا سبقت للغير ، قياساً على البيع ، لما في ذلك من الإيذاء . </p><p>بل نصّ البرماويّ من الشّافعيّة أيضاً على أنّ من أنعم عليه بكتاب ( عاريّةً ) ليطالع فيه ، حرم على غيره أن يسأل صاحبه فيه ، أي يطلبه من صاحبه ليطالع فيه هو أيضاً ، لما فيه من الإيذاء ، وبنوا على هذا حرمة طلب العاريّة بعد عقدها مطلقاً .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41113, member: 329"] د - بيع السّمك في الماء : 89 - وممّا ورد النّهي عن بيعه للغرر : السّمك في الماء . وذلك في حديث ابن مسعود رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : لا تشتروا السّمك في الماء ، فإنّه غرر » . وجمهور الفقهاء متّفقون على أنّه لا يصحّ بيعه قبل اصطياده ، كما لا يصحّ بيعه إذا صيد ثمّ ألقي في الماء بحيث لا يمكن أخذه إلاّ بمشقّة ، وأنّه فاسد ، لأنّه بيع ما لم يملك ، وفيه غرر كثير فلا يغتفر إجماعاً ، ولأنّه لا يقدر على تسليمه إلاّ بعد اصطياده ، فأشبه الطّير في الهواء ، كما أنّه مجهول فلا يصحّ بيعه ، كاللّبن في الضّرع والنّوى في التّمر . ومذهب الحنفيّة أنّه باطل - باصطلاحهم فيه - ومنهم من ذهب إلى أنّه فاسد ، إذا بيع بعرض ، لأنّ السّمك يكون حينئذ ثمناً والعرض مبيعاً ، واذا دخلت الجهالة على الثّمن كان البيع فاسداً ، ولم يكن باطلاً . فإن بيع بالدّراهم والدّنانير فهو باطل ، لعدم الملك في المبيع ، إذ يتعيّن كون السّمك حينئذ مبيعاً ، والدّراهم أو الدّنانير ثمناً . وفيه صور من الجواز بشروط خاصّة وأحكام يرجع في تفصيلها إلى موطنه من مصطلح ( غرر ) . 90 - ومثل بيع السّمك في الماء ، بيع الطّير في الهواء ، ولا يختلف الفقهاء في فساده . وللحنفيّة - خلافاً للشّافعيّة والحنابلة - تفصيل بين ما إذا كان يرجع بعد الإرسال فيصحّ ، وبين ما إذا كان لا يرجع بعد الإرسال ، فلا يصحّ . أمّا بيعه قبل صيده ، فباطل عندهم ، كما هو الإجماع . وانظر بعض أحكامه ، وتفصيلاته ، وتعليلات الجواز وعدمه في مصطلح ( غرر ، بيع ) . هـ - بيع العبد الآبق : 91 - ورد في الحديث عن أبي سعيد رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء العبد وهو آبق » فيحرم عند الجمهور بيعه في الجملة . وأجاز الحنفيّة بيعه ممّن هو عنده ، أو يقدر على أخذه . وقيّد الشّافعيّة الجواز ببيعه لمن يقدر على ردّه بلا مشقّة لا تحتمل عادةً ، وبلا مؤنة لها وقع . وأطلق الحنابلة عدم الجواز ، ولو علم مكانه أو قدر على تحصيله ، فإن حصل في يد إنسان ، جاز ، لإمكان تسليمه . وقيس عليه : الجمل الشّارد ، والفرس العاشر ، والضّالّ إلاّ من يسهل عليه ردّه والمغصوب إلاّ لقادر على انتزاعه عند الشّافعيّة . وبيعه من الغاصب صحيح قطعاً . وهناك فروع كثيرة ، تراجع في مصطلح : ( بيع ، غرر ) . و - بيع اللّبن في الضّرع : 92 - ورد في النّهي عنه حديث ابن عبّاس رضي الله عنه ، قال : « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يباع ثمر حتّى يطعم ، أو صوف على ظهر ، أو لبن في ضرع ، أو سمن في لبن » . والشّوكانيّ يصرّح بأنّ الفقهاء مجمعون على فساده للحديث المذكور ، وعلّلوه بأنّه مجهول الصّفّة والمقدار ، فأشبه الحمل . وتردّد الحنفيّة في القول بفساده لاختلاط الملكين ، أو بطلانه للشّكّ في وجوده . ووضع ابن الهمام من الحنفيّة لهذا وأمثاله ضابطاً ، وهو : أنّ كلّ ما بيع بغلافه لا يجوز باستثناء الحبوب في قشرها ، وتفصيل أحكامه في ( بيع ، غرر ) . ز - بيع الصّوف وهو على الظّهر : 93 - ورد فيه الحديث المتقدّم آنفاً . ( ف ) . وممّن نصّ على فساده الحنفيّة ، وهو المذهب عند الحنابلة . وذهب أبو يوسف إلى جوازه ، وهو رواية أيضاً عن الإمام أحمد ، بشرط جزّه في الحال ، وقال المرداويّ : فيه قوّة . وذهب المالكيّة إلى جوازه بشرط جزّه خلال أيّام قليلة كنصف شهر . وحجّة القائلين بالفساد : النّهي الوارد فيه ، وأنّه من أوصاف الحيوان وهي لا تفرد بالبيع ، واختلاط المبيع بغيره لأنّه ينبت من الأسفل ، أو اتّصاله بالحيوان فلم يجز إفراده كأعضائه ، أو الجهالة والتّنازع في موضع القطع . وأبو يوسف - رحمه الله - يقيسه على بيع القصيل ( الفصفصة ، أو البرسيم ) وفسّر بأنّه الشّعير يجزّ أخضر لعلف الدّوابّ . وفيه تفصيلات وصور تراجع في مصطلح ( بيع ، غرر ، جهالة ) . ح - بيع السّمن في اللّبن : 94 - ورد في النّهي عنه حديث ابن عبّاس رضي الله عنه المتقدّم « ... أو سمن في لبن » ولا يصحّ هذا البيع ، وذلك لاختلاط المبيع بغيره بحيث لا يمتاز عنه ، وفيه جهالة وغرر ، ثمّ هو من الأشياء الّتي في غلفها ، والّتي لا يمكن أخذها وتسليمها إلاّ بإفساد الخلقة . كما يقول ابن الهمام من الحنفيّة باستثناء الحبوب ، فلا يصحّ بيعه . ط - الثّنيا أو استثناء المجهول في البيع : 95 - ورد فيها حديث جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « نهى عن المحاقلة ، والمزابنة ، والثّنيا ، إلاّ أن تعلم » ومعنى الثّنيا : الاستثناء ، وهي في البيع : أن يبيع شيئاً ويستثني بعضه ، فإن كان المستثنى معلوماً ، كشجرة معلومة من أشجار بيعت ، صحّ البيع . وإن كان مجهولاً كبعض الأشجار ، لم يصحّ . فوضع الفقهاء لذلك هذه القاعدة ، وهي : أنّ ما جاز إيراد العقد عليه بانفراده صحّ استثناؤه منه . وعلّق عليها ابن عابدين قوله : هذه قاعدة مذكورة في عامّة المعتبرات ، مفرّع عليها مسائل . وأشار الشّافعيّة أيضاً إلى هذه القاعدة ، وكذا الحنابلة ، وسمّاها صاحب الشّرح الكبير ضابطاً . فقال : وضابط هذا الباب أنّه لا يصحّ استثناء ما لا يصحّ بيعه منفرداً . 96 - وإليك بعض التّطبيقات : - أ - لو باع هذا القطيع إلاّ شاةً غير معيّنة ، لم يصحّ في قول أكثر أهل العلم ، وذلك للحديث المذكور في النّهي عن بيع الثّنيا إلاّ أن تعلم ، ولأنّه مبيع مجهول فلم يصحّ ، فصار كما لو قال : بعتك شاةً تختارها من هذا القطيع . وكذلك لو باع بستاناً إلاّ شجرةً غير معيّنة . ومالك - رحمه الله - أجاز ذلك ، فللبائع عنده أن يبيع البستان ، ويستثني خمساً من شجراته ، لأنّ البائع - في الغالب - يعرف جيّد شجر بستانه ورديئه ، فلا يتوهّم فيه أنّه يختار ثمّ ينتقل ، بخلاف المشتري الّذي يتوهّم فيه التّنقّل من واحدة إلى أخرى ، ويؤدّي إلى التّفاضل بين الطّعامين إن كانا ربويّين أو أحدهما ، لأنّ المنتقل إليه يحتمل أن يكون أقلّ من المنتقل عنه أو أكثر أو مساوياً ، والشّكّ في التّماثل كتحقّق التّفاضل ، ويؤدّي إلى بيع الطّعام قبل قبضه إن كانا مكيلين أو أحدهما . - ب - لو باع هذه الصّبرة من القمح ونحوه ، إلاّ قفيزاً أو رطلاً : - جاز ذلك عند الحنفيّة ومالك ، وهو رواية عن أحمد ، لأنّ الثّنيا هنا معلومة ، فصار كما لو استثنى منها جزءاً مشاعاً - كما سيأتي - - ومذهب أحمد أنّه لا يجوز ، لأنّ المبيع إنّما علم بالمشاهدة لا بالقدر ، والاستثناء يغيّر حكم المشاهدة ، لأنّه لا يدري كم يبقى في حكم المشاهدة ، فلم يجز . - ج - لو باع هذا القطيع إلاّ شاةً معيّنةً ، أو باع هذا البستان إلاّ شجرةً بعينها جاز ذلك ، لأنّ المستثنى معلوم ، ولا يؤدّي إلى الجهالة . والمبيع معلوم بالمشاهدة ، لكون المستثنى معلوماً ، فانتفى المفسد . - د - لو باع الصّبرة إلاّ أرطالاً معلومةً : - جاز عند الحنفيّة ، لأنّه يصحّ إيراد العقد عليها ، إذا علم أنّه يبقى أكثر من المستثنى ، ويكون استثناء القليل من الكثير ، كما لو استثنى رطلاً واحداً . وكذا يصحّ عندهم لو كان استثناء الأرطال المعلومة من ثمر على رءوس النّخل ، في ظاهر الرّواية . - وعند أحمد - وهو رواية عن أبي حنيفة ، وهي الأقيس بمذهبه - لا يجوز هنا كما في الصّورة الأولى ، إن جهل المتعاقدان كمّيّة أرطالها ، لأنّ الجهل بذلك يؤدّي إلى الجهل بما يبقى بعد المستثنى . - هـ - لو استثنى جزءاً غير معيّن بل شائعاً ، كربع وثلث ، فإنّه صحيح بالاتّفاق ، للعلم بالمبيع في أجزائه ، ولصحّة إيراد العقد عليها . ولو باعه أرضاً أو داراً أو ثوباً، إلاّ ذراعاً : - فمذهب الشّافعيّة والحنابلة ، وأحد قولين للصّاحبين من الحنفيّة أنّه : إذا كان المتعاقدان يعلمان عدّة أذرع الأرض أو الدّار أو الثّوب ، كعشرة - مثلاً - صحّ البيع ، وكان المذكور مشاعاً فيها ، كأنّه استثنى العشر ، وإن كانا لا يعلمان ( كلاهما أو أحدهما ) لم يصحّ ، لأنّ المبيع ليس معيّناً ولا مشاعاً ، فيكون مجهولاً . 97 - ويمكن تطبيق قاعدة : ما جاز إيراد العقد عليه بانفراده صحّ استثناؤه من العقد ، على هذه الصّورة كما ذكرها الحنفيّة ، وهي : ما إذا باعه عشرة أذرع من دار أو أرض هي مائة ذراع ، سواء أكانت تحتمل القسمة أم لا : - فأبو حنيفة لا يجيز العقد لجهالة الموضع ، لأنّ البيع وقع على قدر معيّن من الأرض لا على شائع ، والدّار تتفاوت جوانبها وأجزاؤها ، وهذه جهالة مفضية إلى النّزاع ، وإذا لم يصحّ إيراد العقد عليه لم يصحّ استثناؤه من العقد ، بخلاف مسألة الصّبرة ، لعدم تفاوت أجزائها . - والصّاحبان يقولان : إذا سمّى جملة الذّرعان صحّ ، وإلاّ لم يصحّ ، للجهالة - كما تقدّم- - والصّحيح من مذهبهما جواز العقد ، وإن لم يبيّنا جملة مساحة الأرض بالذّرعان ، لأنّ هذه الجهالة بيدهما إزالتها فتقاس وتعلم نسبة العشرة المبيعة منها ، ويكون البيع شائعاً في الأرض كلّها . وإذا صحّ إيراد العقد على العشرة ، جاز استثناؤها منه . 98 - لو باع شاةً واستثنى حملها لم يصحّ البيع اتّفاقاً ، وكذا لو استثنى بعض أعضائها ، لأنّه لا يجوز إفراد المذكور بالعقد ، فكذا لا يجوز استثناؤه منه ، فصار شرطاً فاسداً - كما يقول ابن عابدين - وفيه منفعة للبائع ، فيفسد البيع . وجوّز الحنابلة استثناء رأس الحيوان المأكول ، وجلده وسواقطه وسلبه وأطرافه ، لأنّ « النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا خرج من مكّة - أي مهاجراً - إلى المدينة ، ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة رضي الله عنهما مرّوا براعي غنم ، فاشتريا منه شاةً ، وشرطا له سلبها » ويلحق الحضر بالسّفر عندهم كما نصّوا عليه . وعن مالك صحّة استثناء المذكورات في السّفر دون الحضر ، لأنّ المسافر لا يمكنه الانتفاع بالجلد والسّواقط ، فجوّز له شراء اللّحم دونها . أسباب النّهي غير العقديّة : 99 - ويراد بها : ما لا يتعلّق بمحلّ العقد ، ولا بوصف ملازم للعقد بحيث لا ينفكّ عنه ، بل يتعلّق بأمر خارج عن ذلك ، فما هو بركن ولا بشرط . ويمكن تقسيم هذه الأسباب إلى هذين النّوعين : النّوع الأوّل : ما يؤدّي إلى تضييق أو إيذاء أو ضرر : مادّيّ أو معنويّ ، خاصّ أو عامّ . وذلك كالغبن ، وبيع المسلم على بيع أخيه ، وبيع السّلاح من أهل الحرب . النّوع الآخر : ما يؤدّي إلى مخالفة دينيّة بحتة ، أو عباديّة محضة ، كالبيع عند أذان الجمعة ، وبيع المصحف من الكافر . النّوع الأوّل : الأسباب الّتي تؤدّي إلى الضّرر المطلق 100 - من أهمّ ما يشمله هذا النّوع ، البيوع الآتية : أ - التّفرقة بين الأمّ وبين ولدها في بيع الرّقيق : 101 - اتّفق الفقهاء على منع هذا البيع ، لثبوت النّهي عنه في السّنّة فمن ذلك : حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم « ملعون من فرّق بين والدة وولدها » . وحديث أبي أيّوب الأنصاريّ رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « من فرّق بين والدة وولدها ، فرّق اللّه بينه وبين أحبّته يوم القيامة » . مذاهب الفقهاء في حكم هذا التّفريق : 102 - هذا التّفريق غير جائز - بوجه عامّ ، وعلى التّفصيل الآتي في أحواله - عند عامّة الفقهاء : مذهب الجمهور : مالك ، والشّافعيّ وأحمد أنّ التّفريق بالبيع حرام . وعند مالك : يجب فسخه ، وإن لم يمكن جمعهما في حوز ( أو ملك واحد ) . على تفصيل بين عقود المعاوضات وغيرها سيأتي : وعندهما ( الشّافعيّ وأحمد ) : البيع باطل . وفي قول للشّافعيّة : يمنع من التّفريق . ومذهب أبي حنيفة ومحمّد ، أنّ البيع جائز مفيد للحكم بنفسه ، لكنّه مكروه ، والبائع آثم بالتّفريق . ومذهب أبي يوسف أنّ البيع فاسد في الوالدين والمولودين ، جائز في سائر ذوي الأرحام . وروي عنه أنّ البيع فاسد في جميع ذلك . وتفصيل أدلّة هذه الاتّجاهات تنظر في مصطلح ( رقّ ) . 103 - هذا ومذهب الحنفيّة والحنابلة تعميم التّحريم ، بحيث يشمل كلّ تفريق بين كلّ ذي رحم محرم . ومذهب المالكيّة قصره على التّفريق بالبيع بين الأمّ الوالدة وبين ولدها الصّغير الّذي لم يثغر ( أي لم يبدّل أسنانه ) فقط . والشّافعيّة قصروه على قرابة الولاد مهما نزل ، إذا كان الولد صغيراً حتّى يميّز ويستقلّ بنفسه ، في طعامه وشرابه ، ولو لم يبلغ سبع سنين . وتفصيل الأدلّة في مصطلح ( رقّ ) . حكم التّفرقة بين الحيوان الصّغير وبين أمّه : 104 - الرّاجح عند المالكيّة ، جواز التّفرقة بين الحيوان البهيميّ وبين أمّه ، وأنّ التّفريق الممنوع خاصّ بالعاقل . ويروى عن ابن القاسم منهم : المنع من التّفرقة بين الأمّ وبين ولدها في الحيوان أيضاً ، وهو ظاهر الحديث ، حتّى يستغني عن أمّه بالرّعي . فعلى هذا ، لو فرّق بينهما بالبيع لم يفسخ . ويجبران على جمعهما في حوز ، وليس هذا كتفريق العاقل . 105 - وهذا الّذي منع منه ابن القاسم ، هو مذهب الشّافعيّة أيضاً ، الّذين نصّوا على أنّ التّفريق بين البهيمة وولدها حرام . ثمّ فصّلوا في المسألة ، وقالوا : يكره ذبح الأمّ الّتي استغنى الولد عن لبنها ، ويحرم ذبحها إن لم يستغن عن لبنها ، ولا يصحّ البيع ولا التّصرّف ، ولو لم يكن الحيوان مأكولاً وذبح الصّغير وهو مأكول حلال قطعاً . وبيعه ممّن يظنّ أنّه يذبحه قبل استغنائه ، وكذلك بيع الأمّ قبل استغنائه باطل - وإن قال ابن حجر بحلّه - لأنّه ربّما لا يقع الذّبح حالاً أو أصلاً ، فيوجد المحذور ، وشرط الذّبح على المشتري غير صحيح . نعم ، إذا علم المشتري أنّ البائع نذر ذبحه ، وشرط البائع على المشتري الذّبح ، صحّ البيع وكان ذلك افتداءً ، ووجب على المشتري ذبحه ، فإن امتنع ذبحه القاضي ، وفرّقه الذّابح على الفقراء . وبيع الولد المستغني عن أمّه مكروه إلاّ لغرض الذّبح . وذبحهما كليهما لا يحرم . ولم نجد للحنفيّة والحنابلة كلاماً في هذه المسألة . ب - بيع العصير لمن يتّخذه خمراً : 106 - المراد بالعصير : عصير العنب ، أي معصوره المستخرج منه . وقد ذهب الفقهاء مذاهب مختلفة في الحكم التّكليفيّ في هذه الجزئيّة . فذهب المالكيّة والحنابلة إلى حرمة هذا البيع ، وهو الأصحّ والمعتمد عند الشّافعيّة إن كان يعلم أو يظنّ أيلولته إلى الخمر ، فإن شكّ كره . ونحوه قول للصّاحبين - أشار الحصكفيّ لتضعيفه - بأنّه مكروه ، والكراهة إن أطلقت عند الحنفيّة للتّحريم . وعبارة المالكيّة : وحرّم على المكلّف بيع العنب لمن يعلم أنّه يعصره خمراً . وقد استدلّوا بقوله تعالى : { ولا تَعَاونوا على الإِثمِ والعُدوانِ } قال ابن قدامة : وهذا نهي يقتضي التّحريم . واستدلّوا كذلك بحديث « لعنت الخمر على عشرة أوجه : بعينها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها ، وشاربها ، وساقيها » . ووجه الاستدلال كما يقول عميرة البرلّسيّ : أنّه يدلّ على تحريم التّسبّب إلى الحرام . ولما روي عن ابن سيرين ، أنّ قيّماً كان لسعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه في أرض له ، فأخبره عن عنب أنّه لا يصلح زبيباً ، ولا يصلح أن يباع إلاّ لمن يعصره ، فأمره بقلعه ، وقال : بئس الشّيخ أنا إن بعت الخمر . ولأنّه يعقد البيع على عصر لمن يعلم أنّه يريده للمعصية ، فأشبه إجارة الرّجل أمته لمن يعلم أنّه يستأجرها ليزني بها . والقول الآخر للشّافعيّة : أنّه مكروه . والبيع صحيح على القولين . وذهب أبو حنيفة إلى أنّ هذا البيع جائز ، وحكاه ابن المنذر عن الحسن وعطاء والثّوريّ ، ونقل عن هذا قوله : " بع الحلال ممّن شئت " واستدلّوا بقوله تعالى : { وَأَحَلَّ اللّه البيعَ } وقد تمّ بأركانه وشروطه . ولأنّ المعصية لا تقوم بعينه ، بل بعد تغيّره بشربه ، وهو فعل فاعل مختار ، وليس الشّرب من ضرورات الحمل ، لأنّ الشّرب قد يوجد بدون الحمل ، وليس الحمل من ضرورات الشّرب ، لأنّ الحمل قد يوجد للإراقة والتّخليل بالصّبّ في الخلّ ، فليست المعصية من لوازم الحمل ، وصار كالاستئجار لعصر العنب ، وهذا قياس وقولهما استحسان كما قال الكرلانيّ . لكن يبدو أنّ المذهب - مع ذلك - أنّه مكروه تنزيهاً ، وأنّه خلاف الأولى ، فقد قال صاحب الهداية : ولا بأس ببيع العصير ممّن يعلم أنّه يتّخذه خمراً وكلمة لا بأس لكراهة التّنزيه ، فتركه أولى . وقول أبي حنيفة هذا ، هو المذهب عند الحنفيّة ، وهو الّذي عليه المتون . اشتراط علم البائع بقصد المشتري اتّخاذ العصير للخمر : 107 - اشترط الجمهور للمنع من هذا البيع : أن يعلم البائع بقصد المشتري اتّخاذ الخمر من العصير ، فلو لم يعلم لم يكره بلا خلاف ، كما ذكره القهستانيّ من الحنفيّة ، وهو صريح كلام المرغينانيّ الآنف الذّكر . وكذلك قال ابن قدامة : إنّما يحرم البيع إذا علم البائع قصد المشتري ذلك : إمّا بقوله ، وإمّا بقرائن مختصّة به تدلّ على ذلك . أمّا الشّافعيّة فاكتفوا بظنّ البائع أنّ المشتري يعصر خمراً أو مسكراً ، واختاره ابن تيميّة . 108 - أمّا إذا لم يعلم البائع بحال المشتري ، أو كان المشتري ممّن يعمل الخلّ والخمر معاً ، أو كان البائع يشكّ في حاله ، أو يتوهّم : - فمذهب الجمهور الجواز ، كما هو نصّ الحنفيّة والحنابلة . - ومذهب الشّافعيّة أنّ البيع في حال الشّكّ أو التّوهّم مكروه . حكم بيع العصير لذمّيّ يتّخذه خمراً : 109 - إنّ مقتضى العموم والإطلاق في منع بيع العصير ممّن يتّخذه خمراً ، وكذا ما علّلته الشّروح - كما يقول ابن عابدين - أنّه لا فرق بين المسلم والكافر في بيع العصير منهما ، وأنّ من ذهب من الفقهاء إلى أنّ الكفّار غير مخاطبين بفروع الشّريعة ، يرون جواز بيع العصير من الكافر . والأصحّ أنّهم مخاطبون ولا فرق ، وصرّح بذلك الحنابلة أيضاً . والشّافعيّة صرّحوا بذلك ، وقالوا بحرمة البيع للعاصر ولو كان كافراً ، لحرمة ذلك عليه ، وإن كنّا لا نتعرّض له بشرطه ، أي عدم إظهاره . الحكم في بيع العصير وشموله لغيره : 110 - عمّم جمهور الفقهاء الحكم في بيع العصير ممّن يتّخذه خمراً ، ولم يقصروه على العصير ، بل عدّوه إلى العنب نفسه وإلى الرّطب والزّبيب ، فهي مثل العصير في التّحريم ، كلّما قصد بها اتّخاذ الخمر والمسكر . فقال الشّافعيّة : وبيع نحو رطب ، كعنب ، لمتّخذه مسكراً . وقال الحنابلة : ولا يصحّ بيع ما قصد به الحرام ، كعنب وكعصير لمتّخذهما خمراً ، وكذا زبيب ونحوه . وقال المالكيّة : وكذا يمنع بيع كلّ شيء ، علم أنّ المشتري قصد به أمراً لا يجوز . وتردّد الحنفيّة في المسألة : - فذهب صاحب المحيط منهم إلى : أنّ بيع العنب والكرم ممّن يتّخذه خمراً لا يكره . - ونقل القهستانيّ عن بعضهم : أنّ بيع العنب هو أيضاً على الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه . فعنده لا بأس به ، وهو مكروه تنزيهاً . وعندهما يمنع ، وهو مكروه تحريماً . حكم بيع العصير لمتّخذه خمراً ، من حيث الصّحّة والبطلان : 111 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة ، والحنابلة في وجه : إلى صحّة هذا البيع . وعلّله الشّافعيّة بأنّ النّهي - المستفاد من حديث لعن العاصر وإن كان يقتضي الكراهة أو التّحريم ، لأنّ البيع سبب لمعصية متحقّقة أو متوهّمة - لا يقتضي البطلان هنا ، لأنّه راجع إلى معنًى خارج عن ذات المنهيّ عنه وعن لازمها ، لكنّه مقترن به ، نظير البيع بعد نداء الجمعة ، فإنّه ليس لذاته لا لازمها ، بل هو لخشية تفويتها . وذهب المالكيّة إلى : أنّه يجبر المشتري على إخراجه من ملكه ، من غير فسخ للبيع . أمّا الحنابلة فنصّوا على : أنّه إذا ثبت التّحريم ، بأن علم البائع قصد المشتري الخمر بشراء العنب ، بأيّ وجه حصل العلم ، فالبيع باطل ، وذلك لأنّه عَقَدَ على عينٍ لمعصية اللّه تعالى بها فلم يصحّ ، ولأنّ التّحريم هنا لحقِّ اللّه تعالى فأفسد العقد ، كبيع درهم بدرهمين . بيع ما يقصد به فعل محرّم : 112 - ذهب الجمهور إلى أنّ كلّ ما يقصد به الحرام ، وكلّ تصرّف يفضي إلى معصية فهو محرّم ، فيمتنع بيع كلّ شيء علم أنّ المشتري قصد به أمراً لا يجوز . 113 - فمن أمثلته عند المالكيّة : بيع الأمة لأهل الفساد ، والأرض لتتّخذ كنيسةً أو خمّارةً ، وبيع الخشب لمن يتّخذه صليباً ، والنّحاس لمن يتّخذه ناقوساً . قال الدّسوقيّ : وكذا يمنع أن يباع للحربيّين آلة الحرب ، من سلاح أو كراع أو سرج ، وكلّ ما يتقوّون به في الحرب ، من نحاس أو خباء أو ماعون . وأمّا بيع الطّعام لهم ، فقال ابن يونس عن ابن حبيب : يجوز في الهدنة ، وأمّا في غير الهدنة فلا يجوز . والّذي في المعيار عن الشّاطبيّ : أنّ المذهب المنع مطلقاً ، وهو الّذي عزاه ابن فرحون في التّبصرة ، وابن جزيّ في القوانين لابن القاسم . وذكر في المعيار أيضاً عن الشّاطبيّ : أنّ بيع الشّمع لهم ممنوع ، إذا كانوا يستعينون به على إضرار المسلمين ، فإن كان لأعيادهم فمكروه . 114 - ومن أمثلته عند الشّافعيّة : بيع مخدّر لمن يظنّ أنّه يتعاطاه على وجه محرّم ، وخشب لمن يتّخذه آلة لهو ، وثوب حرير لرجل يلبسه بلا نحو ضرورة . وكذا بيع سلاح لنحو باغ وقاطع طريق ، وديك لمن يهارش به ، وكبش لمن يناطح به ، ودابّة لمن يحمّلها فوق طاقتها . كما نصّ الشّروانيّ وابن قاسم العبّاديّ على منع بيع مسلم كافراً طعاماً ، علم أو ظنّ أنّه يأكله نهاراً في رمضان ، كما أفتى به الرّمليّ ، قال : لأنّ ذلك إعانة على المعصية ، بناءً على أنّ الرّاجح أنّ الكفّار مخاطبون بفروع الشّريعة . 115 - ومن أمثلته عند الحنابلة : بيع السّلاح لأهل الحرب ، أو لقطّاع الطّريق ، أو في الفتنة ، أو إجارة داره لبيع الخمر فيها ، أو لتتّخذ كنيسةً ، أو بيت نار وأشباه ذلك ، فهذا حرام . قال ابن عقيل : وقد نصّ أحمد رحمه الله تعالى - على مسائل نبّه بها على ذلك ، فقال في القصّاب والخبّاز : إذا علم أنّ من يشتري منه ، يدعو عليه من يشرب المسكر ، لا يبيعه ، ومن يخترط ( يصنع ) الأقداح لا يبيعها ممّن يشرب فيها ( أي الخمر ) ونهى عن بيع الدّيباج ( أي الحرير ) للرّجال . 116 - ذهب أبو حنيفة إلى أنّه : لا يكره بيع ما لم تقم المعصية به ، كبيع الكبش النّطوح ، والحمامة الطّيّارة ، والخشب ممّن يتّخذ منه المعازف . بخلاف بيع السّلاح من أهل الفتنة ، لأنّ المعصية تقوم بعينه ، وهي الإعانة على الإثم والعدوان ، وإنّه منهيّ عنه . بخلاف بيع ما يتّخذ منه السّلاح كالحديد ، لأنّه ليس معدّاً للقتال ، فلا يتحقّق معنى الإعانة . وذهب الصّاحبان من الحنفيّة ، إلى أنّه لا ينبغي للمسلم أن يفعل ذلك ، لأنّه إعانة على المعصية ، فهو مكروه عندهما ، خلافاً للإمام ، وليس بحرام ، خلافاً لما ذهب إليه الجمهور . وبحث الحنفيّة نظير هذه المسألة في الإجارة ، كما سبق عند الحنابلة ، كما لو آجر شخص نفسه ليعمل في بناء كنيسة ، أو ليحمل خمر الذّمّيّ بنفسه أو على دابّته ، أو ليرعى له الخنازير ، أو آجر بيتاً ليتّخذ بيت نار ، أو كنيسةً أو بيعةً ، أو يباع فيه الخمر ، جاز له ذلك عند أبي حنيفة ، لأنّه لا معصية في عين العمل ، وإنّما المعصية بفعل المستأجر ، وهو فعل فاعل مختار كشربه الخمر وبيعها ، ففي هذا يقول المرغينانيّ : إنّ الإجارة ترد على منفعة البيت ( ونحوه ) ولهذا تجب الأجرة بمجرّد التّسليم ، ولا معصية فيه ، وإنّما المعصية بفعل المستأجر ، وهو مختار فيه ، فقطع نسبته عنه . ويرى الصّاحبان كراهة ذلك ، لما فيه من الإعانة على المعصية . وطرح بعض الحنفيّة هذا الضّابط : وهو أنّ ما قامت المعصية بعينه ، يكره بيعه تحريماً ( كبيع السّلاح من أهل الفتنة ) وما لم تقم بعينه يكره تنزيهاً . حكم بيع ما يقصد به فعل محرّم ، من حيث الصّحّة والبطلان : 117 - ذهب الجمهور ( الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ) وهو أيضاً احتمال عند الحنابلة إلى : أنّ البيع صحيح ، لأنّه لم يفقد ركناً ولا شرطاً . غير أنّ المالكيّة نصّوا مع ذلك ، في مسألة بيع السّلاح ، على إجبار المشتري على إخراجه عن ملكه ، ببيع أو هبة أو نحوهما ، من غير فسخ للبيع . يقول الدّسوقيّ : يمنع أن يباع للحربيّين آلة الحرب ، من سلاح أو كراع أو سرج ، وكلّ ما يتقوّون به في الحرب ، من نحاس أو خباء أو ماعون ، ويجبرون على إخراج ذلك . كما نصّ القليوبيّ من الشّافعيّة ، على أنّ من باع أمةً لمن يكرهها على الزّنى ، ودابّةً لمن يحمّلها فوق طاقتها ، فللحاكم أن يبيع هذين على مالكهما قهراً عليه . ومذهب الحنابلة أنّ هذا البيع باطل ، لأنّه عقد على عين لمعصية اللّه تعالى بها ، فلم يصحّ . ج - بيع الرّجل على بيع أخيه : 118 - من صوره أن يتراضى المتبايعان على ثمن سلعة ، فيجيء آخر ، فيقول : أنا أبيعك مثل هذه السّلعة بأنقص من هذا الثّمن ، أو يقول : أبيعك خيراً منها بثمنها أو بدونه - أي بأقلّ منه - أو يعرض على المشتري سلعةً رغب فيها المشتري ، ففسخ البيع واشترى هذه . وقد ثبت النّهي في الصّحيح عن ذلك في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « لا يبعْ بعضُكم على بيع بعض » . وفي لفظ آخر : « لا يبع الرّجل على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه ، إلاّ أن يأذن له » . وفي لفظ : « لا يبع بعضكم على بيع بعض ، حتّى يبتاع أو يذر » . وفي لفظ : « لا يبيع الرّجل على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه ، إلاّ أن يأذن له » . وفي لفظ : « لا يبيع بعضكم على بيع أخيه » . حكمه : 119 - ذهب الشّافعيّة ، وهو وجه محتمل عند الحنابلة إلى : أنّ هذا البيع محرّم ، لكنّه لا يبطل البيع ، بل هو صحيح لرجوع النّهي إلى معنًى خارج عن الذّات وعن لازمها ، إذ لم يفقد ركناً ولا شرطاً ، لكنّ النّهي لمعنًى مقترن به ، وهو خارج غير لازم ، وهو الإيذاء هنا . هذا تعليل الشّافعيّة . وتعليل الحنابلة : أنّ المحرّم هو عرض سلعته على المشتري ، أو قوله الّذي فسخ البيع من أجله ، وذلك سابق على البيع ، ولأنّه إذا صحّ الفسخ الّذي حصل به الضّرر ، فالبيع المحصّل للمصلحة أولى ، ولأنّ النّهي لحقّ آدميّ ، فأشبه بيع النّجش . وذهب الحنفيّة إلى أنّ هذا البيع ونحوه من البياعات مكروه تحريماً ، قال ابن الهمام : هذه الكراهات كلّها تحريميّة ، لا نعلم خلافاً في الإثم ، وذلك للأحاديث المذكورة ، ولما فيه من الإيحاش والإضرار . والمذهب عند الحنابلة : أنّه غير جائز وهو حرام ، ولا يصحّ هذا البيع ، بل هو باطل لأنّه منهيّ عنه ، لما فيه من الإضرار بالمسلم والإفساد عليه ، والنّهي يقتضي الفساد . 120 - وقيّد الشّافعيّة والحنابلة البيع المنهيّ عنه بما يلي : - 1 - أن يكون البيع على البيع قبل لزوم البيع ، وذلك لبقاء خيار المجلس أو الشّرط ، وكذا بعد اللّزوم في زمن خيار العيب ، إذا اطّلع المشتري على عيب ، على المعتمد عندهم . وهذا معنى قول الحنابلة : أن يكون البيع زمن الخيارين ، فلو حدث بعد مضيّ الخيار ولزوم البيع لا يحرم ، لعدم تمكّن المشتري من الفسخ إذاً ، ولا معنى له . - 2 - أن يكون البيع على البيع بغير إذنه له - كما قاله القاضي زكريّا - ( أي بغير إذن البائع الأوّل ، للّذي باع على بيع أخيه ) . وقيّد الحنفيّة منع البيع على بيع غيره بما إذا تراضى المتبايعان على البيع . 121 - وذكر الشّافعيّة بعض الفروع والأحكام ، في هذه الجزئيّة ، فقرّروا : - أنّ الحرمة ثابتة ، ولو كان المشتري مغبوناً في صفقته ، إذ النّصيحة الواجبة تحصل بالتّعريف من غير بيع . وقيّد القليوبيّ الحرمة بما إذا لم يعلم الرّضا باطناً . - مثل البيع على البيع ، أن يبيع بائع المشتري في زمن الخيار سلعةً مثل الّتي اشتراها . وسبب المنع الخشية من أن يردّ المشتري بالخيار السّلعة الأولى ، كما نصّ عليه الشّافعيّ رضي الله عنه . - يمنع البيع على بيع غيره إلى أن يتبيّن ما يؤول إليه الأمر ، بأن يلزم البيع أو يعرض المشتري عن الشّراء ، فإن أعرض انتهت مدّة المنع ، وجاز للغير أن يبيعه . - مثل البيع في التّحريم على البيع غيره من بقيّة العقود ، كالإجارة والعاريّة ( أي الاستعارة ) والاقتراض والاتّهاب ، والمساقاة ، والمزارعة ، والجعالة . قال الحنابلة : فتحرم ولا تصحّ إذا سبقت للغير ، قياساً على البيع ، لما في ذلك من الإيذاء . بل نصّ البرماويّ من الشّافعيّة أيضاً على أنّ من أنعم عليه بكتاب ( عاريّةً ) ليطالع فيه ، حرم على غيره أن يسأل صاحبه فيه ، أي يطلبه من صاحبه ليطالع فيه هو أيضاً ، لما فيه من الإيذاء ، وبنوا على هذا حرمة طلب العاريّة بعد عقدها مطلقاً . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية