الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41249" data-attributes="member: 329"><p>ثانياً : بالنّسبة للصّوم :</p><p>30 - إذا استوعب الجنون شهر رمضان بأكمله فلا قضاء على المجنون سواء ، أكان الجنون أصليّاً أم عارضاً عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، لحديث : « رفع القلم عن ثلاث ... » وإذا استوعب الإغماء الشّهر كلّه وجب القضاء على المغمى عليه إلاّ عند الحسن البصريّ ، ودليل وجوب القضاء قوله تعالى : { فمنْ كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فَعِدَّةٌ من أيَّامٍ أُخَر } والإغماء مرض . وعند المالكيّة : يجب القضاء على المجنون بعد إفاقته للآية السّابقة ، والجنون مرض ، وعن الإمام أحمد مثل ذلك بالنّسبة للمجنون . </p><p>وإن أفاق المجنون في أيّ يوم من أيّام الشّهر كان عليه قضاء ما مضى من الشّهر استحساناً عند الحنفيّة ، والقياس أنّه لا يلزمه ، وهو قول زفر . </p><p>وفرّق محمّد فقال : لا قضاء لما فات في الجنون الأصليّ ، ويجب القضاء إذا كان الجنون عارضاً . وعند الشّافعيّة والحنابلة لا قضاء لما فات زمن الجنون للحديث المتقدّم - ويجب القضاء عند المالكيّة . ويجب القضاء على المغمى عليه لما فات عند الجميع . </p><p>31 - أمّا اليوم الّذي جنّ أو أغمي عليه فيه ، فإنّه يعتبر مدركاً لصيام هذا اليوم إن كان نوى الصّيام من اللّيل ، ولا قضاء عليه ، وهذا عند الحنفيّة . </p><p>وعند المالكيّة : إن جنّ أو أغمي عليه بعد الفجر ، واستمرّ الجنون أو الإغماء أكثر اليوم فعليه القضاء ، وإن كان بعد الفجر ولم يستمرّ نصف يوم فأقلّ أجزأه ، ولا قضاء عليه . وإن كان الإغماء أو الجنون مع الفجر أو قبله فالقضاء مطلقاً ، لزوال العقل وقت النّيّة . وعند الشّافعيّة في الأظهر ، وهو قول الحنابلة : أنّ الإغماء لا يضرّ صومه إذا أفاق لحظةً من نهار ، أيّ لحظة كانت ، اكتفاءً بالنّيّة مع الإفاقة في جزء . </p><p>والثّاني للشّافعيّة : يضرّ مطلقاً ، والثّالث : لا يضرّ إذا أفاق أوّل النّهار . </p><p>وإن نوى الصّوم ثمّ جنّ ففيه قولان : في الجديد يبطل الصّوم ، لأنّه عارض يسقط فرض الصّلاة فأبطل الصّوم ، وقال في القديم : هو كالإغماء . وعند الحنابلة : الجنون كالإغماء يجزئ صومه إذا كان مفيقاً في أيّ لحظة منه مع تبييت النّيّة . </p><p>32 - أمّا اليوم الّذي تحدث فيه الإفاقة من الجنون أو الإغماء ، فعند الحنفيّة : أن المجنون جنوناً عارضاً لو أفاق في النّهار قبل الزّوال ، فنوى الصّوم أجزأه . وفي الجنون الأصليّ خلاف ، ويجزئ في الإغماء بلا خلاف . </p><p>وعند المالكيّة : إن أفاق قبل الفجر أجزأ ذلك اليوم عن الصّيام بالنّسبة للمجنون والمغمى عليه ، وإن كانت الإفاقة بعد الفجر فهو على التّفصيل السّابق . </p><p>وعند الشّافعيّة : إن أفاق المجنون في النّهار فعلى الأصحّ لا قضاء عليه ، ويستحبّ له الإمساك ، وهذا في وجه . وفي الوجه الثّاني : يجب القضاء ، أمّا المغمى عليه فإذا أفاق أجزأه . وعند الحنابلة في قضاء اليوم الّذي أفاق فيه المجنون وإمساكه روايتان ، أمّا المغمى عليه فيصحّ صومه إن أفاق في جزء من النّهار .</p><p>ثالثاً : بالنّسبة للحجّ :</p><p>33 - من أحرم بالحجّ ، وطرأ عليه جنون أو إغماء ثمّ أفاق منه قبل الوقوف بعرفة ، ووقف ، أجزأه الحجّ باتّفاق . وكذلك من لم يحرم بالحجّ لجنون أو إغماء ، ولكنّه أفاق من قبل الوقوف ، وأحرم ووقف بعرفة أجزأه ، على تفصيل في وجوب الجزاء عليه . </p><p>ومثل ذلك أيضاً المجنون الّذي أحرم عنه وليّه ، أو المغمى عليه - عند من يقول بجواز الإحرام عنه كالحنفيّة وبعض الشّافعيّة - إذا أفاقا قبل الوقوف ووقفا أجزأهما الحجّ ، ومن وقف بعرفة وهو مجنون أو مغمًى عليه بعد أن أحرم وهو مفيق ، أو أحرم وليّه عنه فعند المالكيّة وبعض الشّافعيّة : كان حجّهما صحيحاً ، مع الاختلاف بين وقوعه فرضاً أو نفلاً . وعند الحنفيّة كان حجّ المغمى عليه صحيحاً ، وفي المجنون خلاف . </p><p>وينظر تفصيل جميع ما مرّ في العبادات في : ( صلاة ، صوم ، حجّ ، جنون ، إغماء ) .</p><p>تدارك المريض العاجز عن الإيماء :</p><p>34 - من عجز عن الإيماء في الصّلاة برأسه لركوعه وسجوده أومأ بطرفه ( عينه ) ونوى بقلبه ، لحديث عليّ رضي الله عنه : « يصلّي المريض قائماً ، فإن لم يستطع صلّى جالساً ، فإن لم يستطع صلّى على جنبه مستقبل القبلة ، فإن لم يستطع صلّى مستلقياً على قفاه ، ورجلاه إلى القبلة ، وأومأ بطرفه » . وهذا متّفق عليه بين الفقهاء . فإن عجز عن الإيماء بطرفه أومأ بأصبعه ، فإن لم يستطع أتى بالصّلاة بقدر ما يطيق ولو بنيّة أفعالها ، ولا تسقط عنه أبداً ما دام معه شيء من عقل ، ويأتي بالصّلاة بأن يقصد الصّلاة بقلبه مستحضراً الأفعال والأقوال إن عجز عن النّطق ، لقوله تعالى : { لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسَاً إلاّ وسْعَها } . </p><p>وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة . </p><p>وعند الحنفيّة غير زفر : الإيماء يكون بالرّأس فقط ولا يكون بعينيه أو جبينه أو قلبه ، لأنّ فرض السّجود لا يتأتّى بهذه الأشياء ، بخلاف الرّأس لأنّه يتأدّى به فرض السّجود ، فمن عجز عن الإيماء برأسه أخّر الصّلاة ، وإن مات على ذلك الحال لا شيء عليه ، وإن برأ فالصّحيح أنّه يلزمه قضاء يوم وليلة لا غير نفياً للحرج .</p><p> تدارك النّاسي والسّاهي :</p><p>35 - النّسيان أو السّهو إن وقع في ترك مأمور لم يسقط ، بل يجب تداركه . فمن نسي صلاةً أو صوماً أو زكاةً أو كفّارةً أو نذراً وجب عليه الأداء إن أمكن ، أو أن يتداركه بالقضاء بلا خلاف ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « مَنْ نسي صلاةً أو نام عنها ، فكفّارتُها أن يصلّيها إذا ذَكَرَها » . </p><p>وتكون الصّلاة أداءً إذا أدّى منها ركعةً في الوقت ، أو التّحريمة على الخلاف في ذلك . </p><p>وإذا فات الوقت تداركها بالقضاء . وينظر تفصيل ذلك في : ( صلاة ، صوم ، زكاة ) .</p><p>تدارك من أفسد عبادةً شرع فيها من صلاةٍ أو صومٍ أو حجٍ :</p><p>36 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ من أفسد عبادة مفروضة وجب عليه أداؤها إن كان وقتها يسعها كالصّلاة ، أو القضاء إن خرج الوقت أو كان لا يسعها كالصّلاة إن خرج الوقت ، وكالصِّيام والحجّ لعدم اتساع الوقت . </p><p>أما التطوع بالعبادة فإنها تلزم بالشّروع فيه عند الحنفية والمالكية ، ويجب إتمامها ، وعند الشافعية والحنابلة : لا تجب بالشّروع ، ويستحب الإتمام فيما عدا الحجّ والعمرة فيلزمان بالشّروع ، ويجب إتمامهما ، وعلى ذلك فمن دخل في عبادة تطوّع وأفسدها وجب عليه قضاؤها عند الحنفية والمالكية لقوله تعالى : { ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم } . </p><p>ولا يجب القضاء عند الشافعية والحنابلة في غير الحجّ والعمرة لما روت « عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل عندك شيء ؟ فقلت : لا ، فقال : إنّي إذاً أصوم ، ثم دخل عليَّ يوماً آخر فقال : هل عندك شيء ؟ فقلت : نعم ، فقال : إذاً أفطر ، وإن كنت قد فرضت الصوم » . </p><p>أما الحجّ والعمرة فيجب قضاؤهما إذا أفسدهما ، لأن الوصول إليهما لا يحصل في الغالب إلا بعد كلفة عظيمة ، ولهذا يجبان بالشّروع . </p><p>تدارك المرتدّ لما فاته :</p><p>37 - ما فات المرتدّ من العبادات أيّام الرّدّة لا يجب عليه قضاؤه ، إذا تاب ورجع إلى الإسلام ، لأنّه غير مخاطب بفروع الشّريعة ، ولقوله تعالى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهم ما قَد سَلَف } ، ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « الإسلامُ يَجُبُّ ما قَبْلَه » . وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وعند الشّافعيّة يجب عليه قضاء ما فاته أيّام ردّته من عبادات ، لأنّ المرتدّ كان مقرّاً بإسلامه ولأنّه لا يستحقّ التّخفيف . </p><p>38 - وما فاته أيّام إسلامه من عبادات قبل ردّته وحال إسلامه ، يجب عليه قضاؤه بعد توبته من الرّدّة ، لاستقرار هذه العبادات عليه حال إسلامه ، وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . </p><p>وعند المالكيّة : لا يطالب بما فاته قبل ردّته ، فالرّدّة تسقط ما كان عليه من صلاة وصيام إلاّ الحجّ الّذي تقدّم منه ، فإنّه لا يبطل ، ويجب عليه إعادته إذا أسلم ، لبقاء وقته وهو العمر . </p><p>39 - وإذا رجع المرتدّ إلى الإسلام وأدرك وقت صلاة ، أو أدرك جزءاً من رمضان وجب عليه أداؤه .</p><p></p><p>تداوي *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - التّداوي لغةً : مصدر تداوى أي : تعاطى الدّواء ، وأصله دوي يدوي دوى أي مرض ، وأدوى فلاناً يدويه بمعنى : أمرضه ، وبمعنى : عالجه أيضاً ، فهي من الأضداد ، ويداوي : أي يعالج ، ويداوي بالشّيء أي : يعالج به ، وتداوى بالشّيء : تعالج به ، والدِّواء والدَّواء والدُّواء : ما داويته به . </p><p>ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن هذا المعنى ، كما تدلّ على ذلك عباراتهم .</p><p> الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>أ - التّطبيب :</p><p>2 - التّطبيب لغةً : المداواة والعلاج ، يقال : طبّ فلان فلاناً أي : داواه ، وجاء يستطبّ لوجعه : أي يستوصف الأدوية أيّها يصلح لدائه . </p><p>والطّبّ : علاج الجسم والنّفس ، فالتّطبيب مرادف للمداواة .</p><p>ب - التّمريض :</p><p>3 - التّمريض مصدر مرّض ، وهو التّكفّل بالمداواة . يقال : مرّضه تمريضاً : إذا قام عليه ووليه في مرضه وداواه ليزول مرضه ،وقال بعضهم : التّمريض حسن القيام على المريض. </p><p>ج - الإسعاف :</p><p>4 - الإسعاف في اللّغة : الإعانة والمعالجة بالمداواة ، ويكون الإسعاف في حال المرض وغيره ، فهو أعمّ من التّداوي ، لأنّه لا يكون إلاّ في حال المرض . </p><p> حكمه التّكليفيّ :</p><p>5 - التّداوي مشروع من حيث الجملة ، لما روى أبو الدّرداء رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه أنزل الدّاءَ والدّواءَ ، وجعل لكلّ داءٍ دواءً ، فتداووا ، ولا تتداووا بالحرام » ، ولحديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال : « قالت الأعراب يا رسول اللّه ألا نتداوى ؟ قال : نعم عباد اللّه تداووا ، فإنّ اللّه لم يضع داءً إلاّ وضع له شفاءً إلاّ داءً واحداً . قالوا : يا رسول اللّه وما هو ؟ قال : الهرم » . </p><p>وعن جابر رضي الله عنه قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الرّقى ، فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا : يا رسول اللّه إنّه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب : فإنّك نهيت عن الرّقى فعرضوها عليه ، فقال : ما أرى بها بأساً ، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلْيفعل » . وقال صلى الله عليه وسلم : « لا بأس بالرّقى ما لم يكن فيه شرك » ولما ثبت من فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه تداوى ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده أنّ « عروة كان يقول لعائشة : يا أمَّتاه ، لا أعجب من فقهك ، أقول : زوجة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر ، ولا أعجب من علمك بالشّعر وأيّام النّاس ، أقول : ابنة أبي بكر ، وكان أعلم النّاس أو من أعلم النّاس ، ولكن أعجب من علمك بالطّبّ ، كيف هو ؟ ومن أين هو ؟ قال : فضربت على منكبيه ، وقالت : أيْ عريّة ؟ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره ، وكانت تقدم عليه وفود العرب من كلّ وجه ، فكانت تنعت له الأنعات ، وكنت أعالجها له ، فمن ثَمَّ عَلِمْتُ » . وفي رواية : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه ، فكان يقدم عليه أطبّاء العرب والعجم ، فيصفون له فنعالجه » . وقال الرّبيع : سمعت الشّافعيّ يقول :" العلم علمان : علم الأديان وعلم الأبدان ".</p><p>6- وقد ذهب جمهور العلماء - الحنفيّة والمالكيّة - إلى أنّ التّداوي مباح ، غير أنّ عبارة المالكيّة : لا بأس بالتّداوي . </p><p>وذهب الشّافعيّة ، والقاضي وابن عقيل وابن الجوزيّ من الحنابلة إلى استحبابه ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه أنزل الدّاء والدّواء ، وجعل لكلّ داء دواءً فتداووا ، ولا تتداووا بالحرام » . وغير ذلك من الأحاديث الواردة ، والّتي فيها الأمر بالتّداوي . قالوا : واحتجام النّبيّ صلى الله عليه وسلم وتداويه دليل على مشروعيّة التّداوي . ومحلّ الاستحباب عند الشّافعيّة عند عدم القطع بإفادته . أمّا لو قطع بإفادته كعصب محلّ الفصد فإنّه واجب . ومذهب جمهور الحنابلة : أنّ تركه أفضل ، ونصّ عليه أحمد ، قالوا : لأنّه أقرب إلى التّوكّل . قال ابن القيّم : في الأحاديث الصّحيحة الأمر بالتّداوي ، وأنّه لا ينافي التّوكّل ، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحرّ والبرد بأضدادها ، بل لا تتمّ حقيقة التّوحيد إلاّ بمباشرة الأسباب الّتي نصبها اللّه مقتضيات لمسبّباتها قدراً وشرعاً ، وأنّ تعطيلها يقدح في نفس التّوكّل ، كما يقدح في الأمر والحكمة ، ويضعفه من حيث يظنّ معطّلها أنّ تركها أقوى في التّوكّل ، فإنّ تركها عجز ينافي التّوكّل الّذي حقيقته اعتماد القلب على اللّه في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفع ما يضرّه في دينه ودنياه ، ولا بدّ مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب ، وإلاّ كان معطّلاً للحكمة والشّرع ، فلا يجعل العبد عجزه توكّلاً ، ولا توكّله عجزاً .</p><p>أنواع التّداوي :</p><p>7 - التّداوي قد يكون بالفعل أو بالتّرك ، فالتّداوي بالفعل : يكون بتناول الأغذية الملائمة لحال المريض ، وتعاطي الأدوية والعقاقير ، ويكون بالفصد والكيّ والحجامة وغيرها من العمليّات الجراحيّة . فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما مرفوعاً « الشّفاء في ثلاثة : في شَرْطَةِ مِحْجَم ، أو شَرْبةِ عسل ، أو كَيَّةٍ بنار ، وأنهى أُمّتي عن الكيّ » وفي رواية « وما أحبّ أن أكتوي » . وعن ابن عبّاس مرفوعاً « خير ما تداويتم به السّعوط ، واللّدود ، والحجامة ، والمشي » وإنّما كره الرّسول صلى الله عليه وسلم الكيّ لما فيه من الألم الشّديد والخطر العظيم ، ولهذا كانت العرب تقول في أمثالها " آخر الدّواء الكيّ " وقد « كوى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وغيره » ، واكتوى غير واحد من الصّحابة ، فدلّ على أنّ المراد بالنّهي ليس المنع ، وإنّما المراد منه التّنفير عن الكيّ إذا قام غيره مقامه . قال ابن حجر في الفتح : ولم يرد النّبيّ صلى الله عليه وسلم الحصر في الثّلاثة ، فإنّ الشّفاء قد يكون في غيرها ، وإنّما نبّه بها على أصول العلاج . وأمّا التّداوي بالتّرك : فيكون بالحمية ، وذلك بالامتناع عن كلّ ما يزيد المرض أو يجلبه إليه ، سواء كان بالامتناع عن أطعمة وأشربة معيّنة ، أو الامتناع عن الدّواء نفسه إذا كان يزيد من حدّة المرض . « لقوله صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه حين أراد أن يأكل من الدّوالي إنّك ناقه » .</p><p>التّداوي بالنّجس والمحرّم :</p><p>8 - اتّفق الفقهاء على عدم جواز التّداوي بالمحرّم والنّجس من حيث الجملة ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم » ولقوله صلى الله عليه وسلم :« إنّ اللّه أنزل الدّاء والدّواء ، وجعل لكلّ داء دواءً ، فتداووا ، ولا تتداووا بالحرام» وعن عمر رضي الله عنه أنّه كتب إلى خالد بن الوليد " إنّه بلغني أنّك تدلّك بالخمر ، وإنّ اللّه قد حرّم ظاهر الخمر وباطنها ، وقد حرّم مسّ الخمر كما حرّم شربها ، فلا تمسّوها أجسادكم ، فإنّها نجس " . </p><p>وقد عمّم المالكيّة هذا الحكم في كلّ نجس ومحرّم ، سواء أكان خمراً ، أم ميتةً ، أم أيّ شيء حرّمه اللّه تعالى ، وسواء كان التّداوي به عن طريق الشّرب أو طلاء الجسد به ، وسواء كان صرفاً أو مخلوطاً مع دواء جائز ، واستثنوا من ذلك حالةً واحدةً أجازوا التّداوي بهما ، وهي أن يكون التّداوي بالطّلاء ، ويخاف بتركه الموت ، سواء كان الطّلاء نجساً أو محرّماً ، صرفاً أو مختلطاً بدواء جائز . </p><p>وأضاف الحنابلة إلى المحرّم والنّجس كلّ مستخبث ، كبول مأكول اللّحم أو غيره ، إلاّ أبوال الإبل فيجوز التّداوي بها ، وذكر غير واحد من الحنابلة أنّ الدّواء المسموم إن غلبت منه السّلامة ، ورجي نفعه ، أبيح شربه لدفع ما هو أعظم منه ، كغيره من الأدوية ، كما أنّه يجوز عندهم التّداوي بالمحرّم والنّجس ، بغير أكل وشرب . </p><p>وذهب الحنابلة أيضاً إلى حرمة التّداوي بصوت ملهاة ، كسماع الغناء المحرّم ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : « ولا تتداووا بالحرام » . </p><p>وشرط الحنفيّة لجواز التّداوي بالنّجس والمحرّم أن يعلم أنّ فيه شفاءً ، ولا يجد دواءً غيره ، قالوا : وما قيل إنّ الاستشفاء بالحرام حرام غير مجرى على إطلاقه ، وإنّ الاستشفاء بالحرام إنّما لا يجوز إذا لم يعلم أنّ فيه شفاءً ، أمّا إذا علم ، وليس له دواء غيره ، فيجوز . ومعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه " لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم يحتمل أن يكون قاله في داء عرف له دواء غير المحرّم ، لأنّه حينئذ يستغني بالحلال عن الحرام ، ويجوز أن يقال تنكشف الحرمة عند الحاجة ، فلا يكون الشّفاء بالحرام ، وإنّما يكون بالحلال . </p><p>وقصر الشّافعيّة الحكم على النّجس والمحرّم الصّرف ، فلا يجوز التّداوي بهما ، أمّا إذا كانا مستهلكين مع دواء آخر ، فيجوز التّداوي بهما بشرطين : أن يكون عارفاً بالطّبّ ، حتّى ولو كان فاسقاً في نفسه ، أو إخبار طبيب مسلم عدل ،وأن يتعيّن هذا الدّواء فلا يغني عنه طاهر. وإذا كان التّداوي بالنّجس والمحرّم لتعجيل الشّفاء به ، فقد ذهب الشّافعيّة إلى جوازه بالشّروط المذكورة عندهم ، وللحنفيّة فيه قولان .</p><p>التّداوي بلبس الحرير والذّهب :</p><p>9 - اتّفق الفقهاء على جواز لبس الحرير للرّجال لحكّة ، لما روى أنس رضي الله عنه </p><p>« أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : رخّص لعبد الرّحمن بن عوف والزّبير في القميص الحرير في السّفر من حكّة كانت بهما » . وروى أنس أيضاً : « أنّ عبد الرّحمن بن عوف والزّبير شكيا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم القمل فأرخص لهما في الحرير ، فرأيته عليهما في غزاة » وجاز للمريض قياساً على الحكّة والقمل . والمشهور عند المالكيّة الحرمة مطلقاً . </p><p>ونصّ الحنابلة على جواز لبسه في الثّلاث المذكورة ، ولو لم يؤثّر لبسه في زوالها ، ولكن لا بدّ أن يكون نافعاً في لبسه . وأجاز الحنفيّة عصب الجراحة بالحرير مع الكراهة .</p><p>10 - كما اتّفق الفقهاء على جواز اتّخاذ الأنف من الذّهب ، وزاد المالكيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة : السّنّ ، وزاد الشّافعيّة : الأنملة . </p><p>كما نصّ المالكيّة والحنابلة : على جواز ربط السّنّ أو الأسنان بالذّهب . </p><p>والأصل في ذلك أنّ « عرفجة بن أسعد رضي الله عنه قطع أنفه يوم الكلاب ، فاتّخذ أنفاً من ورق ، فأنتن عليه ، فأمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم فاتّخذ أنفاً من ذهب » . </p><p>ولما روى الأثرم عن موسى بن طلحة ، وأبي جمرة الضّبعيّ ، وأبي رافع بن ثابت البنانيّ وإسماعيل بن زيد بن ثابت ، والمغيرة بن عبد اللّه ، أنّهم شدّوا أسنانهم بالذّهب . </p><p>والسّنّ مقيس على الأنف ، وزاد الشّافعيّة في القياس الأنملة دون الأصبع واليد ، قالوا : والفرق بين الأنملة والأصبع أو اليد أنّها تعمل بخلافهما ، وعندهم وجه أنّه يجوز ، وإنّما قصر الحنفيّة الجواز على الأنف فقط لضرورة نتن الفضّة ، لأنّ المحرّم لا يباح إلاّ لضرورة . قالوا : وقد اندفعت في السّنّ بالفضّة ، فلا حاجة إلى الأعلى ، وهو الذّهب .</p><p>تداوي المُحْرِم :</p><p>11 - الأصل أنّ المحرم ممنوع من الطّيب ، « لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المحرم الّذي وقصته راحلته فمات : لا تمسّوه طيباً » وفي رواية « لا تحنّطوه » فلمّا منع الميّت من الطّيب لإحرامه فالحيّ أولى ، ومتى تطيّب المحرم فعليه الفدية ، لأنّه استعمل ما حظر عليه بالإحرام ، فوجبت عليه الفدية كاللّباس . </p><p>ولم يستثن الفقهاء من هذا الأصل ما لو تداوى المحرم بالطّيب ، أو بما له رائحة طيّبة ، وأوجبوا عليه الفدية ، غير أنّ الحنفيّة خصّوا الحكم بالطّيب بنفسه كالمسك والعنبر والكافور ونحوها ، وأمّا الزّيت والخلّ ممّا فيهما رائحة طيّبة بسبب ما يلقى فيهما من الأنوار كالورد والبنفسج فلا يجب عليه شيء إن تداوى بها . </p><p>قال ابن الهمام : وإن داوى قرحةً بدواء فيه طيب ، ثمّ خرجت قرحة أخرى فداواها مع الأولى ، فليس عليه إلاّ كفّارة واحدة ما لم تبرأ الأولى ، ولا فرق بين قصده وعدمه . </p><p>وعن أبي يوسف رحمه الله أنّه إذا خضّب ( أي المحرم ) رأسه بالوسمة لأجل المعالجة من الصّداع ، فعليه الجزاء باعتبار أنّه يغلّف رأسه ، قال ابن الهمام : هذا صحيح أي فينبغي أن لا يكون فيه خلاف ، لأنّ التّغطية موجبة بالاتّفاق ، غير أنّها للعلاج ، فلهذا ذكر الجزاء ولم يذكر الدّم . وعن أبي حنيفة : فيه صدقة ، لأنّه يليّن الشّعر ويقتل الهوامّ ، فإن استعمل زيتاً مطيّباً كالبنفسج والزّنبق وما أشبههما كدهن البان والورد ، فيجب باستعماله الدّم بالاتّفاق ، لأنّه طيب ، وهذا إذا استعمله على وجه التّطيّب ، ولو داوى به جرحه أو شقوق رجليه فلا كفّارة عليه ، لأنّه ليس بطيب في نفسه ، إنّما هو أصل الطّيب ، أو طيب من وجه ، فيشترط استعماله على وجه التّطيّب ، بخلاف ما إذا تداوى بالمسك وما أشبهه ، لأنّه طيب بنفسه ، فيجب الدّم باستعماله وإن كان على وجه التّداوي . </p><p>وفي حاشية الدّسوقيّ : أنّ الجسد وباطن الكفّ والرّجل يحرم دهن كلّ واحد منها كلاً أو بعضاً ، إن كان لغير علّة ، وإلاّ فلا حرمة . وأمّا الفدية فإن كان الدّهن مطيّباً افتدى مطلقاً كان الإدهان لعلّة أو لا . وإن كان غير مطيّب ، فإن كان لغير علّة افتدى أيضاً ، وإن كان لعلّة فقولان . وفي الكحل إذا كان فيه طيب حرم استعماله على المحرم رجلاً كان أو امرأةً إذا كان استعماله لغير ضرورة كالزّينة ، ولا حرمة إذا استعمله لضرورة حرّ ونحوه ، والفدية لازمة لمستعمله مطلقاً استعمله لضرورة أو لغيرها . </p><p>وإن كان الكحل لا طيب فيه فلا فدية مع الضّرورة ، وافتدى في غيرها . </p><p>وفي الإقناع للشّربينيّ الشّافعيّ : أنّ استعمال الطّيب حرام على المحرم سواء أكان ذكراً أم غيره ، ولو أخشم بما يقصد منه رائحته غالباً ولو مع غيره كالمسك والعود والكافور والورس والزّعفران ، وإن كان يطلب للصّبغ والتّداوي أيضاً ، سواء أكان ذلك في ملبوسه كثوبه أم في بدنه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « ولا تلبسوا من الثّياب ما مسّه وَرْس أو زعفران » سواء كان ذلك بأكل أم استعاط أم احتقان ، فيجب مع التّحريم في ذلك الفدية . </p><p>ولو استهلك الطّيب في المخالط له بأن لم يبق ريح ولا طعم ولا لون ، كأن استعمل في دواء ، جاز استعماله وأكله ولا فدية . وما يقصد به الأكل أو التّداوي لا يحرم ولا فدية فيه وإن كان له ريح طيّبة ، كالتّفّاح والسّنبل وسائر الأبازير الطّيّبة كالمصطكى ، لأنّ ما يقصد منه الأكل أو التّداوي لا فدية فيه . وفي المغني لابن قدامة حرمة التّداوي بما له ريح طيّبة للمحرم . أمّا ما لا طيب فيه كالزّيت والشّيرج والسّمن والشّحم ودهن البان فنقل الأثرم عن أحمد أنّه سئل عن المحرم يدهن بالزّيت والشّيرج فقال : نعم يدهن به إذا احتاج إليه ، ويتداوى المحرم بما يأكل . وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه صدع وهو محرم فقالوا : ألا ندهنك بالسّمن ؟ فقال : لا . قالوا : أليس تأكله ؟ قال : ليس أكله كالإدهان به . وعن مجاهد قال : إن تداوى به فعليه الكفّارة .</p><p>أثر التّداوي في الضّمان :</p><p>12 - ذهب الحنابلة إلى أنّ المجنيّ عليه إذا لم يداو جرحه ومات كان على الجاني الضّمان ، لأنّ التّداوي ليس بواجب ولا مستحبّ ، فتركه ليس بقاتل . </p><p>وفرّق الشّافعيّة بين علاج الجرح المهلك وغيره ، فإن ترك المجنيّ عليه علاج الجرح المهلك ومات ، فعلى الجاني الضّمان ، لأنّ البرء لا يوثق به وإن عالج ، وأمّا إذا كان الجرح غير مهلك فلا ضمان على الجاني .</p><p>التّداوي بالرّقى والتّمائم :</p><p>13 - أجمع الفقهاء على جواز التّداوي بالرّقى عند اجتماع ثلاثة شروط : أن يكون بكلام اللّه تعالى أو بأسمائه وصفاته ، وباللّسان العربيّ أو بما يعرف معناه من غيره ، وأن يعتقد أنّ الرّقية لا تؤثّر بذاتها بل بإذن اللّه تعالى . فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : « كنّا نرقي في الجاهليّة فقلنا : يا رسول اللّه كيف ترى في ذلك ؟ فقال : اعرضوا عليّ رقاكم ، لا بأس بالرّقى ما لم يكن فيه شرك » وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدّي إلى الشّرك فيمنع احتياطاً . وقال قوم : لا تجوز الرّقية إلاّ من العين واللّدغة لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه « لا رقية إلاّ من عين أو حمّة » وأجيب بأنّ معنى الحصر فيه أنّهما أصل كلّ ما يحتاج إلى الرّقية ، وقيل : المراد بالحصر معنى الأفضل ، أو لا رقية أنفع ، كما قيل لا سيف إلاّ ذو الفقار . وقال قوم : المنهيّ عنه من الرّقى ما يكون قبل وقوع البلاء ، والمأذون فيه ما كان بعد وقوعه ، ذكره ابن عبد البرّ والبيهقيّ وغيرهما ، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً « إنّ الرّقى والتّمائم والتّولة شرك » </p><p>وأجيب بأنّه إنّما كان ذلك من الشّرك لأنّهم أرادوا دفع المضارّ وجلب المنافع من عند غير اللّه ، ولا يدخل في ذلك ما كان بأسماء اللّه وكلامه ، وقد ثبت في الأحاديث استعمال ذلك قبل وقوعه كحديث عائشة رضي الله عنها « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفّيه ب قل هو اللّه أحد وبالمعوّذتين ثمّ يمسح بهما وجهه » . وحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ الحسن والحسين بكلمات اللّه التّامّة ، من كلّ شيطان وهامّة » . قال الرّبيع : سألت الشّافعيّ عن الرّقية فقال : لا بأس أن يرقي بكتاب اللّه وما يعرف من ذكر اللّه . قلت : أيرقي أهل الكتاب المسلمين ؟ قال : نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب اللّه وبذكر اللّه ، وقال ابن التّين : الرّقية بالمعوّذات وغيرها من أسماء اللّه هو الطّبّ الرّوحانيّ ، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشّفاء بإذن اللّه تعالى ، فلمّا عزّ هذا النّوع فزع النّاس إلى الطّبّ الجسمانيّ .</p><p></p><p>تدبير *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - دبّر الرّجل عبده تدبيراً : إذا أعتقه بعد موته ، والتّدبير في الأمر : النّظر إلى ما تئول إليه عاقبة الأمر ، والتّدبير أيضاً : عتق العبد عن دبر وهو ما بعد الموت . </p><p>ولا يخرج المعنى الشّرعيّ عن هذا المعنى الأخير . </p><p> حكمه التّكليفيّ :</p><p>2 - التّدبير نوع من العتق ، والعتق مطلوب شرعاً ، وهو من أعظم القرب ، ويكون كفّارةً للجنايات ، إمّا وجوباً أي في قتل الخطأ ، والحنث في اليمين ونحو ذلك ، أو ندباً أي في قتل العمد عند المالكيّة ، وسائر الذّنوب ، لأنّ العتق من أكبر الحسنات ، وقد قال اللّه تعالى : </p><p>{ إنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السّيّئاتِ } . ويعتق المدبّر بعد الموت من ثلث المال في قول أكثر أهل العلم ، ويعتق من جميع مال الميّت في قول بعض العلماء كابن مسعود وغيره .</p><p>حكمة مشروعيّته :</p><p>3 - يؤدّي التّدبير إلى حرّيّة المدبّر بعد موت من دبّره ، والشّارع يحرص على تحرير الرّقاب ، والتّدبير طريقة ميسّرة لذلك ، لأنّه تدوم معه منفعة الرّقيق مدّة حياته ، ثمّ يكون قربةً له بعد وفاته .</p><p> صيغته :</p><p>4 - يثبت التّدبير بكلّ لفظ يفيد إثبات العتق للمملوك بعد موت سيّده ، كأن يقول ، معلّقاً : إذا متّ فأنت حرّ ، أو يقول مضيفاً لمستقبل : أنت حرّ بعد موتي . </p><p>ولا تفيد الصّيغة حكمها إلاّ إذا صدرت ممّن له أهليّة التّبرّع على سبيل الوصيّة .</p><p>آثاره :</p><p>5 - الفقهاء مختلفون في الآثار الّتي تترتّب على التّدبير . فذهب الحنفيّة والمالكيّة ، وهو ظاهر كلام الخرقيّ ، وأومأ إليه أحمد إلى : أنّه لا يباع ، ولا يوهب ، ولا يرهن ، ولا يخرج من الملك إلاّ بالإعتاق والكتابة ، ويستخدم ويستأجر ، ومولاه أحقّ بكسبه وأرشه . </p><p>وذهب الشّافعيّة ، وهو إحدى الرّوايات عن الإمام أحمد : أنّه يباع مطلقاً في الدّين وغيره ، وعند حاجة السّيّد إلى بيعه وعدمها . لحديث : « أنّ رجلاً أعتق مملوكاً له عن دبر ، فاحتاج ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : من يشتريه منّي . فباعه من نعيم بن عبد اللّه بثمانمائة درهم ، فدفعها إليه وقال : أنت أحوج منه » متّفق عليه . </p><p>وفسّر الشّافعيّة الحاجة هنا بالدّين ، ولكنّه ليس قيداً احترازيّاً ، بل هو اتّفاقيّ لما ورد أنّ عائشة رضي الله عنها باعت مدبّرةً لها ولم ينكر عليها أحد من الصّحابة .</p><p>من مبطلاته :</p><p>6 - من مبطلات التّدبير : قتل المدبّر سيّده ، واستغراق تركة السّيّد بالدّين . </p><p>وهناك تفصيلات كثيرة وأحكام في المذاهب مختلفة لا حاجة لإيرادها لعدم وجود الرّقّ الآن . </p><p></p><p>تدخين *</p><p>انظر : تبغ .</p><p></p><p>تدريس *</p><p>انظر : تعليم .</p><p></p><p>تدليس *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - التّدليس : مصدر دلّس ، يقال : دلّس في البيع وفي كلّ شيء : إذا لم يبيّن عيبه . والتّدليس في البيع : كتمان عيب السّلعة عن المشتري . قال الأزهريّ : ومن هذا أخذ التّدليس في الإسناد . وهو في اصطلاح الفقهاء لا يخرج عن المعنى اللّغويّ ، وهو كتمان العيب . قال صاحب المغرب : كتمان عيب السّلعة عن المشتري .</p><p>وعند المحدّثين هو قسمان: أحدهما : تدليس الإسناد . وهو : أن يروي عمّن لقيه ما لم يسمعه منه ، موهماً أنّه سمعه منه ،أو عمّن عاصره ولم يلقه موهماً أنّه لقيه أو سمعه منه. </p><p>والآخر : تدليس الشّيوخ . وهو أن يروي عن شيخ حديثاً سمعه منه فيسمّيه أو يكنّيه ، ويصفه بما لم يعرف به كيلا يعرف .</p><p> الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>أ - الخلابة :</p><p>2 - الخلابة هي : المخادعة . وقيل : هي الخديعة باللّسان . </p><p>والخلابة أعمّ من التّدليس ، لأنّها كما تكون بستر العيب ، قد تكون بالكذب وغيره .</p><p>ب - التّلبيس :</p><p>3 - التّلبيس من اللّبس ، وهو : اختلاط الأمر . يقال : لبّس عليه الأمر يلبّسه لبساً فالتبس . إذا خلطه عليه حتّى لا يعرف جهته ، والتّلبيس كالتّدليس والتّخليط ، شدّد للمبالغة . والتّلبيس بهذا المعنى أعمّ من التّدليس ، لأنّ التّدليس يكون بإخفاء العيب ، والتّلبيس يكون بإخفاء العيب ، كما يكون بإخفاء صفات أو وقائع أو غيرها ليست صحيحةً .</p><p>ج - التّغرير :</p><p>4 - وهو من الغرر ، يقال : غرّر بنفسه وماله تغريراً وتغرّةً : عرّضهما للهلكة من غير أن يعرف . ويقال : غرّه يغرّه غرّاً وغروراً وغرّةً : خدعه وأطمعه بالباطل . </p><p>والتّغرير في الاصطلاح : إيقاع الشّخص في الغرر ، والغرر : ما انطوت عنك عاقبته . </p><p>وعلى هذا يكون التّغرير أعمّ من التّدليس ، لأنّ الغرر قد يكون بإخفاء عيب ، وقد يكون بغير ذلك ممّا تجهل عاقبته .</p><p>د - الغِش :</p><p>5 - وهو اسم من الغشّ ، مصدر غشَّه : إذا لم يمحّضه النّصح ، وزيّن له غير المصلحة ، أو أظهر له خلاف ما أضمره . وهو أعمّ من التّدليس ، إذ التّدليس خاصّ بكتمان العيب . </p><p> الحكم التّكليفيّ :</p><p>6 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّدليس حرام بالنّصّ في أحاديث كثيرة . فقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « البيّعَان بالخيار ما لم يتفرّقا ، فإن صدقا وبيّنا بُورك لهما ، وإن كَذَبا وكَتَما مُحقت بركةُ بيعهما » وقال عليه أفضل الصّلاة والسّلام : « من باع عَيْباً لم يبيّنه لم يزل في مقتِ اللّه ، ولم تزل الملائكة تلعنْهُ » . وقال صلى الله عليه وسلم : « من غشّنا فليس منّا » ولهذا يؤدّب الحاكم المدلّس ، لحقّ اللّه ولحقّ العباد .</p><p>التّدليس في المعاملات :</p><p>7 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ كلّ تدليس يختلف الثّمن لأجله في المعاملات يثبت به الخيار : كتصرية الشّياه ونحوها قبل بيعها ليظنّ المشتري كثرة اللّبن ، وصبغ المبيع بلون مرغوب فيه ، على اختلاف بين الفقهاء في بعض الصّور . </p><p>واستدلّوا لثبوت الخيار بالتّصرية بحديث : « من اشترى شاةً مصرّاةً فهو بخير النّظرين : إن شاء أمسكها ، وإن شاء ردّها وصاعاً من تمر » . </p><p>وقيس عليها غيرها ، وهو كلّ فعل من البائع بالمبيع يظنّ المشتري به كمالاً فلا يوجد ، لأنّ الخيار غير منوط بالتّصرية لذاتها ، بل لما فيها من التّلبيس والإيهام .</p><p>شرط الرّدّ بالتّدليس :</p><p>8 - لا يثبت الخيار بمجرّد التّدليس ، بل يشترط ألاّ يعلم المدلّس عليه بالعيب قبل العقد ، فإن علم فلا خيار له لرضاه به ، كما يشترط ألاّ يكون العيب ظاهراً ، أو ممّا يسهل معرفته . ويثبت خيار التّدليس في كلّ معاوضة ، كما في البيع والإجارة ، وبدل الصّلح عن إقرار ، وبدل الصّلح عن دم العمد .</p><p>التّدليس القوليّ :</p><p>9 - التّدليس القوليّ كالتّدليس الفعليّ في العقود ، كالكذب في السّعر في بيوع الأمانات ( وهي المرابحة والتّولية والحطيطة ) فيثبت فيها خيار التّدليس .</p><p>التّدليس في عقد النّكاح :</p><p>10 - ذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّه إذا دلّس أحد الزّوجين على الآخر ، بأن كتم عيباً فيه ، يثبت به الخيار ، لم يعلمه المدلّس عليه وقت العقد ، ولا قبله . أو شرط أحدهما في صلب العقد وصفاً من صفات الكمال كإسلام ، وبكارة ، وشباب ، فتخلّف الشّرط : يثبت للمدلَّس عليه والمغرور بخلف المشروط خيار فسخ النّكاح . وقال : أبو حنيفة وأبو يوسف : ليس لواحد من الزّوجين خيار الفسخ لعيب ، فالنّكاح عندهم لا يقبل الفسخ . وقالوا : إنّ فوتَ الاستيفاءِ أصلاً بالموت لا يوجب الفسخ ، فاختلاله بهذه العيوب أولى بألاّ يوجب الفسخ ، ولأنّ الاستيفاء من ثمرات العقد ، والمستحقّ هو التّمكّن ، وهو حاصل . وقال محمّد بن الحسن : لا خيار للزّوج بعيب في المرأة ، ولها هي الخيار بعيب في الزّوج من العيوب الثّلاثة : الجنون ، والجذام ، والبرص فللمرأة الخيار في طلب التّفريق أو البقاء معه ، لأنّه تعذّر عليها الوصول إلى حقّها بمعنًى فيه ، فكان ذلك بمنزلة ما لو وجدته مجبوباً ، أو عنّيناً بخلاف الرّجل ، لأنّه يتمكّن من دفع الضّرر عن نفسه بالطّلاق. والكلام عن العيوب المثبتة للخيار في النّكاح موطنه باب النّكاح .</p><p>سقوط المهر بالفسخ :</p><p>11 - لا خلاف بين من يقول بالفسخ بالعيوب من الفقهاء في أنّ الفسخ قبل الدّخول ، أو الخلوة الصّحيحة يسقط المهر . </p><p>وقالوا : إن كان العيب بالزّوج فهي الفاسخة - أي طالبة الفسخ - فلا شيء لها ، وإن كان العيب بها فسبب الفسخ معنًى وجد فيها ، فكأنّها هي الفاسخة ، لأنّها غارّة ومدلّسة . </p><p>وإن كان الفسخ بعد الدّخول ، بأن لم يعلم إلاّ بعده فلها المهر ، لأنّ المهر يجب بالعقد ، ويستقرّ بالدّخول ، فلا يسقط بحادث بعده .</p><p>رجوع المغرور على من غرّه :</p><p>12 - إن فسخ الزّوج النّكاح بعيب في المرأة بعد الدّخول ، يرجع بالمهر على من غرّه من زوجة أو وكيل أو وليّ ، وإلى هذا ذهب المالكيّة ، والحنابلة ، وقاله الشّافعيّ في القديم للتّدليس عليه بإخفاء العيب المقارن ، وقال الشّافعيّ في الجديد : إنّه لا يرجع بالمهر على من غرّه ، لاستيفائه منفعة البضع المتقوّم عليه بالعقد . أمّا العيب الحادث بعد العقد فلا يرجع جزماً . أمّا هل خيار العيب على التّراخي ؟ وهل يحتاج إلى حكم حاكم ؟ وحكم ولد المغرور ، والتّفصيل في ذلك فيرجع فيه إلى مصطلح : ( تغرير ) ( وفسخ ) .</p><p>المغرور بخلف الشّرط :</p><p>13 - لو شرط أحد الزّوجين في صلب العقد صفةً من صفات الكمال ، ممّا لا يمنع عدمه صحّة النّكاح كبكارة وشباب وإسلام ، أو نفي عيب لا يثبت به الخيار كألاّ تكون عوراء أو خرساء ، أو شرط ما ليس من صفات الكمال ولا النّقص كطول وبياض وسمرة ، فتخلّف الشّرط ، صحّ النّكاح ، وثبت للمغرور خيار الفسخ . عند الجمهور على خلاف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح : ( تغرير ، وشرط ) . وقال الحنفيّة : لا يثبت الخيار بخلف الشّرط . </p><p>وجاء في فتح القدير : فلو شرط وصفاً مرغوباً فيه كالعذرة ( البكارة ) والجمال ، والرّشاقة ، وصغر السّنّ : فظهرت ثيّباً عجوزاً شوهاء ، ذات شقّ مائل ، ولعاب سائل ، وأنف هائل ، وعقل زائل ، فلا خيار له عند أبي حنيفة وأبي يوسف .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41249, member: 329"] ثانياً : بالنّسبة للصّوم : 30 - إذا استوعب الجنون شهر رمضان بأكمله فلا قضاء على المجنون سواء ، أكان الجنون أصليّاً أم عارضاً عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، لحديث : « رفع القلم عن ثلاث ... » وإذا استوعب الإغماء الشّهر كلّه وجب القضاء على المغمى عليه إلاّ عند الحسن البصريّ ، ودليل وجوب القضاء قوله تعالى : { فمنْ كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فَعِدَّةٌ من أيَّامٍ أُخَر } والإغماء مرض . وعند المالكيّة : يجب القضاء على المجنون بعد إفاقته للآية السّابقة ، والجنون مرض ، وعن الإمام أحمد مثل ذلك بالنّسبة للمجنون . وإن أفاق المجنون في أيّ يوم من أيّام الشّهر كان عليه قضاء ما مضى من الشّهر استحساناً عند الحنفيّة ، والقياس أنّه لا يلزمه ، وهو قول زفر . وفرّق محمّد فقال : لا قضاء لما فات في الجنون الأصليّ ، ويجب القضاء إذا كان الجنون عارضاً . وعند الشّافعيّة والحنابلة لا قضاء لما فات زمن الجنون للحديث المتقدّم - ويجب القضاء عند المالكيّة . ويجب القضاء على المغمى عليه لما فات عند الجميع . 31 - أمّا اليوم الّذي جنّ أو أغمي عليه فيه ، فإنّه يعتبر مدركاً لصيام هذا اليوم إن كان نوى الصّيام من اللّيل ، ولا قضاء عليه ، وهذا عند الحنفيّة . وعند المالكيّة : إن جنّ أو أغمي عليه بعد الفجر ، واستمرّ الجنون أو الإغماء أكثر اليوم فعليه القضاء ، وإن كان بعد الفجر ولم يستمرّ نصف يوم فأقلّ أجزأه ، ولا قضاء عليه . وإن كان الإغماء أو الجنون مع الفجر أو قبله فالقضاء مطلقاً ، لزوال العقل وقت النّيّة . وعند الشّافعيّة في الأظهر ، وهو قول الحنابلة : أنّ الإغماء لا يضرّ صومه إذا أفاق لحظةً من نهار ، أيّ لحظة كانت ، اكتفاءً بالنّيّة مع الإفاقة في جزء . والثّاني للشّافعيّة : يضرّ مطلقاً ، والثّالث : لا يضرّ إذا أفاق أوّل النّهار . وإن نوى الصّوم ثمّ جنّ ففيه قولان : في الجديد يبطل الصّوم ، لأنّه عارض يسقط فرض الصّلاة فأبطل الصّوم ، وقال في القديم : هو كالإغماء . وعند الحنابلة : الجنون كالإغماء يجزئ صومه إذا كان مفيقاً في أيّ لحظة منه مع تبييت النّيّة . 32 - أمّا اليوم الّذي تحدث فيه الإفاقة من الجنون أو الإغماء ، فعند الحنفيّة : أن المجنون جنوناً عارضاً لو أفاق في النّهار قبل الزّوال ، فنوى الصّوم أجزأه . وفي الجنون الأصليّ خلاف ، ويجزئ في الإغماء بلا خلاف . وعند المالكيّة : إن أفاق قبل الفجر أجزأ ذلك اليوم عن الصّيام بالنّسبة للمجنون والمغمى عليه ، وإن كانت الإفاقة بعد الفجر فهو على التّفصيل السّابق . وعند الشّافعيّة : إن أفاق المجنون في النّهار فعلى الأصحّ لا قضاء عليه ، ويستحبّ له الإمساك ، وهذا في وجه . وفي الوجه الثّاني : يجب القضاء ، أمّا المغمى عليه فإذا أفاق أجزأه . وعند الحنابلة في قضاء اليوم الّذي أفاق فيه المجنون وإمساكه روايتان ، أمّا المغمى عليه فيصحّ صومه إن أفاق في جزء من النّهار . ثالثاً : بالنّسبة للحجّ : 33 - من أحرم بالحجّ ، وطرأ عليه جنون أو إغماء ثمّ أفاق منه قبل الوقوف بعرفة ، ووقف ، أجزأه الحجّ باتّفاق . وكذلك من لم يحرم بالحجّ لجنون أو إغماء ، ولكنّه أفاق من قبل الوقوف ، وأحرم ووقف بعرفة أجزأه ، على تفصيل في وجوب الجزاء عليه . ومثل ذلك أيضاً المجنون الّذي أحرم عنه وليّه ، أو المغمى عليه - عند من يقول بجواز الإحرام عنه كالحنفيّة وبعض الشّافعيّة - إذا أفاقا قبل الوقوف ووقفا أجزأهما الحجّ ، ومن وقف بعرفة وهو مجنون أو مغمًى عليه بعد أن أحرم وهو مفيق ، أو أحرم وليّه عنه فعند المالكيّة وبعض الشّافعيّة : كان حجّهما صحيحاً ، مع الاختلاف بين وقوعه فرضاً أو نفلاً . وعند الحنفيّة كان حجّ المغمى عليه صحيحاً ، وفي المجنون خلاف . وينظر تفصيل جميع ما مرّ في العبادات في : ( صلاة ، صوم ، حجّ ، جنون ، إغماء ) . تدارك المريض العاجز عن الإيماء : 34 - من عجز عن الإيماء في الصّلاة برأسه لركوعه وسجوده أومأ بطرفه ( عينه ) ونوى بقلبه ، لحديث عليّ رضي الله عنه : « يصلّي المريض قائماً ، فإن لم يستطع صلّى جالساً ، فإن لم يستطع صلّى على جنبه مستقبل القبلة ، فإن لم يستطع صلّى مستلقياً على قفاه ، ورجلاه إلى القبلة ، وأومأ بطرفه » . وهذا متّفق عليه بين الفقهاء . فإن عجز عن الإيماء بطرفه أومأ بأصبعه ، فإن لم يستطع أتى بالصّلاة بقدر ما يطيق ولو بنيّة أفعالها ، ولا تسقط عنه أبداً ما دام معه شيء من عقل ، ويأتي بالصّلاة بأن يقصد الصّلاة بقلبه مستحضراً الأفعال والأقوال إن عجز عن النّطق ، لقوله تعالى : { لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسَاً إلاّ وسْعَها } . وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وزفر من الحنفيّة . وعند الحنفيّة غير زفر : الإيماء يكون بالرّأس فقط ولا يكون بعينيه أو جبينه أو قلبه ، لأنّ فرض السّجود لا يتأتّى بهذه الأشياء ، بخلاف الرّأس لأنّه يتأدّى به فرض السّجود ، فمن عجز عن الإيماء برأسه أخّر الصّلاة ، وإن مات على ذلك الحال لا شيء عليه ، وإن برأ فالصّحيح أنّه يلزمه قضاء يوم وليلة لا غير نفياً للحرج . تدارك النّاسي والسّاهي : 35 - النّسيان أو السّهو إن وقع في ترك مأمور لم يسقط ، بل يجب تداركه . فمن نسي صلاةً أو صوماً أو زكاةً أو كفّارةً أو نذراً وجب عليه الأداء إن أمكن ، أو أن يتداركه بالقضاء بلا خلاف ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « مَنْ نسي صلاةً أو نام عنها ، فكفّارتُها أن يصلّيها إذا ذَكَرَها » . وتكون الصّلاة أداءً إذا أدّى منها ركعةً في الوقت ، أو التّحريمة على الخلاف في ذلك . وإذا فات الوقت تداركها بالقضاء . وينظر تفصيل ذلك في : ( صلاة ، صوم ، زكاة ) . تدارك من أفسد عبادةً شرع فيها من صلاةٍ أو صومٍ أو حجٍ : 36 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ من أفسد عبادة مفروضة وجب عليه أداؤها إن كان وقتها يسعها كالصّلاة ، أو القضاء إن خرج الوقت أو كان لا يسعها كالصّلاة إن خرج الوقت ، وكالصِّيام والحجّ لعدم اتساع الوقت . أما التطوع بالعبادة فإنها تلزم بالشّروع فيه عند الحنفية والمالكية ، ويجب إتمامها ، وعند الشافعية والحنابلة : لا تجب بالشّروع ، ويستحب الإتمام فيما عدا الحجّ والعمرة فيلزمان بالشّروع ، ويجب إتمامهما ، وعلى ذلك فمن دخل في عبادة تطوّع وأفسدها وجب عليه قضاؤها عند الحنفية والمالكية لقوله تعالى : { ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم } . ولا يجب القضاء عند الشافعية والحنابلة في غير الحجّ والعمرة لما روت « عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هل عندك شيء ؟ فقلت : لا ، فقال : إنّي إذاً أصوم ، ثم دخل عليَّ يوماً آخر فقال : هل عندك شيء ؟ فقلت : نعم ، فقال : إذاً أفطر ، وإن كنت قد فرضت الصوم » . أما الحجّ والعمرة فيجب قضاؤهما إذا أفسدهما ، لأن الوصول إليهما لا يحصل في الغالب إلا بعد كلفة عظيمة ، ولهذا يجبان بالشّروع . تدارك المرتدّ لما فاته : 37 - ما فات المرتدّ من العبادات أيّام الرّدّة لا يجب عليه قضاؤه ، إذا تاب ورجع إلى الإسلام ، لأنّه غير مخاطب بفروع الشّريعة ، ولقوله تعالى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهم ما قَد سَلَف } ، ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « الإسلامُ يَجُبُّ ما قَبْلَه » . وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وعند الشّافعيّة يجب عليه قضاء ما فاته أيّام ردّته من عبادات ، لأنّ المرتدّ كان مقرّاً بإسلامه ولأنّه لا يستحقّ التّخفيف . 38 - وما فاته أيّام إسلامه من عبادات قبل ردّته وحال إسلامه ، يجب عليه قضاؤه بعد توبته من الرّدّة ، لاستقرار هذه العبادات عليه حال إسلامه ، وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . وعند المالكيّة : لا يطالب بما فاته قبل ردّته ، فالرّدّة تسقط ما كان عليه من صلاة وصيام إلاّ الحجّ الّذي تقدّم منه ، فإنّه لا يبطل ، ويجب عليه إعادته إذا أسلم ، لبقاء وقته وهو العمر . 39 - وإذا رجع المرتدّ إلى الإسلام وأدرك وقت صلاة ، أو أدرك جزءاً من رمضان وجب عليه أداؤه . تداوي * التّعريف : 1 - التّداوي لغةً : مصدر تداوى أي : تعاطى الدّواء ، وأصله دوي يدوي دوى أي مرض ، وأدوى فلاناً يدويه بمعنى : أمرضه ، وبمعنى : عالجه أيضاً ، فهي من الأضداد ، ويداوي : أي يعالج ، ويداوي بالشّيء أي : يعالج به ، وتداوى بالشّيء : تعالج به ، والدِّواء والدَّواء والدُّواء : ما داويته به . ولا يخرج استعمال الفقهاء له عن هذا المعنى ، كما تدلّ على ذلك عباراتهم . الألفاظ ذات الصّلة : أ - التّطبيب : 2 - التّطبيب لغةً : المداواة والعلاج ، يقال : طبّ فلان فلاناً أي : داواه ، وجاء يستطبّ لوجعه : أي يستوصف الأدوية أيّها يصلح لدائه . والطّبّ : علاج الجسم والنّفس ، فالتّطبيب مرادف للمداواة . ب - التّمريض : 3 - التّمريض مصدر مرّض ، وهو التّكفّل بالمداواة . يقال : مرّضه تمريضاً : إذا قام عليه ووليه في مرضه وداواه ليزول مرضه ،وقال بعضهم : التّمريض حسن القيام على المريض. ج - الإسعاف : 4 - الإسعاف في اللّغة : الإعانة والمعالجة بالمداواة ، ويكون الإسعاف في حال المرض وغيره ، فهو أعمّ من التّداوي ، لأنّه لا يكون إلاّ في حال المرض . حكمه التّكليفيّ : 5 - التّداوي مشروع من حيث الجملة ، لما روى أبو الدّرداء رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه أنزل الدّاءَ والدّواءَ ، وجعل لكلّ داءٍ دواءً ، فتداووا ، ولا تتداووا بالحرام » ، ولحديث أسامة بن شريك رضي الله عنه قال : « قالت الأعراب يا رسول اللّه ألا نتداوى ؟ قال : نعم عباد اللّه تداووا ، فإنّ اللّه لم يضع داءً إلاّ وضع له شفاءً إلاّ داءً واحداً . قالوا : يا رسول اللّه وما هو ؟ قال : الهرم » . وعن جابر رضي الله عنه قال : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن الرّقى ، فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا : يا رسول اللّه إنّه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب : فإنّك نهيت عن الرّقى فعرضوها عليه ، فقال : ما أرى بها بأساً ، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلْيفعل » . وقال صلى الله عليه وسلم : « لا بأس بالرّقى ما لم يكن فيه شرك » ولما ثبت من فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه تداوى ، فقد روى الإمام أحمد في مسنده أنّ « عروة كان يقول لعائشة : يا أمَّتاه ، لا أعجب من فقهك ، أقول : زوجة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر ، ولا أعجب من علمك بالشّعر وأيّام النّاس ، أقول : ابنة أبي بكر ، وكان أعلم النّاس أو من أعلم النّاس ، ولكن أعجب من علمك بالطّبّ ، كيف هو ؟ ومن أين هو ؟ قال : فضربت على منكبيه ، وقالت : أيْ عريّة ؟ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره ، وكانت تقدم عليه وفود العرب من كلّ وجه ، فكانت تنعت له الأنعات ، وكنت أعالجها له ، فمن ثَمَّ عَلِمْتُ » . وفي رواية : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه ، فكان يقدم عليه أطبّاء العرب والعجم ، فيصفون له فنعالجه » . وقال الرّبيع : سمعت الشّافعيّ يقول :" العلم علمان : علم الأديان وعلم الأبدان ". 6- وقد ذهب جمهور العلماء - الحنفيّة والمالكيّة - إلى أنّ التّداوي مباح ، غير أنّ عبارة المالكيّة : لا بأس بالتّداوي . وذهب الشّافعيّة ، والقاضي وابن عقيل وابن الجوزيّ من الحنابلة إلى استحبابه ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه أنزل الدّاء والدّواء ، وجعل لكلّ داء دواءً فتداووا ، ولا تتداووا بالحرام » . وغير ذلك من الأحاديث الواردة ، والّتي فيها الأمر بالتّداوي . قالوا : واحتجام النّبيّ صلى الله عليه وسلم وتداويه دليل على مشروعيّة التّداوي . ومحلّ الاستحباب عند الشّافعيّة عند عدم القطع بإفادته . أمّا لو قطع بإفادته كعصب محلّ الفصد فإنّه واجب . ومذهب جمهور الحنابلة : أنّ تركه أفضل ، ونصّ عليه أحمد ، قالوا : لأنّه أقرب إلى التّوكّل . قال ابن القيّم : في الأحاديث الصّحيحة الأمر بالتّداوي ، وأنّه لا ينافي التّوكّل ، كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحرّ والبرد بأضدادها ، بل لا تتمّ حقيقة التّوحيد إلاّ بمباشرة الأسباب الّتي نصبها اللّه مقتضيات لمسبّباتها قدراً وشرعاً ، وأنّ تعطيلها يقدح في نفس التّوكّل ، كما يقدح في الأمر والحكمة ، ويضعفه من حيث يظنّ معطّلها أنّ تركها أقوى في التّوكّل ، فإنّ تركها عجز ينافي التّوكّل الّذي حقيقته اعتماد القلب على اللّه في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفع ما يضرّه في دينه ودنياه ، ولا بدّ مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب ، وإلاّ كان معطّلاً للحكمة والشّرع ، فلا يجعل العبد عجزه توكّلاً ، ولا توكّله عجزاً . أنواع التّداوي : 7 - التّداوي قد يكون بالفعل أو بالتّرك ، فالتّداوي بالفعل : يكون بتناول الأغذية الملائمة لحال المريض ، وتعاطي الأدوية والعقاقير ، ويكون بالفصد والكيّ والحجامة وغيرها من العمليّات الجراحيّة . فعن ابن عبّاس رضي الله عنهما مرفوعاً « الشّفاء في ثلاثة : في شَرْطَةِ مِحْجَم ، أو شَرْبةِ عسل ، أو كَيَّةٍ بنار ، وأنهى أُمّتي عن الكيّ » وفي رواية « وما أحبّ أن أكتوي » . وعن ابن عبّاس مرفوعاً « خير ما تداويتم به السّعوط ، واللّدود ، والحجامة ، والمشي » وإنّما كره الرّسول صلى الله عليه وسلم الكيّ لما فيه من الألم الشّديد والخطر العظيم ، ولهذا كانت العرب تقول في أمثالها " آخر الدّواء الكيّ " وقد « كوى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وغيره » ، واكتوى غير واحد من الصّحابة ، فدلّ على أنّ المراد بالنّهي ليس المنع ، وإنّما المراد منه التّنفير عن الكيّ إذا قام غيره مقامه . قال ابن حجر في الفتح : ولم يرد النّبيّ صلى الله عليه وسلم الحصر في الثّلاثة ، فإنّ الشّفاء قد يكون في غيرها ، وإنّما نبّه بها على أصول العلاج . وأمّا التّداوي بالتّرك : فيكون بالحمية ، وذلك بالامتناع عن كلّ ما يزيد المرض أو يجلبه إليه ، سواء كان بالامتناع عن أطعمة وأشربة معيّنة ، أو الامتناع عن الدّواء نفسه إذا كان يزيد من حدّة المرض . « لقوله صلى الله عليه وسلم لعليّ رضي الله عنه حين أراد أن يأكل من الدّوالي إنّك ناقه » . التّداوي بالنّجس والمحرّم : 8 - اتّفق الفقهاء على عدم جواز التّداوي بالمحرّم والنّجس من حيث الجملة ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم » ولقوله صلى الله عليه وسلم :« إنّ اللّه أنزل الدّاء والدّواء ، وجعل لكلّ داء دواءً ، فتداووا ، ولا تتداووا بالحرام» وعن عمر رضي الله عنه أنّه كتب إلى خالد بن الوليد " إنّه بلغني أنّك تدلّك بالخمر ، وإنّ اللّه قد حرّم ظاهر الخمر وباطنها ، وقد حرّم مسّ الخمر كما حرّم شربها ، فلا تمسّوها أجسادكم ، فإنّها نجس " . وقد عمّم المالكيّة هذا الحكم في كلّ نجس ومحرّم ، سواء أكان خمراً ، أم ميتةً ، أم أيّ شيء حرّمه اللّه تعالى ، وسواء كان التّداوي به عن طريق الشّرب أو طلاء الجسد به ، وسواء كان صرفاً أو مخلوطاً مع دواء جائز ، واستثنوا من ذلك حالةً واحدةً أجازوا التّداوي بهما ، وهي أن يكون التّداوي بالطّلاء ، ويخاف بتركه الموت ، سواء كان الطّلاء نجساً أو محرّماً ، صرفاً أو مختلطاً بدواء جائز . وأضاف الحنابلة إلى المحرّم والنّجس كلّ مستخبث ، كبول مأكول اللّحم أو غيره ، إلاّ أبوال الإبل فيجوز التّداوي بها ، وذكر غير واحد من الحنابلة أنّ الدّواء المسموم إن غلبت منه السّلامة ، ورجي نفعه ، أبيح شربه لدفع ما هو أعظم منه ، كغيره من الأدوية ، كما أنّه يجوز عندهم التّداوي بالمحرّم والنّجس ، بغير أكل وشرب . وذهب الحنابلة أيضاً إلى حرمة التّداوي بصوت ملهاة ، كسماع الغناء المحرّم ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : « ولا تتداووا بالحرام » . وشرط الحنفيّة لجواز التّداوي بالنّجس والمحرّم أن يعلم أنّ فيه شفاءً ، ولا يجد دواءً غيره ، قالوا : وما قيل إنّ الاستشفاء بالحرام حرام غير مجرى على إطلاقه ، وإنّ الاستشفاء بالحرام إنّما لا يجوز إذا لم يعلم أنّ فيه شفاءً ، أمّا إذا علم ، وليس له دواء غيره ، فيجوز . ومعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه " لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم يحتمل أن يكون قاله في داء عرف له دواء غير المحرّم ، لأنّه حينئذ يستغني بالحلال عن الحرام ، ويجوز أن يقال تنكشف الحرمة عند الحاجة ، فلا يكون الشّفاء بالحرام ، وإنّما يكون بالحلال . وقصر الشّافعيّة الحكم على النّجس والمحرّم الصّرف ، فلا يجوز التّداوي بهما ، أمّا إذا كانا مستهلكين مع دواء آخر ، فيجوز التّداوي بهما بشرطين : أن يكون عارفاً بالطّبّ ، حتّى ولو كان فاسقاً في نفسه ، أو إخبار طبيب مسلم عدل ،وأن يتعيّن هذا الدّواء فلا يغني عنه طاهر. وإذا كان التّداوي بالنّجس والمحرّم لتعجيل الشّفاء به ، فقد ذهب الشّافعيّة إلى جوازه بالشّروط المذكورة عندهم ، وللحنفيّة فيه قولان . التّداوي بلبس الحرير والذّهب : 9 - اتّفق الفقهاء على جواز لبس الحرير للرّجال لحكّة ، لما روى أنس رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم : رخّص لعبد الرّحمن بن عوف والزّبير في القميص الحرير في السّفر من حكّة كانت بهما » . وروى أنس أيضاً : « أنّ عبد الرّحمن بن عوف والزّبير شكيا إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم القمل فأرخص لهما في الحرير ، فرأيته عليهما في غزاة » وجاز للمريض قياساً على الحكّة والقمل . والمشهور عند المالكيّة الحرمة مطلقاً . ونصّ الحنابلة على جواز لبسه في الثّلاث المذكورة ، ولو لم يؤثّر لبسه في زوالها ، ولكن لا بدّ أن يكون نافعاً في لبسه . وأجاز الحنفيّة عصب الجراحة بالحرير مع الكراهة . 10 - كما اتّفق الفقهاء على جواز اتّخاذ الأنف من الذّهب ، وزاد المالكيّة والحنابلة ومحمّد بن الحسن من الحنفيّة : السّنّ ، وزاد الشّافعيّة : الأنملة . كما نصّ المالكيّة والحنابلة : على جواز ربط السّنّ أو الأسنان بالذّهب . والأصل في ذلك أنّ « عرفجة بن أسعد رضي الله عنه قطع أنفه يوم الكلاب ، فاتّخذ أنفاً من ورق ، فأنتن عليه ، فأمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم فاتّخذ أنفاً من ذهب » . ولما روى الأثرم عن موسى بن طلحة ، وأبي جمرة الضّبعيّ ، وأبي رافع بن ثابت البنانيّ وإسماعيل بن زيد بن ثابت ، والمغيرة بن عبد اللّه ، أنّهم شدّوا أسنانهم بالذّهب . والسّنّ مقيس على الأنف ، وزاد الشّافعيّة في القياس الأنملة دون الأصبع واليد ، قالوا : والفرق بين الأنملة والأصبع أو اليد أنّها تعمل بخلافهما ، وعندهم وجه أنّه يجوز ، وإنّما قصر الحنفيّة الجواز على الأنف فقط لضرورة نتن الفضّة ، لأنّ المحرّم لا يباح إلاّ لضرورة . قالوا : وقد اندفعت في السّنّ بالفضّة ، فلا حاجة إلى الأعلى ، وهو الذّهب . تداوي المُحْرِم : 11 - الأصل أنّ المحرم ممنوع من الطّيب ، « لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في المحرم الّذي وقصته راحلته فمات : لا تمسّوه طيباً » وفي رواية « لا تحنّطوه » فلمّا منع الميّت من الطّيب لإحرامه فالحيّ أولى ، ومتى تطيّب المحرم فعليه الفدية ، لأنّه استعمل ما حظر عليه بالإحرام ، فوجبت عليه الفدية كاللّباس . ولم يستثن الفقهاء من هذا الأصل ما لو تداوى المحرم بالطّيب ، أو بما له رائحة طيّبة ، وأوجبوا عليه الفدية ، غير أنّ الحنفيّة خصّوا الحكم بالطّيب بنفسه كالمسك والعنبر والكافور ونحوها ، وأمّا الزّيت والخلّ ممّا فيهما رائحة طيّبة بسبب ما يلقى فيهما من الأنوار كالورد والبنفسج فلا يجب عليه شيء إن تداوى بها . قال ابن الهمام : وإن داوى قرحةً بدواء فيه طيب ، ثمّ خرجت قرحة أخرى فداواها مع الأولى ، فليس عليه إلاّ كفّارة واحدة ما لم تبرأ الأولى ، ولا فرق بين قصده وعدمه . وعن أبي يوسف رحمه الله أنّه إذا خضّب ( أي المحرم ) رأسه بالوسمة لأجل المعالجة من الصّداع ، فعليه الجزاء باعتبار أنّه يغلّف رأسه ، قال ابن الهمام : هذا صحيح أي فينبغي أن لا يكون فيه خلاف ، لأنّ التّغطية موجبة بالاتّفاق ، غير أنّها للعلاج ، فلهذا ذكر الجزاء ولم يذكر الدّم . وعن أبي حنيفة : فيه صدقة ، لأنّه يليّن الشّعر ويقتل الهوامّ ، فإن استعمل زيتاً مطيّباً كالبنفسج والزّنبق وما أشبههما كدهن البان والورد ، فيجب باستعماله الدّم بالاتّفاق ، لأنّه طيب ، وهذا إذا استعمله على وجه التّطيّب ، ولو داوى به جرحه أو شقوق رجليه فلا كفّارة عليه ، لأنّه ليس بطيب في نفسه ، إنّما هو أصل الطّيب ، أو طيب من وجه ، فيشترط استعماله على وجه التّطيّب ، بخلاف ما إذا تداوى بالمسك وما أشبهه ، لأنّه طيب بنفسه ، فيجب الدّم باستعماله وإن كان على وجه التّداوي . وفي حاشية الدّسوقيّ : أنّ الجسد وباطن الكفّ والرّجل يحرم دهن كلّ واحد منها كلاً أو بعضاً ، إن كان لغير علّة ، وإلاّ فلا حرمة . وأمّا الفدية فإن كان الدّهن مطيّباً افتدى مطلقاً كان الإدهان لعلّة أو لا . وإن كان غير مطيّب ، فإن كان لغير علّة افتدى أيضاً ، وإن كان لعلّة فقولان . وفي الكحل إذا كان فيه طيب حرم استعماله على المحرم رجلاً كان أو امرأةً إذا كان استعماله لغير ضرورة كالزّينة ، ولا حرمة إذا استعمله لضرورة حرّ ونحوه ، والفدية لازمة لمستعمله مطلقاً استعمله لضرورة أو لغيرها . وإن كان الكحل لا طيب فيه فلا فدية مع الضّرورة ، وافتدى في غيرها . وفي الإقناع للشّربينيّ الشّافعيّ : أنّ استعمال الطّيب حرام على المحرم سواء أكان ذكراً أم غيره ، ولو أخشم بما يقصد منه رائحته غالباً ولو مع غيره كالمسك والعود والكافور والورس والزّعفران ، وإن كان يطلب للصّبغ والتّداوي أيضاً ، سواء أكان ذلك في ملبوسه كثوبه أم في بدنه ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « ولا تلبسوا من الثّياب ما مسّه وَرْس أو زعفران » سواء كان ذلك بأكل أم استعاط أم احتقان ، فيجب مع التّحريم في ذلك الفدية . ولو استهلك الطّيب في المخالط له بأن لم يبق ريح ولا طعم ولا لون ، كأن استعمل في دواء ، جاز استعماله وأكله ولا فدية . وما يقصد به الأكل أو التّداوي لا يحرم ولا فدية فيه وإن كان له ريح طيّبة ، كالتّفّاح والسّنبل وسائر الأبازير الطّيّبة كالمصطكى ، لأنّ ما يقصد منه الأكل أو التّداوي لا فدية فيه . وفي المغني لابن قدامة حرمة التّداوي بما له ريح طيّبة للمحرم . أمّا ما لا طيب فيه كالزّيت والشّيرج والسّمن والشّحم ودهن البان فنقل الأثرم عن أحمد أنّه سئل عن المحرم يدهن بالزّيت والشّيرج فقال : نعم يدهن به إذا احتاج إليه ، ويتداوى المحرم بما يأكل . وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه صدع وهو محرم فقالوا : ألا ندهنك بالسّمن ؟ فقال : لا . قالوا : أليس تأكله ؟ قال : ليس أكله كالإدهان به . وعن مجاهد قال : إن تداوى به فعليه الكفّارة . أثر التّداوي في الضّمان : 12 - ذهب الحنابلة إلى أنّ المجنيّ عليه إذا لم يداو جرحه ومات كان على الجاني الضّمان ، لأنّ التّداوي ليس بواجب ولا مستحبّ ، فتركه ليس بقاتل . وفرّق الشّافعيّة بين علاج الجرح المهلك وغيره ، فإن ترك المجنيّ عليه علاج الجرح المهلك ومات ، فعلى الجاني الضّمان ، لأنّ البرء لا يوثق به وإن عالج ، وأمّا إذا كان الجرح غير مهلك فلا ضمان على الجاني . التّداوي بالرّقى والتّمائم : 13 - أجمع الفقهاء على جواز التّداوي بالرّقى عند اجتماع ثلاثة شروط : أن يكون بكلام اللّه تعالى أو بأسمائه وصفاته ، وباللّسان العربيّ أو بما يعرف معناه من غيره ، وأن يعتقد أنّ الرّقية لا تؤثّر بذاتها بل بإذن اللّه تعالى . فعن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : « كنّا نرقي في الجاهليّة فقلنا : يا رسول اللّه كيف ترى في ذلك ؟ فقال : اعرضوا عليّ رقاكم ، لا بأس بالرّقى ما لم يكن فيه شرك » وما لا يعقل معناه لا يؤمن أن يؤدّي إلى الشّرك فيمنع احتياطاً . وقال قوم : لا تجوز الرّقية إلاّ من العين واللّدغة لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه « لا رقية إلاّ من عين أو حمّة » وأجيب بأنّ معنى الحصر فيه أنّهما أصل كلّ ما يحتاج إلى الرّقية ، وقيل : المراد بالحصر معنى الأفضل ، أو لا رقية أنفع ، كما قيل لا سيف إلاّ ذو الفقار . وقال قوم : المنهيّ عنه من الرّقى ما يكون قبل وقوع البلاء ، والمأذون فيه ما كان بعد وقوعه ، ذكره ابن عبد البرّ والبيهقيّ وغيرهما ، لحديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً « إنّ الرّقى والتّمائم والتّولة شرك » وأجيب بأنّه إنّما كان ذلك من الشّرك لأنّهم أرادوا دفع المضارّ وجلب المنافع من عند غير اللّه ، ولا يدخل في ذلك ما كان بأسماء اللّه وكلامه ، وقد ثبت في الأحاديث استعمال ذلك قبل وقوعه كحديث عائشة رضي الله عنها « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفّيه ب قل هو اللّه أحد وبالمعوّذتين ثمّ يمسح بهما وجهه » . وحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعوّذ الحسن والحسين بكلمات اللّه التّامّة ، من كلّ شيطان وهامّة » . قال الرّبيع : سألت الشّافعيّ عن الرّقية فقال : لا بأس أن يرقي بكتاب اللّه وما يعرف من ذكر اللّه . قلت : أيرقي أهل الكتاب المسلمين ؟ قال : نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب اللّه وبذكر اللّه ، وقال ابن التّين : الرّقية بالمعوّذات وغيرها من أسماء اللّه هو الطّبّ الرّوحانيّ ، إذا كان على لسان الأبرار من الخلق حصل الشّفاء بإذن اللّه تعالى ، فلمّا عزّ هذا النّوع فزع النّاس إلى الطّبّ الجسمانيّ . تدبير * التّعريف : 1 - دبّر الرّجل عبده تدبيراً : إذا أعتقه بعد موته ، والتّدبير في الأمر : النّظر إلى ما تئول إليه عاقبة الأمر ، والتّدبير أيضاً : عتق العبد عن دبر وهو ما بعد الموت . ولا يخرج المعنى الشّرعيّ عن هذا المعنى الأخير . حكمه التّكليفيّ : 2 - التّدبير نوع من العتق ، والعتق مطلوب شرعاً ، وهو من أعظم القرب ، ويكون كفّارةً للجنايات ، إمّا وجوباً أي في قتل الخطأ ، والحنث في اليمين ونحو ذلك ، أو ندباً أي في قتل العمد عند المالكيّة ، وسائر الذّنوب ، لأنّ العتق من أكبر الحسنات ، وقد قال اللّه تعالى : { إنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السّيّئاتِ } . ويعتق المدبّر بعد الموت من ثلث المال في قول أكثر أهل العلم ، ويعتق من جميع مال الميّت في قول بعض العلماء كابن مسعود وغيره . حكمة مشروعيّته : 3 - يؤدّي التّدبير إلى حرّيّة المدبّر بعد موت من دبّره ، والشّارع يحرص على تحرير الرّقاب ، والتّدبير طريقة ميسّرة لذلك ، لأنّه تدوم معه منفعة الرّقيق مدّة حياته ، ثمّ يكون قربةً له بعد وفاته . صيغته : 4 - يثبت التّدبير بكلّ لفظ يفيد إثبات العتق للمملوك بعد موت سيّده ، كأن يقول ، معلّقاً : إذا متّ فأنت حرّ ، أو يقول مضيفاً لمستقبل : أنت حرّ بعد موتي . ولا تفيد الصّيغة حكمها إلاّ إذا صدرت ممّن له أهليّة التّبرّع على سبيل الوصيّة . آثاره : 5 - الفقهاء مختلفون في الآثار الّتي تترتّب على التّدبير . فذهب الحنفيّة والمالكيّة ، وهو ظاهر كلام الخرقيّ ، وأومأ إليه أحمد إلى : أنّه لا يباع ، ولا يوهب ، ولا يرهن ، ولا يخرج من الملك إلاّ بالإعتاق والكتابة ، ويستخدم ويستأجر ، ومولاه أحقّ بكسبه وأرشه . وذهب الشّافعيّة ، وهو إحدى الرّوايات عن الإمام أحمد : أنّه يباع مطلقاً في الدّين وغيره ، وعند حاجة السّيّد إلى بيعه وعدمها . لحديث : « أنّ رجلاً أعتق مملوكاً له عن دبر ، فاحتاج ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : من يشتريه منّي . فباعه من نعيم بن عبد اللّه بثمانمائة درهم ، فدفعها إليه وقال : أنت أحوج منه » متّفق عليه . وفسّر الشّافعيّة الحاجة هنا بالدّين ، ولكنّه ليس قيداً احترازيّاً ، بل هو اتّفاقيّ لما ورد أنّ عائشة رضي الله عنها باعت مدبّرةً لها ولم ينكر عليها أحد من الصّحابة . من مبطلاته : 6 - من مبطلات التّدبير : قتل المدبّر سيّده ، واستغراق تركة السّيّد بالدّين . وهناك تفصيلات كثيرة وأحكام في المذاهب مختلفة لا حاجة لإيرادها لعدم وجود الرّقّ الآن . تدخين * انظر : تبغ . تدريس * انظر : تعليم . تدليس * التّعريف : 1 - التّدليس : مصدر دلّس ، يقال : دلّس في البيع وفي كلّ شيء : إذا لم يبيّن عيبه . والتّدليس في البيع : كتمان عيب السّلعة عن المشتري . قال الأزهريّ : ومن هذا أخذ التّدليس في الإسناد . وهو في اصطلاح الفقهاء لا يخرج عن المعنى اللّغويّ ، وهو كتمان العيب . قال صاحب المغرب : كتمان عيب السّلعة عن المشتري . وعند المحدّثين هو قسمان: أحدهما : تدليس الإسناد . وهو : أن يروي عمّن لقيه ما لم يسمعه منه ، موهماً أنّه سمعه منه ،أو عمّن عاصره ولم يلقه موهماً أنّه لقيه أو سمعه منه. والآخر : تدليس الشّيوخ . وهو أن يروي عن شيخ حديثاً سمعه منه فيسمّيه أو يكنّيه ، ويصفه بما لم يعرف به كيلا يعرف . الألفاظ ذات الصّلة : أ - الخلابة : 2 - الخلابة هي : المخادعة . وقيل : هي الخديعة باللّسان . والخلابة أعمّ من التّدليس ، لأنّها كما تكون بستر العيب ، قد تكون بالكذب وغيره . ب - التّلبيس : 3 - التّلبيس من اللّبس ، وهو : اختلاط الأمر . يقال : لبّس عليه الأمر يلبّسه لبساً فالتبس . إذا خلطه عليه حتّى لا يعرف جهته ، والتّلبيس كالتّدليس والتّخليط ، شدّد للمبالغة . والتّلبيس بهذا المعنى أعمّ من التّدليس ، لأنّ التّدليس يكون بإخفاء العيب ، والتّلبيس يكون بإخفاء العيب ، كما يكون بإخفاء صفات أو وقائع أو غيرها ليست صحيحةً . ج - التّغرير : 4 - وهو من الغرر ، يقال : غرّر بنفسه وماله تغريراً وتغرّةً : عرّضهما للهلكة من غير أن يعرف . ويقال : غرّه يغرّه غرّاً وغروراً وغرّةً : خدعه وأطمعه بالباطل . والتّغرير في الاصطلاح : إيقاع الشّخص في الغرر ، والغرر : ما انطوت عنك عاقبته . وعلى هذا يكون التّغرير أعمّ من التّدليس ، لأنّ الغرر قد يكون بإخفاء عيب ، وقد يكون بغير ذلك ممّا تجهل عاقبته . د - الغِش : 5 - وهو اسم من الغشّ ، مصدر غشَّه : إذا لم يمحّضه النّصح ، وزيّن له غير المصلحة ، أو أظهر له خلاف ما أضمره . وهو أعمّ من التّدليس ، إذ التّدليس خاصّ بكتمان العيب . الحكم التّكليفيّ : 6 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّدليس حرام بالنّصّ في أحاديث كثيرة . فقد قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « البيّعَان بالخيار ما لم يتفرّقا ، فإن صدقا وبيّنا بُورك لهما ، وإن كَذَبا وكَتَما مُحقت بركةُ بيعهما » وقال عليه أفضل الصّلاة والسّلام : « من باع عَيْباً لم يبيّنه لم يزل في مقتِ اللّه ، ولم تزل الملائكة تلعنْهُ » . وقال صلى الله عليه وسلم : « من غشّنا فليس منّا » ولهذا يؤدّب الحاكم المدلّس ، لحقّ اللّه ولحقّ العباد . التّدليس في المعاملات : 7 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّ كلّ تدليس يختلف الثّمن لأجله في المعاملات يثبت به الخيار : كتصرية الشّياه ونحوها قبل بيعها ليظنّ المشتري كثرة اللّبن ، وصبغ المبيع بلون مرغوب فيه ، على اختلاف بين الفقهاء في بعض الصّور . واستدلّوا لثبوت الخيار بالتّصرية بحديث : « من اشترى شاةً مصرّاةً فهو بخير النّظرين : إن شاء أمسكها ، وإن شاء ردّها وصاعاً من تمر » . وقيس عليها غيرها ، وهو كلّ فعل من البائع بالمبيع يظنّ المشتري به كمالاً فلا يوجد ، لأنّ الخيار غير منوط بالتّصرية لذاتها ، بل لما فيها من التّلبيس والإيهام . شرط الرّدّ بالتّدليس : 8 - لا يثبت الخيار بمجرّد التّدليس ، بل يشترط ألاّ يعلم المدلّس عليه بالعيب قبل العقد ، فإن علم فلا خيار له لرضاه به ، كما يشترط ألاّ يكون العيب ظاهراً ، أو ممّا يسهل معرفته . ويثبت خيار التّدليس في كلّ معاوضة ، كما في البيع والإجارة ، وبدل الصّلح عن إقرار ، وبدل الصّلح عن دم العمد . التّدليس القوليّ : 9 - التّدليس القوليّ كالتّدليس الفعليّ في العقود ، كالكذب في السّعر في بيوع الأمانات ( وهي المرابحة والتّولية والحطيطة ) فيثبت فيها خيار التّدليس . التّدليس في عقد النّكاح : 10 - ذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى أنّه إذا دلّس أحد الزّوجين على الآخر ، بأن كتم عيباً فيه ، يثبت به الخيار ، لم يعلمه المدلّس عليه وقت العقد ، ولا قبله . أو شرط أحدهما في صلب العقد وصفاً من صفات الكمال كإسلام ، وبكارة ، وشباب ، فتخلّف الشّرط : يثبت للمدلَّس عليه والمغرور بخلف المشروط خيار فسخ النّكاح . وقال : أبو حنيفة وأبو يوسف : ليس لواحد من الزّوجين خيار الفسخ لعيب ، فالنّكاح عندهم لا يقبل الفسخ . وقالوا : إنّ فوتَ الاستيفاءِ أصلاً بالموت لا يوجب الفسخ ، فاختلاله بهذه العيوب أولى بألاّ يوجب الفسخ ، ولأنّ الاستيفاء من ثمرات العقد ، والمستحقّ هو التّمكّن ، وهو حاصل . وقال محمّد بن الحسن : لا خيار للزّوج بعيب في المرأة ، ولها هي الخيار بعيب في الزّوج من العيوب الثّلاثة : الجنون ، والجذام ، والبرص فللمرأة الخيار في طلب التّفريق أو البقاء معه ، لأنّه تعذّر عليها الوصول إلى حقّها بمعنًى فيه ، فكان ذلك بمنزلة ما لو وجدته مجبوباً ، أو عنّيناً بخلاف الرّجل ، لأنّه يتمكّن من دفع الضّرر عن نفسه بالطّلاق. والكلام عن العيوب المثبتة للخيار في النّكاح موطنه باب النّكاح . سقوط المهر بالفسخ : 11 - لا خلاف بين من يقول بالفسخ بالعيوب من الفقهاء في أنّ الفسخ قبل الدّخول ، أو الخلوة الصّحيحة يسقط المهر . وقالوا : إن كان العيب بالزّوج فهي الفاسخة - أي طالبة الفسخ - فلا شيء لها ، وإن كان العيب بها فسبب الفسخ معنًى وجد فيها ، فكأنّها هي الفاسخة ، لأنّها غارّة ومدلّسة . وإن كان الفسخ بعد الدّخول ، بأن لم يعلم إلاّ بعده فلها المهر ، لأنّ المهر يجب بالعقد ، ويستقرّ بالدّخول ، فلا يسقط بحادث بعده . رجوع المغرور على من غرّه : 12 - إن فسخ الزّوج النّكاح بعيب في المرأة بعد الدّخول ، يرجع بالمهر على من غرّه من زوجة أو وكيل أو وليّ ، وإلى هذا ذهب المالكيّة ، والحنابلة ، وقاله الشّافعيّ في القديم للتّدليس عليه بإخفاء العيب المقارن ، وقال الشّافعيّ في الجديد : إنّه لا يرجع بالمهر على من غرّه ، لاستيفائه منفعة البضع المتقوّم عليه بالعقد . أمّا العيب الحادث بعد العقد فلا يرجع جزماً . أمّا هل خيار العيب على التّراخي ؟ وهل يحتاج إلى حكم حاكم ؟ وحكم ولد المغرور ، والتّفصيل في ذلك فيرجع فيه إلى مصطلح : ( تغرير ) ( وفسخ ) . المغرور بخلف الشّرط : 13 - لو شرط أحد الزّوجين في صلب العقد صفةً من صفات الكمال ، ممّا لا يمنع عدمه صحّة النّكاح كبكارة وشباب وإسلام ، أو نفي عيب لا يثبت به الخيار كألاّ تكون عوراء أو خرساء ، أو شرط ما ليس من صفات الكمال ولا النّقص كطول وبياض وسمرة ، فتخلّف الشّرط ، صحّ النّكاح ، وثبت للمغرور خيار الفسخ . عند الجمهور على خلاف وتفصيل يرجع فيه إلى مصطلح : ( تغرير ، وشرط ) . وقال الحنفيّة : لا يثبت الخيار بخلف الشّرط . وجاء في فتح القدير : فلو شرط وصفاً مرغوباً فيه كالعذرة ( البكارة ) والجمال ، والرّشاقة ، وصغر السّنّ : فظهرت ثيّباً عجوزاً شوهاء ، ذات شقّ مائل ، ولعاب سائل ، وأنف هائل ، وعقل زائل ، فلا خيار له عند أبي حنيفة وأبي يوسف . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية