الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41278" data-attributes="member: 329"><p>ثانياً : التّشهير من الحاكم :</p><p>تشهير الحاكم لبعض النّاس يكون في الحدود أو في التّعزير . </p><p>أ - بالنّسبة للحدود :</p><p>7 - قال الفقهاء : ينبغي أن تقام الحدود في ملأ من النّاس ، لقوله تعالى : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهما طَائِفَةٌ من المُؤْمنين } ، قال الكاسانيّ : والنّصّ وإن ورد في حدّ الزّنى ، لكنّ النّصّ الوارد فيه يكون واردا في سائر الحدود دلالة ، لأنّ المقصود من الحدود كلّها واحد ، وهو زجر العامّة ، وذلك لا يحصل إلّا وأن تكون الإقامة على رأس العامّة ، لأنّ الحضور ينزجرون بأنفسهم بالمعاينة ، والغائبين ينزجرون بإخبار الحضور ، فيحصل الزّجر للكلّ . وقال عبد الملك بن حبيب : ينبغي أن يكون إقامة الحدّ علانية وغير سرّ ، ليتناهى النّاس عمّا حرّم اللّه عليهم . وقال مطرّف : ومن أمر النّاس عندنا الشّهر لأهل الفسق رجالا ونساء ، والإعلام بجلدهم في الحدود وما يلزمهم من العقوبة وكشف وجه المرأة . </p><p>وسئل الإمام مالك عن المجلود في الخمر والفِرية : أترى أن يطاف بهم وبشُرّاب الخمر ؟ قال : إذا كان فاسقاً مدمناً فأرى أن يطاف بهم ، ونعلن أمرهم ويفضحون . </p><p>وفي حدّ السّرقة قال الفقهاء : يندب أن يعلّق العضو المقطوع في عنق المحدود ، لأنّ في ذلك ردعا للنّاس ، وقد روى فضالة بن عبيد رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أُتيَ بسارق قطعت يده ، ثمّ أمر بها فعلّقت في عنقه » وفعل ذلك عليّ رضي الله عنه. </p><p>وذكر في الدّرّ المختار حديث : « ما بالُ العاملِ نبعثه ، فيأتي فيقول : هذا لك وهذا لي . فهلا جلس في بيت أبيه وأمّه فينظرُ أيهدى له أم لا ؟ والّذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيراً له رُغاء ، أو بقرة لها خُوار ، أو شاة تَيْعَرُ » . قال ابن عابدين : ويؤخذ من هذا الحديث - كما قال ابن المنير - أنّ الحكّام أخذوا بالتّجريس بالسّارق ونحوه من هذا الحديث . </p><p>كذلك قال الفقهاء في قاطع الطّريق إذا صلب : يصلب ثلاثة أيّام ليشتهر الحال ويتمّ النّكال . قال ابن قدامة : إنّما شرع الصّلب ردعا لغيره ليشتهر أمره .</p><p>ب - بالنّسبة للتّعزير :</p><p>8 - التّشهير نوع من أنواع التّعزير ، أي أنّه عقوبة تعزيريّة . </p><p>ومعلوم أنّ التّعزير يرجع في تحديد جنسه وقدره إلى نظر الحاكم ، فقد يكون بالضّرب أو الحبس أو التّوبيخ أو التّشهير أو غير ذلك ، حسب اختلاف مراتب النّاس ، واختلاف المعاصي ، واختلاف الأعصار والأمصار . وعلى ذلك فالتّعزير بالتّشهير جائز إذا علم الحاكم أنّ المصلحة فيه ، وهذا الحكم هو بالنّسبة لكلّ معصية لا حدّ فيها ولا كفّارة في الجملة . يقول الماورديّ : للأمير إذا رأى من الصّلاح في ردع السّفلة : أن يشهّرهم وينادي عليهم بجرائمهم ، ساغ له ذلك . ويقول : يجوز في نكال التّعزير أن يجرّد من ثيابه ، إلا قدر ما يستر عورته ، ويشهّر في النّاس ، وينادى عليه بذنبه إذا تكرّر منه ولم يتب . </p><p>وفي التّبصرة لابن فرحون : إن رأى القاضي المصلحة في قمع السّفلة بإشهارهم بجرائمهم فعل . ويقول ابن فرحون أيضا : إذا حكم القاضي بالجور ، وثبت ذلك عليه بالبيّنة ، فإنّه يعاقب العقوبة الموجعة ، وعزل ويشهّر ويفضح . </p><p>وفي كشّاف القناع : القوّادة - الّتي تفسد النّساء والرّجال - أقلّ ما يجب فيها الضّرب البليغ ، وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض في الرّجال والنّساء لتجتنب . </p><p>غير أنّه يلاحظ أنّ الفقهاء دائما يذكرون التّشهير في تعزير شاهد الزّور ممّا يوحي بأنّ التّشهير واجب بالنّسبة لشاهد الزّور ، وذلك لاعتبار هذه المعصية من الكبائر . </p><p>قال الإمام أبو حنيفة في شاهد الزّور في المشهور : يطاف به ويشهّر ، ولا يضرب استنادا إلى ما فعله القاضي شريح ، وزاد الصّاحبان ضربه وحبسه . </p><p>ويذكر ابن قدامة حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ألا أُنَبِّئكُم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللّه قال : الإشراكُ باللّه وعقوق الوالدين ، وكان متّكئاً فجلس ، فقال : ألا وقولُ الزّور وشهادة الزّور . فما زال يكرّرها حتّى قلنا : ليته سكت » . </p><p>ثمّ يقول ابن قدامة : فمتى ثبت عند الحاكم عن رجل أنّه شهد بزور عمدا عزّره وشهّره في قول أكثر أهل العلم . روي ذلك عن عمر رضي الله عنه ، وبه يقول شريح والقاسم بن محمّد وسالم بن عبد اللّه والأوزاعيّ وابن أبي ليلى ومالك والشّافعيّ وعبد الملك بن يعلى قاضي البصرة . وفي كشّاف القناع : إذا عزّر من وجب عليه التّعزير وجب على الحاكم أن يشهّره لمصلحة كشاهد زور ليجتنب . </p><p>وجاء في التّبصرة : التّعزير لا يختصّ بالسّوط واليد والحبس ، وإنّما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام . قال أبو بكر الطّرطوشيّ في أخبار الخلفاء المتقدّمين : إنّهم كانوا يعاملون الرّجل على قدره وقدر جنايته ، فمنهم من يضرب ، ومنهم من يحبس ، ومنهم من يقام واقفاً على قدميه في المحافل ، ومنهم من تنزع عمامته . قال القرافيّ : إنّ التّعزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار ، فربّ تعزير في بلد يكون إكراماً في بلد آخر ، كقطع الطّيلسان ليس تعزيراً في الشّام فإنّه إكرام ، وكشف الرّأس بالأندلس ليس هواناً وبمصر والعراق هوان . ثمّ قال صاحب التّبصرة : والتّعزير لا يختصّ بفعل معيّن ولا قول معيّن ، فقد « عزّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالهجر » ، وذلك في حقّ الثّلاثة الّذين ذكرهم اللّه تعالى في القرآن الكريم ، فهجروا خمسين يوماً لا يكلّمهم أحد . « وعزّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالنّفي ، فأمر بإخراج المخنّثين من المدينة ونفيهم » . </p><p>وفي مغني المحتاج : يجتهد الإمام في جنس التّعزير وقدره ، لأنّه غير مقدّر شرعاً ، فيجتهد في سلوك الأصحّ ، فله أن يشهّر في النّاس من أدّى اجتهاده إليه . </p><p>ويجوز له حلق رأسه ، ويجوز أن يصلب حيّاً ، وهو ربطه في مكان عال لما لا يزيد عن ثلاثة أيّام ثمّ يرسل ، ولا يمنع في تلك المدّة عن الطّعام والشّراب والصّلاة . </p><p>وهذه النّصوص تدلّ على أنّه يجوز أن يكتفى بالتّشهير كعقوبة تعزيريّة إذا رأى الإمام ذلك ، ويجوز أن يضمّ إليه عقوبة أخرى كالضّرب والحبس . </p><p>وقد كان أبو بكر البحتريّ - وهو أمير المدينة - إذا أتي برجل ، قد أخذ معه الجرّة من المسكر ، أمر به فصبّ على رأسه عند بابه ، كيما يعرف بذلك ويشهّر به .</p><p></p><p>تشوّف *</p><p>التّعريف : </p><p>1 - التّشوّف لغة : مصدر تشوّف . يقال : تشوّفتِ الأوعالُ : إذا علت رءوس الجبال تنظر السّهل وخلوّه ممّا تخافه لتَرِدَ الماء . </p><p>ومنه قيل تشوّف فلان لكذا : إذا طمح بصره إليه . ثمّ استعمل في تعلّق الآمال ، والتّطلّب . </p><p>والمُشوِّفة من النّساء : الّتي تظهر نفسها ليراها النّاس . </p><p>وتشوّفت المرأة : تزيّنت وتطلّعت للخطاب - من شفّت الدّرهم : إذا جلوته . ودينار مشوّف : أي مجلوّ - وهو أن تجلو المرأة وجهها وتصقل خدّيها . </p><p>ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للفظ تشوّف عن معانيه الواردة في اللّغة . </p><p>وقيل : التّشوّف بمعنى التّزيّن خاصّ بالوجه ، والتّزيّن عامّ يستعمل في الوجه وغيره . </p><p>الحكم الإجماليّ :</p><p>أ - تشوّف الشّارع لإثبات النّسب : </p><p>2 - من القواعد المقرّرة في الشّريعة الإسلاميّة : أنّ الشّارع متشوّف للحاق النّسب ، لأنّ النّسب أقوى الدّعائم الّتي تقوم عليها الأسرة ، ويرتبط به أفرادها ، قال تعالى : { وَهو الّذي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرَاً فَجَعَلَهُ نَسَبَاً وَصِهْرَاً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرَاً } . </p><p>ولاعتناء الشّريعة بحفظ النّسب وتشوّفها لإثباته تكرّر فيها الأمر بحفظه عن تطرّق الشّكّ إليه ، والتّحذير من ذرائع التّهاون به . ولمراعاة هذا المقصد اتّفق الفقهاء على اعتبار الأحوال النّادرة في إلحاق النّسب ، لتشوّف الشّارع لإثباته . وللتّفصيل ( ر : نسب ) .</p><p>ب - التّشوّف إلى العتق : </p><p>3 - من محاسن الإعتاق أنّه إحياء حكميّ ، يخرج العبد من كونه ملحقا بالجمادات إلى كونه أهلا للكرامات البشريّة ، من قبول الشّهادة والولاية والقضاء . </p><p>ويقع العتق عند الفقهاء من كلّ : مكلّف مسلم - ولو سكران أو هازلا ولو دون نيّة - لتشوّف الشّارع إلى الحرّيّة بلا خلاف بين الفقهاء . </p><p>وقد أجمعوا على أنّه من حيث الأصل تصرّف مندوب إليه ، ويجب لعارض ، ويحصل به القربة لقوله تعالى : { فتحرير رقبة مؤمنة } وقوله عزّ وجلّ { فكّ رقبة } . ولخبر « أيّما مسلم أعتق مؤمنا أعتق اللّه بكلّ عضو منه عضوا من النّار » ( ر : عتق ، إعتاق ) .</p><p>ج - التّشوّف في العدّة : </p><p>4 - المطلّقة الرّجعيّة لها أن تتزيّن ، لأنّها حلال للزّوج ، لقيام نكاحها ما دامت في العدّة ، والرّجعة مستحبّة ، والتّزيّن حامل عليها فيكون مشروعاً . </p><p>وهذا عند الحنفيّة ، والمالكيّة ، والحنابلة . </p><p>أمّا الشّافعيّة : فيرون أنّه يستحبّ لها الإحداد . فلا يستحبّ لها التّزيّن . ومنهم من قال : الأولى أن تتزيّن بما يدعو الزّوج إلى رجعتها . ( ر : عدّة ) ولا خلاف بين الفقهاء في تحريم الزّينة على المتوفّى عنها زوجها مدّة عدّتها ، لوجوب الإحداد عليها . </p><p>وأمّا المبانة في الحياة بينونة كبرى ، فقد اختلف الفقهاء فيها على أقوال : فذهب الحنفيّة ، والشّافعيّة في قول إلى أنّه يحرم عليها الزّينة ، حدادا وأسفا على زوجها ، وإظهارا للتّأسّف على فوت نعمة النّكاح ، الّذي هو سبب لصونها وكفاية مئونتها ، ولحرمة النّظر إليها ، وعدم مشروعيّة الرّجعة . وقال الشّافعيّة : يستحبّ لها الإحداد . </p><p>وفي قول : الإحداد واجب على ما تقدّم ، وأمّا المالكيّة فقالوا : لا إحداد إلا على المتوفّى عنها زوجها فقط . ومفاده : لا إحداد على المبانة وإن استحبّ لها في عدّتها . </p><p>ولا يسنّ لها الإحداد عند الحنابلة ، ولهذا لا يلزمها أن تتجنّب ما يرغّب في النّظر إليها من الزّينة . وللتّفصيل ( ر : عدّة ) .</p><p>د - التّشوّف للخطاب : </p><p>5 - يرى الفقهاء أنّه لا يجوز للّتي تكون صالحة للخطبة والزّواج أن تتزيّن استعداداً لرؤية من يرغب في خطبتها والزّواج بها . </p><p>وأجمعوا على أنّه يجوز للخاطب أن يرى بنفسه من يرغب في زواجها لكي يقدم على العقد إن أعجبته ، ويحجم عنه إن لم تعجبه ، لخبر « إذا خطب أحدكم امرأة ، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل » وذلك لأنّه من أسباب الألفة والوئام . </p><p>وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه « أنّه خطب امرأة ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أنظرتَ إليها ؟ قال : لا . فقال : اذهب فانظر إليها ، فإنّه أحرى أن يُؤْدَم بينكما » . </p><p>ويرى أكثر الفقهاء أنّ للخاطب أن ينظر إلى الوجه والكفّين فقط ، لأنّ رؤيتهما تحقّق المطلوب من الجمال وخصوبة الجسد وعدمها . فيدلّ الوجه على الجمال أو ضدّه لأنّه مجمع المحاسن ، والكفّان على خصوبة البدن . وأجاز بعض الحنفيّة النّظر إلى الرّقبة والقدمين . وأجاز الحنابلة النّظر إلى ما يظهر عند القيام بالأعمال ، وهي ستّة أعضاء : الوجه ، والرّأس ، والرّقبة ، واليد ، والقدم ، والسّاق ، لأنّ الحاجة داعية إلى ذلك ، ولإطلاق الأحاديث السّابقة . وللتّفصيل ( ر : نكاح ، خطبة ) .</p><p></p><p>تشييع الجنازة *</p><p>انظر : جنازة .</p><p></p><p>تصادق *</p><p>التّعريف : </p><p>1 - التّصادق لغة واصطلاحاً : ضدّ التّكاذب يقال : تصادقا في الحديث والمودّة ضدّ تكاذبا ومادّة تفاعل لا تكون غالباً إلا بين اثنين يقال : تحابّا وتخاصما ، أي أحبّ أو خاصم كلّ منهما الآخر . واستعمل المالكيّة أيضاً ( التّقارر ) بمعنى التّصادق . </p><p>حكم التّصادق :</p><p>2 - حكم التّصادق في الجملة - في حقّ المتصادقين إذا تعلّقت به حقوق العباد ، أو كان في حقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات - اللّزوم ، وهو أبلغ من الشّهادة ، لأنّه نوع من الإقرار . قال أشهب : قول كلّ أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره . </p><p>أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات فليس بلازم .</p><p>من يعتبر تصادقه :</p><p>3 - التّصادق الّذي يعتدّ به ويترتّب عليه حكم يكون من البالغ العاقل المختار ، فلا يعتبر تصديق الصّغير وغير العاقل . </p><p>صفة التّصادق :</p><p>4 - صفة التّصديق لفظ أو ما يقوم مقامه يدلّ على توجّه الحقّ قبل المقرّ ( المصدّق ) . ويقوم مقام اللّفظ : الإشارة والكتابة والسّكوت . فالإشارة من الأبكم ومن المريض . فإذا قيل للمريض : لفلان عندك كذا ، فأشار برأسه أن نعم ، فهذا تصديق إذا فهم عنه مراده .</p><p>ما يشترط في المصادق :</p><p>5 - يشترط في المصادق أن يكون أهلاً للاستحقاق ، وألا يكذّبه المصادق ، فإذا كذّب المصادق المصادق ثمّ رجع لم يفد رجوعه ، إلّا أن يرجع المصادق إلى ما أقرّ به .</p><p>محلّ التّصادق :</p><p>6 - يكون التّصديق في النّسب والمال . والتّصديق في النّسب ينظر تحت عنوان ( نسب ) . والتّصديق في المال نوعان : مطلق ومقيّد . </p><p>فالمطلق : ما صدر غير مقترن بما يقيّده أو يرفع حكمه أو حكم بعضه ، فإذا كان التّصديق على هذا الوجه فهو ملزم لمن صدّق، وعليه أداء ما صدّق فيه ، ولا يجوز له الرّجوع عنه. وإذا كان التّصديق مقيّداً بقيد ففي لزومه أو عدمه تفصيل ينظر في مصطلح ( إقرار ) .</p><p>التّصادق في حقوق اللّه تعالى :</p><p>7 - إذا تصادق اثنان أو أكثر على إسقاط حقّ من حقوق اللّه تعالى فلا عبرة بتصادقهم ، ولا يترتّب عليه حكم ، إلّا إذا قامت بيّنة على هذا التّصادق ، فيكون الحكم في هذه الحال ثابتا بالبيّنة لا بالتّصادق ، ويتّضح ذلك من الأمثلة الآتية : </p><p>إن طلّق الزّوج زوجته قبل الدّخول ، وكان قد خلا بها ، لزمتها العدّة إن كان الزّوج بالغاً ، وكانت المرأة مطيقة للوطء ، سواء أكانت خلوة اهتداء أم خلوة زيارة . </p><p>وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . وتجب العدّة حينئذ ولو تصادقا على نفي الوطء ، لأنّ العدّة حقّ اللّه تعالى ، فلا تسقط بالتّصادق . </p><p>ويؤخذ بتصادقهما على نفي الوطء فيما هو حقّ لهما : فلا نفقة لها ، ولا يتكمّل لها الصّداق ، ولا رجعة له عليها . أي كلّ من أقرّ منهما أخذ بإقراره اجتماعاً أو انفراداً . </p><p>ويترتّب على قبول التّصادق أو ردّه أحكام كثيرة ، كثبوت النّسب من تاريخ الخلوة ، وتأكيد المهر ، والنّفقة والسّكن والعدّة ، وحرمة نكاح أختها في عدّتها وأربع سواها . وفي هذه المذاهب اختلاف في الحقوق الّتي تترتّب على الخلوة . تفصيله في باب : ( النّكاح ) . </p><p>وعند الشّافعيّة في القديم قولان أحدهما : الخلوة مؤثّرة ، وتصدّق المرأة في ادّعاء الإصابة ( الوطء ) والقول الثّاني أنّها كالوطء . وفي الجديد : إنّ الخلوة وحدها لا تؤثّر في المهر . وعلى هذا لو اتّفقا على حصول الخلوة ، وادّعت الإصابة لم يترجّح جانبها ، بل القول قوله بيمينه . ويفهم من ذلك أنّه لو صدّقها يتقرّر المهر كلّه .</p><p>التّصادق في النّكاح :</p><p>8 - لا يثبت النّكاح بالتّصادق ، لأنّ الشّهادة شرط فيه ، ووقتها عند غير المالكيّة وقت العقد ، وعند المالكيّة يندب الإشهاد وقت العقد ، فإن لم يشهد عند العقد اشترط وجوبا عند الدّخول ، ولا حدّ عندهم إن فشا النّكاح بوليمة أو ضرب دفّ أو دخان ، أو كان على العقد أو الدّخول شاهد واحد غير الوليّ ، لصحّة النّكاح في هذه الصّور . </p><p>وقال المالكيّة : تثبت الزّوجيّة بالتّقارر - أي التّصادق - حقّ الزّوجين إذا كانا بلديّين ، أو كان أحدهما بلديّا ، وأمّا الطّارئان - أي من لم يكونا من أهل البلد ، سواء قدما معاً أو مفترقين - فلا تثبت الزّوجيّة بينهما بمجرّد التّصادق .</p><p>حكم تصادق الزّوجين على طلاق سابق :</p><p>9 - إذا أقرّ رجل في حالة الصّحّة بطلاق بائن أو رجعيّ متقدّم على وقت إقراره ، ولا بيّنة له ، استأنفت امرأته العدّة من وقت إقراره ، فيصدّق في الطّلاق ، لا في إسناده للوقت السّابق ولو صدّقته ، لأنّه يتّهم على إسقاط العدّة وهي حقّ للّه تعالى . فإن كانت له بيّنة ، فالعدّة من الوقت الّذي أسندت إليه البيّنة . هذا بالنّسبة للعدّة لأنّها حقّ اللّه تعالى . </p><p>أمّا بالنّسبة لحقوق الزّوجين فيعامل كلّ حسب إقراره ، فلو ماتت الزّوجة ، وكانت العدّة قد انقضت بحسب إقراره ، فلا يرثها لأنّها صارت أجنبيّة على مقتضى دعواه ، ولا رجعة له عليها إن كان الطّلاق رجعيّاً ، وورثته إن مات في العدّة المستأنفة ، حيث كان الطّلاق رجعيّا إن لم تصدّقه . ولا يتزوّج أختها ولا أربعا سواها في العدّة ، ولو صادقته على حصول الطّلاق في الماضي نفيا لتهمة التّواطؤ بينهما . </p><p>وإن صدّقته فلا نفقة لها معاملة لها بتصديقها إيّاه . وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة . </p><p>وعند الشّافعيّة : أنّه لو أسند الزّوج الطّلاق إلى زمن ماض ، وصدّقت الزّوجة الزّوج في الإسناد ، فالعدّة من التّاريخ الّذي أسند إليه الطّلاق ، ولو لم يقم على ذلك بيّنة . </p><p>والمفهوم من كلام الحنابلة أنّ الحكم عندهم كذلك . فقد جاء في شرح منتهى الإرادات : لو جاءت امرأة حاكماً وادّعت أنّ زوجها طلّقها وانتهت عدّتها ، فله تزويجها بشرطه إن ظنّ صدقها ، ولا سيّما إن كان الزّوج لا يعرف ، لأنّ الإقرار ( أي بالزّوجيّة ) لمجهول لا يصحّ. وأيضاً الأصل صدقها - أي فيما ادّعته من خلوّها عن الزّوجيّة - ولا منازع .</p><p>حكم مصادقة الزّوجة على إعسار الزّوج :</p><p>10 - يكتفى بتصديق الزّوجة زوجها في دعواه الإعسار ، وتصديقها يقوم مقام البيّنة ، ويترتّب عليه ما يترتّب على ثبوت الإعسار بالبيّنة من حيث الحكم بالتّطليق بشروطه المفصّلة في أبوابها وينظر ( إعسار ، نفقة ، مهر ) .</p><p>الرّجوع في التّصديق :</p><p>11 - تقدّم أنّ التّصديق ملزم لمن صدّق ، وعلى ذلك فلا يجوز الرّجوع فيه بالنّسبة لحقوق العباد وحقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات ، كالزّكاة ، فمن صدّق المدّعي فيما ادّعاه عليه من حقّ فلا يجوز له الرّجوع متى توافرت شروط التّصديق . </p><p>ولو أقرّ بنسب ، وصدّقه المقرّ له ، ثمّ رجع المقرّ عن إقراره لا يقبل منه الرّجوع . </p><p>أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات كالحدود فإنّه إذا ثبت الحدّ بالإقرار فقط ، فإنّه يجوز للمقرّ الرّجوع ، سواء أكان الرّجوع قبل الحدّ أم بعده ، وسقط الحدّ ، « لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عرّض لماعز بالرّجوع » ، فلولا أنّه يفيد لما عرّض له به . </p><p>وعلّل الفقهاء عدم جواز الرّجوع في التّصديق بحقوق الآدميّين وحقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات : بأنّ رجوعه نقض لما صدر منه وتعلّق به حقّ الغير ، فإذا قال : هذه الدّار لزيد ، لا بل لعمرو ، أو ادّعى زيد على ميّت شيئا معيّنا من تركته فصدّقه ابنه ، ثمّ ادّعاه عمرو فصدّقه ، حكم به لزيد ، ووجبت عليه غرامته لعمرو ، وهذا ظاهر أحد قولي الشّافعيّ . وفي القول الآخر : لا يغرم لعمرو شيئا ، وهو قول أبي حنيفة ، لأنّه أقرّ له بما عليه الإقرار به وإنّما منعه الحكم من قبوله وذلك لا يوجب الضّمان .</p><p></p><p>تصحيح *</p><p>التّعريف : </p><p>1 - التّصحيح لغة : مصدر صحّح ، يقال : صحّحت الكتاب والحساب تصحيحاً : إذا أصلحت خطأه ، وصحّحته فصحّ . والتّصحيح عند المحدّثين هو : الحكم على الحديث بالصّحّة ، إذا استوفى شرائط الصّحّة الّتي وضعها المحدّثون . ويطلق التّصحيح أيضاً عندهم على كتابة </p><p>( صحّ ) على كلام يحتمل الشّكّ بأن كرّر لفظ مثلا لا يخلّ تركه . </p><p>والتّصحيح عند أهل الفرائض : إزالة الكسور الواقعة بين السّهام والرّءوس . </p><p>والتّصحيح عند الفقهاء هو : رفع أو حذف ما يفسد العبادة أو العقد . </p><p> الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>أ - التّعديل : </p><p>2 - التّعديل : مصدر عدّل ، يقال : عدّلت الشّيء تعديلا فاعتدل : إذا سوّيته فاستوى . ومنه قسمة التّعديل . وعدّلت الشّاهد : نسبته إلى العدالة . وتعديل الشّيء : تقويمه . </p><p>ب - التّصويب : </p><p>3 - التّصويب : مصدر صوّب من الصّواب ، الّذي هو ضدّ الخطأ ، والتّصويب بهذا المعنى يرادف التّصحيح ، وصوّبت قوله : قلت : إنّه صواب . </p><p>ج - التّهذيب : </p><p>4 - التّهذيب كالتّنقية ، يقال : هذّب الشّيء ، إذا نقّاه وأخلصه . وقيل : أصلحه . </p><p>د - الإصلاح : </p><p>5 - الإصلاح ضدّ الإفساد ، وأصلح الشّيء بعد فساده : أقامه، وأصلح الدّابّة : أحسن إليها. هـ – التّحرير : </p><p>6 - تحرير الكتابة : إقامة حروفها وإصلاح السّقط وتحرير الحساب : إثباته مستوياً لا غلت فيه ، ولا سقط ولا محو . وتحرير الرّقبة : عتقها . </p><p> الحكم التّكليفيّ :</p><p>7 - تصحيح الفساد والخطأ أمر واجب شرعا متى عرفه الإنسان ، سواء أكان ذلك في العبادات : كمن اجتهد في معرفة القبلة وصلّى ، ثمّ تبيّن الخطأ أثناء الصّلاة ، فيجب تصحيح هذا الخطأ بالاتّجاه إلى القبلة ، وإلا فسدت الصّلاة . </p><p>أم كان ذلك في المعاملات : كالبيع بشرط مفسد للعقد ، فيجب إسقاط هذا الشّرط ليصحّ البيع ، وإلا وجب فسخ البيع دفعاً للفساد. </p><p>ما يتعلّق بالتّصحيح من أحكام :</p><p>أوّلا : تصحيح الحديث :</p><p>8 - تصحيح الحديث هو : الحكم عليه بالصّحّة لتوافر شروط خاصّة اشترطها علماء الحديث . وقد يختلف المحدّثون في صحّة بعض الأحاديث لاختلافهم في بعض الشّروط ، وفي تقديم بعضها على بعض . </p><p>فقد قرّر ابن الصّلاح والنّوويّ وغيرهما أنّه يحكم بصحّة الحديث المسند الّذي يتّصل إسناده بنقل العدل الضّابط عن العدل الضّابط إلى منتهاه ، ولا يكون شاذّاً ولا معلَّلاً . </p><p>قال ابن الصّلاح : فهذا هو الحديث الّذي يحكم له بالصّحّة بلا خلاف بين أهل الحديث . فإذا وجدت الشّروط المذكورة حكم للحديث بالصّحّة ، ما لم يظهر بعد ذلك أنّ فيه شذوذاً . والحكم بتواتر الحديث حكم بصحّته . وقال بعض المحدّثين : يحكم للحديث بالصّحّة إذا تلقّاه النّاس بالقبول ، وإن لم يكن له إسناد صحيح . قال ابن عبد البرّ - لما حكى عن التّرمذيّ أنّ البخاريّ صحّح حديث البحر : « هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته » وأهل الحديث لا يصحّحون مثل إسناده - لكنّ الحديث عندي صحيح ، لأنّ العلماء تلقّوه بالقبول . </p><p>وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايينيّ : تعرف صحّة الحديث إذا اشتهر عند أئمّة الحديث بغير نكير منهم . وقال نحوه ابن فورك . </p><p>على أنّ هناك من اشترط غير ذلك للحكم بالصّحّة ، كاشتراط الحاكم أن يكون راوي الحديث مشهوراً بالطّلب - أي طلب الحديث وتتبّع رواياته - وعن مالك نحوه ، وكاشتراط أبي حنيفة فقه الرّاوي ، وكاشتراط بعض المحدّثين العلم بمعاني الحديث ، حيث يروى بالمعنى ، قال السّيوطيّ : وهو شرط لا بدّ منه ، لكنّه داخل في الضّبط ، وكاشتراط البخاريّ ثبوت السّماع لكلّ راو من شيخه ، ولم يكتف بإمكان اللّقاء والمعاصرة .</p><p>أثر عمل العالم وفتياه في التّصحيح :</p><p>9 - قال النّوويّ والسّيوطيّ : عمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكماً منه بصحّة الحديث ولا بتعديل رواته ، لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطا ، أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر . وصحّح الآمديّ وغيره من الأصوليّين أنّه حكم بذلك . وقال إمام الحرمين : إن لم يكن في مسالك الاحتياط - أي لم تكن الفتيا بمقتضى صحّة الحديث ، بل للاحتياط - . وفرّق ابن تيميّة بين أن يعمل به في التّرغيب وغيره . كما أنّ مخالفة العالم للحديث لا تعتبر قدحا منه في صحّته ولا في رواته ، لإمكان أن يكون ذلك لمانع من معارض أو غيره . </p><p>وقد روى الإمام مالك حديث الخيار ، ولم يعمل به لعمل أهل المدينة بخلافه ، ولم يكن ذلك قدحاً في نافعٍ راويه . وممّا لا يدلّ على صحّة الحديث أيضا - كما ذكر أهل الأصول - موافقة الإجماع له على الأصحّ ، لجواز أن يكون المستند غيره . </p><p>وقيل : يدلّ على صحّة الحديث .</p><p>تصحيح المتأخّرين من علماء الحديث :</p><p>10 - يرى الشّيخ ابن الصّلاح أنّه قد انقطع التّصحيح في هذه الأعصار ، فليس لأحد أن يصحّح ، بل يقتصر في الحكم بصحّة الحديث على ما اعتمده السّابقون ، كما يرى عدم اعتبار الحديث صحيحا بمجرّد صحّة إسناده ما لم يوجد في مصنّفات أئمّة الحديث المعتمدة المشهورة ، فأغلب الظّنّ أنّه لو صحّ عندهم لما أهملوه لشدّة فحصهم واجتهادهم . </p><p>وقد خالف الإمام النّوويّ ابن الصّلاح في ذلك ، فقال : والأظهر عندي جوازه لمن تمكّن وقويت معرفته . قال الحافظ العراقيّ : وهو الّذي عليه عمل أهل الحديث . </p><p>وقد صحّح جماعة من العلماء المتأخّرين أحاديث لم يعرف تصحيحهما عن الأقدمين .</p><p>ثانياً : تصحيح العقد الفاسد :</p><p>11 - الفقهاء عدا الحنفيّة لا يفرّقون في الجملة بين العقد الباطل والعقد الفاسد ، فالحكم عند الشّافعيّة والحنابلة : أنّ العقد لا ينقلب صحيحاً برفع المفسد . </p><p>ففي كتب الشّافعيّة : لو حذف العاقدان المفسد للعقد - ولو في مجلس الخيار - لم ينقلب العقد صحيحاً ، إذ لا عبرة بالفاسد . </p><p>وفي المغني لابن قدامة : لو باعه بشرط أن يسلّفه أو يقرضه ، أو شرط المشتري ذلك عليه ، فهو محرّم والعقد باطل ، لما روى عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن ، وعن بيع ما لم يقبض ، وعن بيعتين في بيعة ، وعن شرطين في بيع ، وعن بيع وسلف » . ولأنّه اشترط عقدا في عقد ففسد كبيعتين في بيعة ، ولأنّه إذا اشترط القرض زاد في الثّمن لأجله ، فتصير الزّيادة في الثّمن عوضا عن القرض وربحا له ، وذلك ربا محرّم ، ففسد كما لو صرّح به ، ولأنّه بيع فاسد فلا يعود صحيحا كما لو باع درهما بدرهمين ثمّ ترك أحدهما . وفي باب الرّهن قال : لو بطل العقد لما عاد صحيحا . وفي شرح منتهى الإرادات : العقد الفاسد لا ينقلب صحيحاً . </p><p>وعند المالكيّة يصحّ العقد إذا حذف الشّرط المفسد للعقد ، سواء أكان شرطا ينافي مقتضى العقد ، أم كان شرطا يخلّ بالثّمن في البيع ، إلّا أربعة شروط فلا يصحّ البيع معها ولو حذف الشّرط ، وهي : </p><p>أ - من ابتاع سلعة بثمن مؤجّل على أنّه إن مات فالثّمن صدقة عليه ، فإنّه يفسخ البيع ولو أسقط هذا الشّرط لأنّه غرر ، وكذا لو شرط : إن مات فلا يطالب البائع ورثته بالثّمن . </p><p>ب - شرط ما لا يجوز من أمد الخيار، فيلزم فسخه وإن أسقط لجواز كون إسقاطه أخذاً به. ج - من باع أمة وشرط على المبتاع أن لا يطأها ، وأنّه إن فعل فهي حرّة ، أو عليه دينار مثلا ، فيفسخ ولو أسقط الشّرط لأنّه يمين . </p><p>د - شرط الثّنيا يفسد البيع ولو أسقط الشّرط . وزاد ابن الحاجب شرطا خامسا وهو : </p><p>هـ - شرط النّقد ( أي تعجيل الثّمن ) في بيع الخيار قال ابن الحاجب : لو أسقط شرط النّقد فلا يصحّ . وفي الإجارة جاء في الشّرح الصّغير : تفسد الإجارة بالشّرط الّذي يناقض مقتضى العقد ، ومحلّ الفساد إن لم يسقط الشّرط ، فإن أسقط الشّرط صحّت . </p><p>ويوضّح ابن رشد سبب اختلاف الفقهاء في صحّة العقد بارتفاع المفسد أو عدم صحّته . فيقول : هل إذا لحق الفساد بالبيع من قبل الشّرط يرتفع الفساد إذا ارتفع الشّرط ، أو لا يرتفع ؟ كما لا يرتفع الفساد اللاحق للبيع الحلال من أجل اقتران المحرّم العين به ، كمن باع غلاما بمائة دينار وزقّ خمر ، فلمّا عقد البيع قال : أدّع الزّقّ . وهذا البيع مفسوخ عند العلماء بإجماع . وهذا أيضا ينبني على أصل آخر . هو : هل هذا الفساد معقول المعنى أو غير معقول ؟ فإن قلنا : هو غير معقول المعنى ، لم يرتفع الفساد بارتفاع الشّرط . </p><p>وإن قلنا : معقول ، ارتفع الفساد بارتفاع الشّرط . فمالك رآه معقولا ، والجمهور رأوه غير معقول ، والفساد الّذي يوجد في بيوع الرّبا والغرر هو أكثر ذلك غير معقول المعنى ، ولذلك ليس ينعقد عندهم أصلا ، وإن ترك الرّبا بعد البيع وارتفع الغرر . </p><p>12 - ويفرّق الحنفيّة بين العقد الباطل والعقد الفاسد فيصحّ عندهم - خلافا لزفر - تصحيح العقد الفاسد ، بارتفاع المفسد دون الباطل ، ويقولون في عقد البيع : إنّ ارتفاع المفسد في الفاسد يردّه صحيحاً ، لأنّ البيع قائم مع الفساد ، ومع البطلان لم يكن قائماً بصفة البطلان ، بل كان معدوماً . وعند زفر : العقد الفاسد لا يحتمل الجواز برفع المفسد . </p><p>لكنّ تصحيح العقد الفاسد عند الحنفيّة مقيّد بما إذا كان الفساد ضعيفا . يقول الكاسانيّ : الأصل عندنا أنّه ينظر إلى الفساد ، فإن كان قويّا بأن دخل في صلب العقد - وهو البدل أو المبدل - لا يحتمل الجواز برفع المفسد ، كما إذا باع عبدا ألف درهم ورطل من خمر ، فحطّ الخمر عن المشتري فهو فاسد ولا ينقلب صحيحاً . </p><p>وإن كان الفساد ضعيفاً ، وهو ما لم يدخل في صلب العقد ، بل في شرط جائز يحتمل الجواز برفع المفسد ، كما في البيع بشرط خيار لم يوقّت ، أو وقّت إلى وقت مجهول كالحصاد ، أو لم يذكر الوقت ، وكما في البيع بثمن مؤجّل إلى أجل مجهول ، فإذا أسقط الأجل من له الحقّ فيه قبل حلوله وقبل فسخه جاز البيع لزوال المفسد ، ولو كان إسقاط الأجل بعد الافتراق على ما حرّره ابن عابدين . </p><p>وعلى هذا سائر البياعات الفاسدة بسبب ضرر يلحق بالبائع في التّسليم إذا سلّم البائع برضاه واختياره - كما إذا باع جذعا له في سقف ، أو آجرّا له في حائط ، أو ذراعا في ديباج - أنّه لا يجوز لأنّه لا يمكنه تسليمه إلّا بالنّزع والقطع ، وفيه ضرر بالبائع ، والضّرر غير مستحقّ بالعقد ، فكان هذا على التّقدير بيع ما لا يجب تسليمه شرعا ، فيكون فاسدا . فإن نزعه البائع أو قطعه وسلّمه إلى المشتري قبل أن يفسخ المشتري البيع جاز البيع ، لأنّ المانع من الجواز ضرر البائع بالتّسليم ، فإذا سلّم باختياره ورضاه فقد زال المانع ، فجاز البيع ولزم . وعلى هذا سائر العقود الفاسدة عند الحنفيّة طبقا لقاعدة : إذا زال المانع مع وجود المقتضي عاد الحكم . ومن ذلك أنّ هبة المشاع فاسدة ، فإن قسّمه وسلّمه جاز . واللّبن في الضّرع ، والصّوف على ظهر الغنم ، والزّرع والنّخل في الأرض ، والتّمر في النّخيل بمنزلة المشاع ، لأنّها موجودة ، وامتناع الجواز للاتّصال ، فإذا فصّلها وسلّمها جاز لزوال المانع . ومثل ذلك : إذا رهن الأرض بدون البناء ، أو بدون الزّرع والشّجر ، أو رهن الزّرع والشّجر بدون الأرض ، أو رهن الشّجر بدون الثّمر ، أو رهن الثّمر بدون الشّجر أنّه لا يجوز ، لأنّ المرهون متّصل بما ليس بمرهون ، وهذا يمنع صحّة القبض . ولو جذّ الثّمر وحصد الزّرع وسلّم منفصلا جاز لزوال المانع .</p><p>تصحيح العقد باعتباره عقداً آخر :</p><p>13 - هذا ، ويمكن تصحيح العقد الفاسد إذا أمكن تحويله إلى عقد آخر صحيح لتوافر أسباب الصّحّة فيه ، سواء أكانت الصّحّة عن طريق المعنى عند بعض الفقهاء ، أم عن طريق اللّفظ عند البعض الآخر نظراً لاختلافهم في قاعدة " هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها " . ونوضّح ذلك بالأمثلة الآتية : </p><p>14 - في الأشباه لابن نجيم : الاعتبار للمعنى لا للألفاظ ، صرّحوا به في مواضع منها : الكفالة ، فهي بشرط براءة الأصيل حوالة ، وهي بشرط عدم براءته كفالة . </p><p>وفي الاختيار : شركة المفاوضة يشترط فيها أن يتساوى الشّريكان في التّصرّف والدّين والمال الّذي تصحّ فيه الشّركة . . فلا تنعقد المفاوضة بين المسلم والذّمّيّ عند أبي حنيفة ومحمّد ، فإذا عقد المسلم والذّمّيّ المفاوضة صارت عنانا عندهما ، لفوات شرط المفاوضة ووجود شرط العنان ، وكذلك كلّ ما فات من شرائط المفاوضة يجعل عنانا إذا أمكن ، تصحيحاً لتصرّفهما بقدر الإمكان . </p><p>وفي الاختيار أيضاً : عقد المضاربة ، إن شرط فيه الرّبح للمضارب فهو قرض ، لأنّ كلّ ربح لا يملك إلّا بملك رأس المال ، فلمّا شرط له جميع الرّبح فقد ملّكه رأس المال ، وإن شرط الرّبح لربّ المال كان إبضاعا ، وهذا معناه عرفاً وشرعاً . </p><p>وجاء في منح الجليل : من أحال على من ليس له عليه دين ، وأعلم المحال ، صحّ عقد الحوالة ، فإن لم يعلمه لم تصحّ ، وتنقلب حمالة أي كفالة . وفي أشباه السّيوطيّ : هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها ؟ خلاف . التّرجيح مختلف في الفروع . </p><p>ومن ذلك : إذا قال : أنت حرّ غدا على ألف . إن قلنا : بيع فسد ولا تجب قيمة العبد ، وإن قلنا : عتق بعوض ، صحّ ووجب المسمّى . </p><p>ومنها : لو باع المبيع للبائع قبل قبضه بمثل الثّمن الأوّل ، فهو إقالة بلفظ البيع ، وخرّجه السّبكيّ على القاعدة ، والتّخريج للقاضي حسين قال : إن اعتبرنا اللّفظ لم يصحّ ، وإن اعتبرنا المعنى فإقالة .</p><p>ثالثاً - تصحيح العبادة إذا طرأ عليها ما يفسدها :</p><p>15 - من الأمور الّتي تطرأ على العبادة ما لا يمكن إزالته أو تلافيه كالأكل والشّرب والكلام والحدث والجماع ، فهذه الأمور لا يمكن تلافيها، وهي تعتبر من مفسدات العبادة في الجملة. هذا مع اختلاف الفقهاء في التّفصيل فيها بين القليل والكثير ، وبين العمد والسّهو والجهل ، وما هو معفوّ عنه أو غير معفوّ عنه . فإذا طرأ شيء من ذلك على العبادة ففسدت فعلا - عند من يعتبر ذلك مفسدا - فلا مجال لتصحيح هذه العبادة ، ويلزم إعادتها إن اتّسع وقتها ، أو قضاؤها إن خرج الوقت . وينظر تفصيل ذلك في : ( إعادة - قضاء ) . </p><p>والكلام هنا إنّما هو فيما يطرأ على العبادة ممّا يعتبر من المفسدات مع إمكان إزالة المفسد أو تلافيه لتصحّ العبادة ، مثل طروء النّجاسة أو كشف العورة وما شابه ذلك . </p><p>والفقهاء متّفقون في الجملة على : أنّه إذا طرأ على العبادة ما شأنه أن يفسدها لو استمرّ وأمكن تلافيه وإزالته وجب فعل ذلك لتصحيح العبادة . ونظراً لتعذّر حصر مثل هذه المسائل لكثرة فروعها في أبواب العبادة المختلفة ، فيكتفى بذكر بعض الأمثلة الّتي توضّح ذلك : </p><p>16 - من اجتهد في معرفة القِبلة ، وتغيّر اجتهاده أثناء الصّلاة استدار إلى الجهة الثّانية الّتي تغيّر اجتهاده إليها ، وبنى على ما مضى من صلاته . </p><p>وكذلك إذا اجتهد فأخطأ ، وبان له يقين الخطأ وهو في الصّلاة ، بمشاهدة أو خبر عن يقين فإنّه يستدير إلى جهة الصّواب ويبني على ما مضى . </p><p>والدّليل على ذلك أنّ أهل قباء لمّا بلغهم نسخ القبلة وهم في صلاة الفجر استداروا إليها ، </p><p>« واستحسن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعل أهل قباء ، ولم يأمرهم بالإعادة » . </p><p>وينظر تفصيل ذلك في : ( استقبال - قبلة - صلاة ) . </p><p>17 - من وقعت عليه نجاسة يابسة - وهو في الصّلاة - فأزالها سريعاً صحّت صلاته ، لحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال : « بينما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي بأصحابه ، إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره ، فلمّا رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم ، فلمّا قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاته قال : ما حملكم على إلقاء نعالكم ؟ . قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا . فقال صلى الله عليه وسلم : إنّ جبريل أتاني ، فأخبرني أنّ فيهما قذراً » . وينظر تفصيل ذلك في : ( نجاسة - صلاة ) . </p><p>18 - من انكشفت عورته وهو في الصّلاة - بأن أطارت الرّيح سترته فانكشفت عورته - فإن أعادها سريعاً صحّت صلاته . </p><p>ولو صلّى عرياناً لعدم وجود سترة ، ثمّ وجد سترة قريبة منه ستر بها ما وجب ستره ، وبنى على ما مضى من صلاته ، قياساً على أهل قباء لمّا علموا بتحويل القبلة استداروا إليها وأتمّوا صلاتهم . وينظر تفصيل ذلك في : ( عورة - صلاة ) . </p><p>19 - إن خفّ في الصّلاة معذور بعذر مسوّغ للاستناد أو الجلوس أو الاضطجاع انتقل للأعلى ، كمستند قدر على الاستقلال ، وجالس قدر على القيام انتقل وجوباً ، فإن تركه بطلت صلاته . وينظر تفصيل ذلك في : ( عذر - صلاة ) . </p><p>20 - من علم في أثناء طوافه بنجس في بدنه أو ثوبه طرحه أو غسلهما ، وبنى على ما تقدّم من طوافه إن لم يطل ، وإلا بطل طوافه لعدم الموالاة . </p><p>وينظر تفصيل ذلك في ( طواف ) . </p><p>21 - هذا ، ومن تصحيح العبادة ما يدخل تحت قاعدة : بطلان الخصوص لا يبطل العموم . جاء في المنثور : لو تحرّم بالفرض منفردا فحضرت جماعة ، قال الشّافعيّ : أحببت أن يسلّم من ركعتين وتكون نافلة ، ويصلّي الفرض ، فصحّح النّفل مع إبطال الفرض . </p><p>وإذا تحرّم بالصّلاة المفروضة قبل وقتها ظانّا دخوله بطل خصوص كونها ظهرا ، ويبقى عموم كونها نفلا في الأصحّ .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41278, member: 329"] ثانياً : التّشهير من الحاكم : تشهير الحاكم لبعض النّاس يكون في الحدود أو في التّعزير . أ - بالنّسبة للحدود : 7 - قال الفقهاء : ينبغي أن تقام الحدود في ملأ من النّاس ، لقوله تعالى : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهما طَائِفَةٌ من المُؤْمنين } ، قال الكاسانيّ : والنّصّ وإن ورد في حدّ الزّنى ، لكنّ النّصّ الوارد فيه يكون واردا في سائر الحدود دلالة ، لأنّ المقصود من الحدود كلّها واحد ، وهو زجر العامّة ، وذلك لا يحصل إلّا وأن تكون الإقامة على رأس العامّة ، لأنّ الحضور ينزجرون بأنفسهم بالمعاينة ، والغائبين ينزجرون بإخبار الحضور ، فيحصل الزّجر للكلّ . وقال عبد الملك بن حبيب : ينبغي أن يكون إقامة الحدّ علانية وغير سرّ ، ليتناهى النّاس عمّا حرّم اللّه عليهم . وقال مطرّف : ومن أمر النّاس عندنا الشّهر لأهل الفسق رجالا ونساء ، والإعلام بجلدهم في الحدود وما يلزمهم من العقوبة وكشف وجه المرأة . وسئل الإمام مالك عن المجلود في الخمر والفِرية : أترى أن يطاف بهم وبشُرّاب الخمر ؟ قال : إذا كان فاسقاً مدمناً فأرى أن يطاف بهم ، ونعلن أمرهم ويفضحون . وفي حدّ السّرقة قال الفقهاء : يندب أن يعلّق العضو المقطوع في عنق المحدود ، لأنّ في ذلك ردعا للنّاس ، وقد روى فضالة بن عبيد رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أُتيَ بسارق قطعت يده ، ثمّ أمر بها فعلّقت في عنقه » وفعل ذلك عليّ رضي الله عنه. وذكر في الدّرّ المختار حديث : « ما بالُ العاملِ نبعثه ، فيأتي فيقول : هذا لك وهذا لي . فهلا جلس في بيت أبيه وأمّه فينظرُ أيهدى له أم لا ؟ والّذي نفسي بيده لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته ، إن كان بعيراً له رُغاء ، أو بقرة لها خُوار ، أو شاة تَيْعَرُ » . قال ابن عابدين : ويؤخذ من هذا الحديث - كما قال ابن المنير - أنّ الحكّام أخذوا بالتّجريس بالسّارق ونحوه من هذا الحديث . كذلك قال الفقهاء في قاطع الطّريق إذا صلب : يصلب ثلاثة أيّام ليشتهر الحال ويتمّ النّكال . قال ابن قدامة : إنّما شرع الصّلب ردعا لغيره ليشتهر أمره . ب - بالنّسبة للتّعزير : 8 - التّشهير نوع من أنواع التّعزير ، أي أنّه عقوبة تعزيريّة . ومعلوم أنّ التّعزير يرجع في تحديد جنسه وقدره إلى نظر الحاكم ، فقد يكون بالضّرب أو الحبس أو التّوبيخ أو التّشهير أو غير ذلك ، حسب اختلاف مراتب النّاس ، واختلاف المعاصي ، واختلاف الأعصار والأمصار . وعلى ذلك فالتّعزير بالتّشهير جائز إذا علم الحاكم أنّ المصلحة فيه ، وهذا الحكم هو بالنّسبة لكلّ معصية لا حدّ فيها ولا كفّارة في الجملة . يقول الماورديّ : للأمير إذا رأى من الصّلاح في ردع السّفلة : أن يشهّرهم وينادي عليهم بجرائمهم ، ساغ له ذلك . ويقول : يجوز في نكال التّعزير أن يجرّد من ثيابه ، إلا قدر ما يستر عورته ، ويشهّر في النّاس ، وينادى عليه بذنبه إذا تكرّر منه ولم يتب . وفي التّبصرة لابن فرحون : إن رأى القاضي المصلحة في قمع السّفلة بإشهارهم بجرائمهم فعل . ويقول ابن فرحون أيضا : إذا حكم القاضي بالجور ، وثبت ذلك عليه بالبيّنة ، فإنّه يعاقب العقوبة الموجعة ، وعزل ويشهّر ويفضح . وفي كشّاف القناع : القوّادة - الّتي تفسد النّساء والرّجال - أقلّ ما يجب فيها الضّرب البليغ ، وينبغي شهرة ذلك بحيث يستفيض في الرّجال والنّساء لتجتنب . غير أنّه يلاحظ أنّ الفقهاء دائما يذكرون التّشهير في تعزير شاهد الزّور ممّا يوحي بأنّ التّشهير واجب بالنّسبة لشاهد الزّور ، وذلك لاعتبار هذه المعصية من الكبائر . قال الإمام أبو حنيفة في شاهد الزّور في المشهور : يطاف به ويشهّر ، ولا يضرب استنادا إلى ما فعله القاضي شريح ، وزاد الصّاحبان ضربه وحبسه . ويذكر ابن قدامة حديث النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « ألا أُنَبِّئكُم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللّه قال : الإشراكُ باللّه وعقوق الوالدين ، وكان متّكئاً فجلس ، فقال : ألا وقولُ الزّور وشهادة الزّور . فما زال يكرّرها حتّى قلنا : ليته سكت » . ثمّ يقول ابن قدامة : فمتى ثبت عند الحاكم عن رجل أنّه شهد بزور عمدا عزّره وشهّره في قول أكثر أهل العلم . روي ذلك عن عمر رضي الله عنه ، وبه يقول شريح والقاسم بن محمّد وسالم بن عبد اللّه والأوزاعيّ وابن أبي ليلى ومالك والشّافعيّ وعبد الملك بن يعلى قاضي البصرة . وفي كشّاف القناع : إذا عزّر من وجب عليه التّعزير وجب على الحاكم أن يشهّره لمصلحة كشاهد زور ليجتنب . وجاء في التّبصرة : التّعزير لا يختصّ بالسّوط واليد والحبس ، وإنّما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام . قال أبو بكر الطّرطوشيّ في أخبار الخلفاء المتقدّمين : إنّهم كانوا يعاملون الرّجل على قدره وقدر جنايته ، فمنهم من يضرب ، ومنهم من يحبس ، ومنهم من يقام واقفاً على قدميه في المحافل ، ومنهم من تنزع عمامته . قال القرافيّ : إنّ التّعزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار ، فربّ تعزير في بلد يكون إكراماً في بلد آخر ، كقطع الطّيلسان ليس تعزيراً في الشّام فإنّه إكرام ، وكشف الرّأس بالأندلس ليس هواناً وبمصر والعراق هوان . ثمّ قال صاحب التّبصرة : والتّعزير لا يختصّ بفعل معيّن ولا قول معيّن ، فقد « عزّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالهجر » ، وذلك في حقّ الثّلاثة الّذين ذكرهم اللّه تعالى في القرآن الكريم ، فهجروا خمسين يوماً لا يكلّمهم أحد . « وعزّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالنّفي ، فأمر بإخراج المخنّثين من المدينة ونفيهم » . وفي مغني المحتاج : يجتهد الإمام في جنس التّعزير وقدره ، لأنّه غير مقدّر شرعاً ، فيجتهد في سلوك الأصحّ ، فله أن يشهّر في النّاس من أدّى اجتهاده إليه . ويجوز له حلق رأسه ، ويجوز أن يصلب حيّاً ، وهو ربطه في مكان عال لما لا يزيد عن ثلاثة أيّام ثمّ يرسل ، ولا يمنع في تلك المدّة عن الطّعام والشّراب والصّلاة . وهذه النّصوص تدلّ على أنّه يجوز أن يكتفى بالتّشهير كعقوبة تعزيريّة إذا رأى الإمام ذلك ، ويجوز أن يضمّ إليه عقوبة أخرى كالضّرب والحبس . وقد كان أبو بكر البحتريّ - وهو أمير المدينة - إذا أتي برجل ، قد أخذ معه الجرّة من المسكر ، أمر به فصبّ على رأسه عند بابه ، كيما يعرف بذلك ويشهّر به . تشوّف * التّعريف : 1 - التّشوّف لغة : مصدر تشوّف . يقال : تشوّفتِ الأوعالُ : إذا علت رءوس الجبال تنظر السّهل وخلوّه ممّا تخافه لتَرِدَ الماء . ومنه قيل تشوّف فلان لكذا : إذا طمح بصره إليه . ثمّ استعمل في تعلّق الآمال ، والتّطلّب . والمُشوِّفة من النّساء : الّتي تظهر نفسها ليراها النّاس . وتشوّفت المرأة : تزيّنت وتطلّعت للخطاب - من شفّت الدّرهم : إذا جلوته . ودينار مشوّف : أي مجلوّ - وهو أن تجلو المرأة وجهها وتصقل خدّيها . ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ للفظ تشوّف عن معانيه الواردة في اللّغة . وقيل : التّشوّف بمعنى التّزيّن خاصّ بالوجه ، والتّزيّن عامّ يستعمل في الوجه وغيره . الحكم الإجماليّ : أ - تشوّف الشّارع لإثبات النّسب : 2 - من القواعد المقرّرة في الشّريعة الإسلاميّة : أنّ الشّارع متشوّف للحاق النّسب ، لأنّ النّسب أقوى الدّعائم الّتي تقوم عليها الأسرة ، ويرتبط به أفرادها ، قال تعالى : { وَهو الّذي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرَاً فَجَعَلَهُ نَسَبَاً وَصِهْرَاً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرَاً } . ولاعتناء الشّريعة بحفظ النّسب وتشوّفها لإثباته تكرّر فيها الأمر بحفظه عن تطرّق الشّكّ إليه ، والتّحذير من ذرائع التّهاون به . ولمراعاة هذا المقصد اتّفق الفقهاء على اعتبار الأحوال النّادرة في إلحاق النّسب ، لتشوّف الشّارع لإثباته . وللتّفصيل ( ر : نسب ) . ب - التّشوّف إلى العتق : 3 - من محاسن الإعتاق أنّه إحياء حكميّ ، يخرج العبد من كونه ملحقا بالجمادات إلى كونه أهلا للكرامات البشريّة ، من قبول الشّهادة والولاية والقضاء . ويقع العتق عند الفقهاء من كلّ : مكلّف مسلم - ولو سكران أو هازلا ولو دون نيّة - لتشوّف الشّارع إلى الحرّيّة بلا خلاف بين الفقهاء . وقد أجمعوا على أنّه من حيث الأصل تصرّف مندوب إليه ، ويجب لعارض ، ويحصل به القربة لقوله تعالى : { فتحرير رقبة مؤمنة } وقوله عزّ وجلّ { فكّ رقبة } . ولخبر « أيّما مسلم أعتق مؤمنا أعتق اللّه بكلّ عضو منه عضوا من النّار » ( ر : عتق ، إعتاق ) . ج - التّشوّف في العدّة : 4 - المطلّقة الرّجعيّة لها أن تتزيّن ، لأنّها حلال للزّوج ، لقيام نكاحها ما دامت في العدّة ، والرّجعة مستحبّة ، والتّزيّن حامل عليها فيكون مشروعاً . وهذا عند الحنفيّة ، والمالكيّة ، والحنابلة . أمّا الشّافعيّة : فيرون أنّه يستحبّ لها الإحداد . فلا يستحبّ لها التّزيّن . ومنهم من قال : الأولى أن تتزيّن بما يدعو الزّوج إلى رجعتها . ( ر : عدّة ) ولا خلاف بين الفقهاء في تحريم الزّينة على المتوفّى عنها زوجها مدّة عدّتها ، لوجوب الإحداد عليها . وأمّا المبانة في الحياة بينونة كبرى ، فقد اختلف الفقهاء فيها على أقوال : فذهب الحنفيّة ، والشّافعيّة في قول إلى أنّه يحرم عليها الزّينة ، حدادا وأسفا على زوجها ، وإظهارا للتّأسّف على فوت نعمة النّكاح ، الّذي هو سبب لصونها وكفاية مئونتها ، ولحرمة النّظر إليها ، وعدم مشروعيّة الرّجعة . وقال الشّافعيّة : يستحبّ لها الإحداد . وفي قول : الإحداد واجب على ما تقدّم ، وأمّا المالكيّة فقالوا : لا إحداد إلا على المتوفّى عنها زوجها فقط . ومفاده : لا إحداد على المبانة وإن استحبّ لها في عدّتها . ولا يسنّ لها الإحداد عند الحنابلة ، ولهذا لا يلزمها أن تتجنّب ما يرغّب في النّظر إليها من الزّينة . وللتّفصيل ( ر : عدّة ) . د - التّشوّف للخطاب : 5 - يرى الفقهاء أنّه لا يجوز للّتي تكون صالحة للخطبة والزّواج أن تتزيّن استعداداً لرؤية من يرغب في خطبتها والزّواج بها . وأجمعوا على أنّه يجوز للخاطب أن يرى بنفسه من يرغب في زواجها لكي يقدم على العقد إن أعجبته ، ويحجم عنه إن لم تعجبه ، لخبر « إذا خطب أحدكم امرأة ، فإن استطاع أن ينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل » وذلك لأنّه من أسباب الألفة والوئام . وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه « أنّه خطب امرأة ، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أنظرتَ إليها ؟ قال : لا . فقال : اذهب فانظر إليها ، فإنّه أحرى أن يُؤْدَم بينكما » . ويرى أكثر الفقهاء أنّ للخاطب أن ينظر إلى الوجه والكفّين فقط ، لأنّ رؤيتهما تحقّق المطلوب من الجمال وخصوبة الجسد وعدمها . فيدلّ الوجه على الجمال أو ضدّه لأنّه مجمع المحاسن ، والكفّان على خصوبة البدن . وأجاز بعض الحنفيّة النّظر إلى الرّقبة والقدمين . وأجاز الحنابلة النّظر إلى ما يظهر عند القيام بالأعمال ، وهي ستّة أعضاء : الوجه ، والرّأس ، والرّقبة ، واليد ، والقدم ، والسّاق ، لأنّ الحاجة داعية إلى ذلك ، ولإطلاق الأحاديث السّابقة . وللتّفصيل ( ر : نكاح ، خطبة ) . تشييع الجنازة * انظر : جنازة . تصادق * التّعريف : 1 - التّصادق لغة واصطلاحاً : ضدّ التّكاذب يقال : تصادقا في الحديث والمودّة ضدّ تكاذبا ومادّة تفاعل لا تكون غالباً إلا بين اثنين يقال : تحابّا وتخاصما ، أي أحبّ أو خاصم كلّ منهما الآخر . واستعمل المالكيّة أيضاً ( التّقارر ) بمعنى التّصادق . حكم التّصادق : 2 - حكم التّصادق في الجملة - في حقّ المتصادقين إذا تعلّقت به حقوق العباد ، أو كان في حقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات - اللّزوم ، وهو أبلغ من الشّهادة ، لأنّه نوع من الإقرار . قال أشهب : قول كلّ أحد على نفسه أوجب من دعواه على غيره . أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات فليس بلازم . من يعتبر تصادقه : 3 - التّصادق الّذي يعتدّ به ويترتّب عليه حكم يكون من البالغ العاقل المختار ، فلا يعتبر تصديق الصّغير وغير العاقل . صفة التّصادق : 4 - صفة التّصديق لفظ أو ما يقوم مقامه يدلّ على توجّه الحقّ قبل المقرّ ( المصدّق ) . ويقوم مقام اللّفظ : الإشارة والكتابة والسّكوت . فالإشارة من الأبكم ومن المريض . فإذا قيل للمريض : لفلان عندك كذا ، فأشار برأسه أن نعم ، فهذا تصديق إذا فهم عنه مراده . ما يشترط في المصادق : 5 - يشترط في المصادق أن يكون أهلاً للاستحقاق ، وألا يكذّبه المصادق ، فإذا كذّب المصادق المصادق ثمّ رجع لم يفد رجوعه ، إلّا أن يرجع المصادق إلى ما أقرّ به . محلّ التّصادق : 6 - يكون التّصديق في النّسب والمال . والتّصديق في النّسب ينظر تحت عنوان ( نسب ) . والتّصديق في المال نوعان : مطلق ومقيّد . فالمطلق : ما صدر غير مقترن بما يقيّده أو يرفع حكمه أو حكم بعضه ، فإذا كان التّصديق على هذا الوجه فهو ملزم لمن صدّق، وعليه أداء ما صدّق فيه ، ولا يجوز له الرّجوع عنه. وإذا كان التّصديق مقيّداً بقيد ففي لزومه أو عدمه تفصيل ينظر في مصطلح ( إقرار ) . التّصادق في حقوق اللّه تعالى : 7 - إذا تصادق اثنان أو أكثر على إسقاط حقّ من حقوق اللّه تعالى فلا عبرة بتصادقهم ، ولا يترتّب عليه حكم ، إلّا إذا قامت بيّنة على هذا التّصادق ، فيكون الحكم في هذه الحال ثابتا بالبيّنة لا بالتّصادق ، ويتّضح ذلك من الأمثلة الآتية : إن طلّق الزّوج زوجته قبل الدّخول ، وكان قد خلا بها ، لزمتها العدّة إن كان الزّوج بالغاً ، وكانت المرأة مطيقة للوطء ، سواء أكانت خلوة اهتداء أم خلوة زيارة . وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة . وتجب العدّة حينئذ ولو تصادقا على نفي الوطء ، لأنّ العدّة حقّ اللّه تعالى ، فلا تسقط بالتّصادق . ويؤخذ بتصادقهما على نفي الوطء فيما هو حقّ لهما : فلا نفقة لها ، ولا يتكمّل لها الصّداق ، ولا رجعة له عليها . أي كلّ من أقرّ منهما أخذ بإقراره اجتماعاً أو انفراداً . ويترتّب على قبول التّصادق أو ردّه أحكام كثيرة ، كثبوت النّسب من تاريخ الخلوة ، وتأكيد المهر ، والنّفقة والسّكن والعدّة ، وحرمة نكاح أختها في عدّتها وأربع سواها . وفي هذه المذاهب اختلاف في الحقوق الّتي تترتّب على الخلوة . تفصيله في باب : ( النّكاح ) . وعند الشّافعيّة في القديم قولان أحدهما : الخلوة مؤثّرة ، وتصدّق المرأة في ادّعاء الإصابة ( الوطء ) والقول الثّاني أنّها كالوطء . وفي الجديد : إنّ الخلوة وحدها لا تؤثّر في المهر . وعلى هذا لو اتّفقا على حصول الخلوة ، وادّعت الإصابة لم يترجّح جانبها ، بل القول قوله بيمينه . ويفهم من ذلك أنّه لو صدّقها يتقرّر المهر كلّه . التّصادق في النّكاح : 8 - لا يثبت النّكاح بالتّصادق ، لأنّ الشّهادة شرط فيه ، ووقتها عند غير المالكيّة وقت العقد ، وعند المالكيّة يندب الإشهاد وقت العقد ، فإن لم يشهد عند العقد اشترط وجوبا عند الدّخول ، ولا حدّ عندهم إن فشا النّكاح بوليمة أو ضرب دفّ أو دخان ، أو كان على العقد أو الدّخول شاهد واحد غير الوليّ ، لصحّة النّكاح في هذه الصّور . وقال المالكيّة : تثبت الزّوجيّة بالتّقارر - أي التّصادق - حقّ الزّوجين إذا كانا بلديّين ، أو كان أحدهما بلديّا ، وأمّا الطّارئان - أي من لم يكونا من أهل البلد ، سواء قدما معاً أو مفترقين - فلا تثبت الزّوجيّة بينهما بمجرّد التّصادق . حكم تصادق الزّوجين على طلاق سابق : 9 - إذا أقرّ رجل في حالة الصّحّة بطلاق بائن أو رجعيّ متقدّم على وقت إقراره ، ولا بيّنة له ، استأنفت امرأته العدّة من وقت إقراره ، فيصدّق في الطّلاق ، لا في إسناده للوقت السّابق ولو صدّقته ، لأنّه يتّهم على إسقاط العدّة وهي حقّ للّه تعالى . فإن كانت له بيّنة ، فالعدّة من الوقت الّذي أسندت إليه البيّنة . هذا بالنّسبة للعدّة لأنّها حقّ اللّه تعالى . أمّا بالنّسبة لحقوق الزّوجين فيعامل كلّ حسب إقراره ، فلو ماتت الزّوجة ، وكانت العدّة قد انقضت بحسب إقراره ، فلا يرثها لأنّها صارت أجنبيّة على مقتضى دعواه ، ولا رجعة له عليها إن كان الطّلاق رجعيّاً ، وورثته إن مات في العدّة المستأنفة ، حيث كان الطّلاق رجعيّا إن لم تصدّقه . ولا يتزوّج أختها ولا أربعا سواها في العدّة ، ولو صادقته على حصول الطّلاق في الماضي نفيا لتهمة التّواطؤ بينهما . وإن صدّقته فلا نفقة لها معاملة لها بتصديقها إيّاه . وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة . وعند الشّافعيّة : أنّه لو أسند الزّوج الطّلاق إلى زمن ماض ، وصدّقت الزّوجة الزّوج في الإسناد ، فالعدّة من التّاريخ الّذي أسند إليه الطّلاق ، ولو لم يقم على ذلك بيّنة . والمفهوم من كلام الحنابلة أنّ الحكم عندهم كذلك . فقد جاء في شرح منتهى الإرادات : لو جاءت امرأة حاكماً وادّعت أنّ زوجها طلّقها وانتهت عدّتها ، فله تزويجها بشرطه إن ظنّ صدقها ، ولا سيّما إن كان الزّوج لا يعرف ، لأنّ الإقرار ( أي بالزّوجيّة ) لمجهول لا يصحّ. وأيضاً الأصل صدقها - أي فيما ادّعته من خلوّها عن الزّوجيّة - ولا منازع . حكم مصادقة الزّوجة على إعسار الزّوج : 10 - يكتفى بتصديق الزّوجة زوجها في دعواه الإعسار ، وتصديقها يقوم مقام البيّنة ، ويترتّب عليه ما يترتّب على ثبوت الإعسار بالبيّنة من حيث الحكم بالتّطليق بشروطه المفصّلة في أبوابها وينظر ( إعسار ، نفقة ، مهر ) . الرّجوع في التّصديق : 11 - تقدّم أنّ التّصديق ملزم لمن صدّق ، وعلى ذلك فلا يجوز الرّجوع فيه بالنّسبة لحقوق العباد وحقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات ، كالزّكاة ، فمن صدّق المدّعي فيما ادّعاه عليه من حقّ فلا يجوز له الرّجوع متى توافرت شروط التّصديق . ولو أقرّ بنسب ، وصدّقه المقرّ له ، ثمّ رجع المقرّ عن إقراره لا يقبل منه الرّجوع . أمّا بالنّسبة لحقوق اللّه تعالى الّتي تدرأ بالشّبهات كالحدود فإنّه إذا ثبت الحدّ بالإقرار فقط ، فإنّه يجوز للمقرّ الرّجوع ، سواء أكان الرّجوع قبل الحدّ أم بعده ، وسقط الحدّ ، « لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عرّض لماعز بالرّجوع » ، فلولا أنّه يفيد لما عرّض له به . وعلّل الفقهاء عدم جواز الرّجوع في التّصديق بحقوق الآدميّين وحقوق اللّه الّتي لا تدرأ بالشّبهات : بأنّ رجوعه نقض لما صدر منه وتعلّق به حقّ الغير ، فإذا قال : هذه الدّار لزيد ، لا بل لعمرو ، أو ادّعى زيد على ميّت شيئا معيّنا من تركته فصدّقه ابنه ، ثمّ ادّعاه عمرو فصدّقه ، حكم به لزيد ، ووجبت عليه غرامته لعمرو ، وهذا ظاهر أحد قولي الشّافعيّ . وفي القول الآخر : لا يغرم لعمرو شيئا ، وهو قول أبي حنيفة ، لأنّه أقرّ له بما عليه الإقرار به وإنّما منعه الحكم من قبوله وذلك لا يوجب الضّمان . تصحيح * التّعريف : 1 - التّصحيح لغة : مصدر صحّح ، يقال : صحّحت الكتاب والحساب تصحيحاً : إذا أصلحت خطأه ، وصحّحته فصحّ . والتّصحيح عند المحدّثين هو : الحكم على الحديث بالصّحّة ، إذا استوفى شرائط الصّحّة الّتي وضعها المحدّثون . ويطلق التّصحيح أيضاً عندهم على كتابة ( صحّ ) على كلام يحتمل الشّكّ بأن كرّر لفظ مثلا لا يخلّ تركه . والتّصحيح عند أهل الفرائض : إزالة الكسور الواقعة بين السّهام والرّءوس . والتّصحيح عند الفقهاء هو : رفع أو حذف ما يفسد العبادة أو العقد . الألفاظ ذات الصّلة : أ - التّعديل : 2 - التّعديل : مصدر عدّل ، يقال : عدّلت الشّيء تعديلا فاعتدل : إذا سوّيته فاستوى . ومنه قسمة التّعديل . وعدّلت الشّاهد : نسبته إلى العدالة . وتعديل الشّيء : تقويمه . ب - التّصويب : 3 - التّصويب : مصدر صوّب من الصّواب ، الّذي هو ضدّ الخطأ ، والتّصويب بهذا المعنى يرادف التّصحيح ، وصوّبت قوله : قلت : إنّه صواب . ج - التّهذيب : 4 - التّهذيب كالتّنقية ، يقال : هذّب الشّيء ، إذا نقّاه وأخلصه . وقيل : أصلحه . د - الإصلاح : 5 - الإصلاح ضدّ الإفساد ، وأصلح الشّيء بعد فساده : أقامه، وأصلح الدّابّة : أحسن إليها. هـ – التّحرير : 6 - تحرير الكتابة : إقامة حروفها وإصلاح السّقط وتحرير الحساب : إثباته مستوياً لا غلت فيه ، ولا سقط ولا محو . وتحرير الرّقبة : عتقها . الحكم التّكليفيّ : 7 - تصحيح الفساد والخطأ أمر واجب شرعا متى عرفه الإنسان ، سواء أكان ذلك في العبادات : كمن اجتهد في معرفة القبلة وصلّى ، ثمّ تبيّن الخطأ أثناء الصّلاة ، فيجب تصحيح هذا الخطأ بالاتّجاه إلى القبلة ، وإلا فسدت الصّلاة . أم كان ذلك في المعاملات : كالبيع بشرط مفسد للعقد ، فيجب إسقاط هذا الشّرط ليصحّ البيع ، وإلا وجب فسخ البيع دفعاً للفساد. ما يتعلّق بالتّصحيح من أحكام : أوّلا : تصحيح الحديث : 8 - تصحيح الحديث هو : الحكم عليه بالصّحّة لتوافر شروط خاصّة اشترطها علماء الحديث . وقد يختلف المحدّثون في صحّة بعض الأحاديث لاختلافهم في بعض الشّروط ، وفي تقديم بعضها على بعض . فقد قرّر ابن الصّلاح والنّوويّ وغيرهما أنّه يحكم بصحّة الحديث المسند الّذي يتّصل إسناده بنقل العدل الضّابط عن العدل الضّابط إلى منتهاه ، ولا يكون شاذّاً ولا معلَّلاً . قال ابن الصّلاح : فهذا هو الحديث الّذي يحكم له بالصّحّة بلا خلاف بين أهل الحديث . فإذا وجدت الشّروط المذكورة حكم للحديث بالصّحّة ، ما لم يظهر بعد ذلك أنّ فيه شذوذاً . والحكم بتواتر الحديث حكم بصحّته . وقال بعض المحدّثين : يحكم للحديث بالصّحّة إذا تلقّاه النّاس بالقبول ، وإن لم يكن له إسناد صحيح . قال ابن عبد البرّ - لما حكى عن التّرمذيّ أنّ البخاريّ صحّح حديث البحر : « هو الطّهور ماؤه الحلّ ميتته » وأهل الحديث لا يصحّحون مثل إسناده - لكنّ الحديث عندي صحيح ، لأنّ العلماء تلقّوه بالقبول . وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايينيّ : تعرف صحّة الحديث إذا اشتهر عند أئمّة الحديث بغير نكير منهم . وقال نحوه ابن فورك . على أنّ هناك من اشترط غير ذلك للحكم بالصّحّة ، كاشتراط الحاكم أن يكون راوي الحديث مشهوراً بالطّلب - أي طلب الحديث وتتبّع رواياته - وعن مالك نحوه ، وكاشتراط أبي حنيفة فقه الرّاوي ، وكاشتراط بعض المحدّثين العلم بمعاني الحديث ، حيث يروى بالمعنى ، قال السّيوطيّ : وهو شرط لا بدّ منه ، لكنّه داخل في الضّبط ، وكاشتراط البخاريّ ثبوت السّماع لكلّ راو من شيخه ، ولم يكتف بإمكان اللّقاء والمعاصرة . أثر عمل العالم وفتياه في التّصحيح : 9 - قال النّوويّ والسّيوطيّ : عمل العالم وفتياه على وفق حديث رواه ليس حكماً منه بصحّة الحديث ولا بتعديل رواته ، لإمكان أن يكون ذلك منه احتياطا ، أو لدليل آخر وافق ذلك الخبر . وصحّح الآمديّ وغيره من الأصوليّين أنّه حكم بذلك . وقال إمام الحرمين : إن لم يكن في مسالك الاحتياط - أي لم تكن الفتيا بمقتضى صحّة الحديث ، بل للاحتياط - . وفرّق ابن تيميّة بين أن يعمل به في التّرغيب وغيره . كما أنّ مخالفة العالم للحديث لا تعتبر قدحا منه في صحّته ولا في رواته ، لإمكان أن يكون ذلك لمانع من معارض أو غيره . وقد روى الإمام مالك حديث الخيار ، ولم يعمل به لعمل أهل المدينة بخلافه ، ولم يكن ذلك قدحاً في نافعٍ راويه . وممّا لا يدلّ على صحّة الحديث أيضا - كما ذكر أهل الأصول - موافقة الإجماع له على الأصحّ ، لجواز أن يكون المستند غيره . وقيل : يدلّ على صحّة الحديث . تصحيح المتأخّرين من علماء الحديث : 10 - يرى الشّيخ ابن الصّلاح أنّه قد انقطع التّصحيح في هذه الأعصار ، فليس لأحد أن يصحّح ، بل يقتصر في الحكم بصحّة الحديث على ما اعتمده السّابقون ، كما يرى عدم اعتبار الحديث صحيحا بمجرّد صحّة إسناده ما لم يوجد في مصنّفات أئمّة الحديث المعتمدة المشهورة ، فأغلب الظّنّ أنّه لو صحّ عندهم لما أهملوه لشدّة فحصهم واجتهادهم . وقد خالف الإمام النّوويّ ابن الصّلاح في ذلك ، فقال : والأظهر عندي جوازه لمن تمكّن وقويت معرفته . قال الحافظ العراقيّ : وهو الّذي عليه عمل أهل الحديث . وقد صحّح جماعة من العلماء المتأخّرين أحاديث لم يعرف تصحيحهما عن الأقدمين . ثانياً : تصحيح العقد الفاسد : 11 - الفقهاء عدا الحنفيّة لا يفرّقون في الجملة بين العقد الباطل والعقد الفاسد ، فالحكم عند الشّافعيّة والحنابلة : أنّ العقد لا ينقلب صحيحاً برفع المفسد . ففي كتب الشّافعيّة : لو حذف العاقدان المفسد للعقد - ولو في مجلس الخيار - لم ينقلب العقد صحيحاً ، إذ لا عبرة بالفاسد . وفي المغني لابن قدامة : لو باعه بشرط أن يسلّفه أو يقرضه ، أو شرط المشتري ذلك عليه ، فهو محرّم والعقد باطل ، لما روى عبد اللّه بن عمرو رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن ، وعن بيع ما لم يقبض ، وعن بيعتين في بيعة ، وعن شرطين في بيع ، وعن بيع وسلف » . ولأنّه اشترط عقدا في عقد ففسد كبيعتين في بيعة ، ولأنّه إذا اشترط القرض زاد في الثّمن لأجله ، فتصير الزّيادة في الثّمن عوضا عن القرض وربحا له ، وذلك ربا محرّم ، ففسد كما لو صرّح به ، ولأنّه بيع فاسد فلا يعود صحيحا كما لو باع درهما بدرهمين ثمّ ترك أحدهما . وفي باب الرّهن قال : لو بطل العقد لما عاد صحيحا . وفي شرح منتهى الإرادات : العقد الفاسد لا ينقلب صحيحاً . وعند المالكيّة يصحّ العقد إذا حذف الشّرط المفسد للعقد ، سواء أكان شرطا ينافي مقتضى العقد ، أم كان شرطا يخلّ بالثّمن في البيع ، إلّا أربعة شروط فلا يصحّ البيع معها ولو حذف الشّرط ، وهي : أ - من ابتاع سلعة بثمن مؤجّل على أنّه إن مات فالثّمن صدقة عليه ، فإنّه يفسخ البيع ولو أسقط هذا الشّرط لأنّه غرر ، وكذا لو شرط : إن مات فلا يطالب البائع ورثته بالثّمن . ب - شرط ما لا يجوز من أمد الخيار، فيلزم فسخه وإن أسقط لجواز كون إسقاطه أخذاً به. ج - من باع أمة وشرط على المبتاع أن لا يطأها ، وأنّه إن فعل فهي حرّة ، أو عليه دينار مثلا ، فيفسخ ولو أسقط الشّرط لأنّه يمين . د - شرط الثّنيا يفسد البيع ولو أسقط الشّرط . وزاد ابن الحاجب شرطا خامسا وهو : هـ - شرط النّقد ( أي تعجيل الثّمن ) في بيع الخيار قال ابن الحاجب : لو أسقط شرط النّقد فلا يصحّ . وفي الإجارة جاء في الشّرح الصّغير : تفسد الإجارة بالشّرط الّذي يناقض مقتضى العقد ، ومحلّ الفساد إن لم يسقط الشّرط ، فإن أسقط الشّرط صحّت . ويوضّح ابن رشد سبب اختلاف الفقهاء في صحّة العقد بارتفاع المفسد أو عدم صحّته . فيقول : هل إذا لحق الفساد بالبيع من قبل الشّرط يرتفع الفساد إذا ارتفع الشّرط ، أو لا يرتفع ؟ كما لا يرتفع الفساد اللاحق للبيع الحلال من أجل اقتران المحرّم العين به ، كمن باع غلاما بمائة دينار وزقّ خمر ، فلمّا عقد البيع قال : أدّع الزّقّ . وهذا البيع مفسوخ عند العلماء بإجماع . وهذا أيضا ينبني على أصل آخر . هو : هل هذا الفساد معقول المعنى أو غير معقول ؟ فإن قلنا : هو غير معقول المعنى ، لم يرتفع الفساد بارتفاع الشّرط . وإن قلنا : معقول ، ارتفع الفساد بارتفاع الشّرط . فمالك رآه معقولا ، والجمهور رأوه غير معقول ، والفساد الّذي يوجد في بيوع الرّبا والغرر هو أكثر ذلك غير معقول المعنى ، ولذلك ليس ينعقد عندهم أصلا ، وإن ترك الرّبا بعد البيع وارتفع الغرر . 12 - ويفرّق الحنفيّة بين العقد الباطل والعقد الفاسد فيصحّ عندهم - خلافا لزفر - تصحيح العقد الفاسد ، بارتفاع المفسد دون الباطل ، ويقولون في عقد البيع : إنّ ارتفاع المفسد في الفاسد يردّه صحيحاً ، لأنّ البيع قائم مع الفساد ، ومع البطلان لم يكن قائماً بصفة البطلان ، بل كان معدوماً . وعند زفر : العقد الفاسد لا يحتمل الجواز برفع المفسد . لكنّ تصحيح العقد الفاسد عند الحنفيّة مقيّد بما إذا كان الفساد ضعيفا . يقول الكاسانيّ : الأصل عندنا أنّه ينظر إلى الفساد ، فإن كان قويّا بأن دخل في صلب العقد - وهو البدل أو المبدل - لا يحتمل الجواز برفع المفسد ، كما إذا باع عبدا ألف درهم ورطل من خمر ، فحطّ الخمر عن المشتري فهو فاسد ولا ينقلب صحيحاً . وإن كان الفساد ضعيفاً ، وهو ما لم يدخل في صلب العقد ، بل في شرط جائز يحتمل الجواز برفع المفسد ، كما في البيع بشرط خيار لم يوقّت ، أو وقّت إلى وقت مجهول كالحصاد ، أو لم يذكر الوقت ، وكما في البيع بثمن مؤجّل إلى أجل مجهول ، فإذا أسقط الأجل من له الحقّ فيه قبل حلوله وقبل فسخه جاز البيع لزوال المفسد ، ولو كان إسقاط الأجل بعد الافتراق على ما حرّره ابن عابدين . وعلى هذا سائر البياعات الفاسدة بسبب ضرر يلحق بالبائع في التّسليم إذا سلّم البائع برضاه واختياره - كما إذا باع جذعا له في سقف ، أو آجرّا له في حائط ، أو ذراعا في ديباج - أنّه لا يجوز لأنّه لا يمكنه تسليمه إلّا بالنّزع والقطع ، وفيه ضرر بالبائع ، والضّرر غير مستحقّ بالعقد ، فكان هذا على التّقدير بيع ما لا يجب تسليمه شرعا ، فيكون فاسدا . فإن نزعه البائع أو قطعه وسلّمه إلى المشتري قبل أن يفسخ المشتري البيع جاز البيع ، لأنّ المانع من الجواز ضرر البائع بالتّسليم ، فإذا سلّم باختياره ورضاه فقد زال المانع ، فجاز البيع ولزم . وعلى هذا سائر العقود الفاسدة عند الحنفيّة طبقا لقاعدة : إذا زال المانع مع وجود المقتضي عاد الحكم . ومن ذلك أنّ هبة المشاع فاسدة ، فإن قسّمه وسلّمه جاز . واللّبن في الضّرع ، والصّوف على ظهر الغنم ، والزّرع والنّخل في الأرض ، والتّمر في النّخيل بمنزلة المشاع ، لأنّها موجودة ، وامتناع الجواز للاتّصال ، فإذا فصّلها وسلّمها جاز لزوال المانع . ومثل ذلك : إذا رهن الأرض بدون البناء ، أو بدون الزّرع والشّجر ، أو رهن الزّرع والشّجر بدون الأرض ، أو رهن الشّجر بدون الثّمر ، أو رهن الثّمر بدون الشّجر أنّه لا يجوز ، لأنّ المرهون متّصل بما ليس بمرهون ، وهذا يمنع صحّة القبض . ولو جذّ الثّمر وحصد الزّرع وسلّم منفصلا جاز لزوال المانع . تصحيح العقد باعتباره عقداً آخر : 13 - هذا ، ويمكن تصحيح العقد الفاسد إذا أمكن تحويله إلى عقد آخر صحيح لتوافر أسباب الصّحّة فيه ، سواء أكانت الصّحّة عن طريق المعنى عند بعض الفقهاء ، أم عن طريق اللّفظ عند البعض الآخر نظراً لاختلافهم في قاعدة " هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها " . ونوضّح ذلك بالأمثلة الآتية : 14 - في الأشباه لابن نجيم : الاعتبار للمعنى لا للألفاظ ، صرّحوا به في مواضع منها : الكفالة ، فهي بشرط براءة الأصيل حوالة ، وهي بشرط عدم براءته كفالة . وفي الاختيار : شركة المفاوضة يشترط فيها أن يتساوى الشّريكان في التّصرّف والدّين والمال الّذي تصحّ فيه الشّركة . . فلا تنعقد المفاوضة بين المسلم والذّمّيّ عند أبي حنيفة ومحمّد ، فإذا عقد المسلم والذّمّيّ المفاوضة صارت عنانا عندهما ، لفوات شرط المفاوضة ووجود شرط العنان ، وكذلك كلّ ما فات من شرائط المفاوضة يجعل عنانا إذا أمكن ، تصحيحاً لتصرّفهما بقدر الإمكان . وفي الاختيار أيضاً : عقد المضاربة ، إن شرط فيه الرّبح للمضارب فهو قرض ، لأنّ كلّ ربح لا يملك إلّا بملك رأس المال ، فلمّا شرط له جميع الرّبح فقد ملّكه رأس المال ، وإن شرط الرّبح لربّ المال كان إبضاعا ، وهذا معناه عرفاً وشرعاً . وجاء في منح الجليل : من أحال على من ليس له عليه دين ، وأعلم المحال ، صحّ عقد الحوالة ، فإن لم يعلمه لم تصحّ ، وتنقلب حمالة أي كفالة . وفي أشباه السّيوطيّ : هل العبرة بصيغ العقود أو معانيها ؟ خلاف . التّرجيح مختلف في الفروع . ومن ذلك : إذا قال : أنت حرّ غدا على ألف . إن قلنا : بيع فسد ولا تجب قيمة العبد ، وإن قلنا : عتق بعوض ، صحّ ووجب المسمّى . ومنها : لو باع المبيع للبائع قبل قبضه بمثل الثّمن الأوّل ، فهو إقالة بلفظ البيع ، وخرّجه السّبكيّ على القاعدة ، والتّخريج للقاضي حسين قال : إن اعتبرنا اللّفظ لم يصحّ ، وإن اعتبرنا المعنى فإقالة . ثالثاً - تصحيح العبادة إذا طرأ عليها ما يفسدها : 15 - من الأمور الّتي تطرأ على العبادة ما لا يمكن إزالته أو تلافيه كالأكل والشّرب والكلام والحدث والجماع ، فهذه الأمور لا يمكن تلافيها، وهي تعتبر من مفسدات العبادة في الجملة. هذا مع اختلاف الفقهاء في التّفصيل فيها بين القليل والكثير ، وبين العمد والسّهو والجهل ، وما هو معفوّ عنه أو غير معفوّ عنه . فإذا طرأ شيء من ذلك على العبادة ففسدت فعلا - عند من يعتبر ذلك مفسدا - فلا مجال لتصحيح هذه العبادة ، ويلزم إعادتها إن اتّسع وقتها ، أو قضاؤها إن خرج الوقت . وينظر تفصيل ذلك في : ( إعادة - قضاء ) . والكلام هنا إنّما هو فيما يطرأ على العبادة ممّا يعتبر من المفسدات مع إمكان إزالة المفسد أو تلافيه لتصحّ العبادة ، مثل طروء النّجاسة أو كشف العورة وما شابه ذلك . والفقهاء متّفقون في الجملة على : أنّه إذا طرأ على العبادة ما شأنه أن يفسدها لو استمرّ وأمكن تلافيه وإزالته وجب فعل ذلك لتصحيح العبادة . ونظراً لتعذّر حصر مثل هذه المسائل لكثرة فروعها في أبواب العبادة المختلفة ، فيكتفى بذكر بعض الأمثلة الّتي توضّح ذلك : 16 - من اجتهد في معرفة القِبلة ، وتغيّر اجتهاده أثناء الصّلاة استدار إلى الجهة الثّانية الّتي تغيّر اجتهاده إليها ، وبنى على ما مضى من صلاته . وكذلك إذا اجتهد فأخطأ ، وبان له يقين الخطأ وهو في الصّلاة ، بمشاهدة أو خبر عن يقين فإنّه يستدير إلى جهة الصّواب ويبني على ما مضى . والدّليل على ذلك أنّ أهل قباء لمّا بلغهم نسخ القبلة وهم في صلاة الفجر استداروا إليها ، « واستحسن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعل أهل قباء ، ولم يأمرهم بالإعادة » . وينظر تفصيل ذلك في : ( استقبال - قبلة - صلاة ) . 17 - من وقعت عليه نجاسة يابسة - وهو في الصّلاة - فأزالها سريعاً صحّت صلاته ، لحديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال : « بينما رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلّي بأصحابه ، إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره ، فلمّا رأى القوم ذلك ألقوا نعالهم ، فلمّا قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم صلاته قال : ما حملكم على إلقاء نعالكم ؟ . قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا . فقال صلى الله عليه وسلم : إنّ جبريل أتاني ، فأخبرني أنّ فيهما قذراً » . وينظر تفصيل ذلك في : ( نجاسة - صلاة ) . 18 - من انكشفت عورته وهو في الصّلاة - بأن أطارت الرّيح سترته فانكشفت عورته - فإن أعادها سريعاً صحّت صلاته . ولو صلّى عرياناً لعدم وجود سترة ، ثمّ وجد سترة قريبة منه ستر بها ما وجب ستره ، وبنى على ما مضى من صلاته ، قياساً على أهل قباء لمّا علموا بتحويل القبلة استداروا إليها وأتمّوا صلاتهم . وينظر تفصيل ذلك في : ( عورة - صلاة ) . 19 - إن خفّ في الصّلاة معذور بعذر مسوّغ للاستناد أو الجلوس أو الاضطجاع انتقل للأعلى ، كمستند قدر على الاستقلال ، وجالس قدر على القيام انتقل وجوباً ، فإن تركه بطلت صلاته . وينظر تفصيل ذلك في : ( عذر - صلاة ) . 20 - من علم في أثناء طوافه بنجس في بدنه أو ثوبه طرحه أو غسلهما ، وبنى على ما تقدّم من طوافه إن لم يطل ، وإلا بطل طوافه لعدم الموالاة . وينظر تفصيل ذلك في ( طواف ) . 21 - هذا ، ومن تصحيح العبادة ما يدخل تحت قاعدة : بطلان الخصوص لا يبطل العموم . جاء في المنثور : لو تحرّم بالفرض منفردا فحضرت جماعة ، قال الشّافعيّ : أحببت أن يسلّم من ركعتين وتكون نافلة ، ويصلّي الفرض ، فصحّح النّفل مع إبطال الفرض . وإذا تحرّم بالصّلاة المفروضة قبل وقتها ظانّا دخوله بطل خصوص كونها ظهرا ، ويبقى عموم كونها نفلا في الأصحّ . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية