الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41116" data-attributes="member: 329"><p>بيع وشرط *</p><p>1 - وردت في الشّريعة الإسلاميّة نصوص شرعيّة تقرّر للعقود آثارها ، ووردت فيها نصوص أخرى ، بعضها عامّ ، وبعضها خاصّ ، فيما يتّصل بمبلغ حقّ المتعاقدين في تعديل آثار العقود ، بالإضافة عليها ، أو النّقص منها ، وذلك بشروط يشترطانها في عقودهما . ففي القرآن الكريم ، ورد قوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا أوْفوا بالعقود } ، وقوله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطلِ ، إلاّ أنْ تكونَ تجارةً عن تراضٍ منكم } . </p><p>وفي السّنّة النّبويّة ورد حديث : « ... المسلمون على شروطهم ، إلاّ شرطاً حرّم حلالاً » وفي رواية : « عند شروطهم » ، وحديث : « مقاطع الحقوق عند الشّروط » ، وحديث : </p><p>« ما كان من شرط ليس في كتاب اللّه ، فهو باطل » أي ليس فيما كتبه اللّه وأوجبه في شريعته الّتي شرعها . وحديث : عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ، « عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه : نهى عن بيع وشرط » . </p><p>فهذه النّصوص - في مجموعها - تشير إلى أنّ هناك : شروطاً مباحةً للمتعاقدين ، يتخيّرون منها ما يشاءون للالتزام بها في عقودهما ، وشروطاً محظورةً ، لا حقّ لأحد من المتعاقدين في اشتراطها في عقودهما ، لما أنّها تناقض المقصود ، أو تخالف القواعد العامّة الشّرعيّة ، أو تصادم مقصداً من مقاصد الشّريعة . وفيما يلي تفصيل مذاهب الفقهاء في البيع والشّرط ، كلّ مذهب على حدة للاختلاف الشّديد بينها في ذلك . </p><p>أوّلاً : مذهب الحنفيّة :</p><p>2 - وضع الحنفيّة هذا الضّابط للشّرط المنهيّ عنه ، الّذي يفسد العقد ، وهو : كلّ شرط لا يقتضيه العقد ، ولا يلائمه وفيه نفع لأحدهما ، أو لأجنبيّ ، أو لمبيع هو من أهل الاستحقاق ، ولم يجر العرف به . ولم يرد الشّرع بجوازه .</p><p>3 - أمّا إذا كان الشّرط ممّا يقتضيه العقد ، أي يجب بالعقد من غير شرط ، فإنّه يقع صحيحاً ، ولا يوجب فساد البيع . كما إذا اشترى بشرط أن يتملّك المبيع ، أو باع بشرط أن يتملّك الثّمن ، أو باع بشرط أن يحبس المبيع لاستيفاء الثّمن ، أو اشترى على أن يسلّم إليه المبيع ، أو اشترى دابّةً على أن يركبها ، أو ثوباً على أن يلبسه ، أو حنطةً في سنبلها وشرط الحصاد على البائع ، ونحو ذلك ، فالبيع جائز لأنّ البيع يقتضي هذه المذكورات من غير شرط ، فكان ذكرها في معرض الشّرط تقريراً لمقتضى العقد ، فلا توجب فساد العقد .</p><p>4 - وكذلك إذا كان الشّرط ملائماً للعقد ، بأن يؤكّد موجبه ، فإنّه لا يفسد العقد ، ولو كان لا يقتضيه العقد ، لأنّه يقرّر حكمه من حيث المعنى ويؤكّده ، فيلتحق بالشّرط الّذي هو من مقتضيات العقد ، كشرط رهن معلوم بالإشارة أو التّسمية ، وشرط كفيل حاضر قبل الكفالة ، أو غائب فحضر وقبلها قبل التّفرّق . واشتراط الحوالة كالكفالة ، فلو باع على أن يحيل المشتري البائع على غيره بالثّمن ، قالوا : فسد قياساً ، وجاز استحساناً . </p><p>لكنّ الكاسانيّ اعتبر شرط الحوالة مفسداً ، لأنّه لا يقتضيه العقد ، ولا يقرّر موجبه ، لأنّ الحوالة إبراء عن الثّمن وإسقاط له ، فلم يكن ملائماً للعقد ، بخلاف الكفالة والرّهن .</p><p>5- ويشمل شرط المنفعة عندهم ما يأتي :</p><p>أ - أن يكون شرط المنفعة لأحد المتعاقدين : كما إذا باع داراً على أن يسكنها البائع شهراً ، ثمّ يسلّمها إليه ، أو أرضاً على أن يزرعها سنةً ، أو دابّةً على أن يركبها شهراً ، أو ثوباً على أن يلبسه أسبوعاً ، أو على أن يقرضه المشتري قرضاً ، أو على أن يهبه هبةً ، أو يزوّجه ابنته ، أو يبيع منه كذا ، ونحو ذلك ، أو اشترى ثوباً على أن يخيطه البائع قميصاً ، أو حنطةً على أن يطحنها ، أو ثمرةً على أن يجذّها ، أو شيئاً له حمل ومؤنة على أن يحمله البائع إلى منزله ، ونحو ذلك . فالبيع في هذا كلّه فاسد ، لأنّ زيادة منفعة مشروطة في البيع تكون رباً ، لأنّها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع ، وهو تفسير الرّبا ، والبيع الّذي فيه الرّبا فاسد ، أو فيه شبهة الرّبا ، وإنّها مفسدة للبيع ، كحقيقة الرّبا .</p><p>ب - ويشمل ما إذا كانت المنفعة لأجنبيّ ، كما إذا باع ساحةً على أن يبني فيها مسجداً ، أو طعاماً على أن يتصدّق به ، فهو فاسد ، وإن يكن في مذهب الحنفيّة قولان في اشتراط القرض ونحوه من المنفعة لأجنبيّ .</p><p>ج - ويشمل ما إذا كانت المنفعة للمعقود عليه ، كما لو باع جاريةً على أن يوصي المشتري بعتقها ، فالبيع فاسد ، لأنّه شرط فيه منفعةً للمبيع ، وإنّه مفسد . وكذا لو شرط عليه أن يعتقها في ظاهر الرّواية . وكذا لو شرط عليه أن لا يبيعها أو لا يهبها ، لأنّ المملوك يسرّه أن لا تتداوله الأيدي . وروى الحسن عن الإمام أبي حنيفة جواز اشتراط الإعتاق على المشتري . أمّا ما لا منفعة فيه لأحد فلا يتناوله الشّرط المذكور ، ولا يوجب الفساد ، كما لو باعه ثوباً وشرط عليه أن لا يبيعه ، أو لا يهبه ، أو باعه دابّةً على أن لا يبيعها ، أو طعاماً على أن يأكله ولا يبيعه ، فهذا شرط لا منفعة فيه لأحد ، فلا يوجب في الصّحيح الفساد ، لأنّ الفساد في مثل هذه الشّروط - كما يقول الكاسانيّ - لتضمّنها الرّبا بزيادة منفعة مشروطة لا يقابلها عوض ، ولم يوجد في هذا الشّرط ، لأنّه لا منفعة فيه لأحد ، ولا مطالب له به ، فلا يؤدّي إلى الرّبا ، ولا إلى المنازعة ، فالعقد جائز ، والشّرط باطل .</p><p>6- أمّا ما فيه مضرّة لأحدهما ، كما لو باع الثّوب بشرط أن يخرقه المشتري ، أو الدّار على أن يخرّبها ، فالبيع جائز ، والشّرط باطل ، لأنّ شرط المضرّة لا يؤثّر في البيع . ونقل ابن عابدين أنّ هذا مذهب محمّد . ومذهب أبي يوسف هو فساد البيع . وما لا مضرّة ولا منفعة فيه لأحد ، فهو جائز ، كما لو اشترى طعاماً بشرط أكله ، أو ثوباً بشرط لبسه .</p><p>7- واستثنى الحنفيّة من شرط المنفعة المفسد ، ما جرى به العرف ، وتعامل به النّاس من غير إنكار ، ومثّلوا له بشراء حذاء بشرط أن يضع له البائع نعلاً ( أو كعباً ) أو القبقاب بشرط أن يسمّر له البائع سيراً ، أو صوفاً منسوجاً ليجعله له البائع قلنسوةً ( أو معطفاً ) أو اشترى قلنسوةً بشرط أن يجعل لها البائع بطانةً من عنده ، أو خفّاً أو ثوباً خلقاً على أن يرقّعه أو يرفوه له البائع . فهذا ونحوه من الشّروط الجائزة عند الحنفيّة ، فيصحّ البيع بها ، ويلزم الشّرط استحساناً ، للتّعامل الّذي جرى به عرف النّاس . </p><p>والقياس فساده - كما يقول زفر - لأنّ هذه الشّروط لا يقتضيها العقد ، وفيها نفع لأحد المتعاقدين ، وهو المشتري هنا ، لكنّ النّاس تعاملوها ، وبمثله يترك القياس .</p><p>8- ونصّ ابن عابدين - رحمه الله - على اعتبار العرف الحادث . فلو حدث عرف في غير الشّرط المذكور في بيع الثّوب بشرط رفوه ، والنّعل بشرط حذوه ، يكون معتبراً ، إذا لم يؤدّ إلى المنازعة . ونقل ابن عابدين - رحمه الله - عن المنح ، أنّه لا يلزم من اعتبار العرف في هذه الحال أن يكون قاضياً على حديث : « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط » لأنّ الحديث معلّل بوقوع النّزاع المخرج للعقد عن المقصود به ، وهو قطع المنازعة ، والعرف ينفي النّزاع ، فكان موافقاً لمعنى الحديث ، فلم يبق من الموانع إلاّ القياس ، والعرف قاض عليه .</p><p>9- كما يستثنى من شرط مخالفة اقتضاء العقد ، ما ورد به الشّرع ، وهذا كشرط الأجل في دفع الثّمن ، لحاجة النّاس إلى ذلك ، لكنّه يشترط أن يكون معلوماً لئلاّ يفضي إلى النّزاع . وكذا شرط الخيار في البيع ، لأنّه ثبت في حديث حبّان بن منقذ رضي الله عنه المعروف : </p><p>« إذا بايعت فقل لا خلابة ثمّ أنت بالخيار في كلّ سلعة ابتعتها ثلاث ليال ، فإن رضيت فأمسك ، وإن سخطت فاردد » . وقد عدّد الحنفيّة اثنين وثلاثين موضعاً لا يفسد فيها البيع بالشّرط . 10 - وهل يشترط اقتران الشّرط الفاسد بالعقد ؟ وما حكم التّنصيص على الشّرط بعد العقد ، وما حكم ابتناء العقد عليه ؟ </p><p>أ – أمّا التحاقه بالعقد بعد الافتراق عن المجلس ، ففيه روايتان مصحّحتان في المذهب : إحداهما عن أبي حنيفة : أنّه يلتحق بأصل العقد ، والأخرى عن الصّاحبين – وهي الأصحّ – أنّه لا يلتحق . </p><p>وأيّدت هذه الرّواية : بما لو باع مطلقاً ، ثمّ أجّل الثّمن ، فإنّه يصحّ التّأجيل ، لأنّه في حكم الشّرط الفاسد ، وبما لو باعا بلا شرط ، ثمّ ذكرا الشّرط على وجه الوعد ، جاز البيع ، ولزم الوفاء بالوعد ، إذ المواعيد قد تكون لازمةً ، فيجعل لازماً لحاجة النّاس . وبما لو تبايعا بلا ذكر شرط ( الوفاء ) ثمّ شرطاه ، يكون من قبيل بيع الوفاء ، إذ الشّرط اللّاحق يلتحق بأصل العقد ، عند أبي حنيفة لا عند صاحبيه ، والصّحيح أنّه لا يشترط لالتحاقه مجلس العقد .</p><p>ب - وأمّا ابتناء العقد على الشّرط الفاسد ، كما لو شرطا شرطاً فاسداً قبل العقد ، ثمّ عقدا العقد ، فقد نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين عدم فساد العقد ، لكنّه حقّق ابتناء الفساد لو اتّفقا على بناء العقد عليه ، وذلك : بالقياس على ما صرّحوا به في بيع الهزل . وبالقياس على ما أفتى به الرّمليّ - نقلاً عن كتب المذهب - في رجلين تواضعا على بيع الوفاء قبل عقده ، وعقدا البيع خالياً عن الشّرط : بأنّه يكون على ما تواضعا عليه .</p><p>ثانياً : مذهب المالكيّة :</p><p>11 - فصّل المالكيّة في الشّرط الّذي يتصوّر حصوله عند البيع ، فقالوا : إنّه إمّا أن لا يقتضيه العقد وينافي المقصود منه . وإمّا أن يخلّ بالثّمن . وإمّا أن يقتضيه العقد ، وإمّا أن لا يقتضيه ولا ينافيه . فالّذي يضرّ بالعقد ويبطله هو الشّرط الّذي فيه مناقضة المقصود من البيع ، أو إخلال بالثّمن ، وهذا عندهم محمل حديث « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط » ، دون الأخيرين . </p><p>فمثال الأوّل ، وهو الّذي لا يقتضيه العقد وينافي المقصود منه - ووصفه ابن جزيّ : بالّذي يقتضي التّحجير على المشتري - أن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع السّلعة لأحد أصلاً ، أو إلاّ من نفر قليل ، أو لا يهبها ، أو لا يركبها ، أو لا يلبسها ، أو لا يسكنها ، أو لا يؤاجرها ، أو على أنّه إن باعها من أحد فهو أحقّ بالثّمن . أو يشترط الخيار إلى أمد بعيد . ففي هذه الأحول كلّها يبطل الشّرط والبيع .</p><p>12 - واستثنى المالكيّة من منافاة الشّرط مقتضى العقد بعض الصّور : </p><p>الأولى : أنّه لو طلب البائع من المشتري الإقالة ، فقال له المشتري : على شرط إن بعتها غيري فأنا أحقّ بها بالثّمن . فهذه الصّورة مستثناة من عدم البيع من أحد ، وهي مع ذلك جائزة عندهم ، لأنّه يغتفر في الإقالة ما لا يغتفر في غيرها .</p><p>الثّانية : أن يشترط البائع على المشتري أن يقف المبيع ، أو أن يهبه ، أو أن يتصدّق به على الفقراء ، فهذه من الجائزات ، لأنّها من ألوان البرّ الّذي يدعو إليه الشّرع . </p><p>الثّالثة : أن يبيع أمةً بشرط تنجيز عتقها ، فإنّه جائز ، وإن كان منافياً لمقتضى العقد ، وهذا لتشوّف الشّارع إلى الحرّيّة ، بخلاف اشتراط التّدبير والكتابة ، واتّخاذ الأمة أمّ ولد ، فإنّه لا يجوز ، لما فيه من التّضييق على المشتري .</p><p>13 - أمّا الشّرط الثّاني ، وهو الإخلال بالثّمن ، فهو مصوّر بأمرين : </p><p>الأوّل : الجهل بالثّمن ، وهذا يتمثّل بالبيع بشرط السّلف ، أي القرض من أحدهما للآخر . فإن كان شرط السّلف صادراً من المشتري ، أخلّ ذلك بالثّمن ، لأنّه يؤدّي إلى جهل في الثّمن ، بسبب الزّيادة ، لأنّ انتفاعه بالسّلف من جملة الثّمن ، وهو مجهول . وإن كان شرط السّلف صادراً من البائع ، أخلّ ذلك بالثّمن ، لأنّه يؤدّي إلى جهل في الثّمن ، بسبب النّقص ، لأنّ انتفاعه بالسّلف من جملة المثمّن ، وهو مجهول . </p><p>الآخر : شبهة الرّبا ، لأنّ البيع بشرط السّلف ، يعتبر قرضاً جرّ نفعاً : فإن كان المشتري هو المقترض ، صار المقرض له هو البائع ، فينتفع البائع بزيادة الثّمن - وإن كان البائع هو المقترض ، صار المقرض له هو المشتري ، فينتفع المشتري بنقص الثّمن . </p><p>وقد صرّح ابن جزيّ في هذا الصّدد بأنّ اشتراط السّلف من أحد المتبايعين لا يجوز بإجماع .</p><p>14 - أمّا الشّرط الثّالث ، وهو الّذي يقتضيه العقد ، فهو كشرط تسليم المبيع إلى المشتري ، والقيام بالعيب ، وردّ العوض عند انتقاض البيع ، فهذه الأمور لازمة دون شرط ، لاقتضاء العقد إيّاها ، فشرطها تأكيد - كما يقول الدّسوقيّ .</p><p>15 - وأمّا الرّابع من الشّروط ، فهو كشرط الأجل المعلوم ، والرّهن ، والخيار ، والحميل ( أي الكفيل ) فهذه الشّروط لا تنافي العقد ، ولا يقتضيها ، بل هي ممّا تعود عليه بمصلحة ، فإن شرطت عمل بها ، وإلاّ فلا . وصحّحوا اشتراط الرّهن ، ولو كان غائباً ، وتوقّف السّلعة حتّى يقبض الرّهن الغائب . أمّا اشتراط الكفيل الغائب فجائز إن قربت غيبته ، لا إن بعدت ، لأنّه قد يرضى وقد يأبى ، فاشترط فيه القرب .</p><p>16 - وقد عرض ابن جزيّ لصور من الشّرط ، تعتبر استثناء ، أو ذات حكم خاصّ ، منها هذه الصّورة ، وهي : ما إذا شرط البائع منفعةً لنفسه ، كركوب الدّابّة أو سكنى الدّار مدّةً معلومةً ، فإنّ البيع جائز ، والشّرط صحيح . </p><p>فيبدو أنّ هذا كالاستثناء من التّفصيل الرّباعيّ المتقدّم . ودليله حديث جابر المعروف وهو : « أنّه كان يسير على جمل له ، قد أعيا ، فأراد أن يسيّبه . قال : ولحقني النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدعا لي ، وضربه ، فسار سيراً لم يسر مثله ، فقال : بعنيه ، فقلت : لا . ثمّ قال : بعنيه ، فبعته ، واستثنيت حملانه إلى أهلي » وفي رواية : « وشرطت ظهره إلى المدينة » . ويبدو أنّ هذا شرط جائز عند كثيرين ، فقد علّق الشّوكانيّ على هذا الحديث بقوله : وهو يدلّ على جواز البيع مع استثناء الرّكوب ، وبه قال الجمهور ، وجوّزه مالك إذا كانت مسافة السّفر قريبةً ، وحدّها بثلاثة أيّام . وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة وآخرون : لا يجوز ذلك ، سواء أقلّت المسافة أم كثرت . والحديث - وإن كان في الانتفاع اليسير بالمبيع إذا كان ممّا يركب من الحيوان - لكنّ المالكيّة قاسوا عليه الانتفاع اليسير بكلّ مبيع بعد بيعه ، على سبيل الاستمرار ، تيسيراً ، نظراً لحاجة البائعين .</p><p>17 - والجدير بالذّكر عند المالكيّة ، هو أنّه : إن أسقط الشّرط المخلّ بالعقد ، سواء أكان شرطاً يناقض المقصود من البيع كاشتراط عدم بيع المبيع ، أم كان شرطاً يخلّ بالثّمن كاشتراط السّلف من أحد المتبايعين ، فإنّه يصحّ البيع . ولا يشترط في هذه الحال سوى أن يكون الإسقاط مع قيام السّلعة . </p><p>فقد علّل الخرشيّ صحّة البيع هنا ، بحذف شرط السّلف ، بقوله : لزوال المانع .</p><p>18 - وهل يستوي الحكم في الإسقاط ، في مثل شرط القرض ، بين أن يكون قبل التّمكّن من الانتفاع به ، وبين أن يكون بعد التّمكّن ؟ قولان لهم في المسألة :</p><p>أ - فمشهور المذهب ، وهو قول ابن القاسم ، أنّه : إذا ردّ القرض على المقرض ، والسّلعة قائمة ، صحّ البيع ، ولو بعد غيبة المقترض على القرض غيبةً يمكنه الانتفاع به .</p><p>ب - وقول سحنون وابن حبيب ، هو : أنّ البيع ينقض مع الغيبة على القرض ، ولو أسقط شرط القرض ، لوجود موجب الرّبا بينهما ، أو لتمام الرّبا بينهما - كما عبّر الشّيخ الدّردير - فلا ينفع الإسقاط . والمعتمد الأوّل عند الدّردير ، كما صرّح به ، ومال الدّسوقيّ إلى الآخر ، كما يبدو من كلامه ونقله الآخر ، فقد حكى تشهيره ، وكذا الّذي يبدو من كلام العدويّ . وهنا سؤالان يطرحان :</p><p>19 - السّؤال الأوّل : ما الّذي يلزم لو وقع البيع بشرط القرض ، وهو الشّرط المخلّ بالثّمن ، وفاتت السّلعة عند المشتري ، بمفوّت البيع الفاسد ( كما لو هلكت ) سواء أسقط مشترط الشّرط شرطه ، أم لم يسقطه ؟ وفي الجواب أقوال : </p><p>الأوّل : وهذا في المدوّنة - إمّا أن يكون المقرض هو المشتري أو البائع :</p><p>أ - فإن كان المشتري هو الّذي أقرض البائع ، فإنّ المشتري يلزمه الأكثر من الثّمن الّذي وقع به البيع ، ومن القيمة يوم القبض . </p><p>فإذا اشتراها بعشرين والقيمة ثلاثون ، لزمه ثلاثون .</p><p>ب - وإن كان البائع هو الّذي أقرض المشتري ، فعلى المشتري للبائع الأقلّ من الثّمن ومن القيمة ، فيلزمه في المثال المذكور عشرون ، لأنّه أقرض ليزداد ، فعومل بنقيض قصده . الثّاني : يقابل الّذي في المدوّنة ، وهو لزوم القيمة مطلقاً ، سواء أكان المسلّف هو البائع أم المشتري . </p><p>الثّالث : أنّ تغريم المشتري الأقلّ ، إذا اقترض من البائع محلّه إذا لم يغب على ما اقترضه ، وإلاّ لزمه القيمة بالغةً ما بلغت . وهذا كلّه إذا كان المبيع قيميّاً ، فإن كان مثليّاً ، فإنّما يجب فيه المثل ، لأنّه كعينه ، فلا كلام لواحد ، فهو بمثابة ما لو كان قائماً ، وردّ بعينه . </p><p>السّؤال الثّاني :</p><p>20 - ما الّذي يلزم ، لو وقع البيع بشرط مناقض للمقصود ، وفاتت السّلعة عند المشتري ، سواء أأسقط ذلك الشّرط ، أم لم يسقط ؟ قالوا : الحكم هو : أنّ للبائع الأكثر من قيمتها يوم القبض ومن الثّمن ، لوقوع البيع بأنقص من الثّمن المعتاد ، لأجل الشّرط .</p><p>ثالثاً : مذهب الشّافعيّة :</p><p>21 - التزم الشّافعيّة نهي الشّارع عن بيع وشرط في الحديث المتقدّم . والتزموا حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا يحلّ سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك » ولم يستثنوا إلاّ ما ثبت استثناؤه بالشّرع ، وقليلاً ممّا رأوا أنّه من مقتضيات العقد أو مصالحه ، فكان مذهبهم بذلك أضيق المذاهب الثّلاثة . ومع ذلك ، فقد قسّم بعضهم الشّرط ، فقال : </p><p>الشّرط إمّا أن يقتضيه مطلق العقد ، كالقبض والانتفاع والرّدّ بالعيب ، أوْ لا . </p><p>فالأوّل : لا يضرّ بالعقد . </p><p>والثّاني - وهو الّذي لا يقتضيه العقد - إمّا أن يتعلّق بمصلحة العقد ، كشرط الرّهن ، والإشهاد والأوصاف المقصودة - من الكتابة والخياطة والخيار ونحو ذلك - أوْ لا . </p><p>فالأوّل : لا يفسده ، ويصحّ الشّرط نفسه . </p><p>والثّاني : - وهو الّذي لا يتعلّق بمصلحة العقد - إمّا أن لا يكون فيه غرض يورث تنازعاً ، كشرط أن لا تأكل الدّابّة المبيعة إلاّ كذا ، فهو لاغ ، والعقد صحيح . وإمّا أن يكون فيه غرض يورث تنازعاً ، فهذا هو الفاسد المفسد ، كالأمور الّتي تنافي مقتضاه ، نحو عدم القبض ، وعدم التّصرّف وما أشبه ذلك . وخلاصة هذا التّقسيم : </p><p>- 1 - أنّ اشتراط ما يقتضيه العقد ، أو يتعلّق بمصلحته أو بصحّته ، صحيح . </p><p>- 2 - وأنّ اشتراط ما لا غرض فيه لاغ ، ولا يفسد العقد . </p><p>- 3 - وأمّا اشتراط ما فيه غرض يورث تنازعاً ، فهو الشّرط المفسد ، وذلك كاشتراط ما يخالف مقتضاه . </p><p>22 - ومن أهمّ ما نصّوا عليه تطبيقاً للحديثين ولهذا التّقسيم : </p><p>- 1 - البيع بشرط بيع ، كأن يقول : بعتك هذه الأرض بألف ، على أن تبيعني دارك بكذا ، أو تشتري منّي داري بكذا ، فهذا شرط فاسد مفسد ، لا يقتضيه العقد . </p><p>- 2 - البيع بشرط القرض ، كأن يبيعه أرضه بألف ، بشرط أن يقرضه مائةً ، ومثل القرض الإجارة ، والتّزويج ، والإعارة . </p><p>- 3 - شراء زرع بشرط أن يحصده البائع ، أو ثوب بشرط أن يخيطه ، ومنه كما يقول عميرة البرلّسيّ : شراء حطب بشرط أن يحمله إلى بيته ، فالمذهب في هذا وأمثاله بطلان الشّراء ، لاشتماله على شرط عمل فيما لم يملكه بعد ، وذلك فاسد ، ولأنّه - كما قال الإسنويّ - شرط يخالف مقتضى العقد ، فيبطل البيع والشّرط في الأصحّ . وإن يكن عندهم قولان آخران في هذه الجزئيّة : </p><p>أحدهما : أنّه يصحّ البيع ، ويلزم الشّرط ، وهو في المعنى بيع وإجارة ، ويوزّع المسمّى عليهما باعتبار القيمة . </p><p>وثانيهما : يبطل الشّرط ، ويصحّ البيع بما يقابل المبيع من المسمّى . </p><p>23 - واستثنى الشّافعيّة مسائل معدودةً من النّهي صحّحوها مع الشّرط وهي :</p><p>أ - البيع بشرط الأجل المعيّن ، لقوله تعالى : { إذا تداينتم بِدَيْنٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكْتبوه } </p><p>ب - البيع بشرط الرّهن ، وقيّدوه بالمعلوميّة .</p><p>ج - البيع بشرط الكفيل المعلوم أيضاً ، لعوض ما ، من مبيع أو ثمن ثابت في الذّمّة ، وذلك للحاجة إليهما في معاملة من لا يرضى إلاّ بهما .</p><p>د - الإشهاد على جريان البيع ، للأمر به في الآية قال تعالى : { وأَشْهدوا إذا تَبَايَعْتُم } .</p><p>هـ - البيع بشرط الخيار ، لثبوته بحديث حبّان بن منقذ ، المعروف . </p><p>24 - البيع بشرط عتق المبيع ، وفيه أقوال عندهم : </p><p>القول الأوّل : وهو أصحّها ، أنّ الشّرط صحيح ، والبيع صحيح ، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها ، « أنّها أرادت أن تشتري بريرة للعتق ، فاشترطوا ولاءها ، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال : اشتريها وأعتقيها ، فإنّما الولاء لمن أعتق ولم ينكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ شرط الولاء لهم ، إذ قال : ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه ؟ من اشترط شرطاً ليس في كتاب اللّه فهو باطل » ولأنّ استعقاب البيع العتق عهد في شراء القريب ، فاحتمل شرطه . ولتشوّف الشّارع للعتق . على أنّ فيه منفعةً للمشتري ، دنيا بالولاء ، وأخرى بالثّواب ، وللبائع بالتّسبّب فيه . </p><p>القول الثّاني : أنّ الشّرط باطل والبيع باطل ، كما لو شرط بيعه أو هبته . </p><p>والقول الثّالث : أنّه يصحّ البيع ، ويبطل الشّرط . </p><p>25 - وممّا استثناه الشّافعيّة أيضاً من النّهي : شرط الولاء لغير المشتري مع العتق ، في أضعف القولين عندهم ، فيصحّ البيع ويبطل الشّرط ، لظاهر حديث بريرة في بعض رواياته ، « وقوله - عليه الصلاة والسلام - لعائشة رضي الله عنها : واشترطي لهم الولاء » . </p><p>لكنّ الأصحّ بطلان الشّرط والبيع في هذه الحال ، لما تقرّر في الشّرع ، من أنّ الولاء لمن أعتق . فأجاب هؤلاء عن حديث عائشة « واشترطي لهم الولاء » بأنّ الشّرط لم يقع في عقد البيع ، وبأنّه خاصّ بقضيّة عائشة ، وبأنّ قوله : « لهم » بمعنى : عليهم </p><p>26 - وممّا استثنوه أيضاً : شرط البراءة من العيوب في المبيع ، لأنّه يحتاج البائع فيه إلى شرط البراءة ، ليثق بلزوم البيع فيما لا يعلمه من الخفيّ ، دون ما يعلمه ، مطلقاً في حيوان أو غيره ، فالبيع مع الشّرط المذكور صحيح مطلقاً ، سواء أصحّ الشّرط أم لم يصحّ ، لأنّه شرط يؤكّد العقد ، ويوافق ظاهر الحال ، وهو السّلامة من العيوب . </p><p>وتأيّد هذا بما روي أنّ ابن عمر رضي الله عنهما :" باع عبداً له بثمانمائة درهم ، بالبراءة فقال له المشتري : به داء لم تسمّه لي . فاختصما إلى عثمان رضي الله عنه فقضى على ابن عمر أن يحلف : لقد باعه العبد وما به داء يعلمه ، فأبى أن يحلف ، وارتجع العبد ، فباعه بألف وخمسمائة ". قالوا : فدلّ قضاء عثمان المشهور بين الصّحابة على جواز اشتراط البراءة من العيب ، وهو مشهور بين الصّحابة ، فصار من الإجماع السّكوتيّ . </p><p>27 - وممّا استثنوه أيضاً :</p><p>أ - شرط نقل المبيع من مكان البائع ، قالوا : لأنّه تصريح بمقتضى العقد .</p><p>ب - شرط قطع الثّمار أو تبقيتها بعد صلاحها ونضجها ، فهو جائز في عقد البيع ، كما أنّه جائز بيعها بعد النّضج مطلقاً من الشّرط . لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثّمار حتّى يبدو صلاحها » . وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا تتبايعوا الثّمار حتّى يبدو صلاحها » فالحديث يدلّ على جواز بيع الثّمر بعد بدو صلاحه ، وهو صادق بكلّ الأحوال الثّلاثة : بيعه من غير شرط ، وبشرط قطعه ، وبشرط إبقائه .</p><p>ج - شرط أن يعمل البائع عملاً معلوماً في المبيع ، كما لو اشترى ثوباً بشرط أن يخيطه البائع ، في أضعف أقوال ثلاثة ، وقد تقدّمت .</p><p>د - اشتراط وصف مقصود في المبيع عرفاً ، ككون الدّابّة حاملاً أو ذات لبن ، فالشّرط صحيح ، وللمشتري الخيار إن تخلّف الشّرط . قالوا : ووجه الصّحّة : أنّ هذا الشّرط يتعلّق بمصلحة العقد . ولأنّه التزام موجود عند العقد ولا يتوقّف التزامه على إنشاء أمر مستقبل ، ذاك الّذي هو حقيقة الشّرط ، فلم يشمله النّهي عن بيع وشرط .</p><p>هـ - اشتراط أن لا يسلّم المبيع حتّى يستوفي الثّمن .</p><p>و - شرط الرّدّ بالعيب ، لأنّه مقتضى العقد .</p><p>ز - خيار الرّؤية فيما إذا باع ما لم يره ، على القول بصحّته ، للحاجة إلى ذلك .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41116, member: 329"] بيع وشرط * 1 - وردت في الشّريعة الإسلاميّة نصوص شرعيّة تقرّر للعقود آثارها ، ووردت فيها نصوص أخرى ، بعضها عامّ ، وبعضها خاصّ ، فيما يتّصل بمبلغ حقّ المتعاقدين في تعديل آثار العقود ، بالإضافة عليها ، أو النّقص منها ، وذلك بشروط يشترطانها في عقودهما . ففي القرآن الكريم ، ورد قوله تعالى : { يا أيّها الّذين آمنوا أوْفوا بالعقود } ، وقوله تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطلِ ، إلاّ أنْ تكونَ تجارةً عن تراضٍ منكم } . وفي السّنّة النّبويّة ورد حديث : « ... المسلمون على شروطهم ، إلاّ شرطاً حرّم حلالاً » وفي رواية : « عند شروطهم » ، وحديث : « مقاطع الحقوق عند الشّروط » ، وحديث : « ما كان من شرط ليس في كتاب اللّه ، فهو باطل » أي ليس فيما كتبه اللّه وأوجبه في شريعته الّتي شرعها . وحديث : عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه ، « عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه : نهى عن بيع وشرط » . فهذه النّصوص - في مجموعها - تشير إلى أنّ هناك : شروطاً مباحةً للمتعاقدين ، يتخيّرون منها ما يشاءون للالتزام بها في عقودهما ، وشروطاً محظورةً ، لا حقّ لأحد من المتعاقدين في اشتراطها في عقودهما ، لما أنّها تناقض المقصود ، أو تخالف القواعد العامّة الشّرعيّة ، أو تصادم مقصداً من مقاصد الشّريعة . وفيما يلي تفصيل مذاهب الفقهاء في البيع والشّرط ، كلّ مذهب على حدة للاختلاف الشّديد بينها في ذلك . أوّلاً : مذهب الحنفيّة : 2 - وضع الحنفيّة هذا الضّابط للشّرط المنهيّ عنه ، الّذي يفسد العقد ، وهو : كلّ شرط لا يقتضيه العقد ، ولا يلائمه وفيه نفع لأحدهما ، أو لأجنبيّ ، أو لمبيع هو من أهل الاستحقاق ، ولم يجر العرف به . ولم يرد الشّرع بجوازه . 3 - أمّا إذا كان الشّرط ممّا يقتضيه العقد ، أي يجب بالعقد من غير شرط ، فإنّه يقع صحيحاً ، ولا يوجب فساد البيع . كما إذا اشترى بشرط أن يتملّك المبيع ، أو باع بشرط أن يتملّك الثّمن ، أو باع بشرط أن يحبس المبيع لاستيفاء الثّمن ، أو اشترى على أن يسلّم إليه المبيع ، أو اشترى دابّةً على أن يركبها ، أو ثوباً على أن يلبسه ، أو حنطةً في سنبلها وشرط الحصاد على البائع ، ونحو ذلك ، فالبيع جائز لأنّ البيع يقتضي هذه المذكورات من غير شرط ، فكان ذكرها في معرض الشّرط تقريراً لمقتضى العقد ، فلا توجب فساد العقد . 4 - وكذلك إذا كان الشّرط ملائماً للعقد ، بأن يؤكّد موجبه ، فإنّه لا يفسد العقد ، ولو كان لا يقتضيه العقد ، لأنّه يقرّر حكمه من حيث المعنى ويؤكّده ، فيلتحق بالشّرط الّذي هو من مقتضيات العقد ، كشرط رهن معلوم بالإشارة أو التّسمية ، وشرط كفيل حاضر قبل الكفالة ، أو غائب فحضر وقبلها قبل التّفرّق . واشتراط الحوالة كالكفالة ، فلو باع على أن يحيل المشتري البائع على غيره بالثّمن ، قالوا : فسد قياساً ، وجاز استحساناً . لكنّ الكاسانيّ اعتبر شرط الحوالة مفسداً ، لأنّه لا يقتضيه العقد ، ولا يقرّر موجبه ، لأنّ الحوالة إبراء عن الثّمن وإسقاط له ، فلم يكن ملائماً للعقد ، بخلاف الكفالة والرّهن . 5- ويشمل شرط المنفعة عندهم ما يأتي : أ - أن يكون شرط المنفعة لأحد المتعاقدين : كما إذا باع داراً على أن يسكنها البائع شهراً ، ثمّ يسلّمها إليه ، أو أرضاً على أن يزرعها سنةً ، أو دابّةً على أن يركبها شهراً ، أو ثوباً على أن يلبسه أسبوعاً ، أو على أن يقرضه المشتري قرضاً ، أو على أن يهبه هبةً ، أو يزوّجه ابنته ، أو يبيع منه كذا ، ونحو ذلك ، أو اشترى ثوباً على أن يخيطه البائع قميصاً ، أو حنطةً على أن يطحنها ، أو ثمرةً على أن يجذّها ، أو شيئاً له حمل ومؤنة على أن يحمله البائع إلى منزله ، ونحو ذلك . فالبيع في هذا كلّه فاسد ، لأنّ زيادة منفعة مشروطة في البيع تكون رباً ، لأنّها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع ، وهو تفسير الرّبا ، والبيع الّذي فيه الرّبا فاسد ، أو فيه شبهة الرّبا ، وإنّها مفسدة للبيع ، كحقيقة الرّبا . ب - ويشمل ما إذا كانت المنفعة لأجنبيّ ، كما إذا باع ساحةً على أن يبني فيها مسجداً ، أو طعاماً على أن يتصدّق به ، فهو فاسد ، وإن يكن في مذهب الحنفيّة قولان في اشتراط القرض ونحوه من المنفعة لأجنبيّ . ج - ويشمل ما إذا كانت المنفعة للمعقود عليه ، كما لو باع جاريةً على أن يوصي المشتري بعتقها ، فالبيع فاسد ، لأنّه شرط فيه منفعةً للمبيع ، وإنّه مفسد . وكذا لو شرط عليه أن يعتقها في ظاهر الرّواية . وكذا لو شرط عليه أن لا يبيعها أو لا يهبها ، لأنّ المملوك يسرّه أن لا تتداوله الأيدي . وروى الحسن عن الإمام أبي حنيفة جواز اشتراط الإعتاق على المشتري . أمّا ما لا منفعة فيه لأحد فلا يتناوله الشّرط المذكور ، ولا يوجب الفساد ، كما لو باعه ثوباً وشرط عليه أن لا يبيعه ، أو لا يهبه ، أو باعه دابّةً على أن لا يبيعها ، أو طعاماً على أن يأكله ولا يبيعه ، فهذا شرط لا منفعة فيه لأحد ، فلا يوجب في الصّحيح الفساد ، لأنّ الفساد في مثل هذه الشّروط - كما يقول الكاسانيّ - لتضمّنها الرّبا بزيادة منفعة مشروطة لا يقابلها عوض ، ولم يوجد في هذا الشّرط ، لأنّه لا منفعة فيه لأحد ، ولا مطالب له به ، فلا يؤدّي إلى الرّبا ، ولا إلى المنازعة ، فالعقد جائز ، والشّرط باطل . 6- أمّا ما فيه مضرّة لأحدهما ، كما لو باع الثّوب بشرط أن يخرقه المشتري ، أو الدّار على أن يخرّبها ، فالبيع جائز ، والشّرط باطل ، لأنّ شرط المضرّة لا يؤثّر في البيع . ونقل ابن عابدين أنّ هذا مذهب محمّد . ومذهب أبي يوسف هو فساد البيع . وما لا مضرّة ولا منفعة فيه لأحد ، فهو جائز ، كما لو اشترى طعاماً بشرط أكله ، أو ثوباً بشرط لبسه . 7- واستثنى الحنفيّة من شرط المنفعة المفسد ، ما جرى به العرف ، وتعامل به النّاس من غير إنكار ، ومثّلوا له بشراء حذاء بشرط أن يضع له البائع نعلاً ( أو كعباً ) أو القبقاب بشرط أن يسمّر له البائع سيراً ، أو صوفاً منسوجاً ليجعله له البائع قلنسوةً ( أو معطفاً ) أو اشترى قلنسوةً بشرط أن يجعل لها البائع بطانةً من عنده ، أو خفّاً أو ثوباً خلقاً على أن يرقّعه أو يرفوه له البائع . فهذا ونحوه من الشّروط الجائزة عند الحنفيّة ، فيصحّ البيع بها ، ويلزم الشّرط استحساناً ، للتّعامل الّذي جرى به عرف النّاس . والقياس فساده - كما يقول زفر - لأنّ هذه الشّروط لا يقتضيها العقد ، وفيها نفع لأحد المتعاقدين ، وهو المشتري هنا ، لكنّ النّاس تعاملوها ، وبمثله يترك القياس . 8- ونصّ ابن عابدين - رحمه الله - على اعتبار العرف الحادث . فلو حدث عرف في غير الشّرط المذكور في بيع الثّوب بشرط رفوه ، والنّعل بشرط حذوه ، يكون معتبراً ، إذا لم يؤدّ إلى المنازعة . ونقل ابن عابدين - رحمه الله - عن المنح ، أنّه لا يلزم من اعتبار العرف في هذه الحال أن يكون قاضياً على حديث : « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط » لأنّ الحديث معلّل بوقوع النّزاع المخرج للعقد عن المقصود به ، وهو قطع المنازعة ، والعرف ينفي النّزاع ، فكان موافقاً لمعنى الحديث ، فلم يبق من الموانع إلاّ القياس ، والعرف قاض عليه . 9- كما يستثنى من شرط مخالفة اقتضاء العقد ، ما ورد به الشّرع ، وهذا كشرط الأجل في دفع الثّمن ، لحاجة النّاس إلى ذلك ، لكنّه يشترط أن يكون معلوماً لئلاّ يفضي إلى النّزاع . وكذا شرط الخيار في البيع ، لأنّه ثبت في حديث حبّان بن منقذ رضي الله عنه المعروف : « إذا بايعت فقل لا خلابة ثمّ أنت بالخيار في كلّ سلعة ابتعتها ثلاث ليال ، فإن رضيت فأمسك ، وإن سخطت فاردد » . وقد عدّد الحنفيّة اثنين وثلاثين موضعاً لا يفسد فيها البيع بالشّرط . 10 - وهل يشترط اقتران الشّرط الفاسد بالعقد ؟ وما حكم التّنصيص على الشّرط بعد العقد ، وما حكم ابتناء العقد عليه ؟ أ – أمّا التحاقه بالعقد بعد الافتراق عن المجلس ، ففيه روايتان مصحّحتان في المذهب : إحداهما عن أبي حنيفة : أنّه يلتحق بأصل العقد ، والأخرى عن الصّاحبين – وهي الأصحّ – أنّه لا يلتحق . وأيّدت هذه الرّواية : بما لو باع مطلقاً ، ثمّ أجّل الثّمن ، فإنّه يصحّ التّأجيل ، لأنّه في حكم الشّرط الفاسد ، وبما لو باعا بلا شرط ، ثمّ ذكرا الشّرط على وجه الوعد ، جاز البيع ، ولزم الوفاء بالوعد ، إذ المواعيد قد تكون لازمةً ، فيجعل لازماً لحاجة النّاس . وبما لو تبايعا بلا ذكر شرط ( الوفاء ) ثمّ شرطاه ، يكون من قبيل بيع الوفاء ، إذ الشّرط اللّاحق يلتحق بأصل العقد ، عند أبي حنيفة لا عند صاحبيه ، والصّحيح أنّه لا يشترط لالتحاقه مجلس العقد . ب - وأمّا ابتناء العقد على الشّرط الفاسد ، كما لو شرطا شرطاً فاسداً قبل العقد ، ثمّ عقدا العقد ، فقد نقل ابن عابدين عن جامع الفصولين عدم فساد العقد ، لكنّه حقّق ابتناء الفساد لو اتّفقا على بناء العقد عليه ، وذلك : بالقياس على ما صرّحوا به في بيع الهزل . وبالقياس على ما أفتى به الرّمليّ - نقلاً عن كتب المذهب - في رجلين تواضعا على بيع الوفاء قبل عقده ، وعقدا البيع خالياً عن الشّرط : بأنّه يكون على ما تواضعا عليه . ثانياً : مذهب المالكيّة : 11 - فصّل المالكيّة في الشّرط الّذي يتصوّر حصوله عند البيع ، فقالوا : إنّه إمّا أن لا يقتضيه العقد وينافي المقصود منه . وإمّا أن يخلّ بالثّمن . وإمّا أن يقتضيه العقد ، وإمّا أن لا يقتضيه ولا ينافيه . فالّذي يضرّ بالعقد ويبطله هو الشّرط الّذي فيه مناقضة المقصود من البيع ، أو إخلال بالثّمن ، وهذا عندهم محمل حديث « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط » ، دون الأخيرين . فمثال الأوّل ، وهو الّذي لا يقتضيه العقد وينافي المقصود منه - ووصفه ابن جزيّ : بالّذي يقتضي التّحجير على المشتري - أن يشترط البائع على المشتري أن لا يبيع السّلعة لأحد أصلاً ، أو إلاّ من نفر قليل ، أو لا يهبها ، أو لا يركبها ، أو لا يلبسها ، أو لا يسكنها ، أو لا يؤاجرها ، أو على أنّه إن باعها من أحد فهو أحقّ بالثّمن . أو يشترط الخيار إلى أمد بعيد . ففي هذه الأحول كلّها يبطل الشّرط والبيع . 12 - واستثنى المالكيّة من منافاة الشّرط مقتضى العقد بعض الصّور : الأولى : أنّه لو طلب البائع من المشتري الإقالة ، فقال له المشتري : على شرط إن بعتها غيري فأنا أحقّ بها بالثّمن . فهذه الصّورة مستثناة من عدم البيع من أحد ، وهي مع ذلك جائزة عندهم ، لأنّه يغتفر في الإقالة ما لا يغتفر في غيرها . الثّانية : أن يشترط البائع على المشتري أن يقف المبيع ، أو أن يهبه ، أو أن يتصدّق به على الفقراء ، فهذه من الجائزات ، لأنّها من ألوان البرّ الّذي يدعو إليه الشّرع . الثّالثة : أن يبيع أمةً بشرط تنجيز عتقها ، فإنّه جائز ، وإن كان منافياً لمقتضى العقد ، وهذا لتشوّف الشّارع إلى الحرّيّة ، بخلاف اشتراط التّدبير والكتابة ، واتّخاذ الأمة أمّ ولد ، فإنّه لا يجوز ، لما فيه من التّضييق على المشتري . 13 - أمّا الشّرط الثّاني ، وهو الإخلال بالثّمن ، فهو مصوّر بأمرين : الأوّل : الجهل بالثّمن ، وهذا يتمثّل بالبيع بشرط السّلف ، أي القرض من أحدهما للآخر . فإن كان شرط السّلف صادراً من المشتري ، أخلّ ذلك بالثّمن ، لأنّه يؤدّي إلى جهل في الثّمن ، بسبب الزّيادة ، لأنّ انتفاعه بالسّلف من جملة الثّمن ، وهو مجهول . وإن كان شرط السّلف صادراً من البائع ، أخلّ ذلك بالثّمن ، لأنّه يؤدّي إلى جهل في الثّمن ، بسبب النّقص ، لأنّ انتفاعه بالسّلف من جملة المثمّن ، وهو مجهول . الآخر : شبهة الرّبا ، لأنّ البيع بشرط السّلف ، يعتبر قرضاً جرّ نفعاً : فإن كان المشتري هو المقترض ، صار المقرض له هو البائع ، فينتفع البائع بزيادة الثّمن - وإن كان البائع هو المقترض ، صار المقرض له هو المشتري ، فينتفع المشتري بنقص الثّمن . وقد صرّح ابن جزيّ في هذا الصّدد بأنّ اشتراط السّلف من أحد المتبايعين لا يجوز بإجماع . 14 - أمّا الشّرط الثّالث ، وهو الّذي يقتضيه العقد ، فهو كشرط تسليم المبيع إلى المشتري ، والقيام بالعيب ، وردّ العوض عند انتقاض البيع ، فهذه الأمور لازمة دون شرط ، لاقتضاء العقد إيّاها ، فشرطها تأكيد - كما يقول الدّسوقيّ . 15 - وأمّا الرّابع من الشّروط ، فهو كشرط الأجل المعلوم ، والرّهن ، والخيار ، والحميل ( أي الكفيل ) فهذه الشّروط لا تنافي العقد ، ولا يقتضيها ، بل هي ممّا تعود عليه بمصلحة ، فإن شرطت عمل بها ، وإلاّ فلا . وصحّحوا اشتراط الرّهن ، ولو كان غائباً ، وتوقّف السّلعة حتّى يقبض الرّهن الغائب . أمّا اشتراط الكفيل الغائب فجائز إن قربت غيبته ، لا إن بعدت ، لأنّه قد يرضى وقد يأبى ، فاشترط فيه القرب . 16 - وقد عرض ابن جزيّ لصور من الشّرط ، تعتبر استثناء ، أو ذات حكم خاصّ ، منها هذه الصّورة ، وهي : ما إذا شرط البائع منفعةً لنفسه ، كركوب الدّابّة أو سكنى الدّار مدّةً معلومةً ، فإنّ البيع جائز ، والشّرط صحيح . فيبدو أنّ هذا كالاستثناء من التّفصيل الرّباعيّ المتقدّم . ودليله حديث جابر المعروف وهو : « أنّه كان يسير على جمل له ، قد أعيا ، فأراد أن يسيّبه . قال : ولحقني النّبيّ صلى الله عليه وسلم فدعا لي ، وضربه ، فسار سيراً لم يسر مثله ، فقال : بعنيه ، فقلت : لا . ثمّ قال : بعنيه ، فبعته ، واستثنيت حملانه إلى أهلي » وفي رواية : « وشرطت ظهره إلى المدينة » . ويبدو أنّ هذا شرط جائز عند كثيرين ، فقد علّق الشّوكانيّ على هذا الحديث بقوله : وهو يدلّ على جواز البيع مع استثناء الرّكوب ، وبه قال الجمهور ، وجوّزه مالك إذا كانت مسافة السّفر قريبةً ، وحدّها بثلاثة أيّام . وقال الشّافعيّ وأبو حنيفة وآخرون : لا يجوز ذلك ، سواء أقلّت المسافة أم كثرت . والحديث - وإن كان في الانتفاع اليسير بالمبيع إذا كان ممّا يركب من الحيوان - لكنّ المالكيّة قاسوا عليه الانتفاع اليسير بكلّ مبيع بعد بيعه ، على سبيل الاستمرار ، تيسيراً ، نظراً لحاجة البائعين . 17 - والجدير بالذّكر عند المالكيّة ، هو أنّه : إن أسقط الشّرط المخلّ بالعقد ، سواء أكان شرطاً يناقض المقصود من البيع كاشتراط عدم بيع المبيع ، أم كان شرطاً يخلّ بالثّمن كاشتراط السّلف من أحد المتبايعين ، فإنّه يصحّ البيع . ولا يشترط في هذه الحال سوى أن يكون الإسقاط مع قيام السّلعة . فقد علّل الخرشيّ صحّة البيع هنا ، بحذف شرط السّلف ، بقوله : لزوال المانع . 18 - وهل يستوي الحكم في الإسقاط ، في مثل شرط القرض ، بين أن يكون قبل التّمكّن من الانتفاع به ، وبين أن يكون بعد التّمكّن ؟ قولان لهم في المسألة : أ - فمشهور المذهب ، وهو قول ابن القاسم ، أنّه : إذا ردّ القرض على المقرض ، والسّلعة قائمة ، صحّ البيع ، ولو بعد غيبة المقترض على القرض غيبةً يمكنه الانتفاع به . ب - وقول سحنون وابن حبيب ، هو : أنّ البيع ينقض مع الغيبة على القرض ، ولو أسقط شرط القرض ، لوجود موجب الرّبا بينهما ، أو لتمام الرّبا بينهما - كما عبّر الشّيخ الدّردير - فلا ينفع الإسقاط . والمعتمد الأوّل عند الدّردير ، كما صرّح به ، ومال الدّسوقيّ إلى الآخر ، كما يبدو من كلامه ونقله الآخر ، فقد حكى تشهيره ، وكذا الّذي يبدو من كلام العدويّ . وهنا سؤالان يطرحان : 19 - السّؤال الأوّل : ما الّذي يلزم لو وقع البيع بشرط القرض ، وهو الشّرط المخلّ بالثّمن ، وفاتت السّلعة عند المشتري ، بمفوّت البيع الفاسد ( كما لو هلكت ) سواء أسقط مشترط الشّرط شرطه ، أم لم يسقطه ؟ وفي الجواب أقوال : الأوّل : وهذا في المدوّنة - إمّا أن يكون المقرض هو المشتري أو البائع : أ - فإن كان المشتري هو الّذي أقرض البائع ، فإنّ المشتري يلزمه الأكثر من الثّمن الّذي وقع به البيع ، ومن القيمة يوم القبض . فإذا اشتراها بعشرين والقيمة ثلاثون ، لزمه ثلاثون . ب - وإن كان البائع هو الّذي أقرض المشتري ، فعلى المشتري للبائع الأقلّ من الثّمن ومن القيمة ، فيلزمه في المثال المذكور عشرون ، لأنّه أقرض ليزداد ، فعومل بنقيض قصده . الثّاني : يقابل الّذي في المدوّنة ، وهو لزوم القيمة مطلقاً ، سواء أكان المسلّف هو البائع أم المشتري . الثّالث : أنّ تغريم المشتري الأقلّ ، إذا اقترض من البائع محلّه إذا لم يغب على ما اقترضه ، وإلاّ لزمه القيمة بالغةً ما بلغت . وهذا كلّه إذا كان المبيع قيميّاً ، فإن كان مثليّاً ، فإنّما يجب فيه المثل ، لأنّه كعينه ، فلا كلام لواحد ، فهو بمثابة ما لو كان قائماً ، وردّ بعينه . السّؤال الثّاني : 20 - ما الّذي يلزم ، لو وقع البيع بشرط مناقض للمقصود ، وفاتت السّلعة عند المشتري ، سواء أأسقط ذلك الشّرط ، أم لم يسقط ؟ قالوا : الحكم هو : أنّ للبائع الأكثر من قيمتها يوم القبض ومن الثّمن ، لوقوع البيع بأنقص من الثّمن المعتاد ، لأجل الشّرط . ثالثاً : مذهب الشّافعيّة : 21 - التزم الشّافعيّة نهي الشّارع عن بيع وشرط في الحديث المتقدّم . والتزموا حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا يحلّ سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك » ولم يستثنوا إلاّ ما ثبت استثناؤه بالشّرع ، وقليلاً ممّا رأوا أنّه من مقتضيات العقد أو مصالحه ، فكان مذهبهم بذلك أضيق المذاهب الثّلاثة . ومع ذلك ، فقد قسّم بعضهم الشّرط ، فقال : الشّرط إمّا أن يقتضيه مطلق العقد ، كالقبض والانتفاع والرّدّ بالعيب ، أوْ لا . فالأوّل : لا يضرّ بالعقد . والثّاني - وهو الّذي لا يقتضيه العقد - إمّا أن يتعلّق بمصلحة العقد ، كشرط الرّهن ، والإشهاد والأوصاف المقصودة - من الكتابة والخياطة والخيار ونحو ذلك - أوْ لا . فالأوّل : لا يفسده ، ويصحّ الشّرط نفسه . والثّاني : - وهو الّذي لا يتعلّق بمصلحة العقد - إمّا أن لا يكون فيه غرض يورث تنازعاً ، كشرط أن لا تأكل الدّابّة المبيعة إلاّ كذا ، فهو لاغ ، والعقد صحيح . وإمّا أن يكون فيه غرض يورث تنازعاً ، فهذا هو الفاسد المفسد ، كالأمور الّتي تنافي مقتضاه ، نحو عدم القبض ، وعدم التّصرّف وما أشبه ذلك . وخلاصة هذا التّقسيم : - 1 - أنّ اشتراط ما يقتضيه العقد ، أو يتعلّق بمصلحته أو بصحّته ، صحيح . - 2 - وأنّ اشتراط ما لا غرض فيه لاغ ، ولا يفسد العقد . - 3 - وأمّا اشتراط ما فيه غرض يورث تنازعاً ، فهو الشّرط المفسد ، وذلك كاشتراط ما يخالف مقتضاه . 22 - ومن أهمّ ما نصّوا عليه تطبيقاً للحديثين ولهذا التّقسيم : - 1 - البيع بشرط بيع ، كأن يقول : بعتك هذه الأرض بألف ، على أن تبيعني دارك بكذا ، أو تشتري منّي داري بكذا ، فهذا شرط فاسد مفسد ، لا يقتضيه العقد . - 2 - البيع بشرط القرض ، كأن يبيعه أرضه بألف ، بشرط أن يقرضه مائةً ، ومثل القرض الإجارة ، والتّزويج ، والإعارة . - 3 - شراء زرع بشرط أن يحصده البائع ، أو ثوب بشرط أن يخيطه ، ومنه كما يقول عميرة البرلّسيّ : شراء حطب بشرط أن يحمله إلى بيته ، فالمذهب في هذا وأمثاله بطلان الشّراء ، لاشتماله على شرط عمل فيما لم يملكه بعد ، وذلك فاسد ، ولأنّه - كما قال الإسنويّ - شرط يخالف مقتضى العقد ، فيبطل البيع والشّرط في الأصحّ . وإن يكن عندهم قولان آخران في هذه الجزئيّة : أحدهما : أنّه يصحّ البيع ، ويلزم الشّرط ، وهو في المعنى بيع وإجارة ، ويوزّع المسمّى عليهما باعتبار القيمة . وثانيهما : يبطل الشّرط ، ويصحّ البيع بما يقابل المبيع من المسمّى . 23 - واستثنى الشّافعيّة مسائل معدودةً من النّهي صحّحوها مع الشّرط وهي : أ - البيع بشرط الأجل المعيّن ، لقوله تعالى : { إذا تداينتم بِدَيْنٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكْتبوه } ب - البيع بشرط الرّهن ، وقيّدوه بالمعلوميّة . ج - البيع بشرط الكفيل المعلوم أيضاً ، لعوض ما ، من مبيع أو ثمن ثابت في الذّمّة ، وذلك للحاجة إليهما في معاملة من لا يرضى إلاّ بهما . د - الإشهاد على جريان البيع ، للأمر به في الآية قال تعالى : { وأَشْهدوا إذا تَبَايَعْتُم } . هـ - البيع بشرط الخيار ، لثبوته بحديث حبّان بن منقذ ، المعروف . 24 - البيع بشرط عتق المبيع ، وفيه أقوال عندهم : القول الأوّل : وهو أصحّها ، أنّ الشّرط صحيح ، والبيع صحيح ، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها ، « أنّها أرادت أن تشتري بريرة للعتق ، فاشترطوا ولاءها ، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال : اشتريها وأعتقيها ، فإنّما الولاء لمن أعتق ولم ينكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ شرط الولاء لهم ، إذ قال : ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه ؟ من اشترط شرطاً ليس في كتاب اللّه فهو باطل » ولأنّ استعقاب البيع العتق عهد في شراء القريب ، فاحتمل شرطه . ولتشوّف الشّارع للعتق . على أنّ فيه منفعةً للمشتري ، دنيا بالولاء ، وأخرى بالثّواب ، وللبائع بالتّسبّب فيه . القول الثّاني : أنّ الشّرط باطل والبيع باطل ، كما لو شرط بيعه أو هبته . والقول الثّالث : أنّه يصحّ البيع ، ويبطل الشّرط . 25 - وممّا استثناه الشّافعيّة أيضاً من النّهي : شرط الولاء لغير المشتري مع العتق ، في أضعف القولين عندهم ، فيصحّ البيع ويبطل الشّرط ، لظاهر حديث بريرة في بعض رواياته ، « وقوله - عليه الصلاة والسلام - لعائشة رضي الله عنها : واشترطي لهم الولاء » . لكنّ الأصحّ بطلان الشّرط والبيع في هذه الحال ، لما تقرّر في الشّرع ، من أنّ الولاء لمن أعتق . فأجاب هؤلاء عن حديث عائشة « واشترطي لهم الولاء » بأنّ الشّرط لم يقع في عقد البيع ، وبأنّه خاصّ بقضيّة عائشة ، وبأنّ قوله : « لهم » بمعنى : عليهم 26 - وممّا استثنوه أيضاً : شرط البراءة من العيوب في المبيع ، لأنّه يحتاج البائع فيه إلى شرط البراءة ، ليثق بلزوم البيع فيما لا يعلمه من الخفيّ ، دون ما يعلمه ، مطلقاً في حيوان أو غيره ، فالبيع مع الشّرط المذكور صحيح مطلقاً ، سواء أصحّ الشّرط أم لم يصحّ ، لأنّه شرط يؤكّد العقد ، ويوافق ظاهر الحال ، وهو السّلامة من العيوب . وتأيّد هذا بما روي أنّ ابن عمر رضي الله عنهما :" باع عبداً له بثمانمائة درهم ، بالبراءة فقال له المشتري : به داء لم تسمّه لي . فاختصما إلى عثمان رضي الله عنه فقضى على ابن عمر أن يحلف : لقد باعه العبد وما به داء يعلمه ، فأبى أن يحلف ، وارتجع العبد ، فباعه بألف وخمسمائة ". قالوا : فدلّ قضاء عثمان المشهور بين الصّحابة على جواز اشتراط البراءة من العيب ، وهو مشهور بين الصّحابة ، فصار من الإجماع السّكوتيّ . 27 - وممّا استثنوه أيضاً : أ - شرط نقل المبيع من مكان البائع ، قالوا : لأنّه تصريح بمقتضى العقد . ب - شرط قطع الثّمار أو تبقيتها بعد صلاحها ونضجها ، فهو جائز في عقد البيع ، كما أنّه جائز بيعها بعد النّضج مطلقاً من الشّرط . لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثّمار حتّى يبدو صلاحها » . وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا تتبايعوا الثّمار حتّى يبدو صلاحها » فالحديث يدلّ على جواز بيع الثّمر بعد بدو صلاحه ، وهو صادق بكلّ الأحوال الثّلاثة : بيعه من غير شرط ، وبشرط قطعه ، وبشرط إبقائه . ج - شرط أن يعمل البائع عملاً معلوماً في المبيع ، كما لو اشترى ثوباً بشرط أن يخيطه البائع ، في أضعف أقوال ثلاثة ، وقد تقدّمت . د - اشتراط وصف مقصود في المبيع عرفاً ، ككون الدّابّة حاملاً أو ذات لبن ، فالشّرط صحيح ، وللمشتري الخيار إن تخلّف الشّرط . قالوا : ووجه الصّحّة : أنّ هذا الشّرط يتعلّق بمصلحة العقد . ولأنّه التزام موجود عند العقد ولا يتوقّف التزامه على إنشاء أمر مستقبل ، ذاك الّذي هو حقيقة الشّرط ، فلم يشمله النّهي عن بيع وشرط . هـ - اشتراط أن لا يسلّم المبيع حتّى يستوفي الثّمن . و - شرط الرّدّ بالعيب ، لأنّه مقتضى العقد . ز - خيار الرّؤية فيما إذا باع ما لم يره ، على القول بصحّته ، للحاجة إلى ذلك . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية