الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41115" data-attributes="member: 329"><p>الحكم الوضعيّ فيه :</p><p>144 - جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة ، وبعض المالكيّة ، يرون أنّ عقد البيع يقع صحيحاً ، لأنّ المنع منه لمعنًى في غير البيع ، خارج عنه ، وهو ترك السّعي ، فكان البيع في الأصل مشروعاً جائزاً ، لكنّه يكره تحريماً ، لأنّه اتّصل به أمر غير مشروع ، وهو ترك السّعي .</p><p>ويتفرّع عن صحّة البيع الأمور التّالية :</p><p>أ - عدم وجوب فسخه ، في أحد قولين عند الحنفيّة ، وأحد قولين عند المالكيّة أيضاً ، فقد قال الشّيخ العدويّ : وهناك قول آخر يقول : لا فسخ ، والبيع ماض ، ويستغفر اللّه .</p><p>ب - وجوب الثّمن لا القيمة .</p><p>ج - ثبوت ملك المبيع قبل القبض . لكنّ مشهور مذهب المالكيّة : أنّ هذا البيع كالبيع الفاسد يفسخ ، ويردّ من يد المشتري ما لم يفت بيده ، فإن فات - بتغيّر سوق - مضى العقد ، ولزم المشتري القيمة حين القبض على المشهور . وقيل بالقيمة حين البيع . والّذين نصّوا من المالكيّة على وجوب فسخ البيع ، ألحقوا به نحو البيع ، من الإجارة والشّركة والإقالة والشّفعة - إذا أخذ بها ، لا لو تركت - لكنّهم استثنوا مثل : النّكاح والهبة والصّدقة والعتق ، فلا يفسخ شيء من ذلك ، وإن حرم . </p><p>والفرق بين هذه المذكورات ، وبين البيع ونحوه عندهم هو : أنّ البيع ونحوه ممّا فيه العوض ، يرجع لكلّ عوضه بالفسخ ، فلا كبير ضرر فيها ، بخلاف ما لا عوض فيه ، فإنّه يبطل أصلاً لو فسخ . وذكر العدويّ في النّكاح علّةً أخرى ، وهي حصول الضّرر بفسخه ، فربّما يتعلّق أحد الزّوجين بصاحبه . </p><p>وهبة الثّواب عندهم ( وهي الّتي تنعقد بشرط المكافأة كما يعبّرون ، أو بشرط العوض ، كما يعبّر الحنفيّة وآخرون ) كالبيع . والخلع ينبغي أن يمضي ولا يفسخ ، على مقتضى العلّة المتقدّمة ، وهي أنّه يبطل أصلاً لو فسخ . أمّا الحنابلة فقد صرّحوا : بأنّ البيع لا يصحّ قليله وكثيره ، ولا ينعقد للّذي في النّصّ الكريم ، وهو ظاهر في التّحريم .</p><p>ب - بيع المصحف للكافر :</p><p>145 - اتّفق الفقهاء على أنّ هذا البيع ممنوع ، وصرّح جمهورهم بالحرمة ، ويبدو من كلام الحنفيّة ثبوت الكراهة ، وهي بمقتضى قواعدهم وتعليلهم للتّحريم . </p><p>يقول المالكيّة : يحرم على المالك أن يبيع للكافر مصحفاً أو جزأه ، وهذا ممّا لا خلاف فيه ، لأنّ فيه امتهان حرمة الإسلام بملك المصحف . وقد قال اللّه تعالى : { ولن يَجْعَل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً } . وأصل هذا التّعليل يرجع إلى ما روي في الصّحيح عن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدوّ » . ومع ذلك اختلف الفقهاء في صحّة هذا البيع :</p><p>أ - فالأظهر عند الشّافعيّة ، ومذهب الحنابلة ، وهو قول عند المالكيّة : عدم صحّة بيع المصحف لكافر ، وذلك لقوله تعالى { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « نهى عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدوّ مخافة أن تناله أيديهم » ، فلا يجوز تمكينهم منه . ولأنّه يمنع الكافر من استدامة الملك عليه ، فمنع من ابتدائه كسائر ما لا يجوز بيعه ، ولما في ملك الكافر للمصحف ونحوه من الإهانة . </p><p>وفرّع المالكيّة على هذا فسخ البيع إذا كان المبيع قائماً ، ونسب هذا الرّأي سحنون إلى أكثر أصحاب مالك . ولم يشترط المالكيّة الإسلام - كما يقول ابن جزيّ - في البيع إلاّ في شراء العبد المسلم ، وفي شراء المصحف .</p><p>ب - ومذهب الحنفيّة ، ومشهور مذهب المالكيّة ، وهو قول عند الشّافعيّة : أنّ بيع المصحف للكافر صحيح ، لكنّه يجبر على إخراجه من ملكه ، وذلك لحفظ كتاب اللّه عن الإهانة - كما نقل ابن عابدين عن الطّحاويّ - ولأنّ فيه امتهان حرمة الإسلام بملك المصحف - كما يقول الخرشيّ - ولا خلاف في التّحريم . كما قال عميرة .</p><p>ملحقات بالبيع :</p><p>146 - وكما يمنع بيع المصحف لهم - يمنع التّصدّق به عليهم ، وهبته منهم - كما نصّ عليه المالكيّة - وكذا ارتهانه منهم - كما نصّ عليه الحنابلة . والأوّلون يجبرونهم على إخراجه من ملكهم كما في البيع ، نصّ عليه الدّسوقيّ ، ولا ينبغي أن يخالف فيه الآخرون .</p><p>مستثنيات من البيع :</p><p>147 - واستثنى الشّافعيّة من حكم بيع المصحف ، أشياء : </p><p>- الدّراهم والدّنانير ، الّتي نقش عليها شيء من القرآن للحاجة . </p><p>- شراء أهل الذّمّة الدّور ، وقد كتب في جدرانها أو سقوفها شيء من القرآن لعموم البلوى ، فيكون مغتفراً للمسامحة به غالباً ، إذ لا يكون مقصوداً به القرآنيّة . </p><p>- واستثنى بعضهم - كابن عبد الحقّ - التّميمة لمن يرجى إسلامه ، وكذا الرّسالة اقتداءً بفعله صلى الله عليه وسلم . </p><p>- وكذا استثنوا الثّوب المكتوب عليه شيء من القرآن ، لعدم قصد القرآنيّة بما يكتب عليه ، إلاّ أن يقال : الغالب فيما يكتب على الثّياب التّبرّك بلا لبس ، فأشبه التّمائم ، على أنّ في ملابسته لبدن الكافر امتهاناً له ، بخلاف ما يكتب على السّقوف . </p><p>والّذي يأمر بإزالة ملك الكافر للمصحف ، هو الحاكم لا آحاد النّاس ، وذلك لما فيه من الفتنة ، كما نصّ عليه الشّافعيّة فيما يشبه هذه المسألة .</p><p>حكم بيع المسلم المصحف وشرائه له :</p><p>148 - أ - نصّ الشّافعيّة على أنّ بيع المسلم المصحف وشراءه له مكروه ، والمراد بالمصحف هنا خالص القرآن . ووجه الكراهة - كما يذكر الشّيخ عميرة - هو صون القرآن الكريم عن أن يكون في معنى السّلع المبتذلة ، بالبيع والشّراء . وهذا أيضاً رواية عن الإمام أحمد . ولأنّ المقصود منه كلام اللّه تعالى ، فتجب صيانته عن الابتذال ، وفي جواز شرائه التّسبّب إلى ذلك والمعونة عليه . </p><p>- ب - وفي قول آخر للشّافعيّة : أنّه يكره البيع بلا حاجة دون الشّراء . وصرّح القليوبيّ والجمل بأنّ هذا هو المعتمد عندهم . وعلّله الجمل بأنّ في الشّراء تحصيلاً بخلاف البيع فإنّه تفويت وابتذال وانقطاع رغبة . </p><p>وهذا الّذي اعتمده الشّافعيّة ، هو أيضاً رواية عن الإمام أحمد ، وقرّر المرداويّ في مسألة الشّراء وجوازه : أنّها المذهب ، وعلّلوها بأنّ الشّراء استنقاذ للمصحف فجاز ، كما جاز شراء رباع مكّة واستئجار دورها ، ولم يجز بيعها ولا أخذ أجرتها ، وكذلك دفع أجرة الحجّام لا يكره ، مع كراهة كسبه . بل جعله البهوتيّ كشراء الأسير .</p><p>ج - وفي رواية عن الإمام أحمد : أنّ بيع المصحف لا يجوز ولا يصحّ . قال المرداويّ : وهو المذهب كما روي عنه أنّه يحرم الشّراء ، وإن لم يذكرها بعضهم . وعلّل عدم الجواز : - بأنّ أحمد قال : لا أعلم في بيع المصاحف رخصةً . </p><p>- وبأنّه هو المرويّ عن الصّحابة ، ولم يعلم لهم مخالف في عصرهم .</p><p>- ولأنّه يشتمل على كتاب اللّه ، فتجب صيانته عن البيع والابتذال .</p><p>د - وهناك رواية عن الإمام أحمد ، أنّ بيع المصحف جائز من غير كراهة . قال المرداويّ : ذكرها أبو الخطّاب . وأسند الحنابلة جواز بيع المصحف ، والتّرخيص فيه أيضاً إلى الحسن وعكرمة والشّافعيّ وأصحاب الرّأي ، وعلّلوه لهم ، بأنّ البيع يقع على الورق والجلد ، وبيعه مباح . وهناك روايتان عن الإمام أحمد في كراهة مبادلته . واختيار أحمد جواز إبدال المصحف بمثله ، لأنّه لا يدلّ على الرّغبة عنه ، ولا على الاستبدال به بعوض دنيويّ ، بخلاف أخذ ثمنه . </p><p>ومن هذا العرض يتّضح أنّ للإمام أحمد - بالإجمال - ثلاثة أقوال في بيع المصحف : الحرمة والكراهة والجواز . ومثلها في الشّراء . وفي المبادلة قولان . وأنّ المذهب - كما يؤخذ من كلام ابن قدامة والبهوتيّ - هو تحريم البيع ، وعدم الصّحّة ، وهذا معلّل أيضاً بقول ابن عمر : وددت أنّ الأيدي تقطع في بيعها ، ولأنّ تعظيمه واجب ، وفي البيع ترك التّعظيم وابتذال له . ولا يكره الشّراء لأنّه استنقاذ ، ولا الاستبدال بمصحف آخر ، لأنّه لا دلالة فيه على الرّغبة عنه .</p><p>آثار البيع المنهيّ عنه :</p><p>149 - إنّ الأصل في النّهي عند الجمهور هو البطلان ، فيجري على هذا الأصل إلاّ عند الضّرورة ، والضّرورة مقتصرة على ما إذا دلّ الدّليل على أنّ النّهي لمعنًى . مجاور للمنهيّ عنه فقط ، أمّا إذا دلّ الدّليل على أنّ النّهي لمعنًى في الوصف اللّازم ، فلا ضرورة للخروج على الأصل ، ولا في أن لا يجري النّهي على أصله ، وهو البطلان ، لأنّ بطلان الوصف اللّازم يوجب بطلان الأصل ، بخلاف المجاور لما أنّه ليس بلازم .</p><p>ب - وعند الحنفيّة الأصل في التّصرّف المنهيّ عنه أن يكون موجوداً صحيحاً شرعاً ، فيجري النّهي على هذا الأصل ، إلاّ عند الضّرورة ، والضّرورة عندهم منحصرة فيما إذا دلّ الدّليل على أنّ النّهي لمعنًى في ذات المنهيّ عنه ، أو في جزئه فقط ، أمّا إذا دلّ الدّليل على أنّ النّهي لمعنًى في وصف لازم ، فلا ضرورة في الخروج على الأصل ، ولا في أن لا يجري النّهي على أصله ، وهو الصّحّة ، لأنّ صحّة الأجزاء والشّروط فيه كافية لصحّة الشّيء ، وترجيح الصّحّة بصحّة الأجزاء أولى من ترجيح البطلان بالوصف الخارجيّ ، وإذا لم تكن الضّرورة قائمةً ، يجري النّهي على أصله ، وهو أن يكون المنهيّ عنه موجوداً شرعاً ، أي صحيحاً .</p><p>الفرق بين الاصطلاحات الثّلاثة : الفساد والبطلان والصّحّة :</p><p>150 - اتّضح ممّا سبق أنّ الجمهور لا يفرّقون بين الفساد وبين البطلان ، خلافاً للحنفيّة . فالصّحّة هنا - في العقود ، ومنها البيع - تقتضي بأن يكون العقد سبباً لترتّب آثاره المطلوبة منه شرعاً ، كالبيع بالنّسبة إلى الملك . </p><p>أمّا البطلان ، فمعناه تخلّف الأحكام عن العقود ، وخروج العقود عن أن تكون أسباباً مفيدةً للأحكام . والفساد يرادف البطلان عند الجمهور . </p><p>وعند الحنفيّة : هو قسم ثالث مغاير للصّحيح فهو : ما كان مشروعاً بأصله غير مشروع بوصفه . بخلاف الباطل ، فهو ما كان غير مشروع بأصله ولا بوصفه . </p><p>فيستوي عند الجمهور بيع الملاقيح والمضامين ، وبيع الأجنّة والميتات في البطلان : كبيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه ، وكبيع الطّعام قبل قبضه ، وبيع العينة ، والبيع المشتمل على الرّبا ، والبيع بالشّرط ، فلا يترتّب على هذه البيوع كلّها أيّ أثر لها . </p><p>لكنّ الحنفيّة يقولون مفصّلين : ببطلان بيع الملاقيح والمضامين والأجنّة والميتات ، لانعدام المحلّيّة والرّكنيّة كالجمهور ، وهذا هو عدم مشروعيّة الأصل بتعبيرهم ، فلا يترتّب عليها أيّ أثر . وبفساد الباقيات ، لا ببطلانها :</p><p>أ - ففي البيع بشرط مثلاً النّهي راجع للشّرط ، فيبقى أصل العقد صحيحاً ، مفيداً للملك ، لكن بصفة الفساد والحرمة ، فالشّرط أمر زائد على البيع ، لازم له لكونه مشروطاً في نفس العقد ، وهو المراد بالوصف في هذا المقام .</p><p>ب - وفي البيع المشتمل على الرّبا يقولون : إنّ ركن البيع ، وهو المبادلة الماليّة من أهلها في محلّها موجودة ، فيكون مشروعاً ، لكن لم توجد المبادلة التّامّة ، فأصل المبادلة حاصل ، لا وصفها ، وهو كونها تامّةً . وهذا بخلاف بيع الميتة والأجنّة ، لأنّها ليست بمال ، ولا متقوّمةً ، فهو غير مشروع أصلاً . وفيما يلي أحكام البيع الباطل - من وجهة نظر الحنفيّة الّذين قرّروه - ثمّ أحكام البيع الفاسد ، ثمّ أحكام البيع المكروه .</p><p>أوّلاً : أحكام البيع الباطل عند الحنفيّة :</p><p>151 - لا ينعقد البيع الباطل أصلاً ، وليس له وجود معتبر شرعاً ، وإذا قبض المشتري المبيع فلا يكون ملكاً له . قال الكاسانيّ : ولا حكم لهذا البيع أصلاً ، لأنّ الحكم للموجود ، ولا وجود لهذا البيع إلاّ من حيث الصّورة ، لأنّ التّصرّف الشّرعيّ لا وجود له بدون الأهليّة والمحلّيّة شرعاً ، إذ لا وجود للتّصرّف الحقيقيّ إلاّ من الأهل في المحلّ حقيقةً ، وذلك نحو بيع الميتة والدّم والعذرة والبول وبيع الملاقيح والمضامين وكلّ ما ليس بمال . </p><p>وإذا هلك المبيع عند المشتري ، ففي ضمانه خلاف عند الحنفيّة :</p><p>أ - قيل : لا يضمن ، لأنّه أمانة في يده ، وذلك لأنّ العقد إذا بطل بقي مجرّد القبض بإذن المالك ، وهو لا يضمن إلاّ بالتّعدّي ، كما نقله ابن عابدين عن الدّرر . وقيل : إنّ هذا قول أبي حنيفة .</p><p>ب - وقيل : يكون مضموناً ، لأنّه يصير كالمقبوض على سوم الشّراء . واختار السّرخسيّ وغيره أن يكون مضموناً بالمثل أو بالقيمة ، لأنّه لا يكون أدنى حالاً من المقبوض على سوم الشّراء . وقيل : إنّ هذا قول الصّاحبين . وفي القنية : أنّه الصّحيح ، لكونه قبضه لنفسه فشابه الغصب ، وفي الدّرّ : قيل : وعليه الفتوى . وللتّفصيل ينظر : ( البيع الباطل ) .</p><p>ثانياً : أحكام البيع الفاسد :</p><p>152 - ينبني على البيع الفاسد عدّة آثار هي : انتقال الملك بالقبض ، واستحقاق الفسخ لحقّ الشّرع ، وعدم طيب الرّبح النّاشئ من المبيع ، وقبوله للتّصحيح ، وضمان المبيع بالهلاك ، وثبوت الخيار فيه . وينظر تفصيل هذه الآثار وما يتعلّق بها في مصطلح : ( البيع الفاسد ) . هذا عند الحنفيّة . أمّا أحكامه عند الجمهور فهي أحكام البيع الباطل لعدم تفرقتهم بينهما ، وانظر في مصطلح : ( البيع الباطل ) .</p><p>ثالثاً : أحكام البيع المكروه :</p><p>153 - حكم البيع المكروه : المنع شرعاً وترتّب الإثم ، ولكنّه مع هذا صحيح . لأنّ النّهي باعتبار معنًى مجاور للبيع ، لا في صلبه ، ولا في شرائط صحّته ، ومثل هذا النّهي لا يوجب الفساد ، بل الكراهية . فالبيع عند الأذان للجمعة ، وبيع النّجش ، وبيع الإنسان على بيع أخيه ، وسومه على سومه ، ونحوها بيوع منهيّ عنها ، وهي - كما يقول الحصكفيّ مكروهة كراهة تحريم ، لكنّها صحيحة وليست باطلةً ، مع النّهي عنها عند الجمهور ، إلاّ في روايات عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وذلك لأنّ النّهي لا يرجع إلى ذات المنهيّ عنه ، ولا إلى شرائط الصّحّة ، بل إلى معنًى يقترن به .</p><p>154 - ومن أهمّ أحكام البيع المكروه : - أنّه بيع صحيح ، كما هو مذهب الجمهور . </p><p>- وأنّه يملك فيه المبيع قبل قبضه . </p><p>- وأنّه يجب فيه الثّمن ، لا القيمة . </p><p>- وأنّه لا يجب فسخه . وقيل : إنّ فسخه واجب على كلّ منهما ، صوناً لهما عن المحظور ، ولأنّ رفع المعصية واجب بقدر الإمكان . </p><p>ووفّق ابن عابدين - رحمه الله تعالى - بين القولين بأنّ الوجوب عليها ديانةً . بخلاف البيع الفاسد ، فإنّهما إذا أصرّا عليه يفسخه القاضي جبراً عليها ، ووجّهه أنّ البيع هنا صحيح ، فلا يلي القاضي فسخه لحصول الملك الصّحيح . لكن قرّر ابن جزيّ من المالكيّة ، أنّه إذا كان النّهي عن البيع يتعلّق بمحظور خارج عن باب البيوع ، كالبيع والشّراء في موضع مغصوب ، فهذا لا يفسخ ، فات أو لم يفت . وإذا كان النّهي عن البيع ، ولم يخلّ فيه بشرط مشترط في صحّة البيوع ، كالبيع وقت الجمعة ، وبيع الحاضر للبادي ، وتلقّي الجلب ، فاختلف فيه : فقيل فسخ . وقيل : لا يفسخ ، وقيل : يفسخ إن كانت السّلعة قائمةً .</p><p></p><p>البيع الموقوف *</p><p>التّعريف :</p><p>1- البيع : مبادلة المال بالمال . </p><p>وأمّا الموقوف فهو مشتقّ من " وقف " يقال : وقفت الدّابّة وقوفاً سكنت ، ووقفتها أنا وقفاً : جعلتها تقف . ووقفت الدّار وقفاً حبستها في سبيل اللّه ، ووقفت الأمر على حضور زيد : علّقت الحكم على حضوره ، ووقفت قسمة الميراث إلى الوضع : أخّرتها حتّى تضع الحبلى . ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معانيه اللّغويّة . وأمّا البيع الموقوف ، فقد عرّفه الفقهاء الّذين أجازوه بأنّه : البيع المشروع بأصله ووصفه ، ويفيد الملك على وجه التّوقّف ، ولا يفيد تمامه لتعلّق حقّ الغير به ، وهو من البيع الصّحيح . </p><p>ويقابله البيع النّافذ ، وهو : البيع الصّحيح الّذي لا يتعلّق به حقّ الغير . ويفيد الحكم في الحال . فالنّافذ هو ضدّ الموقوف ، فمتى قيل : بيع نافذ أريد به أنّه بيع غير موقوف .</p><p>مشروعيّة البيع الموقوف :</p><p>2 - يرى الحنفيّة والمالكيّة ، والحنابلة في إحدى الرّوايتين ، وهو قول الشّافعيّة في المذهب القديم - كما حكي عن الجديد أيضاً - مشروعيّة البيع الموقوف واعتباره قسماً من أقسام البيع الصّحيح ، لعمومات البيع نحو قوله تعالى { وأحَلَّ اللّه البيعَ } وقوله عزّ شأنه { يا أيّها الّذينَ آمنوا لا تَأْكُلوا أمْوالَكُمْ بينكمْ بالبَاطِلِ إلاّ أنْ تكُونَ تجارةً عن تراضٍ مِنْكُمْ } </p><p>وجه الدّلالة من هذه الآيات : أنّ اللّه سبحانه وتعالى شرع البيع والشّراء والتّجارة من غير فصل ، بين ما إذا وجد من المالك بطريق الأصالة ، وبين ما إذا وجد من الوكيل في الابتداء ، أو بين ما إذا وجدت الإجازة من المالك في الانتهاء وبين وجود الرّضا في التّجارة عند العقد أو بعده ، فيجب العمل بعمومها إلاّ ما خصّ بدليل . </p><p>ولما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم « أنّه دفع ديناراً إلى عروة البارقيّ رضي الله عنه ، وأمره أن يشتري له أضحيّةً ، فاشترى شاتين ، ثمّ باع إحداهما بدينار ، وجاء بدينار وشاة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدعا له بالبركة ، وقال عليه الصلاة والسلام : بارك اللّه في صفقة يمينك » ومعلوم أنّه لم يكن مأموراً ببيع الشّاة ، فلو لم ينعقد البيع الموقوف ، لما باع ولما دعا له بالخير والبركة على ما فعل ، ولأنكر عليه ، لأنّ الباطل ينكر . </p><p>كما أنّ البيع الموقوف تصرّف صدر من أهله في محلّه فلا يلغو ، كما لو حصل من المالك ، وكالوصيّة بالمال ممّن عليه الدّين ، والوصيّة بأكثر من الثّلث ممّن لا دين عليه . </p><p>والتّصرّف إذا صدر من أهله في محلّه تحقّق به وجوده ، ثمّ قد يمتنع نفاذه شرعاً لمانع ، فيتوقّف على زوال ذلك المانع ، وبالإجازة يزول المانع ، وهو عدم رضا المالك به . </p><p>ولأنّ البيع الموقوف يفيد الملكيّة بدون قبض تماماً ، كما هو الحكم في البيع الصّحيح ، فالبيع الموقوف هو بيع صحيح لصدق تعريفه وحكمه عليه . وانعقاد هذا البيع موقوفاً على الإجازة لا ينافي كونه صحيحاً .</p><p>3 - وذهب الشّافعيّة على المشهور من المذهب ، والحنابلة في إحدى الرّوايتين ، وهو قول أبي ثور وابن المنذر إلى بطلان العقد الموقوف . واستدلّوا بحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : « سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلت : يأتيني الرّجل يسألني من البيع ما ليس عندي ، أأبتاع له من السّوق ثمّ أبيعه منه ؟ قال : لا تبع ما ليس عندك » . </p><p>كما احتجّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا بيع ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم » ولأنّ وجود السّبب بكماله بدون آثاره يدلّ على فساده . </p><p>ويقيسون البيع الموقوف على الطّلاق والعتاق</p><p>أنواع البيع الموقوف :</p><p>4 - عقد البيع يكون موقوفاً إذا تعلّق به حقّ الغير ، وهو أن يكون ملك الغير أو يكون لغير المالك حقّ في المبيع . وقد حصر صاحب " الخلاصة " أنواع البيع الموقوف في خمسة عشر نوعاً ، وأوصلها صاحب " النّهر " إلى ثمانية وثلاثين نوعاً ، وذكر ابن نجيم في " البحر الرّائق " تسعاً وعشرين صورةً للبيع الموقوف أهمّها : </p><p>- بيع الصّبيّ المحجور موقوف على إجازة الأب أو الوصيّ . </p><p>- بيع غير الرّشيد موقوف على إجازة القاضي . </p><p>- بيع المرهون موقوف على إجازة المرتهن . </p><p>- بيع العين المستأجرة موقوف على إجازة المستأجر . </p><p>- بيع ما في مزارعة الغير موقوف على إجازة المزارع . </p><p>- بيع البائع للشّيء المبيع بعد القبض من غير المشتري موقوف على إجازة المشتري الأوّل . - بيع المرتدّ عند الإمام أبي حنيفة موقوف على توبته من الرّدّة . </p><p>- بيع الشّيء برقمه موقوف على تبيّن الثّمن . </p><p>- البيع بما باع به فلان والمشتري لا يعلم ، فهو موقوف على العلم في المجلس . </p><p>- البيع بمثل ما يبيع النّاس موقوف على تبيّن الثّمن . </p><p>- البيع بمثل ما أخذ به فلان موقوف على تبيّن الثّمن . </p><p>- بيع المالك العين المغصوبة موقوف على إقرار الغاصب ، أو البرهان بعد إنكاره . </p><p>- بيع مال الغير موقوف على إجازته ( وهو بيع الفضوليّ ) . </p><p>- بيع الشّريك نصيبه من مشترك بالخلط الاختياريّ ، أو الاختلاط بغير فعل المالكين موقوف على إجازة شريكه . </p><p>- بيع المريض مرض الموت عيناً من أعيان ماله لبعض ورثته ، موقوف على إجازة باقي الورثة ولو كان بمثل القيمة عند أبي حنيفة . </p><p>- بيع الوارث التّركة المستغرقة بالدّين موقوف على إجازة الغرماء . </p><p>- أحد الوكيلين أو الوصيّين أو النّاظرين إذا باع بحضرة صاحبه يتوقّف على إجازته ( إذا كان مشروطاً اجتماعهما على التّصرّف ) . </p><p>- بيع المعتوه موقوف .</p><p>حكم البيع الموقوف :</p><p>5 - حكم البيع الموقوف هو أنّه يقبل الإجازة عند توافر الشّروط الآتية :</p><p>أ - وجود البائع حيّاً ، لأنّه يلزمه حقوق العقد بالإجازة ، ولا تلزم إلاّ حيّاً .</p><p>ب - وجود المشتري حيّاً ليلزمه الثّمن ، وبعد الموت لا يلزمه ، ما لم يكن لزمه حال أهليّته .</p><p>ج - وجود المبيع ، لأنّ الملك لم ينتقل فيه ، وإنّما ينتقل بعد الإجازة ، ولا يمكن أن ينتقل بعد الهلاك . والمراد بكون المبيع قائماً ، أن لا يكون متغيّراً بحيث يعدّ شيئاً آخر ، فإنّه لو باع ثوب غيره بغير أمره ، فصبغه المشتري ، فأجاز المالك البيع جاز ، ولو قطعه وخاطه ثمّ أجاز البيع لا يجوز ، لأنّه صار شيئاً آخر .</p><p>د - وجود الثّمن في يد البائع إذا كان عيناً كالعروض ، أمّا إذا كان الثّمن ديناً كالدّراهم والدّنانير والفلوس فوجود الثّمن في يد البائع ليس بشرط .</p><p>هـ - وجود المالك ، لأنّ الإجازة تكون منه ، حتّى لو مات المالك قبل إجازته البيع لا يجوز بإجازة ورثته كما يقول الحنفيّة . ويرى المالكيّة انتقال حقّ إجازة البيع الموقوف إلى الوارث . هذا ، وللتّوسّع فيما تثبت به الإجازة وسائر المسائل المتعلّقة بها ( ر : إجازة ) وإذا أجيز البيع الموقوف يستند أثره ( أي يسري منذ العقد ) على ما سيأتي .</p><p>أثر البيع الموقوف :</p><p>6 - البيع النّافذ يفيد الحكم في الحال ، وهو ملكيّة البائع للثّمن والمشتري للمبيع ، وتصرّف كلّ منهما فيما في يده من غير حاجة في ذلك إلى شيء آخر ، سواء أذكر في العقد تملّك البائع للثّمن والمشتري للمبيع أم لم يذكر ، لأنّ النّصّ على المقتضى بعد حصول الموجب ليس بشرط . ويشترط لنفاذ البيع أن يكون البائع مالكاً للمبيع ، أو وكيلاً لمالكه أو وصيّه ، وأن لا يكون في المبيع حقّ آخر . </p><p>وإذا تخلّف شرط منها فإنّ العقد يكون موقوفاً فلا يفيد الحكم إلاّ عند إجازة صاحب الشّأن ، فإن أجاز نفذ وإلاّ بطل . فقبل أن تصدر الإجازة ممّن يملكها لا يظهر أثر البيع الموقوف ، ويكون ظهور أثره موقوفاً على الإجازة ، فبيع الفضوليّ مثلاً لا ينفذ ابتداءً لانعدام الملك والولاية ، لكنّه ينعقد موقوفاً على إجازة المالك ، فإن أجاز ينفذ وإلاّ يبطل . ( ر : بيع الفضوليّ ) وكذلك إذا باع الرّاهن الرّهن بلا إذن المرتهن ، فالبيع موقوف - في أصحّ الرّوايات عند الحنفيّة - لتعلّق حقّ المرتهن به فيتوقّف على إجازته ، إن أجاز المرتهن أو قضى الرّاهن دينه نفذ ، وإذا نفذ البيع بإجازة المرتهن انتقل حقّه إلى بدله . وللتّفصيل ( ر : رهن ) . هذا ، وينبغي التّنويه إلى أنّ البيع الموقوف لا يتوقّف دائماً نفاذه ، وظهور أثره على إجازة شخص غير العاقد ، بل هذا هو الأغلب ، فقد يكون متوقّف النّفاذ لا على إجازة أحد ، بل على زوال حالة أوجبت عدم النّفاذ ، كما في بيع المرتدّ عن الإسلام ، فإنّ نفاذ بيعه يتوقّف على عودته إلى الإسلام عند أبي حنيفة .</p><p>التّصرّفات الواقعة على المعقود عليه أثناء التّوقّف :</p><p>7 - التّصرّفات الواقعة على المعقود عليه في البيع الموقوف أثناء التّوقّف منها ما يستند أثره إلى وقت إنشاء العقد ، ومنها ما يبدأ أثره من حين الإجازة . فالإجازة تارةً تكون إنشاءً ، وتارةً تكون إظهاراً . وفيما يلي أمثلة لهذين النّوعين من التّصرّفات .</p><p>أوّلاً : التّصرّفات الّتي تستند إلى وقت إنشاء العقد :</p><p>أ - إذا أجيز بيع الفضوليّ لمال الغير فإنّه يعتبر نافذاً مستنداً حكمه إلى وقت إنشاء العقد ، فيصير المبيع ملكاً للمشتري ، والثّمن ملكاً للممالك أمانةً في يد الفضوليّ ، لأنّ الإجازة اللّاحقة بمنزلة الوكالة السّابقة . فإذا هلك الثّمن في يد الفضوليّ قبل الإجازة ، ثمّ أجيز العقد لم يضمنه كالوكيل ، وكذلك إذا حطّ البائع الفضوليّ من الثّمن ثمّ أجاز المالك البيع يثبت البيع والحطّ ، سواء أعلم البائع بالحطّ أم لم يعلم ، إلاّ أنّه إذا علم بالحطّ بعد الإجازة يثبت له الخيار . ووجه ذلك أنّ الفضوليّ يصير بالإجازة كوكيل ، ولو حطّه الوكيل لا يتمكّن الموكّل من مطالبة المشتري به ، كذا هذا .</p><p>ب - إذا أجاز المالك البيع الموقوف ، فإن ملك المبيع يثبت للمشتري من وقت الشّراء ، ويثبت له بالتّالي الحقّ في كلّ ما يحدث بالمبيع قبل الإجازة من نماء أو زيادة ، كالكسب والولد والأرش وما إلى ذلك .</p><p>ثانياً : التّصرّفات الّتي يقتصر حكمها على وقت صدور الإجازة :</p><p>أ - لا يجوز للمشتري من الفضوليّ التّصرّف في المبيع قبل صدور الإجازة ، سواء أقبضه أم لم يقبضه . فإذا باع المشتري من الفضوليّ المبيع من غيره ، ثمّ أجاز المالك بيع الفضوليّ لا ينفذ بيع المشتري من الفضوليّ ، كما يقول الحنفيّة ، لأنّ المشتري من الفضوليّ لم يملك ما اشتراه إلاّ بعد الإجازة ، فبيعه وقع على ما لم يملك .</p><p>ب - إذا باع الفضوليّ شيئاً مملوكاً لغيره ، فإنّ طلب الشّفعة في الشّيء الّذي باعه يكون وقت الإجازة .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41115, member: 329"] الحكم الوضعيّ فيه : 144 - جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة ، وبعض المالكيّة ، يرون أنّ عقد البيع يقع صحيحاً ، لأنّ المنع منه لمعنًى في غير البيع ، خارج عنه ، وهو ترك السّعي ، فكان البيع في الأصل مشروعاً جائزاً ، لكنّه يكره تحريماً ، لأنّه اتّصل به أمر غير مشروع ، وهو ترك السّعي . ويتفرّع عن صحّة البيع الأمور التّالية : أ - عدم وجوب فسخه ، في أحد قولين عند الحنفيّة ، وأحد قولين عند المالكيّة أيضاً ، فقد قال الشّيخ العدويّ : وهناك قول آخر يقول : لا فسخ ، والبيع ماض ، ويستغفر اللّه . ب - وجوب الثّمن لا القيمة . ج - ثبوت ملك المبيع قبل القبض . لكنّ مشهور مذهب المالكيّة : أنّ هذا البيع كالبيع الفاسد يفسخ ، ويردّ من يد المشتري ما لم يفت بيده ، فإن فات - بتغيّر سوق - مضى العقد ، ولزم المشتري القيمة حين القبض على المشهور . وقيل بالقيمة حين البيع . والّذين نصّوا من المالكيّة على وجوب فسخ البيع ، ألحقوا به نحو البيع ، من الإجارة والشّركة والإقالة والشّفعة - إذا أخذ بها ، لا لو تركت - لكنّهم استثنوا مثل : النّكاح والهبة والصّدقة والعتق ، فلا يفسخ شيء من ذلك ، وإن حرم . والفرق بين هذه المذكورات ، وبين البيع ونحوه عندهم هو : أنّ البيع ونحوه ممّا فيه العوض ، يرجع لكلّ عوضه بالفسخ ، فلا كبير ضرر فيها ، بخلاف ما لا عوض فيه ، فإنّه يبطل أصلاً لو فسخ . وذكر العدويّ في النّكاح علّةً أخرى ، وهي حصول الضّرر بفسخه ، فربّما يتعلّق أحد الزّوجين بصاحبه . وهبة الثّواب عندهم ( وهي الّتي تنعقد بشرط المكافأة كما يعبّرون ، أو بشرط العوض ، كما يعبّر الحنفيّة وآخرون ) كالبيع . والخلع ينبغي أن يمضي ولا يفسخ ، على مقتضى العلّة المتقدّمة ، وهي أنّه يبطل أصلاً لو فسخ . أمّا الحنابلة فقد صرّحوا : بأنّ البيع لا يصحّ قليله وكثيره ، ولا ينعقد للّذي في النّصّ الكريم ، وهو ظاهر في التّحريم . ب - بيع المصحف للكافر : 145 - اتّفق الفقهاء على أنّ هذا البيع ممنوع ، وصرّح جمهورهم بالحرمة ، ويبدو من كلام الحنفيّة ثبوت الكراهة ، وهي بمقتضى قواعدهم وتعليلهم للتّحريم . يقول المالكيّة : يحرم على المالك أن يبيع للكافر مصحفاً أو جزأه ، وهذا ممّا لا خلاف فيه ، لأنّ فيه امتهان حرمة الإسلام بملك المصحف . وقد قال اللّه تعالى : { ولن يَجْعَل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً } . وأصل هذا التّعليل يرجع إلى ما روي في الصّحيح عن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدوّ » . ومع ذلك اختلف الفقهاء في صحّة هذا البيع : أ - فالأظهر عند الشّافعيّة ، ومذهب الحنابلة ، وهو قول عند المالكيّة : عدم صحّة بيع المصحف لكافر ، وذلك لقوله تعالى { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « نهى عن المسافرة بالقرآن إلى أرض العدوّ مخافة أن تناله أيديهم » ، فلا يجوز تمكينهم منه . ولأنّه يمنع الكافر من استدامة الملك عليه ، فمنع من ابتدائه كسائر ما لا يجوز بيعه ، ولما في ملك الكافر للمصحف ونحوه من الإهانة . وفرّع المالكيّة على هذا فسخ البيع إذا كان المبيع قائماً ، ونسب هذا الرّأي سحنون إلى أكثر أصحاب مالك . ولم يشترط المالكيّة الإسلام - كما يقول ابن جزيّ - في البيع إلاّ في شراء العبد المسلم ، وفي شراء المصحف . ب - ومذهب الحنفيّة ، ومشهور مذهب المالكيّة ، وهو قول عند الشّافعيّة : أنّ بيع المصحف للكافر صحيح ، لكنّه يجبر على إخراجه من ملكه ، وذلك لحفظ كتاب اللّه عن الإهانة - كما نقل ابن عابدين عن الطّحاويّ - ولأنّ فيه امتهان حرمة الإسلام بملك المصحف - كما يقول الخرشيّ - ولا خلاف في التّحريم . كما قال عميرة . ملحقات بالبيع : 146 - وكما يمنع بيع المصحف لهم - يمنع التّصدّق به عليهم ، وهبته منهم - كما نصّ عليه المالكيّة - وكذا ارتهانه منهم - كما نصّ عليه الحنابلة . والأوّلون يجبرونهم على إخراجه من ملكهم كما في البيع ، نصّ عليه الدّسوقيّ ، ولا ينبغي أن يخالف فيه الآخرون . مستثنيات من البيع : 147 - واستثنى الشّافعيّة من حكم بيع المصحف ، أشياء : - الدّراهم والدّنانير ، الّتي نقش عليها شيء من القرآن للحاجة . - شراء أهل الذّمّة الدّور ، وقد كتب في جدرانها أو سقوفها شيء من القرآن لعموم البلوى ، فيكون مغتفراً للمسامحة به غالباً ، إذ لا يكون مقصوداً به القرآنيّة . - واستثنى بعضهم - كابن عبد الحقّ - التّميمة لمن يرجى إسلامه ، وكذا الرّسالة اقتداءً بفعله صلى الله عليه وسلم . - وكذا استثنوا الثّوب المكتوب عليه شيء من القرآن ، لعدم قصد القرآنيّة بما يكتب عليه ، إلاّ أن يقال : الغالب فيما يكتب على الثّياب التّبرّك بلا لبس ، فأشبه التّمائم ، على أنّ في ملابسته لبدن الكافر امتهاناً له ، بخلاف ما يكتب على السّقوف . والّذي يأمر بإزالة ملك الكافر للمصحف ، هو الحاكم لا آحاد النّاس ، وذلك لما فيه من الفتنة ، كما نصّ عليه الشّافعيّة فيما يشبه هذه المسألة . حكم بيع المسلم المصحف وشرائه له : 148 - أ - نصّ الشّافعيّة على أنّ بيع المسلم المصحف وشراءه له مكروه ، والمراد بالمصحف هنا خالص القرآن . ووجه الكراهة - كما يذكر الشّيخ عميرة - هو صون القرآن الكريم عن أن يكون في معنى السّلع المبتذلة ، بالبيع والشّراء . وهذا أيضاً رواية عن الإمام أحمد . ولأنّ المقصود منه كلام اللّه تعالى ، فتجب صيانته عن الابتذال ، وفي جواز شرائه التّسبّب إلى ذلك والمعونة عليه . - ب - وفي قول آخر للشّافعيّة : أنّه يكره البيع بلا حاجة دون الشّراء . وصرّح القليوبيّ والجمل بأنّ هذا هو المعتمد عندهم . وعلّله الجمل بأنّ في الشّراء تحصيلاً بخلاف البيع فإنّه تفويت وابتذال وانقطاع رغبة . وهذا الّذي اعتمده الشّافعيّة ، هو أيضاً رواية عن الإمام أحمد ، وقرّر المرداويّ في مسألة الشّراء وجوازه : أنّها المذهب ، وعلّلوها بأنّ الشّراء استنقاذ للمصحف فجاز ، كما جاز شراء رباع مكّة واستئجار دورها ، ولم يجز بيعها ولا أخذ أجرتها ، وكذلك دفع أجرة الحجّام لا يكره ، مع كراهة كسبه . بل جعله البهوتيّ كشراء الأسير . ج - وفي رواية عن الإمام أحمد : أنّ بيع المصحف لا يجوز ولا يصحّ . قال المرداويّ : وهو المذهب كما روي عنه أنّه يحرم الشّراء ، وإن لم يذكرها بعضهم . وعلّل عدم الجواز : - بأنّ أحمد قال : لا أعلم في بيع المصاحف رخصةً . - وبأنّه هو المرويّ عن الصّحابة ، ولم يعلم لهم مخالف في عصرهم . - ولأنّه يشتمل على كتاب اللّه ، فتجب صيانته عن البيع والابتذال . د - وهناك رواية عن الإمام أحمد ، أنّ بيع المصحف جائز من غير كراهة . قال المرداويّ : ذكرها أبو الخطّاب . وأسند الحنابلة جواز بيع المصحف ، والتّرخيص فيه أيضاً إلى الحسن وعكرمة والشّافعيّ وأصحاب الرّأي ، وعلّلوه لهم ، بأنّ البيع يقع على الورق والجلد ، وبيعه مباح . وهناك روايتان عن الإمام أحمد في كراهة مبادلته . واختيار أحمد جواز إبدال المصحف بمثله ، لأنّه لا يدلّ على الرّغبة عنه ، ولا على الاستبدال به بعوض دنيويّ ، بخلاف أخذ ثمنه . ومن هذا العرض يتّضح أنّ للإمام أحمد - بالإجمال - ثلاثة أقوال في بيع المصحف : الحرمة والكراهة والجواز . ومثلها في الشّراء . وفي المبادلة قولان . وأنّ المذهب - كما يؤخذ من كلام ابن قدامة والبهوتيّ - هو تحريم البيع ، وعدم الصّحّة ، وهذا معلّل أيضاً بقول ابن عمر : وددت أنّ الأيدي تقطع في بيعها ، ولأنّ تعظيمه واجب ، وفي البيع ترك التّعظيم وابتذال له . ولا يكره الشّراء لأنّه استنقاذ ، ولا الاستبدال بمصحف آخر ، لأنّه لا دلالة فيه على الرّغبة عنه . آثار البيع المنهيّ عنه : 149 - إنّ الأصل في النّهي عند الجمهور هو البطلان ، فيجري على هذا الأصل إلاّ عند الضّرورة ، والضّرورة مقتصرة على ما إذا دلّ الدّليل على أنّ النّهي لمعنًى . مجاور للمنهيّ عنه فقط ، أمّا إذا دلّ الدّليل على أنّ النّهي لمعنًى في الوصف اللّازم ، فلا ضرورة للخروج على الأصل ، ولا في أن لا يجري النّهي على أصله ، وهو البطلان ، لأنّ بطلان الوصف اللّازم يوجب بطلان الأصل ، بخلاف المجاور لما أنّه ليس بلازم . ب - وعند الحنفيّة الأصل في التّصرّف المنهيّ عنه أن يكون موجوداً صحيحاً شرعاً ، فيجري النّهي على هذا الأصل ، إلاّ عند الضّرورة ، والضّرورة عندهم منحصرة فيما إذا دلّ الدّليل على أنّ النّهي لمعنًى في ذات المنهيّ عنه ، أو في جزئه فقط ، أمّا إذا دلّ الدّليل على أنّ النّهي لمعنًى في وصف لازم ، فلا ضرورة في الخروج على الأصل ، ولا في أن لا يجري النّهي على أصله ، وهو الصّحّة ، لأنّ صحّة الأجزاء والشّروط فيه كافية لصحّة الشّيء ، وترجيح الصّحّة بصحّة الأجزاء أولى من ترجيح البطلان بالوصف الخارجيّ ، وإذا لم تكن الضّرورة قائمةً ، يجري النّهي على أصله ، وهو أن يكون المنهيّ عنه موجوداً شرعاً ، أي صحيحاً . الفرق بين الاصطلاحات الثّلاثة : الفساد والبطلان والصّحّة : 150 - اتّضح ممّا سبق أنّ الجمهور لا يفرّقون بين الفساد وبين البطلان ، خلافاً للحنفيّة . فالصّحّة هنا - في العقود ، ومنها البيع - تقتضي بأن يكون العقد سبباً لترتّب آثاره المطلوبة منه شرعاً ، كالبيع بالنّسبة إلى الملك . أمّا البطلان ، فمعناه تخلّف الأحكام عن العقود ، وخروج العقود عن أن تكون أسباباً مفيدةً للأحكام . والفساد يرادف البطلان عند الجمهور . وعند الحنفيّة : هو قسم ثالث مغاير للصّحيح فهو : ما كان مشروعاً بأصله غير مشروع بوصفه . بخلاف الباطل ، فهو ما كان غير مشروع بأصله ولا بوصفه . فيستوي عند الجمهور بيع الملاقيح والمضامين ، وبيع الأجنّة والميتات في البطلان : كبيع الثّمر قبل بدوّ صلاحه ، وكبيع الطّعام قبل قبضه ، وبيع العينة ، والبيع المشتمل على الرّبا ، والبيع بالشّرط ، فلا يترتّب على هذه البيوع كلّها أيّ أثر لها . لكنّ الحنفيّة يقولون مفصّلين : ببطلان بيع الملاقيح والمضامين والأجنّة والميتات ، لانعدام المحلّيّة والرّكنيّة كالجمهور ، وهذا هو عدم مشروعيّة الأصل بتعبيرهم ، فلا يترتّب عليها أيّ أثر . وبفساد الباقيات ، لا ببطلانها : أ - ففي البيع بشرط مثلاً النّهي راجع للشّرط ، فيبقى أصل العقد صحيحاً ، مفيداً للملك ، لكن بصفة الفساد والحرمة ، فالشّرط أمر زائد على البيع ، لازم له لكونه مشروطاً في نفس العقد ، وهو المراد بالوصف في هذا المقام . ب - وفي البيع المشتمل على الرّبا يقولون : إنّ ركن البيع ، وهو المبادلة الماليّة من أهلها في محلّها موجودة ، فيكون مشروعاً ، لكن لم توجد المبادلة التّامّة ، فأصل المبادلة حاصل ، لا وصفها ، وهو كونها تامّةً . وهذا بخلاف بيع الميتة والأجنّة ، لأنّها ليست بمال ، ولا متقوّمةً ، فهو غير مشروع أصلاً . وفيما يلي أحكام البيع الباطل - من وجهة نظر الحنفيّة الّذين قرّروه - ثمّ أحكام البيع الفاسد ، ثمّ أحكام البيع المكروه . أوّلاً : أحكام البيع الباطل عند الحنفيّة : 151 - لا ينعقد البيع الباطل أصلاً ، وليس له وجود معتبر شرعاً ، وإذا قبض المشتري المبيع فلا يكون ملكاً له . قال الكاسانيّ : ولا حكم لهذا البيع أصلاً ، لأنّ الحكم للموجود ، ولا وجود لهذا البيع إلاّ من حيث الصّورة ، لأنّ التّصرّف الشّرعيّ لا وجود له بدون الأهليّة والمحلّيّة شرعاً ، إذ لا وجود للتّصرّف الحقيقيّ إلاّ من الأهل في المحلّ حقيقةً ، وذلك نحو بيع الميتة والدّم والعذرة والبول وبيع الملاقيح والمضامين وكلّ ما ليس بمال . وإذا هلك المبيع عند المشتري ، ففي ضمانه خلاف عند الحنفيّة : أ - قيل : لا يضمن ، لأنّه أمانة في يده ، وذلك لأنّ العقد إذا بطل بقي مجرّد القبض بإذن المالك ، وهو لا يضمن إلاّ بالتّعدّي ، كما نقله ابن عابدين عن الدّرر . وقيل : إنّ هذا قول أبي حنيفة . ب - وقيل : يكون مضموناً ، لأنّه يصير كالمقبوض على سوم الشّراء . واختار السّرخسيّ وغيره أن يكون مضموناً بالمثل أو بالقيمة ، لأنّه لا يكون أدنى حالاً من المقبوض على سوم الشّراء . وقيل : إنّ هذا قول الصّاحبين . وفي القنية : أنّه الصّحيح ، لكونه قبضه لنفسه فشابه الغصب ، وفي الدّرّ : قيل : وعليه الفتوى . وللتّفصيل ينظر : ( البيع الباطل ) . ثانياً : أحكام البيع الفاسد : 152 - ينبني على البيع الفاسد عدّة آثار هي : انتقال الملك بالقبض ، واستحقاق الفسخ لحقّ الشّرع ، وعدم طيب الرّبح النّاشئ من المبيع ، وقبوله للتّصحيح ، وضمان المبيع بالهلاك ، وثبوت الخيار فيه . وينظر تفصيل هذه الآثار وما يتعلّق بها في مصطلح : ( البيع الفاسد ) . هذا عند الحنفيّة . أمّا أحكامه عند الجمهور فهي أحكام البيع الباطل لعدم تفرقتهم بينهما ، وانظر في مصطلح : ( البيع الباطل ) . ثالثاً : أحكام البيع المكروه : 153 - حكم البيع المكروه : المنع شرعاً وترتّب الإثم ، ولكنّه مع هذا صحيح . لأنّ النّهي باعتبار معنًى مجاور للبيع ، لا في صلبه ، ولا في شرائط صحّته ، ومثل هذا النّهي لا يوجب الفساد ، بل الكراهية . فالبيع عند الأذان للجمعة ، وبيع النّجش ، وبيع الإنسان على بيع أخيه ، وسومه على سومه ، ونحوها بيوع منهيّ عنها ، وهي - كما يقول الحصكفيّ مكروهة كراهة تحريم ، لكنّها صحيحة وليست باطلةً ، مع النّهي عنها عند الجمهور ، إلاّ في روايات عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وذلك لأنّ النّهي لا يرجع إلى ذات المنهيّ عنه ، ولا إلى شرائط الصّحّة ، بل إلى معنًى يقترن به . 154 - ومن أهمّ أحكام البيع المكروه : - أنّه بيع صحيح ، كما هو مذهب الجمهور . - وأنّه يملك فيه المبيع قبل قبضه . - وأنّه يجب فيه الثّمن ، لا القيمة . - وأنّه لا يجب فسخه . وقيل : إنّ فسخه واجب على كلّ منهما ، صوناً لهما عن المحظور ، ولأنّ رفع المعصية واجب بقدر الإمكان . ووفّق ابن عابدين - رحمه الله تعالى - بين القولين بأنّ الوجوب عليها ديانةً . بخلاف البيع الفاسد ، فإنّهما إذا أصرّا عليه يفسخه القاضي جبراً عليها ، ووجّهه أنّ البيع هنا صحيح ، فلا يلي القاضي فسخه لحصول الملك الصّحيح . لكن قرّر ابن جزيّ من المالكيّة ، أنّه إذا كان النّهي عن البيع يتعلّق بمحظور خارج عن باب البيوع ، كالبيع والشّراء في موضع مغصوب ، فهذا لا يفسخ ، فات أو لم يفت . وإذا كان النّهي عن البيع ، ولم يخلّ فيه بشرط مشترط في صحّة البيوع ، كالبيع وقت الجمعة ، وبيع الحاضر للبادي ، وتلقّي الجلب ، فاختلف فيه : فقيل فسخ . وقيل : لا يفسخ ، وقيل : يفسخ إن كانت السّلعة قائمةً . البيع الموقوف * التّعريف : 1- البيع : مبادلة المال بالمال . وأمّا الموقوف فهو مشتقّ من " وقف " يقال : وقفت الدّابّة وقوفاً سكنت ، ووقفتها أنا وقفاً : جعلتها تقف . ووقفت الدّار وقفاً حبستها في سبيل اللّه ، ووقفت الأمر على حضور زيد : علّقت الحكم على حضوره ، ووقفت قسمة الميراث إلى الوضع : أخّرتها حتّى تضع الحبلى . ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللّفظ عن معانيه اللّغويّة . وأمّا البيع الموقوف ، فقد عرّفه الفقهاء الّذين أجازوه بأنّه : البيع المشروع بأصله ووصفه ، ويفيد الملك على وجه التّوقّف ، ولا يفيد تمامه لتعلّق حقّ الغير به ، وهو من البيع الصّحيح . ويقابله البيع النّافذ ، وهو : البيع الصّحيح الّذي لا يتعلّق به حقّ الغير . ويفيد الحكم في الحال . فالنّافذ هو ضدّ الموقوف ، فمتى قيل : بيع نافذ أريد به أنّه بيع غير موقوف . مشروعيّة البيع الموقوف : 2 - يرى الحنفيّة والمالكيّة ، والحنابلة في إحدى الرّوايتين ، وهو قول الشّافعيّة في المذهب القديم - كما حكي عن الجديد أيضاً - مشروعيّة البيع الموقوف واعتباره قسماً من أقسام البيع الصّحيح ، لعمومات البيع نحو قوله تعالى { وأحَلَّ اللّه البيعَ } وقوله عزّ شأنه { يا أيّها الّذينَ آمنوا لا تَأْكُلوا أمْوالَكُمْ بينكمْ بالبَاطِلِ إلاّ أنْ تكُونَ تجارةً عن تراضٍ مِنْكُمْ } وجه الدّلالة من هذه الآيات : أنّ اللّه سبحانه وتعالى شرع البيع والشّراء والتّجارة من غير فصل ، بين ما إذا وجد من المالك بطريق الأصالة ، وبين ما إذا وجد من الوكيل في الابتداء ، أو بين ما إذا وجدت الإجازة من المالك في الانتهاء وبين وجود الرّضا في التّجارة عند العقد أو بعده ، فيجب العمل بعمومها إلاّ ما خصّ بدليل . ولما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم « أنّه دفع ديناراً إلى عروة البارقيّ رضي الله عنه ، وأمره أن يشتري له أضحيّةً ، فاشترى شاتين ، ثمّ باع إحداهما بدينار ، وجاء بدينار وشاة إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدعا له بالبركة ، وقال عليه الصلاة والسلام : بارك اللّه في صفقة يمينك » ومعلوم أنّه لم يكن مأموراً ببيع الشّاة ، فلو لم ينعقد البيع الموقوف ، لما باع ولما دعا له بالخير والبركة على ما فعل ، ولأنكر عليه ، لأنّ الباطل ينكر . كما أنّ البيع الموقوف تصرّف صدر من أهله في محلّه فلا يلغو ، كما لو حصل من المالك ، وكالوصيّة بالمال ممّن عليه الدّين ، والوصيّة بأكثر من الثّلث ممّن لا دين عليه . والتّصرّف إذا صدر من أهله في محلّه تحقّق به وجوده ، ثمّ قد يمتنع نفاذه شرعاً لمانع ، فيتوقّف على زوال ذلك المانع ، وبالإجازة يزول المانع ، وهو عدم رضا المالك به . ولأنّ البيع الموقوف يفيد الملكيّة بدون قبض تماماً ، كما هو الحكم في البيع الصّحيح ، فالبيع الموقوف هو بيع صحيح لصدق تعريفه وحكمه عليه . وانعقاد هذا البيع موقوفاً على الإجازة لا ينافي كونه صحيحاً . 3 - وذهب الشّافعيّة على المشهور من المذهب ، والحنابلة في إحدى الرّوايتين ، وهو قول أبي ثور وابن المنذر إلى بطلان العقد الموقوف . واستدلّوا بحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : « سألت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلت : يأتيني الرّجل يسألني من البيع ما ليس عندي ، أأبتاع له من السّوق ثمّ أبيعه منه ؟ قال : لا تبع ما ليس عندك » . كما احتجّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا بيع ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ابن آدم » ولأنّ وجود السّبب بكماله بدون آثاره يدلّ على فساده . ويقيسون البيع الموقوف على الطّلاق والعتاق أنواع البيع الموقوف : 4 - عقد البيع يكون موقوفاً إذا تعلّق به حقّ الغير ، وهو أن يكون ملك الغير أو يكون لغير المالك حقّ في المبيع . وقد حصر صاحب " الخلاصة " أنواع البيع الموقوف في خمسة عشر نوعاً ، وأوصلها صاحب " النّهر " إلى ثمانية وثلاثين نوعاً ، وذكر ابن نجيم في " البحر الرّائق " تسعاً وعشرين صورةً للبيع الموقوف أهمّها : - بيع الصّبيّ المحجور موقوف على إجازة الأب أو الوصيّ . - بيع غير الرّشيد موقوف على إجازة القاضي . - بيع المرهون موقوف على إجازة المرتهن . - بيع العين المستأجرة موقوف على إجازة المستأجر . - بيع ما في مزارعة الغير موقوف على إجازة المزارع . - بيع البائع للشّيء المبيع بعد القبض من غير المشتري موقوف على إجازة المشتري الأوّل . - بيع المرتدّ عند الإمام أبي حنيفة موقوف على توبته من الرّدّة . - بيع الشّيء برقمه موقوف على تبيّن الثّمن . - البيع بما باع به فلان والمشتري لا يعلم ، فهو موقوف على العلم في المجلس . - البيع بمثل ما يبيع النّاس موقوف على تبيّن الثّمن . - البيع بمثل ما أخذ به فلان موقوف على تبيّن الثّمن . - بيع المالك العين المغصوبة موقوف على إقرار الغاصب ، أو البرهان بعد إنكاره . - بيع مال الغير موقوف على إجازته ( وهو بيع الفضوليّ ) . - بيع الشّريك نصيبه من مشترك بالخلط الاختياريّ ، أو الاختلاط بغير فعل المالكين موقوف على إجازة شريكه . - بيع المريض مرض الموت عيناً من أعيان ماله لبعض ورثته ، موقوف على إجازة باقي الورثة ولو كان بمثل القيمة عند أبي حنيفة . - بيع الوارث التّركة المستغرقة بالدّين موقوف على إجازة الغرماء . - أحد الوكيلين أو الوصيّين أو النّاظرين إذا باع بحضرة صاحبه يتوقّف على إجازته ( إذا كان مشروطاً اجتماعهما على التّصرّف ) . - بيع المعتوه موقوف . حكم البيع الموقوف : 5 - حكم البيع الموقوف هو أنّه يقبل الإجازة عند توافر الشّروط الآتية : أ - وجود البائع حيّاً ، لأنّه يلزمه حقوق العقد بالإجازة ، ولا تلزم إلاّ حيّاً . ب - وجود المشتري حيّاً ليلزمه الثّمن ، وبعد الموت لا يلزمه ، ما لم يكن لزمه حال أهليّته . ج - وجود المبيع ، لأنّ الملك لم ينتقل فيه ، وإنّما ينتقل بعد الإجازة ، ولا يمكن أن ينتقل بعد الهلاك . والمراد بكون المبيع قائماً ، أن لا يكون متغيّراً بحيث يعدّ شيئاً آخر ، فإنّه لو باع ثوب غيره بغير أمره ، فصبغه المشتري ، فأجاز المالك البيع جاز ، ولو قطعه وخاطه ثمّ أجاز البيع لا يجوز ، لأنّه صار شيئاً آخر . د - وجود الثّمن في يد البائع إذا كان عيناً كالعروض ، أمّا إذا كان الثّمن ديناً كالدّراهم والدّنانير والفلوس فوجود الثّمن في يد البائع ليس بشرط . هـ - وجود المالك ، لأنّ الإجازة تكون منه ، حتّى لو مات المالك قبل إجازته البيع لا يجوز بإجازة ورثته كما يقول الحنفيّة . ويرى المالكيّة انتقال حقّ إجازة البيع الموقوف إلى الوارث . هذا ، وللتّوسّع فيما تثبت به الإجازة وسائر المسائل المتعلّقة بها ( ر : إجازة ) وإذا أجيز البيع الموقوف يستند أثره ( أي يسري منذ العقد ) على ما سيأتي . أثر البيع الموقوف : 6 - البيع النّافذ يفيد الحكم في الحال ، وهو ملكيّة البائع للثّمن والمشتري للمبيع ، وتصرّف كلّ منهما فيما في يده من غير حاجة في ذلك إلى شيء آخر ، سواء أذكر في العقد تملّك البائع للثّمن والمشتري للمبيع أم لم يذكر ، لأنّ النّصّ على المقتضى بعد حصول الموجب ليس بشرط . ويشترط لنفاذ البيع أن يكون البائع مالكاً للمبيع ، أو وكيلاً لمالكه أو وصيّه ، وأن لا يكون في المبيع حقّ آخر . وإذا تخلّف شرط منها فإنّ العقد يكون موقوفاً فلا يفيد الحكم إلاّ عند إجازة صاحب الشّأن ، فإن أجاز نفذ وإلاّ بطل . فقبل أن تصدر الإجازة ممّن يملكها لا يظهر أثر البيع الموقوف ، ويكون ظهور أثره موقوفاً على الإجازة ، فبيع الفضوليّ مثلاً لا ينفذ ابتداءً لانعدام الملك والولاية ، لكنّه ينعقد موقوفاً على إجازة المالك ، فإن أجاز ينفذ وإلاّ يبطل . ( ر : بيع الفضوليّ ) وكذلك إذا باع الرّاهن الرّهن بلا إذن المرتهن ، فالبيع موقوف - في أصحّ الرّوايات عند الحنفيّة - لتعلّق حقّ المرتهن به فيتوقّف على إجازته ، إن أجاز المرتهن أو قضى الرّاهن دينه نفذ ، وإذا نفذ البيع بإجازة المرتهن انتقل حقّه إلى بدله . وللتّفصيل ( ر : رهن ) . هذا ، وينبغي التّنويه إلى أنّ البيع الموقوف لا يتوقّف دائماً نفاذه ، وظهور أثره على إجازة شخص غير العاقد ، بل هذا هو الأغلب ، فقد يكون متوقّف النّفاذ لا على إجازة أحد ، بل على زوال حالة أوجبت عدم النّفاذ ، كما في بيع المرتدّ عن الإسلام ، فإنّ نفاذ بيعه يتوقّف على عودته إلى الإسلام عند أبي حنيفة . التّصرّفات الواقعة على المعقود عليه أثناء التّوقّف : 7 - التّصرّفات الواقعة على المعقود عليه في البيع الموقوف أثناء التّوقّف منها ما يستند أثره إلى وقت إنشاء العقد ، ومنها ما يبدأ أثره من حين الإجازة . فالإجازة تارةً تكون إنشاءً ، وتارةً تكون إظهاراً . وفيما يلي أمثلة لهذين النّوعين من التّصرّفات . أوّلاً : التّصرّفات الّتي تستند إلى وقت إنشاء العقد : أ - إذا أجيز بيع الفضوليّ لمال الغير فإنّه يعتبر نافذاً مستنداً حكمه إلى وقت إنشاء العقد ، فيصير المبيع ملكاً للمشتري ، والثّمن ملكاً للممالك أمانةً في يد الفضوليّ ، لأنّ الإجازة اللّاحقة بمنزلة الوكالة السّابقة . فإذا هلك الثّمن في يد الفضوليّ قبل الإجازة ، ثمّ أجيز العقد لم يضمنه كالوكيل ، وكذلك إذا حطّ البائع الفضوليّ من الثّمن ثمّ أجاز المالك البيع يثبت البيع والحطّ ، سواء أعلم البائع بالحطّ أم لم يعلم ، إلاّ أنّه إذا علم بالحطّ بعد الإجازة يثبت له الخيار . ووجه ذلك أنّ الفضوليّ يصير بالإجازة كوكيل ، ولو حطّه الوكيل لا يتمكّن الموكّل من مطالبة المشتري به ، كذا هذا . ب - إذا أجاز المالك البيع الموقوف ، فإن ملك المبيع يثبت للمشتري من وقت الشّراء ، ويثبت له بالتّالي الحقّ في كلّ ما يحدث بالمبيع قبل الإجازة من نماء أو زيادة ، كالكسب والولد والأرش وما إلى ذلك . ثانياً : التّصرّفات الّتي يقتصر حكمها على وقت صدور الإجازة : أ - لا يجوز للمشتري من الفضوليّ التّصرّف في المبيع قبل صدور الإجازة ، سواء أقبضه أم لم يقبضه . فإذا باع المشتري من الفضوليّ المبيع من غيره ، ثمّ أجاز المالك بيع الفضوليّ لا ينفذ بيع المشتري من الفضوليّ ، كما يقول الحنفيّة ، لأنّ المشتري من الفضوليّ لم يملك ما اشتراه إلاّ بعد الإجازة ، فبيعه وقع على ما لم يملك . ب - إذا باع الفضوليّ شيئاً مملوكاً لغيره ، فإنّ طلب الشّفعة في الشّيء الّذي باعه يكون وقت الإجازة . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية