الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41118" data-attributes="member: 329"><p>بيعتان في بيعة *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - البيعتان لغةً : مثنّى البيعة . والبيعة : اسم المرّة الواحدة من البيع . </p><p>والبيعتان في بيعة في الاصطلاح قد اختلف العلماء فيها على أقوال : </p><p>الأوّل : معناه أن يبيع الرّجل السّلعة فيقول : هي نقداً بكذا ، ونسيئةً بكذا . أي بثمن أكثر من الثّمن الأوّل . وقد فسّره بهذا سماك - راوي حديث النّهي عن البيعتين في بيعة - عن ابن مسعود رضي الله عنه عند الإمام أحمد . وقد أخذ بهذا التّفسير . قوم ، ولو بيّن المتبايعان أحد الثّمنين بعد ذلك ، ومن هنا منعوا الزّيادة في بيعة السّلعة نسيئةً عن سعر يومها كما سيأتي . </p><p>الثّاني : فسّره بعضهم بالتّفسير السّابق نفسه ، لكن بقيد الافتراق على الإبهام بين الثّمنين ، فقالوا : معناه أن يقول : بعتك هذا نقداً بكذا ، أو نسيئةً بكذا . ثمّ يفترقان قبل أن يلتزما بكون البيع على أحد الثّمنين ، بل يفترقان على الإبهام . قال الشّافعيّ : هو أن يقول : بعتك هذا بألف نقداً أو ألفين إلى سنة ، فخذ بأيّهما شئت أنت وشئت أنا . قال القاضي من الشّافعيّة : المسألة مفروضة على أنّه قبل على الإبهام . أمّا لو قال : قبلت بألف نقداً ، أو قال : قبلت بألفين نسيئةً ، صحّ ذلك وفسّره بذلك أبو عبيد والثّوريّ وإسحاق والمالكيّة والحنابلة أيضاً ، مع تفسيرهم له بتفسيرات أخرى كما يأتي . </p><p>الثّالث : قال مالك أيضاً : هو أن يشتري سلعةً بدينار أو بشاة ، أو يشتري بدينار شاةً أو ثوباً ، قد وجب أحدهما للمشتري . </p><p>قال الباجيّ : سواء كان الإلزام لهما أو لأحدهما ، فيدخل في هذا الوجه الوجه السّابق أيضاً ، والمدار على التّخيير بين ثمنين أو سلعتين مع الإلزام بأحدهما لا بعينه . </p><p>الرّابع : ما قاله ابن القيّم في تهذيب السّنن : هو أن يقول : بعتك هذه السّلعة بمائة إلى سنة على أن أشتريها منك - أي بعد ذلك - بثمانين حالّةً . قال : وهذا معنى الحديث الوارد في البيعتين في بيعة ، وهو الّذي لا معنى له غيره ، وهو مطابق لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « فلَه أَوْكَسُهما أو الرّبا » فإنّه إمّا أن يأخذ الثّمن الزّائد فيربي ، أو الثّمن الأوّل فيكون هو أوكسهما . وهو قد قصد بيع دراهم عاجلة بدراهم مؤجّلة أكثر منها ، ولا يستحقّ إلاّ رأس ماله . ووجه كونه من باب البيعتين في بيعة : أنّهما بيعتان إحداهما بثمن مؤجّل ، والأخرى بثمن معجّل ، وقد أبرمتا في صفقة واحدة . </p><p>الخامس : هو أن يشترطا بيعاً في بيع . </p><p>وقد فسّره بهذا الوجه أيضاً الشّافعيّ ، فقال : هو أن يقول : بعتك هذه الفرس بألف على أن تبيعني دارك بكذا ، أي إذا وجب لك عندي فقد وجب لي عندك . قال الشّوكانيّ : وهذا يصلح تفسيراً للرّواية الأولى من حديث أبي هريرة لا للأخرى ، فإنّ قوله « أوكسهما » يدلّ على أنّه باع الشّيء الواحد بيعتين : بيعة بأقلّ ، وبيعة بأكثر . </p><p>وجعل منه مسروق أن يقول : بعتك هذا البزّ بكذا وكذا ديناراً تعطيني بالدّينار عشرة دراهم ، أي لأنّه جمع بين بيع وصرف . </p><p>السّادس : وهو عند الحنفيّة أعمّ من الوجه الخامس ، إذ يدخل فيه أن يبيع داراً بشرط أن يسكنها البائع شهراً ، أو دابّةً على أن يستخدمها المشتري ولو مدّةً معيّنةً ، ونحو ذلك . السّابع : قال الخطّابيّ : هو أن يشتري منه بدينار صاع حنطة سلماً إلى شهر ، فلمّا حلّ الأجل ، وطالبه بالحنطة ، قال له : بعني الصّاع الّذي لك عليّ بصاعين إلى شهرين ، قال الخطّابيّ : فهذا بيع ثان قد دخل على البيع الأوّل ، فيردّان إلى أوكسهما وهو الأوّل . ونقل هذا التّفسير عن شرح سنن أبي داود لابن رسلان ، ونقله ابن الأثير في النّهاية ، وواضح أنّ مثل هذا البيع باطل عند الجميع ، لكونه بيع ربويّ بجنسه متفاضلاً ونسيئةً .</p><p>الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>أ - الصّفقتان في الصّفقة :</p><p>2 - الصّفقة هي : المرّة من الصّفق ، وهو في اللّغة : الضّرب الّذي يسمع له صوت . وأطلق في العرف اللّغويّ على المرّة الواحدة من المبايعات ، فقد كان أحدهم إذا أوجب البيع صفّق بيده على يد المشتري ، وعلى بيعة الإمام ، ومنه الحديث « من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه » ... وتطلق الصّفقة في الاصطلاح كذلك على البيعة وعلى غيرها من العقود ، فالمرّة من الإجارة صفقة ، ومن القرض صفقة ، وهكذا </p><p>ويراد ب " الصّفقتين في صفقة " جمع صفقتين في عقد واحد ، كأن يبيع بيته من فلان ويشتري منه دابّته ، على أنّه إذا وجبت هذه وجبت الصّفقة الأخرى ، أو يبيع بيته من فلان ويستأجر منه دابّته ، على أنّه إذا وجب البيع وجبت الإجارة . فاصطلاح ( الصّفقتين في صفقة ) أعمّ من اصطلاح ( البيعتين في بيعة ) .</p><p>ب - البيع والشّرط :</p><p>3 - البيع والشّرط أعمّ من البيعتين في بيعة ، لأنّ الاشتراط قد يكون اشتراط عقد آخر ، وقد يكون اشتراطاً لمصلحة أحد المتعاقدين ، من غير أن يكون المشروط عقداً آخر .</p><p>حكم البيعتين في بيعة :</p><p>4 - البيعتان في بيعة أحد البيوع المنهيّ عنها ، وقد ورد النّهي عنها في ثلاث روايات : الأولى : رواية أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة » ومثلها رواية عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما . ورواية عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة ، وعن ربح ما لم يضمن » .</p><p>الثّانية : عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من باع بيعتين في بيعة فَلَه أَوْكسهما أو الرّبا » وقال الشّوكانيّ : في إسناده محمّد بن عمرو بن علقمة ، وقد تكلّم فيه غير واحد . </p><p>الثّالثة : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة » وفي رواية عنه « لا تحلّ الصّفقتان في الصّفقة » وفي أخرى موقوفة « الصّفقة في الصّفقتين رباً » فالبيعتان في بيعة عقد محرّم ، يأثم من يقدم عليه لمخالفته النّهي ، وهو عقد فاسد ، لكنّ الفقهاء يختلفون فيما يحكمون بفساده ، طبقاً لاختلافهم في تعريفهم للبيعتين في بيعة كما تقدّم ، وفيما يلي بيان ذلك : </p><p>النّوع الأوّل : أن يقول البائع : هو بكذا حالّاً ، وبأعلى منه مؤجّلاً .</p><p>5- البيع بثمن آجل معلوم القدر والأجل ، متّفق على جوازه من حيث الجملة . ولا خلاف فيه لأحد من الفقهاء ، وذلك لقول اللّه تعالى { يا أيّها الّذين آمَنوا إذا تَدَاينتم بِدَيْن إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه } قال المفسّرون : المراد به كلّ معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً والآخر نسيئةً فما قدّم فيه الثّمن وأجّل فيه تسليم المثمّن ، فهو السّلم ، وقد ورد الشّرع بجوازه ، وانعقد عليه الإجماع ، فهذا مثله ، لأنّه تأجيل لأحد العوضين ، وهذا كلّه بشرط أن لا يكون العوضان ممّا يجري بينهما ربا النّسيئة ، كالذّهب بالذّهب أو بالفضّة ، وكالقمح بالشّعير . هذا ، غير أنّ الإمام أحمد كره أن يختصّ الرّجل بالبيع بالنّسيئة ، لا يبيع إلاّ بها ، ولا يبيع بنقد . قال ابن عقيل : وإنّما كره النّسيئة لمضارعتها الرّبا ، فإنّ الغالب أنّ البائع بنسيئة يقصد الزّيادة بالأجل ، لكنّ البيع بنسيئة ليس بمحرّم اتّفاقاً ، ولا يكره إلاّ أن لا يكون له تجارة غيره . غير أنّه إن كان الثّمن الّذي وقع عليه البيع بالنّسيئة أعلى من الثّمن الحاضر لتلك السّلعة : فقد نقل الخلاف فيه عن زين العابدين عليّ بن الحسين ، فقد نقل الشّوكانيّ عنه : أنّه كان يرى حرمة بيع الشّيء بأكثر من سعر يومه لأجل النّساء . </p><p>ونقل صاحب سبل السّلام الخلاف فيه عن قوم لم يسمّهم . </p><p>قال الشّوكانيّ : متمسّكهم رواية « فله أَوْكَسُهما أو الرّبا » قال : وقد عرفتَ ما في راويه من المقال ، ومع ذلك فالمشهور عن أبي هريرة رضي الله عنه اللّفظ الّذي رواه غيره ، وهو النّهي عن بيعتين ، ولا حجّة فيه على المطلوب ، ثمّ قال : على أنّ غاية ما فيها الدّلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصّورة ، وهي أن يقول : نقداً بكذا ونسيئةً بكذا ، لا إذا قال من أوّل الأمر : نسيئةً بكذا فقط ، وكان أكثر من سعر يومه . مع أنّ المتمسّكين بهذه الرّواية يمنعون من هذه الصّورة ، ولا يدلّ الحديث على ذلك ، فالدّليل أخصّ من الدّعوى . وظاهر ما تقدّم عن سماك ( ر : ف 1 ) أنّه كان يرى المحرّم أن يقول : هو نقداً بكذا ونسيئةً بكذا ، فدلالة الحديث عليه مطابقة . </p><p>النّوع الثّاني : البيع بثمنين معجّل ومؤجّل أعلى منه ، مع الإبهام :</p><p>6 - إذا باع سلعةً بألف حالّةً أو ألف ومائة إلى سنة ، وقد وجب عليه أحدهما ، فإن عيّنا أحد الثّمنين قبل الافتراق جاز البيع ، وإن افترقا على الإبهام لم يجز . </p><p>وقد نصّ الشّافعيّ كما تقدّم على أنّ هذا من البيعتين في بيعة المنهيّ عنه ، وأخذ بذلك جمهور الفقهاء . وقد علّل الشّافعيّة والحنابلة لهذا المنع بعلّتين : </p><p>الأولى : الجهالة في الثّمن وعدم استقراره . قال ابن قدامة : لأنّ الثّمن مجهول فلم يصحّ ، كالبيع بالرّقم المجهول ، ولأنّ أحد العوضين غير معيّن ولا معلوم ، فلم يصحّ ، كما لو قال : بعتك إحدى دوري . قال : وإنّما يصحّ إذا قال المشتري بعد ذلك : أنا آخذه بالنّسيئة بكذا ، فقال البائع : خذه ، أو قد رضيت ، أو نحو ذلك ، فيكون عقداً كافياً . أمّا إن لم يوجد ما يقوم مقام الإيجاب أو يدلّ عليه فلا يصحّ ، لأنّ ما مضى من القول - أي على التّرديد والإبهام - لا يصلح أن يكون إيجاباً . ثمّ خرّج وجهاً آخر بالصّحّة . </p><p>الثّانية : أنّ في ذلك رباً ، والتّعليل بهذه العلّة مستند إلى بعض الرّوايات عن ابن مسعود رضي الله عنه ، ففيها : « الصّفقة في الصّفقتين رباً » وحديث أبي هريرة رضي الله عنه : « فله أوكسهما أو الرّبا » . </p><p>وقد علّل بهذه العلّة الإمام مالك وشيخه ربيعة وسائر المالكيّة . جاء في المدوّنة تفسير ما كره من ذلك : أنّه إذا ملك ثوباً بدينار نقداً أو دينارين إلى أجل ، تأخذه بأيّهما شئت وشئت أنا ، وقد وجب عليك أحدهما ، فهذا كأنّه وجب عليك بدينار نقداً ، فأخّرته فجعلته بدينارين إلى أجل ، أو فكأنّه وجب عليك بدينارين إلى أجل فجعلتهما بدينار نقداً . </p><p>توضيح مذهب المالكيّة في هذه المسألة :</p><p>7 - قد توسّع المالكيّة في شرح هذه المسألة وبيان ضوابط ما يحرم من البيعتين في بيعة ، وحاصل كلامهم ما يلي :</p><p>أ - أنّ التّحريم شامل لما إذا كان التّرديد بين سلعتين مختلفتين ، كما لو قال : أبيعك بدينار هذه السّلعة ، أو هذه الشّاة . ولما إذا كان التّرديد بين ثمنين ، كما إذا قال : أبيعك هذه السّلعة بعشرة نقداً أو بعشرين إلى سنة .</p><p>ب - ولا يحرم ذلك إلاّ إذا كان العقد على سبيل الإلزام للمتبايعين ، أو لأحدهما بأحد الأمرين ، أمّا إن كان على سبيل التّخيير لكليهما من غير إلزام جاز .</p><p>ج - وهذا إن كانت السّلعتان اللّتان حصل التّخيير بينهما مختلفتين بالجنس ، أمّا إن كانتا متّفقتين بالجنس ، والاختلاف بينهما بالجودة أو الرّداءة فقط فلا بأس به ، لأنّه لا يختار إلاّ الأفضل . قال مالك : لا بأس بشراء ثوب من ثوبين يختاره بثمن كذا ، أو خمسين من مائة ثوب في عدل يختارها إن كانت جنساً واحداً ووصف رقاعها - أي نسجها - وطولها ، وإن اختلفت القيم ، بعد أن تكون كلّها مَرويّةً أو هَرَويّةً ( نسبةً إلى مَرْو وهَرَاة ) .</p><p>د - ويستثنى من هذه الحالة أن تكون السّلم طعاماً يدخله ربا الفضل ، فلا يجوز أن تشتري منه على أن تختار صبرةً من صبر ، أو تختار من نخيل - أي من ثمر نخيل - نخلةً - أي ثمرها أو من شجر مثمر عدداً يسمّيه ، اتّفق الجنس أو اختلف ، وإنّما نصّ المالكيّة على الطّعام في هذه المسألة ، لأنّ علّة ربا الفضل عندهم في غير النّقدين : الطّعم . </p><p>وقالوا في تصوير وجود ربا الفضل هنا : إنّه يختار إحدى الصّبر ثمّ يتركها ، ويأخذ أخرى ، وبينهما فضل في الكيل والسّلعة من المطعوم فيكون من ربا الفضل . </p><p>ولم يقبل الحنفيّة التّعليل بهذه العلّة أصلاً قال ابن الهمام : إنّ كون الثّمن على تقدير النّقد ألفاً ، وعلى تقدير النّسيئة ألفين ليس في معنى الرّبا .</p><p>8- وأمّا البيع مع التّخيير بين السّلع أو بين أثمان مختلفة للسّلعة الواحدة ، فهو فاسد عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أيضاً للجهالة ، ولكون البيع على تلك الصّفة مثاراً للتّنازع ، واستثنى الحنفيّة على سبيل الاستحسان أن يبيع من الثّياب مثلاً أحد ثوبين أو ثلاثة على أنّه بالخيار بينها ثلاثة أيّام فأقلّ ، فإن كانت أربعة أثواب فالبيع فاسد . قالوا : والقياس أن يفسد البيع في الكلّ ، وهو قول زفر والشّافعيّ . وجه الاستحسان : أنّ شرع الخيار للحاجة إلى دفع الغبن ليختار ما هو الأوفق والأرفق ، والحاجة متحقّقة لأنّ المشتري يحتاج إلى اختيار من يثق به ، أو اختيار من يشتريه لأجله ، غير أنّ هذه الحاجة تندفع بالثّلاث لوجود الجيّد والرّديء والوسط فيها ، أمّا الأربعة فما زاد فالحاجة إليها غير متحقّقة . </p><p>أمّا لو باع أحد قيميّين على الإبهام دون تخيير ، كدار وثوب بدينار مثلاً ، فهو فاسد عند الجميع للجهالة بالمبيع .</p><p>النّوع الثّالث : ما ورد في كلام ابن القيّم من أن يبيع الشّيء بثمن مؤجّل ، ويشترط أن يعود فيشتريه من مشتريه بثمن حالّ أقلّ من ثمنه المؤجّل . </p><p>9 - وهذا النّوع أيضاً بيع فاسد عند كلّ من يرى بطلان بيع العينة ، فإنّ بيع العينة : أن يبيع لرجل بثمن معجّل سلعةً كان قد اشتراها منه بثمن مؤجّل أكثر منه . وهي من حيل الرّبا ، فإنّ السّلعة رجعت إلى صاحبها ، وثبت له ألف ومائتان مثلاً في ذمّة صاحبه إلى أجل ، وأخذ في مقابلها ألفاً حالّةً ( انظر : بيع العينة ) . </p><p>فالّذين قالوا بتحريم بيع العينة قالوا : يحرم ذلك ويفسد إذا وقع ، سواء وقع البيع الثّاني اتّفاقاً ، أو تواطآ عليه عند العقد الأوّل . فإذا وقع على أساس اشتراط العقد الثّاني في العقد الأوّل فهو أولى بالتّحريم والفساد . أمّا الّذين أجازوا بيع العينة - ومنهم الشّافعيّ وأصحابه - فيحرم هذا البيع عندهم كذلك ، ويفسد ، وهو عندهم من البيعتين في بيعة المنهيّ عنه ، ومن البيع أو الشّرط كذلك ، وهو داخل في النّوع التّالي . </p><p>النّوع الرّابع : أن يشترط في عقد البيع بيعاً آخر أو غيره من العقود :</p><p>10 - وهو على طريقتين : </p><p>الأولى : أن يشترط في عقد البيع بيعاً آخر ولا يحدّد المبيع الثّاني أو الثّمن . فهذا لا يصحّ من وجهين . الأوّل : أنّه من " البيع والشّرط " المنهيّ عنه . والثّاني : الجهالة ، وهذا بالإضافة إلى كونه من البيعتين في بيعة عند الأكثر . </p><p>الثّانية : أن يشترط في البيع بيعاً آخر ويحدّد المبيع والثّمن ، كأن يقول : بعتك داري هذه بألف على أن تبيعني دارك بألف وخمسمائة ، أو على أن تشتري منّي داري الأخرى بألف وخمسمائة . وقد صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بأنّ هذا من البيعتين في بيعة المنهيّ عنه . وهو عند الحنفيّة والشّافعيّة أيضاً من باب البيع والشّرط المنهيّ عنه في السّنّة النّبويّة . ( ر : بيع وشرط ) .</p><p>11 - والنّهي عن البيع والشّرط وإن اختلف الفقهاء في الأخذ به - فمنعه الحنفيّة والشّافعيّة ، وأجازه الحنابلة إذا كان شرطاً واحداً - على تفصيل عند الجميع ليس هذا موضع بيانه ، إلاّ أنّ المشروط إن كان بيعاً آخر فإنّه يفسد الشّرط ، ويفسد البيع أيضاً حتّى عند الحنابلة . وهذا النّوع يفسد أيضاً سواء أكان المشروط في عقد البيع بيعاً أو غيره ، كسلف أو إجارة أو قرض أو غير ذلك من العقود ، قياساً على اشتراط البيع ، ولدخوله في عموم الرّواية الأخرى « نهى عن صفقتين في صفقة » فإنّ الصّفقة بمعنى العقد ، فتشمل كلّ عقدين جمع بينهما في عقد واحد . وورد في الجمع بين البيع والسّلف نهي خاصّ ، هو قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم « لا يحلّ سلَف وبيع » . قال ابن قدامة : وهذا مذهب مالك والشّافعيّ ولا أعلم فيه خلافاً ، إلاّ أنّ مالكاً قال : إن ترك مشترط السّلف شرطه صحّ البيع . وعلّل ابن قدامة لفساد البيع بالإضافة إلى كونه من الصّفقتين في صفقة ، بأنّه إذا اشترط القرض مثلاً زاد في الثّمن لأجله ، فتصير الزّيادة في الثّمن عوضاً عن القرض وربحاً له ، وذلك رباً محرّم ، ففسد كما لو صرّح به . </p><p>ولو كان العقدان ليس فيهما بيع فسدا كذلك ، كما لو شرط في الإجارة سلفاً أو نكاحاً ، أو شرط في النّكاح نكاحاً ، وهو الشّغار المنهيّ عنه على أحد القولين في تفسيره ( ر : شغار ) . ومن جملة ما يدخل في هذا النّوع أيضاً : أن يبيع سلعةً بدنانير ذهبيّة ، ويشترط أن يسلّمه الثّمن دراهم بسعر صرف يتّفقان عليه في عقد البيع نفسه . قال ابن قدامة : وهذا باطل لأنّه شرط في العقد أن يصارفه بالثّمن الّذي وقع العقد به ، والمصارفة عقد ، فيكون من باب البيعتين في بيعة ، ثمّ قال : وقال مالك : لا ألتفت إلى اللّفظ الفاسد إذا كان معلوماً حلالاً ، فكأنّه باع السّلعة بالدّراهم الّتي يأخذها بدل الدّنانير .</p><p>12 - وينبغي التّفريق بين هذه الحالة المبيّنة أعلاه ، وبين أن يبيع سلعتين مختلفتين بثمن واحد ، كما لو باع دابّةً وداراً بألف دينار ، فإنّ هذا جائز اتّفاقاً وليس من البيعتين في بيعة . وكذا لو باع الدّار بدابّة وألف دينار .</p><p>13 - ومثله ما لو جمع بين بيع وإجارة ، أو بيع وصرف ، أو إجارة ونكاح بعوض واحد ، كما لو قال بعتك داري هذه وآجرتك داري الأخرى سنةً بألف دينار ، فهذا جائز لأنّهما عينان يجوز أخذ العوض عن كلّ واحدة منهما منفردةً ، فجاز أخذ العوض عنهما مجتمعتين ، كما لو قال : بعتك هذّبن الثّوبين بألف . وهذا قول الحنابلة الأصحّ عندهم ، والأظهر عند الشّافعيّة ، ويوزّع العوض عند التّرادّ في أحدهما حسب قيمتهما ( أي قيمة المؤجّر مثلاً من حيث الأجرة للمدّة المضروبة ، وقيمة رقبة المبيع ) </p><p>والقول الآخر عند كلّ من الفريقين : لا يصحّ ، لأنّ حكمهما مختلف ، فإنّ المبيع يضمن بمجرّد البيع . والإجارة بخلافه ، وقد يعرض - لاختلاف حكمهما باختلاف أسباب الفسخ والانفساخ وغير ذلك - ما يقتضي فسخ أحدهما ، فيحتاج إلى التّوزيع ، ويلزم الجهل عند العقد بما يخصّ كلّاً منهما من العوض ، وذلك محذور ، غير أنّه إن كان أحد العقدين نكاحاً صحّ بمهر المثل . لأنّ التّسمية ليست بشرط في صحّته . </p><p>وعند المالكيّة - على المشهور عندهم - التّصريح بأنّه لا يجوز أن يجتمع مع البيع صرف ولا جعالة ولا مساقاة ولا شركة ولا قراض ولا نكاح ولا سلف ، ولا يجوز اجتماع شيء منها مع غيره منها . والسّلف لا يجتمع معه أيضاً صدقة أو هبة أو نحوهما من جانب المتسلّف .</p><p>النّوع الخامس : اشتراط منفعة لأحد المتعاقدين :</p><p>14 - ومثاله أن يقول : بعتك هذه الدّار على أن أسكنها سنةً ، أو قال : بعتك هذه الدّابّة على أن أستخدمها شهراً . وقد أدخل الحنفيّة هذا النّوع في البيعتين في بيعة المنهيّ عنه ، وقالوا : بأنّه يفسد البيع لذلك ، ولأنّه من باب البيع والشّرط المنهيّ عنه ( ر : البيع والشّرط ) . ووجه كونه من البيعتين في بيعة - كما في الهداية وفتح القدير - أنّه لو كانت الخدمة والسّكنى يقابلهما شيء من الثّمن ، بأن يعتبر المسمّى ثمناً بإزاء المبيع ، وأجرةً بإزاء الخدمة والسّكنى ، يكون إجارةً في بيع . ولو كان لا يقابلهما شيء يكون إعارةً في بيع . ووجه كونه ربا : أنّ المشروط زيادة في العقد عاريّة عن العوض ، وهو معنى الرّبا . </p><p>ومثله عند الحنفيّة ما لو باع شجراً عليه ثمر ، اشترط بقاء الثّمر على الشّجر مدّةً . </p><p>ووجه منعه أنّه يكون إجارةً أو إعارةً في بيع ، فيكون من باب صفقتين في صفقة كذلك . ويوافق الشّافعيّة على أنّ هذا البيع ممنوع ، وأنّ مثل هذا الشّرط يفسد العقد ، لأنّه من باب البيع والشّرط . </p><p>أمّا عند المالكيّة والحنابلة : فهو بيع جائز ، حيث كانت المنفعة المشروطة معلومةً . وقالوا : قد صحّ من حديث جابر رضي الله عنه « أنّه باع من النّبيّ صلى الله عليه وسلم جملاً واستثنى حمله إلى المدينة » ولأنّه صلى الله عليه وسلم « نهى عن الثّنيا إلاّ أن تعلم » .</p><p></p><p>بيعة *</p><p>التّعريف :</p><p>1- للبيعة في اللّغة معان ، فتطلق على : المبايعة على الطّاعة . وتطلق على : الصّفقة من صفقات البيع ، ويقال : بايعته ، وهي من البيع والبيعة جميعاً والتّبايع مثله . قال اللّه تعالى { إنّ الّذين يُبايِعونك إنّما يُبايعون اللّه } وفي الحديث « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لمجاشع حينما سأله : علام تبايعنا ؟ قال : على الإسلام والجهاد » . وهو عبارة عن المعاقدة والمعاهدة . كأنّ كلّاً منهما باع ما عنده لصاحبه ، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره . ومثله : أيمان البيعة . وهي : الّتي رتّبها الحجّاج مشتملةً على أمور مغلّظة من طلاق وعتق وصوم ونحو ذلك . </p><p>والبيعة اصطلاحاً ، كما عرّفها ابن خلدون في مقدّمته : العهد على الطّاعة ، كأنّ المبايع يعاهد أميره على أن يسلّم له النّظر في أمر نفسه وأمور المسلمين ، لا ينازعه في شيء من ذلك ، ويطيعه فيما يكلّفه به من الأمر على المنشط والمكره ، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد ، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري ، وصارت البيعة تقترن بالمصافحة بالأيدي . </p><p>هذا مدلولها في اللّغة ومعهود الشّرع ، وهو المراد في الحديث في بيعة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ، وعند الشّجرة ، وحيثما ورد هذا اللّفظ . ومنه : بيعة الخلفاء ، ومنه أيمان البيعة . فقد كان الخلفاء يستحلفون على العهد ويستوعبون الأيمان كلّها لذلك . فسمّي هذا الاستيعاب أيمان البيعة .</p><p>2 - هذا وقد استفاض عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّ النّاس كانوا يبايعونه تارةً على الهجرة والجهاد ، وتارةً على إقامة أركان الإسلام ، وتارةً على الثّبات والقرار في معركة الكفّار ، وتارةً على التّمسّك بالسّنّة واجتناب البدعة والحرص على الطّاعات . </p><p>هذا ، والكلام عن البيعة بمعنى ( المرّة من البيع ) موطنه مصطلح : ( بيع ) . </p><p>الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>أ - العقد :</p><p>3 - العقد وجمعه عقود ، وله في اللّغة معان منها : عقد الحبل ونحوه ، ومنها العهد . </p><p>وفي الاصطلاح : ربط أجزاء التّصرّف بإيجاب وقبول شرعاً . فالعقد أعمّ من البيعة .</p><p>ب - العهد :</p><p>4 - من معانيه في اللّغة : كلّ ما عوهد اللّه عليه ، وكلّ ما بين العباد من المواثيق . والعهد : الّذي يكتب للولاة عند تقليدهم الأعمال ، والجمع : عهود ، وقد عهد إليه عهداً . والعهد : الموثق واليمين يحلف بها الرّجل . تقول : عليّ عهد اللّه وميثاقه ، وأخذت عليه عهد اللّه وميثاقه . فالبيعة نوع من العهود .</p><p>الحكم التّكليفيّ للبيعة :</p><p>5 - يختلف حكم المبايعة باختلاف المبايعين ، فأهل الحلّ والعقد يجب عليهم بيعة من يختارونه للإمامة ممّن قد استوفى الشّروط الشّرعيّة لها . </p><p>وأمّا سائر النّاس ، فالأصل وجوب البيعة على كلّ واحد منهم بناءً على بيعة أهل الحلّ والعقد ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من مات وليس في عنقه بيعة لإمام مات ميتةً جاهليّةً » ولكنّ المالكيّة ذهبوا إلى أنّه يكفي سائر النّاس أن يعتقدوا أنّهم تحت أمر الإمام المبايع ، وأنّهم ملتزمون بالطّاعة له . هذا بالنّسبة للمبايعين من أهل الحلّ والعقد وسائر النّاس ، </p><p>أمّا من جهة المختار ليكون إماماً فيجب عليه قبول البيعة إن تعيّنت الإمامة ، بأن لا يوجد غيره مستوفياً للشّروط ، فإن كان المستوفون للشّروط أكثر من واحد ، كان قبول البيعة فرض كفاية ( وانظر مصطلح : الإمامة الكبرى ، وأهل الحلّ والعقد ) .</p><p>أدلّة مشروعيّة البيعة :</p><p>6 - مبايعة المسلمين للرّسول صلى الله عليه وسلم إنّما هي مبايعة للّه تبارك وتعالى ، وذلك كما في قوله سبحانه : { إنّ الّذين يبايعونك إنّما يبايعون اللّه ، يَدُ اللّه فوق أيديهم } فَيَدُه سبحانه في الثّواب فوق أيديهم في الوفاء ، ويده في المنّة عليهم بالهداية فوق أيديهم في الطّاعة . والمراد بالمبايعة في الآية بيعة الرّضوان بالحديبية ، وقد أنزل اللّه تعالى فيمن بايعه فيها قوله جلّ شأنه : { لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذْ يبايعونك تحت الشّجرةِ فَعَلِمَ ما في قلوبِهم فأَنْزَلَ السّكينةَ عليهم وأَثَابهم فَتْحاً قريباً } وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : « كنّا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة ، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشّجرة وهي سمرة . وقال : بايعناه على أن لا نفرّ ، ولم نبايعه على الموت » </p><p>وفي بيعة العقبة الأولى بايع المسلمون الرّسول صلى الله عليه وسلم على بيعة النّساء قبل أن تفرض عليهم الحرب . « فعن عبادة بن الصّامت رضي الله عنه ، وكان شهد بدراً ، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة ، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه : بايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئاً ، ولا تَسْرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ، فمن وفّى منكم فأجره على اللّه ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثمّ ستره اللّه ، فهو إلى اللّه ، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه . فبايعناه على ذلك » 7 - أمّا بيعة النّساء فقد بيّنت في قول اللّه تبارك وتعالى : { يا أيّها النّبيّ إذا جاءك المؤمناتُ يُبَايعْنك على أن لا يُشْرِكْنَ باللّه شيئاً ولا يَسْرقْن ولا يزنين ولا يقتلن أولادَهنّ ولا يأتين بِبُهْتانٍ يَفْترِينَه بين أيديهنّ وأرجلهنّ ولا يَعْصينَك في مَعْروف فبايِعْهنّ واستغفرْ لهنّ اللّهَ إنَّ اللّهَ غفور رحيم } ولمّا فتح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكّة جاءه نساء أهلها يبايعنه فأخذ عليهنّ : أن لا يشركن .. إلخ . ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يمتحنّ بقول اللّه تعالى : { يا أيّها النّبيّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين } » إلى آخر الآية ، قالت عائشة : فمن أقرّ بهذا من المؤمنات فقد أقرّ بالمحنة . وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهنّ ، قال لهنّ : انطلقن فقد بايعتكنّ ولا واللّه ما مسّت يد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يد امرأة قطّ ، غير أنّه بايعهنّ بالكلام . قالت عائشة : واللّه ما أخذ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على النّساء قطّ إلاّ بما أمره اللّه عزّ وجلّ ، وما مسّت كفّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كفّ امرأة قطّ ، وكان يقول لهنّ إذا أخذ عليهنّ قد بايعتكنّ كلاماً » . ( أي دون مصافحة ) . </p><p>وقالت أمّ عطيّة رضي الله عنها « لمّا قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت ، ثمّ أرسل إلينا عمر بن الخطّاب فقام على الباب ، فسلّم ، فرددن عليه السّلام ، فقال : أنا رسول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إليكنّ : أن لا تشركن باللّه شيئاً فقلن : نعم . فمدّ يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثمّ قال : اللّهمّ اشهد » . وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النّساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه ، ثمّ أمر النّساء فغمسن أيديهنّ فيه » . </p><p>فبيعة رجال المسلمين للرّسول صلى الله عليه وسلم كانت بالمصافحة مع الكلام . أمّا بيعة نسائهم له صلى الله عليه وسلم فكانت بالكلام من غير مصافحة . قال النّوويّ في شرح مسلم ، إنّ بيعة النّساء بالكلام من غير أخذ كفّ ، وبيعة الرّجال بأخذ الكفّ مع الكلام . وحين تخوّف عمر بن الخطّاب الاختلاف بين المسلمين قال لأبي بكر : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسطها ، فبايعه ، ثمّ بايعه المهاجرون ، ثمّ بايعه الأنصار .</p><p>الفرق بين مبايعة الصّحابة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم وبين مبايعة غيره من الأئمّة :</p><p>8 - إنّ موضوع بيعة الرّسول صلى الله عليه وسلم يقتصر على التزام المبايعين وتعهّدهم بالسّمع والطّاعة ، وخاصّةً الالتزام بما بايعوا عليه ، أمّا تعيينه صلى الله عليه وسلم للإمامة فإنّما كان ذلك بالوحي . وأمّا بيعة غيره فهي التزام من كلّ من الطّرفين ، فهي من أهل الحلّ والعقد التزام للإمام بالسّمع والطّاعة والإقرار بإمامته ، والتزام من المبايع بإقامة العدل والإنصاف والقيام بفروض الإمامة . </p><p>ويترتّب عليها إذا تمّت على الوجه المشروع انعقاد الإمامة لمن بايعه أهل الحلّ والعقد ، وأمّا سائر النّاس غير أهل الحلّ والعقد فعليهم أن يبايعوه بعد ذلك تبعاً لأهل الحلّ والعقد .</p><p>هل البيعة عقد ؟ وتتوقّف على القبول ؟</p><p>9 - البيعة عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار ، وهو عقد بين طرفين أحدهما : أهل الحلّ والعقد . وثانيهما : الشّخص الّذي أدّاهم اجتهادهم إلى اختياره ممّن قد استوفوا شرائط الإمامة ليكون إماماً لهم . فإذا اجتمع أهل الحلّ والعقد للاختيار ، وتصفّحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها ، فقدّموا للبيعة منهم أكثرهم فضلاً وأكملهم في تلك الشّروط ، ومن يسرع النّاس إلى طاعته ولا يتوقّفون عن بيعته . فإذا تعيّن لهم من بين الجماعة من أدّاهم الاجتهاد إلى اختياره عرضوها عليه ، فإن أجاب إليها بايعوه عليها ، وانعقدت ببيعتهم له الإمامة ، فلزم كافّة الأمة الدّخول في بيعته والانقياد لطاعته ، وإن امتنع من الإمامة ولم يجب إليها لم يحبر عليها ، وعدل عنه إلى من سواه من مستحقّيها .</p><p>أثر البيعة في انعقاد الإمامة :</p><p>10 - اختيار أهل الحلّ والعقد للإمام وبيعتهم له هي الأصل في انعقاد الإمامة ، وأهل الحلّ والعقد هم العلماء وجماعة أهل الرّأي والتّدبير الّذين اجتمع فيهم العلم بشروط الأمانة والعدالة والرّأي . ( ر : أهل الحلّ والعقد ) . </p><p>أمّا انعقاد الإمامة بولاية العهد أو بالتّغلّب فينظر حكم ذلك في مصطلح ( إمامة كبرى ) . وليس لمن كان في بلد الإمام على غيره من أهل البلاد فضل مزيّة يتقدّم بها على غيره في الاختيار ، وإنّما صار من يحضر ببلد الإمام متولّياً لعقد الإمامة عرفاً لا شرعاً ، لسبق علمهم بموته ، لأنّ من يصلح للخلافة في الأغلب موجودون في بلده .</p><p>عدد من تنعقد بمبايعتهم الإمامة :</p><p>11 - اتّفق الفقهاء على أنّ الإمامة تنعقد بإجماع أهل الحلّ والعقد على المبايعة ، وبمبايعة جمهور أهل الحلّ والعقد من كلّ بلد ، وذهب بعض الفقهاء إلى أنّها لا تنعقد بأقلّ من ذلك ، ليتمّ الرّضا به والتّسليم لإمامته . وقد روى البخاريّ عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال : « من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الّذي بايعه » . </p><p>قال أبو يعلى : أمّا انعقاد الإمامة باختيار أهل الحلّ والعقد فلا تنعقد إلاّ بجمهور أهل الحلّ والعقد ، قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم : الإمام الّذي يجتمع قول أهل الحلّ والعقد عليه ، كلّهم يقول هذا إمام . قال أبو يعلى : وظاهر هذا أنّها تنعقد بجماعتهم . </p><p>وقيل : تنعقد بأقلّ من ذلك . وممّن قال بعدم انعقادها إلاّ بجمهور أهل الحلّ والعقد المالكيّة والحنابلة ، وقال المعتزلة بانعقادها بخمسة ، وقال الشّافعيّة بانعقادها بالأربعة والثّلاثة والاثنين ، وقال الحنفيّة بانعقادها بواحد ، وانظر للتّفصيل مصطلح ( إمامة كبرى ) .</p><p>كيفيّة البيعة :</p><p>12- كيفيّتها أن يقول كلّ من أهل الحلّ والعقد المبايعين لمن يبايعونه بالخلافة : قد بايعناك على إقامة العدل والإنصاف والقيام بفروض الإمامة . ولا يحتاج ذلك إلى صفقة اليد ، وقد كانت البيعة على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وخلفائه الرّاشدين بالمصافحة ، فلمّا ولي الحجّاج رتّبها أيماناً تشتمل على اليمين باللّه والطّلاق والعتاق وصدقة المال . وزاد ابن القيّم في إعلام الموقّعين : وبيعة النّساء بالكلام « وما مسّت يد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا يملك عصمتها » . </p><p>وفي مبايعة أبي بكر رضي الله عنه حين تخوّف عمر بن الخطّاب رضي الله عنه الاختلاف بين المسلمين ، قال لأبي بكر رضي الله عنه : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعه ، ثمّ بايعه المهاجرون ، ثمّ بايعه الأنصار . وحديث عائشة رضي الله عنها في بيعة النّساء ، وأنّها كانت كلاماً من غير أن يضرب يده على أيديهنّ كما كان يبايع الرّجال .</p><p>نقض البيعة :</p><p>13 - يحرم على المسلم إذا بايع الإمام أن ينقض بيعته أو يترك طاعته ، إلاّ لموجب شرعيّ يقتضي انتقاض البيعة ، كردّة الإمام ونحو ذلك من الأسباب الّتي تقدّم ذكرها في مبحث ( الإمامة الكبرى ) فإن نقض البيعة لغير ذلك فهو حرام ، وقد ورد النّهي عنه في قول اللّه تعالى : { إنّ الّذين يبايعونك إنّما يبايعون اللّه يد اللّه فوق أيديهم ، فمن نَكَثَ فإنّما يَنْكُثُ على نفسه ومن أَوْفى بما عاهَدَ عليهُ اللّه فسيؤتيه أجراً عظيماً } وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع » .</p><p></p><p>بيعة *</p><p>انظر : معابد .</p><p></p><p>بيّنة *</p><p>انظر : شهادات ، إثبات .</p><p></p><p>******************</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41118, member: 329"] بيعتان في بيعة * التّعريف : 1 - البيعتان لغةً : مثنّى البيعة . والبيعة : اسم المرّة الواحدة من البيع . والبيعتان في بيعة في الاصطلاح قد اختلف العلماء فيها على أقوال : الأوّل : معناه أن يبيع الرّجل السّلعة فيقول : هي نقداً بكذا ، ونسيئةً بكذا . أي بثمن أكثر من الثّمن الأوّل . وقد فسّره بهذا سماك - راوي حديث النّهي عن البيعتين في بيعة - عن ابن مسعود رضي الله عنه عند الإمام أحمد . وقد أخذ بهذا التّفسير . قوم ، ولو بيّن المتبايعان أحد الثّمنين بعد ذلك ، ومن هنا منعوا الزّيادة في بيعة السّلعة نسيئةً عن سعر يومها كما سيأتي . الثّاني : فسّره بعضهم بالتّفسير السّابق نفسه ، لكن بقيد الافتراق على الإبهام بين الثّمنين ، فقالوا : معناه أن يقول : بعتك هذا نقداً بكذا ، أو نسيئةً بكذا . ثمّ يفترقان قبل أن يلتزما بكون البيع على أحد الثّمنين ، بل يفترقان على الإبهام . قال الشّافعيّ : هو أن يقول : بعتك هذا بألف نقداً أو ألفين إلى سنة ، فخذ بأيّهما شئت أنت وشئت أنا . قال القاضي من الشّافعيّة : المسألة مفروضة على أنّه قبل على الإبهام . أمّا لو قال : قبلت بألف نقداً ، أو قال : قبلت بألفين نسيئةً ، صحّ ذلك وفسّره بذلك أبو عبيد والثّوريّ وإسحاق والمالكيّة والحنابلة أيضاً ، مع تفسيرهم له بتفسيرات أخرى كما يأتي . الثّالث : قال مالك أيضاً : هو أن يشتري سلعةً بدينار أو بشاة ، أو يشتري بدينار شاةً أو ثوباً ، قد وجب أحدهما للمشتري . قال الباجيّ : سواء كان الإلزام لهما أو لأحدهما ، فيدخل في هذا الوجه الوجه السّابق أيضاً ، والمدار على التّخيير بين ثمنين أو سلعتين مع الإلزام بأحدهما لا بعينه . الرّابع : ما قاله ابن القيّم في تهذيب السّنن : هو أن يقول : بعتك هذه السّلعة بمائة إلى سنة على أن أشتريها منك - أي بعد ذلك - بثمانين حالّةً . قال : وهذا معنى الحديث الوارد في البيعتين في بيعة ، وهو الّذي لا معنى له غيره ، وهو مطابق لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « فلَه أَوْكَسُهما أو الرّبا » فإنّه إمّا أن يأخذ الثّمن الزّائد فيربي ، أو الثّمن الأوّل فيكون هو أوكسهما . وهو قد قصد بيع دراهم عاجلة بدراهم مؤجّلة أكثر منها ، ولا يستحقّ إلاّ رأس ماله . ووجه كونه من باب البيعتين في بيعة : أنّهما بيعتان إحداهما بثمن مؤجّل ، والأخرى بثمن معجّل ، وقد أبرمتا في صفقة واحدة . الخامس : هو أن يشترطا بيعاً في بيع . وقد فسّره بهذا الوجه أيضاً الشّافعيّ ، فقال : هو أن يقول : بعتك هذه الفرس بألف على أن تبيعني دارك بكذا ، أي إذا وجب لك عندي فقد وجب لي عندك . قال الشّوكانيّ : وهذا يصلح تفسيراً للرّواية الأولى من حديث أبي هريرة لا للأخرى ، فإنّ قوله « أوكسهما » يدلّ على أنّه باع الشّيء الواحد بيعتين : بيعة بأقلّ ، وبيعة بأكثر . وجعل منه مسروق أن يقول : بعتك هذا البزّ بكذا وكذا ديناراً تعطيني بالدّينار عشرة دراهم ، أي لأنّه جمع بين بيع وصرف . السّادس : وهو عند الحنفيّة أعمّ من الوجه الخامس ، إذ يدخل فيه أن يبيع داراً بشرط أن يسكنها البائع شهراً ، أو دابّةً على أن يستخدمها المشتري ولو مدّةً معيّنةً ، ونحو ذلك . السّابع : قال الخطّابيّ : هو أن يشتري منه بدينار صاع حنطة سلماً إلى شهر ، فلمّا حلّ الأجل ، وطالبه بالحنطة ، قال له : بعني الصّاع الّذي لك عليّ بصاعين إلى شهرين ، قال الخطّابيّ : فهذا بيع ثان قد دخل على البيع الأوّل ، فيردّان إلى أوكسهما وهو الأوّل . ونقل هذا التّفسير عن شرح سنن أبي داود لابن رسلان ، ونقله ابن الأثير في النّهاية ، وواضح أنّ مثل هذا البيع باطل عند الجميع ، لكونه بيع ربويّ بجنسه متفاضلاً ونسيئةً . الألفاظ ذات الصّلة : أ - الصّفقتان في الصّفقة : 2 - الصّفقة هي : المرّة من الصّفق ، وهو في اللّغة : الضّرب الّذي يسمع له صوت . وأطلق في العرف اللّغويّ على المرّة الواحدة من المبايعات ، فقد كان أحدهم إذا أوجب البيع صفّق بيده على يد المشتري ، وعلى بيعة الإمام ، ومنه الحديث « من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه » ... وتطلق الصّفقة في الاصطلاح كذلك على البيعة وعلى غيرها من العقود ، فالمرّة من الإجارة صفقة ، ومن القرض صفقة ، وهكذا ويراد ب " الصّفقتين في صفقة " جمع صفقتين في عقد واحد ، كأن يبيع بيته من فلان ويشتري منه دابّته ، على أنّه إذا وجبت هذه وجبت الصّفقة الأخرى ، أو يبيع بيته من فلان ويستأجر منه دابّته ، على أنّه إذا وجب البيع وجبت الإجارة . فاصطلاح ( الصّفقتين في صفقة ) أعمّ من اصطلاح ( البيعتين في بيعة ) . ب - البيع والشّرط : 3 - البيع والشّرط أعمّ من البيعتين في بيعة ، لأنّ الاشتراط قد يكون اشتراط عقد آخر ، وقد يكون اشتراطاً لمصلحة أحد المتعاقدين ، من غير أن يكون المشروط عقداً آخر . حكم البيعتين في بيعة : 4 - البيعتان في بيعة أحد البيوع المنهيّ عنها ، وقد ورد النّهي عنها في ثلاث روايات : الأولى : رواية أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة » ومثلها رواية عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما . ورواية عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة ، وعن ربح ما لم يضمن » . الثّانية : عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من باع بيعتين في بيعة فَلَه أَوْكسهما أو الرّبا » وقال الشّوكانيّ : في إسناده محمّد بن عمرو بن علقمة ، وقد تكلّم فيه غير واحد . الثّالثة : عن ابن مسعود رضي الله عنه قال « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة » وفي رواية عنه « لا تحلّ الصّفقتان في الصّفقة » وفي أخرى موقوفة « الصّفقة في الصّفقتين رباً » فالبيعتان في بيعة عقد محرّم ، يأثم من يقدم عليه لمخالفته النّهي ، وهو عقد فاسد ، لكنّ الفقهاء يختلفون فيما يحكمون بفساده ، طبقاً لاختلافهم في تعريفهم للبيعتين في بيعة كما تقدّم ، وفيما يلي بيان ذلك : النّوع الأوّل : أن يقول البائع : هو بكذا حالّاً ، وبأعلى منه مؤجّلاً . 5- البيع بثمن آجل معلوم القدر والأجل ، متّفق على جوازه من حيث الجملة . ولا خلاف فيه لأحد من الفقهاء ، وذلك لقول اللّه تعالى { يا أيّها الّذين آمَنوا إذا تَدَاينتم بِدَيْن إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه } قال المفسّرون : المراد به كلّ معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً والآخر نسيئةً فما قدّم فيه الثّمن وأجّل فيه تسليم المثمّن ، فهو السّلم ، وقد ورد الشّرع بجوازه ، وانعقد عليه الإجماع ، فهذا مثله ، لأنّه تأجيل لأحد العوضين ، وهذا كلّه بشرط أن لا يكون العوضان ممّا يجري بينهما ربا النّسيئة ، كالذّهب بالذّهب أو بالفضّة ، وكالقمح بالشّعير . هذا ، غير أنّ الإمام أحمد كره أن يختصّ الرّجل بالبيع بالنّسيئة ، لا يبيع إلاّ بها ، ولا يبيع بنقد . قال ابن عقيل : وإنّما كره النّسيئة لمضارعتها الرّبا ، فإنّ الغالب أنّ البائع بنسيئة يقصد الزّيادة بالأجل ، لكنّ البيع بنسيئة ليس بمحرّم اتّفاقاً ، ولا يكره إلاّ أن لا يكون له تجارة غيره . غير أنّه إن كان الثّمن الّذي وقع عليه البيع بالنّسيئة أعلى من الثّمن الحاضر لتلك السّلعة : فقد نقل الخلاف فيه عن زين العابدين عليّ بن الحسين ، فقد نقل الشّوكانيّ عنه : أنّه كان يرى حرمة بيع الشّيء بأكثر من سعر يومه لأجل النّساء . ونقل صاحب سبل السّلام الخلاف فيه عن قوم لم يسمّهم . قال الشّوكانيّ : متمسّكهم رواية « فله أَوْكَسُهما أو الرّبا » قال : وقد عرفتَ ما في راويه من المقال ، ومع ذلك فالمشهور عن أبي هريرة رضي الله عنه اللّفظ الّذي رواه غيره ، وهو النّهي عن بيعتين ، ولا حجّة فيه على المطلوب ، ثمّ قال : على أنّ غاية ما فيها الدّلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصّورة ، وهي أن يقول : نقداً بكذا ونسيئةً بكذا ، لا إذا قال من أوّل الأمر : نسيئةً بكذا فقط ، وكان أكثر من سعر يومه . مع أنّ المتمسّكين بهذه الرّواية يمنعون من هذه الصّورة ، ولا يدلّ الحديث على ذلك ، فالدّليل أخصّ من الدّعوى . وظاهر ما تقدّم عن سماك ( ر : ف 1 ) أنّه كان يرى المحرّم أن يقول : هو نقداً بكذا ونسيئةً بكذا ، فدلالة الحديث عليه مطابقة . النّوع الثّاني : البيع بثمنين معجّل ومؤجّل أعلى منه ، مع الإبهام : 6 - إذا باع سلعةً بألف حالّةً أو ألف ومائة إلى سنة ، وقد وجب عليه أحدهما ، فإن عيّنا أحد الثّمنين قبل الافتراق جاز البيع ، وإن افترقا على الإبهام لم يجز . وقد نصّ الشّافعيّ كما تقدّم على أنّ هذا من البيعتين في بيعة المنهيّ عنه ، وأخذ بذلك جمهور الفقهاء . وقد علّل الشّافعيّة والحنابلة لهذا المنع بعلّتين : الأولى : الجهالة في الثّمن وعدم استقراره . قال ابن قدامة : لأنّ الثّمن مجهول فلم يصحّ ، كالبيع بالرّقم المجهول ، ولأنّ أحد العوضين غير معيّن ولا معلوم ، فلم يصحّ ، كما لو قال : بعتك إحدى دوري . قال : وإنّما يصحّ إذا قال المشتري بعد ذلك : أنا آخذه بالنّسيئة بكذا ، فقال البائع : خذه ، أو قد رضيت ، أو نحو ذلك ، فيكون عقداً كافياً . أمّا إن لم يوجد ما يقوم مقام الإيجاب أو يدلّ عليه فلا يصحّ ، لأنّ ما مضى من القول - أي على التّرديد والإبهام - لا يصلح أن يكون إيجاباً . ثمّ خرّج وجهاً آخر بالصّحّة . الثّانية : أنّ في ذلك رباً ، والتّعليل بهذه العلّة مستند إلى بعض الرّوايات عن ابن مسعود رضي الله عنه ، ففيها : « الصّفقة في الصّفقتين رباً » وحديث أبي هريرة رضي الله عنه : « فله أوكسهما أو الرّبا » . وقد علّل بهذه العلّة الإمام مالك وشيخه ربيعة وسائر المالكيّة . جاء في المدوّنة تفسير ما كره من ذلك : أنّه إذا ملك ثوباً بدينار نقداً أو دينارين إلى أجل ، تأخذه بأيّهما شئت وشئت أنا ، وقد وجب عليك أحدهما ، فهذا كأنّه وجب عليك بدينار نقداً ، فأخّرته فجعلته بدينارين إلى أجل ، أو فكأنّه وجب عليك بدينارين إلى أجل فجعلتهما بدينار نقداً . توضيح مذهب المالكيّة في هذه المسألة : 7 - قد توسّع المالكيّة في شرح هذه المسألة وبيان ضوابط ما يحرم من البيعتين في بيعة ، وحاصل كلامهم ما يلي : أ - أنّ التّحريم شامل لما إذا كان التّرديد بين سلعتين مختلفتين ، كما لو قال : أبيعك بدينار هذه السّلعة ، أو هذه الشّاة . ولما إذا كان التّرديد بين ثمنين ، كما إذا قال : أبيعك هذه السّلعة بعشرة نقداً أو بعشرين إلى سنة . ب - ولا يحرم ذلك إلاّ إذا كان العقد على سبيل الإلزام للمتبايعين ، أو لأحدهما بأحد الأمرين ، أمّا إن كان على سبيل التّخيير لكليهما من غير إلزام جاز . ج - وهذا إن كانت السّلعتان اللّتان حصل التّخيير بينهما مختلفتين بالجنس ، أمّا إن كانتا متّفقتين بالجنس ، والاختلاف بينهما بالجودة أو الرّداءة فقط فلا بأس به ، لأنّه لا يختار إلاّ الأفضل . قال مالك : لا بأس بشراء ثوب من ثوبين يختاره بثمن كذا ، أو خمسين من مائة ثوب في عدل يختارها إن كانت جنساً واحداً ووصف رقاعها - أي نسجها - وطولها ، وإن اختلفت القيم ، بعد أن تكون كلّها مَرويّةً أو هَرَويّةً ( نسبةً إلى مَرْو وهَرَاة ) . د - ويستثنى من هذه الحالة أن تكون السّلم طعاماً يدخله ربا الفضل ، فلا يجوز أن تشتري منه على أن تختار صبرةً من صبر ، أو تختار من نخيل - أي من ثمر نخيل - نخلةً - أي ثمرها أو من شجر مثمر عدداً يسمّيه ، اتّفق الجنس أو اختلف ، وإنّما نصّ المالكيّة على الطّعام في هذه المسألة ، لأنّ علّة ربا الفضل عندهم في غير النّقدين : الطّعم . وقالوا في تصوير وجود ربا الفضل هنا : إنّه يختار إحدى الصّبر ثمّ يتركها ، ويأخذ أخرى ، وبينهما فضل في الكيل والسّلعة من المطعوم فيكون من ربا الفضل . ولم يقبل الحنفيّة التّعليل بهذه العلّة أصلاً قال ابن الهمام : إنّ كون الثّمن على تقدير النّقد ألفاً ، وعلى تقدير النّسيئة ألفين ليس في معنى الرّبا . 8- وأمّا البيع مع التّخيير بين السّلع أو بين أثمان مختلفة للسّلعة الواحدة ، فهو فاسد عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة أيضاً للجهالة ، ولكون البيع على تلك الصّفة مثاراً للتّنازع ، واستثنى الحنفيّة على سبيل الاستحسان أن يبيع من الثّياب مثلاً أحد ثوبين أو ثلاثة على أنّه بالخيار بينها ثلاثة أيّام فأقلّ ، فإن كانت أربعة أثواب فالبيع فاسد . قالوا : والقياس أن يفسد البيع في الكلّ ، وهو قول زفر والشّافعيّ . وجه الاستحسان : أنّ شرع الخيار للحاجة إلى دفع الغبن ليختار ما هو الأوفق والأرفق ، والحاجة متحقّقة لأنّ المشتري يحتاج إلى اختيار من يثق به ، أو اختيار من يشتريه لأجله ، غير أنّ هذه الحاجة تندفع بالثّلاث لوجود الجيّد والرّديء والوسط فيها ، أمّا الأربعة فما زاد فالحاجة إليها غير متحقّقة . أمّا لو باع أحد قيميّين على الإبهام دون تخيير ، كدار وثوب بدينار مثلاً ، فهو فاسد عند الجميع للجهالة بالمبيع . النّوع الثّالث : ما ورد في كلام ابن القيّم من أن يبيع الشّيء بثمن مؤجّل ، ويشترط أن يعود فيشتريه من مشتريه بثمن حالّ أقلّ من ثمنه المؤجّل . 9 - وهذا النّوع أيضاً بيع فاسد عند كلّ من يرى بطلان بيع العينة ، فإنّ بيع العينة : أن يبيع لرجل بثمن معجّل سلعةً كان قد اشتراها منه بثمن مؤجّل أكثر منه . وهي من حيل الرّبا ، فإنّ السّلعة رجعت إلى صاحبها ، وثبت له ألف ومائتان مثلاً في ذمّة صاحبه إلى أجل ، وأخذ في مقابلها ألفاً حالّةً ( انظر : بيع العينة ) . فالّذين قالوا بتحريم بيع العينة قالوا : يحرم ذلك ويفسد إذا وقع ، سواء وقع البيع الثّاني اتّفاقاً ، أو تواطآ عليه عند العقد الأوّل . فإذا وقع على أساس اشتراط العقد الثّاني في العقد الأوّل فهو أولى بالتّحريم والفساد . أمّا الّذين أجازوا بيع العينة - ومنهم الشّافعيّ وأصحابه - فيحرم هذا البيع عندهم كذلك ، ويفسد ، وهو عندهم من البيعتين في بيعة المنهيّ عنه ، ومن البيع أو الشّرط كذلك ، وهو داخل في النّوع التّالي . النّوع الرّابع : أن يشترط في عقد البيع بيعاً آخر أو غيره من العقود : 10 - وهو على طريقتين : الأولى : أن يشترط في عقد البيع بيعاً آخر ولا يحدّد المبيع الثّاني أو الثّمن . فهذا لا يصحّ من وجهين . الأوّل : أنّه من " البيع والشّرط " المنهيّ عنه . والثّاني : الجهالة ، وهذا بالإضافة إلى كونه من البيعتين في بيعة عند الأكثر . الثّانية : أن يشترط في البيع بيعاً آخر ويحدّد المبيع والثّمن ، كأن يقول : بعتك داري هذه بألف على أن تبيعني دارك بألف وخمسمائة ، أو على أن تشتري منّي داري الأخرى بألف وخمسمائة . وقد صرّح الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة بأنّ هذا من البيعتين في بيعة المنهيّ عنه . وهو عند الحنفيّة والشّافعيّة أيضاً من باب البيع والشّرط المنهيّ عنه في السّنّة النّبويّة . ( ر : بيع وشرط ) . 11 - والنّهي عن البيع والشّرط وإن اختلف الفقهاء في الأخذ به - فمنعه الحنفيّة والشّافعيّة ، وأجازه الحنابلة إذا كان شرطاً واحداً - على تفصيل عند الجميع ليس هذا موضع بيانه ، إلاّ أنّ المشروط إن كان بيعاً آخر فإنّه يفسد الشّرط ، ويفسد البيع أيضاً حتّى عند الحنابلة . وهذا النّوع يفسد أيضاً سواء أكان المشروط في عقد البيع بيعاً أو غيره ، كسلف أو إجارة أو قرض أو غير ذلك من العقود ، قياساً على اشتراط البيع ، ولدخوله في عموم الرّواية الأخرى « نهى عن صفقتين في صفقة » فإنّ الصّفقة بمعنى العقد ، فتشمل كلّ عقدين جمع بينهما في عقد واحد . وورد في الجمع بين البيع والسّلف نهي خاصّ ، هو قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم « لا يحلّ سلَف وبيع » . قال ابن قدامة : وهذا مذهب مالك والشّافعيّ ولا أعلم فيه خلافاً ، إلاّ أنّ مالكاً قال : إن ترك مشترط السّلف شرطه صحّ البيع . وعلّل ابن قدامة لفساد البيع بالإضافة إلى كونه من الصّفقتين في صفقة ، بأنّه إذا اشترط القرض مثلاً زاد في الثّمن لأجله ، فتصير الزّيادة في الثّمن عوضاً عن القرض وربحاً له ، وذلك رباً محرّم ، ففسد كما لو صرّح به . ولو كان العقدان ليس فيهما بيع فسدا كذلك ، كما لو شرط في الإجارة سلفاً أو نكاحاً ، أو شرط في النّكاح نكاحاً ، وهو الشّغار المنهيّ عنه على أحد القولين في تفسيره ( ر : شغار ) . ومن جملة ما يدخل في هذا النّوع أيضاً : أن يبيع سلعةً بدنانير ذهبيّة ، ويشترط أن يسلّمه الثّمن دراهم بسعر صرف يتّفقان عليه في عقد البيع نفسه . قال ابن قدامة : وهذا باطل لأنّه شرط في العقد أن يصارفه بالثّمن الّذي وقع العقد به ، والمصارفة عقد ، فيكون من باب البيعتين في بيعة ، ثمّ قال : وقال مالك : لا ألتفت إلى اللّفظ الفاسد إذا كان معلوماً حلالاً ، فكأنّه باع السّلعة بالدّراهم الّتي يأخذها بدل الدّنانير . 12 - وينبغي التّفريق بين هذه الحالة المبيّنة أعلاه ، وبين أن يبيع سلعتين مختلفتين بثمن واحد ، كما لو باع دابّةً وداراً بألف دينار ، فإنّ هذا جائز اتّفاقاً وليس من البيعتين في بيعة . وكذا لو باع الدّار بدابّة وألف دينار . 13 - ومثله ما لو جمع بين بيع وإجارة ، أو بيع وصرف ، أو إجارة ونكاح بعوض واحد ، كما لو قال بعتك داري هذه وآجرتك داري الأخرى سنةً بألف دينار ، فهذا جائز لأنّهما عينان يجوز أخذ العوض عن كلّ واحدة منهما منفردةً ، فجاز أخذ العوض عنهما مجتمعتين ، كما لو قال : بعتك هذّبن الثّوبين بألف . وهذا قول الحنابلة الأصحّ عندهم ، والأظهر عند الشّافعيّة ، ويوزّع العوض عند التّرادّ في أحدهما حسب قيمتهما ( أي قيمة المؤجّر مثلاً من حيث الأجرة للمدّة المضروبة ، وقيمة رقبة المبيع ) والقول الآخر عند كلّ من الفريقين : لا يصحّ ، لأنّ حكمهما مختلف ، فإنّ المبيع يضمن بمجرّد البيع . والإجارة بخلافه ، وقد يعرض - لاختلاف حكمهما باختلاف أسباب الفسخ والانفساخ وغير ذلك - ما يقتضي فسخ أحدهما ، فيحتاج إلى التّوزيع ، ويلزم الجهل عند العقد بما يخصّ كلّاً منهما من العوض ، وذلك محذور ، غير أنّه إن كان أحد العقدين نكاحاً صحّ بمهر المثل . لأنّ التّسمية ليست بشرط في صحّته . وعند المالكيّة - على المشهور عندهم - التّصريح بأنّه لا يجوز أن يجتمع مع البيع صرف ولا جعالة ولا مساقاة ولا شركة ولا قراض ولا نكاح ولا سلف ، ولا يجوز اجتماع شيء منها مع غيره منها . والسّلف لا يجتمع معه أيضاً صدقة أو هبة أو نحوهما من جانب المتسلّف . النّوع الخامس : اشتراط منفعة لأحد المتعاقدين : 14 - ومثاله أن يقول : بعتك هذه الدّار على أن أسكنها سنةً ، أو قال : بعتك هذه الدّابّة على أن أستخدمها شهراً . وقد أدخل الحنفيّة هذا النّوع في البيعتين في بيعة المنهيّ عنه ، وقالوا : بأنّه يفسد البيع لذلك ، ولأنّه من باب البيع والشّرط المنهيّ عنه ( ر : البيع والشّرط ) . ووجه كونه من البيعتين في بيعة - كما في الهداية وفتح القدير - أنّه لو كانت الخدمة والسّكنى يقابلهما شيء من الثّمن ، بأن يعتبر المسمّى ثمناً بإزاء المبيع ، وأجرةً بإزاء الخدمة والسّكنى ، يكون إجارةً في بيع . ولو كان لا يقابلهما شيء يكون إعارةً في بيع . ووجه كونه ربا : أنّ المشروط زيادة في العقد عاريّة عن العوض ، وهو معنى الرّبا . ومثله عند الحنفيّة ما لو باع شجراً عليه ثمر ، اشترط بقاء الثّمر على الشّجر مدّةً . ووجه منعه أنّه يكون إجارةً أو إعارةً في بيع ، فيكون من باب صفقتين في صفقة كذلك . ويوافق الشّافعيّة على أنّ هذا البيع ممنوع ، وأنّ مثل هذا الشّرط يفسد العقد ، لأنّه من باب البيع والشّرط . أمّا عند المالكيّة والحنابلة : فهو بيع جائز ، حيث كانت المنفعة المشروطة معلومةً . وقالوا : قد صحّ من حديث جابر رضي الله عنه « أنّه باع من النّبيّ صلى الله عليه وسلم جملاً واستثنى حمله إلى المدينة » ولأنّه صلى الله عليه وسلم « نهى عن الثّنيا إلاّ أن تعلم » . بيعة * التّعريف : 1- للبيعة في اللّغة معان ، فتطلق على : المبايعة على الطّاعة . وتطلق على : الصّفقة من صفقات البيع ، ويقال : بايعته ، وهي من البيع والبيعة جميعاً والتّبايع مثله . قال اللّه تعالى { إنّ الّذين يُبايِعونك إنّما يُبايعون اللّه } وفي الحديث « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لمجاشع حينما سأله : علام تبايعنا ؟ قال : على الإسلام والجهاد » . وهو عبارة عن المعاقدة والمعاهدة . كأنّ كلّاً منهما باع ما عنده لصاحبه ، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره . ومثله : أيمان البيعة . وهي : الّتي رتّبها الحجّاج مشتملةً على أمور مغلّظة من طلاق وعتق وصوم ونحو ذلك . والبيعة اصطلاحاً ، كما عرّفها ابن خلدون في مقدّمته : العهد على الطّاعة ، كأنّ المبايع يعاهد أميره على أن يسلّم له النّظر في أمر نفسه وأمور المسلمين ، لا ينازعه في شيء من ذلك ، ويطيعه فيما يكلّفه به من الأمر على المنشط والمكره ، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد ، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري ، وصارت البيعة تقترن بالمصافحة بالأيدي . هذا مدلولها في اللّغة ومعهود الشّرع ، وهو المراد في الحديث في بيعة النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ، وعند الشّجرة ، وحيثما ورد هذا اللّفظ . ومنه : بيعة الخلفاء ، ومنه أيمان البيعة . فقد كان الخلفاء يستحلفون على العهد ويستوعبون الأيمان كلّها لذلك . فسمّي هذا الاستيعاب أيمان البيعة . 2 - هذا وقد استفاض عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّ النّاس كانوا يبايعونه تارةً على الهجرة والجهاد ، وتارةً على إقامة أركان الإسلام ، وتارةً على الثّبات والقرار في معركة الكفّار ، وتارةً على التّمسّك بالسّنّة واجتناب البدعة والحرص على الطّاعات . هذا ، والكلام عن البيعة بمعنى ( المرّة من البيع ) موطنه مصطلح : ( بيع ) . الألفاظ ذات الصّلة : أ - العقد : 3 - العقد وجمعه عقود ، وله في اللّغة معان منها : عقد الحبل ونحوه ، ومنها العهد . وفي الاصطلاح : ربط أجزاء التّصرّف بإيجاب وقبول شرعاً . فالعقد أعمّ من البيعة . ب - العهد : 4 - من معانيه في اللّغة : كلّ ما عوهد اللّه عليه ، وكلّ ما بين العباد من المواثيق . والعهد : الّذي يكتب للولاة عند تقليدهم الأعمال ، والجمع : عهود ، وقد عهد إليه عهداً . والعهد : الموثق واليمين يحلف بها الرّجل . تقول : عليّ عهد اللّه وميثاقه ، وأخذت عليه عهد اللّه وميثاقه . فالبيعة نوع من العهود . الحكم التّكليفيّ للبيعة : 5 - يختلف حكم المبايعة باختلاف المبايعين ، فأهل الحلّ والعقد يجب عليهم بيعة من يختارونه للإمامة ممّن قد استوفى الشّروط الشّرعيّة لها . وأمّا سائر النّاس ، فالأصل وجوب البيعة على كلّ واحد منهم بناءً على بيعة أهل الحلّ والعقد ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من مات وليس في عنقه بيعة لإمام مات ميتةً جاهليّةً » ولكنّ المالكيّة ذهبوا إلى أنّه يكفي سائر النّاس أن يعتقدوا أنّهم تحت أمر الإمام المبايع ، وأنّهم ملتزمون بالطّاعة له . هذا بالنّسبة للمبايعين من أهل الحلّ والعقد وسائر النّاس ، أمّا من جهة المختار ليكون إماماً فيجب عليه قبول البيعة إن تعيّنت الإمامة ، بأن لا يوجد غيره مستوفياً للشّروط ، فإن كان المستوفون للشّروط أكثر من واحد ، كان قبول البيعة فرض كفاية ( وانظر مصطلح : الإمامة الكبرى ، وأهل الحلّ والعقد ) . أدلّة مشروعيّة البيعة : 6 - مبايعة المسلمين للرّسول صلى الله عليه وسلم إنّما هي مبايعة للّه تبارك وتعالى ، وذلك كما في قوله سبحانه : { إنّ الّذين يبايعونك إنّما يبايعون اللّه ، يَدُ اللّه فوق أيديهم } فَيَدُه سبحانه في الثّواب فوق أيديهم في الوفاء ، ويده في المنّة عليهم بالهداية فوق أيديهم في الطّاعة . والمراد بالمبايعة في الآية بيعة الرّضوان بالحديبية ، وقد أنزل اللّه تعالى فيمن بايعه فيها قوله جلّ شأنه : { لقد رضي اللّه عن المؤمنين إذْ يبايعونك تحت الشّجرةِ فَعَلِمَ ما في قلوبِهم فأَنْزَلَ السّكينةَ عليهم وأَثَابهم فَتْحاً قريباً } وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال : « كنّا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة ، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشّجرة وهي سمرة . وقال : بايعناه على أن لا نفرّ ، ولم نبايعه على الموت » وفي بيعة العقبة الأولى بايع المسلمون الرّسول صلى الله عليه وسلم على بيعة النّساء قبل أن تفرض عليهم الحرب . « فعن عبادة بن الصّامت رضي الله عنه ، وكان شهد بدراً ، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة ، أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه : بايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئاً ، ولا تَسْرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ، فمن وفّى منكم فأجره على اللّه ، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثمّ ستره اللّه ، فهو إلى اللّه ، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه . فبايعناه على ذلك » 7 - أمّا بيعة النّساء فقد بيّنت في قول اللّه تبارك وتعالى : { يا أيّها النّبيّ إذا جاءك المؤمناتُ يُبَايعْنك على أن لا يُشْرِكْنَ باللّه شيئاً ولا يَسْرقْن ولا يزنين ولا يقتلن أولادَهنّ ولا يأتين بِبُهْتانٍ يَفْترِينَه بين أيديهنّ وأرجلهنّ ولا يَعْصينَك في مَعْروف فبايِعْهنّ واستغفرْ لهنّ اللّهَ إنَّ اللّهَ غفور رحيم } ولمّا فتح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مكّة جاءه نساء أهلها يبايعنه فأخذ عليهنّ : أن لا يشركن .. إلخ . ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يمتحنّ بقول اللّه تعالى : { يا أيّها النّبيّ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن باللّه شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين } » إلى آخر الآية ، قالت عائشة : فمن أقرّ بهذا من المؤمنات فقد أقرّ بالمحنة . وكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أقررن بذلك من قولهنّ ، قال لهنّ : انطلقن فقد بايعتكنّ ولا واللّه ما مسّت يد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يد امرأة قطّ ، غير أنّه بايعهنّ بالكلام . قالت عائشة : واللّه ما أخذ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على النّساء قطّ إلاّ بما أمره اللّه عزّ وجلّ ، وما مسّت كفّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كفّ امرأة قطّ ، وكان يقول لهنّ إذا أخذ عليهنّ قد بايعتكنّ كلاماً » . ( أي دون مصافحة ) . وقالت أمّ عطيّة رضي الله عنها « لمّا قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت ، ثمّ أرسل إلينا عمر بن الخطّاب فقام على الباب ، فسلّم ، فرددن عليه السّلام ، فقال : أنا رسول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إليكنّ : أن لا تشركن باللّه شيئاً فقلن : نعم . فمدّ يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت ثمّ قال : اللّهمّ اشهد » . وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا بايع النّساء دعا بقدح من ماء فغمس يده فيه ، ثمّ أمر النّساء فغمسن أيديهنّ فيه » . فبيعة رجال المسلمين للرّسول صلى الله عليه وسلم كانت بالمصافحة مع الكلام . أمّا بيعة نسائهم له صلى الله عليه وسلم فكانت بالكلام من غير مصافحة . قال النّوويّ في شرح مسلم ، إنّ بيعة النّساء بالكلام من غير أخذ كفّ ، وبيعة الرّجال بأخذ الكفّ مع الكلام . وحين تخوّف عمر بن الخطّاب الاختلاف بين المسلمين قال لأبي بكر : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسطها ، فبايعه ، ثمّ بايعه المهاجرون ، ثمّ بايعه الأنصار . الفرق بين مبايعة الصّحابة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم وبين مبايعة غيره من الأئمّة : 8 - إنّ موضوع بيعة الرّسول صلى الله عليه وسلم يقتصر على التزام المبايعين وتعهّدهم بالسّمع والطّاعة ، وخاصّةً الالتزام بما بايعوا عليه ، أمّا تعيينه صلى الله عليه وسلم للإمامة فإنّما كان ذلك بالوحي . وأمّا بيعة غيره فهي التزام من كلّ من الطّرفين ، فهي من أهل الحلّ والعقد التزام للإمام بالسّمع والطّاعة والإقرار بإمامته ، والتزام من المبايع بإقامة العدل والإنصاف والقيام بفروض الإمامة . ويترتّب عليها إذا تمّت على الوجه المشروع انعقاد الإمامة لمن بايعه أهل الحلّ والعقد ، وأمّا سائر النّاس غير أهل الحلّ والعقد فعليهم أن يبايعوه بعد ذلك تبعاً لأهل الحلّ والعقد . هل البيعة عقد ؟ وتتوقّف على القبول ؟ 9 - البيعة عقد مراضاة واختيار لا يدخله إكراه ولا إجبار ، وهو عقد بين طرفين أحدهما : أهل الحلّ والعقد . وثانيهما : الشّخص الّذي أدّاهم اجتهادهم إلى اختياره ممّن قد استوفوا شرائط الإمامة ليكون إماماً لهم . فإذا اجتمع أهل الحلّ والعقد للاختيار ، وتصفّحوا أحوال أهل الإمامة الموجودة فيهم شروطها ، فقدّموا للبيعة منهم أكثرهم فضلاً وأكملهم في تلك الشّروط ، ومن يسرع النّاس إلى طاعته ولا يتوقّفون عن بيعته . فإذا تعيّن لهم من بين الجماعة من أدّاهم الاجتهاد إلى اختياره عرضوها عليه ، فإن أجاب إليها بايعوه عليها ، وانعقدت ببيعتهم له الإمامة ، فلزم كافّة الأمة الدّخول في بيعته والانقياد لطاعته ، وإن امتنع من الإمامة ولم يجب إليها لم يحبر عليها ، وعدل عنه إلى من سواه من مستحقّيها . أثر البيعة في انعقاد الإمامة : 10 - اختيار أهل الحلّ والعقد للإمام وبيعتهم له هي الأصل في انعقاد الإمامة ، وأهل الحلّ والعقد هم العلماء وجماعة أهل الرّأي والتّدبير الّذين اجتمع فيهم العلم بشروط الأمانة والعدالة والرّأي . ( ر : أهل الحلّ والعقد ) . أمّا انعقاد الإمامة بولاية العهد أو بالتّغلّب فينظر حكم ذلك في مصطلح ( إمامة كبرى ) . وليس لمن كان في بلد الإمام على غيره من أهل البلاد فضل مزيّة يتقدّم بها على غيره في الاختيار ، وإنّما صار من يحضر ببلد الإمام متولّياً لعقد الإمامة عرفاً لا شرعاً ، لسبق علمهم بموته ، لأنّ من يصلح للخلافة في الأغلب موجودون في بلده . عدد من تنعقد بمبايعتهم الإمامة : 11 - اتّفق الفقهاء على أنّ الإمامة تنعقد بإجماع أهل الحلّ والعقد على المبايعة ، وبمبايعة جمهور أهل الحلّ والعقد من كلّ بلد ، وذهب بعض الفقهاء إلى أنّها لا تنعقد بأقلّ من ذلك ، ليتمّ الرّضا به والتّسليم لإمامته . وقد روى البخاريّ عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال : « من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الّذي بايعه » . قال أبو يعلى : أمّا انعقاد الإمامة باختيار أهل الحلّ والعقد فلا تنعقد إلاّ بجمهور أهل الحلّ والعقد ، قال أحمد في رواية إسحاق بن إبراهيم : الإمام الّذي يجتمع قول أهل الحلّ والعقد عليه ، كلّهم يقول هذا إمام . قال أبو يعلى : وظاهر هذا أنّها تنعقد بجماعتهم . وقيل : تنعقد بأقلّ من ذلك . وممّن قال بعدم انعقادها إلاّ بجمهور أهل الحلّ والعقد المالكيّة والحنابلة ، وقال المعتزلة بانعقادها بخمسة ، وقال الشّافعيّة بانعقادها بالأربعة والثّلاثة والاثنين ، وقال الحنفيّة بانعقادها بواحد ، وانظر للتّفصيل مصطلح ( إمامة كبرى ) . كيفيّة البيعة : 12- كيفيّتها أن يقول كلّ من أهل الحلّ والعقد المبايعين لمن يبايعونه بالخلافة : قد بايعناك على إقامة العدل والإنصاف والقيام بفروض الإمامة . ولا يحتاج ذلك إلى صفقة اليد ، وقد كانت البيعة على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وخلفائه الرّاشدين بالمصافحة ، فلمّا ولي الحجّاج رتّبها أيماناً تشتمل على اليمين باللّه والطّلاق والعتاق وصدقة المال . وزاد ابن القيّم في إعلام الموقّعين : وبيعة النّساء بالكلام « وما مسّت يد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا يملك عصمتها » . وفي مبايعة أبي بكر رضي الله عنه حين تخوّف عمر بن الخطّاب رضي الله عنه الاختلاف بين المسلمين ، قال لأبي بكر رضي الله عنه : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعه ، ثمّ بايعه المهاجرون ، ثمّ بايعه الأنصار . وحديث عائشة رضي الله عنها في بيعة النّساء ، وأنّها كانت كلاماً من غير أن يضرب يده على أيديهنّ كما كان يبايع الرّجال . نقض البيعة : 13 - يحرم على المسلم إذا بايع الإمام أن ينقض بيعته أو يترك طاعته ، إلاّ لموجب شرعيّ يقتضي انتقاض البيعة ، كردّة الإمام ونحو ذلك من الأسباب الّتي تقدّم ذكرها في مبحث ( الإمامة الكبرى ) فإن نقض البيعة لغير ذلك فهو حرام ، وقد ورد النّهي عنه في قول اللّه تعالى : { إنّ الّذين يبايعونك إنّما يبايعون اللّه يد اللّه فوق أيديهم ، فمن نَكَثَ فإنّما يَنْكُثُ على نفسه ومن أَوْفى بما عاهَدَ عليهُ اللّه فسيؤتيه أجراً عظيماً } وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع » . بيعة * انظر : معابد . بيّنة * انظر : شهادات ، إثبات . ****************** [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية