الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41228" data-attributes="member: 329"><p>التّبعيض في الطّلاق :</p><p>37 - اتّفق الفقهاء على أنّ الطّلاق لا يتبعّض ، وإليه ذهب الشّعبيّ والحارث العكليّ ، والزّهريّ ، وقتادة ، وأبو عبيد ، وأهل الحجاز ، والثّوريّ ، وأهل العراق ، وذلك لأنّ ذكر بعض ما لا يتبعّض ذكر لجميعه ، فذكر بعض الطّلاق كذكر كلّه ، وجزء الطّلقة ولو من ألف جزء تطليقة . وهذا الحكم ثابت سواء أبهم : بأن قال : أنت طالق بعض طلقة . أو بيّن فقال : أنت طالق نصف طلقة ، أو ربع طلقة ، وهكذا ، لأنّ ذكر ما لا يتبعّض ذكر لجميعه .</p><p>التّبعيض في المطلّقة :</p><p>38 - إذا أضاف الطّلاق إلى جزء منها : سواء أضافه إلى بعضها شائعاً وأبهم فقال : بعضك وجزؤك طالق . أو نصّ على جزء معلوم كالنّصف والرّبع ، أو أضافه إلى عضو : باطناً كان كالكبد والقلب ، أو ظاهراً كاليد والرّجل ، طلقت كلّها عند الأئمّة الثّلاثة وزفر من الحنفيّة . وأمّا الحنفيّة - ما عدا زفر - ففرّقوا بين إضافة الطّلاق إلى جملتها ، أو إلى ما يعبّر به عنها كالرّقبة ، أو العنق أو الرّوح ، أو البدن أو الجسد ، أو إلى جزء شائع كنصفها أو ثلثها ، وبين إضافته إلى ما يعبّر به عن الجملة كاليد والرّجل حيث تطلق في الحالة الأولى دون الثّانية . والتّبعيض في الطّلاق من فروع قاعدة " ما لا يقبل التّبعيض فاختيار بعضه كاختيار كلّه ، وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه " .</p><p>التّبعيض في الوصيّة :</p><p>39 - اتّفق الفقهاء على جواز التّبعيض في الوصيّة ، إذا كانت الوصيّة بجزء شائع . كمن أوصى بجزء أو سهم من ماله ، فالبيان إلى الورثة يقال لهم : أعطوه شيئاً ، لأنّه مجهول يتناول القليل والكثير ، والوصيّة لا تمتنع بالجهالة ومثله الحظّ ، والشّقص ، والنّصيب ، والبعض ( لأنّ الوصيّة حقيقتها تصرّف المالك في جزء من حقوقه ) . </p><p>كذلك إن كانت الوصيّة بجزء معيّن : كمن أوصى بقطنه لرجل ، وبحبّه لآخر ، أو أوصى بلحم شاة معيّنة لرجل وبجلدها لآخر ، أو أوصى بحنطة في سنبلها لرجل ، وبالتّبن لآخر . جازت الوصيّة لهما ، وعلى الموصى لهما أن يدوسا الحبّ ، أو يسلخا الشّاة ، أو يحلجا القطن . ولو بانت الشّاة حيّةً فأجرة الذّبح على صاحب اللّحم خاصّةً ، لأنّ التّذكية لأجل اللّحم لا الجلد . </p><p>وفي المغني : إذا أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصّه صحّ ، وليس لواحد منهما الانتفاع به إلاّ بإذن صاحبه ، وأيّهما طلب قلع الفصّ من الخاتم أجيب إليه ، وأجبر الآخر عليه .</p><p>التّبعيض في العتق :</p><p>40 - من أعتق عبداً مملوكاً ، فإمّا أن يكون باقيه له أو لغيره : </p><p>ففي الحالة الأولى : ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّ الإعتاق لا يتجزّأ ولا يتبعّض بالتّبعيض ، لأنّ من خصائصه السّراية ، فمن أعتق بعض مملوك له ، فإنّه يسري العتق إلى باقيه . </p><p>وكذلك من أعتق جزءاً معيّناً كرأسه أو ظهره أو بطنه ، أو جزءاً مشاعاً كنصفه ، أو جزءاً من ألف جزء ، عتق الرّقيق كلّه . وذهب أبو حنيفة إلى أنّ الإعتاق يتجزّأ ، سواء كان باقيه له ، أو كان مشتركاً بينه وبين غيره ، وسواء كان المعتق معسراً أو موسراً . </p><p>41 - وفي الحالة الثّانية : وهي ما إذا كان العبد مشتركاً ، وأعتق أحد الشّريكين حصّته أو بعضها ، فاختلف الفقهاء تبعاً لكون المعتق موسراً أو معسراً : </p><p>فروي عن ابن مسعود وعليّ وابن عبّاس رضي الله عنهم : عتق ما عتق ويبقى الباقي رقيقاً . وبه قال البتّيّ : واستدلّ بما روى ابن التّلب عن أبيه « أنّ رجلاً أعتق نصيباً له في مملوك فلم يضمنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم » . </p><p>وذهب المالكيّة والشّافعيّة ، وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة إلى أنّ المعتق إن كان موسراً عتق كلّه ، وعليه قيمة باقيه لشريكه ، وإن كان معسراً عتق نصيبه فقط ولا يسري إلى باقيه ولو أيسر بعده . لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من أعتق شقصاً له من عبد أو شركاً ، أو قال : نصيباً ، وكان له ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق ، وإلاّ فقد عتق منه ما عتق » . </p><p>وهذا قول إسحاق ، وأبي عبيد وابن المنذر وابن جرير . </p><p>وذهب أبو يوسف ومحمّد ، وهو رواية عن أحمد إلى أنّه ليس للشّريك إلاّ الضّمان مع اليسار والسّعاية مع الإعسار ، وهو قول ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى ، والأوزاعيّ . لما روى أبو هريرة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من أعتق شقيصاً له في عبد مملوك فعليه أن يعتقه كلّه إن كان له مال ، وإلاّ استسعى العبد غير مشقوق عليه » .</p><p>وقال أبو حنيفة : إن كان المعتق موسراً فشريكه بالخيار ، إن شاء أعتق وإن شاء ضمّن المعتق قيمة نصيبه ، إذا لم يكن بإذنه ، فإن كان بإذن الشّريك فلا ضمان عليه له ، وإن شاء استسعى العبد . </p><p>وقال بعضهم : يعتق كلّه ، وليس للشّريك إلاّ الضّمان، وهو منقول عن زفر وبشر المريسيّ .</p><p></p><p>تبعيّة *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - التّبعيّة : كون الشّيء مرتبطاً بغيره بحيث لا ينفكّ عنه . </p><p>والتّابع : هو التّالي الّذي يتبع غيره ، كالجزء من الكلّ ، والمشروط للشّرط . </p><p>ولا يخرج الاستعمال الاصطلاحيّ عن الاستعمال اللّغويّ . </p><p>أقسام التّبعيّة :</p><p>التّبعيّة قسمان :</p><p>2 - القسم الأوّل : ما اتّصل بالمتبوع فيلحق به . لتعذّر انفراده عنه . ومن أمثلة هذا القسم : ذكاة الجنين فإنّها تحصل بذكاة أمّه تبعاً لها ، عند الجمهور والصّاحبين من الحنفيّة ، خلافاً للإمام أبي حنيفة . وذلك مشروط وتفصيل ينظر في مصطلح : ( ذبائح ) . </p><p>ومن أمثلة هذا القسم أيضاً : الحمل ، فإنّه لا يفرد في البيع ، بل يتبع الأمّ بلا خلاف .</p><p>3 - القسم الثّاني : ما انفصل عن متبوعه والتحق به . </p><p>ومن أمثلة هذا القسم : الصّبيّ إذا أسر معه أحد أبويه ، وهذه المسألة على ثلاثة أحوال : </p><p>الأولى : أن يسبى الصّبيّ منفرداً عن أبويه ، فيصير مسلماً إجماعاً ، لأنّ الدّين إنّما يثبت له تبعاً ، وقد انقطعت بتبعيّته لأبويه لانقطاعه عنهما . </p><p>الثّانية : أن يسبى مع أبويه ، فإنّه يكون على دينهما ( تبعاً ) وبهذا قال أبو حنيفة ، ومالك والشّافعيّ ، وأحمد . </p><p>الثّالثة : أن يسبى مع أحد أبويه ، فإنّه يتبعه عند أبي حنيفة والشّافعيّ . </p><p>وقال مالك : إن سبي مع أبيه يتبعه ، وإن سبي مع أمّه فهو مسلم ، لأنّه لا يتبعها في النّسب ، فكذلك في الدّين . </p><p>وقال الحنابلة : من سبي من أولاد الكفّار مع أحد أبويه فإنّه يحكم بإسلامه . </p><p>ومن أمثلته أيضاً : ولد المسلم ، فإنّه يتبعه في الإسلام ، وإن كانت أمّه كافرةً اتّفاقاً . </p><p>أحكام التّبعيّة :</p><p>4 - التّبعيّة يتعلّق بها جملة من الأحكام ، ترجع كلّها إلى قاعدة فقهيّة واحدة ، وهي ( التّابع تابع ) ومعنى كون التّابع تابعاً : هو أنّ ما كان تبعاً لغيره في الوجود لا ينفرد بالحكم ، بل يدخل في الحكم مع متبوعه ، فإذا بيع حيوان في بطنه جنين دخل الجنين في البيع تبعاً لأمّه ، ولا يجوز إفراده بالبيع ، ومثل هذا الصّوف على الغنم ، واللّبن في الضّرع . ومن ذلك ما لو كان التّابع شيئاً لا يقبل الانفكاك عن متبوعه ، بأن كان في حكم الجزء ، كالمفتاح من القفل ، فإنّه يدخل في البيع تبعاً له ، أو كان شيئاً جرى في عرف البلد أنّه من مشتملاته ، فإنّه يدخل في البيع من غير ذكر . </p><p>فمثلاً بيع الدّار يدخل فيه المطبخ ، وفي بيع حديقة زيتون تدخل أشجار الزّيتون .</p><p>هذا ، وقد فرّع الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة على قاعدة : ( أنّ التّابع تابع ) عدداً من القواعد ذكرها الزّركشيّ في المنثور ، والسّيوطيّ وابن نجيم في كتابيهما الأشباه والنّظائر ، وقد أشار إليها القرافيّ في الفروق في الفرق التّاسع والتّسعين بعد المائة ، الّذي فرّق فيه بين قاعدة ما يتبع العقد عرفاً وما لا يتبعه . وتلك القواعد الفرعيّة هي :</p><p>أ - التّابع لا يفرد بالحكم :</p><p>5 - المراد بالتّابع الّذي لا يفرد بالحكم عن متبوعه هو الّذي لا يوجد مستقلّاً بنفسه ، بل يكون وجوده تبعاً لوجود متبوعه ، بأن يكون جزءاً أو كالجزء منه ، فحينئذ لا يصلح أن يكون محلّاً مستقلّاً في العقد ليتعلّق به الحكم ، كالجنين في بطن الحيوان ، فإنّه لا يصحّ بيعه منفرداً عن أمّه ، وكحقّ الشّرب فإنّه لا يصحّ بيعه منفرداً عن الأرض . </p><p>وكمن باع داراً بحقوقها ، فإنّ البيع يتناول أرضها وبناءها وما هو متّصل بها ممّا هو من مصلحتها ، كالأبواب المنصوبة ، دون غيره ممّا ليس من مصالحها ، كالكنز والأحجار المدفونة ، لأنّ ذلك مودع فيها للنّقل عنها ، فأشبه الفرش والسّتور . </p><p>واستثنى الفقهاء من ذلك صوراً يستقلّ التّابع فيها بالحكم عن متبوعه ، ومن تلك الصّور : إفراد الحمل بالوصيّة دون أمّه بشرط أن يولد حيّاً . لأقلّ من ستّة أشهر ، وهذا القدر مجمع عليه ، وأمّا إن أتت به لأكثر من ستّة أشهر ، ففيه تفصيل وخلاف يرجع إليه في مصطلح ( وصيّة ، ثبوت النّسب ، والميراث ) .</p><p>ب - من ملك شيئاً ملك ما هو من ضروراته :</p><p>6 - تتناول هذه القاعدة الأصول الّتي تدخل في البيع والشّراء من غير ذكر ، وتلك الأصول تدخل تحت أصلين : </p><p>الأوّل : كلّ ما كان في الدّار من بناء وغيره يتناوله اسم البيع عرفاً ، مثل ملحقات الدّار كالمطبخ والحجارة المثبّتة في الأرض والدّار لا المدفونة . </p><p>الثّاني : ما كان متّصلاً اتّصال قرار ، كالشّجر فإنّه يدخل في بيع الأرض عند الحنفيّة والمالكيّة بلا ذكر ، وعلى أحد الوجهين عند الحنابلة ، وهو أيضاً نصّ الشّافعيّ في البيع ، ونصّ في الرّهن على عدم الدّخول فيما لو رهن الأرض وأطلق . </p><p>وأمّا الأصحاب فلهم فيما نصّ عليه الإمام الشّافعيّ في البيع والرّهن طرق ، أصحّها عند جمهور أصحاب الشّافعيّ : تقرير النّصّين ( أي دخول الشّجر والبناء في البيع عند الإطلاق ، وعدم دخولها في الرّهن ) . والثّاني : فيهما قولان ، والثّالث : القطع بعدم الدّخول فيهما ، قاله ابن سريج ، واختاره الإمام والغزاليّ .</p><p>ج - التّابع يسقط بسقوط المتبوع :</p><p>7 - هذه القاعدة ذكرها الزّركشيّ في المنثور والسّيوطيّ وابن نجيم في كتابيهما . </p><p>ومرادهم بالتّابع الّذي يسقط بسقوط متبوعه ذلك التّابع الّذي يتبع غيره في الوجود ، ومن الفروع الّتي تذكرها كتب القواعد لهذه القاعدة : أنّ من فاتته صلاة في أيّام الجنون ، وقيل بعدم وجوب القضاء ، فإنّه لا يستحبّ له قضاء سننها الرّاتبة ، لأنّ الفرض سقط فكذا تابعه . ومن فاته الحجّ بعدم الوقوف فتحلّل بأفعال العمرة ، فلا يأتي بالرّمي والمبيت ، لأنّهما تابعان للوقوف وقد سقط . </p><p>وممّا خرج عن هذه القاعدة : الأخرس العاجز عن التّلفّظ بالتّكبير ، فإنّه يلزمه تحريك لسانه ، عند الحنفيّة والشّافعيّة ، وعند القاضي من الحنابلة ، ولا يلزمه ذلك عند المالكيّة وعند الحنابلة على الصّحيح ، بل تكفيه النّيّة ، ويكبّر بقلبه ، لأنّ تحريك اللّسان للعاجز عن النّطق عبث كما قال الحنابلة ، بل قال ابن تيميّة : ولو قيل ببطلان الصّلاة بذلك لكان أقوى . </p><p>وممّا خرج عنها أيضاً : إمرار الموسى على رأس الأقرع للتّحلّل بالحلق ، فإنّه واجب على المختار عند الحنفيّة ، وواجب أيضاً عند المالكيّة ، لأنّ الحلق عبادة تتعلّق بالشّعر فتنتقل إلى البشرة عند عدمه ، وقال الشّافعيّة بالنّدب ، والحنابلة بالاستحباب . </p><p>وممّا خرج عنها في غير العبادات : ما لو أقرّ أحد الورثة بوارث ثالث مشارك لهما في الميراث لم يثبت النّسب بالإجماع ، لأنّ النّسب لا يتبعّض فلا يمكن إثباته في حقّ المقرّ دون المنكر ، ولا يمكن إثباته في حقّهما ، لأنّ أحدهما منكر ، ولم توجد شهادة يثبت بها النّسب ، ولكنّه يشارك المقرّ في الميراث في قول أكثر أهل العلم ، لأنّه أقرّ بسبب مال لم يحكم ببطلانه ، فلزمه المال . هذا ، وذكر السّيوطيّ وابن نجيم قاعدةً أخرى قريبةً من هذه القاعدة ، وهي قولهم ( الفرع يسقط إذا سقط الأصل ) وجاء في شرح المجلّة : أنّ هذه القاعدة مطّردة في المحسوسات والمعقولات . فالشّيء الّذي يكون وجوده أصلاً لوجود شيء آخر يتبعه في الوجود ، يكون ذلك فرعاً مبتنياً عليه ، كالشّجرة إذا ذوت ذوى ثمرها ، وكالإيمان باللّه تعالى أصل وجميع الأعمال فروعه ، فإذا سقط الإيمان - والعياذ باللّه تعالى - حبطت الأعمال ، لأنّ اعتبارها مبنيّ عليه . </p><p>ومن فروعها قولهم : إذا برئ الأصيل برئ الضّامن ، أي الكفيل لأنّه فرعه بخلاف العكس . وقد يثبت الفرع وإن لم يثبت الأصل ، كما لو ادّعى الزّوج الخلع ، وأنكرت الزّوجة ، ثبتت البينونة بلا خلاف ، لأنّه مقرّ بما يوجبها ، وإن لم يثبت المال الّذي هو الأصل .</p><p>د - يغتفر في التّوابع ما لا يغتفر في غيرها :</p><p>8 - هذه القاعدة ذكرها السّيوطيّ وابن نجيم ، وقريب منها قولهم : يغتفر في الشّيء ضمناً ما لا يغتفر فيه قصداً ، وقولهم : يغتفر في الثّواني ما لا يغتفر في الأوائل ، وقولهم : أوائل العقود تؤكّد بما لا يؤكّد بها أواخرها ، وإنّما اغتفر في ذلك لأنّه قد يكون للشّيء قصداً شروط مانعة ، وإذا ثبت ضمناً أو تبعاً لشيء آخر يكون ثبوته ضرورة ثبوته لمتبوعه أو ما هو في ضمنه . </p><p>ومن فروع هذه القاعدة : أنّ النّسب لا يثبت ابتداءً بشهادة النّساء ، أمّا لو شهدن بالولادة على الفراش يثبت النّسب تبعاً ، حتّى لو كانت الشّاهدة في الولادة القابلة وحدها . </p><p>وممّا خرج عن هذه القاعدة ممّا هو عكسها : أنّ الفاسق يجوز تقليده القضاء إذا ظنّ صدقه ، لكن إذا قلّد عدل ففسق في أثناء قضائه استحقّ العزل ، وهو ظاهر مذهب الحنفيّة ، وقيل : إنّه ينعزل بفسقه ، لأنّ عدالته في معنى المشروطة ، فقد جاز تقليده ابتداءً ولم يجز انتهاءً في ولايته ، فلمّا زالت عدالته زالت ولايته . </p><p>وذكر المالكيّة في هذه المسألة : أنّ غير العدل لا يصحّ قضاؤه ولا ينفذ حكمه ، لكن قال مالك : لا أرى خصال القضاة تجتمع اليوم في أحد ، فإن اجتمع منها خصلتان في واحد وهي العلم والورع ولّي . وقال القرافيّ : إن لم يوجد عدل ولّي أمثل الموجودين . </p><p>وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فلا يصحّ عندهم تولية الفاسق القضاء . </p><p>وعند الشّافعيّة : إن تعذّر جمع الشّروط في رجل فولّى سلطان له شوكة فاسقاً نفذ قضاؤه للضّرورة ، لئلاّ تتعطّل مصالح النّاس . </p><p>وقال العزّ بن عبد السّلام : لمّا كان تصرّف القضاة أعمّ من تصرّف الأوصياء ( الّذين يشترط فيهم العدالة ) وأخصّ من تصرّف الأئمّة ( وفي اشتراط العدالة فيهم اختلاف ) اختلف في إلحاقهم بالأئمّة ، فمنهم من ألحقهم بالأئمّة ، لأنّ تصرّفهم أعمّ من تصرّف الأوصياء ، ومنهم من ألحقهم بالأوصياء ، لأنّ تصرّفهم أخصّ من تصرّف الأئمّة .</p><p>هـ – التّابع لا يتقدّم على المتبوع :</p><p>9 - من فروع هذه القاعدة : أنّه لا يصحّ تقدّم المأموم على إمامه في تكبيرة الافتتاح ، ولا في غيرها من الأركان ، لحديث : « إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ، فإذا كبّر فكبّروا ... » إلخ الحديث .</p><p>و - التّابع لا يكون له تابع :</p><p>10 - من فروع هذه القاعدة : لو قطع شخص الأصابع وحدها في جناية وجبت الدّية ، فإن قطع اليد من الكوع لم يلزمه أكثر من الدّية ، ويجعل الكفّ تبعاً للأصابع ، وإن قطع زيادةً على ذلك لم يجعل تبعاً ، بل يلزمه للزّيادة حكومة عدل على قدرها ، لأنّ التّابع لا يكون له تابع . وممّا خرج عنها توكيل الوكيل غيره دون الرّجوع إلى موكّله ، فقد ذكر الحنفيّة أنّ للوكيل أن يوكّل في حقوق العقد فيما ترجع الحقوق فيه إليه ، لأنّه أصيل فيها ، فله أن يوكّل فيها بلا إذن موكّله . </p><p>وفرّق المالكيّة بين الوكيل المفوّض وغير المفوّض ، وذكروا أنّ الوكيل المفوّض له أن يوكّل على الأظهر ، وأمّا غير المفوّض فليس له أن يوكّل فيما وكّل فيه بلا إذن ، إلاّ في حالتين : إحداهما : ألاّ يليق الفعل به . </p><p>والثّانية : أن يكثر بحيث يتعذّر عليه القيام به وحده . </p><p>وذكر الشّافعيّة : أنّ الوكيل لو وكّل فيما وكّل فيه ، وسكت عنه موكّله ، نظر : إن كان أمراً يتأتّى له الإتيان به ، لم يجز أن يوكّل فيه ، وإن لم يتأتّ منه ، لكونه لا يحسنه ، أو لا يليق بمنصبه ، فله التّوكيل على الصّحيح ، لأنّ المقصود من مثله الاستنابة . </p><p>والمذهب الّذي عليه الأصحاب عند الحنابلة أنّ الوكيل لا يجوز له أن يوكّل فيما يتولّى مثله بنفسه ، ونقل عن الإمام أحمد الجواز . وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح : ( وكالة ) .</p><p>ز - العبرة بنيّة المتبوع لا التّابع :</p><p>11 - فمن كان تابعاً لغيره ، كالزّوجة التّابعة لزوجها ، والجنديّ التّابع لقائده ، فإنّ المعتبر في السّفر الّذي يبيح لهما القصر والفطر نيّة المتبوع دون التّابع ، لأنّ نيّة المتبوع تنسحب على التّابع ، فيعطى حكمه ، فتتبع المرأة زوجها ، والجنديّ قائده ، هذا عند الحنفيّة ، والحنابلة وأمّا الشّافعيّة : فهم كالحنفيّة والحنابلة في جعلهم نيّة الزّوجة تابعةً لنيّة الزّوج ، وخالفوهم في نيّة الجنديّ فلم يجعلوها تابعةً لنيّة الأمير ، لأنّه ليس تحت يده وقهره . </p><p>وأمّا المالكيّة فلم يعرضوا لهذه المسألة فيما . اطّلع عليه من مراجع .</p><p>ح - ما دخل في البيع تبعاً لا حصّة له من الثّمن :</p><p>12 - وذلك كالأوصاف الّتي تدخل في البيع بلا ذكر ، كبناء وشجر في الأرض ، وأطراف في الحيوان ، وجودة في الكيليّ والوزنيّ ، فإنّ هذه الأوصاف لا يقابلها شيء من الثّمن قبل القبض ، كما في جامع الفصولين ، أو إلاّ إذا ورد عليها القبض كما في شرح الإسبيجابيّ . وقد وضع محمّد رحمه الله أصلاً لهذا ، وهو : كلّ شيء إذا بعته وحده لا يجوز بيعه ، وإذا بعته مع غيره جاز ، فإذا استحقّ ذلك الشّيء قبل القبض ، كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ الباقي بجميع الثّمن ، وإن شاء ترك . </p><p>وكلّ شيء إذا بعته وحده جاز بيعه ، فإذا بعته مع غيره فاستحقّ ، كان له حصّة من الثّمن . والحاصل أنّ ما يدخل في البيع تبعاً إذا استحقّ بعد القبض كان له حصّة من الثّمن ، فيرجع على البائع بحصّته ، وإن استحقّ قبل القبض ، فإن كان لا يجوز بيعه وحده كالشّرب . فلا حصّة له من الثّمن ، فلا يرجع بشيء ، بل يخيّر بين الأخذ بكلّ الثّمن أو التّرك ، وإن جاز بيعه وحده كالشّجر كان له حصّة من الثّمن ، فيرجع بها على البائع . </p><p>ثمّ إنّ محلّ دخول التّابع في البيع ما لم يذكر ، فإن ذكر كان مبيعاً قصداً ، حتّى لو فات قبل القبض بآفة سماويّة تسقط حصّته من الثّمن . وللتّفصيل ينظر مصطلح ( بيع ) .</p><p>ط - التّابع مضمون بالاعتداء :</p><p>13 - من فروع هذه القاعدة أنّ من جنى على امرأة حامل فأسقطت ففيه الغرّة . </p><p>ومن ذلك منافع المغصوب وغلّته ، فإنّها مضمونة على الغاصب تبعاً للمغصوب عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة خلافاً للحنفيّة .</p><p></p><p>تَبْغ *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - التّبغ ( بتاء مفتوحة ) لفظ أجنبيّ دخل العربيّة دون تغيير ، وقد أقرّه مجمع اللّغة العربيّة . وهو نبات من الفصيلة الباذنجانيّة يستعمل تدخيناً وسعوطاً ومضغاً ، ومنه نوع يزرع للزّينة ، وهو من أصل أمريكيّ ، ولم يعرفه العرب القدماء . </p><p>ومن أسمائه : الدّخان ، والتُتُن ، والتّنباك . </p><p>لكنّ الغالب إطلاق هذا الأخير على نوع خاصّ من التّبغ كثيف يدخّن بالنّارجيلة لا باللّفائف .</p><p>2 - وممّا يشبه التّبغ في التّدخين والإحراق : الطّبّاق ، وهو نبات عشبيّ معمّر من فصيلة المركّبات الأنبوبيّة الزّهر ، وهو معروف عند العرب ، خلافاً للتّبغ ، والطّبّاق : لفظ معرّب . وفي المعجم الوسيط : الطّبّاق : الدّخان ، يدخّن ورقه مفروماً أو ملفوفاً .</p><p>3 - وقال الفقهاء عن الدّخّان : إنّه حدث في أواخر القرن العاشر الهجريّ وأوائل القرن الحادي عشر ، وأوّل من جلبه لأرض الرّوم ( أي الأتراك العثمانيّين ) الإنكليز ، ولأرض المغرب يهوديّ زعم أنّه حكيم ، ثمّ جلب إلى مصر ، والحجاز، والهند، وغالب بلاد الإسلام . الأحكام المتعلّقة بالتّبغ :</p><p>حكم استعماله :</p><p>4 - منذ ظهور الدّخّان - وهو الاسم المشهور للتّبغ - والفقهاء يختلفون في حكم استعماله ، بسبب الاختلاف في تحقّق الضّرر من استعماله ، وفي الأدلّة الّتي تنطبق عليه ، قياساً على غيره ، إذ لا نصّ في شأنه . فقال بعضهم : إنّه حرام ، وقال آخرون : إنّه مباح ، وقال غيرهم : إنّه مكروه . </p><p>وبكلّ حكم من هذه الأحكام أفتى فريق من كلّ مذهب ، وبيان ذلك فيما يلي :</p><p>القائلون بتحريمه وأدلّتهم :</p><p>5 - ذهب إلى القول بتحريم شرب الدّخّان من الحنفيّة : الشّيخ الشرنبلالي ، والمسيريّ ، وصاحب الدّرّ المنتقى ، واستظهر ابن عابدين أنّه مكروه تحريماً عند الشّيخ عبد الرّحمن العماديّ . وقال بتحريمه من المالكيّة : سالم السّنهوريّ ، وإبراهيم اللّقانيّ ، ومحمّد بن عبد الكريم الفكّون ، وخالد بن أحمد ، وابن حمدون وغيرهم . </p><p>ومن الشّافعيّة : نجم الدّين الغزّيّ ، والقليوبيّ ، وابن علّان ، وغيرهم . </p><p>ومن الحنابلة الشّيخ أحمد البهوتيّ ، وبعض العلماء النّجديّين . </p><p>ومن هؤلاء جميعاً من ألّف في تحريمه كاللّقانيّ والقليوبيّ ومحمّد بن عبد الكريم الفكّون ، وابن علّان . واستدلّ القائلون بالحرمة بما يأتي :</p><p>6 - أ - أنّ الدّخّان يسكر في ابتداء تعاطيه إسكاراً سريعاً بغيبة تامّة ، ثمّ لا يزال في كلّ مرّة ينقص شيئاً فشيئاً حتّى يطول الأمد جدّاً ، فيصير لا يحسّ به ، لكنّه يجد نشوةً وطرباً أحسن عنده من السّكر . أو أنّ المراد بالإسكار : مطلق المغطّي للعقل وإن لم يكن معه الشّدّة المطربة ، ولا ريب أنّها حاصلة لمن يتعاطاه أوّل مرّة . وهو على هذا يكون نجساً ، ويحدّ شاربه ، ويحرم منه القليل والكثير .</p><p>7- ب - إن قيل : إنّه لا يسكر ، فهو يحدث تفتيراً وخدراً لشاربه ، فيشارك أوّليّة الخمر في نشوته ، وقد قالت أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن كلّ مسكر ومفتّر » قال العلماء : المفتّر : ما يحدث الفتور والخدر في الأطراف وصيرورتها إلى وهن وانكسار ، ويكفي حديث أمّ سلمة حجّةً ، ودليلاً على تحريمه . </p><p>ولكنّه على هذا لا يكون نجساً ولا يحدّ شاربه ، ويحرم القليل منه كالكثير خشية الوقوع في التّأثير ، إذ الغالب وقوعه بأدنى شيء منها ، وحفظ العقول من الكلّيّات الخمس المجمع عليها عند أهل الملل .</p><p>8- ج - أنّه يترتّب على شربه الضّرر في البدن والعقل والمال ، فهو يفسد القلب ، ويضعف القوى ، ويغيّر اللّون بالصّفرة ، ويتولّد من تكاثف دخّانه في الجوف الأمراض والعلل ، كالسّعال المؤدّي لمرض السّلّ ، وتكراره يسوّد ما يتعلّق به ، وتتولّد منه الحرارة ، فتكون داءً مزمناً مهلكاً ، فيشمله قوله تعالى : { ولا تَقْتُلُوا أنفسَكم } وهو يسدّ مجاري العروق ، فيتعطّل وصول الغذاء منها إلى أعماق البدن ، فيموت مستعمله فجأةً . </p><p>ثمّ قالوا : والأطبّاء مجمعون على أنّه مضرّ ، قال الشّيخ عليش : أخبر بعض مخالطي الإنكليز أنّهم ما جلبوا الدّخّان لبلاد الإسلام إلاّ بعد إجماع أطبّائهم على منعهم من ملازمته ، وأمرهم بالاقتصار على اليسير الّذي لا يضرّ ، لتشريحهم رجلاً مات باحتراق كبده وهو ملازمه ، فوجدوه سارياً في عروقه وعصبه ، ومسوّداً مخّ عظامه ، وقلبه مثل إسفنجة يابسة ، فمنعوهم من مداومته ، وأمروهم ببيعه للمسلمين لإضرارهم ... قال الشّيخ عليش : فلو لم يكن فيه إلاّ هذا لكان باعثاً للعقل على اجتنابه ، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « الحلال بيّن والحرام بيّن ، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من النّاس ، فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشّبهات وقع في الحرام ، كالرّاعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه » . هذا وفي المراجع الحديثة ما يثبت ضرر التّدخين .</p><p>9- د - في التّدخين إسراف وتبذير وضياع للمال ، قال الشّيخ عليش : لو سئل الفقهاء - الّذين قالوا : السّفه الموجب للحجر تبذير المال في اللّذّات والشّهوات - عن ملازم استعمال الدّخّان ، لمّا توقّفوا في وجوب الحجر عليه وسفهه ، وانظر إلى ما يترتّب على إضاعة الأموال فيه من التّضييق على الفقراء والمساكين ، وحرمانهم من الصّدقة عليهم بشيء ممّا أفسده الدّخّان على المترفّهين به ، وسماحة أنفسهم بدفعها للكفّار المحاربين أعداء الدّين ، ومنعها من الإعانة بها على مصالح المسلمين وسدّ خلّة المحتاجين .</p><p>10 - هـ - صدر أمر سلطانيّ من الخليفة العثمانيّ في وقته - بناءً على فتاوى علماء عصره - بمنع استعمال الدّخّان ومعاقبة شاربيه ، وحرق ما وجد منه . فيعتبر من وجوه تحريمه : الخروج عن طاعة السّلطان ، فإنّ امتثال أمره واجب في غير ما أجمع على تحريمه ، ومخالفته محرّمة .</p><p>11 - و- رائحة الدّخّان منتنة مؤذية ، وكلّ رائحة مؤذية فهي ممنوعة ، والدّخّان أشدّ من البصل والثّوم في الرّائحة ، وقد ورد منع من تناولهما من دخول المسجد ، وفرّق بين الرّائحة المنتنة والرّائحة الكريهة ، والبصل والثّوم ريحهما مكروه وليس منتناً ، والدّخّان ريحه منتن .</p><p>12 - ز - من زعم استعماله تداوياً لم يستعمله استعمال الأدوية ، وخرج به إلى حدّ التّفكّه والتّلذّذ ، وادّعى التّداوي تلبيساً وتستّراً حتّى وصل به إلى أغراض باطنة من العبث واللّهو والإسطال ، ومذهب الحنفيّة حرمته ، وعرّفوا العبث : بأنّه فعل لغير غرض صحيح ، والسّفه : بأنّه فعل لا غرض فيه أصلاً واللّعب : فعل فيه لذّة . وممّن صرّح بحرمة العبث في غير الصّلاة صاحب كتاب الاحتساب متمسّكاً بقول اللّه سبحانه وتعالى : { أفَحَسِبْتُم أنّما خلقناكم عَبَثَاً } وصاحب الكافي متمسّكاً بقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « كلّ شيء يلهو به الرّجل باطل إلاّ رمية الرّجل بقوسه ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته امرأته ، فإنّهنّ من الحقّ » . القائلون بإباحته وأدلّتهم :</p><p>13 - ذهب إلى القول بإباحة شرب الدّخّان من الحنفيّة : الشّيخ عبد الغنيّ النّابلسيّ ، وقد ألّف في إباحته رسالةً سمّاها ( الصّلح بين الإخوان في إباحة شرب الدّخّان ) ومنهم صاحب الدّرّ المختار ، وابن عابدين ، والشّيخ محمّد العبّاسيّ المهديّ صاحب الفتاوى المهديّة ، والحمويّ شارح الأشباه والنّظائر . </p><p>ومن المالكيّة : عليّ الأجهوريّ ، وله رسالة في إباحته سمّاها ( غاية البيان لحلّ شرب ما لا يغيّب العقل من الدّخّان ) ونقل فيها الإفتاء بحلّه عمّن يعتمد عليه من أئمّة المذاهب الأربعة ، وتابعه على الحلّ أكثر المتأخّرين من المالكيّة ، ومنهم : الدّسوقيّ ، والصّاويّ ، والأمير ، وصاحب تهذيب الفروق . ومن الشّافعيّة : الحفنيّ ، والحلبيّ ، والرّشيديّ ، والشبراملسي ، والبابليّ ، وعبد القادر بن محمّد بن يحيى الحسينيّ الطّبريّ المكّيّ ، وله رسالة سمّاها ( رفع الاشتباك عن تناول التّنباك ) . ومن الحنابلة : الكرميّ صاحب دليل الطّالب ، وله رسالة في ذلك سمّاها ( البرهان في شأن شرب الدّخّان ) . كذلك قال الشّوكانيّ بإباحته . </p><p>وقد استدلّ القائلون بإباحته بما يأتي :</p><p>14 - أ - أنّه لم يثبت إسكاره ولا تخديره ، ولا إضراره ( عند أصحاب هذا الرّأي ) وقد عرف ذلك بعد اشتهاره ، ومعرفة النّاس به ، فدعوى أنّه يسكر أو يخدّر غير صحيحة ، فإنّ الإسكار غيبوبة العقل مع حركة الأعضاء ، والتّخدير غيبوبة العقل مع فتور الأعضاء ، وكلاهما لا يحصل لشاربه . نعم من لم يعتده يحصل له إذا شربه نوع غشيان . وهذا لا يوجب التّحريم . كذا قال الشّيخ حسن الشّطّيّ وغيره . </p><p>وقال الشّيخ عليّ الأجهوريّ : الفتور الّذي يحصل لمبتدئ شربه ليس من تغييب العقل في شيء ، وإن سلم أنّه ممّا يغيّب العقل فليس من المسكر قطعاً ، لأنّ المسكر يكون معه نشوة وفرح ، والدّخّان ليس كذلك ، وحينئذ فيجوز استعماله لمن لا يغيّب عقله ، وهذا يختلف باختلاف الأمزجة ، والقلّة والكثرة ، فقد يغيّب عقل شخص ولا يغيّب عقل آخر ، وقد يغيّب من استعمال الكثير دون القليل .</p><p>15 - ب - الأصل في الأشياء الإباحة حتّى يرد نصّ بالتّحريم ، فيكون في حدّ ذاته مباحاً ، جرياً على قواعد الشّرع وعموماته ، الّتي يندرج تحتها حيث كان حادثاً غير موجود زمن الشّارع ، ولم يوجد فيه نصّ بخصوصه ، ولم يرد فيه نصّ في القرآن أو السّنّة ، فهو ممّا عفا اللّه عنه ، وليس الاحتياط في الافتراء على اللّه تعالى بإثبات الحرمة أو الكراهة اللّذين لا بدّ لهما من دليل ، بل في القول بالإباحة الّتي هي الأصل ، وقد توقّف النّبيّ صلى الله عليه وسلم - مع أنّه هو المشرّع في تحريم الخمر أمّ الخبائث - حتّى نزل عليه النّصّ القطعيّ ، فالّذي ينبغي للإنسان إذا سئل عنه أن يقول هو مباح ، لكنّ رائحته تستكرهها الطّباع ، فهو مكروه طبعاً لا شرعاً .</p><p>16 - ج - إنّ فرض إضراره لبعض النّاس فهو أمر عارض لا لذاته ، ويحرم على من يضرّه دون غيره ، ولا يلزم تحريمه على كلّ أحد ، فإنّ العسل يضرّ بعض النّاس ، وربّما أمرضهم ، مع أنّه شفاء بالنّصّ القطعيّ .</p><p>17 - د - صرف المال في المباحات على هذا الوجه ليس بسرف ، لأنّ الإسراف هو التّبذير ، وفسّر ابن مسعود التّبذير بأنّه إنفاق المال في غير حقّه ، فإذا كان الإنفاق في حقّه ولو مباحاً فليس بسرف ، ودعوى أنّه إسراف فهذا غير خاصّ بالدّخّان .</p><p>18 - هـ - اتّفق المحقّقون على أنّ تحكيم العقل والرّأي بلا مستند شرعيّ باطل ، إذ ليس الصّلاح بتحريمه ، وإنّما الصّلاح والدّين المحافظة بالاتّباع للأحكام الواردة بلا تغيير ولا تبديل ، وهل الطّعن في أكثر النّاس من أهل الإيمان والدّين ، والحكم عليهم بالفسق والطّغيان بسبب شربهم الدّخّان ، وفي العامّة من هذه الأمّة فضلاً عن الخاصّة ، صلاح أم فساد ؟ </p><p>19 - و - حرّر ابن عابدين أنّه لا يجب تقليد من أفتى بحرمة شرب الدّخّان ، لأنّ فتواهم إن كانت عن اجتهاد فاجتهادهم ليس بثابت ، لعدم توافر شروط الاجتهاد ، وإن كانت عن تقليد لمجتهد آخر ، فليس بثابت كذلك لأنّه لم ينقل ما يدلّ على ذلك ، فكيف ساغ لهم الفتوى وكيف يجب تقليدهم ؟ . ثمّ قال : والحقّ في إفتاء التّحليل والتّحريم في هذا الزّمان التّمسّك بالأصلين اللّذين ذكرهما البيضاويّ في الأصول ، ووصفهما بأنّهما نافعان في الشّرع . </p><p>الأوّل : أنّ الأصل في المنافع : الإباحة ، والآيات الدّالّة على ذلك كثيرة . </p><p>الثّاني : أنّ الأصل في المضارّ : التّحريم والمنع لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا ضرر ولا ضرار » . ثمّ قال : وبالجملة إن ثبت في هذا الدّخّان إضرار صرف عن المنافع فيجوز الإفتاء بتحريمه ، وإن لم يثبت إضراره فالأصل الحلّ . مع أنّ الإفتاء بحلّه فيه دفع الحرج عن المسلمين ، فإنّ أكثرهم يبتلون بتناوله ، فتحليله أيسر من تحريمه ، فإثبات حرمته أمر عسير لا يكاد يوجد له نصير . نعم لو أضرّ ببعض الطّبائع فهو عليه حرام ، ولو نفع ببعض وقصد التّداوي فهو مرغوب . </p><p>قال ابن عابدين : كذا أجاب الشّيخ محيي الدّين أحمد بن محيي الدّين بن حيدر الكرديّ الجزريّ رحمه الله تعالى . وفي تهذيب الفروق : من عافاه اللّه من شربه واستعماله بوجه من الوجوه ، لا ينبغي أن يحمل النّاس على مختاره ، فيدخل عليهم شغباً في أنفسهم وحيرةً في دينهم ، إذ من شرط التّغيير لأمر ما أن يكون متّفقاً على إنكاره .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41228, member: 329"] التّبعيض في الطّلاق : 37 - اتّفق الفقهاء على أنّ الطّلاق لا يتبعّض ، وإليه ذهب الشّعبيّ والحارث العكليّ ، والزّهريّ ، وقتادة ، وأبو عبيد ، وأهل الحجاز ، والثّوريّ ، وأهل العراق ، وذلك لأنّ ذكر بعض ما لا يتبعّض ذكر لجميعه ، فذكر بعض الطّلاق كذكر كلّه ، وجزء الطّلقة ولو من ألف جزء تطليقة . وهذا الحكم ثابت سواء أبهم : بأن قال : أنت طالق بعض طلقة . أو بيّن فقال : أنت طالق نصف طلقة ، أو ربع طلقة ، وهكذا ، لأنّ ذكر ما لا يتبعّض ذكر لجميعه . التّبعيض في المطلّقة : 38 - إذا أضاف الطّلاق إلى جزء منها : سواء أضافه إلى بعضها شائعاً وأبهم فقال : بعضك وجزؤك طالق . أو نصّ على جزء معلوم كالنّصف والرّبع ، أو أضافه إلى عضو : باطناً كان كالكبد والقلب ، أو ظاهراً كاليد والرّجل ، طلقت كلّها عند الأئمّة الثّلاثة وزفر من الحنفيّة . وأمّا الحنفيّة - ما عدا زفر - ففرّقوا بين إضافة الطّلاق إلى جملتها ، أو إلى ما يعبّر به عنها كالرّقبة ، أو العنق أو الرّوح ، أو البدن أو الجسد ، أو إلى جزء شائع كنصفها أو ثلثها ، وبين إضافته إلى ما يعبّر به عن الجملة كاليد والرّجل حيث تطلق في الحالة الأولى دون الثّانية . والتّبعيض في الطّلاق من فروع قاعدة " ما لا يقبل التّبعيض فاختيار بعضه كاختيار كلّه ، وإسقاط بعضه كإسقاط كلّه " . التّبعيض في الوصيّة : 39 - اتّفق الفقهاء على جواز التّبعيض في الوصيّة ، إذا كانت الوصيّة بجزء شائع . كمن أوصى بجزء أو سهم من ماله ، فالبيان إلى الورثة يقال لهم : أعطوه شيئاً ، لأنّه مجهول يتناول القليل والكثير ، والوصيّة لا تمتنع بالجهالة ومثله الحظّ ، والشّقص ، والنّصيب ، والبعض ( لأنّ الوصيّة حقيقتها تصرّف المالك في جزء من حقوقه ) . كذلك إن كانت الوصيّة بجزء معيّن : كمن أوصى بقطنه لرجل ، وبحبّه لآخر ، أو أوصى بلحم شاة معيّنة لرجل وبجلدها لآخر ، أو أوصى بحنطة في سنبلها لرجل ، وبالتّبن لآخر . جازت الوصيّة لهما ، وعلى الموصى لهما أن يدوسا الحبّ ، أو يسلخا الشّاة ، أو يحلجا القطن . ولو بانت الشّاة حيّةً فأجرة الذّبح على صاحب اللّحم خاصّةً ، لأنّ التّذكية لأجل اللّحم لا الجلد . وفي المغني : إذا أوصى لرجل بخاتم ولآخر بفصّه صحّ ، وليس لواحد منهما الانتفاع به إلاّ بإذن صاحبه ، وأيّهما طلب قلع الفصّ من الخاتم أجيب إليه ، وأجبر الآخر عليه . التّبعيض في العتق : 40 - من أعتق عبداً مملوكاً ، فإمّا أن يكون باقيه له أو لغيره : ففي الحالة الأولى : ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ومحمّد وأبو يوسف من الحنفيّة إلى أنّ الإعتاق لا يتجزّأ ولا يتبعّض بالتّبعيض ، لأنّ من خصائصه السّراية ، فمن أعتق بعض مملوك له ، فإنّه يسري العتق إلى باقيه . وكذلك من أعتق جزءاً معيّناً كرأسه أو ظهره أو بطنه ، أو جزءاً مشاعاً كنصفه ، أو جزءاً من ألف جزء ، عتق الرّقيق كلّه . وذهب أبو حنيفة إلى أنّ الإعتاق يتجزّأ ، سواء كان باقيه له ، أو كان مشتركاً بينه وبين غيره ، وسواء كان المعتق معسراً أو موسراً . 41 - وفي الحالة الثّانية : وهي ما إذا كان العبد مشتركاً ، وأعتق أحد الشّريكين حصّته أو بعضها ، فاختلف الفقهاء تبعاً لكون المعتق موسراً أو معسراً : فروي عن ابن مسعود وعليّ وابن عبّاس رضي الله عنهم : عتق ما عتق ويبقى الباقي رقيقاً . وبه قال البتّيّ : واستدلّ بما روى ابن التّلب عن أبيه « أنّ رجلاً أعتق نصيباً له في مملوك فلم يضمنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم » . وذهب المالكيّة والشّافعيّة ، وهو ظاهر المذهب عند الحنابلة إلى أنّ المعتق إن كان موسراً عتق كلّه ، وعليه قيمة باقيه لشريكه ، وإن كان معسراً عتق نصيبه فقط ولا يسري إلى باقيه ولو أيسر بعده . لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من أعتق شقصاً له من عبد أو شركاً ، أو قال : نصيباً ، وكان له ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق ، وإلاّ فقد عتق منه ما عتق » . وهذا قول إسحاق ، وأبي عبيد وابن المنذر وابن جرير . وذهب أبو يوسف ومحمّد ، وهو رواية عن أحمد إلى أنّه ليس للشّريك إلاّ الضّمان مع اليسار والسّعاية مع الإعسار ، وهو قول ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى ، والأوزاعيّ . لما روى أبو هريرة قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « من أعتق شقيصاً له في عبد مملوك فعليه أن يعتقه كلّه إن كان له مال ، وإلاّ استسعى العبد غير مشقوق عليه » . وقال أبو حنيفة : إن كان المعتق موسراً فشريكه بالخيار ، إن شاء أعتق وإن شاء ضمّن المعتق قيمة نصيبه ، إذا لم يكن بإذنه ، فإن كان بإذن الشّريك فلا ضمان عليه له ، وإن شاء استسعى العبد . وقال بعضهم : يعتق كلّه ، وليس للشّريك إلاّ الضّمان، وهو منقول عن زفر وبشر المريسيّ . تبعيّة * التّعريف : 1 - التّبعيّة : كون الشّيء مرتبطاً بغيره بحيث لا ينفكّ عنه . والتّابع : هو التّالي الّذي يتبع غيره ، كالجزء من الكلّ ، والمشروط للشّرط . ولا يخرج الاستعمال الاصطلاحيّ عن الاستعمال اللّغويّ . أقسام التّبعيّة : التّبعيّة قسمان : 2 - القسم الأوّل : ما اتّصل بالمتبوع فيلحق به . لتعذّر انفراده عنه . ومن أمثلة هذا القسم : ذكاة الجنين فإنّها تحصل بذكاة أمّه تبعاً لها ، عند الجمهور والصّاحبين من الحنفيّة ، خلافاً للإمام أبي حنيفة . وذلك مشروط وتفصيل ينظر في مصطلح : ( ذبائح ) . ومن أمثلة هذا القسم أيضاً : الحمل ، فإنّه لا يفرد في البيع ، بل يتبع الأمّ بلا خلاف . 3 - القسم الثّاني : ما انفصل عن متبوعه والتحق به . ومن أمثلة هذا القسم : الصّبيّ إذا أسر معه أحد أبويه ، وهذه المسألة على ثلاثة أحوال : الأولى : أن يسبى الصّبيّ منفرداً عن أبويه ، فيصير مسلماً إجماعاً ، لأنّ الدّين إنّما يثبت له تبعاً ، وقد انقطعت بتبعيّته لأبويه لانقطاعه عنهما . الثّانية : أن يسبى مع أبويه ، فإنّه يكون على دينهما ( تبعاً ) وبهذا قال أبو حنيفة ، ومالك والشّافعيّ ، وأحمد . الثّالثة : أن يسبى مع أحد أبويه ، فإنّه يتبعه عند أبي حنيفة والشّافعيّ . وقال مالك : إن سبي مع أبيه يتبعه ، وإن سبي مع أمّه فهو مسلم ، لأنّه لا يتبعها في النّسب ، فكذلك في الدّين . وقال الحنابلة : من سبي من أولاد الكفّار مع أحد أبويه فإنّه يحكم بإسلامه . ومن أمثلته أيضاً : ولد المسلم ، فإنّه يتبعه في الإسلام ، وإن كانت أمّه كافرةً اتّفاقاً . أحكام التّبعيّة : 4 - التّبعيّة يتعلّق بها جملة من الأحكام ، ترجع كلّها إلى قاعدة فقهيّة واحدة ، وهي ( التّابع تابع ) ومعنى كون التّابع تابعاً : هو أنّ ما كان تبعاً لغيره في الوجود لا ينفرد بالحكم ، بل يدخل في الحكم مع متبوعه ، فإذا بيع حيوان في بطنه جنين دخل الجنين في البيع تبعاً لأمّه ، ولا يجوز إفراده بالبيع ، ومثل هذا الصّوف على الغنم ، واللّبن في الضّرع . ومن ذلك ما لو كان التّابع شيئاً لا يقبل الانفكاك عن متبوعه ، بأن كان في حكم الجزء ، كالمفتاح من القفل ، فإنّه يدخل في البيع تبعاً له ، أو كان شيئاً جرى في عرف البلد أنّه من مشتملاته ، فإنّه يدخل في البيع من غير ذكر . فمثلاً بيع الدّار يدخل فيه المطبخ ، وفي بيع حديقة زيتون تدخل أشجار الزّيتون . هذا ، وقد فرّع الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة على قاعدة : ( أنّ التّابع تابع ) عدداً من القواعد ذكرها الزّركشيّ في المنثور ، والسّيوطيّ وابن نجيم في كتابيهما الأشباه والنّظائر ، وقد أشار إليها القرافيّ في الفروق في الفرق التّاسع والتّسعين بعد المائة ، الّذي فرّق فيه بين قاعدة ما يتبع العقد عرفاً وما لا يتبعه . وتلك القواعد الفرعيّة هي : أ - التّابع لا يفرد بالحكم : 5 - المراد بالتّابع الّذي لا يفرد بالحكم عن متبوعه هو الّذي لا يوجد مستقلّاً بنفسه ، بل يكون وجوده تبعاً لوجود متبوعه ، بأن يكون جزءاً أو كالجزء منه ، فحينئذ لا يصلح أن يكون محلّاً مستقلّاً في العقد ليتعلّق به الحكم ، كالجنين في بطن الحيوان ، فإنّه لا يصحّ بيعه منفرداً عن أمّه ، وكحقّ الشّرب فإنّه لا يصحّ بيعه منفرداً عن الأرض . وكمن باع داراً بحقوقها ، فإنّ البيع يتناول أرضها وبناءها وما هو متّصل بها ممّا هو من مصلحتها ، كالأبواب المنصوبة ، دون غيره ممّا ليس من مصالحها ، كالكنز والأحجار المدفونة ، لأنّ ذلك مودع فيها للنّقل عنها ، فأشبه الفرش والسّتور . واستثنى الفقهاء من ذلك صوراً يستقلّ التّابع فيها بالحكم عن متبوعه ، ومن تلك الصّور : إفراد الحمل بالوصيّة دون أمّه بشرط أن يولد حيّاً . لأقلّ من ستّة أشهر ، وهذا القدر مجمع عليه ، وأمّا إن أتت به لأكثر من ستّة أشهر ، ففيه تفصيل وخلاف يرجع إليه في مصطلح ( وصيّة ، ثبوت النّسب ، والميراث ) . ب - من ملك شيئاً ملك ما هو من ضروراته : 6 - تتناول هذه القاعدة الأصول الّتي تدخل في البيع والشّراء من غير ذكر ، وتلك الأصول تدخل تحت أصلين : الأوّل : كلّ ما كان في الدّار من بناء وغيره يتناوله اسم البيع عرفاً ، مثل ملحقات الدّار كالمطبخ والحجارة المثبّتة في الأرض والدّار لا المدفونة . الثّاني : ما كان متّصلاً اتّصال قرار ، كالشّجر فإنّه يدخل في بيع الأرض عند الحنفيّة والمالكيّة بلا ذكر ، وعلى أحد الوجهين عند الحنابلة ، وهو أيضاً نصّ الشّافعيّ في البيع ، ونصّ في الرّهن على عدم الدّخول فيما لو رهن الأرض وأطلق . وأمّا الأصحاب فلهم فيما نصّ عليه الإمام الشّافعيّ في البيع والرّهن طرق ، أصحّها عند جمهور أصحاب الشّافعيّ : تقرير النّصّين ( أي دخول الشّجر والبناء في البيع عند الإطلاق ، وعدم دخولها في الرّهن ) . والثّاني : فيهما قولان ، والثّالث : القطع بعدم الدّخول فيهما ، قاله ابن سريج ، واختاره الإمام والغزاليّ . ج - التّابع يسقط بسقوط المتبوع : 7 - هذه القاعدة ذكرها الزّركشيّ في المنثور والسّيوطيّ وابن نجيم في كتابيهما . ومرادهم بالتّابع الّذي يسقط بسقوط متبوعه ذلك التّابع الّذي يتبع غيره في الوجود ، ومن الفروع الّتي تذكرها كتب القواعد لهذه القاعدة : أنّ من فاتته صلاة في أيّام الجنون ، وقيل بعدم وجوب القضاء ، فإنّه لا يستحبّ له قضاء سننها الرّاتبة ، لأنّ الفرض سقط فكذا تابعه . ومن فاته الحجّ بعدم الوقوف فتحلّل بأفعال العمرة ، فلا يأتي بالرّمي والمبيت ، لأنّهما تابعان للوقوف وقد سقط . وممّا خرج عن هذه القاعدة : الأخرس العاجز عن التّلفّظ بالتّكبير ، فإنّه يلزمه تحريك لسانه ، عند الحنفيّة والشّافعيّة ، وعند القاضي من الحنابلة ، ولا يلزمه ذلك عند المالكيّة وعند الحنابلة على الصّحيح ، بل تكفيه النّيّة ، ويكبّر بقلبه ، لأنّ تحريك اللّسان للعاجز عن النّطق عبث كما قال الحنابلة ، بل قال ابن تيميّة : ولو قيل ببطلان الصّلاة بذلك لكان أقوى . وممّا خرج عنها أيضاً : إمرار الموسى على رأس الأقرع للتّحلّل بالحلق ، فإنّه واجب على المختار عند الحنفيّة ، وواجب أيضاً عند المالكيّة ، لأنّ الحلق عبادة تتعلّق بالشّعر فتنتقل إلى البشرة عند عدمه ، وقال الشّافعيّة بالنّدب ، والحنابلة بالاستحباب . وممّا خرج عنها في غير العبادات : ما لو أقرّ أحد الورثة بوارث ثالث مشارك لهما في الميراث لم يثبت النّسب بالإجماع ، لأنّ النّسب لا يتبعّض فلا يمكن إثباته في حقّ المقرّ دون المنكر ، ولا يمكن إثباته في حقّهما ، لأنّ أحدهما منكر ، ولم توجد شهادة يثبت بها النّسب ، ولكنّه يشارك المقرّ في الميراث في قول أكثر أهل العلم ، لأنّه أقرّ بسبب مال لم يحكم ببطلانه ، فلزمه المال . هذا ، وذكر السّيوطيّ وابن نجيم قاعدةً أخرى قريبةً من هذه القاعدة ، وهي قولهم ( الفرع يسقط إذا سقط الأصل ) وجاء في شرح المجلّة : أنّ هذه القاعدة مطّردة في المحسوسات والمعقولات . فالشّيء الّذي يكون وجوده أصلاً لوجود شيء آخر يتبعه في الوجود ، يكون ذلك فرعاً مبتنياً عليه ، كالشّجرة إذا ذوت ذوى ثمرها ، وكالإيمان باللّه تعالى أصل وجميع الأعمال فروعه ، فإذا سقط الإيمان - والعياذ باللّه تعالى - حبطت الأعمال ، لأنّ اعتبارها مبنيّ عليه . ومن فروعها قولهم : إذا برئ الأصيل برئ الضّامن ، أي الكفيل لأنّه فرعه بخلاف العكس . وقد يثبت الفرع وإن لم يثبت الأصل ، كما لو ادّعى الزّوج الخلع ، وأنكرت الزّوجة ، ثبتت البينونة بلا خلاف ، لأنّه مقرّ بما يوجبها ، وإن لم يثبت المال الّذي هو الأصل . د - يغتفر في التّوابع ما لا يغتفر في غيرها : 8 - هذه القاعدة ذكرها السّيوطيّ وابن نجيم ، وقريب منها قولهم : يغتفر في الشّيء ضمناً ما لا يغتفر فيه قصداً ، وقولهم : يغتفر في الثّواني ما لا يغتفر في الأوائل ، وقولهم : أوائل العقود تؤكّد بما لا يؤكّد بها أواخرها ، وإنّما اغتفر في ذلك لأنّه قد يكون للشّيء قصداً شروط مانعة ، وإذا ثبت ضمناً أو تبعاً لشيء آخر يكون ثبوته ضرورة ثبوته لمتبوعه أو ما هو في ضمنه . ومن فروع هذه القاعدة : أنّ النّسب لا يثبت ابتداءً بشهادة النّساء ، أمّا لو شهدن بالولادة على الفراش يثبت النّسب تبعاً ، حتّى لو كانت الشّاهدة في الولادة القابلة وحدها . وممّا خرج عن هذه القاعدة ممّا هو عكسها : أنّ الفاسق يجوز تقليده القضاء إذا ظنّ صدقه ، لكن إذا قلّد عدل ففسق في أثناء قضائه استحقّ العزل ، وهو ظاهر مذهب الحنفيّة ، وقيل : إنّه ينعزل بفسقه ، لأنّ عدالته في معنى المشروطة ، فقد جاز تقليده ابتداءً ولم يجز انتهاءً في ولايته ، فلمّا زالت عدالته زالت ولايته . وذكر المالكيّة في هذه المسألة : أنّ غير العدل لا يصحّ قضاؤه ولا ينفذ حكمه ، لكن قال مالك : لا أرى خصال القضاة تجتمع اليوم في أحد ، فإن اجتمع منها خصلتان في واحد وهي العلم والورع ولّي . وقال القرافيّ : إن لم يوجد عدل ولّي أمثل الموجودين . وأمّا الشّافعيّة والحنابلة فلا يصحّ عندهم تولية الفاسق القضاء . وعند الشّافعيّة : إن تعذّر جمع الشّروط في رجل فولّى سلطان له شوكة فاسقاً نفذ قضاؤه للضّرورة ، لئلاّ تتعطّل مصالح النّاس . وقال العزّ بن عبد السّلام : لمّا كان تصرّف القضاة أعمّ من تصرّف الأوصياء ( الّذين يشترط فيهم العدالة ) وأخصّ من تصرّف الأئمّة ( وفي اشتراط العدالة فيهم اختلاف ) اختلف في إلحاقهم بالأئمّة ، فمنهم من ألحقهم بالأئمّة ، لأنّ تصرّفهم أعمّ من تصرّف الأوصياء ، ومنهم من ألحقهم بالأوصياء ، لأنّ تصرّفهم أخصّ من تصرّف الأئمّة . هـ – التّابع لا يتقدّم على المتبوع : 9 - من فروع هذه القاعدة : أنّه لا يصحّ تقدّم المأموم على إمامه في تكبيرة الافتتاح ، ولا في غيرها من الأركان ، لحديث : « إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به ، فإذا كبّر فكبّروا ... » إلخ الحديث . و - التّابع لا يكون له تابع : 10 - من فروع هذه القاعدة : لو قطع شخص الأصابع وحدها في جناية وجبت الدّية ، فإن قطع اليد من الكوع لم يلزمه أكثر من الدّية ، ويجعل الكفّ تبعاً للأصابع ، وإن قطع زيادةً على ذلك لم يجعل تبعاً ، بل يلزمه للزّيادة حكومة عدل على قدرها ، لأنّ التّابع لا يكون له تابع . وممّا خرج عنها توكيل الوكيل غيره دون الرّجوع إلى موكّله ، فقد ذكر الحنفيّة أنّ للوكيل أن يوكّل في حقوق العقد فيما ترجع الحقوق فيه إليه ، لأنّه أصيل فيها ، فله أن يوكّل فيها بلا إذن موكّله . وفرّق المالكيّة بين الوكيل المفوّض وغير المفوّض ، وذكروا أنّ الوكيل المفوّض له أن يوكّل على الأظهر ، وأمّا غير المفوّض فليس له أن يوكّل فيما وكّل فيه بلا إذن ، إلاّ في حالتين : إحداهما : ألاّ يليق الفعل به . والثّانية : أن يكثر بحيث يتعذّر عليه القيام به وحده . وذكر الشّافعيّة : أنّ الوكيل لو وكّل فيما وكّل فيه ، وسكت عنه موكّله ، نظر : إن كان أمراً يتأتّى له الإتيان به ، لم يجز أن يوكّل فيه ، وإن لم يتأتّ منه ، لكونه لا يحسنه ، أو لا يليق بمنصبه ، فله التّوكيل على الصّحيح ، لأنّ المقصود من مثله الاستنابة . والمذهب الّذي عليه الأصحاب عند الحنابلة أنّ الوكيل لا يجوز له أن يوكّل فيما يتولّى مثله بنفسه ، ونقل عن الإمام أحمد الجواز . وفي المسألة تفصيل ينظر في مصطلح : ( وكالة ) . ز - العبرة بنيّة المتبوع لا التّابع : 11 - فمن كان تابعاً لغيره ، كالزّوجة التّابعة لزوجها ، والجنديّ التّابع لقائده ، فإنّ المعتبر في السّفر الّذي يبيح لهما القصر والفطر نيّة المتبوع دون التّابع ، لأنّ نيّة المتبوع تنسحب على التّابع ، فيعطى حكمه ، فتتبع المرأة زوجها ، والجنديّ قائده ، هذا عند الحنفيّة ، والحنابلة وأمّا الشّافعيّة : فهم كالحنفيّة والحنابلة في جعلهم نيّة الزّوجة تابعةً لنيّة الزّوج ، وخالفوهم في نيّة الجنديّ فلم يجعلوها تابعةً لنيّة الأمير ، لأنّه ليس تحت يده وقهره . وأمّا المالكيّة فلم يعرضوا لهذه المسألة فيما . اطّلع عليه من مراجع . ح - ما دخل في البيع تبعاً لا حصّة له من الثّمن : 12 - وذلك كالأوصاف الّتي تدخل في البيع بلا ذكر ، كبناء وشجر في الأرض ، وأطراف في الحيوان ، وجودة في الكيليّ والوزنيّ ، فإنّ هذه الأوصاف لا يقابلها شيء من الثّمن قبل القبض ، كما في جامع الفصولين ، أو إلاّ إذا ورد عليها القبض كما في شرح الإسبيجابيّ . وقد وضع محمّد رحمه الله أصلاً لهذا ، وهو : كلّ شيء إذا بعته وحده لا يجوز بيعه ، وإذا بعته مع غيره جاز ، فإذا استحقّ ذلك الشّيء قبل القبض ، كان المشتري بالخيار إن شاء أخذ الباقي بجميع الثّمن ، وإن شاء ترك . وكلّ شيء إذا بعته وحده جاز بيعه ، فإذا بعته مع غيره فاستحقّ ، كان له حصّة من الثّمن . والحاصل أنّ ما يدخل في البيع تبعاً إذا استحقّ بعد القبض كان له حصّة من الثّمن ، فيرجع على البائع بحصّته ، وإن استحقّ قبل القبض ، فإن كان لا يجوز بيعه وحده كالشّرب . فلا حصّة له من الثّمن ، فلا يرجع بشيء ، بل يخيّر بين الأخذ بكلّ الثّمن أو التّرك ، وإن جاز بيعه وحده كالشّجر كان له حصّة من الثّمن ، فيرجع بها على البائع . ثمّ إنّ محلّ دخول التّابع في البيع ما لم يذكر ، فإن ذكر كان مبيعاً قصداً ، حتّى لو فات قبل القبض بآفة سماويّة تسقط حصّته من الثّمن . وللتّفصيل ينظر مصطلح ( بيع ) . ط - التّابع مضمون بالاعتداء : 13 - من فروع هذه القاعدة أنّ من جنى على امرأة حامل فأسقطت ففيه الغرّة . ومن ذلك منافع المغصوب وغلّته ، فإنّها مضمونة على الغاصب تبعاً للمغصوب عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة خلافاً للحنفيّة . تَبْغ * التّعريف : 1 - التّبغ ( بتاء مفتوحة ) لفظ أجنبيّ دخل العربيّة دون تغيير ، وقد أقرّه مجمع اللّغة العربيّة . وهو نبات من الفصيلة الباذنجانيّة يستعمل تدخيناً وسعوطاً ومضغاً ، ومنه نوع يزرع للزّينة ، وهو من أصل أمريكيّ ، ولم يعرفه العرب القدماء . ومن أسمائه : الدّخان ، والتُتُن ، والتّنباك . لكنّ الغالب إطلاق هذا الأخير على نوع خاصّ من التّبغ كثيف يدخّن بالنّارجيلة لا باللّفائف . 2 - وممّا يشبه التّبغ في التّدخين والإحراق : الطّبّاق ، وهو نبات عشبيّ معمّر من فصيلة المركّبات الأنبوبيّة الزّهر ، وهو معروف عند العرب ، خلافاً للتّبغ ، والطّبّاق : لفظ معرّب . وفي المعجم الوسيط : الطّبّاق : الدّخان ، يدخّن ورقه مفروماً أو ملفوفاً . 3 - وقال الفقهاء عن الدّخّان : إنّه حدث في أواخر القرن العاشر الهجريّ وأوائل القرن الحادي عشر ، وأوّل من جلبه لأرض الرّوم ( أي الأتراك العثمانيّين ) الإنكليز ، ولأرض المغرب يهوديّ زعم أنّه حكيم ، ثمّ جلب إلى مصر ، والحجاز، والهند، وغالب بلاد الإسلام . الأحكام المتعلّقة بالتّبغ : حكم استعماله : 4 - منذ ظهور الدّخّان - وهو الاسم المشهور للتّبغ - والفقهاء يختلفون في حكم استعماله ، بسبب الاختلاف في تحقّق الضّرر من استعماله ، وفي الأدلّة الّتي تنطبق عليه ، قياساً على غيره ، إذ لا نصّ في شأنه . فقال بعضهم : إنّه حرام ، وقال آخرون : إنّه مباح ، وقال غيرهم : إنّه مكروه . وبكلّ حكم من هذه الأحكام أفتى فريق من كلّ مذهب ، وبيان ذلك فيما يلي : القائلون بتحريمه وأدلّتهم : 5 - ذهب إلى القول بتحريم شرب الدّخّان من الحنفيّة : الشّيخ الشرنبلالي ، والمسيريّ ، وصاحب الدّرّ المنتقى ، واستظهر ابن عابدين أنّه مكروه تحريماً عند الشّيخ عبد الرّحمن العماديّ . وقال بتحريمه من المالكيّة : سالم السّنهوريّ ، وإبراهيم اللّقانيّ ، ومحمّد بن عبد الكريم الفكّون ، وخالد بن أحمد ، وابن حمدون وغيرهم . ومن الشّافعيّة : نجم الدّين الغزّيّ ، والقليوبيّ ، وابن علّان ، وغيرهم . ومن الحنابلة الشّيخ أحمد البهوتيّ ، وبعض العلماء النّجديّين . ومن هؤلاء جميعاً من ألّف في تحريمه كاللّقانيّ والقليوبيّ ومحمّد بن عبد الكريم الفكّون ، وابن علّان . واستدلّ القائلون بالحرمة بما يأتي : 6 - أ - أنّ الدّخّان يسكر في ابتداء تعاطيه إسكاراً سريعاً بغيبة تامّة ، ثمّ لا يزال في كلّ مرّة ينقص شيئاً فشيئاً حتّى يطول الأمد جدّاً ، فيصير لا يحسّ به ، لكنّه يجد نشوةً وطرباً أحسن عنده من السّكر . أو أنّ المراد بالإسكار : مطلق المغطّي للعقل وإن لم يكن معه الشّدّة المطربة ، ولا ريب أنّها حاصلة لمن يتعاطاه أوّل مرّة . وهو على هذا يكون نجساً ، ويحدّ شاربه ، ويحرم منه القليل والكثير . 7- ب - إن قيل : إنّه لا يسكر ، فهو يحدث تفتيراً وخدراً لشاربه ، فيشارك أوّليّة الخمر في نشوته ، وقد قالت أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن كلّ مسكر ومفتّر » قال العلماء : المفتّر : ما يحدث الفتور والخدر في الأطراف وصيرورتها إلى وهن وانكسار ، ويكفي حديث أمّ سلمة حجّةً ، ودليلاً على تحريمه . ولكنّه على هذا لا يكون نجساً ولا يحدّ شاربه ، ويحرم القليل منه كالكثير خشية الوقوع في التّأثير ، إذ الغالب وقوعه بأدنى شيء منها ، وحفظ العقول من الكلّيّات الخمس المجمع عليها عند أهل الملل . 8- ج - أنّه يترتّب على شربه الضّرر في البدن والعقل والمال ، فهو يفسد القلب ، ويضعف القوى ، ويغيّر اللّون بالصّفرة ، ويتولّد من تكاثف دخّانه في الجوف الأمراض والعلل ، كالسّعال المؤدّي لمرض السّلّ ، وتكراره يسوّد ما يتعلّق به ، وتتولّد منه الحرارة ، فتكون داءً مزمناً مهلكاً ، فيشمله قوله تعالى : { ولا تَقْتُلُوا أنفسَكم } وهو يسدّ مجاري العروق ، فيتعطّل وصول الغذاء منها إلى أعماق البدن ، فيموت مستعمله فجأةً . ثمّ قالوا : والأطبّاء مجمعون على أنّه مضرّ ، قال الشّيخ عليش : أخبر بعض مخالطي الإنكليز أنّهم ما جلبوا الدّخّان لبلاد الإسلام إلاّ بعد إجماع أطبّائهم على منعهم من ملازمته ، وأمرهم بالاقتصار على اليسير الّذي لا يضرّ ، لتشريحهم رجلاً مات باحتراق كبده وهو ملازمه ، فوجدوه سارياً في عروقه وعصبه ، ومسوّداً مخّ عظامه ، وقلبه مثل إسفنجة يابسة ، فمنعوهم من مداومته ، وأمروهم ببيعه للمسلمين لإضرارهم ... قال الشّيخ عليش : فلو لم يكن فيه إلاّ هذا لكان باعثاً للعقل على اجتنابه ، وقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « الحلال بيّن والحرام بيّن ، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنّ كثير من النّاس ، فمن اتّقى الشّبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشّبهات وقع في الحرام ، كالرّاعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه » . هذا وفي المراجع الحديثة ما يثبت ضرر التّدخين . 9- د - في التّدخين إسراف وتبذير وضياع للمال ، قال الشّيخ عليش : لو سئل الفقهاء - الّذين قالوا : السّفه الموجب للحجر تبذير المال في اللّذّات والشّهوات - عن ملازم استعمال الدّخّان ، لمّا توقّفوا في وجوب الحجر عليه وسفهه ، وانظر إلى ما يترتّب على إضاعة الأموال فيه من التّضييق على الفقراء والمساكين ، وحرمانهم من الصّدقة عليهم بشيء ممّا أفسده الدّخّان على المترفّهين به ، وسماحة أنفسهم بدفعها للكفّار المحاربين أعداء الدّين ، ومنعها من الإعانة بها على مصالح المسلمين وسدّ خلّة المحتاجين . 10 - هـ - صدر أمر سلطانيّ من الخليفة العثمانيّ في وقته - بناءً على فتاوى علماء عصره - بمنع استعمال الدّخّان ومعاقبة شاربيه ، وحرق ما وجد منه . فيعتبر من وجوه تحريمه : الخروج عن طاعة السّلطان ، فإنّ امتثال أمره واجب في غير ما أجمع على تحريمه ، ومخالفته محرّمة . 11 - و- رائحة الدّخّان منتنة مؤذية ، وكلّ رائحة مؤذية فهي ممنوعة ، والدّخّان أشدّ من البصل والثّوم في الرّائحة ، وقد ورد منع من تناولهما من دخول المسجد ، وفرّق بين الرّائحة المنتنة والرّائحة الكريهة ، والبصل والثّوم ريحهما مكروه وليس منتناً ، والدّخّان ريحه منتن . 12 - ز - من زعم استعماله تداوياً لم يستعمله استعمال الأدوية ، وخرج به إلى حدّ التّفكّه والتّلذّذ ، وادّعى التّداوي تلبيساً وتستّراً حتّى وصل به إلى أغراض باطنة من العبث واللّهو والإسطال ، ومذهب الحنفيّة حرمته ، وعرّفوا العبث : بأنّه فعل لغير غرض صحيح ، والسّفه : بأنّه فعل لا غرض فيه أصلاً واللّعب : فعل فيه لذّة . وممّن صرّح بحرمة العبث في غير الصّلاة صاحب كتاب الاحتساب متمسّكاً بقول اللّه سبحانه وتعالى : { أفَحَسِبْتُم أنّما خلقناكم عَبَثَاً } وصاحب الكافي متمسّكاً بقول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « كلّ شيء يلهو به الرّجل باطل إلاّ رمية الرّجل بقوسه ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته امرأته ، فإنّهنّ من الحقّ » . القائلون بإباحته وأدلّتهم : 13 - ذهب إلى القول بإباحة شرب الدّخّان من الحنفيّة : الشّيخ عبد الغنيّ النّابلسيّ ، وقد ألّف في إباحته رسالةً سمّاها ( الصّلح بين الإخوان في إباحة شرب الدّخّان ) ومنهم صاحب الدّرّ المختار ، وابن عابدين ، والشّيخ محمّد العبّاسيّ المهديّ صاحب الفتاوى المهديّة ، والحمويّ شارح الأشباه والنّظائر . ومن المالكيّة : عليّ الأجهوريّ ، وله رسالة في إباحته سمّاها ( غاية البيان لحلّ شرب ما لا يغيّب العقل من الدّخّان ) ونقل فيها الإفتاء بحلّه عمّن يعتمد عليه من أئمّة المذاهب الأربعة ، وتابعه على الحلّ أكثر المتأخّرين من المالكيّة ، ومنهم : الدّسوقيّ ، والصّاويّ ، والأمير ، وصاحب تهذيب الفروق . ومن الشّافعيّة : الحفنيّ ، والحلبيّ ، والرّشيديّ ، والشبراملسي ، والبابليّ ، وعبد القادر بن محمّد بن يحيى الحسينيّ الطّبريّ المكّيّ ، وله رسالة سمّاها ( رفع الاشتباك عن تناول التّنباك ) . ومن الحنابلة : الكرميّ صاحب دليل الطّالب ، وله رسالة في ذلك سمّاها ( البرهان في شأن شرب الدّخّان ) . كذلك قال الشّوكانيّ بإباحته . وقد استدلّ القائلون بإباحته بما يأتي : 14 - أ - أنّه لم يثبت إسكاره ولا تخديره ، ولا إضراره ( عند أصحاب هذا الرّأي ) وقد عرف ذلك بعد اشتهاره ، ومعرفة النّاس به ، فدعوى أنّه يسكر أو يخدّر غير صحيحة ، فإنّ الإسكار غيبوبة العقل مع حركة الأعضاء ، والتّخدير غيبوبة العقل مع فتور الأعضاء ، وكلاهما لا يحصل لشاربه . نعم من لم يعتده يحصل له إذا شربه نوع غشيان . وهذا لا يوجب التّحريم . كذا قال الشّيخ حسن الشّطّيّ وغيره . وقال الشّيخ عليّ الأجهوريّ : الفتور الّذي يحصل لمبتدئ شربه ليس من تغييب العقل في شيء ، وإن سلم أنّه ممّا يغيّب العقل فليس من المسكر قطعاً ، لأنّ المسكر يكون معه نشوة وفرح ، والدّخّان ليس كذلك ، وحينئذ فيجوز استعماله لمن لا يغيّب عقله ، وهذا يختلف باختلاف الأمزجة ، والقلّة والكثرة ، فقد يغيّب عقل شخص ولا يغيّب عقل آخر ، وقد يغيّب من استعمال الكثير دون القليل . 15 - ب - الأصل في الأشياء الإباحة حتّى يرد نصّ بالتّحريم ، فيكون في حدّ ذاته مباحاً ، جرياً على قواعد الشّرع وعموماته ، الّتي يندرج تحتها حيث كان حادثاً غير موجود زمن الشّارع ، ولم يوجد فيه نصّ بخصوصه ، ولم يرد فيه نصّ في القرآن أو السّنّة ، فهو ممّا عفا اللّه عنه ، وليس الاحتياط في الافتراء على اللّه تعالى بإثبات الحرمة أو الكراهة اللّذين لا بدّ لهما من دليل ، بل في القول بالإباحة الّتي هي الأصل ، وقد توقّف النّبيّ صلى الله عليه وسلم - مع أنّه هو المشرّع في تحريم الخمر أمّ الخبائث - حتّى نزل عليه النّصّ القطعيّ ، فالّذي ينبغي للإنسان إذا سئل عنه أن يقول هو مباح ، لكنّ رائحته تستكرهها الطّباع ، فهو مكروه طبعاً لا شرعاً . 16 - ج - إنّ فرض إضراره لبعض النّاس فهو أمر عارض لا لذاته ، ويحرم على من يضرّه دون غيره ، ولا يلزم تحريمه على كلّ أحد ، فإنّ العسل يضرّ بعض النّاس ، وربّما أمرضهم ، مع أنّه شفاء بالنّصّ القطعيّ . 17 - د - صرف المال في المباحات على هذا الوجه ليس بسرف ، لأنّ الإسراف هو التّبذير ، وفسّر ابن مسعود التّبذير بأنّه إنفاق المال في غير حقّه ، فإذا كان الإنفاق في حقّه ولو مباحاً فليس بسرف ، ودعوى أنّه إسراف فهذا غير خاصّ بالدّخّان . 18 - هـ - اتّفق المحقّقون على أنّ تحكيم العقل والرّأي بلا مستند شرعيّ باطل ، إذ ليس الصّلاح بتحريمه ، وإنّما الصّلاح والدّين المحافظة بالاتّباع للأحكام الواردة بلا تغيير ولا تبديل ، وهل الطّعن في أكثر النّاس من أهل الإيمان والدّين ، والحكم عليهم بالفسق والطّغيان بسبب شربهم الدّخّان ، وفي العامّة من هذه الأمّة فضلاً عن الخاصّة ، صلاح أم فساد ؟ 19 - و - حرّر ابن عابدين أنّه لا يجب تقليد من أفتى بحرمة شرب الدّخّان ، لأنّ فتواهم إن كانت عن اجتهاد فاجتهادهم ليس بثابت ، لعدم توافر شروط الاجتهاد ، وإن كانت عن تقليد لمجتهد آخر ، فليس بثابت كذلك لأنّه لم ينقل ما يدلّ على ذلك ، فكيف ساغ لهم الفتوى وكيف يجب تقليدهم ؟ . ثمّ قال : والحقّ في إفتاء التّحليل والتّحريم في هذا الزّمان التّمسّك بالأصلين اللّذين ذكرهما البيضاويّ في الأصول ، ووصفهما بأنّهما نافعان في الشّرع . الأوّل : أنّ الأصل في المنافع : الإباحة ، والآيات الدّالّة على ذلك كثيرة . الثّاني : أنّ الأصل في المضارّ : التّحريم والمنع لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا ضرر ولا ضرار » . ثمّ قال : وبالجملة إن ثبت في هذا الدّخّان إضرار صرف عن المنافع فيجوز الإفتاء بتحريمه ، وإن لم يثبت إضراره فالأصل الحلّ . مع أنّ الإفتاء بحلّه فيه دفع الحرج عن المسلمين ، فإنّ أكثرهم يبتلون بتناوله ، فتحليله أيسر من تحريمه ، فإثبات حرمته أمر عسير لا يكاد يوجد له نصير . نعم لو أضرّ ببعض الطّبائع فهو عليه حرام ، ولو نفع ببعض وقصد التّداوي فهو مرغوب . قال ابن عابدين : كذا أجاب الشّيخ محيي الدّين أحمد بن محيي الدّين بن حيدر الكرديّ الجزريّ رحمه الله تعالى . وفي تهذيب الفروق : من عافاه اللّه من شربه واستعماله بوجه من الوجوه ، لا ينبغي أن يحمل النّاس على مختاره ، فيدخل عليهم شغباً في أنفسهم وحيرةً في دينهم ، إذ من شرط التّغيير لأمر ما أن يكون متّفقاً على إنكاره . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية