الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41252" data-attributes="member: 329"><p>الألفاظ ذات الصّلة :</p><p> التّفسير :</p><p>2 - التّفسير مصدر فسّر ، وهو في اللّغة بمعنى : البيان والكشف والإظهار . </p><p>وفي الشّرع : توضيح معنى الآية ( أي ونحوها ) وشأنها ، وقصّتها ، والسّبب الّذي نزلت فيه بلفظ يدلّ عليه دلالة ظاهرة . فالتّرجمة تكون بلغة مغايرة ، وعلى قدر الكلام المترجم ، دون زيادة أو نقص ، بخلاف التّفسير فقد يطول ويتناول الدّلالات التّابعة للّفظ . </p><p>ترجمة القرآن الكريم وأنواعها :</p><p>3 - قال الشّاطبيّ : للّغة العربيّة - من حيث هي ألفاظ دالّة على معان - نظران : أحدهما : من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مطلقةً دالّةً على معان مطلّقة ، وهي الدّلالة الأصليّة . والثّاني : من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مقيّدةً ، دالّةً على معان خادمة ، وهي الدّلالة التّابعة . فالجهة الأولى : هي الّتي يشترك فيها جميع الألسنة ، وإليها تنتهي مقاصد المتكلّمين ، ولا تختصّ بأمّة دون أخرى ، فإنّه إذا حصل في الوجود فعل لزيد مثلاً كالقيام ، ثمّ أراد كلّ صاحب لسان الإخبار عن زيد بالقيام ، تأتّى له ما أراد من غير كلفة . </p><p>ومن هذه الجهة يمكن في لسان العرب الإخبار عن أقوال الأوّلين - ممّن ليسوا من أهل اللّغة العربيّة - وحكاية كلامهم . ويتأتّى في لسان العجم حكاية أقوال العرب والإخبار عنها ، وهذا لا إشكال فيه . </p><p>وأمّا الجهة الثّانية : فهي الّتي يختصّ بها لسان العرب في تلك الحكاية وذلك الإخبار ، فإنّ كلّ خبر يقتضي في هذه الجهة أموراً خادمةً لذلك الإخبار ، بحسب المخبر ، والمخبر عنه ، والمخبر به ، ونفس الإخبار ، في الحال والمساق ، ونوع الأسلوب : من الإيضاح والإخفاء ، والإيجاز ، والإطناب ، وغير ذلك . </p><p>وذلك أنّك تقول في ابتداء الإخبار : قام زيد إن لم تكن ثمّ عناية بالمخبر عنه ، بل بالخبر . فإن كانت العناية بالمخبر عنه قلت : زيد قام . وفي جواب السّؤال أو ما هو منزّل تلك المنزلة : إنّ زيداً قام . وفي جواب المنكر لقيامه : واللّه إنّ زيداً قام . وفي إخبار من يتوقّع قيامه ، أو الإخبار بقيامه : قد قام زيد ، أو زيد قد قام . وفي التّنكيت على من ينكر : إنّما قام زيد . ثمّ يتنوّع أيضاً بحسب تعظيمه أو تحقيره - أعني المخبر عنه - وبحسب الكناية عنه والتّصريح به ، وبحسب ما يقصد في مساق الإخبار ، وما يعطيه مقتضى الحال ، إلى غير ذلك من الأمور الّتي لا يمكن حصرها ، وجميع ذلك دائر حول الإخبار بالقيام عن زيد . فمثل هذه التّصرّفات الّتي يختلف معنى الكلام الواحد بحسبها ، ليست هي المقصود الأصليّ ، ولكنّها من مكمّلاته ومتمّماته . وبطول الباع في هذا النّوع يحسن مساق الكلام إذا لم يكن فيه منكر . وبهذا النّوع الثّاني اختلفت العبارات وكثير من أقاصيص القرآن ، لأنّه يأتي مساق القصّة في بعض السّور على وجه ، وفي بعضها على وجه آخر ، وفي ثالثة على وجه ثالث ، وهكذا ما تقرّر فيه من الإخبارات لا بحسب النّوع الأوّل ، إلاّ إذا سكت عن بعض التّفاصيل في بعض ، ونصّ عليه في بعض . وذلك أيضاً لوجه اقتضاه الحال والوقت . { وما كان ربُّك نَسِيَّاً } وإذا ثبت هذا فلا يمكن لمن اعتبر هذا الوجه الأخير أن يترجم كلاماً من الكلام العربيّ بكلام العجم على حال ، فضلاً عن أن يترجم القرآن وينقل إلى لسان غير عربيّ ، إلاّ مع فرض استواء اللّسانين في اعتباره عيناً ، كما إذا استوى اللّسان في استعمال ما تقدّم تمثيله ونحوه . </p><p>فإذا ثبت ذلك في اللّسان المنقول إليه مع لسان العرب ، أمكن أن يترجم أحدهما إلى الآخر . وإثبات مثل هذا بوجه بيّن عسير جدّاً . وربّما أشار إلى شيء من ذلك أهل المنطق من القدماء ، ومن حذا حذوهم من المتأخّرين ، ولكنّه غير كاف ولا مغن في هذا المقام . </p><p>وقد نفى ابن قتيبة إمكان التّرجمة في القرآن يعني على هذا الوجه الثّاني ، فأمّا على الوجه الأوّل فهو ممكن ، ومن جهته صحّ تفسير القرآن وبيان معناه للعامّة ومن ليس له فهم يقوى على تحصيل معانيه ، وكان ذلك جائزاً باتّفاق أهل الإسلام ، فصار هذا الاتّفاق حجّةً في صحّة التّرجمة على المعنى الأصليّ .</p><p>4 - هذا وتنقسم التّرجمة إلى نوعين :</p><p>أ - التّرجمة الحرفيّة : وهي النّقل من لغة إلى أخرى ، مع التزام الصّورة اللّفظيّة للكلمة ، أو ترتيب العبارة .</p><p>ب - التّرجمة لمعاني الكلام : وهي تعبير بألفاظ تبيّن معاني الكلام وأغراضه ، وتكون بمنزلة التّفسير .</p><p>ما يتعلّق بالتّرجمة من أحكام :</p><p>أ - كتابة القرآن بغير العربيّة وهل تسمّى قرآناً ؟ </p><p>5 - ذهب بعض الحنفيّة إلى جواز كتابة آية أو آيتين بحروف غير عربيّة ، لا كتابته كلّه ، لكن كتابة القرآن بالعربيّة وتفسير كلّ حرف وترجمته جائز عندهم . </p><p>لما روي عن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه أنّ قوماً من الفرس سألوه أن يكتب لهم شيئاً من القرآن ، فكتب لهم فاتحة الكتاب بالفارسيّة .</p><p>ب - قراءة القرآن بغير العربيّة : </p><p>ونظر الفقهاء في ذلك على اختلاف آرائهم متوجّه إلى عدم الإخلال بحفظ القرآن ، وأن لا تكون مؤدّيةً إلى التّهاون بأمره ، ولكنّها لا تسمّى قرآناً على أيّ وجه كانت . </p><p>6 - واختلف الفقهاء في جواز القراءة في الصّلاة بغير العربيّة . </p><p>فيرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّه لا يجوز القراءة بغير العربيّة ، سواء أحسن قراءتها بالعربيّة أم لم يحسن ، لقوله تعالى : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّر مِنَ القرآنِ } أمر بقراءة القرآن في الصّلاة ، والقرآن هو المنزّل بلغة العرب ، كما قال سبحانه وتعالى : { إِنَّا أنْزَلْنَاه قًرآنَاً عَرَبيّاً } وقال أيضاً : { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } ولأنّ ترجمة القرآن من قبيل التّفسير ، وليست قرآناً ، لأنّ القرآن هو اللّفظ العربيّ المنزّل على سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم ، فالقرآن دليل النّبوّة وعلامة الرّسالة ، وهو المعجز بلفظه ومعناه ، والإعجاز من حيث اللّفظ يزول بزوال النّظم العربيّ ، فلا تكون التّرجمة قرآناً لانعدام الإعجاز ، ولذا لم تحرم قراءة التّرجمة على الجنب والحائض ، ولا يحنث بها من حلف لا يقرأ القرآن . </p><p>وذهب أبو يوسف ومحمّد إلى أنّ المصلّي إن كان يحسن العربيّة لا يجوز أن يقرأ القرآن بغيرها ، وإن كان لا يحسن يجوز . وقد ثبت رجوع أبي حنيفة إلى قولهما لقوّة دليلهما وهو : أنّ المأمور به قراءة القرآن ، وهو اسم للمنزّل باللّفظ العربيّ المنظوم هذا النّظم الخاصّ المكتوب في المصاحف ، المنقول إلينا نقلاً متواتراً . </p><p>والأعجميّة إنّما تسمّى قرآناً مجازاً ، ولذا يصحّ نفي اسم القرآن على المترجم إليها . </p><p>وذهب أبو حنيفة في المشهور من قوله إلى جواز القراءة بالفارسيّة - فيما يمكن ترجمته حرفيّاً - كما يجوز بالعربيّة ، سواء أكان يحسن العربيّة أم لا يحسن ، فتجب لأنّها اعتبرت خلفاً عن النّظم العربيّ ، وليس لكونها قرآناً ، فهي حينئذ رخصة عنده . </p><p>غير أنّه إن كان يحسن العربيّة يصير مسيئاً لمخالفته السّنّة المتوارثة . </p><p>وقد رجع أبو حنيفة إلى رأي صاحبيه كما سبق . ثمّ الجواز على قول أبي حنيفة - المرجوع عنه - مقصور على قراءة من لا يكون متّهماً بالعبث بالقرآن ، وأن لا يكون معتاداً لقراءة القرآن بالعجميّة ، أمّا اعتياد القراءة بالأعجميّة فممنوع مطلقاً .</p><p>ت - مسّ المحْدِث التّرجمة وحملها وقراءتها :</p><p>7 - ذهب الحنفيّة في الأصحّ عندهم إلى أنّه لا يجوز للحائض قراءة القرآن بقصد القراءة ولا مسّه ، ولو مكتوباً بغير العربيّة ، وقال بعضهم : يجوز ، وقال ابن عابدين نقلاً عن البحر : وهذا أقرب إلى القياس ، والمنع أقرب إلى التّعظيم ، والصّحيح المنع . </p><p>والمتبادر من أقوال المالكيّة ، وهو ما صرّح به الحنابلة : جواز مسّ كتب التّفسير مطلقاً ، قلّ التّفسير أو كثر ، لأنّه لا يقع عليها اسم المصحف ، ولا تثبت لها حرمته . </p><p>ويرى الشّافعيّة حرمة حمل التّفسير ومسّه ، إذا كان القرآن أكثر من التّفسير ، وكذلك إن تساويا على الأصحّ ، ويحلّ إذا كان التّفسير أكثر على الأصحّ ، وفي رواية : يحرم لإخلاله بالتّعظيم . والتّرجمة من قبيل التّفسير .</p><p>ث - ترجمة الأذان :</p><p>8 - لو أذّن بالفارسيّة أو بلغة أخرى غير العربيّة ، فالصّحيح عند الحنفيّة والحنابلة : أنّه لا يصحّ ، ولو علم أنّه أذان . </p><p>وهو المتبادر من كلام المالكيّة ، لأنّهم يشترطون في الأذان : أن يكون بالألفاظ المشروعة . وأمّا الشّافعيّة فقد فصّلوا الكلام فيه ، وقالوا : إن كان يؤذّن لجماعة ، وفيهم من يحسن العربيّة ، لم يجزئ الأذان بغيرها ، ويجزئ إن لم يوجد من يحسنها . وإن كان يؤذّن لنفسه ، فإن كان يحسن العربيّة لا يجزئه الأذان بغيرها ، وإن كان لا يحسنها أجزأه .</p><p>ج - ترجمة التّكبير والتّشهّد وخطبة الجمعة وأذكار الصّلاة :</p><p>9 - لو كبّر المصلّي بغير العربيّة ، فذهب أبو حنيفة إلى جوازه مطلقاً ، عجز عن العربيّة أم لم يعجز ، واحتجّ في ذلك بقوله تعالى : { وَذَكَرَ اسمَ رَبِّه فَصَلَّى } ، وقياساً على إسلام الكافر . وشرط أبو يوسف ومحمّد عجز الشّخص عن العربيّة . </p><p>وعلى هذا الخلاف : الخطبة وأذكار الصّلاة ، كما لو سبّح بالفارسيّة في الصّلاة ، أو أثنى على اللّه تعالى ، أو تعوّذ ، أو هلّل ، أو تشهّد ، أو صلّى على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصحّ عنده ، وأمّا أبو يوسف ومحمّد فشرطا العجز .</p><p>وذكر ابن عابدين نقلاً عن شرح الطّحاويّ : أنّه لو كبّر الشّخص بالفارسيّة ، أو سمّى عند الذّبح ، أو لبّى عند الإحرام بالفارسيّة أو بأيّ لسان ، سواء أكان يحسن العربيّة أم لا ، جاز بالاتّفاق بين الإمام وصاحبيه ، وهذا يعني أنّ الصّاحبين رجعا إلى قول الإمام في جواز التّكبير والأذكار مطلقاً ، كما أنّ أبا حنيفة رجع إلى قولهما في عدم جواز القراءة بالعجميّة إلاّ عند العجز . ويرى المالكيّة أنّه إن عجز عن التّكبير بالعربيّة سقط ، ولا يجوز بغيرها ، ويكفيه نيّته كالأخرس ، فإن أتى العاجز عنه بمرادفه من لغة أخرى لم تبطل ، قياساً على الدّعاء بالعجميّة ولو للقادر على العربيّة . </p><p>وعند بعض شيوخ القاضي عياض : يجوز الإتيان بالتّكبير بغير العربيّة ، وأمّا الخطبة فلا تجوز عندهم بغير العربيّة ولو كان الجماعة عجماً لا يعرفون العربيّة ، فلو لم يكن منهم من يحسن الإتيان بالخطبة عربيّةً لم تلزمهم جمعة . </p><p>وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى عدم جواز التّكبير بالعجميّة إذا أحسن العربيّة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « صلّوا كما رأيتموني أُصلّي » وكان عليه الصلاة والسلام يكبّر بالعربيّة ، وأيضاً قال للمسيء في صلاته : « إذا قمت للصّلاة فكبّر .. » ولأنّه لم ينقل عنه العدول عن ذلك حتّى فارق الدّنيا . هذا إذا أحسن العربيّة ، أمّا إن لم يحسن العربيّة لزمه تعلّم التّكبير بها إن كان في الوقت متّسع ، وإلاّ كبّر بلغته . وكذلك التّشهّد الأخير والصّلاة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يجوزان بغير العربيّة عندهم للعاجز عنها ، ولا يجوز للقادر . </p><p>وأمّا خطبة الجمعة ، فذهب الشّافعيّة في الأصحّ من المذهب إلى : أنّه يشترط أن تكون بالعربيّة ، فإن لم يكن ثمّ من يحسن العربيّة ، ولم يمكن تعلّمها ، خطب بغيرها ، فإن انقضت مدّة إمكان التّعلّم - ولم يتعلّموا - عصوا كلّهم ولا جمعة لهم . </p><p>وفي السّلام بالعجميّة ثلاثة أوجه : أحدهما : إن قدر على العربيّة لم يجز ، وقال النّوويّ : الصّواب صحّة سلامه بالعجميّة إن كان المخاطب يفهمها . </p><p>والضّابط عند الشّافعيّة في مسألة التّرجمة هو : أنّ ما كان المقصود منه لفظه ومعناه ، فإن كان لإعجازه امتنع قطعاً ، وإن لم يكن كذلك امتنع للقادر ، كالأذان وتكبير الإحرام والتّشهّد والأذكار المندوبة ، والأدعية المأثورة في الصّلاة ، والسّلام والخطبة . </p><p>وما كان المقصود منه معناه دون لفظه ، فجائز ، كالبيع والخلع والطّلاق ونحوها . </p><p>والقول الآخر عند الشّافعيّة أنّ كون الخطبة بالعربيّة مستحبّ فقط ، قال النّوويّ : لأنّ المقصود الوعظ ، وهو حاصل بكلّ اللّغات .</p><p>ح - الدّعاء بغير العربيّة في الصّلاة :</p><p>10 - المنقول عن الحنفيّة في الدّعاء بغير العربيّة الكراهة ، لأنّ عمر رضي الله تعالى عنه نهى عن رطانة الأعاجم ، والرّطانة كما في القاموس : الكلام بالأعجميّة . </p><p>وظاهر التّعليل : أنّ الدّعاء بغير العربيّة خلاف الأولى ، وأنّ الكراهة فيه تنزيهيّة ، ولا يبعد أن يكون الدّعاء بالعجميّة مكروهاً تحريماً في الصّلاة ، وتنزيهاً خارجها . </p><p>وذهب المالكيّة إلى أنّه يحرم الدّعاء بغير العربيّة - على ما نقل ابن عابدين عن القرافيّ - معلّلاً باشتماله على ما ينافي التّعظيم ، وقيّد اللّقانيّ كلام القرافيّ بالأعجميّة المجهولة المدلول ، أخذاً من تعليله ، وهو اشتمالها على ما ينافي جلال الرّبوبيّة . </p><p>وأمّا إذا علم مدلولها فيجوز استعمالها مطلقاً في الصّلاة وغيرها ، لقوله تعالى : { وَعَلَّمَ آدمَ الأَسْمَاءَ كُلَّها } وقوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا منْ رَسُولٍ إلاّ بِلِسَانِ قَومِه } وهذا ما صرّح به الدّسوقيّ أيضاً . </p><p>وقد فصّل الشّافعيّة الكلام فقالوا : الدّعاء في الصّلاة إمّا أن يكون مأثوراً أو غير مأثور . </p><p>أمّا الدّعاء المأثور ففيه ثلاثة أوجه : أصحّها ، ويوافقه ما ذهب إليه الحنابلة : أنّه يجوز بغير العربيّة للعاجز عنها ، ولا يجوز للقادر ، فإن فعل بطلت صلاته . </p><p>والثّاني : يجوز لمن يحسن العربيّة وغيره . </p><p>والثّالث : لا يجوز لواحد منهما لعدم الضّرورة إليه . </p><p>وأمّا الدّعاء غير المأثور في الصّلاة ، فلا يجوز اختراعه والإتيان به بالعجميّة قولاً واحداً . وأمّا سائر الأذكار كالتّشهّد الأوّل والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيه ، والقنوت ، والتّسبيح في الرّكوع والسّجود ، وتكبيرات الانتقالات ، فعلى القول بجواز الدّعاء بالأعجميّة تجوز بالأولى ، وإلاّ ففي جوازها للعاجز أوجه : أصحّها : الجواز . والثّاني : لا . والثّالث : يجوز فيما يجبر بسجود السّهو . وذكر صاحب الحاوي : أنّه إذا لم يحسن العربيّة أتى بكلّ الأذكار بالعجميّة ، وإن كان يحسنها أتى بالعربيّة ، فإن خالف وقالها بالفارسيّة : فما كان واجباً كالتّشهّد والسّلام لم يجزه ، وما كان سنّةً كالتّسبيح والافتتاح أجزأه وقد أساء .</p><p>خ - الإِتيان بالشّهادتين بغير العربيّة لمن أراد الإِسلام :</p><p>11 - يرى جمهور الفقهاء أنّ الكافر إذا أراد الإسلام ، فإن لم يحسن العربيّة جاز أن يأتي بالشّهادتين بلسانه ، وأمّا إن كان يحسنها : فيرى الحنفيّة ، وهو الصّحيح عند عامّة الشّافعيّة أنّه جائز ، لأنّ المراد من الشّهادتين الإخبار عن اعتقاده ، وذلك يحصل بكلّ لسان . وأمّا المالكيّة فالأصل عندهم أنّ النّطق بالشّهادتين بالعربيّة شرط في صحّة الإسلام إلاّ لعجز - بخرس ونحوه - مع قيام القرينة على تصديقه بقلبه ، فيحكم له بالإسلام ، وتجري عليه أحكامه . وذهب الحنابلة إلى أنّه يثبت إسلام الكافر الأصليّ بالنّطق بالشّهادتين . وأمّا إن قال : أنا مؤمن أو أنا مسلم ،قال القاضي أبو يعلى : يحكم بإسلامه بهذا وإن لم يلفظ الشّهادتين. </p><p>د - الأمان بغير العربيّة :</p><p>12 - الأمان بغير العربيّة لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يجوز ، لما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنّه قال : إذا قلتم : لا بأس أو : لا تذهل أو : مترس ، فقد آمنتموهم ، فإنّ اللّه تعالى يعلم الألسنة . وروي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مثل ذلك .</p><p>ذ - انعقاد النّكاح ووقوع الطّلاق ، بغير العربيّة :</p><p>أوّلاً - ترجمة صيغة النّكاح :</p><p>13 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من لا يحسن العربيّة يصحّ منه عقد النّكاح بلسانه ، لأنّه عاجز عمّا سواه ، فسقط عنه كالأخرس ، ويحتاج أن يأتي بالمعنى الخاصّ بحيث يشتمل على معنى اللّفظ العربيّ ، وقال أبو الخطّاب من الحنابلة : عليه أن يتعلّم ما كانت العربيّة شرطاً فيه كالتّكبير . واختلفوا فيمن يقدر على لفظ النّكاح بالعربيّة : </p><p>فذهب الحنفيّة والشّافعيّة في الأصحّ ، والشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة وابن قدامة من الحنابلة إلى : أنّه ينعقد بغيرها ، لأنّه أتى بلفظه الخاصّ ، فانعقد به ، كما ينعقد بلفظ العربيّة . </p><p>ولأنّ اللّغة العجميّة تصدر عمّن تكلّم بها عن قصد صحيح . </p><p>ويرى الشّافعيّة في وجه آخر أنّه لا يصحّ بغير العربيّة ، حتّى وإن كان لا يحسنها . وللشّافعيّة قول ثالث : وهو أنّه ينعقد إن لم يحسن العربيّة وإلاّ فلا . وقال في كشّاف القناع : فإن كان أحد المتعاقدين في النّكاح يحسن العربيّة دون الآخر أتى الّذي يحسن العربيّة بما هو من قبله - من إيجاب أو قبول - بالعربيّة لقدرته عليه ، والعاقد الآخر يأتي بما هو من قبله بلغته ، وإن كان كلّ منهما لا يحسن لسان الآخر ترجم بينهما ثقة يعرف اللّسانين .</p><p>ثانياً - التّطليق بغير العربيّة :</p><p>14 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى : أنّ العجميّ إذا أتى بصريح الطّلاق بالعجميّة كان طلاقاً ، وإذا أتى بالكناية لا يقع إلاّ بنيّته . ولكنّهم اختلفوا في الألفاظ الّتي تعتبر صريح الطّلاق وكنايته بالعجميّة ، وبيّن الفقهاء بعضها في كتاب الطّلاق . </p><p>ويرى المالكيّة أنّ من طلّق بالعجميّة لزمه إن شهد بذلك عدلان يعرفان العجميّة . </p><p>قال ابن ناجي : قال أبو إبراهيم : يؤخذ منها أنّ التّرجمان لا يكون أقلّ من عدلين . </p><p>وينظر مصطلح : ( طلاق ) .</p><p>ر - التّرجمة في القضاء :</p><p>15 - جمهور الفقهاء على أنّ القاضي يجوز له أن يتّخذ مترجماً . </p><p>وأمّا تعدّده ، فذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى : أنّه يكفي واحد عدل ، وهو اختيار أبي بكر وقاله ابن المنذر أيضاً . قال ابن المنذر في حديث زيد بن ثابت : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلّم كتاب يهود ، قال : فكنت أكتب له إذا كتب إليهم ، وأقرأ له إذا كتبوا » . ولأنّه ممّا لا يفتقر إلى لفظ الشّهادة فأجزأ فيه الواحد كأخبار الدّيانات . ويرى المالكيّة أنّه يكفي الواحد العدل إن رتّبه القاضي . </p><p>أمّا غير المرتّب بأن أتى به أحد الخصمين ، أو طلبه القاضي للتّبليغ ، فلا بدّ فيه من التّعدّد ، لأنّه صار كالشّاهد . وفي قول : لا بدّ من تعدّده ، ولو رتّب . </p><p>وذهب الشّافعيّة ، وهو المذهب عند الحنابلة إلى : أنّ التّرجمة شهادة ، لأنّ المترجم ينقل إلى القاضي قولاً لا يعرفه القاضي ، وما خفي عليه فيما يتعلّق بالمتخاصمين ، ولذا فإنّها تفتقر إلى العدد والعدالة ، ويعتبر فيه من الشّروط ما يعتبر في الشّهادة . </p><p>فإن كان الحقّ ممّا يثبت برجل أو امرأتين قبلت التّرجمة من رجل وامرأتين ، وما لا يثبت إلاّ برجلين يشترط في ترجمته رجلان ، وفي حدّ الزّنا قولان عند الشّافعيّة . </p><p>أحدهما : أنّه لا يكفي فيه أقلّ من أربعة رجال أحرار عدول . والثّاني : يكفي فيه اثنان . وقيل عند الشّافعيّة : يكفي رجلان قطعاً .</p><p></p><p>ترجيح *</p><p>انظر : تعارض .</p><p></p><p>ترجيع *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - التّرجيع في اللّغة هو : ترديد الصّوت في قراءة أو أذان أو غناء أو غير ذلك ممّا يُتَرنّم به . وفي الاصطلاح هو : أن يخفض المؤذّن صوته بالشّهادتين مع إسماعه الحاضرين ، ثمّ يعود فيرفع صوته بهما .</p><p> الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>التّثويب :</p><p>2 - التّثويب لغةً : العود إلى الإعلام بعد الإعلام . </p><p>واصطلاحاً : قول المؤذّن في أذان الصّبح بعد الحيعلتين ، أو بعد الأذان وقبل الإقامة - كما يقول بعض الفقهاء - الصّلاة خير من النّوم ، مرّتين . </p><p>ويختلف التّثويب عن التّرجيع - بالمعنى الأوّل - في أنّ التّثويب يكون في أذان الفجر بعد الحيعلتين أو بعد الأذان ، وأمّا التّرجيع فيكون في الإتيان بالشّهادتين في كلّ أذان .</p><p> الحكم الإجماليّ :</p><p>3 - يرى الحنفيّة والحنابلة على الصّحيح من المذهب - وهو قول الثّوريّ وإسحاق - أنّه لا ترجيع في الأذان ، « لحديث عبد اللّه بن زيد من غير ترجيع . فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم : إنّها حقّ إن شاء اللّه ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت ، فليؤذّن به ، فإنّه أندى صوتاً منك . فقمت مع بلال ، فجعلت ألقيه عليه ويؤذّن به » . </p><p>فإذا رجع المؤذّن ، فقد نصّ الإمام أحمد على أنّه لا بأس به ، واعتبر الاختلاف في التّرجيع من الاختلافات المباحة ، وقال ابن نجيم : الظّاهر من عبارات مشايخ الحنفيّة أنّ التّرجيع مباح ليس بسنّة ولا مكروه ، لأنّ كلا الأمرين صحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ونقل الحصكفيّ عن ملتقى الأبحر كراهة التّرجيع في الأذان ، وحملها ابن عابدين على الكراهة التّنزيهيّة . ويرى المالكيّة ، وهو الصّحيح عند الشّافعيّة : أنّه يسنّ التّرجيع في الأذان ، لما روي عن أبي محذورة رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ألقى عليه التّأذين هو بنفسه ، فقال له : قل : اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، ثمّ قال : ارجع فامدد صوتك ، ثمّ قال : قل : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه .. إلخ » . </p><p>وهناك وجه للشّافعيّة حكاه الخراسانيّون : أنّ التّرجيع ركن لا يصحّ الأذان إلاّ به . قال القاضي حسين : نقل البيهقيّ عن الإمام الشّافعيّ : أنّه إن ترك التّرجيع لا يصحّ أذانه .</p><p>محلّ التّرجيع :</p><p>4 - التّرجيع يكون كما تقدّم في حديث أبي محذورة بعد الإتيان بالشّهادتين معاً ، فلا يرجّع الشّهادة الأولى قبل الإتيان بالشّهادة الثّانية . </p><p>حكمة التّرجيع :</p><p>5 - حكمة التّرجيع هي تدبّر كلمتي الإخلاص ، لكونهما المنجّيتين من الكفر ، المدخلتين في الإسلام ، وتذكّر خفائهما في أوّل الإسلام ثمّ ظهورهما .</p><p></p><p>ترجيل *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - التّرجيل لغةً : تسريح الشّعر وتنظيفه وتحسينه . يقال : رجّلته ترجيلاً : إذا سرّحته ومشّطته . وقد يكون التّرجيل أخصّ من التّمشيط ،لأنّه يراعى فيه الزّيادة في تحسين الشّعر. أمّا التّسريح فهو : إرسال الشّعر وحلّه قبل المشط ، وعلى هذا فيكون التّسريح مغايراً للتّرجيل ، ومضادّاً للتّمشيط . وقال الأزهريّ : تسريح الشّعر ترجيله ، وتخليص بعضه من بعض بالمشط . فعلى المعنى الأوّل يكون مغايراً للتّرجيل ، وعلى الثّاني يكون مرادفاً . </p><p>ولا يخرج استعمال الفقهاء للفظ التّرجيل عن معناه اللّغويّ . </p><p> الحكم التّكليفيّ :</p><p>2 - الأصل في ترجيل الشّعر الاستحباب ، لما روى أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : « من كان له شعر فَلْيُكْرمْه » ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحبّ التّرجيل ، وكان يرجّل نفسه تارةً ، وترجّله عائشة رضي الله عنها تارةً أخرى فقد روت</p><p>« أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصغي إليّ رأسَه وهو مجاور في المسجد ، فأرجِّله وأنا حائض » .</p><p>وهناك حالات يختلف فيها حكم التّرجيل باختلاف الأشخاص والأوقات منها :</p><p>أ - ترجيل المعتكف :</p><p>3 - يرى جمهور الفقهاء : أنّه لا يكره للمعتكف إلاّ ما يكره فعله في المسجد ، فيجوز له ترجيل شعره ، لما روي عن « عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصغي إليّ رأسَه ، وهو مجاور في المسجد ، فأرجّله وأنا حائض » . </p><p>وقال المالكيّة : لا بأس بأن يدني المعتكف رأسه لمن هو خارج المسجد لترجيل شعره ، كأنّهم يرون كراهة التّرجيل في المسجد ، لأنّ التّرجيل لا يخلو من سقوط شيء من الشّعر ، والأخذ من الشّعر في المسجد مكروه عندهم . وللتّفصيل يرجع إلى مصطلح : ( اعتكاف ) .</p><p>ب - ترجيل المحرم :</p><p>4 - ذهب الحنفيّة إلى عدم جواز التّرجيل للمحرم - وهو قول المالكيّة إذا كان التّرجيل بالدّهن - لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « الحاجّ الشَّعثُ التَّفِل » . والمراد بالشّعث انتشار شعر الحاجّ فلا يجمعه بالتّسريح والدّهن والتّغطية ونحوه . </p><p>وقال الشّافعيّة بكراهية التّرجيل للمحرم لأنّه أقرب إلى نتف الشّعر . </p><p>ويرى الحنابلة أنّ التّرجيل في حالة الإحرام لا بأس به ، ما لم يؤدّ إلى إبانة شعره . </p><p>أمّا إذا تيقّن المحرم سقوط الشّعر بالتّرجيل فلا خلاف بين الفقهاء في حرمته حينئذ . وتفصيل ذلك في : ( إحرام ) .</p><p>ج - ترجيل المحدَّة :</p><p>5 - لا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز التّرجيل للمحدّة بشيء من الطّيب أو بما فيه زينة . أمّا التّرجيل بغير موادّ الزّينة والطّيب - كالسّدر وشبهه ممّا لا يختمر في الرّأس - فقد أجازه المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، لما روت أمّ سلمة رضي الله عنها « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : لا تمتشطي بالطّيب ولا بالحنّاء فإنّه خضاب ، قالت : قلت : بأيّ شيء أمتشط ؟ قال : بالسّدر تغلّفين به رأسك » ولأنّه يراد للتّنظيف لا للتّطيّب . </p><p>وقال الحنفيّة بعدم جواز ترجيل المحدّة - وإن كان بغير طيب - لأنّه زينة ، فإن كان فبمشط ذي أسنان منفرجة دون المضمومة . وقيّد صاحب الجوهرة جواز ترجيل المحدّة بأسنان المشط الواسعة بالعذر . وينظر التّفصيل في ( إحداد ، وامتشاط ) .</p><p>كيفيّة التّرجيل :</p><p>6 - يستحبّ التّيامن في التّرجيل ، لحديث عائشة رضي الله عنها « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التّيامن في تنعّله وترجّله وطهوره ، وفي شأنه كلّه » . </p><p>الإغباب في التّرجيل :</p><p>يسنّ ترجيل الشّعر ودهنه غبّاً ، فالاستكثار من التّرجيل والمداومة عليه مكروه إلاّ لحاجة ، لحديث عبد اللّه بن مغفّل رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن التّرجّل إلاّ غبّاً » . ولما روى حميد بن عبد الرّحمن الحميريّ عن بعض أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كلّ يوم » .</p><p></p><p>ترحّم *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - التّرحّم : من الرّحمة ، ومن معانيها : الرّقة ، والعطف ، والمغفرة .</p><p>والتّرحّم : طلب الرّحمة ، وهو أيضاً الدّعاء بالرّحمة ، كقولك : رحمه اللّه . وترحّمتُ عليه : أي قلت له : رحمة اللّه عليك ، ورحَّم عليه : قال له : رحمة اللّه عليك . </p><p>وتراحم القوم : رحم بعضهم بعضاً . ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى .</p><p> الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>أ - التَّرَضِّي :</p><p>2 - التّرضّي من الرّضا ، وهو ضدّ السّخط ، والتّرضّي : طلب الرّضا ، والتّرضّي أيضاً : أن تقول : رضي اللّه عنه . ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى ، فالتّرضّي دعاء بالرّضوان ، والتّرحّم دعاء بالرّحمة . وللتّفصيل ر : ( ترضّي ) .</p><p>ب - التّبريك :</p><p>3 - التّبريك : الدّعاء بالبركة ، وهي بمعنى الزّيادة والنّماء ، يقال : بارك اللّه فيك وعليك ولك وباركك ، كلّها بمعنى : زادك خيراً ، ومنه قوله تعالى : { فَلَمَّا جَاءَها نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ في النَّارِ ومَنْ حَوْلَها } وتبرّك به : أي تيمّن . </p><p>فالتّبريك بمعنى : الدّعاء بالبركة ، يتّفق مع التّرحّم في نفس هذا المعنى ، أي الدّعاء . </p><p> الحكم التّكليفيّ :</p><p>4 - لا خلاف بين الفقهاء في استحباب التّرحّم على الوالدين أحياءً وأمواتاً ، وعلى التّابعين من العلماء والعبّاد الصّالحين ، وعلى سائر الأخيار ، أحياءً وأمواتاً .</p><p>وأمّا التّرحّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الصّلاة وخارجها ، ففيه خلاف وتفصيل على النّحو الآتي :</p><p>أ - التّرحّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعلى آله في الصّلاة :</p><p>5 - وهو إمّا أن يكون في التّشهّد أو خارجه . </p><p>وقد ورد التّرحّم على الرّسول صلى الله عليه وسلم في التّشهّد ، وهو عبارة : " السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة اللّه وبركاته " وتفصيل أحكام التّشهّد في مصطلحه . </p><p>أمّا التّرحّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم خارج التّشهّد ، فقد ذهب الحنفيّة ، وبعض المالكيّة ، وبعض الشّافعيّة إلى استحباب زيادة : " وارحم محمّداً وآل محمّد " في الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الصّلاة . </p><p>وعبارة الرّسالة لابن أبي زيد القيروانيّ : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، وارحم محمّداً وآل محمّد ، كما صلّيت ورحمت وباركت على إبراهيم . </p><p>واستدلّوا بحديث أبي هريرة : قال : قلنا : « يا رسول اللّه : قد علمنا كيف نسلّم عليك ، فكيف نصلّي عليك ؟ قال : قولوا : اللّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما جعلتها على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد » . قال الحافظ ابن حجر : فهذه الأحاديث - وإن كانت ضعيفة الأسانيد - إلاّ أنّها يشدّ بعضها بعضاً ، أقواها أوّلها ،ويدلّ مجموعها على أنّ للزّيادة أصلاً . وأيضاً الضّعيف يعمل به في فضائل الأعمال. وما عليه جمهور الفقهاء الاقتصار على صيغة الصّلاة دون إضافة ( التّرحّم ) كما ورد في الرّوايات المشهورة في الصّحيحين وغيرهما ، بل ذهب بعض الحنفيّة وأبو بكر بن العربيّ المالكيّ والنّوويّ وغيرهم إلى أنّ زيادة " وارحم محمّداً ... إلخ " بدعة لا أصل لها ، وقد بالغ ابن العربيّ في إنكار ذلك وتخطئة ابن أبي زيد ، وتجهيل فاعله ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم علّمنا كيفيّة الصّلاة . فالزّيادة على ذلك استقصار لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم واستدراك عليه . وانتصر لهم بعض المتأخّرين ممّن جمع بين الفقه والحديث ، فقال : ولا يحتجّ بالأحاديث الواردة ، فإنّها كلّها واهية جدّاً . إذ لا يخلو سندها من كذّاب أو متّهم بالكذب . ويؤيّده ما ذكره السّبكيّ : أنّ محلّ العمل بالحديث الضّعيف ما لم يشتدّ ضعفه .</p><p>ب - التّرحّم في التّسليم من الصّلاة :</p><p>6 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الأكمل في التّسليم في الصّلاة أن يقول : </p><p>« السّلام عليكم ورحمة اللّه ، عن يمينه ويساره ، لحديث ابن مسعود وجابر بن سمرة وغيرهما رضي الله تعالى عنهم » . فإن قال : السّلام عليكم - ولم يزد - يجزئه ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « تحليلها التّسليم » .</p><p>والتّحليل يحصل بهذا القول ، ولأنّ ذكر الرّحمة تكرير للثّناء فلم يجب ، كقوله : وبركاته . </p><p>وقال ابن عقيل من الحنابلة - وهو المعتمد في المذهب - الأصحّ أنّه لا يجزئه الاقتصار على : السّلام عليكم ، لأنّ الصّحيح « عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يقول : السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته » ، ولأنّ السّلام في الصّلاة ورد مقروناً بالرّحمة ، فلم يجز بدونها ، كالتّسليم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في التّشهّد . </p><p>قال الشّافعيّة والحنابلة : والأولى ترك " وبركاته " كما في أكثر الأحاديث . وصرّح المالكيّة : بأنّ زيادة " ورحمة اللّه " لا يضرّ ، لأنّها خارجة عن الصّلاة ، وظاهر كلام أهل المذهب أنّها غير سنّة ، وإن ثبت بها الحديث ، لأنّها لم يصحبها عمل أهل المدينة ، وذكر بعض المالكيّة أنّ الأولى الاقتصار على : السّلام عليكم ،وأنّ زيادة : ورحمة اللّه وبركاته هنا خلاف الأولى. </p><p>ج - التّرحّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم خارج الصّلاة :</p><p>7 - اختلف الفقهاء في جواز التّرحّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم خارج الصّلاة ، فذهب بعضهم إلى المنع مطلقاً ووجّهه بعض الحنفيّة : بأنّ الرّحمة إنّما تكون غالباً عن فعل يلام عليه ، ونحن أمرنا بتعظيمه ، وليس في التّرحّم ما يدلّ على التّعظيم ، مثل الصّلاة ، ولهذا يجوز أن يدعى بها لغير الأنبياء والملائكة عليهم السلام . </p><p>أمّا هو صلى الله عليه وسلم فمرحوم قطعاً ، فيكون من باب تحصيل الحاصل ، وقد استغنينا عن هذه بالصّلاة ، فلا حاجة إليها ، ولأنّه يجلّ مقامه عن الدّعاء بها . </p><p>قال ابن دحية : ينبغي لمن ذكره صلى الله عليه وسلم أن يصلّي عليه ، ولا يجوز أن يترحّم عليه ، لقوله تعالى : { لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضَاً } .</p><p>ونقل مثله عن ابن عبد البرّ ، والصّيدلانيّ ، كما حكاه عنه الرّافعيّ ولم يتعقّبه . </p><p>وصرّح أبو زرعة ابن الحافظ العراقيّ في فتاواه ، بأنّ المنع أرجح لضعف الأحاديث الّتي استند إليها ، فيفهم من قوله : حرمته مطلقاً . </p><p>وذهب بعض الفقهاء إلى الجواز مطلقاً : أي ولو بدون انضمام صلاة أو سلام . </p><p>واستدلّوا بقول الأعرابيّ فيما رواه البخاريّ وهو قوله : « اللّهمّ ارحمني ، وارحم محمّداً ، ولا ترحم معنا أحداً لتقريره صلى الله عليه وسلم على قوله : اللّهمّ ارحمني وارحم محمّداً ، ولم ينكر عليه سوى قوله : ولا ترحم معنا أحداً » . </p><p>وقال السّرخسيّ : لا بأس بالتّرحّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، لأنّ الأثر ورد به من طريق أبي هريرة وابن عبّاس رضي الله عنهم ، ولأنّ أحداً وإن جلّ قدره لا يستغني عن رحمة اللّه . كما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « لن يدخل أحداً عمله الجنّة ، قالوا : ولا أنت يا رسول اللّه ؟ قال : ولا أنا إلاّ أن يتغمّدني اللّه برحمته » . </p><p>ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان من أشوق العبّاد إلى مزيد رحمة اللّه تعالى ، ومعناها معنى الصّلاة ، فلم يوجد ما يمنع ذلك . ولا ينافي الدّعاء له بالرّحمة أنّه عليه الصلاة والسلام عَيْنُ الرّحمة بنصّ : { ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلعَالَمِين } لأنّ حصول ذلك لا يمنع طلب الزّيادة له ، إذ فضل اللّه لا يتناهى ، والكامل يقبل الكمال . </p><p>وفصّل بعض المتأخّرين ، فقال بالحرمة إنّ ذكرها استقلالاً : كأن يقول المتكلّم : قال النّبيّ رحمه الله . وبالجواز إن ذكرها تبعاً : أي مضمومةً إلى الصّلاة والسّلام ، فيجوز : اللّهمّ صلّ على محمّد وارحم محمّداً . ولا يجوز : ارحم محمّداً ، بدون الصّلاة ، لأنّها وردت في الأحاديث الّتي وردت فيها على سبيل التّبعيّة للصّلاة والبركة ، ولم يرد ما يدلّ على وقوعها مفردةً ، وربّ شيء يجوز تبعاً ، لا استقلالاً . </p><p>وبه أخذ جمع من العلماء ، بل نقله القاضي عن الجمهور ، وقال القرطبيّ : وهو الصّحيح .</p><p>د - التّرحّم على الصّحابة رضي الله عنهم والتّابعين ومن بعدهم من الأخيار :</p><p>8 - اختلف الفقهاء في جواز التّرحّم على الصّحابة ، فذهب بعضهم إلى أنّه عند ذكر الصّحابة الأولى أن يقال : رضي اللّه عنهم . </p><p>وأمّا عند ذكر التّابعين ومن بعدهم من العلماء ، والعبّاد ،وسائر الأخيار فيقال : رحمهم اللّه. قال الزّيلعيّ : الأولى أن يدعو للصّحابة بالرّضى ، وللتّابعين بالرّحمة ، ولمن بعدهم بالمغفرة والتّجاوز ، لأنّ الصّحابة كانوا يبالغون في طلب الرّضى من اللّه تعالى ، ويجتهدون في فعل ما يرضيه ، ويرضون بما يلحقهم من الابتلاء من جهته أشدّ الرّضى ، فهؤلاء أحقّ بالرّضى ، وغيرهم لا يلحق أدناهم ولو أنفق ملء الأرض ذهباً . </p><p>وذكر ابن عابدين نقلاً عن القرمانيّ على الرّاجح عنده : أنّه يجوز عكسه أيضاً ، وهو التّرحّم للصّحابة ، والتّرضّي للتّابعين ومن بعدهم . وإليه مال النّوويّ في الأذكار ، وقال : يستحبّ التّرضّي والتّرحّم على الصّحابة والتّابعين فمن بعدهم من العلماء والعبّاد وسائر الأخيار . فيقال : رضي اللّه عنه ، أو رحمه اللّه ونحو ذلك . </p><p>وأمّا ما قاله بعض العلماء : إنّ قوله : رضي اللّه عنه مخصوص بالصّحابة ، ويقال في غيرهم : رحمه اللّه فقط فليس كما قال ، ولا يوافق عليه ، بل الصّحيح الّذي عليه الجمهور استحبابه ، ودلائله أكثر من أن تحصر . وذكر في النّهاية نقلاً عن المجموع : أنّ اختصاص التّرضّي بالصّحابة والتّرحّم بغيرهم ضعيف .</p><p>هـ - التّرحّم على الوالدين :</p><p>9 - الأصل في وجوب التّرحّم على الوالدين قوله تعالى : { وَاخْفِضْ لهما جَنَاحَ الذُّلِّ من الرَّحْمَةِ وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما } حيث أمر اللّه سبحانه وتعالى عباده بالتّرحّم على آبائهم والدّعاء لهم . ومحلّ طلب الدّعاء والتّرحّم لهما إن كانا مؤمنين ، أمّا إن كانا كافرين فيحرم ذلك لقوله تعالى : { مَا كانَ لِلنَّبيِّ والّذينَ آمنُوا أنْ يَسْتَغفِرُوا للمُشْرِكِينَ ولو كانوا أُولِي قُرْبَى } .</p><p>و - التّرحّم في التّحيّة بين المسلمين :</p><p>10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الأفضل أن يقول المسلم للمسلم في التّحيّة : السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، ويقول المجيب أيضاً : وعليكم السّلام ورحمة اللّه وبركاته ، لما روى عمران بن الحصين أنّه قال : « جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : السّلام عليكم ، فردّ عليه ، ثمّ جلس ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : عشر . ثمّ جاء آخر ، فقال : السّلام عليكم ورحمة اللّه ، فردّ عليه ، ثمّ جلس ، فقال : عشرون . ثمّ جاء آخر ، فقال : السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، فردّ عليه ، فجلس ، فقال : ثلاثون » قال التّرمذيّ : حديث حسن . وهذا التّعميم مخصوص بالمسلمين ، فلا ترحّم على كافر لمنع بدئه بالسّلام عند الأكثرين تحريماً ، لحديث : « لا تبدءوا اليهود ولا النّصارى بالسّلام » . </p><p>ولو سلّم اليهوديّ والنّصرانيّ ، فلا بأس بالرّدّ ، ولكن لا يزيد على قوله : " وعليك " . </p><p>والّذين جوّزوا ابتداءهم بالسّلام ، صرّحوا بالاقتصار على : " السّلام عليك " دون الجمع ، ودون أن يقول : " ورحمة اللّه " لما روي عن أنس رضي الله عنه ، قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : إذا سلّم عليكم أهل الكتاب ، فقولوا : وعليكم أو عليكم » بغير واو .</p><p>ز - التّرحّم على الكفّار :</p><p>11 - صرّح النّوويّ في كتابه الأذكار بأنّه لا يجوز أن يدعى للذّمّيّ بالمغفرة وما أشبهها في حال حياته ممّا لا يقال للكفّار ، لكن يجوز أن يدعى له بالهداية ، وصحّة البدن والعافية وشبه ذلك . لحديث أنس رضي الله عنه قال : « استسقى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسقاه يهوديّ ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم : جمّلك اللّه » فما رأى الشّيب حتّى مات . </p><p>وأمّا بعد وفاته فيحرم الدّعاء للكافر بالمغفرة ونحوها ، لقول اللّه تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والّذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلمُشْرِكِينَ ولو كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهم أنَّهم أصْحَابُ الجَحِيمِ } وقد جاء الحديث بمعناه ، وأجمع المسلمون عليه .</p><p>ح - التزام التّرحّم كتابةً ونطقاً عند القراءة : </p><p>ينبغي لكاتب الحديث وراويه أن يحافظ على كتابة التّرضّي والتّرحّم على الصّحابة والعلماء وسائر الأخيار ، والنّطق به ، ولا يسأم من تكراره ، ولا يتقيّد فيه بما في الأصل إن كان ناقصاً .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41252, member: 329"] الألفاظ ذات الصّلة : التّفسير : 2 - التّفسير مصدر فسّر ، وهو في اللّغة بمعنى : البيان والكشف والإظهار . وفي الشّرع : توضيح معنى الآية ( أي ونحوها ) وشأنها ، وقصّتها ، والسّبب الّذي نزلت فيه بلفظ يدلّ عليه دلالة ظاهرة . فالتّرجمة تكون بلغة مغايرة ، وعلى قدر الكلام المترجم ، دون زيادة أو نقص ، بخلاف التّفسير فقد يطول ويتناول الدّلالات التّابعة للّفظ . ترجمة القرآن الكريم وأنواعها : 3 - قال الشّاطبيّ : للّغة العربيّة - من حيث هي ألفاظ دالّة على معان - نظران : أحدهما : من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مطلقةً دالّةً على معان مطلّقة ، وهي الدّلالة الأصليّة . والثّاني : من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مقيّدةً ، دالّةً على معان خادمة ، وهي الدّلالة التّابعة . فالجهة الأولى : هي الّتي يشترك فيها جميع الألسنة ، وإليها تنتهي مقاصد المتكلّمين ، ولا تختصّ بأمّة دون أخرى ، فإنّه إذا حصل في الوجود فعل لزيد مثلاً كالقيام ، ثمّ أراد كلّ صاحب لسان الإخبار عن زيد بالقيام ، تأتّى له ما أراد من غير كلفة . ومن هذه الجهة يمكن في لسان العرب الإخبار عن أقوال الأوّلين - ممّن ليسوا من أهل اللّغة العربيّة - وحكاية كلامهم . ويتأتّى في لسان العجم حكاية أقوال العرب والإخبار عنها ، وهذا لا إشكال فيه . وأمّا الجهة الثّانية : فهي الّتي يختصّ بها لسان العرب في تلك الحكاية وذلك الإخبار ، فإنّ كلّ خبر يقتضي في هذه الجهة أموراً خادمةً لذلك الإخبار ، بحسب المخبر ، والمخبر عنه ، والمخبر به ، ونفس الإخبار ، في الحال والمساق ، ونوع الأسلوب : من الإيضاح والإخفاء ، والإيجاز ، والإطناب ، وغير ذلك . وذلك أنّك تقول في ابتداء الإخبار : قام زيد إن لم تكن ثمّ عناية بالمخبر عنه ، بل بالخبر . فإن كانت العناية بالمخبر عنه قلت : زيد قام . وفي جواب السّؤال أو ما هو منزّل تلك المنزلة : إنّ زيداً قام . وفي جواب المنكر لقيامه : واللّه إنّ زيداً قام . وفي إخبار من يتوقّع قيامه ، أو الإخبار بقيامه : قد قام زيد ، أو زيد قد قام . وفي التّنكيت على من ينكر : إنّما قام زيد . ثمّ يتنوّع أيضاً بحسب تعظيمه أو تحقيره - أعني المخبر عنه - وبحسب الكناية عنه والتّصريح به ، وبحسب ما يقصد في مساق الإخبار ، وما يعطيه مقتضى الحال ، إلى غير ذلك من الأمور الّتي لا يمكن حصرها ، وجميع ذلك دائر حول الإخبار بالقيام عن زيد . فمثل هذه التّصرّفات الّتي يختلف معنى الكلام الواحد بحسبها ، ليست هي المقصود الأصليّ ، ولكنّها من مكمّلاته ومتمّماته . وبطول الباع في هذا النّوع يحسن مساق الكلام إذا لم يكن فيه منكر . وبهذا النّوع الثّاني اختلفت العبارات وكثير من أقاصيص القرآن ، لأنّه يأتي مساق القصّة في بعض السّور على وجه ، وفي بعضها على وجه آخر ، وفي ثالثة على وجه ثالث ، وهكذا ما تقرّر فيه من الإخبارات لا بحسب النّوع الأوّل ، إلاّ إذا سكت عن بعض التّفاصيل في بعض ، ونصّ عليه في بعض . وذلك أيضاً لوجه اقتضاه الحال والوقت . { وما كان ربُّك نَسِيَّاً } وإذا ثبت هذا فلا يمكن لمن اعتبر هذا الوجه الأخير أن يترجم كلاماً من الكلام العربيّ بكلام العجم على حال ، فضلاً عن أن يترجم القرآن وينقل إلى لسان غير عربيّ ، إلاّ مع فرض استواء اللّسانين في اعتباره عيناً ، كما إذا استوى اللّسان في استعمال ما تقدّم تمثيله ونحوه . فإذا ثبت ذلك في اللّسان المنقول إليه مع لسان العرب ، أمكن أن يترجم أحدهما إلى الآخر . وإثبات مثل هذا بوجه بيّن عسير جدّاً . وربّما أشار إلى شيء من ذلك أهل المنطق من القدماء ، ومن حذا حذوهم من المتأخّرين ، ولكنّه غير كاف ولا مغن في هذا المقام . وقد نفى ابن قتيبة إمكان التّرجمة في القرآن يعني على هذا الوجه الثّاني ، فأمّا على الوجه الأوّل فهو ممكن ، ومن جهته صحّ تفسير القرآن وبيان معناه للعامّة ومن ليس له فهم يقوى على تحصيل معانيه ، وكان ذلك جائزاً باتّفاق أهل الإسلام ، فصار هذا الاتّفاق حجّةً في صحّة التّرجمة على المعنى الأصليّ . 4 - هذا وتنقسم التّرجمة إلى نوعين : أ - التّرجمة الحرفيّة : وهي النّقل من لغة إلى أخرى ، مع التزام الصّورة اللّفظيّة للكلمة ، أو ترتيب العبارة . ب - التّرجمة لمعاني الكلام : وهي تعبير بألفاظ تبيّن معاني الكلام وأغراضه ، وتكون بمنزلة التّفسير . ما يتعلّق بالتّرجمة من أحكام : أ - كتابة القرآن بغير العربيّة وهل تسمّى قرآناً ؟ 5 - ذهب بعض الحنفيّة إلى جواز كتابة آية أو آيتين بحروف غير عربيّة ، لا كتابته كلّه ، لكن كتابة القرآن بالعربيّة وتفسير كلّ حرف وترجمته جائز عندهم . لما روي عن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه أنّ قوماً من الفرس سألوه أن يكتب لهم شيئاً من القرآن ، فكتب لهم فاتحة الكتاب بالفارسيّة . ب - قراءة القرآن بغير العربيّة : ونظر الفقهاء في ذلك على اختلاف آرائهم متوجّه إلى عدم الإخلال بحفظ القرآن ، وأن لا تكون مؤدّيةً إلى التّهاون بأمره ، ولكنّها لا تسمّى قرآناً على أيّ وجه كانت . 6 - واختلف الفقهاء في جواز القراءة في الصّلاة بغير العربيّة . فيرى المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة أنّه لا يجوز القراءة بغير العربيّة ، سواء أحسن قراءتها بالعربيّة أم لم يحسن ، لقوله تعالى : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّر مِنَ القرآنِ } أمر بقراءة القرآن في الصّلاة ، والقرآن هو المنزّل بلغة العرب ، كما قال سبحانه وتعالى : { إِنَّا أنْزَلْنَاه قًرآنَاً عَرَبيّاً } وقال أيضاً : { بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } ولأنّ ترجمة القرآن من قبيل التّفسير ، وليست قرآناً ، لأنّ القرآن هو اللّفظ العربيّ المنزّل على سيّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم ، فالقرآن دليل النّبوّة وعلامة الرّسالة ، وهو المعجز بلفظه ومعناه ، والإعجاز من حيث اللّفظ يزول بزوال النّظم العربيّ ، فلا تكون التّرجمة قرآناً لانعدام الإعجاز ، ولذا لم تحرم قراءة التّرجمة على الجنب والحائض ، ولا يحنث بها من حلف لا يقرأ القرآن . وذهب أبو يوسف ومحمّد إلى أنّ المصلّي إن كان يحسن العربيّة لا يجوز أن يقرأ القرآن بغيرها ، وإن كان لا يحسن يجوز . وقد ثبت رجوع أبي حنيفة إلى قولهما لقوّة دليلهما وهو : أنّ المأمور به قراءة القرآن ، وهو اسم للمنزّل باللّفظ العربيّ المنظوم هذا النّظم الخاصّ المكتوب في المصاحف ، المنقول إلينا نقلاً متواتراً . والأعجميّة إنّما تسمّى قرآناً مجازاً ، ولذا يصحّ نفي اسم القرآن على المترجم إليها . وذهب أبو حنيفة في المشهور من قوله إلى جواز القراءة بالفارسيّة - فيما يمكن ترجمته حرفيّاً - كما يجوز بالعربيّة ، سواء أكان يحسن العربيّة أم لا يحسن ، فتجب لأنّها اعتبرت خلفاً عن النّظم العربيّ ، وليس لكونها قرآناً ، فهي حينئذ رخصة عنده . غير أنّه إن كان يحسن العربيّة يصير مسيئاً لمخالفته السّنّة المتوارثة . وقد رجع أبو حنيفة إلى رأي صاحبيه كما سبق . ثمّ الجواز على قول أبي حنيفة - المرجوع عنه - مقصور على قراءة من لا يكون متّهماً بالعبث بالقرآن ، وأن لا يكون معتاداً لقراءة القرآن بالعجميّة ، أمّا اعتياد القراءة بالأعجميّة فممنوع مطلقاً . ت - مسّ المحْدِث التّرجمة وحملها وقراءتها : 7 - ذهب الحنفيّة في الأصحّ عندهم إلى أنّه لا يجوز للحائض قراءة القرآن بقصد القراءة ولا مسّه ، ولو مكتوباً بغير العربيّة ، وقال بعضهم : يجوز ، وقال ابن عابدين نقلاً عن البحر : وهذا أقرب إلى القياس ، والمنع أقرب إلى التّعظيم ، والصّحيح المنع . والمتبادر من أقوال المالكيّة ، وهو ما صرّح به الحنابلة : جواز مسّ كتب التّفسير مطلقاً ، قلّ التّفسير أو كثر ، لأنّه لا يقع عليها اسم المصحف ، ولا تثبت لها حرمته . ويرى الشّافعيّة حرمة حمل التّفسير ومسّه ، إذا كان القرآن أكثر من التّفسير ، وكذلك إن تساويا على الأصحّ ، ويحلّ إذا كان التّفسير أكثر على الأصحّ ، وفي رواية : يحرم لإخلاله بالتّعظيم . والتّرجمة من قبيل التّفسير . ث - ترجمة الأذان : 8 - لو أذّن بالفارسيّة أو بلغة أخرى غير العربيّة ، فالصّحيح عند الحنفيّة والحنابلة : أنّه لا يصحّ ، ولو علم أنّه أذان . وهو المتبادر من كلام المالكيّة ، لأنّهم يشترطون في الأذان : أن يكون بالألفاظ المشروعة . وأمّا الشّافعيّة فقد فصّلوا الكلام فيه ، وقالوا : إن كان يؤذّن لجماعة ، وفيهم من يحسن العربيّة ، لم يجزئ الأذان بغيرها ، ويجزئ إن لم يوجد من يحسنها . وإن كان يؤذّن لنفسه ، فإن كان يحسن العربيّة لا يجزئه الأذان بغيرها ، وإن كان لا يحسنها أجزأه . ج - ترجمة التّكبير والتّشهّد وخطبة الجمعة وأذكار الصّلاة : 9 - لو كبّر المصلّي بغير العربيّة ، فذهب أبو حنيفة إلى جوازه مطلقاً ، عجز عن العربيّة أم لم يعجز ، واحتجّ في ذلك بقوله تعالى : { وَذَكَرَ اسمَ رَبِّه فَصَلَّى } ، وقياساً على إسلام الكافر . وشرط أبو يوسف ومحمّد عجز الشّخص عن العربيّة . وعلى هذا الخلاف : الخطبة وأذكار الصّلاة ، كما لو سبّح بالفارسيّة في الصّلاة ، أو أثنى على اللّه تعالى ، أو تعوّذ ، أو هلّل ، أو تشهّد ، أو صلّى على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصحّ عنده ، وأمّا أبو يوسف ومحمّد فشرطا العجز . وذكر ابن عابدين نقلاً عن شرح الطّحاويّ : أنّه لو كبّر الشّخص بالفارسيّة ، أو سمّى عند الذّبح ، أو لبّى عند الإحرام بالفارسيّة أو بأيّ لسان ، سواء أكان يحسن العربيّة أم لا ، جاز بالاتّفاق بين الإمام وصاحبيه ، وهذا يعني أنّ الصّاحبين رجعا إلى قول الإمام في جواز التّكبير والأذكار مطلقاً ، كما أنّ أبا حنيفة رجع إلى قولهما في عدم جواز القراءة بالعجميّة إلاّ عند العجز . ويرى المالكيّة أنّه إن عجز عن التّكبير بالعربيّة سقط ، ولا يجوز بغيرها ، ويكفيه نيّته كالأخرس ، فإن أتى العاجز عنه بمرادفه من لغة أخرى لم تبطل ، قياساً على الدّعاء بالعجميّة ولو للقادر على العربيّة . وعند بعض شيوخ القاضي عياض : يجوز الإتيان بالتّكبير بغير العربيّة ، وأمّا الخطبة فلا تجوز عندهم بغير العربيّة ولو كان الجماعة عجماً لا يعرفون العربيّة ، فلو لم يكن منهم من يحسن الإتيان بالخطبة عربيّةً لم تلزمهم جمعة . وذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى عدم جواز التّكبير بالعجميّة إذا أحسن العربيّة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « صلّوا كما رأيتموني أُصلّي » وكان عليه الصلاة والسلام يكبّر بالعربيّة ، وأيضاً قال للمسيء في صلاته : « إذا قمت للصّلاة فكبّر .. » ولأنّه لم ينقل عنه العدول عن ذلك حتّى فارق الدّنيا . هذا إذا أحسن العربيّة ، أمّا إن لم يحسن العربيّة لزمه تعلّم التّكبير بها إن كان في الوقت متّسع ، وإلاّ كبّر بلغته . وكذلك التّشهّد الأخير والصّلاة على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يجوزان بغير العربيّة عندهم للعاجز عنها ، ولا يجوز للقادر . وأمّا خطبة الجمعة ، فذهب الشّافعيّة في الأصحّ من المذهب إلى : أنّه يشترط أن تكون بالعربيّة ، فإن لم يكن ثمّ من يحسن العربيّة ، ولم يمكن تعلّمها ، خطب بغيرها ، فإن انقضت مدّة إمكان التّعلّم - ولم يتعلّموا - عصوا كلّهم ولا جمعة لهم . وفي السّلام بالعجميّة ثلاثة أوجه : أحدهما : إن قدر على العربيّة لم يجز ، وقال النّوويّ : الصّواب صحّة سلامه بالعجميّة إن كان المخاطب يفهمها . والضّابط عند الشّافعيّة في مسألة التّرجمة هو : أنّ ما كان المقصود منه لفظه ومعناه ، فإن كان لإعجازه امتنع قطعاً ، وإن لم يكن كذلك امتنع للقادر ، كالأذان وتكبير الإحرام والتّشهّد والأذكار المندوبة ، والأدعية المأثورة في الصّلاة ، والسّلام والخطبة . وما كان المقصود منه معناه دون لفظه ، فجائز ، كالبيع والخلع والطّلاق ونحوها . والقول الآخر عند الشّافعيّة أنّ كون الخطبة بالعربيّة مستحبّ فقط ، قال النّوويّ : لأنّ المقصود الوعظ ، وهو حاصل بكلّ اللّغات . ح - الدّعاء بغير العربيّة في الصّلاة : 10 - المنقول عن الحنفيّة في الدّعاء بغير العربيّة الكراهة ، لأنّ عمر رضي الله تعالى عنه نهى عن رطانة الأعاجم ، والرّطانة كما في القاموس : الكلام بالأعجميّة . وظاهر التّعليل : أنّ الدّعاء بغير العربيّة خلاف الأولى ، وأنّ الكراهة فيه تنزيهيّة ، ولا يبعد أن يكون الدّعاء بالعجميّة مكروهاً تحريماً في الصّلاة ، وتنزيهاً خارجها . وذهب المالكيّة إلى أنّه يحرم الدّعاء بغير العربيّة - على ما نقل ابن عابدين عن القرافيّ - معلّلاً باشتماله على ما ينافي التّعظيم ، وقيّد اللّقانيّ كلام القرافيّ بالأعجميّة المجهولة المدلول ، أخذاً من تعليله ، وهو اشتمالها على ما ينافي جلال الرّبوبيّة . وأمّا إذا علم مدلولها فيجوز استعمالها مطلقاً في الصّلاة وغيرها ، لقوله تعالى : { وَعَلَّمَ آدمَ الأَسْمَاءَ كُلَّها } وقوله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا منْ رَسُولٍ إلاّ بِلِسَانِ قَومِه } وهذا ما صرّح به الدّسوقيّ أيضاً . وقد فصّل الشّافعيّة الكلام فقالوا : الدّعاء في الصّلاة إمّا أن يكون مأثوراً أو غير مأثور . أمّا الدّعاء المأثور ففيه ثلاثة أوجه : أصحّها ، ويوافقه ما ذهب إليه الحنابلة : أنّه يجوز بغير العربيّة للعاجز عنها ، ولا يجوز للقادر ، فإن فعل بطلت صلاته . والثّاني : يجوز لمن يحسن العربيّة وغيره . والثّالث : لا يجوز لواحد منهما لعدم الضّرورة إليه . وأمّا الدّعاء غير المأثور في الصّلاة ، فلا يجوز اختراعه والإتيان به بالعجميّة قولاً واحداً . وأمّا سائر الأذكار كالتّشهّد الأوّل والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيه ، والقنوت ، والتّسبيح في الرّكوع والسّجود ، وتكبيرات الانتقالات ، فعلى القول بجواز الدّعاء بالأعجميّة تجوز بالأولى ، وإلاّ ففي جوازها للعاجز أوجه : أصحّها : الجواز . والثّاني : لا . والثّالث : يجوز فيما يجبر بسجود السّهو . وذكر صاحب الحاوي : أنّه إذا لم يحسن العربيّة أتى بكلّ الأذكار بالعجميّة ، وإن كان يحسنها أتى بالعربيّة ، فإن خالف وقالها بالفارسيّة : فما كان واجباً كالتّشهّد والسّلام لم يجزه ، وما كان سنّةً كالتّسبيح والافتتاح أجزأه وقد أساء . خ - الإِتيان بالشّهادتين بغير العربيّة لمن أراد الإِسلام : 11 - يرى جمهور الفقهاء أنّ الكافر إذا أراد الإسلام ، فإن لم يحسن العربيّة جاز أن يأتي بالشّهادتين بلسانه ، وأمّا إن كان يحسنها : فيرى الحنفيّة ، وهو الصّحيح عند عامّة الشّافعيّة أنّه جائز ، لأنّ المراد من الشّهادتين الإخبار عن اعتقاده ، وذلك يحصل بكلّ لسان . وأمّا المالكيّة فالأصل عندهم أنّ النّطق بالشّهادتين بالعربيّة شرط في صحّة الإسلام إلاّ لعجز - بخرس ونحوه - مع قيام القرينة على تصديقه بقلبه ، فيحكم له بالإسلام ، وتجري عليه أحكامه . وذهب الحنابلة إلى أنّه يثبت إسلام الكافر الأصليّ بالنّطق بالشّهادتين . وأمّا إن قال : أنا مؤمن أو أنا مسلم ،قال القاضي أبو يعلى : يحكم بإسلامه بهذا وإن لم يلفظ الشّهادتين. د - الأمان بغير العربيّة : 12 - الأمان بغير العربيّة لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يجوز ، لما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنّه قال : إذا قلتم : لا بأس أو : لا تذهل أو : مترس ، فقد آمنتموهم ، فإنّ اللّه تعالى يعلم الألسنة . وروي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه مثل ذلك . ذ - انعقاد النّكاح ووقوع الطّلاق ، بغير العربيّة : أوّلاً - ترجمة صيغة النّكاح : 13 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من لا يحسن العربيّة يصحّ منه عقد النّكاح بلسانه ، لأنّه عاجز عمّا سواه ، فسقط عنه كالأخرس ، ويحتاج أن يأتي بالمعنى الخاصّ بحيث يشتمل على معنى اللّفظ العربيّ ، وقال أبو الخطّاب من الحنابلة : عليه أن يتعلّم ما كانت العربيّة شرطاً فيه كالتّكبير . واختلفوا فيمن يقدر على لفظ النّكاح بالعربيّة : فذهب الحنفيّة والشّافعيّة في الأصحّ ، والشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة وابن قدامة من الحنابلة إلى : أنّه ينعقد بغيرها ، لأنّه أتى بلفظه الخاصّ ، فانعقد به ، كما ينعقد بلفظ العربيّة . ولأنّ اللّغة العجميّة تصدر عمّن تكلّم بها عن قصد صحيح . ويرى الشّافعيّة في وجه آخر أنّه لا يصحّ بغير العربيّة ، حتّى وإن كان لا يحسنها . وللشّافعيّة قول ثالث : وهو أنّه ينعقد إن لم يحسن العربيّة وإلاّ فلا . وقال في كشّاف القناع : فإن كان أحد المتعاقدين في النّكاح يحسن العربيّة دون الآخر أتى الّذي يحسن العربيّة بما هو من قبله - من إيجاب أو قبول - بالعربيّة لقدرته عليه ، والعاقد الآخر يأتي بما هو من قبله بلغته ، وإن كان كلّ منهما لا يحسن لسان الآخر ترجم بينهما ثقة يعرف اللّسانين . ثانياً - التّطليق بغير العربيّة : 14 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى : أنّ العجميّ إذا أتى بصريح الطّلاق بالعجميّة كان طلاقاً ، وإذا أتى بالكناية لا يقع إلاّ بنيّته . ولكنّهم اختلفوا في الألفاظ الّتي تعتبر صريح الطّلاق وكنايته بالعجميّة ، وبيّن الفقهاء بعضها في كتاب الطّلاق . ويرى المالكيّة أنّ من طلّق بالعجميّة لزمه إن شهد بذلك عدلان يعرفان العجميّة . قال ابن ناجي : قال أبو إبراهيم : يؤخذ منها أنّ التّرجمان لا يكون أقلّ من عدلين . وينظر مصطلح : ( طلاق ) . ر - التّرجمة في القضاء : 15 - جمهور الفقهاء على أنّ القاضي يجوز له أن يتّخذ مترجماً . وأمّا تعدّده ، فذهب الحنفيّة وهو رواية عن أحمد إلى : أنّه يكفي واحد عدل ، وهو اختيار أبي بكر وقاله ابن المنذر أيضاً . قال ابن المنذر في حديث زيد بن ثابت : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلّم كتاب يهود ، قال : فكنت أكتب له إذا كتب إليهم ، وأقرأ له إذا كتبوا » . ولأنّه ممّا لا يفتقر إلى لفظ الشّهادة فأجزأ فيه الواحد كأخبار الدّيانات . ويرى المالكيّة أنّه يكفي الواحد العدل إن رتّبه القاضي . أمّا غير المرتّب بأن أتى به أحد الخصمين ، أو طلبه القاضي للتّبليغ ، فلا بدّ فيه من التّعدّد ، لأنّه صار كالشّاهد . وفي قول : لا بدّ من تعدّده ، ولو رتّب . وذهب الشّافعيّة ، وهو المذهب عند الحنابلة إلى : أنّ التّرجمة شهادة ، لأنّ المترجم ينقل إلى القاضي قولاً لا يعرفه القاضي ، وما خفي عليه فيما يتعلّق بالمتخاصمين ، ولذا فإنّها تفتقر إلى العدد والعدالة ، ويعتبر فيه من الشّروط ما يعتبر في الشّهادة . فإن كان الحقّ ممّا يثبت برجل أو امرأتين قبلت التّرجمة من رجل وامرأتين ، وما لا يثبت إلاّ برجلين يشترط في ترجمته رجلان ، وفي حدّ الزّنا قولان عند الشّافعيّة . أحدهما : أنّه لا يكفي فيه أقلّ من أربعة رجال أحرار عدول . والثّاني : يكفي فيه اثنان . وقيل عند الشّافعيّة : يكفي رجلان قطعاً . ترجيح * انظر : تعارض . ترجيع * التّعريف : 1 - التّرجيع في اللّغة هو : ترديد الصّوت في قراءة أو أذان أو غناء أو غير ذلك ممّا يُتَرنّم به . وفي الاصطلاح هو : أن يخفض المؤذّن صوته بالشّهادتين مع إسماعه الحاضرين ، ثمّ يعود فيرفع صوته بهما . الألفاظ ذات الصّلة : التّثويب : 2 - التّثويب لغةً : العود إلى الإعلام بعد الإعلام . واصطلاحاً : قول المؤذّن في أذان الصّبح بعد الحيعلتين ، أو بعد الأذان وقبل الإقامة - كما يقول بعض الفقهاء - الصّلاة خير من النّوم ، مرّتين . ويختلف التّثويب عن التّرجيع - بالمعنى الأوّل - في أنّ التّثويب يكون في أذان الفجر بعد الحيعلتين أو بعد الأذان ، وأمّا التّرجيع فيكون في الإتيان بالشّهادتين في كلّ أذان . الحكم الإجماليّ : 3 - يرى الحنفيّة والحنابلة على الصّحيح من المذهب - وهو قول الثّوريّ وإسحاق - أنّه لا ترجيع في الأذان ، « لحديث عبد اللّه بن زيد من غير ترجيع . فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم : إنّها حقّ إن شاء اللّه ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت ، فليؤذّن به ، فإنّه أندى صوتاً منك . فقمت مع بلال ، فجعلت ألقيه عليه ويؤذّن به » . فإذا رجع المؤذّن ، فقد نصّ الإمام أحمد على أنّه لا بأس به ، واعتبر الاختلاف في التّرجيع من الاختلافات المباحة ، وقال ابن نجيم : الظّاهر من عبارات مشايخ الحنفيّة أنّ التّرجيع مباح ليس بسنّة ولا مكروه ، لأنّ كلا الأمرين صحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ونقل الحصكفيّ عن ملتقى الأبحر كراهة التّرجيع في الأذان ، وحملها ابن عابدين على الكراهة التّنزيهيّة . ويرى المالكيّة ، وهو الصّحيح عند الشّافعيّة : أنّه يسنّ التّرجيع في الأذان ، لما روي عن أبي محذورة رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ألقى عليه التّأذين هو بنفسه ، فقال له : قل : اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، ثمّ قال : ارجع فامدد صوتك ، ثمّ قال : قل : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ، أشهد أنّ محمّداً رسول اللّه .. إلخ » . وهناك وجه للشّافعيّة حكاه الخراسانيّون : أنّ التّرجيع ركن لا يصحّ الأذان إلاّ به . قال القاضي حسين : نقل البيهقيّ عن الإمام الشّافعيّ : أنّه إن ترك التّرجيع لا يصحّ أذانه . محلّ التّرجيع : 4 - التّرجيع يكون كما تقدّم في حديث أبي محذورة بعد الإتيان بالشّهادتين معاً ، فلا يرجّع الشّهادة الأولى قبل الإتيان بالشّهادة الثّانية . حكمة التّرجيع : 5 - حكمة التّرجيع هي تدبّر كلمتي الإخلاص ، لكونهما المنجّيتين من الكفر ، المدخلتين في الإسلام ، وتذكّر خفائهما في أوّل الإسلام ثمّ ظهورهما . ترجيل * التّعريف : 1 - التّرجيل لغةً : تسريح الشّعر وتنظيفه وتحسينه . يقال : رجّلته ترجيلاً : إذا سرّحته ومشّطته . وقد يكون التّرجيل أخصّ من التّمشيط ،لأنّه يراعى فيه الزّيادة في تحسين الشّعر. أمّا التّسريح فهو : إرسال الشّعر وحلّه قبل المشط ، وعلى هذا فيكون التّسريح مغايراً للتّرجيل ، ومضادّاً للتّمشيط . وقال الأزهريّ : تسريح الشّعر ترجيله ، وتخليص بعضه من بعض بالمشط . فعلى المعنى الأوّل يكون مغايراً للتّرجيل ، وعلى الثّاني يكون مرادفاً . ولا يخرج استعمال الفقهاء للفظ التّرجيل عن معناه اللّغويّ . الحكم التّكليفيّ : 2 - الأصل في ترجيل الشّعر الاستحباب ، لما روى أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : « من كان له شعر فَلْيُكْرمْه » ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحبّ التّرجيل ، وكان يرجّل نفسه تارةً ، وترجّله عائشة رضي الله عنها تارةً أخرى فقد روت « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصغي إليّ رأسَه وهو مجاور في المسجد ، فأرجِّله وأنا حائض » . وهناك حالات يختلف فيها حكم التّرجيل باختلاف الأشخاص والأوقات منها : أ - ترجيل المعتكف : 3 - يرى جمهور الفقهاء : أنّه لا يكره للمعتكف إلاّ ما يكره فعله في المسجد ، فيجوز له ترجيل شعره ، لما روي عن « عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يصغي إليّ رأسَه ، وهو مجاور في المسجد ، فأرجّله وأنا حائض » . وقال المالكيّة : لا بأس بأن يدني المعتكف رأسه لمن هو خارج المسجد لترجيل شعره ، كأنّهم يرون كراهة التّرجيل في المسجد ، لأنّ التّرجيل لا يخلو من سقوط شيء من الشّعر ، والأخذ من الشّعر في المسجد مكروه عندهم . وللتّفصيل يرجع إلى مصطلح : ( اعتكاف ) . ب - ترجيل المحرم : 4 - ذهب الحنفيّة إلى عدم جواز التّرجيل للمحرم - وهو قول المالكيّة إذا كان التّرجيل بالدّهن - لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « الحاجّ الشَّعثُ التَّفِل » . والمراد بالشّعث انتشار شعر الحاجّ فلا يجمعه بالتّسريح والدّهن والتّغطية ونحوه . وقال الشّافعيّة بكراهية التّرجيل للمحرم لأنّه أقرب إلى نتف الشّعر . ويرى الحنابلة أنّ التّرجيل في حالة الإحرام لا بأس به ، ما لم يؤدّ إلى إبانة شعره . أمّا إذا تيقّن المحرم سقوط الشّعر بالتّرجيل فلا خلاف بين الفقهاء في حرمته حينئذ . وتفصيل ذلك في : ( إحرام ) . ج - ترجيل المحدَّة : 5 - لا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز التّرجيل للمحدّة بشيء من الطّيب أو بما فيه زينة . أمّا التّرجيل بغير موادّ الزّينة والطّيب - كالسّدر وشبهه ممّا لا يختمر في الرّأس - فقد أجازه المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، لما روت أمّ سلمة رضي الله عنها « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : لا تمتشطي بالطّيب ولا بالحنّاء فإنّه خضاب ، قالت : قلت : بأيّ شيء أمتشط ؟ قال : بالسّدر تغلّفين به رأسك » ولأنّه يراد للتّنظيف لا للتّطيّب . وقال الحنفيّة بعدم جواز ترجيل المحدّة - وإن كان بغير طيب - لأنّه زينة ، فإن كان فبمشط ذي أسنان منفرجة دون المضمومة . وقيّد صاحب الجوهرة جواز ترجيل المحدّة بأسنان المشط الواسعة بالعذر . وينظر التّفصيل في ( إحداد ، وامتشاط ) . كيفيّة التّرجيل : 6 - يستحبّ التّيامن في التّرجيل ، لحديث عائشة رضي الله عنها « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التّيامن في تنعّله وترجّله وطهوره ، وفي شأنه كلّه » . الإغباب في التّرجيل : يسنّ ترجيل الشّعر ودهنه غبّاً ، فالاستكثار من التّرجيل والمداومة عليه مكروه إلاّ لحاجة ، لحديث عبد اللّه بن مغفّل رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن التّرجّل إلاّ غبّاً » . ولما روى حميد بن عبد الرّحمن الحميريّ عن بعض أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كلّ يوم » . ترحّم * التّعريف : 1 - التّرحّم : من الرّحمة ، ومن معانيها : الرّقة ، والعطف ، والمغفرة . والتّرحّم : طلب الرّحمة ، وهو أيضاً الدّعاء بالرّحمة ، كقولك : رحمه اللّه . وترحّمتُ عليه : أي قلت له : رحمة اللّه عليك ، ورحَّم عليه : قال له : رحمة اللّه عليك . وتراحم القوم : رحم بعضهم بعضاً . ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى . الألفاظ ذات الصّلة : أ - التَّرَضِّي : 2 - التّرضّي من الرّضا ، وهو ضدّ السّخط ، والتّرضّي : طلب الرّضا ، والتّرضّي أيضاً : أن تقول : رضي اللّه عنه . ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذا المعنى ، فالتّرضّي دعاء بالرّضوان ، والتّرحّم دعاء بالرّحمة . وللتّفصيل ر : ( ترضّي ) . ب - التّبريك : 3 - التّبريك : الدّعاء بالبركة ، وهي بمعنى الزّيادة والنّماء ، يقال : بارك اللّه فيك وعليك ولك وباركك ، كلّها بمعنى : زادك خيراً ، ومنه قوله تعالى : { فَلَمَّا جَاءَها نُودِيَ أنْ بُورِكَ مَنْ في النَّارِ ومَنْ حَوْلَها } وتبرّك به : أي تيمّن . فالتّبريك بمعنى : الدّعاء بالبركة ، يتّفق مع التّرحّم في نفس هذا المعنى ، أي الدّعاء . الحكم التّكليفيّ : 4 - لا خلاف بين الفقهاء في استحباب التّرحّم على الوالدين أحياءً وأمواتاً ، وعلى التّابعين من العلماء والعبّاد الصّالحين ، وعلى سائر الأخيار ، أحياءً وأمواتاً . وأمّا التّرحّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الصّلاة وخارجها ، ففيه خلاف وتفصيل على النّحو الآتي : أ - التّرحّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعلى آله في الصّلاة : 5 - وهو إمّا أن يكون في التّشهّد أو خارجه . وقد ورد التّرحّم على الرّسول صلى الله عليه وسلم في التّشهّد ، وهو عبارة : " السّلام عليك أيّها النّبيّ ورحمة اللّه وبركاته " وتفصيل أحكام التّشهّد في مصطلحه . أمّا التّرحّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم خارج التّشهّد ، فقد ذهب الحنفيّة ، وبعض المالكيّة ، وبعض الشّافعيّة إلى استحباب زيادة : " وارحم محمّداً وآل محمّد " في الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الصّلاة . وعبارة الرّسالة لابن أبي زيد القيروانيّ : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، وارحم محمّداً وآل محمّد ، كما صلّيت ورحمت وباركت على إبراهيم . واستدلّوا بحديث أبي هريرة : قال : قلنا : « يا رسول اللّه : قد علمنا كيف نسلّم عليك ، فكيف نصلّي عليك ؟ قال : قولوا : اللّهمّ اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما جعلتها على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد » . قال الحافظ ابن حجر : فهذه الأحاديث - وإن كانت ضعيفة الأسانيد - إلاّ أنّها يشدّ بعضها بعضاً ، أقواها أوّلها ،ويدلّ مجموعها على أنّ للزّيادة أصلاً . وأيضاً الضّعيف يعمل به في فضائل الأعمال. وما عليه جمهور الفقهاء الاقتصار على صيغة الصّلاة دون إضافة ( التّرحّم ) كما ورد في الرّوايات المشهورة في الصّحيحين وغيرهما ، بل ذهب بعض الحنفيّة وأبو بكر بن العربيّ المالكيّ والنّوويّ وغيرهم إلى أنّ زيادة " وارحم محمّداً ... إلخ " بدعة لا أصل لها ، وقد بالغ ابن العربيّ في إنكار ذلك وتخطئة ابن أبي زيد ، وتجهيل فاعله ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم علّمنا كيفيّة الصّلاة . فالزّيادة على ذلك استقصار لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم واستدراك عليه . وانتصر لهم بعض المتأخّرين ممّن جمع بين الفقه والحديث ، فقال : ولا يحتجّ بالأحاديث الواردة ، فإنّها كلّها واهية جدّاً . إذ لا يخلو سندها من كذّاب أو متّهم بالكذب . ويؤيّده ما ذكره السّبكيّ : أنّ محلّ العمل بالحديث الضّعيف ما لم يشتدّ ضعفه . ب - التّرحّم في التّسليم من الصّلاة : 6 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الأكمل في التّسليم في الصّلاة أن يقول : « السّلام عليكم ورحمة اللّه ، عن يمينه ويساره ، لحديث ابن مسعود وجابر بن سمرة وغيرهما رضي الله تعالى عنهم » . فإن قال : السّلام عليكم - ولم يزد - يجزئه ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « تحليلها التّسليم » . والتّحليل يحصل بهذا القول ، ولأنّ ذكر الرّحمة تكرير للثّناء فلم يجب ، كقوله : وبركاته . وقال ابن عقيل من الحنابلة - وهو المعتمد في المذهب - الأصحّ أنّه لا يجزئه الاقتصار على : السّلام عليكم ، لأنّ الصّحيح « عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه كان يقول : السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته » ، ولأنّ السّلام في الصّلاة ورد مقروناً بالرّحمة ، فلم يجز بدونها ، كالتّسليم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في التّشهّد . قال الشّافعيّة والحنابلة : والأولى ترك " وبركاته " كما في أكثر الأحاديث . وصرّح المالكيّة : بأنّ زيادة " ورحمة اللّه " لا يضرّ ، لأنّها خارجة عن الصّلاة ، وظاهر كلام أهل المذهب أنّها غير سنّة ، وإن ثبت بها الحديث ، لأنّها لم يصحبها عمل أهل المدينة ، وذكر بعض المالكيّة أنّ الأولى الاقتصار على : السّلام عليكم ،وأنّ زيادة : ورحمة اللّه وبركاته هنا خلاف الأولى. ج - التّرحّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم خارج الصّلاة : 7 - اختلف الفقهاء في جواز التّرحّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم خارج الصّلاة ، فذهب بعضهم إلى المنع مطلقاً ووجّهه بعض الحنفيّة : بأنّ الرّحمة إنّما تكون غالباً عن فعل يلام عليه ، ونحن أمرنا بتعظيمه ، وليس في التّرحّم ما يدلّ على التّعظيم ، مثل الصّلاة ، ولهذا يجوز أن يدعى بها لغير الأنبياء والملائكة عليهم السلام . أمّا هو صلى الله عليه وسلم فمرحوم قطعاً ، فيكون من باب تحصيل الحاصل ، وقد استغنينا عن هذه بالصّلاة ، فلا حاجة إليها ، ولأنّه يجلّ مقامه عن الدّعاء بها . قال ابن دحية : ينبغي لمن ذكره صلى الله عليه وسلم أن يصلّي عليه ، ولا يجوز أن يترحّم عليه ، لقوله تعالى : { لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضَاً } . ونقل مثله عن ابن عبد البرّ ، والصّيدلانيّ ، كما حكاه عنه الرّافعيّ ولم يتعقّبه . وصرّح أبو زرعة ابن الحافظ العراقيّ في فتاواه ، بأنّ المنع أرجح لضعف الأحاديث الّتي استند إليها ، فيفهم من قوله : حرمته مطلقاً . وذهب بعض الفقهاء إلى الجواز مطلقاً : أي ولو بدون انضمام صلاة أو سلام . واستدلّوا بقول الأعرابيّ فيما رواه البخاريّ وهو قوله : « اللّهمّ ارحمني ، وارحم محمّداً ، ولا ترحم معنا أحداً لتقريره صلى الله عليه وسلم على قوله : اللّهمّ ارحمني وارحم محمّداً ، ولم ينكر عليه سوى قوله : ولا ترحم معنا أحداً » . وقال السّرخسيّ : لا بأس بالتّرحّم على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، لأنّ الأثر ورد به من طريق أبي هريرة وابن عبّاس رضي الله عنهم ، ولأنّ أحداً وإن جلّ قدره لا يستغني عن رحمة اللّه . كما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال : « لن يدخل أحداً عمله الجنّة ، قالوا : ولا أنت يا رسول اللّه ؟ قال : ولا أنا إلاّ أن يتغمّدني اللّه برحمته » . ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان من أشوق العبّاد إلى مزيد رحمة اللّه تعالى ، ومعناها معنى الصّلاة ، فلم يوجد ما يمنع ذلك . ولا ينافي الدّعاء له بالرّحمة أنّه عليه الصلاة والسلام عَيْنُ الرّحمة بنصّ : { ومَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلعَالَمِين } لأنّ حصول ذلك لا يمنع طلب الزّيادة له ، إذ فضل اللّه لا يتناهى ، والكامل يقبل الكمال . وفصّل بعض المتأخّرين ، فقال بالحرمة إنّ ذكرها استقلالاً : كأن يقول المتكلّم : قال النّبيّ رحمه الله . وبالجواز إن ذكرها تبعاً : أي مضمومةً إلى الصّلاة والسّلام ، فيجوز : اللّهمّ صلّ على محمّد وارحم محمّداً . ولا يجوز : ارحم محمّداً ، بدون الصّلاة ، لأنّها وردت في الأحاديث الّتي وردت فيها على سبيل التّبعيّة للصّلاة والبركة ، ولم يرد ما يدلّ على وقوعها مفردةً ، وربّ شيء يجوز تبعاً ، لا استقلالاً . وبه أخذ جمع من العلماء ، بل نقله القاضي عن الجمهور ، وقال القرطبيّ : وهو الصّحيح . د - التّرحّم على الصّحابة رضي الله عنهم والتّابعين ومن بعدهم من الأخيار : 8 - اختلف الفقهاء في جواز التّرحّم على الصّحابة ، فذهب بعضهم إلى أنّه عند ذكر الصّحابة الأولى أن يقال : رضي اللّه عنهم . وأمّا عند ذكر التّابعين ومن بعدهم من العلماء ، والعبّاد ،وسائر الأخيار فيقال : رحمهم اللّه. قال الزّيلعيّ : الأولى أن يدعو للصّحابة بالرّضى ، وللتّابعين بالرّحمة ، ولمن بعدهم بالمغفرة والتّجاوز ، لأنّ الصّحابة كانوا يبالغون في طلب الرّضى من اللّه تعالى ، ويجتهدون في فعل ما يرضيه ، ويرضون بما يلحقهم من الابتلاء من جهته أشدّ الرّضى ، فهؤلاء أحقّ بالرّضى ، وغيرهم لا يلحق أدناهم ولو أنفق ملء الأرض ذهباً . وذكر ابن عابدين نقلاً عن القرمانيّ على الرّاجح عنده : أنّه يجوز عكسه أيضاً ، وهو التّرحّم للصّحابة ، والتّرضّي للتّابعين ومن بعدهم . وإليه مال النّوويّ في الأذكار ، وقال : يستحبّ التّرضّي والتّرحّم على الصّحابة والتّابعين فمن بعدهم من العلماء والعبّاد وسائر الأخيار . فيقال : رضي اللّه عنه ، أو رحمه اللّه ونحو ذلك . وأمّا ما قاله بعض العلماء : إنّ قوله : رضي اللّه عنه مخصوص بالصّحابة ، ويقال في غيرهم : رحمه اللّه فقط فليس كما قال ، ولا يوافق عليه ، بل الصّحيح الّذي عليه الجمهور استحبابه ، ودلائله أكثر من أن تحصر . وذكر في النّهاية نقلاً عن المجموع : أنّ اختصاص التّرضّي بالصّحابة والتّرحّم بغيرهم ضعيف . هـ - التّرحّم على الوالدين : 9 - الأصل في وجوب التّرحّم على الوالدين قوله تعالى : { وَاخْفِضْ لهما جَنَاحَ الذُّلِّ من الرَّحْمَةِ وقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما } حيث أمر اللّه سبحانه وتعالى عباده بالتّرحّم على آبائهم والدّعاء لهم . ومحلّ طلب الدّعاء والتّرحّم لهما إن كانا مؤمنين ، أمّا إن كانا كافرين فيحرم ذلك لقوله تعالى : { مَا كانَ لِلنَّبيِّ والّذينَ آمنُوا أنْ يَسْتَغفِرُوا للمُشْرِكِينَ ولو كانوا أُولِي قُرْبَى } . و - التّرحّم في التّحيّة بين المسلمين : 10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الأفضل أن يقول المسلم للمسلم في التّحيّة : السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، ويقول المجيب أيضاً : وعليكم السّلام ورحمة اللّه وبركاته ، لما روى عمران بن الحصين أنّه قال : « جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : السّلام عليكم ، فردّ عليه ، ثمّ جلس ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : عشر . ثمّ جاء آخر ، فقال : السّلام عليكم ورحمة اللّه ، فردّ عليه ، ثمّ جلس ، فقال : عشرون . ثمّ جاء آخر ، فقال : السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ، فردّ عليه ، فجلس ، فقال : ثلاثون » قال التّرمذيّ : حديث حسن . وهذا التّعميم مخصوص بالمسلمين ، فلا ترحّم على كافر لمنع بدئه بالسّلام عند الأكثرين تحريماً ، لحديث : « لا تبدءوا اليهود ولا النّصارى بالسّلام » . ولو سلّم اليهوديّ والنّصرانيّ ، فلا بأس بالرّدّ ، ولكن لا يزيد على قوله : " وعليك " . والّذين جوّزوا ابتداءهم بالسّلام ، صرّحوا بالاقتصار على : " السّلام عليك " دون الجمع ، ودون أن يقول : " ورحمة اللّه " لما روي عن أنس رضي الله عنه ، قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : إذا سلّم عليكم أهل الكتاب ، فقولوا : وعليكم أو عليكم » بغير واو . ز - التّرحّم على الكفّار : 11 - صرّح النّوويّ في كتابه الأذكار بأنّه لا يجوز أن يدعى للذّمّيّ بالمغفرة وما أشبهها في حال حياته ممّا لا يقال للكفّار ، لكن يجوز أن يدعى له بالهداية ، وصحّة البدن والعافية وشبه ذلك . لحديث أنس رضي الله عنه قال : « استسقى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسقاه يهوديّ ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم : جمّلك اللّه » فما رأى الشّيب حتّى مات . وأمّا بعد وفاته فيحرم الدّعاء للكافر بالمغفرة ونحوها ، لقول اللّه تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والّذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلمُشْرِكِينَ ولو كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهم أنَّهم أصْحَابُ الجَحِيمِ } وقد جاء الحديث بمعناه ، وأجمع المسلمون عليه . ح - التزام التّرحّم كتابةً ونطقاً عند القراءة : ينبغي لكاتب الحديث وراويه أن يحافظ على كتابة التّرضّي والتّرحّم على الصّحابة والعلماء وسائر الأخيار ، والنّطق به ، ولا يسأم من تكراره ، ولا يتقيّد فيه بما في الأصل إن كان ناقصاً . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية