الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41256" data-attributes="member: 329"><p>ترميم المستأجر من شريكين :</p><p>8 - إذا استأجر شخص ما داراً مشتركةً بين اثنين مثلاً من صاحبيها ، ثمّ احتاجت إلى مرمّة ، فاستأذن فيها واحداً منهما فحسب ، فأذن له دون رجوع إلى شريكه فليس للمستأجر حقّ الرّجوع على الشّريك الآخر بما أنفقه في المرمّة . </p><p>فإن كان للآذن حقّ الرّجوع على شريكه كان للمستأجر الرّجوع على آذنه بالنّفقة كلّاً ، ثمّ يرجع هذا على شريكه بحصّته من النّفقة . وإن لم يكن له حقّ الرّجوع فإذنه لغو في حصّة شريكه ، وليس للمستأجر إلاّ الرّجوع على الآذن وحده بنسبة حصّته .</p><p>ثالثاً : ترميم الرّهن :</p><p>9 - كلّ ما يحتاج إليه لبقاء الرّهن ومصلحته فهو على الرّاهن ، لأنّه باق على ملكه ، وذلك مؤنة الملك . وكلّ ما كان لحفظه فعلى المرتهن ، لأنّ حبسه له ، فلو شرط منه شيء على الرّاهن لا يلزمه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : </p><p>« الظّهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ، ولبن الدّرّ يشرب بنفقته ، وعلى الّذي يركب ويشرب النّفقة » والّذي يركب هو الرّاهن ، فوجب أن تكون النّفقة عليه ، ولأنّ الرّقبة والمنفعة على ملكه ، فكانت النّفقة عليه . </p><p>ويقول الحنابلة : إنّ مؤنة الرّهن على راهنه ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا يُغْلَقُ الرَّهنُ من صاحبه الّذي رهنه ، له غُنْمه وعليه غُرْمه » ولأنّه ملك للرّاهن فكان عليه نفقته وما يحتاج إليه . </p><p>فإن امتنع الرّاهن من بذل ما وجب عليه أجبره الحاكم عليه ، فإن لم يفعل أخذ الحاكم من ماله وفعله ، فإن تعذّر أَخْذُ ذلك من الرّهنِ بيع منه فيما يجب على الرّاهن فعله بقدر الحاجة ، لأنّ حفظ البعض أولى من إضاعة الكلّ ، فإن خيف استغراق البيع للرّهن في الإنفاق عليه بيع كلّه وجعل ثمنه رهناً مكانه لأنّه أحظّ لهما . </p><p>وإن أنفق المرتهن على الرّهن بلا إذن الرّاهن ، مع قدرته على استئذانه ، فمتبرّع حكماً لتصدّقه به ، فلا يرجع بعوضه ولو نوى الرّجوع ، كالصّدقة على مسكين ، ولتفريطه بعدم الاستئذان . وإن تعذّر استئذانه وأنفق بنيّة الرّجوع رجع ولو لم يستأذن الحاكم ، لاحتياجه لحراسة حقّه . وتفصيل ذلك ينظر في ( رهن ) .</p><p></p><p>تروية *</p><p>انظر : يوم التّروية .</p><p></p><p>ترياق *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - التِّرْياق بكسر فسكون ، وجُوِّز ضمّه وفتحه ، ولكنّ المشهور الأوّل وهو معرّب ، ويقال بالدّال والطّاء أيضاً : دواء يستعمل لدفع السّمّ وهو أنواع .</p><p> الحكم الإجماليّ :</p><p>2 - قال الحنابلة : التّرياق دواء يتعالج به من السّمّ ، ويجعل فيه من لحوم الحيّات ، ولذلك لم يبيحوا أكله ولا شربه ، لأنّ لحم الحيّة حرام ، ولا يجوز التّداوي بمحرّم ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم » وعن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما قال : « سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : ما أبالي ما أتيت إنْ أنا شربت ترياقاً ، أو تعلّقت بتميمة ، أو قلت الشّعر من قبل نفسي » والمعنى : أنّي إن فعلت هذه الأشياء كنت ممّن لا يبالي بما فعله من الأفعال ، ولا ينزجر عمّا لا يجوز فعله شرعاً . وقال الخطّابيّ : ليس شرب التّرياق مكروهاً من أجل التّداوي . </p><p>وقد أباح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم التّداوي والعلاج في عدّة أحاديث ، ولكن من أجل ما يقع فيه من لحوم الأفاعي ، وهي محرّمة . والتّرياق أنواع ، فإذا لم يكن فيه من لحوم الأفاعي فلا بأس بتناوله . </p><p>وممّا ورد من أحاديث في التّداوي والعلاج ما روي « عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال : كنت عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا : يا رسول اللّه أنتداوى ؟ فقال : نعم يا عباد اللّه تداووا فإنّ اللّه عزّ وجلّ لم يضع داءً إلاّ وضع له شفاءً ، غير داء واحد قالوا : ما هو ؟ قال : الهرم » وفي لفظ « إنّ اللّه لم ينزل داءً إلاّ أنزل له شفاءً ، علمه من علمه ، وجهله من جهله » . </p><p>وفي مرقاة المفاتيح : إذا لم يكن في التّرياق محرّم شرعاً من لحوم الأفاعي والخمر ونحوه ، فإنّه لا يكون حراماً . وبتحريم لحوم الحيّات يقول الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . </p><p>وللحنفيّة فيما إذا جعل لحم الحيّات في التّرياق للتّداوي - أسوةً بالتّداوي بالمحرّم - رأيان : ظاهر المذهب : المنع . وقيل : يرخّص إذا علم فيه الشّفاء ولم يعلم دواء آخر ، وعليه الفتوى . فإنّ اللّه تعالى قد أذن بالتّداوي ، وجعل لكلّ داء دواءً ، فإذا كان في ذلك الدّواء ما هو محرّم وعلم فيه الشّفاء فقد زالت حرمة استعماله ، وحلّ تناوله للتّداوي به . وحديث : </p><p>« إنّ اللّه لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم » معناه : نفي الحرمة عند العلم بالشّفاء . </p><p>دلّ عليه جواز إساغة اللّقمة بالخمر ، وجواز شربها لإزالة العطش ، ما لم يوجد ما يقوم مقامها . وللشّافعيّة في التّداوي به أسوةً بالمحرّم المخالط للدّواء المنع عند البعض ، والجواز عند البعض الآخر متى علم فيه الشّفاء ولم يوجد غيره . </p><p>أمّا المالكيّة فقد أباحوا أكل الحيّة متى ذكّيت في موضع ذكاتها ، وأمن سمّها ، واحتيج لأكلها بسمّها لمن ينفعه ذلك لمرضه ، فإنّه يجوز أكلها . ومفهوم هذا أنّ لحمها متى دخل في التّرياق وخالطه فإنّه يجوز التّداوي به . وتفصيل ذلك يرجع إليه في مصطلح : ( تداوي ) .</p><p></p><p>تزاحم *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - التّزاحم في اللّغة مصدر تزاحم ، يقال : تزاحم القوم : إذا زحم بعضهم بعضاً ، أي تضايقوا في المجلس ، أو تدافعوا في المكان الضّيّق . </p><p>والاصطلاح الشّرعيّ لا يختلف عن هذا . </p><p> الحكم التّكليفيّ :</p><p>2 - تحرم المزاحمة إن ترتّب عليها أذًى لأحد ، كمزاحمة الأقوياء للضّعفاء عند استلام الحجر الأسود ، أو ترتّب عليها أمر محظور شرعاً ، كمزاحمة المرأة للرّجال في الطّواف وعند استلام الحجر الأسود وغيره من الأماكن العامّة . وقد ورد التّزاحم في أمور منها : </p><p>أوّلاً : زحم المأموم :</p><p>3 - إذا زحم المأموم وتعذّر عليه السّجود على الأرض متابعةً للإمام ، وقدر على السّجود على ظهر إنسان أو دابّة ، فهل يلزمه السّجود على ذلك ؟ اختلف فيه الأئمّة . </p><p>فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى : أنّه يلزمه أن يسجد على ما يمكنه السّجود عليه ، وإن كان على ظهر إنسان أو قدمه ، لتمكّنه من المتابعة ، ولخبر « إذا اشتدّ الزّحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه » فإن لم يسجد فمتخلّف عن المتابعة بغير عذر عند الأئمّة المذكورين. وعند المالكيّة : لا يجوز السّجود على ظهر الإنسان ، فإن سجد أعاد الصّلاة . ويستدلّون لذلك بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « مكِّن جبهتك من الأرض » ولا يحصل التّمكين من الأرض في حالة السّجود على ظهر إنسان . أمّا إذا لم يتمكّن من السّجود مطلقاً ، فهل يخرج عن المتابعة أو ينتظر ؟ فيه خلاف وتفصيل ينظر في ( صلاة الجماعة )و( وصلاة الجمعة ). </p><p>ثانياً : التّزاحم في الطّواف :</p><p>4 - إذا منعت الزّحمة الطّائف من تقبيل الحجر الأسود أو استلامه اقتصر على الإشارة إليه وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء . لما روي « عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال لعمر : رضي الله عنه يا عمر إنّك رجل قويّ ، لا تؤذ الضّعيف ، إذا أردتَ استلام الحجر ، فإن خلا لك فاستلمه ، وإلاّ فاستقبله وكبّر » ، . والتّفصيل في مصطلح ( إشارة وطواف ) .</p><p>ثالثاً : تزاحم الغرماء في مال المفلس :</p><p>5 - إذا أقرّ المدين المفلس - بعد الحجر عليه لحقّ الغرماء - بدين قد لزمه قبل الحجر عليه ، فهل يقبل في حقّ الغرماء الّذين حجر عليه لحقّهم ويزاحمهم المقرّ له في المال ، أم يبقى الدّين في ذمّة المحجور عليه ، لئلاّ يتضرّر الغرماء بالمزاحمة ؟ </p><p>ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى : أنّه لا يقبل إقراره في حقّ الغرماء ، إن أقرّ في حال الحجر ، لأنّ هذا الحقّ تعلّق به حقّ الأوّلين . وعند المالكيّة : لا يقبل إقراره إلاّ ببيّنة . </p><p>وأظهر القولين عند الشّافعيّة أنّه يقبل أيضاً في حقّهم ويزاحمهم في المال ، كإقرار المريض في مرضه بدين يزاحم غرماء دين الصّحّة . هذا إذا أقرّ أنّه لزم الدّين قبل الحجر . </p><p>أمّا إذا لزمه بعد الحجر ففي ذلك خلاف وتفصيل يرجع إليه في مصطلح : ( تفليس ) .</p><p>تزاحم الوصايا :</p><p>6 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا تزاحمت الوصايا نظر فإن كانت كلّها للّه تعالى : فإن كانت كلّها فرائض كالحجّ والزّكاة ، أو كانت كلّها واجبات كالكفّارات والنّذر ، وصدقة الفطر ، أو كانت كلّها تطوّعات : كحجّ التّطوّع والصّدقة على الفقراء يبدأ بما بدأ به الموصي . </p><p>وإن جمعت ما ذكر كحجّة الإسلام والكفّارات والنّذر وصدقة التّطوّع على الفقراء فيبدأ بالفرض ، ثمّ بالواجب ، ثمّ بالتّطوّع أمّا إذا جمعت بين حقّ اللّه وحقّ العباد فإنّه يقسم الثّلث على جميعها ، لأنّها وإن كانت كلّها للّه في واقع الأمر فكلّ واحدة منها مقصودة في نفسها فتنفرد . فلو قال : ثلث مالي في الحجّ والزّكاة ولزيد والكفّارات . قسم على أربعة أسهم ، ولا يقدّم الفرض على حقّ الآدميّ لحاجته . </p><p>هذا إذا كان الآدميّ معيّناً ، أمّا إذا كان غير معيّن فلا يقسم بل يقدّم الأقوى فالأقوى ، لأنّ الكلّ يبقى حقّاً للّه تعالى ، إذا لم يكن هناك مستحقّ معيّن . </p><p>وقال الشّافعيّة : لا يقدّم الواجب على غير الواجب سواء كان تطوّعاً للّه أو لآدميّ . بل تتزاحم الوصايا فيوزّع عليه وعلى غيره ، ثمّ يكمّل الواجب من صلب المال ، إن لم يف الثّلث ، وبهذا قال : أبو الخطّاب من الحنابلة . </p><p>وعند الحنابلة : إن أوصى بأداء الواجب من الثّلث تصحّ الوصيّة ، فإن لم تكن له وصيّة غير هذه لم تفد الوصيّة شيئاً ويؤدّي من ماله كلّه كما لو لم يوص . وإن أوصى لجهة أخرى قدّم الواجب ، وإن فضل شيء من الثّلث بعد الواجب فهو للتّبرّع . ( ر : الوصيّة ) .</p><p>7- وإن أوصى بشيء معيّن لشخص ، ثمّ أوصى به لآخر ، فالموصى به بين الموصى له به أوّلاً والموصى له به ثانياً ، لتعلّق حقّ كلّ واحد منهما على السّواء ، فوجب أن يشتركا كما لو جمع بينهما في الوصيّة . وإن أوصى لشخص بثلث ماله ثمّ أوصى بثلثه لآخر فالثّلث بينهما إن لم يجز الورثة الثّلثين ، وإن أجاز الورثة أخذ كلّ واحد منهما ثلثه ، لتغايرهما . وكذا إن أوصى بكلّ ماله لشخص ثمّ أوصى به لآخر فهو بينهما للتّزاحم . </p><p>وإن مات أحدهما قبل موت الموصي فكلّ المال للآخر ، وكذا إن تأخّر موتهما عن موت الموصي وردّ أحدهما الوصيّة بعد موت الموصي لأنّه اشتراك تزاحم ، وقد زال بموت المزاحم وردّه . هذا إذا لم يوجد ما يدلّ على رجوع الموصي عن الوصيّة ، فإن وجد ما يدلّ على الرّجوع عن الوصيّة الأولى ، كأن يقول : أوصيت لفلان بما أوصيت به لفلان ، فهو رجوع عن الوصيّة لظهوره فيه . والتّفصيل في مصطلح : ( وصيّة ) .</p><p>خامساً : القتل بالزّحام :</p><p>8 - ذهب الأئمّة الثّلاثة : أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى أنّه إذا تزاحم قوم على بئر ، أو باب الكعبة ، أو في الطّواف ، أو في مضيق ، ثمّ تفرّقوا على قتيل لم يعرف قاتله لا يكون ذلك لوثاً ، وهو قول إسحاق ، وروي ذلك عن عمر وعليّ رضي الله عنهما . </p><p>ثمّ اختلفوا في ديته ، فقال الحنفيّة والحنابلة : إنّ ديته في بيت المال ، واستدلّوا بما روى سعيد بن منصور في سننه عن إبراهيم قال : قتل رجل في زحام النّاس بعرفة ، فجاء أهله لعمر فقال : بيّنتكم على من قتله . فقال عليّ يا أمير المؤمنين : لا يطلّ دم امرئ مسلم ، إن علمت قاتله ، وإلاّ فأعط ديته من بيت المال . </p><p>وقال المالكيّة : دمه هدر ، لأنّه لا يعلم له قاتل ، ولا وجد لوث فيحكم بالقسامة ، لأنّ أسباب القسامة عندهم خمسة . وليس فيها التّفرّق في الزّحام عن قتيل . </p><p>وقال الشّافعيّة : إنّ ذلك يكون لوثاً ، ولا يشترط أن تكون بينهم وبينه عداوة . وقال الحسن والزّهريّ فيمن مات في الزّحام : ديته على من حضر لأنّ قتله حصل منهم ، وكذا لو تزاحم قوم لا يتصوّر اجتماعهم على القتل في مضيق ، وتفرّقوا عن قتيل ، فادّعى الوليّ القتل على عدد منهم يتصوّر اجتماعهم فيقبل ، ويمكّن من القسامة .</p><p> مواطن البحث :</p><p>9 - يذكر الفقهاء التّزاحم في صلاة الجمعة والجماعة : في حال تعذّر متابعة المأموم للإمام في انتقالاته للزّحمة . وفي باب التّفليس : إذا ظهر دين بعد حجر المفلس للغرماء أو طرأ التزام ماليّ جديد . وفي الطّواف : إذا عسر عليه استلام الحجر أو تقبيله .</p><p></p><p>تزكية *</p><p>التّعريف :</p><p>1 - التّزكية لغةً : مصدر زكّى . يقال : زكّى فلان فلاناً : إذا نسبه إلى الزّكاء ، وهو الصّلاح . وزكا الرّجل يزكو : إذا صلح ، فهو زكيّ والجمع أزكياء . </p><p>قال الرّاغب : أصل الزّكاة النّموّ الحاصل عن بركة اللّه تعالى ، ويعتبر ذلك بالأمور الدّنيويّة والأخرويّة . يقال : زكا الزّرع يزكو : إذا حصل منه نموّ وبركة . وقال تعالى : { أيُّها أَزْكَى طَعَامَاً } إشارةً إلى ما يكون حلالاً لما لا يستوخم عقباه ، ومنه الزّكاة لما يخرج الإنسان من حقّ اللّه تعالى إلى الفقراء ، وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة ، أو لتزكية النّفس أي تنميتها بالخيرات والبركات ، أو لهما جميعاً ، فإنّ الخيرين موجودان فيها . وبزكاة النّفس وطهارتها يصير الإنسان بحيث يستحقّ في الدّنيا الأوصاف المحمودة ، وفي الآخرة الأجر والمثوبة ، وهو أن يتحرّى الإنسان ما فيه تطهيره ، وذلك ينسب تارةً إلى العبد ، لكونه مكتسباً لذلك ، نحو { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } وتارةً ينسب إلى اللّه تعالى لكونه فاعلاً لذلك في الحقيقة نحو { بَل اللّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } وتارةً إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم لكونه واسطةً في وصول ذلك إليهم نحو { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا } وقوله تعالى : { يَتْلُو عَلَيكُمْ آيَاتِنَا ويُزَكِّيكُم } وتارةً إلى العبادة الّتي هي آلة في ذلك نحو { وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً } ونحو { لأَهَبَ لَكِ غُلامَاً زَكِيَّاً } أي مزكًّى بالخلقة ، وذلك على طريق ما ذكرنا من الاجتباء ، وهو أن يجعل بعض عباده عالماً وطاهر الخلق لا بالتّعلّم والممارسة ، بل بتوفيق إلهيّ . </p><p>وتزكية الإنسان نفسه ضربان : أحدهما : بالفعل وهو محمود ، وإليه قصد بقوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } وقوله { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } . </p><p>والثّاني : بالقول كتزكية العدل غيره ، وذلك مذموم أن يفعل الإنسان بنفسه ، وقد نهى اللّه تعالى عنه فقال : { فَلا تُزَكُّوا أَنْفَسَكُمْ } ونهيه عن ذلك تأديب ، لقبح مدح الإنسان نفسه عقلاً وشرعاً ، ولهذا قيل لحكيم : ما الّذي لا يحسن وإن كان حقّاً ؟ فقال : مدح الرّجل نفسه . والفقهاء يعبّرون عن النّسبة إلى الصّلاح بالتّزكية أو التّعديل فهما مترادفان . </p><p>ويعرّفون التّزكية في باب القضاء بأنّها : تعديل الشّهود . </p><p>وتزكية الرّجل ماله : أن يخرج القدر الواجب عليه من الزّكاة فيه . </p><p>والجَرْحُ ضدّ التّزكية ، وهو في اللّغة : القطع في الجسم ، ومنه قولهم : جرحه بلسانه جرحاً : إذا عابه وتنقّصه ، ومنه : جرحت الشّاهد أو الرّاوي : إذا أظهرت فيه ما تردّ به شهادته أو روايته . وقد أطلق الفقهاء على من يبعث إليه للتّحرّي عن الشّهود ( المزكّي ) وهو في الحقيقة يزكّي ويجرح ، ولكن وصف بأحسن الوصفين .</p><p>حكم التّزكية :</p><p>2 - ذهب الإمام أبو حنيفة ، وإحدى الرّوايتين عن الإمام أحمد : أنّه يقضي بظاهر العدالة ، إلاّ إذا طعن الخصم في عدالة من شهد ، واستثنى أبو حنيفة الحدود والقصاص ، فأوجب فيهما التّزكية وإن لم يطعن الخصم . </p><p>وعند الإمام أحمد في الرّواية المذكورة : يستوي في ذلك الحدّ والمال . وقال الإمام مالك وأبو يوسف ومحمّد والشّافعيّة ، والإمام أحمد في الرّواية الأخرى عنه : إنّ التّزكية واجبة في كلّ الأمور ، لكنّ ذلك مشروط بما إذا لم يعرف القاضي حال الشّهود ، فإن عرف عدالتهم فلا حاجة إلى التّزكية . وإن عرف أنّهم مجروحون ردّ شهادتهم ، وذلك عند جميع الفقهاء .</p><p>3 - واستدلّ أصحاب القول الأوّل على جواز الحكم بظاهر العدالة بقول عمر : المسلمون عدول بعضهم على بعض . « وبأنّ أعرابيّاً جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فشهد برؤية الهلال ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتشهد ألاّ إله إلاّ اللّه ؟ فقال : نعم . فقال : أتشهد أنّي رسول اللّه ؟ فقال : نعم . فصام وأمر النّاس بالصّيام » . </p><p>ولأنّ العدالة أمر خفيّ سببها الخوف من اللّه تعالى ، ودليل ذلك الإسلام ، فإذا وجد فليكتف به ، ما لم يقم على خلافه دليل . </p><p>واستدلّ لأبي حنيفة في استثناء الحدود والقصاص ولزوم التّحرّي فيها وإن لم يطعن الخصم : بأنّ الحدود والقصاص ممّا يحتاط فيها وتندرئ بالشّبهات بخلاف غيرها . </p><p>واستدلّ القائلون بوجوب التّزكية في كلّ الأمور بقوله تعالى : { مِمَّنْ تَرْضَونَ مِن الشّهَدَاء } ولا يعلم أنّه مرضيّ حتّى نعرفه . وبأنّ العدالة شرط ، فوجب العلم بها كالإسلام ، كما لو طعن الخصم في الشّهود . أمّا الأعرابيّ المسلم ، فإنّه كان من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد ثبتت عدالتهم بثناء اللّه تعالى عليهم ، فإنّ من ترك دينه في زمن رسول اللّه إيثاراً لدين الإسلام وصحبة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثبتت عدالته ." وللأثر عن عمر رضي الله عنه أنّه أتي بشاهدين ، فقال لهما عمر : لست أعرفكما ولا يضرّكما إن لم أعرفكما ، جيئا بمن يعرفكما ، فأتيا برجل ، فقال له عمر : تعرفهما ؟ فقال : نعم . فقال عمر : صحبتَهما في السّفر الّذي يتبيّن فيه جواهر النّاس ؟ قال : لا . قال : عاملتَهما بالدّنانير والدّراهم الّتي تقطع فيها الرّحم ؟ قال : لا . قال : كنت جاراً لهما تعرف صباحهما ومساءهما ؟ قال : لا . قال : يا ابن أخي لست تعرفهما . جيئا بمن يعرفكما ". </p><p>قال ابن قدامة : وهذا بحث يدلّ على أنّه لا يكتفى بدونه .</p><p>4 - هذا ، وقد قال علماء الحنفيّة : إنّ الخلاف بين الإمام وصاحبيه ليس اختلافاً حقيقيّاً ، بل هو اختلاف عصر وزمان ، فإنّ النّاس في عهده كانوا أهل خير وصلاح ، لأنّه زمن التّابعين ، وقد شهد لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالخيريّة بقوله : « خير النّاسُ قَرْني ، ثمّ الّذين يلونهم ، ثمّ الّذين يلونهم ، ثمّ يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتُهم أيمانَهم ، وأيمانُهم شهادتَهم » فكان الغالب في أهل زمانه الصّلاح والسّداد ، فوقعت الغنية عن السّؤال عن حالهم في السّرّ ، ثمّ تغيّر الزّمان وظهر الفساد في قرنهما ، فوقعت الحاجة إلى السّؤال عن العدالة . ومن العلماء من حقّق الاختلاف .</p><p>متى تسقط التّزكية :</p><p>5 - قال إسماعيل بن حمّاد ناقلاً عن أبي حنيفة : أربعة شهود لا يسأل عن عدالتهم : شاهدا ردّ الظّنّة ، وشاهدا تعديل العلانية ، وشاهدا الغربة ، وشاهدا الأشخاص . </p><p>وقال المالكيّة : إنّ الشّاهد المبرز في العدالة - أي الفائق أقرانه فيها - لا يعذر فيه لغير العداوة ، ويعذر فيه فيها . ومثلها القرابة . ومنها أنّ المحكوم عليه إذا كان يخشى منه على من شهد عليه ، فإنّه لا يعذر إليه فيمن شهد عليه . </p><p>ونقل صاحب المغني عن مالك : أنّه يقبل شهادة المتوسّمين ، وذلك إذا حضر مسافران ، فشهدا عند حاكم لا يعرفهما ، يقبل شهادتهما إذا رأى فيهما سيما الخير ، لأنّه لا سبيل إلى معرفة عدالتهما ، ففي التّوقّف عن قبولها تضييع الحقوق ، فوجب الرّجوع فيهما إلى السّيما الجميلة . ومعنى هذا أنّ الشّهود المذكورين لا يسمّون لمن شهدوا عليه ليزكّيهم أو يطعن فيهم ، بل يحكم بشهادتهم من غير تزكية ، للأسباب الّتي أوردوها .</p><p>أقسام التّزكية :</p><p>6 - التّزكية نوعان : تزكية السّرّ ، وتزكية العلانية . </p><p>أمّا تزكية السّرّ ، فينبغي للقاضي أن يختار للمسألة عن الشّهود من هو أوثق النّاس وأورعهم ديانةً وأعظمهم درايةً وأكثرهم خبرةً وأعلمهم بالتّمييز فطنةً ، فيولّيه البحث عن أحوال الشّهود ، لأنّ القاضي مأمور بالتّفحّص عن العدالة ، فيجب عليه المبالغة في الاحتياط فيه . وبعد أن يختار ، يكتب في رقعة أسماء الشّهود جملةً بأنسابهم وقبائلهم ومحالّهم ومصلاهم ، وعلى الجملة كلّ ما يميّزهم عن غيرهم تمييزاً لا تتمكّن معه الشّبهة ، فقد يتّفق أن تتّحد الأسماء وتتّفق الأوصاف وغير ذلك . </p><p>فإذا كتب القاضي دفع المكتوب إلى من يستأمنه على ذلك ، وأخفاه عن كلّ من سواه ، لئلاّ يعلم أحد فيخدع الأمين ، وعلى المرسل أمين القاضي أن يتعرّف أحوال الشّهود ممّن يعرف حالهم ، فيسأل عنهم أهل الثّقة من جيرانهم وأهل محلاتهم ، وأن يسأل أهل أسواقهم . </p><p>أمّا تزكية العلانية ، فتكون بعد تزكية السّرّ . </p><p>وكيفيّتها : أن يحضر القاضي المزكّي بعدما زكّى ، ليزكّي الشّهود أمامه . </p><p>وهل يلزم أن يجمع بين التّزكية في السّرّ والتّزكية في العلانية ؟ اختلف الفقهاء في ذلك . </p><p>قال الحنفيّة : اليوم وقع الاكتفاء بتزكية السّرّ ، لما في تزكية العلانية من بلاء وفتنة . </p><p>وقال المالكيّة : يندب للقاضي تزكية السّرّ مع تزكية العلانية . فإن اقتصر على تزكية السّرّ أجزأه قطعاً كالعلانية على الرّاجح . وقال الشّافعيّة : بعد تزكية السّرّ يشافه المبعوث الحاكم بما سمعه من المبعوث إليه . وقيل : يشافه المبعوث إليه بما يعلمه المبعوث من جهة الحاكم . وقيل : تكفي كتابته . والظّاهر من كلام الحنابلة أنّه يكتفى بتزكية السّرّ .</p><p>7- ثمّ هل المعتبر قول المرسل إليه ( المزكّي ) أو قول المرسلين ، ويسمّون أصحاب المسائل ؟ قال بعض الشّافعيّة : المعوّل عليه شهادة المزكّي . </p><p>ونقل الشّيخان من الشّافعيّة : أنّهما نقلا عن جمع من الأصحاب أنّ المعوّل على قول أصحاب المسائل ، خلافاً لأبي إسحاق ، وأنّ ابن الصّبّاغ اعتذر عن قبولها ، وهي شهادة على شهادة - والأصل حاضر - لمكان الضّرورة .</p><p>التّعارض بين التّزكية والجرح :</p><p>اختلف فقهاء الحنفيّة في التّعارض بين التّزكية والجرح ، فقد نقل معين الحكّام عن المبسوط أنّه لو عدّله واحد ، وجرّحه آخر ، أعاد المسألة . وهذا قول محمّد . </p><p>لأنّ العدالة والجرح لا يثبت عنده بقول الواحد فصارا متساويين . </p><p>وعند أبي حنيفة وأبي يوسف : الجرح أولى ، لأنّ الجرح والتّعديل يثبت بقول الواحد عندهما ، وترجّح الجرح على التّعديل ، لأنّ الجارح في الجرح اعتمد على الدّليل ، وهو العيان والمشاهدة ، فإنّ سبب الجرح ارتكاب الكبيرة . </p><p>ولو جرّحه واحد وعدّله اثنان ، فالتّعديل أولى . ولو عدّله جماعة وجرّحه اثنان فالجرح أولى ، لأنّه لا يثبت التّرجيح بزيادة العدد على الاثنين .</p><p>8- وعند المالكيّة لو عدّل شاهدان رجلاً وجرّحه آخران ، ففي ذلك قولان . </p><p>قيل : يقضى بأعدلهما ، لاستحالة الجمع بينهما . وقيل : يقضى بشهود الجرح ، لأنّهم زادوا على شهود التّعديل ، إذ الجرح ممّا يبطن فلا يطّلع عليه كلّ النّاس ، بخلاف العدالة . وللّخميّ تفصيل ، قال : إن كان اختلاف البيّنتين في فعل شيء في مجلس واحد ، كدعوى إحدى البيّنتين أنّه فعل كذا في وقت كذا ، وقالت البيّنة الأخرى : لم يكن ذلك ، فإنّه يقضى بأعدلهما . وإن كان ذلك في مجلسين متقاربين قضي بشهادة الجرح ، لأنّها زادت علماً في الباطن . وإن تباعد ما بين المجلسين قضي بآخرهما تاريخاً ، ويحمل على أنّه كان عدلاً ففسق ، أو كان فاسقاً فتزكّى ، إلاّ أن يكون في وقت تقييد الجرح ظاهر العدالة فبيّنة الجرح مقدّمة ، لأنّها زادت . وعند الشّافعيّة : أنّه يقدّم الجرح على التّعديل لما فيه من زيادة العلم . فإن قال المعدّل : عرفت سبب الجرح وتاب منه وأصلح ، قدّم قوله على قول الجارح . </p><p>أمّا الحنابلة فقد قال في المغني : فإذا رجع أصحاب مسألة فأخبر اثنان بالعدالة ، قبل القاضي شهادته . وإن أخبرا بالجرح ردّ شهادته وإن أخبر أحدهما بالعدالة والآخر بالجرح بعث آخرين ، فإن عادا فأخبرا بالتّعديل تمّت بيّنة التّعديل ، وسقط الجرح لأنّ بيّنته لم تتمّ ، وإن أخبرا بالجرح ثبت وردّ الشّهادة . </p><p>وإن أخبر أحدهما بالجرح والآخر بالتّعديل تمّت البيّنتان ويقدّم الجرح .</p><p>وقت التّزكية :</p><p>9 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّزكية تكون بعد الشّهادة لا قبلها .</p><p>عدد من يقبل في التّزكية :</p><p>10 - تقدّم أنّ التّزكية نوعان : تزكية السّرّ ، وتزكية العلانية . </p><p>فبالنّسبة لتزكية السّرّ ، قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك في أحد قوليه : إنّ القاضي يجتزئ بواحد في تزكية السّرّ ، لأنّها ليست شهادةً بل هي إخبار . </p><p>والقول الآخر لمالك ، وهو مذهب الشّافعيّة والحنابلة : أنّه لا بدّ من اثنين . </p><p>أمّا بالنّسبة لتزكية العلانية ، فالأئمّة الثّلاثة ، وهو المشهور عند المالكيّة : أنّه لا يقبل فيها إلاّ اثنان ، لأنّها شهادة . وقال ابن كنانة من المالكيّة : لا بدّ من ثلاثة . وعن ابن الماجشون : أنّ أقلّ ما يزكّي الرّجل أربعة شهود . وقال ابن حبيب في الواضحة : والتّزكية تختلف ، فتكون بالواحد والاثنين والجماعة ، بقدر ما يظهر للحاكم ويتأكّد عنده . </p><p>قال المتيطيّ : وما كثر من الشّهود فهو أحسن ، إلاّ أن تكون التّزكية في شاهد شهد بزناً ، فإنّ مطرّفاً روى عن مالك : أنّه لا يزكّيه إلاّ أربعة .</p><p>من تقبل تزكيته :</p><p>11 - فقهاء المذاهب - عدا الحنفيّة - قالوا : يشترط في شاهد التّزكية أن يكون مبرزاً ناقداً فطناً ، لا يخدع في عقله ، ولا تخفى عليه شروط التّعديل . </p><p>ولا تقبل التّزكية من الأبله والجاهل بشروط العدالة ، وإن كان في نفسه عدلاً مقبولاً في غير ذلك . ولا يقبل قول من يرى تعديل كلّ مسلم . </p><p>وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : تعديل السّرّ يقبل فيه تعديل الوالد لولده وكلّ ذي رحم محرم لرحمه ، لأنّ تعديل السّرّ ليس بشهادة . وقال محمّد : هو شهادة فلا بدّ من شهادة اثنين .</p><p>12 - وقال الحنفيّة : يقبل تعديل المرأة لزوجها وغيره ، إذا كانت امرأةً برزةً تخالط النّاس وتعاملهم ، لأنّ لها خبرةً بأمورهم فيفيد السّؤال . قالوا : وتجوز تزكية السّرّ من الأعمى والصّبيّ والمحدود في قذف . وهذا خلافاً لمحمّد . </p><p>وقال المالكيّة : لا تقبل تزكية النّساء ، لا في حقّ الرّجال ولا في حقّ النّساء . </p><p>قال ابن رشد : إنّ التّزكية يشترط فيها التّبريز في العدالة ، وهي صفة تختصّ بالرّجال . </p><p>قال : وقد قيل : إنّهنّ يزكّين الرّجال إذا شهدوا فيما تجوز شهادتهنّ فيه ، وهو قول ابن نافع وابن الماجشون في المبسوطة . والقياس جواز تزكيتهنّ للنّساء . </p><p>تزكية المشهود عليه للشّاهد :</p><p>13 - قال الحنفيّة : إذا عدّل المدّعى عليه شهود المدّعي ، بأن قال : صدقوا في شهادتهم ، أو قال : هم عدول في شهادتهم ، يقضى عليه بالمال بإقراره لا بالشّهادة ، لأنّ ذلك إقرار منه بالمال . وإن قال : هم عدول ، ولم يزد عليه ، ذكر في الجامع الصّغير : أنّه لا يصحّ هذا التّعديل ، لأنّ من زعم المدّعي وشهوده أنّ المدّعى عليه في الجحود ظالم وكاذب ، فلا تصحّ تزكيته . وقال في كتاب التّزكية : ويجوز تعديل المشهود عليه إذا كان من أهله ، لأنّ تعديل المشهود عليه بمنزلة تعديل المزكّي ، وإقراره بكون الشّاهد عدلاً لا يكون إقراراً بوجوب الحقّ على نفسه لا محالة . </p><p>وعند المالكيّة : لو أقرّ الخصم المشهود عليه بالعدالة لمن شهد عليه يحكم القاضي بهذا الإقرار ، ولو علم خلاف ذلك ، لأنّ إقراره بعدالته كإقراره بالحقّ ، حتّى لو شهدت بيّنة بخلاف عدالة الشّاهد . أمّا الشّافعيّة والحنابلة : فإذا شهد عند القاضي مجهول الحال ، فقال المشهود عليه : هو عدل ، فعند الشّافعيّة : فيه قولان ، وهما وجهان عند الحنابلة . </p><p>أوّلاً - لا يكفي في الأصحّ في التّعديل قول المدّعى عليه : هو عدل ، وقد غلط في شهادته عليّ . وقيل : يكفي في حقّه ، لأنّه اعترف بما لو ثبت بالبيّنة يقضى عليه . </p><p>والقولان هما الوجهان عند الحنابلة . </p><p>الأوّل : أنّه يلزم الحاكم الحكم بشهادته ، لأنّ البحث عن عدالته لحقّ المشهود عليه ، وقد اعترف بها ، ولأنّه إذا أقرّ بعدالته فقد أقرّ بما يوجب الحكم لخصمه عليه ، فيؤخذ بإقراره كسائر أقاريره . </p><p>والوجه الثّاني : أنّه لا يجوز الحكم بشهادته ، لأنّ في الحكم بها تعديلاً له ، فلا يثبت بقول واحد ، ولأنّ اعتبار العدالة في الشّاهد حقّ للّه تعالى ، ولهذا لو رضي الخصم أن يحكم عليه بقول فاسق لم يجز الحكم به ، لأنّه لا يخلو إمّا أن يحكم عليه مع تعديله أو مع انتفائه : لا يجوز أن يقال مع تعديله ، لأنّ التّعديل لا يثبت بقول الواحد . </p><p>ولا يجوز مع انتفاء تعديله ، لأنّ الحكم بشهادة غير العدل غير جائز ، بدليل شهادة من ظهر فسقه . فإن قلنا بالأوّل فلا يثبت تعديله في حقّ غير المشهود عليه ، لأنّه لم توجد بيّنة التّعديل ، وإنّما يحكم عليه لإقراره بوجود شروط الحكم ، وإقراره يثبت في حقّه دون غيره كما لو أقرّ بحقّ عليه وعلى غيره ثبت في حقّه دون غيره .</p><p>تجديد التّزكية :</p><p>14 - قال الإمام أحمد : ينبغي للقاضي أن يسأل عن شهوده كلّ قليل ، لأنّ الرّجل ينتقل من حال إلى حال . قال ابن قدامة : هل هذا مستحبّ أو واجب ؟ فيه وجهان : </p><p>أحدهما : أنّه مستحبّ ، لأنّ الأصل بقاء ما كان ، فلا يزول حتّى يثبت الجرح . </p><p>والثّاني : يجب البحث كلّما مضت مدّة يتغيّر الحال فيها ، لأنّ العيب يحدث ، وذلك على ما يراه الحاكم . ولأصحاب الشّافعيّ فيه وجهان مثل هذين . </p><p>ويرى الحنفيّة : أنّه متى ثبتت العدالة عند القاضي ، ثمّ شهد الشّهود في حادثة أخرى ، فلا يشتغل بتعديلهم إن كان العهد قريباً ، وإلاّ سأل عنهم . وفي الحدّ الفاصل بينهما قولان ، أحدهما : أنّ القريب مقدّر بستّه أشهر . </p><p>والثّاني : أنّه مفوّض إلى رأي القاضي . </p><p>وعند المالكيّة : أنّه لو شهد المزكّي ثانياً قبل عام من تاريخ شهادته السّابقة ، وجهل حاله ، ولم يكثر معدّلوه ، ووجد من يعدّله عند شهادته ثانياً ، فقد اختلفوا فيه على قولين : </p><p>الأوّل : ما قاله أشهب عن مالك أنّه لا يحتاج إلى تزكية . </p><p>والقول الثّاني لسحنون : أنّه يحتاج إلى تزكية . فإن فقد قيد من الثّلاثة الأخيرة : بأن لم يجهل حاله ، أو كثر معدّلوه ، أو لم يوجد من يعدّله ثانياً لم يحتج إلى تزكية أخرى اكتفاءً بالتّزكية السّابقة اتّفاقاً بين المالكيّة . أمّا لو فقد القيد الأوّل ، كما لو شهد مجهول الحال بعد تمام سنة ، ولم يكن زكّاه قبله كثيرون احتاج لإعادة التّزكية اتّفاقاً .</p><p>بيان سبب الجرح والتّعديل :</p><p>15 - قال أبو حنيفة والمالكيّة : يقبل الجرح المطلق ، وهو : أن يشهد أنّه فاسق ، أو أنّه ليس بعدل . وعن أحمد مثله ، لأنّ التّعديل يسمع مطلقاً فكذلك الجرح ، لأنّ التّصريح بالسّبب يجعل المجرّح فاسقاً ، ويوجب عليه الحدّ في بعض الحالات . وهو أن يشهد عليه بالزّنى ، فيفضي الجرح إلى جرح الجارح ، وتبطل شهادته ، ولا يتجرّح بها المجروح . </p><p>وقال الشّافعيّة : يجب ذكر سبب الجرح للاختلاف فيه ، بخلاف سبب التّعديل . </p><p>واستدلّ من قالوا باشتراط بيان سبب الجرح بأنّ النّاس يختلفون في أسباب الجرح ، كاختلافهم في شارب النّبيذ ، فوجب ألاّ يقبل مجرّد الجرح ، لئلاّ يجرّحه بما لا يراه القاضي جرحاً ، ولأنّ الجرح ينقل عن الأصل ، فإنّ الأصل في المسلمين العدالة والجرح ينقل عنها ، فلا بدّ أن يعرف النّاقل ، لئلاّ يعتقد نقله عن أصل العدالة بما لا يراه الحاكم ناقلاً .</p><p>الفرق بين شهود الدّعوى وشهود التّزكية :</p><p>16 - يختلف شهود التّزكية عن شهود الدّعوى في أمور ، ويتّفقان في أمور : </p><p>فيتّفقان في الجملة في اشتراط العقل الكامل والضّبط والولاية والعدالة والبصر والنّطق ، وألاّ يكون الشّاهد محدوداً في قذف ، وعدم القرابة المانعة من قبول الشّهادة ، وألاّ تجرّ الشّهادة على الشّاهد نفعاً . وهذه الشّرائط هي في الجملة ، إذ في كلّ مذهب تفصيل . وهذا في تزكية العلانية . أمّا في تزكية السّرّ ، فقد تقدّم الكلام عمّن تقبل شهادتهم فيها ، ومن ذلك يعلم الفرق بين شهود تزكية السّرّ والشّهادة أمام القاضي . ويختلفان في أنّ شاهد التّزكية في العلانية يشترط أن يكون : مبرزاً في العدالة فطناً حذراً لا يخدع ولا يستغفل . </p><p>قال محمّد بن الحسن في النّوادر : كم من رجل أقبل شهادته ولا أقبل تعديله ، لأنّه يحسن أن يؤدّي ما سمع ولا يحسن التّعديل . </p><p>وفي كتاب ( المتيطيّة ) من كتب المالكيّة : شهود التّزكية بخلاف شهود الحقوق . </p><p>قال مالك : قد تجوز شهادة الرّجل ولا يجوز تعديله ، ولا يجوز إلاّ تعديل العارف . </p><p>وقال سحنون : لا يجوز في التّعديل إلاّ العدل المبرز الفطن الّذي لا يخدع في عقله ولا يستزلّ في رأيه . وعلى هذا أكثر أصحاب مالك ، وبه جرى العمل . </p><p>وروي عنه أيضاً : شهود التّزكية كشهود سائر الحقوق .</p><p>17 - ومثل ما تقدّم ما قاله الشّافعيّة : أنّه يشترط في المزكّي ما يشترط في الشّاهد ويزيد عليه أمران : أحدهما : معرفة أسباب الجرح والتّعديل ، لأنّه يشهد بهما . </p><p>والأمر الثّاني : خبرة باطن من يعدّله أو يجرّحه ، بصحبة أو جوار أو معاملة ، ليتأتّى له بها التّعديل أو الجرح . ولا يخرج كلام الحنابلة عن ذلك . فقد قالوا : لا يقبل التّعديل إلاّ من أهل الخبرة الباطنة والمعرفة المتقادمة ، ولأنّ عادة النّاس إظهار الصّالحات وإسرار المعاصي ، فإذا لم يكن ذا خبرة باطنة ربّما اغترّ بحسن ظاهره ، وهو في باطنه فاسق .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41256, member: 329"] ترميم المستأجر من شريكين : 8 - إذا استأجر شخص ما داراً مشتركةً بين اثنين مثلاً من صاحبيها ، ثمّ احتاجت إلى مرمّة ، فاستأذن فيها واحداً منهما فحسب ، فأذن له دون رجوع إلى شريكه فليس للمستأجر حقّ الرّجوع على الشّريك الآخر بما أنفقه في المرمّة . فإن كان للآذن حقّ الرّجوع على شريكه كان للمستأجر الرّجوع على آذنه بالنّفقة كلّاً ، ثمّ يرجع هذا على شريكه بحصّته من النّفقة . وإن لم يكن له حقّ الرّجوع فإذنه لغو في حصّة شريكه ، وليس للمستأجر إلاّ الرّجوع على الآذن وحده بنسبة حصّته . ثالثاً : ترميم الرّهن : 9 - كلّ ما يحتاج إليه لبقاء الرّهن ومصلحته فهو على الرّاهن ، لأنّه باق على ملكه ، وذلك مؤنة الملك . وكلّ ما كان لحفظه فعلى المرتهن ، لأنّ حبسه له ، فلو شرط منه شيء على الرّاهن لا يلزمه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « الظّهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ، ولبن الدّرّ يشرب بنفقته ، وعلى الّذي يركب ويشرب النّفقة » والّذي يركب هو الرّاهن ، فوجب أن تكون النّفقة عليه ، ولأنّ الرّقبة والمنفعة على ملكه ، فكانت النّفقة عليه . ويقول الحنابلة : إنّ مؤنة الرّهن على راهنه ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا يُغْلَقُ الرَّهنُ من صاحبه الّذي رهنه ، له غُنْمه وعليه غُرْمه » ولأنّه ملك للرّاهن فكان عليه نفقته وما يحتاج إليه . فإن امتنع الرّاهن من بذل ما وجب عليه أجبره الحاكم عليه ، فإن لم يفعل أخذ الحاكم من ماله وفعله ، فإن تعذّر أَخْذُ ذلك من الرّهنِ بيع منه فيما يجب على الرّاهن فعله بقدر الحاجة ، لأنّ حفظ البعض أولى من إضاعة الكلّ ، فإن خيف استغراق البيع للرّهن في الإنفاق عليه بيع كلّه وجعل ثمنه رهناً مكانه لأنّه أحظّ لهما . وإن أنفق المرتهن على الرّهن بلا إذن الرّاهن ، مع قدرته على استئذانه ، فمتبرّع حكماً لتصدّقه به ، فلا يرجع بعوضه ولو نوى الرّجوع ، كالصّدقة على مسكين ، ولتفريطه بعدم الاستئذان . وإن تعذّر استئذانه وأنفق بنيّة الرّجوع رجع ولو لم يستأذن الحاكم ، لاحتياجه لحراسة حقّه . وتفصيل ذلك ينظر في ( رهن ) . تروية * انظر : يوم التّروية . ترياق * التّعريف : 1 - التِّرْياق بكسر فسكون ، وجُوِّز ضمّه وفتحه ، ولكنّ المشهور الأوّل وهو معرّب ، ويقال بالدّال والطّاء أيضاً : دواء يستعمل لدفع السّمّ وهو أنواع . الحكم الإجماليّ : 2 - قال الحنابلة : التّرياق دواء يتعالج به من السّمّ ، ويجعل فيه من لحوم الحيّات ، ولذلك لم يبيحوا أكله ولا شربه ، لأنّ لحم الحيّة حرام ، ولا يجوز التّداوي بمحرّم ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم » وعن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما قال : « سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : ما أبالي ما أتيت إنْ أنا شربت ترياقاً ، أو تعلّقت بتميمة ، أو قلت الشّعر من قبل نفسي » والمعنى : أنّي إن فعلت هذه الأشياء كنت ممّن لا يبالي بما فعله من الأفعال ، ولا ينزجر عمّا لا يجوز فعله شرعاً . وقال الخطّابيّ : ليس شرب التّرياق مكروهاً من أجل التّداوي . وقد أباح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم التّداوي والعلاج في عدّة أحاديث ، ولكن من أجل ما يقع فيه من لحوم الأفاعي ، وهي محرّمة . والتّرياق أنواع ، فإذا لم يكن فيه من لحوم الأفاعي فلا بأس بتناوله . وممّا ورد من أحاديث في التّداوي والعلاج ما روي « عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال : كنت عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا : يا رسول اللّه أنتداوى ؟ فقال : نعم يا عباد اللّه تداووا فإنّ اللّه عزّ وجلّ لم يضع داءً إلاّ وضع له شفاءً ، غير داء واحد قالوا : ما هو ؟ قال : الهرم » وفي لفظ « إنّ اللّه لم ينزل داءً إلاّ أنزل له شفاءً ، علمه من علمه ، وجهله من جهله » . وفي مرقاة المفاتيح : إذا لم يكن في التّرياق محرّم شرعاً من لحوم الأفاعي والخمر ونحوه ، فإنّه لا يكون حراماً . وبتحريم لحوم الحيّات يقول الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . وللحنفيّة فيما إذا جعل لحم الحيّات في التّرياق للتّداوي - أسوةً بالتّداوي بالمحرّم - رأيان : ظاهر المذهب : المنع . وقيل : يرخّص إذا علم فيه الشّفاء ولم يعلم دواء آخر ، وعليه الفتوى . فإنّ اللّه تعالى قد أذن بالتّداوي ، وجعل لكلّ داء دواءً ، فإذا كان في ذلك الدّواء ما هو محرّم وعلم فيه الشّفاء فقد زالت حرمة استعماله ، وحلّ تناوله للتّداوي به . وحديث : « إنّ اللّه لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم » معناه : نفي الحرمة عند العلم بالشّفاء . دلّ عليه جواز إساغة اللّقمة بالخمر ، وجواز شربها لإزالة العطش ، ما لم يوجد ما يقوم مقامها . وللشّافعيّة في التّداوي به أسوةً بالمحرّم المخالط للدّواء المنع عند البعض ، والجواز عند البعض الآخر متى علم فيه الشّفاء ولم يوجد غيره . أمّا المالكيّة فقد أباحوا أكل الحيّة متى ذكّيت في موضع ذكاتها ، وأمن سمّها ، واحتيج لأكلها بسمّها لمن ينفعه ذلك لمرضه ، فإنّه يجوز أكلها . ومفهوم هذا أنّ لحمها متى دخل في التّرياق وخالطه فإنّه يجوز التّداوي به . وتفصيل ذلك يرجع إليه في مصطلح : ( تداوي ) . تزاحم * التّعريف : 1 - التّزاحم في اللّغة مصدر تزاحم ، يقال : تزاحم القوم : إذا زحم بعضهم بعضاً ، أي تضايقوا في المجلس ، أو تدافعوا في المكان الضّيّق . والاصطلاح الشّرعيّ لا يختلف عن هذا . الحكم التّكليفيّ : 2 - تحرم المزاحمة إن ترتّب عليها أذًى لأحد ، كمزاحمة الأقوياء للضّعفاء عند استلام الحجر الأسود ، أو ترتّب عليها أمر محظور شرعاً ، كمزاحمة المرأة للرّجال في الطّواف وعند استلام الحجر الأسود وغيره من الأماكن العامّة . وقد ورد التّزاحم في أمور منها : أوّلاً : زحم المأموم : 3 - إذا زحم المأموم وتعذّر عليه السّجود على الأرض متابعةً للإمام ، وقدر على السّجود على ظهر إنسان أو دابّة ، فهل يلزمه السّجود على ذلك ؟ اختلف فيه الأئمّة . فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى : أنّه يلزمه أن يسجد على ما يمكنه السّجود عليه ، وإن كان على ظهر إنسان أو قدمه ، لتمكّنه من المتابعة ، ولخبر « إذا اشتدّ الزّحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه » فإن لم يسجد فمتخلّف عن المتابعة بغير عذر عند الأئمّة المذكورين. وعند المالكيّة : لا يجوز السّجود على ظهر الإنسان ، فإن سجد أعاد الصّلاة . ويستدلّون لذلك بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « مكِّن جبهتك من الأرض » ولا يحصل التّمكين من الأرض في حالة السّجود على ظهر إنسان . أمّا إذا لم يتمكّن من السّجود مطلقاً ، فهل يخرج عن المتابعة أو ينتظر ؟ فيه خلاف وتفصيل ينظر في ( صلاة الجماعة )و( وصلاة الجمعة ). ثانياً : التّزاحم في الطّواف : 4 - إذا منعت الزّحمة الطّائف من تقبيل الحجر الأسود أو استلامه اقتصر على الإشارة إليه وهذا محلّ اتّفاق بين الفقهاء . لما روي « عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال لعمر : رضي الله عنه يا عمر إنّك رجل قويّ ، لا تؤذ الضّعيف ، إذا أردتَ استلام الحجر ، فإن خلا لك فاستلمه ، وإلاّ فاستقبله وكبّر » ، . والتّفصيل في مصطلح ( إشارة وطواف ) . ثالثاً : تزاحم الغرماء في مال المفلس : 5 - إذا أقرّ المدين المفلس - بعد الحجر عليه لحقّ الغرماء - بدين قد لزمه قبل الحجر عليه ، فهل يقبل في حقّ الغرماء الّذين حجر عليه لحقّهم ويزاحمهم المقرّ له في المال ، أم يبقى الدّين في ذمّة المحجور عليه ، لئلاّ يتضرّر الغرماء بالمزاحمة ؟ ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى : أنّه لا يقبل إقراره في حقّ الغرماء ، إن أقرّ في حال الحجر ، لأنّ هذا الحقّ تعلّق به حقّ الأوّلين . وعند المالكيّة : لا يقبل إقراره إلاّ ببيّنة . وأظهر القولين عند الشّافعيّة أنّه يقبل أيضاً في حقّهم ويزاحمهم في المال ، كإقرار المريض في مرضه بدين يزاحم غرماء دين الصّحّة . هذا إذا أقرّ أنّه لزم الدّين قبل الحجر . أمّا إذا لزمه بعد الحجر ففي ذلك خلاف وتفصيل يرجع إليه في مصطلح : ( تفليس ) . تزاحم الوصايا : 6 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا تزاحمت الوصايا نظر فإن كانت كلّها للّه تعالى : فإن كانت كلّها فرائض كالحجّ والزّكاة ، أو كانت كلّها واجبات كالكفّارات والنّذر ، وصدقة الفطر ، أو كانت كلّها تطوّعات : كحجّ التّطوّع والصّدقة على الفقراء يبدأ بما بدأ به الموصي . وإن جمعت ما ذكر كحجّة الإسلام والكفّارات والنّذر وصدقة التّطوّع على الفقراء فيبدأ بالفرض ، ثمّ بالواجب ، ثمّ بالتّطوّع أمّا إذا جمعت بين حقّ اللّه وحقّ العباد فإنّه يقسم الثّلث على جميعها ، لأنّها وإن كانت كلّها للّه في واقع الأمر فكلّ واحدة منها مقصودة في نفسها فتنفرد . فلو قال : ثلث مالي في الحجّ والزّكاة ولزيد والكفّارات . قسم على أربعة أسهم ، ولا يقدّم الفرض على حقّ الآدميّ لحاجته . هذا إذا كان الآدميّ معيّناً ، أمّا إذا كان غير معيّن فلا يقسم بل يقدّم الأقوى فالأقوى ، لأنّ الكلّ يبقى حقّاً للّه تعالى ، إذا لم يكن هناك مستحقّ معيّن . وقال الشّافعيّة : لا يقدّم الواجب على غير الواجب سواء كان تطوّعاً للّه أو لآدميّ . بل تتزاحم الوصايا فيوزّع عليه وعلى غيره ، ثمّ يكمّل الواجب من صلب المال ، إن لم يف الثّلث ، وبهذا قال : أبو الخطّاب من الحنابلة . وعند الحنابلة : إن أوصى بأداء الواجب من الثّلث تصحّ الوصيّة ، فإن لم تكن له وصيّة غير هذه لم تفد الوصيّة شيئاً ويؤدّي من ماله كلّه كما لو لم يوص . وإن أوصى لجهة أخرى قدّم الواجب ، وإن فضل شيء من الثّلث بعد الواجب فهو للتّبرّع . ( ر : الوصيّة ) . 7- وإن أوصى بشيء معيّن لشخص ، ثمّ أوصى به لآخر ، فالموصى به بين الموصى له به أوّلاً والموصى له به ثانياً ، لتعلّق حقّ كلّ واحد منهما على السّواء ، فوجب أن يشتركا كما لو جمع بينهما في الوصيّة . وإن أوصى لشخص بثلث ماله ثمّ أوصى بثلثه لآخر فالثّلث بينهما إن لم يجز الورثة الثّلثين ، وإن أجاز الورثة أخذ كلّ واحد منهما ثلثه ، لتغايرهما . وكذا إن أوصى بكلّ ماله لشخص ثمّ أوصى به لآخر فهو بينهما للتّزاحم . وإن مات أحدهما قبل موت الموصي فكلّ المال للآخر ، وكذا إن تأخّر موتهما عن موت الموصي وردّ أحدهما الوصيّة بعد موت الموصي لأنّه اشتراك تزاحم ، وقد زال بموت المزاحم وردّه . هذا إذا لم يوجد ما يدلّ على رجوع الموصي عن الوصيّة ، فإن وجد ما يدلّ على الرّجوع عن الوصيّة الأولى ، كأن يقول : أوصيت لفلان بما أوصيت به لفلان ، فهو رجوع عن الوصيّة لظهوره فيه . والتّفصيل في مصطلح : ( وصيّة ) . خامساً : القتل بالزّحام : 8 - ذهب الأئمّة الثّلاثة : أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى أنّه إذا تزاحم قوم على بئر ، أو باب الكعبة ، أو في الطّواف ، أو في مضيق ، ثمّ تفرّقوا على قتيل لم يعرف قاتله لا يكون ذلك لوثاً ، وهو قول إسحاق ، وروي ذلك عن عمر وعليّ رضي الله عنهما . ثمّ اختلفوا في ديته ، فقال الحنفيّة والحنابلة : إنّ ديته في بيت المال ، واستدلّوا بما روى سعيد بن منصور في سننه عن إبراهيم قال : قتل رجل في زحام النّاس بعرفة ، فجاء أهله لعمر فقال : بيّنتكم على من قتله . فقال عليّ يا أمير المؤمنين : لا يطلّ دم امرئ مسلم ، إن علمت قاتله ، وإلاّ فأعط ديته من بيت المال . وقال المالكيّة : دمه هدر ، لأنّه لا يعلم له قاتل ، ولا وجد لوث فيحكم بالقسامة ، لأنّ أسباب القسامة عندهم خمسة . وليس فيها التّفرّق في الزّحام عن قتيل . وقال الشّافعيّة : إنّ ذلك يكون لوثاً ، ولا يشترط أن تكون بينهم وبينه عداوة . وقال الحسن والزّهريّ فيمن مات في الزّحام : ديته على من حضر لأنّ قتله حصل منهم ، وكذا لو تزاحم قوم لا يتصوّر اجتماعهم على القتل في مضيق ، وتفرّقوا عن قتيل ، فادّعى الوليّ القتل على عدد منهم يتصوّر اجتماعهم فيقبل ، ويمكّن من القسامة . مواطن البحث : 9 - يذكر الفقهاء التّزاحم في صلاة الجمعة والجماعة : في حال تعذّر متابعة المأموم للإمام في انتقالاته للزّحمة . وفي باب التّفليس : إذا ظهر دين بعد حجر المفلس للغرماء أو طرأ التزام ماليّ جديد . وفي الطّواف : إذا عسر عليه استلام الحجر أو تقبيله . تزكية * التّعريف : 1 - التّزكية لغةً : مصدر زكّى . يقال : زكّى فلان فلاناً : إذا نسبه إلى الزّكاء ، وهو الصّلاح . وزكا الرّجل يزكو : إذا صلح ، فهو زكيّ والجمع أزكياء . قال الرّاغب : أصل الزّكاة النّموّ الحاصل عن بركة اللّه تعالى ، ويعتبر ذلك بالأمور الدّنيويّة والأخرويّة . يقال : زكا الزّرع يزكو : إذا حصل منه نموّ وبركة . وقال تعالى : { أيُّها أَزْكَى طَعَامَاً } إشارةً إلى ما يكون حلالاً لما لا يستوخم عقباه ، ومنه الزّكاة لما يخرج الإنسان من حقّ اللّه تعالى إلى الفقراء ، وتسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة ، أو لتزكية النّفس أي تنميتها بالخيرات والبركات ، أو لهما جميعاً ، فإنّ الخيرين موجودان فيها . وبزكاة النّفس وطهارتها يصير الإنسان بحيث يستحقّ في الدّنيا الأوصاف المحمودة ، وفي الآخرة الأجر والمثوبة ، وهو أن يتحرّى الإنسان ما فيه تطهيره ، وذلك ينسب تارةً إلى العبد ، لكونه مكتسباً لذلك ، نحو { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } وتارةً ينسب إلى اللّه تعالى لكونه فاعلاً لذلك في الحقيقة نحو { بَل اللّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } وتارةً إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم لكونه واسطةً في وصول ذلك إليهم نحو { تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا } وقوله تعالى : { يَتْلُو عَلَيكُمْ آيَاتِنَا ويُزَكِّيكُم } وتارةً إلى العبادة الّتي هي آلة في ذلك نحو { وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً } ونحو { لأَهَبَ لَكِ غُلامَاً زَكِيَّاً } أي مزكًّى بالخلقة ، وذلك على طريق ما ذكرنا من الاجتباء ، وهو أن يجعل بعض عباده عالماً وطاهر الخلق لا بالتّعلّم والممارسة ، بل بتوفيق إلهيّ . وتزكية الإنسان نفسه ضربان : أحدهما : بالفعل وهو محمود ، وإليه قصد بقوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } وقوله { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى } . والثّاني : بالقول كتزكية العدل غيره ، وذلك مذموم أن يفعل الإنسان بنفسه ، وقد نهى اللّه تعالى عنه فقال : { فَلا تُزَكُّوا أَنْفَسَكُمْ } ونهيه عن ذلك تأديب ، لقبح مدح الإنسان نفسه عقلاً وشرعاً ، ولهذا قيل لحكيم : ما الّذي لا يحسن وإن كان حقّاً ؟ فقال : مدح الرّجل نفسه . والفقهاء يعبّرون عن النّسبة إلى الصّلاح بالتّزكية أو التّعديل فهما مترادفان . ويعرّفون التّزكية في باب القضاء بأنّها : تعديل الشّهود . وتزكية الرّجل ماله : أن يخرج القدر الواجب عليه من الزّكاة فيه . والجَرْحُ ضدّ التّزكية ، وهو في اللّغة : القطع في الجسم ، ومنه قولهم : جرحه بلسانه جرحاً : إذا عابه وتنقّصه ، ومنه : جرحت الشّاهد أو الرّاوي : إذا أظهرت فيه ما تردّ به شهادته أو روايته . وقد أطلق الفقهاء على من يبعث إليه للتّحرّي عن الشّهود ( المزكّي ) وهو في الحقيقة يزكّي ويجرح ، ولكن وصف بأحسن الوصفين . حكم التّزكية : 2 - ذهب الإمام أبو حنيفة ، وإحدى الرّوايتين عن الإمام أحمد : أنّه يقضي بظاهر العدالة ، إلاّ إذا طعن الخصم في عدالة من شهد ، واستثنى أبو حنيفة الحدود والقصاص ، فأوجب فيهما التّزكية وإن لم يطعن الخصم . وعند الإمام أحمد في الرّواية المذكورة : يستوي في ذلك الحدّ والمال . وقال الإمام مالك وأبو يوسف ومحمّد والشّافعيّة ، والإمام أحمد في الرّواية الأخرى عنه : إنّ التّزكية واجبة في كلّ الأمور ، لكنّ ذلك مشروط بما إذا لم يعرف القاضي حال الشّهود ، فإن عرف عدالتهم فلا حاجة إلى التّزكية . وإن عرف أنّهم مجروحون ردّ شهادتهم ، وذلك عند جميع الفقهاء . 3 - واستدلّ أصحاب القول الأوّل على جواز الحكم بظاهر العدالة بقول عمر : المسلمون عدول بعضهم على بعض . « وبأنّ أعرابيّاً جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فشهد برؤية الهلال ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم أتشهد ألاّ إله إلاّ اللّه ؟ فقال : نعم . فقال : أتشهد أنّي رسول اللّه ؟ فقال : نعم . فصام وأمر النّاس بالصّيام » . ولأنّ العدالة أمر خفيّ سببها الخوف من اللّه تعالى ، ودليل ذلك الإسلام ، فإذا وجد فليكتف به ، ما لم يقم على خلافه دليل . واستدلّ لأبي حنيفة في استثناء الحدود والقصاص ولزوم التّحرّي فيها وإن لم يطعن الخصم : بأنّ الحدود والقصاص ممّا يحتاط فيها وتندرئ بالشّبهات بخلاف غيرها . واستدلّ القائلون بوجوب التّزكية في كلّ الأمور بقوله تعالى : { مِمَّنْ تَرْضَونَ مِن الشّهَدَاء } ولا يعلم أنّه مرضيّ حتّى نعرفه . وبأنّ العدالة شرط ، فوجب العلم بها كالإسلام ، كما لو طعن الخصم في الشّهود . أمّا الأعرابيّ المسلم ، فإنّه كان من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد ثبتت عدالتهم بثناء اللّه تعالى عليهم ، فإنّ من ترك دينه في زمن رسول اللّه إيثاراً لدين الإسلام وصحبة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثبتت عدالته ." وللأثر عن عمر رضي الله عنه أنّه أتي بشاهدين ، فقال لهما عمر : لست أعرفكما ولا يضرّكما إن لم أعرفكما ، جيئا بمن يعرفكما ، فأتيا برجل ، فقال له عمر : تعرفهما ؟ فقال : نعم . فقال عمر : صحبتَهما في السّفر الّذي يتبيّن فيه جواهر النّاس ؟ قال : لا . قال : عاملتَهما بالدّنانير والدّراهم الّتي تقطع فيها الرّحم ؟ قال : لا . قال : كنت جاراً لهما تعرف صباحهما ومساءهما ؟ قال : لا . قال : يا ابن أخي لست تعرفهما . جيئا بمن يعرفكما ". قال ابن قدامة : وهذا بحث يدلّ على أنّه لا يكتفى بدونه . 4 - هذا ، وقد قال علماء الحنفيّة : إنّ الخلاف بين الإمام وصاحبيه ليس اختلافاً حقيقيّاً ، بل هو اختلاف عصر وزمان ، فإنّ النّاس في عهده كانوا أهل خير وصلاح ، لأنّه زمن التّابعين ، وقد شهد لهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالخيريّة بقوله : « خير النّاسُ قَرْني ، ثمّ الّذين يلونهم ، ثمّ الّذين يلونهم ، ثمّ يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتُهم أيمانَهم ، وأيمانُهم شهادتَهم » فكان الغالب في أهل زمانه الصّلاح والسّداد ، فوقعت الغنية عن السّؤال عن حالهم في السّرّ ، ثمّ تغيّر الزّمان وظهر الفساد في قرنهما ، فوقعت الحاجة إلى السّؤال عن العدالة . ومن العلماء من حقّق الاختلاف . متى تسقط التّزكية : 5 - قال إسماعيل بن حمّاد ناقلاً عن أبي حنيفة : أربعة شهود لا يسأل عن عدالتهم : شاهدا ردّ الظّنّة ، وشاهدا تعديل العلانية ، وشاهدا الغربة ، وشاهدا الأشخاص . وقال المالكيّة : إنّ الشّاهد المبرز في العدالة - أي الفائق أقرانه فيها - لا يعذر فيه لغير العداوة ، ويعذر فيه فيها . ومثلها القرابة . ومنها أنّ المحكوم عليه إذا كان يخشى منه على من شهد عليه ، فإنّه لا يعذر إليه فيمن شهد عليه . ونقل صاحب المغني عن مالك : أنّه يقبل شهادة المتوسّمين ، وذلك إذا حضر مسافران ، فشهدا عند حاكم لا يعرفهما ، يقبل شهادتهما إذا رأى فيهما سيما الخير ، لأنّه لا سبيل إلى معرفة عدالتهما ، ففي التّوقّف عن قبولها تضييع الحقوق ، فوجب الرّجوع فيهما إلى السّيما الجميلة . ومعنى هذا أنّ الشّهود المذكورين لا يسمّون لمن شهدوا عليه ليزكّيهم أو يطعن فيهم ، بل يحكم بشهادتهم من غير تزكية ، للأسباب الّتي أوردوها . أقسام التّزكية : 6 - التّزكية نوعان : تزكية السّرّ ، وتزكية العلانية . أمّا تزكية السّرّ ، فينبغي للقاضي أن يختار للمسألة عن الشّهود من هو أوثق النّاس وأورعهم ديانةً وأعظمهم درايةً وأكثرهم خبرةً وأعلمهم بالتّمييز فطنةً ، فيولّيه البحث عن أحوال الشّهود ، لأنّ القاضي مأمور بالتّفحّص عن العدالة ، فيجب عليه المبالغة في الاحتياط فيه . وبعد أن يختار ، يكتب في رقعة أسماء الشّهود جملةً بأنسابهم وقبائلهم ومحالّهم ومصلاهم ، وعلى الجملة كلّ ما يميّزهم عن غيرهم تمييزاً لا تتمكّن معه الشّبهة ، فقد يتّفق أن تتّحد الأسماء وتتّفق الأوصاف وغير ذلك . فإذا كتب القاضي دفع المكتوب إلى من يستأمنه على ذلك ، وأخفاه عن كلّ من سواه ، لئلاّ يعلم أحد فيخدع الأمين ، وعلى المرسل أمين القاضي أن يتعرّف أحوال الشّهود ممّن يعرف حالهم ، فيسأل عنهم أهل الثّقة من جيرانهم وأهل محلاتهم ، وأن يسأل أهل أسواقهم . أمّا تزكية العلانية ، فتكون بعد تزكية السّرّ . وكيفيّتها : أن يحضر القاضي المزكّي بعدما زكّى ، ليزكّي الشّهود أمامه . وهل يلزم أن يجمع بين التّزكية في السّرّ والتّزكية في العلانية ؟ اختلف الفقهاء في ذلك . قال الحنفيّة : اليوم وقع الاكتفاء بتزكية السّرّ ، لما في تزكية العلانية من بلاء وفتنة . وقال المالكيّة : يندب للقاضي تزكية السّرّ مع تزكية العلانية . فإن اقتصر على تزكية السّرّ أجزأه قطعاً كالعلانية على الرّاجح . وقال الشّافعيّة : بعد تزكية السّرّ يشافه المبعوث الحاكم بما سمعه من المبعوث إليه . وقيل : يشافه المبعوث إليه بما يعلمه المبعوث من جهة الحاكم . وقيل : تكفي كتابته . والظّاهر من كلام الحنابلة أنّه يكتفى بتزكية السّرّ . 7- ثمّ هل المعتبر قول المرسل إليه ( المزكّي ) أو قول المرسلين ، ويسمّون أصحاب المسائل ؟ قال بعض الشّافعيّة : المعوّل عليه شهادة المزكّي . ونقل الشّيخان من الشّافعيّة : أنّهما نقلا عن جمع من الأصحاب أنّ المعوّل على قول أصحاب المسائل ، خلافاً لأبي إسحاق ، وأنّ ابن الصّبّاغ اعتذر عن قبولها ، وهي شهادة على شهادة - والأصل حاضر - لمكان الضّرورة . التّعارض بين التّزكية والجرح : اختلف فقهاء الحنفيّة في التّعارض بين التّزكية والجرح ، فقد نقل معين الحكّام عن المبسوط أنّه لو عدّله واحد ، وجرّحه آخر ، أعاد المسألة . وهذا قول محمّد . لأنّ العدالة والجرح لا يثبت عنده بقول الواحد فصارا متساويين . وعند أبي حنيفة وأبي يوسف : الجرح أولى ، لأنّ الجرح والتّعديل يثبت بقول الواحد عندهما ، وترجّح الجرح على التّعديل ، لأنّ الجارح في الجرح اعتمد على الدّليل ، وهو العيان والمشاهدة ، فإنّ سبب الجرح ارتكاب الكبيرة . ولو جرّحه واحد وعدّله اثنان ، فالتّعديل أولى . ولو عدّله جماعة وجرّحه اثنان فالجرح أولى ، لأنّه لا يثبت التّرجيح بزيادة العدد على الاثنين . 8- وعند المالكيّة لو عدّل شاهدان رجلاً وجرّحه آخران ، ففي ذلك قولان . قيل : يقضى بأعدلهما ، لاستحالة الجمع بينهما . وقيل : يقضى بشهود الجرح ، لأنّهم زادوا على شهود التّعديل ، إذ الجرح ممّا يبطن فلا يطّلع عليه كلّ النّاس ، بخلاف العدالة . وللّخميّ تفصيل ، قال : إن كان اختلاف البيّنتين في فعل شيء في مجلس واحد ، كدعوى إحدى البيّنتين أنّه فعل كذا في وقت كذا ، وقالت البيّنة الأخرى : لم يكن ذلك ، فإنّه يقضى بأعدلهما . وإن كان ذلك في مجلسين متقاربين قضي بشهادة الجرح ، لأنّها زادت علماً في الباطن . وإن تباعد ما بين المجلسين قضي بآخرهما تاريخاً ، ويحمل على أنّه كان عدلاً ففسق ، أو كان فاسقاً فتزكّى ، إلاّ أن يكون في وقت تقييد الجرح ظاهر العدالة فبيّنة الجرح مقدّمة ، لأنّها زادت . وعند الشّافعيّة : أنّه يقدّم الجرح على التّعديل لما فيه من زيادة العلم . فإن قال المعدّل : عرفت سبب الجرح وتاب منه وأصلح ، قدّم قوله على قول الجارح . أمّا الحنابلة فقد قال في المغني : فإذا رجع أصحاب مسألة فأخبر اثنان بالعدالة ، قبل القاضي شهادته . وإن أخبرا بالجرح ردّ شهادته وإن أخبر أحدهما بالعدالة والآخر بالجرح بعث آخرين ، فإن عادا فأخبرا بالتّعديل تمّت بيّنة التّعديل ، وسقط الجرح لأنّ بيّنته لم تتمّ ، وإن أخبرا بالجرح ثبت وردّ الشّهادة . وإن أخبر أحدهما بالجرح والآخر بالتّعديل تمّت البيّنتان ويقدّم الجرح . وقت التّزكية : 9 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّزكية تكون بعد الشّهادة لا قبلها . عدد من يقبل في التّزكية : 10 - تقدّم أنّ التّزكية نوعان : تزكية السّرّ ، وتزكية العلانية . فبالنّسبة لتزكية السّرّ ، قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومالك في أحد قوليه : إنّ القاضي يجتزئ بواحد في تزكية السّرّ ، لأنّها ليست شهادةً بل هي إخبار . والقول الآخر لمالك ، وهو مذهب الشّافعيّة والحنابلة : أنّه لا بدّ من اثنين . أمّا بالنّسبة لتزكية العلانية ، فالأئمّة الثّلاثة ، وهو المشهور عند المالكيّة : أنّه لا يقبل فيها إلاّ اثنان ، لأنّها شهادة . وقال ابن كنانة من المالكيّة : لا بدّ من ثلاثة . وعن ابن الماجشون : أنّ أقلّ ما يزكّي الرّجل أربعة شهود . وقال ابن حبيب في الواضحة : والتّزكية تختلف ، فتكون بالواحد والاثنين والجماعة ، بقدر ما يظهر للحاكم ويتأكّد عنده . قال المتيطيّ : وما كثر من الشّهود فهو أحسن ، إلاّ أن تكون التّزكية في شاهد شهد بزناً ، فإنّ مطرّفاً روى عن مالك : أنّه لا يزكّيه إلاّ أربعة . من تقبل تزكيته : 11 - فقهاء المذاهب - عدا الحنفيّة - قالوا : يشترط في شاهد التّزكية أن يكون مبرزاً ناقداً فطناً ، لا يخدع في عقله ، ولا تخفى عليه شروط التّعديل . ولا تقبل التّزكية من الأبله والجاهل بشروط العدالة ، وإن كان في نفسه عدلاً مقبولاً في غير ذلك . ولا يقبل قول من يرى تعديل كلّ مسلم . وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : تعديل السّرّ يقبل فيه تعديل الوالد لولده وكلّ ذي رحم محرم لرحمه ، لأنّ تعديل السّرّ ليس بشهادة . وقال محمّد : هو شهادة فلا بدّ من شهادة اثنين . 12 - وقال الحنفيّة : يقبل تعديل المرأة لزوجها وغيره ، إذا كانت امرأةً برزةً تخالط النّاس وتعاملهم ، لأنّ لها خبرةً بأمورهم فيفيد السّؤال . قالوا : وتجوز تزكية السّرّ من الأعمى والصّبيّ والمحدود في قذف . وهذا خلافاً لمحمّد . وقال المالكيّة : لا تقبل تزكية النّساء ، لا في حقّ الرّجال ولا في حقّ النّساء . قال ابن رشد : إنّ التّزكية يشترط فيها التّبريز في العدالة ، وهي صفة تختصّ بالرّجال . قال : وقد قيل : إنّهنّ يزكّين الرّجال إذا شهدوا فيما تجوز شهادتهنّ فيه ، وهو قول ابن نافع وابن الماجشون في المبسوطة . والقياس جواز تزكيتهنّ للنّساء . تزكية المشهود عليه للشّاهد : 13 - قال الحنفيّة : إذا عدّل المدّعى عليه شهود المدّعي ، بأن قال : صدقوا في شهادتهم ، أو قال : هم عدول في شهادتهم ، يقضى عليه بالمال بإقراره لا بالشّهادة ، لأنّ ذلك إقرار منه بالمال . وإن قال : هم عدول ، ولم يزد عليه ، ذكر في الجامع الصّغير : أنّه لا يصحّ هذا التّعديل ، لأنّ من زعم المدّعي وشهوده أنّ المدّعى عليه في الجحود ظالم وكاذب ، فلا تصحّ تزكيته . وقال في كتاب التّزكية : ويجوز تعديل المشهود عليه إذا كان من أهله ، لأنّ تعديل المشهود عليه بمنزلة تعديل المزكّي ، وإقراره بكون الشّاهد عدلاً لا يكون إقراراً بوجوب الحقّ على نفسه لا محالة . وعند المالكيّة : لو أقرّ الخصم المشهود عليه بالعدالة لمن شهد عليه يحكم القاضي بهذا الإقرار ، ولو علم خلاف ذلك ، لأنّ إقراره بعدالته كإقراره بالحقّ ، حتّى لو شهدت بيّنة بخلاف عدالة الشّاهد . أمّا الشّافعيّة والحنابلة : فإذا شهد عند القاضي مجهول الحال ، فقال المشهود عليه : هو عدل ، فعند الشّافعيّة : فيه قولان ، وهما وجهان عند الحنابلة . أوّلاً - لا يكفي في الأصحّ في التّعديل قول المدّعى عليه : هو عدل ، وقد غلط في شهادته عليّ . وقيل : يكفي في حقّه ، لأنّه اعترف بما لو ثبت بالبيّنة يقضى عليه . والقولان هما الوجهان عند الحنابلة . الأوّل : أنّه يلزم الحاكم الحكم بشهادته ، لأنّ البحث عن عدالته لحقّ المشهود عليه ، وقد اعترف بها ، ولأنّه إذا أقرّ بعدالته فقد أقرّ بما يوجب الحكم لخصمه عليه ، فيؤخذ بإقراره كسائر أقاريره . والوجه الثّاني : أنّه لا يجوز الحكم بشهادته ، لأنّ في الحكم بها تعديلاً له ، فلا يثبت بقول واحد ، ولأنّ اعتبار العدالة في الشّاهد حقّ للّه تعالى ، ولهذا لو رضي الخصم أن يحكم عليه بقول فاسق لم يجز الحكم به ، لأنّه لا يخلو إمّا أن يحكم عليه مع تعديله أو مع انتفائه : لا يجوز أن يقال مع تعديله ، لأنّ التّعديل لا يثبت بقول الواحد . ولا يجوز مع انتفاء تعديله ، لأنّ الحكم بشهادة غير العدل غير جائز ، بدليل شهادة من ظهر فسقه . فإن قلنا بالأوّل فلا يثبت تعديله في حقّ غير المشهود عليه ، لأنّه لم توجد بيّنة التّعديل ، وإنّما يحكم عليه لإقراره بوجود شروط الحكم ، وإقراره يثبت في حقّه دون غيره كما لو أقرّ بحقّ عليه وعلى غيره ثبت في حقّه دون غيره . تجديد التّزكية : 14 - قال الإمام أحمد : ينبغي للقاضي أن يسأل عن شهوده كلّ قليل ، لأنّ الرّجل ينتقل من حال إلى حال . قال ابن قدامة : هل هذا مستحبّ أو واجب ؟ فيه وجهان : أحدهما : أنّه مستحبّ ، لأنّ الأصل بقاء ما كان ، فلا يزول حتّى يثبت الجرح . والثّاني : يجب البحث كلّما مضت مدّة يتغيّر الحال فيها ، لأنّ العيب يحدث ، وذلك على ما يراه الحاكم . ولأصحاب الشّافعيّ فيه وجهان مثل هذين . ويرى الحنفيّة : أنّه متى ثبتت العدالة عند القاضي ، ثمّ شهد الشّهود في حادثة أخرى ، فلا يشتغل بتعديلهم إن كان العهد قريباً ، وإلاّ سأل عنهم . وفي الحدّ الفاصل بينهما قولان ، أحدهما : أنّ القريب مقدّر بستّه أشهر . والثّاني : أنّه مفوّض إلى رأي القاضي . وعند المالكيّة : أنّه لو شهد المزكّي ثانياً قبل عام من تاريخ شهادته السّابقة ، وجهل حاله ، ولم يكثر معدّلوه ، ووجد من يعدّله عند شهادته ثانياً ، فقد اختلفوا فيه على قولين : الأوّل : ما قاله أشهب عن مالك أنّه لا يحتاج إلى تزكية . والقول الثّاني لسحنون : أنّه يحتاج إلى تزكية . فإن فقد قيد من الثّلاثة الأخيرة : بأن لم يجهل حاله ، أو كثر معدّلوه ، أو لم يوجد من يعدّله ثانياً لم يحتج إلى تزكية أخرى اكتفاءً بالتّزكية السّابقة اتّفاقاً بين المالكيّة . أمّا لو فقد القيد الأوّل ، كما لو شهد مجهول الحال بعد تمام سنة ، ولم يكن زكّاه قبله كثيرون احتاج لإعادة التّزكية اتّفاقاً . بيان سبب الجرح والتّعديل : 15 - قال أبو حنيفة والمالكيّة : يقبل الجرح المطلق ، وهو : أن يشهد أنّه فاسق ، أو أنّه ليس بعدل . وعن أحمد مثله ، لأنّ التّعديل يسمع مطلقاً فكذلك الجرح ، لأنّ التّصريح بالسّبب يجعل المجرّح فاسقاً ، ويوجب عليه الحدّ في بعض الحالات . وهو أن يشهد عليه بالزّنى ، فيفضي الجرح إلى جرح الجارح ، وتبطل شهادته ، ولا يتجرّح بها المجروح . وقال الشّافعيّة : يجب ذكر سبب الجرح للاختلاف فيه ، بخلاف سبب التّعديل . واستدلّ من قالوا باشتراط بيان سبب الجرح بأنّ النّاس يختلفون في أسباب الجرح ، كاختلافهم في شارب النّبيذ ، فوجب ألاّ يقبل مجرّد الجرح ، لئلاّ يجرّحه بما لا يراه القاضي جرحاً ، ولأنّ الجرح ينقل عن الأصل ، فإنّ الأصل في المسلمين العدالة والجرح ينقل عنها ، فلا بدّ أن يعرف النّاقل ، لئلاّ يعتقد نقله عن أصل العدالة بما لا يراه الحاكم ناقلاً . الفرق بين شهود الدّعوى وشهود التّزكية : 16 - يختلف شهود التّزكية عن شهود الدّعوى في أمور ، ويتّفقان في أمور : فيتّفقان في الجملة في اشتراط العقل الكامل والضّبط والولاية والعدالة والبصر والنّطق ، وألاّ يكون الشّاهد محدوداً في قذف ، وعدم القرابة المانعة من قبول الشّهادة ، وألاّ تجرّ الشّهادة على الشّاهد نفعاً . وهذه الشّرائط هي في الجملة ، إذ في كلّ مذهب تفصيل . وهذا في تزكية العلانية . أمّا في تزكية السّرّ ، فقد تقدّم الكلام عمّن تقبل شهادتهم فيها ، ومن ذلك يعلم الفرق بين شهود تزكية السّرّ والشّهادة أمام القاضي . ويختلفان في أنّ شاهد التّزكية في العلانية يشترط أن يكون : مبرزاً في العدالة فطناً حذراً لا يخدع ولا يستغفل . قال محمّد بن الحسن في النّوادر : كم من رجل أقبل شهادته ولا أقبل تعديله ، لأنّه يحسن أن يؤدّي ما سمع ولا يحسن التّعديل . وفي كتاب ( المتيطيّة ) من كتب المالكيّة : شهود التّزكية بخلاف شهود الحقوق . قال مالك : قد تجوز شهادة الرّجل ولا يجوز تعديله ، ولا يجوز إلاّ تعديل العارف . وقال سحنون : لا يجوز في التّعديل إلاّ العدل المبرز الفطن الّذي لا يخدع في عقله ولا يستزلّ في رأيه . وعلى هذا أكثر أصحاب مالك ، وبه جرى العمل . وروي عنه أيضاً : شهود التّزكية كشهود سائر الحقوق . 17 - ومثل ما تقدّم ما قاله الشّافعيّة : أنّه يشترط في المزكّي ما يشترط في الشّاهد ويزيد عليه أمران : أحدهما : معرفة أسباب الجرح والتّعديل ، لأنّه يشهد بهما . والأمر الثّاني : خبرة باطن من يعدّله أو يجرّحه ، بصحبة أو جوار أو معاملة ، ليتأتّى له بها التّعديل أو الجرح . ولا يخرج كلام الحنابلة عن ذلك . فقد قالوا : لا يقبل التّعديل إلاّ من أهل الخبرة الباطنة والمعرفة المتقادمة ، ولأنّ عادة النّاس إظهار الصّالحات وإسرار المعاصي ، فإذا لم يكن ذا خبرة باطنة ربّما اغترّ بحسن ظاهره ، وهو في باطنه فاسق . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية