الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41114" data-attributes="member: 329"><p>د - السّوم ، والشّراء على شراء أخيه .</p><p>122 - أمّا السّوم على السّوم فمن صوره : ما إذا تساوم رجلان ، فطلب البائع بسلعته ثمناً ، ورضي المشتري بذلك الثّمن ، فجاء مشتر آخر ، ودخل على سوم الأوّل ، فاشتراه بزيادة أو بذلك الثّمن نفسه . لكنّه رجل وجيه ، فباعه منه البائع لوجاهته .</p><p>123 - وأمّا الشّراء على الشّراء فمن صوره : أن يأمر شخص البائع بفسخ العقد ليشتريه هو بأكثر ، أو يجيء شخص إلى البائع قبل لزوم العقد ، ليدفع في المبيع أكثر من الثّمن الّذي اشتري به ، ليفسخ البيع ويعقد معه . </p><p>وقيّد الحنفيّة منع هذا الشّراء أو السّوم بما إذا اتّفق المتبايعان على الثّمن أو تراضيا ، أو جنح البائع إلى البيع بالثّمن الّذي سمّاه المشتري ، وأمّا إذا لم يجنح ولم يرضه ، فلا بأس لغيره أن يشتريه بأزيد ، لأنّ هذا بيع من يزيد ، ولا كراهة فيه ، كما سيأتي . </p><p>وقيّد الشّافعيّة المنع بأن يكون الشّراء قبل اللّزوم ، أي زمن الخيار - كما عبّر القاضي - أو يكون بعد اللّزوم ، وقد اطّلع على عيب - كما مرّ في البيع على بيع غيره - </p><p>أمّا الحنابلة فللسّوم على السّوم عندهم صور : </p><p>الأولى : أن يوجد من البائع تصريح بالرّضا بالبيع ، فهذا يحرم السّوم على غير المشتري . الثّانية : أن يظهر منه ما يدلّ على عدم الرّضا فلا يحرم السّوم . </p><p>الثّالثة : أن لا يوجد ما يدلّ على الرّضا أو عدمه ، فلا يجوز السّوم لغيره أيضاً . </p><p>الرّابعة : أن يظهر منه ما يدلّ على الرّضا من غير تصريح . فقال القاضي : لا يحرم السّوم . وقال ابن قدامة : يحرم . كما قيّده الشّافعيّة أيضاً بأن يكون بغير إذن له من المشتري ، فلو وقع الإذن من أحدهما لم يحرم ، لأنّ الحقّ لهما وقد أسقطاه ، ولمفهوم الخبر السّابق : « حتّى يبتاع أو يذر » . وقرّروا : أنّ المعتبر إذن المالك ، لا الوليّ والوصيّ والوكيل ، إن كان فيه ضرر على المالك ، وأنّ موضع الجواز مع الإذن إذا دلّت الحال على الرّضا باطناً ، فإن دلّت على عدمه ، وأنّه إنّما أذن ضجراً وحنقاً فلا ، كما قاله الأذرعيّ منهم .</p><p>حكمه :</p><p>124 - هذا الشّراء أو السّوم بهذه الصّور والقيود منهيّ عنه ، غير جائز عند الجميع ، لكنّه صحيح عند الجمهور ، باطل عند الحنابلة إلاّ في وجه محتمل للصّحّة عندهم كالجمهور . والحنفيّة يعنون بعدم الجواز كراهة التّحريم ، لا الحرمة .</p><p>أ - فدليل الشّافعيّة ، والوجه المحتمل عند الحنابلة على الحرمة مع صحّة الشّراء . حديث </p><p>« لا يبع بعضكم على بيع بعض » المتقدّم . فقال المحلّيّ : وفي معناه الشّراء على الشّراء . وأشار البهوتيّ إلى أنّ التّحريم بالقياس على البيع ، ولأنّ الشّراء يسمّى بيعاً . </p><p>ولأنّ فيه إيذاءً ، قال المحلّيّ : المعنى في تحريم ذلك : الإيذاء للعالم بالنّهي عنه . </p><p>ولأنّه إذا صحّ الفسخ الّذي حصل به الضّرر ، فالبيع المحصّل للمصلحة أولى . </p><p>ولأنّ النّهي لحقّ آدميّ ، فأشبه بيع النّجش .</p><p>ب - ودليل الحنفيّة على الكراهة مع صحّة الشّراء : حديث أبي هريرة « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى أن يتلقّى الرّكبان ، ولا يبيع حاضر لباد ، وأن تسأل المرأة طلاق أختها ، وعن النّجش والتّصرية ، وأن يستام الرّجل على سوم أخيه » . </p><p>وقرّر الحنفيّة أنّ هذا الحديث نصّ في النّهي عن الاستيام ، فلا حاجة - كما أوضح ابن الهمام - إلى جعل لفظ البيع في حديث : « لا يبع أحدكم على بيع أخيه » جامعاً للبيع والشّراء مجازاً ، إنّما يحتاج إلى ذلك لو لم يرد حديث الاستيام ، ولأنّ في ذلك إيحاشاً وإضراراً به فيكره . قال الكاسانيّ : والنّهي لمعنًى في غير البيع ، وهو الإيذاء ، فكان نفس البيع مشروعاً ، فيجوز شراؤه ، ولكنّه يكره .</p><p>ج - ودليل الحنابلة على التّحريم والبطلان ، أنّ هذا منهيّ عنه ، والنّهي يقتضي الفساد .</p><p>125 - وفيما يلي بعض الفروع والتّفصيلات المتعلّقة بالسّوم ، والشّراء على شراء الآخرين :</p><p>أ - نصّ الحنفيّة على أنّ السّوم على سوم الآخرين مكروه ، ولو كان المستام عليه ذمّيّاً أو مستأمناً . وقالوا : ذكر الأخ في الحديث ليس قيداً ، بل لزيادة التّنفير ، لأنّ السّوم على السّوم يوجب إيحاشاً وإضراراً ، وهو في حقّ الأخ أشدّ منعاً ، فهو كما في قوله في الغيبة : « ذِكْرُك أخاك بما يَكْره » إذ لا خفاء في منع غيبة الذّمّيّ . </p><p>وقرّر الشّافعيّة أنّ ذكر الرّجل خرج مخرج الغالب ، كما أنّ تخصيص الأخ لإثارة الرّقّة والعطف عليه ، وسرعة امتثاله ، فغيرهما مثلهما . فالذّمّيّ والمعاهد والمستأمن مثل المسلم . وخرج الحربيّ والمرتدّ فلا يحرم .</p><p>ب - ألحق الحنفيّة الإجارة بالبيع في منع السّوم على السّوم ، إذ هي بيع المنافع . </p><p>كما ألحق الحنابلة جملةً من العقود ، كالقرض والهبة وغيرهما ، قياساً على البيع ، وكلّها تحرم ولا تصحّ للإيذاء .</p><p>ج - ألحق الماورديّ من الشّافعيّة بالشّراء على الشّراء ، تحريم طلب السّلعة من المشتري بأكثر - والبائع حاضر - قبل اللّزوم ، لأدائه إلى الفسخ أو النّدم .</p><p>د - وكذلك قاس الشّافعيّة على كلام الماورديّ في التّحريم ، ما لو طلب شخص من البائع ، في زمن الخيار ، شيئاً من جنس السّلعة المبيعة ، بأكثر من الثّمن الّذي باع به ، لا سيّما إن طلب منه مقداراً لا يكمل إلاّ بانضمام ما بيع منها .</p><p>هـ -وصرّحوا أيضاً بحرمة ما ذكر ، سواء أبلغ المبيع قيمته أم نقص عنها – على المعتمد عندهم - .</p><p>و - وتكلّموا أيضاً في مسألة تعريف المغبون في الشّراء بغبنه ، فصرّح ابن حجر بأنّه لا محذور فيه ، لأنّه من النّصيحة الواجبة ، لكنّه استظهر أنّ محلّه في غبن نشأ عن نحو غشّ البائع ، فلم يبال بإضراره ، لأنّه آثم . بخلاف ما إذا نشأ لا عن نحو تقصير منه ، لأنّ الفسخ ضرر عليه ، والضّرر لا يزال بالضّرر . وصرّح الشّروانيّ بأنّه إذا علم المشتري الثّاني بالمبيع عيباً ، وجب إعلام المشتري به ، وهذا صادق بما إذا كان البائع جاهلاً بالعيب ، مع أنّه لا تقصير منه حينئذ ، ولا فرق بين هذا وبين الغبن ، لأنّ الملحظ حصول الضّرر ، وأشار إلى أنّ هذا محلّ تأمّل ، ورأى أنّ وجوب النّصيحة يقتضي وجوب تعريف المغبون ، وإن نشأ الغبن من تقصيره ، ولكنّها تحصل بالتّعريف من غير بيع .</p><p>126 - واستثنى الفقهاء بيع المزايدة بالمناداة ، ويسمّى بيع الدّلالة . ويسمّى أيضاً : المزايدة . استثنوها من الشّراء على الشّراء ، ومن السّوم على سوم أخيه . </p><p>وهي : أن ينادى على السّلعة ، ويزيد النّاس فيها بعضهم على بعض ، حتّى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها . وهذا بيع جائز بإجماع المسلمين ، كما صرّح به الحنابلة ، فصحّحوه ولم يكرهوه . وقيّده الشّافعيّة بأمرين : أن لا يكون فيه قصد الإضرار بأحد ، وبإرادة الشّراء ، وإلاّ حرمت الزّيادة ، لأنّها من النّجش .</p><p>127 - ودليل جواز بيع المزايدة :</p><p>- ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه « أنّ رجلاً من الأنصار أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسأله فقال له : ما في بيتك شيء ؟ قال : بلى ، حِلْس يلبس بعضه ، ويبسط بعضه ، وقَعْب يشرب فيه الماء . قال : ائتني بهما . فأتاه بهما ، فأخذهما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقال : من يشتري هذين ؟ فقال رجل : أنا آخذهما بدرهم ، قال : من يزيد على درهم ؟ مرّتين أو ثلاثاً ، فقال رجل : أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إيّاه ، وأخذ الدّرهمين ، فأعطاهما الأنصاريّ ، وقال : اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوماً ، فائْتني به . فأتاه به ، فشدّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ، ثمّ قال له : اذهب فاحتطب وبع ، ولا أرينك خمسة عشر يوماً . فذهب الرّجل يحتطب ويبيع ، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشترى ببعضها ثوباً ، وببعضها طعاماً ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتةً في وجهك يوم القيامة . إنّ المسألة لا تصلح إلاّ لثلاثة : لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع » . قال الكاسانيّ في تعليقه على هذا الحديث : وما كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليبيع بيعاً مكروهاً . </p><p>- والدّليل الثّاني : أنّ المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة . </p><p>- وأنّه بيع الفقراء ، كما قال المرغينانيّ ، والحاجة ماسة إليه . </p><p>- ولأنّ النّهي إنّما ورد عن السّوم حال البيع ، وحال المزايدة خارج عن البيع . </p><p>وتفصيل أحكام ( المزايدة ) في مصطلحها .</p><p>هـ - النّجش :</p><p>128 - النَجْش هو بسكون الجيم مصدر ، وبالفتح اسم مصدر ، ومن معانيه اللّغويّة : الإثارة . يقال : نجش الطّائر : إذا أثاره من مكانه . قال الفيّوميّ : نجش الرّجل ينجش نجشاً : إذا زاد في سلعة أكثر من ثمنها ، وليس قصده أن يشتريها ، بل ليغرّ غيره ، فيوقعه فيه ، وكذلك في النّكاح وغيره . </p><p>وأصل النّجش : الاستتار ، لأنّ النّاجش يستر قصده ، ومنه يقال للصّائد : ناجش لاستتاره . وقد عرّفه الفقهاء بأن يزيد الرّجل في الثّمن ولا يريد الشّراء ، ليرغّب غيره . أو أن يمدح المبيع بما ليس فيه ليروّجه . وقد ورد النّهي عنه ، في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « لا تلقّوا الرّكبان ، ولا يبيع بعضكم على بيع بعض ، ولا تناجشوا ، ولا يبيع حاضر لباد ، ولا تصرّوا الغنم » . وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن النّجش » </p><p>أ - فمذهب جمهور الفقهاء : أنّه حرام ، وذلك لثبوت النّهي عنه ، على ما سبق . ولما فيه من خديعة المسلم ، وهي حرام .</p><p>ب - ومذهب الحنفيّة : أنّه مكروه تحريماً إذا بلغت السّلعة قيمتها ، أمّا إذا لم تبلغ فلا يكره ، لانتفاء الخداع . ذلك حكمه التّكليفيّ . أمّا حكمه الوضعيّ :</p><p>أ - فمذهب جمهور الفقهاء ، من الحنفيّة والشّافعيّة ، والصّحيح عند الحنابلة : أنّ البيع صحيح ، لأنّ النّجش فعل النّاجش لا العاقد ، فلم يؤثّر في البيع ، والنّهي لحقّ الآدميّ فلم يفسد العقد ، كتلقّي الرّكبان وبيع المعيب والمدلّس ، بخلاف ما كان حقّاً للّه ، لأنّ حقّ العبد ينجبر بالخيار أو زيادة الثّمن .</p><p>ب - ومذهب مالك ، وهو رواية عن أحمد : أنّه لا يصحّ بيع النّجش ، لأنّه منهيّ عنه ، والنّهي يقتضي الفساد . ومع ذلك فقد نصّ الفقهاء على خيار الفسخ في هذا البيع : </p><p>- فالمالكيّة قالوا : إن علم البائع بالنّاجش وسكت ، فللمشتري ردّ المبيع إن كان قائماً ، وله التّمسّك به ، فإن فات المبيع فالواجب القيمة يوم القبض إن شاء ، وإن شاء أدّى ثمن النّجش . وإن لم يعلم البائع بالنّاجش ، فلا كلام للمشتري ، ولا يفسد البيع ، والإثم على من فعل ذلك . وهذا قول عند الشّافعيّة ، حيث جعلوا للمشتري الخيار عند التّواطؤ . </p><p>- والأصحّ عند الشّافعيّة أنّه لا خيار للمشتري لتفريطه . </p><p>- ويقول الحنابلة : البيع صحيح سواء أكان النّجش بمواطأة من البائع أم لم يكن ، لكن إن كان في البيع غبن لم تجر العادة بمثله فالخيار للمشتري بين الفسخ والإمضاء ، كما في تلقّي الرّكبان ، وإن كان يتغابن بمثله فلا خيار له . </p><p>وفيه أحكام تفصيليّة تراجع في مصطلح : ( نجش ) .</p><p>و - تلقّي الجلب أو الرّكبان أو السّلع :</p><p>129 - عبّر الحنفيّة بتلقّي الجلب ، وعبّر المالكيّة بتلقّي السّلع . قال خليل : كتلقّي السّلع أو صاحبها . وعبّر ابن جزيّ منهم بتلقّي السّلعة . وعبّر الشّافعيّة والحنابلة بتلقّي الرّكبان . والتّلقّي : هو الخروج من البلد الّتي يجلب إليها القوت ( ونحوه ) . </p><p>والجلب - بفتحتين - بمعنى الجالب ، أو هو بمعنى المجلوب ، فهو فعل بمعنى مفعول ، وهو ما تجلبه من بلد إلى بلد ، وهذا هو المراد بتلقّي السّلع في تعبير المالكيّة . </p><p>كما أنّ الرّكبان - في تعبير الشّافعيّة والحنابلة - جمع راكب ، والتّعبير به جرى على الغالب ، والمراد القادم ولو واحداً أو ماشياً . </p><p>حكم التّلقّي التّكليفيّ :</p><p>130 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ بيع التّلقّي محرّم ، لثبوت النّهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم : « لا تلقّوا الجَلَب ، فمن تلقّاه فاشترى منه ، فإذا أتى سيّده "أي صاحبه" السّوق فهو بالخيار » . والحنفيّة ذهبوا إلى كراهة التّلقّي ، وذلك للضّرر أو الغرر ، أو كما قال الكاسانيّ : لأنّ البيع مشروع في ذاته ، والنّهي في غيره ، وهو الإضرار بالعامّة على التّفسير الأوّل - الّذي ذكرناه عندهم - وتغرير أصحاب السّلع على التّفسير الثّاني ، فإذا لم يكن هناك ضرر أو غرر فلا بأس ، ولا يكره ، كما صرّح بذلك المرغينانيّ والكرلانيّ والكاسانيّ والزّيلعيّ والحصكفيّ ، لانعدام الضّرر . فقول ابن قدامة : وحكي عن أبي حنيفة أنّه لم ير بذلك بأساً ، وسنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحقّ أن تتّبع . ليس على إطلاقه . وفسخ المكروه - من البياعات - واجب على كلّ واحد منهما ، لرفع الإثم ، وهي عند الإطلاق عندهم للتّحريم ، كما هنا ، وكما في كلّ بيع مكروه .</p><p>حكم التلقي الوضعي :</p><p>131 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أن بيع التلقي صحيح ، ولا يفسد العقد به . ونقل ابن قدامة عن ابن عبد البر أن البيع صحيح في قول الجميع ، وعلل الصحة :</p><p>- بإثبات الخيار في حديث أبي هريرة السابق ، والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح .</p><p>- ولأن النهي لا لمعنى في البيع ، بل يعود إلى ضرب من الخديعة ، يمكن استدراكها بإثبات الخيار ، فأشبه بيع المصراة . وفارق بيع الحاضر للبادي ، فإنه لا يمكن استدراكه بالخيار ، إذ ليس الضرر عليه ، إنما هو على المسلمين .</p><p>- وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد ، أن التلقي فاسد ، وذلك لظاهر النهي . </p><p>قال ابن قدامة : والأول أصح . </p><p>ز - بيع الحاضر للبادي :</p><p>132 - ورد النّهي عنه في أحاديث منها ما رواه جابر رضي الله عنه مرفوعاً : « لا يبيع حاضر لباد ، دعوا النّاس يرزق اللّه بعضهم من بعض » . </p><p>وقد اختلف الفقهاء في المراد من بيع الحاضر للبادي . فذهب الجمهور إلى أنّ المراد : أن يكون الحاضر سمساراً للبادي ، لما يؤدّي إليه ذلك من الإضرار بأهل البلد لارتفاع السّعر ، وفسّر بغير ذلك . وللمنع شروط وتفصيلات من حيث الجواز وعدمه والصّحّة أو البطلان . وينظر ذلك في مصطلح : ( بيع الحاضر للبادي ) .</p><p>النّوع الثّاني : الأسباب الّتي تؤدّي إلى مخالفة دينيّة أو عباديّة محضة :</p><p>أ - البيع عند أذان الجمعة :</p><p>133 - أمر القرآن الكريم بترك البيع عند النّداء ( الأذان ) يوم الجمعة ، فقال تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا إذا نُودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسْعَوا إلى ذِكْر اللَّه وَذَرُوا البيعَ ، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } والأمر بترك البيع نهي عنه . ولم يختلف الفقهاء في أنّ هذا البيع محرّم لهذا النّصّ . غير أنّ للجمعة أذانين ، فعند أيّ الأذانين يعتبر مورد النّهي عن البيع .</p><p>أ - فمذهب جمهور الفقهاء ، ومنهم بعض الحنفيّة كالطّحاويّ ، أنّه الأذان الّذي جرى به التّوارث ، ولم يكن على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو أذان خطبة الجمعة بين يدي المنبر ، والإمام على المنبر ، فينصرف النّداء إليه . ولهذا قيّده المالكيّة والحنابلة بالأذان الثّاني . واستدلّوا لذلك بما يلي : </p><p>- ما روي عن السّائب بن يزيد رضي الله عنه ، قال : « كان النّداء يوم الجمعة أوّله إذا جلس الإمام على المنبر ، على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فلمّا كان عثمان رضي الله عنه وكثر النّاس ، زاد النّداء الثّالث على الزّوراء » . وفي رواية « زاد الثّاني » . وفي رواية « على دار في السّوق ، يقال لها : الزّوراء » وتسمية الأذان الأوّل في أيّامنا ، أذاناً ثالثاً ، لأنّ الإقامة - كما يقول ابن الهمام تسمّى أذاناً ، كما في الحديث « بين كلّ أذانين صلاة » - ولأنّ البيع عند هذا الأذان يشغل عن الصّلاة ، ويكون ذريعةً إلى فواتها ، أو فوات بعضها .</p><p>ب - والقول الأصحّ والمختار عند الحنفيّة ، وهو اختيار شمس الأئمّة ، أنّ المنهيّ عنه هو البيع عند الأذان الأوّل الّذي على المنارة ، وهو الّذي يجب السّعي عنده ، وهو الّذي رواه الحسن عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا وقع بعد الزّوال . </p><p>وعلّلوه بحصول الإعلام به . ولأنّه لو انتظر الأذان عند المنبر ، يفوته أداء السّنّة وسماع الخطبة ، وربّما تفوته الجمعة إذا كان بيته بعيداً من الجامع . </p><p>بل نقل الطّحاويّ عن صاحب البحر قوله ، فيما ذهب إليه الطّحاويّ : وهو ضعيف .</p><p>ج - وهناك رواية عن الإمام أحمد ، حكاها القاضي عنه ، وهي : أنّ البيع يحرم بزوال الشّمس ، وإن لم يجلس الإمام على المنبر . </p><p>وهذه الرّواية قريبة من مذهب الحنفيّة ، لكنّ ابن قدامة قرّر أنّها لا تصحّ من وجوه ، وهي : أنّ اللّه تعالى علّق النّهي عن البيع على النّداء ، لا على الوقت . ولأنّ المقصود بهذا إدراك الجمعة ، وهو يحصل بالنّداء عقيب جلوس الإمام على المنبر ، لا بما ذكره القاضي ، وهو زوال الشّمس ، وإن لم يجلس الإمام على المنبر . ولأنّه لو كان تحريم البيع معلّقاً بالوقت ، لما اختصّ بالزّوال ، فإنّ ما قبله وقت أيضاً ، لأنّ وقت الجمعة عند أحمد هو ما بين ارتفاع الشّمس قدر رمح إلى آخر وقت الظّهر . </p><p>الحكم التّكليفيّ فيه :</p><p>134 - جمهور الفقهاء على أنّ النّهي عن البيع عند الأذان هو للتّحريم ، صرّح به المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . أمّا الحنفيّة فقد ذكروا أنّ أقلّ أحوال النّهي الكراهة ، وأنّ ترك البيع واجب ، فيكره تحريماً من الطّرفين : البائع والمشتري على المذهب ، ويصحّ إطلاق الحرام عليه ، كما عبّر المرغينانيّ ويفترض تركه ، كما عبّر الشّرنبلاليّ .</p><p>قيود تحريم هذا البيع :</p><p>135 - إنّ هذا النّهي الّذي اقتضى التّحريم أو الكراهة ، مقيّد بقيود :</p><p>أ - أن يكون المشتغل بالبيع ممّن تلزمه الجمعة ، فلا يحرم البيع على المرأة والصّغير والمريض ، بل نصّ الحنفيّة على أنّ هذا النّهي قد خصّ منه من لا جمعة عليه . ومع ذلك ، فقد ذكر ابن أبي موسى - من الحنابلة - روايتين في غير المخاطبين ، والصّحيح عندهم أنّ التّحريم خاصّ بالمخاطبين بالجمعة . وذلك : لأنّ اللّه تعالى إنّما نهى عن البيع من أمره بالسّعي ، فغير المخاطبين بالسّعي لا يتناولهم النّهي . ولأنّ تحريم البيع معلّل بما يحصل به من الاشتغال عن الجمعة ، وهذا معدوم في حقّهم .</p><p>ب - وأن يكون المشتغل بالبيع عالماً بالنّهي ، كما نصّ عليه الشّافعيّة .</p><p>ج - انتفاء الضّرورة إلى البيع ، كبيع المضطرّ ما يأكله ، وبيع كفن ميّت خيف تغيّره بالتّأخير ، وإلاّ فلا حرمة ، وإن فاتت الجمعة - كما يقول الجمل من الشّافعيّة .</p><p>د - أن يكون البيع بعد الشّروع في أذان الخطبة - كما عبّر الجمهور - أو عنده - كما عبّر المالكيّة أيضاً .</p><p>هـ - ولم يتعرّض الحنفيّة للتّقييد بغير كون الأذان بعد الزّوال .</p><p>قياس غير البيع من العقود عليه في التّحريم :</p><p>136 - النّهي عند الجمهور شامل البيع والنّكاح وسائر العقود . بل نصّ الحنفيّة على وجوب ترك كلّ شيء يؤدّي إلى الاشتغال عن السّعي إلى الجمعة ، أو يخلّ به . </p><p>ونصّ المالكيّة على أنّه يفسخ بيع وإجارة وتولية وشركة وإقالة وشفعة ، لا نكاح وهبة وصدقة وكتابة وخلع . </p><p>ونصّ الشّافعيّة على حرمة الاشتغال بالعقود والصّنائع وغيرها ، ممّا فيه تشاغل عن الجمعة . وفي قول عند الحنابلة : أنّه يحرم غير البيع من العقود ، كالإجارة والصّلح والنّكاح ، لأنّها عقود معاوضة فأشبهت البيع . </p><p>والمذهب عند الحنابلة : تخصيص عقد البيع والشّراء فقط بالتّحريم وعدم الصّحّة ، بعد الشّروع في الأذان الثّاني ، فتصحّ عندهم سائر العقود من النّكاح والإجارة والصّلح وغيرها ، من القرض والرّهن والضّمان ( الكفالة ) ونحوها . لأنّ النّهي ورد في البيع وحده ، وغيره لا يساويه لقلّة وقوعه ، فلا تكون إباحته ذريعةً لفوات الجمعة ، ولا يصحّ قياسه عليه . ونصّوا على أنّ إمضاء البيع الّذي فيه خيار ، أو فسخه يصحّ ، ولا يعتبر مجرّد الإمضاء والفسخ في الخيار بيعاً .</p><p>استمرار تحريم البيع حتّى انقضاء الصّلاة :</p><p>137 - لا يكاد الفقهاء يختلفون في أنّ النّهي عن البيع عند الأذان ، يستمرّ حتّى الفراغ من الصّلاة ، ومن نصوصهم في ذلك : </p><p>- ويحرم البيع والنّكاح وسائر العقود ، من جلوس الخطيب إلى انقضاء الصّلاة . </p><p>- يستمرّ التّحريم إلى الفراغ من الجمعة . </p><p>- ويستمرّ تحريم البيع والصّناعات من الشّروع في الأذان الثّاني أو من الوقت الّذي إذا سعى فيه أدركها من منزل بعيد ، إلى انقضاء الصّلاة .</p><p>أحكام عامّة في البيع عند الأذان :</p><p>أوّلاً : حكم بيع من تلزمه الجمعة ممّن لا تلزمه :</p><p>138 - قرّر الفقهاء أنّ من لا تجب عليه الجمعة مستثنًى من حكم تحريم البيع عند الأذان ، إذا لم تجب الجمعة عليهما معاً ، فلو تبايع اثنان ممّن لا تلزمهم الجمعة ، لم يحرم ولم يكره - كما صرّح به الشّافعيّة - أمّا لو وجبت على أحدهما دون الآخر : </p><p>- فمذهب الجمهور من الحنفيّة والشّافعيّة ، أنّهما يأثمان جميعاً ، لأنّ الأوّل الّذي وجبت عليه ارتكب النّهي ، والآخر الّذي لم تجب عليه أعانه عليه . </p><p>- وفي قول ضُعِّف عند الشّافعيّة : أنّه يكره للآخر الّذي لم تجب عليه ، ولا يأثم . </p><p>- ونصّ المالكيّة على أنّ البيع وغيره يفسخ في هذه الحال ، حيث كانت ممّن تلزمه الجمعة ، ولو مع من لا تلزمه . </p><p>- ونصّ الحنابلة على أنّ البيع لا يصحّ بالنّسبة إلى من تلزمه الجمعة . ويكره البيع والشّراء للآخر الّذي لا تلزمه ، لما فيه من الإعانة على الإثم .</p><p>ثانياً : حكم التّبايع حال السّعي إلى الجامع وقد سمع النّداء :</p><p>139 - اختلف الفقهاء في هذه المسألة ، بسبب تحصيل السّاعي المقصود من النّهي مع التّلبّس بالنّهي عنه .</p><p>أ - فالرّاجح من مذهب الحنفيّة ، ومذهب الشّافعيّة ، وهو أحد قولين للمالكيّة : أنّهما إذا تبايعا وهما يمشيان ، لا يحرم . وقال ابن نجيم من الحنفيّة ، نقلاً عن السّراج : لا يكره إذا لم . يشغله . وقال الحصكفيّ : لا بأس به . </p><p>لكنّ النّهي عن البيع ورد مطلقاً فتخصيصه بالرّأي ببعض الوجوه نسخ على قاعدة الحنفيّة ، فلا يجوز بالرّأي ، وعلّل انتفاء الكراهة : بأنّ النّهي عن البيع عند الأذان ، معلّل بالإخلال بالسّعي ، فإذا انتفى الإخلال بالسّعي انتفى النّهي . </p><p>وأنّ النّصّ الكريم خصّ منه من لا جمعة عليه ، والعامّ إذا دخله التّخصيص صار ظنّيّاً ، فيجوز تخصيصه ثانياً بالرّأي ، أي بالاجتهاد . والمالكيّة علّلوا الجواز : بأنّ البيع في هذه الحال لم يشغلهما عن السّعي ، ونقلوه عن ابن عمر رضي الله عنهما .</p><p>ب - ومذهب بعض الحنفيّة - كصاحب النّهر والزّيلعيّ ، والحصكفيّ أوّلاً في باب الجمعة والشرنبلالي - وجوب ترك البيع ، ولو مع السّعي . وصرّح صاحب النّهر بأنّه الّذي ينبغي التّعويل عليه . وهذا نفسه قول آخر أيضاً للمالكيّة ، وهو الّذي يبدو من كلام الحنابلة ، وإن لم يواجهوا هذه المسألة بذاتها . </p><p>ولا تعليل لهذا الاتّجاه ، إلاّ ما ذهب إليه الشّرنبلاليّ من الحنفيّة ، من أنّه يخلّ بالسّعي ، فيجب تركه لإطلاق الأمر . وما ذهب إليه بعض المالكيّة ، من سدّ الذّريعة .</p><p>ثالثاً : حكم البيع في المسجد بعد السّعي :</p><p>140 - الفقهاء متّفقون على كراهته :</p><p>أ - فقد نصّ الحنفيّة على أنّ البيع على باب المسجد أو فيه عند الأذان الأوّل الواقع بعد الزّوال أعظم وزراً من البيع ماشياً إلى الجمعة .</p><p>ب - ونصّ الشّافعيّة على أنّ حرمة البيع ونحوه ، في حقّ من جلس له في غير المسجد ، أمّا إذا سمع النّداء فقعد في الجامع ، أو في محلّ قريب منه وباع ، لا يحرم . لكنّ البيع في المسجد مكروه ، وصرّح ابن حجر وغيره بأنّ كلامهم للتّحريم أقرب .</p><p>ج - ونصّ الحنابلة على كراهة شرب الماء بعد النّداء ، بثمن حاضر أو في الذّمّة ( كما يحدث في الحرمين ) بل أشاروا إلى أنّ مقتضى عدم صحّة البيع والشّراء بعد الشّروع في النّداء هو التّحريم ، وخصوصاً إذا كان هذا في المسجد ، إلاّ أن يقال : ليس هذا بيعاً حقيقةً ، بل هو إباحة ، ثمّ تقع الإنابة عنها .</p><p>رابعاً : حكم البيع قبل الأذان الثّاني ، بعد الزّوال :</p><p>141 - المعتبر عند الحنفيّة في وجوب السّعي وترك البيع ، هو دخول الوقت ، ولهذا قيّدوا به الأذان فيما تقدّم ، فانبغى بذلك ثبوت كراهة البيع بعد الزّوال ، وانتفاؤها قبله . </p><p>وقد نصّ الشّافعيّة - كذلك - على كراهة البيع ونحوه ، قبل الأذان الثّاني والجلوس للخطبة إذا كان بعد الزّوال ، وذلك لدخول وقت الوجوب ، أمّا العقد قبل الزّوال فلا يكره . </p><p>وهذان الحكمان مقيّدان عندهم ، بما إذا كان العاقد لا يلزمه السّعي حينئذ ، وإلاّ بأن كان لا يدرك الجمعة إلاّ بذهابه في هذا الوقت ، فيحرم عليه ذلك العقد .</p><p>خامساً : شمول النّهي كلّ ما يشغل عن الجمعة :</p><p>142 - الفقهاء متّفقون على تحريم أو كراهة كلّ ما يشغل عن السّعي إلى الجمعة بعد النّداء - على اختلافهم فيه - ويجب ترك كلّ شيء يشغل عن السّعي إليها : كإنشاء السّفر عند النّداء ، والأكل ، والخياطة ، والصّناعات كلّها : كالمساومة ، والمناداة ، والكتابة ، وكذا الاشتغال بالعبادة ، وكذا المكث في بيته بعياله أو غيرهم ، ولو كان منزله بباب المسجد أو قريباً منه ، بل يجب عليه المبادرة إلى الجامع عملاً بالآية .</p><p>سادساً : هل المعتبر في الأذان أوّله أو تمامه ؟</p><p>143 - نصّ المالكيّة على أنّ المعتبر في الأذان بأوّله لا بتمامه ، فإن كبّر المؤذّن حرم البيع ، لأنّ التّحريم متعلّق بالنّداء .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41114, member: 329"] د - السّوم ، والشّراء على شراء أخيه . 122 - أمّا السّوم على السّوم فمن صوره : ما إذا تساوم رجلان ، فطلب البائع بسلعته ثمناً ، ورضي المشتري بذلك الثّمن ، فجاء مشتر آخر ، ودخل على سوم الأوّل ، فاشتراه بزيادة أو بذلك الثّمن نفسه . لكنّه رجل وجيه ، فباعه منه البائع لوجاهته . 123 - وأمّا الشّراء على الشّراء فمن صوره : أن يأمر شخص البائع بفسخ العقد ليشتريه هو بأكثر ، أو يجيء شخص إلى البائع قبل لزوم العقد ، ليدفع في المبيع أكثر من الثّمن الّذي اشتري به ، ليفسخ البيع ويعقد معه . وقيّد الحنفيّة منع هذا الشّراء أو السّوم بما إذا اتّفق المتبايعان على الثّمن أو تراضيا ، أو جنح البائع إلى البيع بالثّمن الّذي سمّاه المشتري ، وأمّا إذا لم يجنح ولم يرضه ، فلا بأس لغيره أن يشتريه بأزيد ، لأنّ هذا بيع من يزيد ، ولا كراهة فيه ، كما سيأتي . وقيّد الشّافعيّة المنع بأن يكون الشّراء قبل اللّزوم ، أي زمن الخيار - كما عبّر القاضي - أو يكون بعد اللّزوم ، وقد اطّلع على عيب - كما مرّ في البيع على بيع غيره - أمّا الحنابلة فللسّوم على السّوم عندهم صور : الأولى : أن يوجد من البائع تصريح بالرّضا بالبيع ، فهذا يحرم السّوم على غير المشتري . الثّانية : أن يظهر منه ما يدلّ على عدم الرّضا فلا يحرم السّوم . الثّالثة : أن لا يوجد ما يدلّ على الرّضا أو عدمه ، فلا يجوز السّوم لغيره أيضاً . الرّابعة : أن يظهر منه ما يدلّ على الرّضا من غير تصريح . فقال القاضي : لا يحرم السّوم . وقال ابن قدامة : يحرم . كما قيّده الشّافعيّة أيضاً بأن يكون بغير إذن له من المشتري ، فلو وقع الإذن من أحدهما لم يحرم ، لأنّ الحقّ لهما وقد أسقطاه ، ولمفهوم الخبر السّابق : « حتّى يبتاع أو يذر » . وقرّروا : أنّ المعتبر إذن المالك ، لا الوليّ والوصيّ والوكيل ، إن كان فيه ضرر على المالك ، وأنّ موضع الجواز مع الإذن إذا دلّت الحال على الرّضا باطناً ، فإن دلّت على عدمه ، وأنّه إنّما أذن ضجراً وحنقاً فلا ، كما قاله الأذرعيّ منهم . حكمه : 124 - هذا الشّراء أو السّوم بهذه الصّور والقيود منهيّ عنه ، غير جائز عند الجميع ، لكنّه صحيح عند الجمهور ، باطل عند الحنابلة إلاّ في وجه محتمل للصّحّة عندهم كالجمهور . والحنفيّة يعنون بعدم الجواز كراهة التّحريم ، لا الحرمة . أ - فدليل الشّافعيّة ، والوجه المحتمل عند الحنابلة على الحرمة مع صحّة الشّراء . حديث « لا يبع بعضكم على بيع بعض » المتقدّم . فقال المحلّيّ : وفي معناه الشّراء على الشّراء . وأشار البهوتيّ إلى أنّ التّحريم بالقياس على البيع ، ولأنّ الشّراء يسمّى بيعاً . ولأنّ فيه إيذاءً ، قال المحلّيّ : المعنى في تحريم ذلك : الإيذاء للعالم بالنّهي عنه . ولأنّه إذا صحّ الفسخ الّذي حصل به الضّرر ، فالبيع المحصّل للمصلحة أولى . ولأنّ النّهي لحقّ آدميّ ، فأشبه بيع النّجش . ب - ودليل الحنفيّة على الكراهة مع صحّة الشّراء : حديث أبي هريرة « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى أن يتلقّى الرّكبان ، ولا يبيع حاضر لباد ، وأن تسأل المرأة طلاق أختها ، وعن النّجش والتّصرية ، وأن يستام الرّجل على سوم أخيه » . وقرّر الحنفيّة أنّ هذا الحديث نصّ في النّهي عن الاستيام ، فلا حاجة - كما أوضح ابن الهمام - إلى جعل لفظ البيع في حديث : « لا يبع أحدكم على بيع أخيه » جامعاً للبيع والشّراء مجازاً ، إنّما يحتاج إلى ذلك لو لم يرد حديث الاستيام ، ولأنّ في ذلك إيحاشاً وإضراراً به فيكره . قال الكاسانيّ : والنّهي لمعنًى في غير البيع ، وهو الإيذاء ، فكان نفس البيع مشروعاً ، فيجوز شراؤه ، ولكنّه يكره . ج - ودليل الحنابلة على التّحريم والبطلان ، أنّ هذا منهيّ عنه ، والنّهي يقتضي الفساد . 125 - وفيما يلي بعض الفروع والتّفصيلات المتعلّقة بالسّوم ، والشّراء على شراء الآخرين : أ - نصّ الحنفيّة على أنّ السّوم على سوم الآخرين مكروه ، ولو كان المستام عليه ذمّيّاً أو مستأمناً . وقالوا : ذكر الأخ في الحديث ليس قيداً ، بل لزيادة التّنفير ، لأنّ السّوم على السّوم يوجب إيحاشاً وإضراراً ، وهو في حقّ الأخ أشدّ منعاً ، فهو كما في قوله في الغيبة : « ذِكْرُك أخاك بما يَكْره » إذ لا خفاء في منع غيبة الذّمّيّ . وقرّر الشّافعيّة أنّ ذكر الرّجل خرج مخرج الغالب ، كما أنّ تخصيص الأخ لإثارة الرّقّة والعطف عليه ، وسرعة امتثاله ، فغيرهما مثلهما . فالذّمّيّ والمعاهد والمستأمن مثل المسلم . وخرج الحربيّ والمرتدّ فلا يحرم . ب - ألحق الحنفيّة الإجارة بالبيع في منع السّوم على السّوم ، إذ هي بيع المنافع . كما ألحق الحنابلة جملةً من العقود ، كالقرض والهبة وغيرهما ، قياساً على البيع ، وكلّها تحرم ولا تصحّ للإيذاء . ج - ألحق الماورديّ من الشّافعيّة بالشّراء على الشّراء ، تحريم طلب السّلعة من المشتري بأكثر - والبائع حاضر - قبل اللّزوم ، لأدائه إلى الفسخ أو النّدم . د - وكذلك قاس الشّافعيّة على كلام الماورديّ في التّحريم ، ما لو طلب شخص من البائع ، في زمن الخيار ، شيئاً من جنس السّلعة المبيعة ، بأكثر من الثّمن الّذي باع به ، لا سيّما إن طلب منه مقداراً لا يكمل إلاّ بانضمام ما بيع منها . هـ -وصرّحوا أيضاً بحرمة ما ذكر ، سواء أبلغ المبيع قيمته أم نقص عنها – على المعتمد عندهم - . و - وتكلّموا أيضاً في مسألة تعريف المغبون في الشّراء بغبنه ، فصرّح ابن حجر بأنّه لا محذور فيه ، لأنّه من النّصيحة الواجبة ، لكنّه استظهر أنّ محلّه في غبن نشأ عن نحو غشّ البائع ، فلم يبال بإضراره ، لأنّه آثم . بخلاف ما إذا نشأ لا عن نحو تقصير منه ، لأنّ الفسخ ضرر عليه ، والضّرر لا يزال بالضّرر . وصرّح الشّروانيّ بأنّه إذا علم المشتري الثّاني بالمبيع عيباً ، وجب إعلام المشتري به ، وهذا صادق بما إذا كان البائع جاهلاً بالعيب ، مع أنّه لا تقصير منه حينئذ ، ولا فرق بين هذا وبين الغبن ، لأنّ الملحظ حصول الضّرر ، وأشار إلى أنّ هذا محلّ تأمّل ، ورأى أنّ وجوب النّصيحة يقتضي وجوب تعريف المغبون ، وإن نشأ الغبن من تقصيره ، ولكنّها تحصل بالتّعريف من غير بيع . 126 - واستثنى الفقهاء بيع المزايدة بالمناداة ، ويسمّى بيع الدّلالة . ويسمّى أيضاً : المزايدة . استثنوها من الشّراء على الشّراء ، ومن السّوم على سوم أخيه . وهي : أن ينادى على السّلعة ، ويزيد النّاس فيها بعضهم على بعض ، حتّى تقف على آخر زائد فيها فيأخذها . وهذا بيع جائز بإجماع المسلمين ، كما صرّح به الحنابلة ، فصحّحوه ولم يكرهوه . وقيّده الشّافعيّة بأمرين : أن لا يكون فيه قصد الإضرار بأحد ، وبإرادة الشّراء ، وإلاّ حرمت الزّيادة ، لأنّها من النّجش . 127 - ودليل جواز بيع المزايدة : - ما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه « أنّ رجلاً من الأنصار أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسأله فقال له : ما في بيتك شيء ؟ قال : بلى ، حِلْس يلبس بعضه ، ويبسط بعضه ، وقَعْب يشرب فيه الماء . قال : ائتني بهما . فأتاه بهما ، فأخذهما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقال : من يشتري هذين ؟ فقال رجل : أنا آخذهما بدرهم ، قال : من يزيد على درهم ؟ مرّتين أو ثلاثاً ، فقال رجل : أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إيّاه ، وأخذ الدّرهمين ، فأعطاهما الأنصاريّ ، وقال : اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوماً ، فائْتني به . فأتاه به ، فشدّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ، ثمّ قال له : اذهب فاحتطب وبع ، ولا أرينك خمسة عشر يوماً . فذهب الرّجل يحتطب ويبيع ، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشترى ببعضها ثوباً ، وببعضها طعاماً ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتةً في وجهك يوم القيامة . إنّ المسألة لا تصلح إلاّ لثلاثة : لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع » . قال الكاسانيّ في تعليقه على هذا الحديث : وما كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليبيع بيعاً مكروهاً . - والدّليل الثّاني : أنّ المسلمين لم يزالوا يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة . - وأنّه بيع الفقراء ، كما قال المرغينانيّ ، والحاجة ماسة إليه . - ولأنّ النّهي إنّما ورد عن السّوم حال البيع ، وحال المزايدة خارج عن البيع . وتفصيل أحكام ( المزايدة ) في مصطلحها . هـ - النّجش : 128 - النَجْش هو بسكون الجيم مصدر ، وبالفتح اسم مصدر ، ومن معانيه اللّغويّة : الإثارة . يقال : نجش الطّائر : إذا أثاره من مكانه . قال الفيّوميّ : نجش الرّجل ينجش نجشاً : إذا زاد في سلعة أكثر من ثمنها ، وليس قصده أن يشتريها ، بل ليغرّ غيره ، فيوقعه فيه ، وكذلك في النّكاح وغيره . وأصل النّجش : الاستتار ، لأنّ النّاجش يستر قصده ، ومنه يقال للصّائد : ناجش لاستتاره . وقد عرّفه الفقهاء بأن يزيد الرّجل في الثّمن ولا يريد الشّراء ، ليرغّب غيره . أو أن يمدح المبيع بما ليس فيه ليروّجه . وقد ورد النّهي عنه ، في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « لا تلقّوا الرّكبان ، ولا يبيع بعضكم على بيع بعض ، ولا تناجشوا ، ولا يبيع حاضر لباد ، ولا تصرّوا الغنم » . وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن النّجش » أ - فمذهب جمهور الفقهاء : أنّه حرام ، وذلك لثبوت النّهي عنه ، على ما سبق . ولما فيه من خديعة المسلم ، وهي حرام . ب - ومذهب الحنفيّة : أنّه مكروه تحريماً إذا بلغت السّلعة قيمتها ، أمّا إذا لم تبلغ فلا يكره ، لانتفاء الخداع . ذلك حكمه التّكليفيّ . أمّا حكمه الوضعيّ : أ - فمذهب جمهور الفقهاء ، من الحنفيّة والشّافعيّة ، والصّحيح عند الحنابلة : أنّ البيع صحيح ، لأنّ النّجش فعل النّاجش لا العاقد ، فلم يؤثّر في البيع ، والنّهي لحقّ الآدميّ فلم يفسد العقد ، كتلقّي الرّكبان وبيع المعيب والمدلّس ، بخلاف ما كان حقّاً للّه ، لأنّ حقّ العبد ينجبر بالخيار أو زيادة الثّمن . ب - ومذهب مالك ، وهو رواية عن أحمد : أنّه لا يصحّ بيع النّجش ، لأنّه منهيّ عنه ، والنّهي يقتضي الفساد . ومع ذلك فقد نصّ الفقهاء على خيار الفسخ في هذا البيع : - فالمالكيّة قالوا : إن علم البائع بالنّاجش وسكت ، فللمشتري ردّ المبيع إن كان قائماً ، وله التّمسّك به ، فإن فات المبيع فالواجب القيمة يوم القبض إن شاء ، وإن شاء أدّى ثمن النّجش . وإن لم يعلم البائع بالنّاجش ، فلا كلام للمشتري ، ولا يفسد البيع ، والإثم على من فعل ذلك . وهذا قول عند الشّافعيّة ، حيث جعلوا للمشتري الخيار عند التّواطؤ . - والأصحّ عند الشّافعيّة أنّه لا خيار للمشتري لتفريطه . - ويقول الحنابلة : البيع صحيح سواء أكان النّجش بمواطأة من البائع أم لم يكن ، لكن إن كان في البيع غبن لم تجر العادة بمثله فالخيار للمشتري بين الفسخ والإمضاء ، كما في تلقّي الرّكبان ، وإن كان يتغابن بمثله فلا خيار له . وفيه أحكام تفصيليّة تراجع في مصطلح : ( نجش ) . و - تلقّي الجلب أو الرّكبان أو السّلع : 129 - عبّر الحنفيّة بتلقّي الجلب ، وعبّر المالكيّة بتلقّي السّلع . قال خليل : كتلقّي السّلع أو صاحبها . وعبّر ابن جزيّ منهم بتلقّي السّلعة . وعبّر الشّافعيّة والحنابلة بتلقّي الرّكبان . والتّلقّي : هو الخروج من البلد الّتي يجلب إليها القوت ( ونحوه ) . والجلب - بفتحتين - بمعنى الجالب ، أو هو بمعنى المجلوب ، فهو فعل بمعنى مفعول ، وهو ما تجلبه من بلد إلى بلد ، وهذا هو المراد بتلقّي السّلع في تعبير المالكيّة . كما أنّ الرّكبان - في تعبير الشّافعيّة والحنابلة - جمع راكب ، والتّعبير به جرى على الغالب ، والمراد القادم ولو واحداً أو ماشياً . حكم التّلقّي التّكليفيّ : 130 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ بيع التّلقّي محرّم ، لثبوت النّهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم : « لا تلقّوا الجَلَب ، فمن تلقّاه فاشترى منه ، فإذا أتى سيّده "أي صاحبه" السّوق فهو بالخيار » . والحنفيّة ذهبوا إلى كراهة التّلقّي ، وذلك للضّرر أو الغرر ، أو كما قال الكاسانيّ : لأنّ البيع مشروع في ذاته ، والنّهي في غيره ، وهو الإضرار بالعامّة على التّفسير الأوّل - الّذي ذكرناه عندهم - وتغرير أصحاب السّلع على التّفسير الثّاني ، فإذا لم يكن هناك ضرر أو غرر فلا بأس ، ولا يكره ، كما صرّح بذلك المرغينانيّ والكرلانيّ والكاسانيّ والزّيلعيّ والحصكفيّ ، لانعدام الضّرر . فقول ابن قدامة : وحكي عن أبي حنيفة أنّه لم ير بذلك بأساً ، وسنّة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحقّ أن تتّبع . ليس على إطلاقه . وفسخ المكروه - من البياعات - واجب على كلّ واحد منهما ، لرفع الإثم ، وهي عند الإطلاق عندهم للتّحريم ، كما هنا ، وكما في كلّ بيع مكروه . حكم التلقي الوضعي : 131 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أن بيع التلقي صحيح ، ولا يفسد العقد به . ونقل ابن قدامة عن ابن عبد البر أن البيع صحيح في قول الجميع ، وعلل الصحة : - بإثبات الخيار في حديث أبي هريرة السابق ، والخيار لا يكون إلا في عقد صحيح . - ولأن النهي لا لمعنى في البيع ، بل يعود إلى ضرب من الخديعة ، يمكن استدراكها بإثبات الخيار ، فأشبه بيع المصراة . وفارق بيع الحاضر للبادي ، فإنه لا يمكن استدراكه بالخيار ، إذ ليس الضرر عليه ، إنما هو على المسلمين . - وفي رواية أخرى عن الإمام أحمد ، أن التلقي فاسد ، وذلك لظاهر النهي . قال ابن قدامة : والأول أصح . ز - بيع الحاضر للبادي : 132 - ورد النّهي عنه في أحاديث منها ما رواه جابر رضي الله عنه مرفوعاً : « لا يبيع حاضر لباد ، دعوا النّاس يرزق اللّه بعضهم من بعض » . وقد اختلف الفقهاء في المراد من بيع الحاضر للبادي . فذهب الجمهور إلى أنّ المراد : أن يكون الحاضر سمساراً للبادي ، لما يؤدّي إليه ذلك من الإضرار بأهل البلد لارتفاع السّعر ، وفسّر بغير ذلك . وللمنع شروط وتفصيلات من حيث الجواز وعدمه والصّحّة أو البطلان . وينظر ذلك في مصطلح : ( بيع الحاضر للبادي ) . النّوع الثّاني : الأسباب الّتي تؤدّي إلى مخالفة دينيّة أو عباديّة محضة : أ - البيع عند أذان الجمعة : 133 - أمر القرآن الكريم بترك البيع عند النّداء ( الأذان ) يوم الجمعة ، فقال تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا إذا نُودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسْعَوا إلى ذِكْر اللَّه وَذَرُوا البيعَ ، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون } والأمر بترك البيع نهي عنه . ولم يختلف الفقهاء في أنّ هذا البيع محرّم لهذا النّصّ . غير أنّ للجمعة أذانين ، فعند أيّ الأذانين يعتبر مورد النّهي عن البيع . أ - فمذهب جمهور الفقهاء ، ومنهم بعض الحنفيّة كالطّحاويّ ، أنّه الأذان الّذي جرى به التّوارث ، ولم يكن على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو أذان خطبة الجمعة بين يدي المنبر ، والإمام على المنبر ، فينصرف النّداء إليه . ولهذا قيّده المالكيّة والحنابلة بالأذان الثّاني . واستدلّوا لذلك بما يلي : - ما روي عن السّائب بن يزيد رضي الله عنه ، قال : « كان النّداء يوم الجمعة أوّله إذا جلس الإمام على المنبر ، على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فلمّا كان عثمان رضي الله عنه وكثر النّاس ، زاد النّداء الثّالث على الزّوراء » . وفي رواية « زاد الثّاني » . وفي رواية « على دار في السّوق ، يقال لها : الزّوراء » وتسمية الأذان الأوّل في أيّامنا ، أذاناً ثالثاً ، لأنّ الإقامة - كما يقول ابن الهمام تسمّى أذاناً ، كما في الحديث « بين كلّ أذانين صلاة » - ولأنّ البيع عند هذا الأذان يشغل عن الصّلاة ، ويكون ذريعةً إلى فواتها ، أو فوات بعضها . ب - والقول الأصحّ والمختار عند الحنفيّة ، وهو اختيار شمس الأئمّة ، أنّ المنهيّ عنه هو البيع عند الأذان الأوّل الّذي على المنارة ، وهو الّذي يجب السّعي عنده ، وهو الّذي رواه الحسن عن أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - إذا وقع بعد الزّوال . وعلّلوه بحصول الإعلام به . ولأنّه لو انتظر الأذان عند المنبر ، يفوته أداء السّنّة وسماع الخطبة ، وربّما تفوته الجمعة إذا كان بيته بعيداً من الجامع . بل نقل الطّحاويّ عن صاحب البحر قوله ، فيما ذهب إليه الطّحاويّ : وهو ضعيف . ج - وهناك رواية عن الإمام أحمد ، حكاها القاضي عنه ، وهي : أنّ البيع يحرم بزوال الشّمس ، وإن لم يجلس الإمام على المنبر . وهذه الرّواية قريبة من مذهب الحنفيّة ، لكنّ ابن قدامة قرّر أنّها لا تصحّ من وجوه ، وهي : أنّ اللّه تعالى علّق النّهي عن البيع على النّداء ، لا على الوقت . ولأنّ المقصود بهذا إدراك الجمعة ، وهو يحصل بالنّداء عقيب جلوس الإمام على المنبر ، لا بما ذكره القاضي ، وهو زوال الشّمس ، وإن لم يجلس الإمام على المنبر . ولأنّه لو كان تحريم البيع معلّقاً بالوقت ، لما اختصّ بالزّوال ، فإنّ ما قبله وقت أيضاً ، لأنّ وقت الجمعة عند أحمد هو ما بين ارتفاع الشّمس قدر رمح إلى آخر وقت الظّهر . الحكم التّكليفيّ فيه : 134 - جمهور الفقهاء على أنّ النّهي عن البيع عند الأذان هو للتّحريم ، صرّح به المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . أمّا الحنفيّة فقد ذكروا أنّ أقلّ أحوال النّهي الكراهة ، وأنّ ترك البيع واجب ، فيكره تحريماً من الطّرفين : البائع والمشتري على المذهب ، ويصحّ إطلاق الحرام عليه ، كما عبّر المرغينانيّ ويفترض تركه ، كما عبّر الشّرنبلاليّ . قيود تحريم هذا البيع : 135 - إنّ هذا النّهي الّذي اقتضى التّحريم أو الكراهة ، مقيّد بقيود : أ - أن يكون المشتغل بالبيع ممّن تلزمه الجمعة ، فلا يحرم البيع على المرأة والصّغير والمريض ، بل نصّ الحنفيّة على أنّ هذا النّهي قد خصّ منه من لا جمعة عليه . ومع ذلك ، فقد ذكر ابن أبي موسى - من الحنابلة - روايتين في غير المخاطبين ، والصّحيح عندهم أنّ التّحريم خاصّ بالمخاطبين بالجمعة . وذلك : لأنّ اللّه تعالى إنّما نهى عن البيع من أمره بالسّعي ، فغير المخاطبين بالسّعي لا يتناولهم النّهي . ولأنّ تحريم البيع معلّل بما يحصل به من الاشتغال عن الجمعة ، وهذا معدوم في حقّهم . ب - وأن يكون المشتغل بالبيع عالماً بالنّهي ، كما نصّ عليه الشّافعيّة . ج - انتفاء الضّرورة إلى البيع ، كبيع المضطرّ ما يأكله ، وبيع كفن ميّت خيف تغيّره بالتّأخير ، وإلاّ فلا حرمة ، وإن فاتت الجمعة - كما يقول الجمل من الشّافعيّة . د - أن يكون البيع بعد الشّروع في أذان الخطبة - كما عبّر الجمهور - أو عنده - كما عبّر المالكيّة أيضاً . هـ - ولم يتعرّض الحنفيّة للتّقييد بغير كون الأذان بعد الزّوال . قياس غير البيع من العقود عليه في التّحريم : 136 - النّهي عند الجمهور شامل البيع والنّكاح وسائر العقود . بل نصّ الحنفيّة على وجوب ترك كلّ شيء يؤدّي إلى الاشتغال عن السّعي إلى الجمعة ، أو يخلّ به . ونصّ المالكيّة على أنّه يفسخ بيع وإجارة وتولية وشركة وإقالة وشفعة ، لا نكاح وهبة وصدقة وكتابة وخلع . ونصّ الشّافعيّة على حرمة الاشتغال بالعقود والصّنائع وغيرها ، ممّا فيه تشاغل عن الجمعة . وفي قول عند الحنابلة : أنّه يحرم غير البيع من العقود ، كالإجارة والصّلح والنّكاح ، لأنّها عقود معاوضة فأشبهت البيع . والمذهب عند الحنابلة : تخصيص عقد البيع والشّراء فقط بالتّحريم وعدم الصّحّة ، بعد الشّروع في الأذان الثّاني ، فتصحّ عندهم سائر العقود من النّكاح والإجارة والصّلح وغيرها ، من القرض والرّهن والضّمان ( الكفالة ) ونحوها . لأنّ النّهي ورد في البيع وحده ، وغيره لا يساويه لقلّة وقوعه ، فلا تكون إباحته ذريعةً لفوات الجمعة ، ولا يصحّ قياسه عليه . ونصّوا على أنّ إمضاء البيع الّذي فيه خيار ، أو فسخه يصحّ ، ولا يعتبر مجرّد الإمضاء والفسخ في الخيار بيعاً . استمرار تحريم البيع حتّى انقضاء الصّلاة : 137 - لا يكاد الفقهاء يختلفون في أنّ النّهي عن البيع عند الأذان ، يستمرّ حتّى الفراغ من الصّلاة ، ومن نصوصهم في ذلك : - ويحرم البيع والنّكاح وسائر العقود ، من جلوس الخطيب إلى انقضاء الصّلاة . - يستمرّ التّحريم إلى الفراغ من الجمعة . - ويستمرّ تحريم البيع والصّناعات من الشّروع في الأذان الثّاني أو من الوقت الّذي إذا سعى فيه أدركها من منزل بعيد ، إلى انقضاء الصّلاة . أحكام عامّة في البيع عند الأذان : أوّلاً : حكم بيع من تلزمه الجمعة ممّن لا تلزمه : 138 - قرّر الفقهاء أنّ من لا تجب عليه الجمعة مستثنًى من حكم تحريم البيع عند الأذان ، إذا لم تجب الجمعة عليهما معاً ، فلو تبايع اثنان ممّن لا تلزمهم الجمعة ، لم يحرم ولم يكره - كما صرّح به الشّافعيّة - أمّا لو وجبت على أحدهما دون الآخر : - فمذهب الجمهور من الحنفيّة والشّافعيّة ، أنّهما يأثمان جميعاً ، لأنّ الأوّل الّذي وجبت عليه ارتكب النّهي ، والآخر الّذي لم تجب عليه أعانه عليه . - وفي قول ضُعِّف عند الشّافعيّة : أنّه يكره للآخر الّذي لم تجب عليه ، ولا يأثم . - ونصّ المالكيّة على أنّ البيع وغيره يفسخ في هذه الحال ، حيث كانت ممّن تلزمه الجمعة ، ولو مع من لا تلزمه . - ونصّ الحنابلة على أنّ البيع لا يصحّ بالنّسبة إلى من تلزمه الجمعة . ويكره البيع والشّراء للآخر الّذي لا تلزمه ، لما فيه من الإعانة على الإثم . ثانياً : حكم التّبايع حال السّعي إلى الجامع وقد سمع النّداء : 139 - اختلف الفقهاء في هذه المسألة ، بسبب تحصيل السّاعي المقصود من النّهي مع التّلبّس بالنّهي عنه . أ - فالرّاجح من مذهب الحنفيّة ، ومذهب الشّافعيّة ، وهو أحد قولين للمالكيّة : أنّهما إذا تبايعا وهما يمشيان ، لا يحرم . وقال ابن نجيم من الحنفيّة ، نقلاً عن السّراج : لا يكره إذا لم . يشغله . وقال الحصكفيّ : لا بأس به . لكنّ النّهي عن البيع ورد مطلقاً فتخصيصه بالرّأي ببعض الوجوه نسخ على قاعدة الحنفيّة ، فلا يجوز بالرّأي ، وعلّل انتفاء الكراهة : بأنّ النّهي عن البيع عند الأذان ، معلّل بالإخلال بالسّعي ، فإذا انتفى الإخلال بالسّعي انتفى النّهي . وأنّ النّصّ الكريم خصّ منه من لا جمعة عليه ، والعامّ إذا دخله التّخصيص صار ظنّيّاً ، فيجوز تخصيصه ثانياً بالرّأي ، أي بالاجتهاد . والمالكيّة علّلوا الجواز : بأنّ البيع في هذه الحال لم يشغلهما عن السّعي ، ونقلوه عن ابن عمر رضي الله عنهما . ب - ومذهب بعض الحنفيّة - كصاحب النّهر والزّيلعيّ ، والحصكفيّ أوّلاً في باب الجمعة والشرنبلالي - وجوب ترك البيع ، ولو مع السّعي . وصرّح صاحب النّهر بأنّه الّذي ينبغي التّعويل عليه . وهذا نفسه قول آخر أيضاً للمالكيّة ، وهو الّذي يبدو من كلام الحنابلة ، وإن لم يواجهوا هذه المسألة بذاتها . ولا تعليل لهذا الاتّجاه ، إلاّ ما ذهب إليه الشّرنبلاليّ من الحنفيّة ، من أنّه يخلّ بالسّعي ، فيجب تركه لإطلاق الأمر . وما ذهب إليه بعض المالكيّة ، من سدّ الذّريعة . ثالثاً : حكم البيع في المسجد بعد السّعي : 140 - الفقهاء متّفقون على كراهته : أ - فقد نصّ الحنفيّة على أنّ البيع على باب المسجد أو فيه عند الأذان الأوّل الواقع بعد الزّوال أعظم وزراً من البيع ماشياً إلى الجمعة . ب - ونصّ الشّافعيّة على أنّ حرمة البيع ونحوه ، في حقّ من جلس له في غير المسجد ، أمّا إذا سمع النّداء فقعد في الجامع ، أو في محلّ قريب منه وباع ، لا يحرم . لكنّ البيع في المسجد مكروه ، وصرّح ابن حجر وغيره بأنّ كلامهم للتّحريم أقرب . ج - ونصّ الحنابلة على كراهة شرب الماء بعد النّداء ، بثمن حاضر أو في الذّمّة ( كما يحدث في الحرمين ) بل أشاروا إلى أنّ مقتضى عدم صحّة البيع والشّراء بعد الشّروع في النّداء هو التّحريم ، وخصوصاً إذا كان هذا في المسجد ، إلاّ أن يقال : ليس هذا بيعاً حقيقةً ، بل هو إباحة ، ثمّ تقع الإنابة عنها . رابعاً : حكم البيع قبل الأذان الثّاني ، بعد الزّوال : 141 - المعتبر عند الحنفيّة في وجوب السّعي وترك البيع ، هو دخول الوقت ، ولهذا قيّدوا به الأذان فيما تقدّم ، فانبغى بذلك ثبوت كراهة البيع بعد الزّوال ، وانتفاؤها قبله . وقد نصّ الشّافعيّة - كذلك - على كراهة البيع ونحوه ، قبل الأذان الثّاني والجلوس للخطبة إذا كان بعد الزّوال ، وذلك لدخول وقت الوجوب ، أمّا العقد قبل الزّوال فلا يكره . وهذان الحكمان مقيّدان عندهم ، بما إذا كان العاقد لا يلزمه السّعي حينئذ ، وإلاّ بأن كان لا يدرك الجمعة إلاّ بذهابه في هذا الوقت ، فيحرم عليه ذلك العقد . خامساً : شمول النّهي كلّ ما يشغل عن الجمعة : 142 - الفقهاء متّفقون على تحريم أو كراهة كلّ ما يشغل عن السّعي إلى الجمعة بعد النّداء - على اختلافهم فيه - ويجب ترك كلّ شيء يشغل عن السّعي إليها : كإنشاء السّفر عند النّداء ، والأكل ، والخياطة ، والصّناعات كلّها : كالمساومة ، والمناداة ، والكتابة ، وكذا الاشتغال بالعبادة ، وكذا المكث في بيته بعياله أو غيرهم ، ولو كان منزله بباب المسجد أو قريباً منه ، بل يجب عليه المبادرة إلى الجامع عملاً بالآية . سادساً : هل المعتبر في الأذان أوّله أو تمامه ؟ 143 - نصّ المالكيّة على أنّ المعتبر في الأذان بأوّله لا بتمامه ، فإن كبّر المؤذّن حرم البيع ، لأنّ التّحريم متعلّق بالنّداء . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية