الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41281" data-attributes="member: 329"><p>ب - تصوير المصنوعات :</p><p>14 - لا بأس بتصوير الأشياء الّتي يصنعها البشر ، كصورة المنزل والسّيّارة والسّفينة والمسجد وغير ذلك اتّفاقا ، لأنّ للإنسان أن يصنعها ، فكذلك له أن يصوّرها .</p><p>ج - صناعة تصاوير الجمادات المخلوقة :</p><p>15 - لا بأس بتصوير الجمادات الّتي خلقها اللّه تعالى - على ما خلقها عليه - كتصوير الجبال والأودية والبحار ، وتصوير الشّمس والقمر والسّماء والنّجوم ، دون اختلاف بين أحد من أهل العلم ، إلّا من شذّ . غير أنّ ذلك لا يعني جواز صناعة شيء منها إذا علم أنّ الشّخص المصنوعة له يعبد تلك الصّورة من دون اللّه ، وذلك كعبّاد الشّمس أو النّجوم . أشار إلى ذلك ابن عابدين . ويستدلّ لحكم هذه المسألة وأنّ ذلك ليس بداخل في التّصوير المنهيّ عنه بما يأتي في المسألة التّالية وما بعدها . </p><p>وقد نقل ابن حجر في الفتح عن أبي محمّد الجوينيّ أنّه نقل وجهاً بمنع تصوير الشّمس والقمر ، لأنّ من الكفّار من عبدهما من دون اللّه ، فيمتنع تصويرهما لذلك . </p><p>ووجّهه ابن حجر بعموم قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « الّذين يضاهون بخلق اللّه » وقوله في الحديث القدسيّ : « ومن أظلم ممّن ذهب يخلُق خلقاً كخلقي » فإنّه يتناول ما فيه روح وما لا روح فيه . غير أنّ هذا مُؤوَّل وخاصّ بما فيه روح كما يأتي .</p><p>د - تصوير النّباتات والأشجار :</p><p>16 - جمهور الفقهاء على أنّه لا بأس شرعاً بتصوير الأعشاب والأشجار والثّمار وسائر المخلوقات النّباتيّة ، وسواء أكانت مثمرة أم لا ، وأنّ ذلك لا يدخل فيما نهي عنه من التّصاوير . ولم ينقل في ذلك خلاف ، إلا ما روي عن مجاهد أنّه رأى تحريم تصوير الشّجر المثمر دون الشّجر غير المثمر . قال عياض : هذا لم يقله أحد غير مجاهد . </p><p>قال ابن حجر : وأظنّ مجاهداً سمع حديث أبي هريرة ، ففيه : « فَلْيَخْلقوا ذرّة ، وليخلقوا شعيرة » فإنّ في ذكر الذّرّة إشارة إلى ما فيه روح ، وفي ذكر الشّعيرة إشارة إلى ما ينبت ممّا يؤكل ، وأمّا ما لا روح فيه ولا يثمر فلم تقع الإشارة إليه . </p><p>وكراهة تصوير النّباتات والأشجار وجه في مذهب أحمد ، والمذهب على خلافه . </p><p>وقد احتجّ الجمهور بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من صوّر صورة في الدّنيا كلّف أن ينفخ فيها الرّوح ، وليس بنافخ » فخصّ النّهي بذوات الأرواح وليس الشّجر منها ، وبحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه نهى المصوّر عن التّصوير ، ثمّ قال له : " إن كنت فاعلاً فصوّر الشّجر وما لا روح فيه "قال الطّحاويّ : ولأنّ صورة الحيوان لمّا أبيحت بعد قطع رأسها - لأنّها لا تعيش بدونه - دلّ ذلك على إباحة تصوير ما لا روح فيه أصلاً . </p><p>بل إنّ في بعض روايات حديث عائشة رضي الله عنها « أنّ جبريل عليه السلام قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم مر برأس التّمثال فليقطع حتّى يكون كهيئة الشّجرة » فهذا تنبيه على أنّ الشّجرة في الأصل لا يتعلّق النّهي بتصويرها . </p><p>هذا ما يذكره الفقهاء في الاستدلال على أنّه لا يحرم تصوير الشّجر والنّبات وما لا روح فيه</p><p>وفي مسند أحمد من حديث عليّ رضي الله عنه « أنّ جبريل قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم إنّها ثلاث، لن يلج عليك مَلَكٌ ما دام فيها واحد منها : كلب ، أو جنابة ، أو صورة روح » . </p><p>هـ – تصوير صورة الحيوان أو الإنسان :</p><p>17 – هذا النّوع من التّصوير فيه اختلاف بين الفقهاء وتفصيل يتبيّن فيما يلي ، وإلى هذا النّوع خاصّة ينصرف قول من يطلق تحريم التّصوير ، دون غيره من الأنواع المتقدّم ذكرها. </p><p>التّصوير في الدّيانات السّابقة :</p><p>18 - قال مجاهد قوله تعالى في حقّ سليمان عليه السلام وطاعة الجنّ له : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالجَوَابِ } قال : كانت صوراً من نحاس . أخرجه الطّبريّ . وقال قتادة : كانت من الزّجاج والخشب أخرجه عبد الرّزّاق . </p><p>قال ابن حجر : كان ذلك جائزاً في شريعتهم ، وكانوا يعملون أشكال الأنبياء والصّالحين منهم على هيئتهم في العبادة ليتعبّدوا كعبادتهم . وقال أبو العالية : لم يكن ذلك في شريعتهم حراماً . وقال مثل ذلك الجصّاص . </p><p>قال ابن حجر : ولكن ثبت في الصّحيحين « أنّ أمّ حبيبة وأمّ سلمة رضي الله عنهما ذكرتا للنّبيّ صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة ، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم أولئك قوم كانوا إذا مات فيهم الرّجل الصّالح بنوا على قبره مسجدا ، وصوّروا فيه تلك الصّور . أولئك شرار الخلق عند اللّه » . </p><p>قال : فإنّ ذلك يشعر بأنّه لو كان جائزاً في شريعتهم ما أطلق على الّذي فعله أنّه شرّ الخلق ، هكذا قال . لكنّ الأظهر أنّه ذمّهم لبناء المساجد على القبور ، ولجعلهم الصّور في المساجد ، لا لمطلق التّصوير ، ليوافق الآية ، واللّه أعلم .</p><p>تصوير صورة الإنسان والحيوان في الشّريعة الإسلاميّة :</p><p>19 - اختلف العلماء في حكم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان أو الحيوان على ثلاثة أقوال : </p><p>20 - القول الأوّل : إنّ ذلك غير حرام . ولا يحرم منه إلا أن يصنع صنماً يعبد من دون اللّه تعالى ، لقوله تعالى : { قال أَتَعْبُدونَ ما تَنْحِتُونَ واللّهُ خَلَقَكم وما تَعْمَلونَ } ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه ورسولَه حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام » .</p><p>- واحتجّ القائلون بالإباحة بقوله تعالى في حقّ سليمان عليه السلام : { يَعْمَلونَ له مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ } .</p><p>قالوا : وشرع من قبلنا شرع لنا لقوله تعالى : { أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده } . </p><p>واستدلّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حقّ المصوّرين « الّذين يضاهون بخلق اللّه » وفي بعض الرّوايات « الّذين يشبّهون بخلق اللّه » وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه تبارك وتعالى : « ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا حبّة ، أو ليخلقوا ذرّة » قالوا : ولو كان هذا على ظاهره لاقتضى تحريم تصوير الشّجر والجبال والشّمس والقمر ، مع أنّ ذلك لا يحرم بالاتّفاق ، فتعيّن حمله على من قصد أن يتحدّى صنعة الخالق عزّ وجلّ ويفتري عليه بأنّه يخلق مثل خلقه . </p><p>21 - واستدلّوا بقوله صلى الله عليه وسلم في حقّ المصوّرين « إنّ أشدّ النّاس عذاباً عند اللّه يوم القيامة المصوّرون » قالوا : لو حمل على التّصوير المعتاد لكان ذلك مشكلاً على قواعد الشّريعة . فإنّ أشدّ ما فيه أن يكون معصية كسائر المعاصي ليس أعظم من الشّرك وقتل النّفس والزّنا ، فكيف يكون فاعله أشدّ النّاس عذاباً ، فتعيّن حمله على من صنع التّماثيل لتعبد من دون اللّه . </p><p>- واحتجّوا أيضاً بما يأتي من استعمال الصّور في بيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبيوت أصحابه ، ومن جملة ذلك تعاملهم بالدّنانير الرّوميّة والدّراهم الفارسيّة دون نكير ، وبالأحوال الفرديّة للاستعمال الواقع منهم ممّا يرد ذكره في تضاعيف هذا البحث ، دون تأويل . وقد نقل الألوسيّ هذا القول في تفسيره عند تفسير الآية " 13 " من سورة سبأ ، حيث ذكر أنّ النّحّاس ومكّيّ بن أبي طالب وابن الفرس نقلوه عن قوم ولم يعيّنهم . </p><p>من أجل ذلك فإنّ هذا القول يغفل ذكره الفقهاء في كتبهم المطوّلة والمختصرة ، ويقتصرون في ذكر الخلاف على الأقوال الآتية : </p><p>22 - القول الثّاني : وهو مذهب المالكيّة وبعض السّلف ، ووافقهم ابن حمدان من الحنابلة ، أنّه لا يحرم من التّصاوير إلا ما جمع الشّروط الآتية : </p><p>الشّرط الأوّل : أن تكون صورة الإنسان أو الحيوان ممّا له ظلّ ، أي تكون تمثالاً مجسّداً ، فإن كانت مسطّحة لم يحرم عملها ، وذلك كالمنقوش في جدار ، أو ورق ، أو قماش . </p><p>بل يكون مكروهاً . ومن هنا نقل ابن العربيّ الإجماع على أنّ تصوير ما له ظلّ حرام . </p><p>الشّرط الثّاني : أن تكون كاملة الأعضاء ، فإن كانت ناقصة عضو ممّا لا يعيش الحيوان مع فقده لم يحرم ، كما لو صوّر الحيوان مقطوع الرّأس أو مخروق البطن أو الصّدر . </p><p>الشّرط الثّالث : أن يصنع الصّورة ممّا يدوم من الحديد أو النّحاس أو الحجارة أو الخشب أو نحو ذلك ، فإن صنعها ممّا لا يدوم كقشر بطّيخ أو عجين لم يحرم ، لأنّه إذا نشف تقطّع . على أنّ في هذا النّوع عندهم خلافاً ، فقد قال الأكثر منهم : يحرم ولو كان ممّا لا يدوم . ونقل قصر التّحريم على ذوات الظّلّ عن بعض السّلف أيضاً كما ذكره النّوويّ . </p><p>وقال ابن حمدان من الحنابلة : المراد بالصّورة أي : المحرّمة ما كان لها جسم مصنوع له طول وعرض وعمق . </p><p>23 - القول الثّالث : أنّه يحرم تصوير ذوات الأرواح مطلقاً ، أي سواء أكان للصّورة ظلّ أو لم يكن . وهو مذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . </p><p>وتشدّد النّوويّ حتّى ادّعى الإجماع عليه . وفي دعوى الإجماع نظر يعلم ممّا يأتي . </p><p>وقد شكّك في صحّة الإجماع ابن نجيم كما في الطّحطاويّ على الدّرّ ، وهو ظاهر ، لما تقدّم من أنّ المالكيّة لا يرون تحريم الصّور المسطّحة . لا يختلف المذهب عندهم في ذلك . </p><p>وهذا التّحريم عند الجمهور هو من حيث الجملة . </p><p>ويستثنى عندهم بعض الحالات المتّفق عليها أو المختلف فيها ممّا سيذكر فيما بعد . </p><p>- والتّصوير المحرّم صرّح الحنابلة بأنّه من الكبائر . قالوا : لما في الحديث من التّوعّد عليه بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم « إنّ أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة المصوّرون » . أدلّة القولين الثّاني والثّالث بتحريم التّصوير من حيث الجملة :</p><p>24 - استند العلماء في تحريم التّصوير من حيث الجملة إلى الأحاديث التّالية : </p><p> الحديث الأوّل : عن عائشة رضي الله عنها قالت : « قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من سفر ، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل ، فلمّا رآه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هتكه ، وتلوّن وجهه . فقال : يا عائشة : أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة الّذين يضاهون بخلق اللّه . قالت عائشة : فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين » . وفي رواية أنّه قال : « إنّ من أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة الّذين يشبّهون بخلق اللّه » . وفي رواية أخرى قال : « إنّ أصحاب هذه الصّور يعذّبون يوم القيامة ، ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم ». وفي رواية : « إنّها قالت : فأخذت السّتر فجعلته مرفقة أو مرفقتين ، فكان يرتفق بهما في البيت » . وهذه الرّوايات متّفق عليها . </p><p>هذا وإنّ قوله صلى الله عليه وسلم : « إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون » رواه الشّيخان أيضا مرفوعاً من حديث ابن مسعود رضي الله عنه . </p><p>وقوله : « إنّ أصحاب هذه الصّور يعذّبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم » روياه أيضاً من حديث عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما . </p><p>الحديث الثّاني : عن عائشة رضي الله عنها قالت : « واعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جبريل أن يأتيه في ساعة ، فجاءت تلك السّاعة ولم يأته . قالت : وكان بيده عصاً فطرحها ، وهو يقول : ما يخلف اللّه وعده ولا رسله . ثمّ التفت ، فإذا جرو كلب تحت سرير ، فقال : متى دخل هذا الكلب ؟ فقلت : واللّه ما دريت به . فأمر به فأخرج ، فجاءه جبريل ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : وعدتني فجلست لك ولم تأتني ؟ فقال : منعني الكلب الّذي كان في بيتك . إنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة » . </p><p>وروت ميمونة رضي الله عنها حادثة مثل هذه ، وفيها قول جبريل : « إنّا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة » . وروى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخبره بحادثة جبريل ، وما قال له . وروى القصّة أيضاً أبو هريرة رضي الله عنه . الحديث الثّالث : عن أبي هريرة رضي الله عنه « أنّه دخل داراً تبنى بالمدينة لسعيد ، أو لمروان ، فرأى مصوّراً يصوّر في الدّار ، فقال سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : قال اللّه تعالى : ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقاً كخلقي ، فليخلقوا ذرّة ، أو ليخلقوا حبّة ، أو ليخلقوا شعيرة » . </p><p>الحديث الرّابع : عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه جاءه رجل فقال : إنّي رجل أصوّر هذه الصّور فأفتني فيها . فقال : ادن منّي ، فدنا منه ، ثمّ قال : ادن منّي ، فدنا منه ، حتّى وضع يده على رأسه ، وقال : أنبّئك بما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم . سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « كلّ مصوّر في النّار ، يجعل له بكلّ صورة صوّرها نفساً ، فيعذّبه في جهنّم » ثمّ قال : إن كنت لا بدّ فاعلاً فاصنع الشّجر وما لا نفس له . </p><p>الحديث الخامس : عن أبي الهيّاج الأسديّ أنّ عليّا رضي الله عنه قال له : « ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : ألا تدع صورة إلا طمستها ، ولا قبراً مشرفا إلا سوّيته » .</p><p>تعليل تحريم التّصوير :</p><p>25 - اختلف العلماء في علّة تحريم التّصوير على وجوه : </p><p>الوجه الأوّل : أنّ العلّة هي ما في التّصوير من مضاهاة خلق اللّه تعالى وأصل التّعليل بذلك وارد في الأحاديث المتقدّمة ، كلفظ حديث عائشة رضي الله عنها : « الّذين يضاهون بخلق اللّه » وحديث أبي هريرة رضي الله عنه : « ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي » ويشهد لذلك حديث : « من صوّر صورة كلّف أن ينفخ فيها الرّوح » </p><p>وحديث : « أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة المصوّرون . يقال لهم : أحيوا ما خلقتم » . </p><p>وممّا يكدّر على التّعليل بهذا أمران : </p><p>الأوّل : أنّ التّعليل بهذا يقتضي منع تحريم تصوير الشّمس والقمر والجبال والشّجر وغير ذلك من غير ذوات الأرواح . </p><p>والثّاني : أنّ التّعليل بذلك يقتضي أيضاً منع تصوير لعب البنات والعضو المقطوع ، وغير ذلك ممّا استثناه العلماء من قضيّة التّحريم </p><p>- من أجل ذلك ذهب بعض العلماء إلى أنّ المقصود بالتّعليل بهذه العلّة من صنع الصّورة متحدّياً قدرة الخالق عزّ وجلّ ، ورأى أنّه قادر أن يخلق كخلقه ، فيريه اللّه تعالى عجزه يوم القيامة ، بأن يكلّفه أن ينفخ الرّوح في تلك الصّور . </p><p>قال النّوويّ : أمّا رواية « أشدّ النّاس عذاباً » فهي محمولة على من فعل الصّورة لتعبد ، وقيل : هي فيمن قصد المعنى الّذي في الحديث من مضاهاة خلق اللّه ، واعتقد ذلك ، فهذا كافر له من أشدّ العذاب ما للكفّار ، ويزيد عذابه بزيادة كفره " . ويتأيّد التّعليل بهذا بأنّ اللّه تعالى قال شبيهاً بذلك في حقّ من ادّعى أنّه ينزّل مثل ما أنزل اللّه ، وأنّه لا أحد أظلم منه ، فقال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبَاً أو قَالَ أُوحِيَ إليَّ ولمْ يُوحَ إليهِ شَيءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثلَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ } فهذا فيمن ادّعى مساواة الخالق في أمره ووحيه ، والأوّل فيمن ادّعى مساواته في خلقه ، وكلاهما من أشدّ النّاس عذاباً . </p><p>وممّا يحقّق هذا ما توحي به رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنّ اللّه تعالى يقول في الحديث القدسيّ : « ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي » فإنّ " ذهب " بمعنى قصد ، بذلك فسّرها ابن حجر . وبذلك يكون معناها أنّه أظلم النّاس بهذا القصد ، وهو أن يقصد أن يخلق كخلق اللّه تعالى. ونقل الجصّاص قولاً أنّ المراد بهذه الأحاديث " من شبّه اللّه بخلقه".</p><p>26 - الوجه الثّاني : كون التّصوير وسيلة إلى الغلوّ في غير اللّه تعالى بتعظيمه حتّى يئول الأمر إلى الضّلال والافتنان بالصّور ، فتعبد من دون اللّه تعالى . وذلك أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعث والنّاس ينصبون تماثيل يعبدونها ، يزعمون أنّها تقرّبهم إلى اللّه زلفى ، فجاء الإسلام محطّماً للشّرك والوثنيّة ، معلناً أنّ شعاره الأكبر " لا إله إلا اللّه " ومسفّهاً لعقول هؤلاء . ومن المناهج الّتي سلكتها الشّريعة الحكيمة لذلك - بالإضافة إلى الحجّة والبيان والسّيف والسّنان - أن جاءت إلى ما من شأنه أن يكون وسيلة إلى الضّلال ولا منفعة ، أو منفعته أقلّ ، فمنعت إتيانه ، قال ابن العربيّ : والّذي أوجب النّهي عن التّصوير في شرعنا - واللّه أعلم - ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام ، فكانوا يصوّرون ويعبدون ، فقطع اللّه الذّريعة ، وحمى الباب . </p><p>ثمّ أشار ابن العربيّ أنّ التّعليل بالمضاهاة وهو منصوص ، لا يمنع من التّعليل بهذه العلّة المستنبطة ، قال : نهى عن الصّورة ، وذكر علّة التّشبّه بخلق اللّه ، وفيها زيادة على هذا عبادتها من دون اللّه ، فنبّه على أنّ عملها معصية ، فما ظنّك بعبادتها . </p><p>واستند القائلون بهذا الوجه في التّعليل إلى ما في صحيح البخاريّ في تفسير سورة نوح ، معلّقاً . عن عطاء عن ابن عبّاس في : ودّ ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر . قال : " هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلمّا هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون إليها أنصاباً ، وسمّوها بأسمائهم ، ففعلوا ، فلم تعبد ، حتّى إذا هلك أولئك ، وتنسخ العلم ، عبدت ". </p><p>لكن إلى أيّ مدى أرادت الشّريعة المنع من التّصوير لتكفل سدّ الذّريعة : هل إلى منع التّصوير مطلقاً ، أو منع الصّور المنصوبة دون غير المنصوبة ، أو منع الصّور المجسّمة الّتي لها ظلّ ، لأنّها الّتي كانت تعبد ؟ هذا موضع الخلاف بين العلماء . </p><p>وبناء على هذا الوجه رأى بعض العلماء أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم شدّد أوّلاً وأمر بكسر الأوثان ولطّخ الصّور ، ثمّ لمّا عرف ذلك الأمر واشتهر رخّص في الصّور المسطّحة وقال : « إلا رقماً في ثوب » . </p><p>27 - الوجه الثّالث : أنّ العلّة مجرّد الشّبه بفعل المشركين الّذين كانوا ينحتون الأصنام ويعبدونها ، ولو لم يقصد المصوّر ذلك ، ولو لم تعبد الصّورة الّتي يصنعها ، لكنّ الحال شبيهة بالحال . كما نهينا عن الصّلاة عند طلوع الشّمس وعند غروبها ، لئلا نكون في ذلك مثل من يسجد لها حينئذ . كما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « فإنّه يسجد لها حينئذ الكفّار » فكرهت الصّلاة حينئذ لما تجرّه المشابهة من الموافقة . </p><p>أشار إلى هذا المعنى ابن تيميّة . ونبّه عليه ابن حجر حيث قال : إنّ صورة الأصنام هي الأصل في منع التّصوير لكن إذا قيل بهذه العلّة فهي لا تقتضي أكثر من الكراهة . </p><p>28 - الوجه الرّابع : أنّ وجود الصّورة في مكان يمنع دخول الملائكة إليه . </p><p>وقد ورد النّصّ على ذلك في حديث عائشة وحديث عليّ . </p><p>وردّ التّعليل بهذا كثير من العلماء ، منهم الحنابلة ، كما يأتي ، وقالوا : إنّ تنصيص الحديث على أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة لا يقتضي منع التّصوير ، كالجنابة ، فإنّها تمنع دخول الملائكة أيضا لما في بعض الرّوايات « لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب » فلا يلزم من ذلك منع الجنابة . </p><p>ولعلّ امتناع دخول الملائكة إنّما هو لكون الصّورة محرّمة ، كما يحرم على المسلم أن يجلس على مائدة يدار عليها الخمر . فامتناع دخولهم أثر التّحريم ، وليس علّة. واللّه أعلم. </p><p>تفصيل القول في صناعة الصّور : </p><p>أوّلاً : الصّور المجسّمة " ذوات الظّلّ " </p><p>29 - صنعة الصّور المجسّمة محرّمة عند جمهور العلماء أخذا بالأدلّة السّابقة . </p><p>ويستثنى منها ما كان مصنوعا كلعبة للصّغار ، أو كان ممتهناً ، أو كان مقطوعاً منه عضو لا يعيش بدونه ، أو كان ممّا لا يدوم كصور الحلوى أو العجين ، على خلاف وتفصيل يتبيّن في المباحث التّالية .</p><p>ثانياً : صناعة الصّور المسطّحة : </p><p>القول الأوّل في صناعة الصّور المسطّحة</p><p>30 - مذهب المالكيّة ومن ذكر معهم جواز صناعة الصّور المسطّحة مطلقاً ، مع الكراهة . لكن إن كانت فيما يمتهن فلا كراهة بل خلاف الأولى . </p><p>وتزول الكراهة إذا كانت الصّور مقطوعة عضو لا تبقى الحياة مع فقده . </p><p>31 - ومن الحجّة لهذا المذهب ما يلي : </p><p>- 1 - حديث أبي طلحة وعنه زيد بن خالد الجهنيّ ، ورواه سهل بن حنيف الصّحابيّ رضي الله عنهم ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ، إلا رقماً في ثوب » فهذا الحديث مقيّد ، فيحمل عليه كلّ ما ورد من النّهي عن التّصاوير ولعن المصوّرين . </p><p>- 2 - حديث أبي هريرة مرفوعا أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : يقول اللّه تعالى : في الحديث القدسيّ « ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي ، فليخلقوا ذرّة ، أو ليخلقوا حبّة » ووجه الاحتجاج به : أنّ اللّه تعالى لم يخلق هذه الأحياء سطوحا ، بل اخترعها مجسّمة . </p><p>- 3 - استعمال الصّور في بيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما تقدّم أنّها جعلت السّتر مرفقتين ، فكان يرتفق بهما ، وفي بعض الرّوايات " وإنّ فيهما الصّور " . </p><p>وفي بعض روايات الحديث قالت : « كان لنا ستر فيه تمثال طائر ، وكان الدّاخل إذا دخل استقبله ، فقال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم : حوّلي هذا ، فإنّي كلّما دخلت فرأيته ، ذكرت الدّنيا » فعلّل بذلك ، وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على ألا يشغله أمر الدّنيا وزهرتها عن الدّعوة إلى اللّه والتّفرّغ لعبادته . وذلك لا يقتضي التّحريم على أمّته . وفي رواية أنس رضي الله عنه أنّه قال لها : « أميطي عنّا قرامك هذا ، فإنّ تصاويره لا تزال تعرض لي في صلاتي » وعلّل في رواية ثالثة بغير هذا عندما هتك السّتر فقال « يا عائشة لا تستري الجدار » وقال « إنّ اللّه لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطّين » . </p><p>ويوضّح هذا المعنى جليّاً حديث سفينة رضي الله عنه مولى النّبيّ صلى الله عليه وسلم « أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه دعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، فجاء فوضع يده فرجع ، فقالت فاطمة لعليّ : الحقه فانظر ما رجعه . فتبعه ، فقال : يا رسول اللّه ما ردّك ؟ قال : إنّه ليس لي - أو قال : لنبيّ - أن يدخل بيتاً مزوّقاً » . </p><p>ورواه عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما عند البخاريّ وأبي داود وفي روايته : « فرأى سترا موشيّا ، وفيها أنّه صلى الله عليه وسلم قال ما لنا وللدّنيا ، ما لنا وللرّقم فقالت فاطمة فما تأمرنا فيه ؟ قال : ترسلين به إلى أهل حاجة » . </p><p>وفي رواية النّسائيّ أنّه كان في السّتر تصاوير . </p><p>- 4 - استعمال النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه الدّنانير الرّوميّة والدّراهم الفارسيّة وعليها صور ملوكهم ولم يكن عندهم نقود غيرها إلّا الفلوس . </p><p>وقد ضرب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه - على ما تذكره الكتب المؤلّفة في تاريخ النّقود - الدّراهم على السّكّة الفارسيّة ، فكان فيها الصّور ، وضرب الدّنانير معاوية رضي الله عنه وعليها الصّور بعد أن محا منها الصّليب ، وضربها عبد الملك وعليها صورته متقلّداً سيفاً ، ثمّ ضربها عبد الملك والوليد خالية من الصّور . </p><p>- 5 - ما نقل عن بعض الصّحابة والتّابعين من استعمال الصّور في السّتور وغيرها من المسطّحات . من ذلك استعمال زيد بن خالد الجهنيّ رضي الله عنه للسّتور ذات الصّور ، وحديثه في الصّحيحين . واستعمله أبو طلحة رضي الله عنه وأقرّه سهل بن حنيف رضي الله عنه ، وحديثهما في الموطّأ وعند التّرمذيّ والنّسائيّ . </p><p>واعتمدوا على ما رووه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم من قوله « إلا رقماً في ثوب » . </p><p>وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة بن الزّبير أنّ عروة كان يتّكئ على المرافق " الوسائد " الّتي فيها تصاوير الطّير والرّجال . وروى الطّحاويّ بأسانيده أنّ نقش خاتم عمران بن حصين الصّحابيّ رضي الله عنه كان رجلاً متقلّداً سيفاً . وأنّ نقش خاتم النّعمان بن مقرّن رضي الله عنه قائد فتح فارس ، كان إيلا قابضاً إحدى يديه باسطاً الأخرى ، وعن القاسم قال كان نقش خاتم عبد اللّه ذبّابان ، وكان نقش خاتم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كركيّان ، وروي أنّ نقش خاتم أبي هريرة رضي الله عنه ذبابتان . </p><p>ونقل ابن أبي شيبة بسنده عن ابن عون أنّه دخل على القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنهم وهو بأعلى مكّة ببيته ، قال : فرأيت في بيته حجلة فيها تصاوير القندس والعنقاء . قال ابن حجر : والقاسم بن محمّد أحد فقهاء المدينة ، وهو راوي حديث عائشة ، وكان من أفضل أهل زمانه . </p><p>وروى أحمد بسنده عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال : دخلت على ابن عبّاس رضي الله عنهما أعوده من وجع كان به . قلت : فما هذه التّصاوير في الكانون ؟ قال : ألا ترى قد أحرقناها بالنّار . فلمّا خرج المسور قال : اقطعوا رءوس هذه التّماثيل . قالوا : يا أبا العبّاس لو ذهبت بها إلى السّوق كان أنفق لها قال : لا . فأمر بقطع رءوسها . </p><p>القول الثّاني في صناعة الصّور غير ذوات الظّلّ " أي المسطّحة " :</p><p>32 - إنّها محرّمة كصناعة ذوات الظّلّ . وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ونقل عن كثير من السّلف . واستثنى بعض أصحاب هذا القول الصّور المقطوعة والصّور الممتهنة وأشياء أخرى كما سيأتي في بقيّة هذا البحث . </p><p>واحتجّوا للتّحريم بإطلاق الأحاديث الواردة في لعن النّبيّ صلى الله عليه وسلم للمصوّرين ، وأنّ المصوّر يعذّب يوم القيامة بأن يكلّف بنفخ الرّوح في كلّ صورة صوّرها . خرج من ذلك صور الأشجار ونحوها ممّا لا روح فيه بالأدلّة السّابق ذكرها، فيبقى ما عداها على التّحريم. قالوا : وأمّا الاحتجاج لإباحة صنع الصّور المسطّحة باستعمال النّبيّ صلى الله عليه وسلم الوسادتين اللّتين فيهما الصّور ، واستعمال الصّحابة والتّابعين لذلك ، فإنّ الاستعمال للصّورة حيث جاز لا يعني جواز تصويرها ، لأنّ النّصّ ورد بتحريم التّصوير ولعن المصوّر ، وهو شيء آخر غير استعمال ما فيه الصّورة . وقد علّل في بعض الرّوايات بمضاهاة خلق اللّه والتّشبيه به ، وذلك إثم غير متحقّق في الاستعمال .</p><p>ثالثاً : الصّور المقطوعة والصّور النّصفيّة ونحوها :</p><p>33 - تقدّم أنّ المالكيّة لا يرون تحريم تصوير الإنسان أو الحيوان - سواء أكانت الصّورة تمثالا مجسّما أو صورة مسطّحة إن كانت ناقصة عضو من الأعضاء الظّاهرة ممّا لا يعيش الحيوان بدونه . كما لو كان مقطوع الرّأس ، أو كان مخروق البطن أو الصّدر . </p><p>وكذلك يقول الحنابلة ، كما جاء في المغني" إذا كان في ابتداء التّصويرة صورة بدن بلا رأس أو رأس بلا بدن ، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان ، لم يدخل في النّهي ". وفي الفروع : إن أزيل من الصّور ما لا تبقى الحياة معه لم يكره ، في المنصوص . ومثله صورة شجرة ونحوه وتمثال ، وكذا تصويره .</p><p>وهذا مذهب الشّافعيّة أيضاً ، ولم ينقل بينهم في ذلك خلاف إلا ما شذّ به المتولّي ، غير أنّهم اختلفوا فيما إذا كان المقطوع غير الرّأس وقد بقي الرّأس . والرّاجح عندهم في هذه الحالة التّحريم ، جاء في أسنى المطالب وحاشيته للرّمليّ : وكذا إن قطع رأس الصّورة . </p><p>قال الكوهكيوني : وكذا حكم ما صوّر بلا رأس ، وأمّا الرّءوس بلا أبدان فهل تحرم ؟ فيه تردّد . والحرمة أرجح . قال الرّمليّ : وهما وجهان في الحاوي وبناهما على أنّه هل يجوز تصوير حيوان لا نظير له : إن جوّزناه جاز ذلك ، وإلا فلا ، وهو الصّحيح . </p><p>ويشملهما قوله : ويحرم تصوير حيوان . </p><p>وظاهر ما في تحفة المحتاج جوازه ، فإنّه قال : وكفقد الرّأس فقد ما لا حياة بدونه .</p><p>رابعاً : صنع الصّور الخياليّة </p><p>34 - ينصّ الشّافعيّة على أنّ الصّور الخياليّة للإنسان أو الحيوان داخلة في التّحريم . </p><p>قالوا : يحرم ، كإنسان له جناح ، أو بقر له منقار ، ممّا ليس له نظير في المخلوقات . وكلام صاحب روض الطّالب يوحي بوجود قول بالجواز . </p><p>وواضح أنّ هذا في غير اللّعب الّتي للأطفال ، وقد ورد في حديث عائشة رضي الله عنها : « أنّه كان في لعبها فرس له جناحان ، وأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ضحك لمّا رآها حتّى بدت نواجذه » .</p><p>خامساً : صنع الصّور الممتهنة </p><p>35 - يأتي أنّ أغلب العلماء على جواز اقتناء واستعمال الصّور المجسّمة والمسطّحة . سواء أكانت مقطوعة أم كاملة ، إذا كانت ممتهنة ، كالّتي على أرض أو بساط أو فراش أو وسادة أو نحو ذلك . وبناء على هذا ، ذهب بعض العلماء إلى جواز صنع ما يستعمل على ذلك الوجه ، كنسج الحرير لمن يحلّ له . </p><p>وهو في الجملة مذهب المالكيّة ، إلا أنّه عندهم خلاف الأولى . </p><p>وعند الشّافعيّة وجهان : أصحّهما التّحريم . وهو مذهب الحنفيّة كما صرّح به ابن عابدين . ونقل ابن حجر عن المتولّي من الشّافعيّة أنّه أجاز التّصوير على الأرض . </p><p>ولم نجد للحنابلة تصريحا في هذه المسألة فالظّاهر أنّه عندهم مندرج في تحريم التّصوير . وسيأتي تفصيل القول في معنى الامتهان .</p><p>سادساً : صناعة الصّور من الطّين والحلوى وما يسرع إليه الفساد </p><p>36 - للمالكيّة قولان في صناعة الصّور الّتي لا تتّخذ للإبقاء ، كالّتي تعمل من العجين وأشهر القولين المنع . وكذا نقلهما العدويّ وقال : إنّ القول بالجواز هو لأصبغ . ومثّل له بما يصنع من عجين أو قشر بطّيخ ، لأنّه إذا نشف تقطّع . </p><p>وعند الشّافعيّة : يحرم صنعها ولا يحرم بيعها . ولم نجد عند غيرهم نصّا في ذلك .</p><p>سابعاً : صناعة لعب البنات </p><p>37 - استثنى أكثر العلماء من تحريم التّصوير وصناعة التّماثيل صناعة لعب البنات . </p><p>وهو مذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وقد نقل القاضي عياض جوازه عن أكثر العلماء ، وتابعه النّوويّ في شرح مسلم ، فقال :" يستثنى من منع تصوير ما له ظلّ ، ومن اتّخاذه لعب البنات ، لما ورد من الرّخصة في ذلك ". </p><p>وهذا يعني جوازها ، سواء أكانت اللّعب على هيئة تمثال إنسان أو حيوان ، مجسّمة أو غير مجسّمة ، وسواء أكان له نظير في الحيوانات أم لا ، كفرس له جناحان . </p><p>وقد اشترط الحنابلة للجواز أن تكون مقطوعة الرّءوس ، أو ناقصة عضو لا تبقى الحياة بدونه . وسائر العلماء على عدم اشتراط ذلك . </p><p>38 - واستدلّ الجمهور لهذا الاستثناء بحديث عائشة رضي الله عنها قالت : « كنت ألعب بالبنات عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمّعن منه ، فيسرّبهنّ إليّ ، فيلعبن معي » . </p><p>وفي رواية قالت : « قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ، وفي سهوتها ستر ، فهبّت ريح ، فكشفت ناحية السّتر عن بنات لعائشة لعب ، فقال : ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بناتي . ورأى بينهنّ فرساً لها جناحان من رقاع ، فقال : ما هذا الّذي أرى وسطهنّ ؟ قالت : فرس . قال : وما هذا الّذي عليه ؟ قالت : جناحان . فقال : فرس له جناحان ؟ قالت : أما سمعت أنّ لسليمان خيلاً لها أجنحة ؟ قالت : فضحك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتّى رأيت نواجذه » . وقد علّل المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة هذا الاستثناء لصناعة اللّعب بالحاجة إلى تدريبهنّ على أمر تربية الأولاد . </p><p>وهذا التّعليل يظهر فيما لو كانت اللّعب على هيئة إنسان ، ولا يظهر في أمر الفرس الّذي له جناحان ، ولذا علّل الحليميّ بذلك وبغيره ، وهذا نصّ كلامه ، قال : للصّبايا في ذلك فائدتان : إحداهما عاجلة والأخرى آجلة . فأمّا العاجلة ، فالاستئناس الّذي في الصّبيان من معادن النّشوء والنّموّ . فإنّ الصّبيّ إن كان أنعم حالاً وأطيب نفساً وأشرح صدراً كان أقوى وأحسن نموّاً ، وذلك لأنّ السّرور يبسط القلب ، وفي انبساطه انبساط الرّوح ، وانتشاره في البدن ، وقوّة أثره في الأعضاء والجوارح . وأمّا الآجلة فإنّهنّ سيعلمن من ذلك معالجة الصّبيان وحبّهم والشّفقة عليهم ، ويلزم ذلك طبائعهنّ ، حتّى إذا كبرن وعاين لأنفسهنّ ما كنّ تسرّين به من الأولاد كنّ لهم بالحقّ كما كنّ لتلك الأشباه بالباطل . هذا وقد نقل ابن حجر في الفتح عن البعض دعوى أنّ صناعة اللّعب محرّمة ، وأنّ جوازها كان أوّلاً ، ثمّ نسخ بعموم النّهي عن التّصوير . ويردّه أنّ دعوى النّسخ معارضة بمثلها ، وأنّه قد يكون الإذن باللّعب لاحقاً . على أنّ في حديث عائشة رضي الله عنها في اللّعب ما يدلّ على تأخّره ، فإنّ فيه أنّ ذلك كان عند رجوع النّبيّ صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك ، فالظّاهر أنّه كان متأخّراً .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41281, member: 329"] ب - تصوير المصنوعات : 14 - لا بأس بتصوير الأشياء الّتي يصنعها البشر ، كصورة المنزل والسّيّارة والسّفينة والمسجد وغير ذلك اتّفاقا ، لأنّ للإنسان أن يصنعها ، فكذلك له أن يصوّرها . ج - صناعة تصاوير الجمادات المخلوقة : 15 - لا بأس بتصوير الجمادات الّتي خلقها اللّه تعالى - على ما خلقها عليه - كتصوير الجبال والأودية والبحار ، وتصوير الشّمس والقمر والسّماء والنّجوم ، دون اختلاف بين أحد من أهل العلم ، إلّا من شذّ . غير أنّ ذلك لا يعني جواز صناعة شيء منها إذا علم أنّ الشّخص المصنوعة له يعبد تلك الصّورة من دون اللّه ، وذلك كعبّاد الشّمس أو النّجوم . أشار إلى ذلك ابن عابدين . ويستدلّ لحكم هذه المسألة وأنّ ذلك ليس بداخل في التّصوير المنهيّ عنه بما يأتي في المسألة التّالية وما بعدها . وقد نقل ابن حجر في الفتح عن أبي محمّد الجوينيّ أنّه نقل وجهاً بمنع تصوير الشّمس والقمر ، لأنّ من الكفّار من عبدهما من دون اللّه ، فيمتنع تصويرهما لذلك . ووجّهه ابن حجر بعموم قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « الّذين يضاهون بخلق اللّه » وقوله في الحديث القدسيّ : « ومن أظلم ممّن ذهب يخلُق خلقاً كخلقي » فإنّه يتناول ما فيه روح وما لا روح فيه . غير أنّ هذا مُؤوَّل وخاصّ بما فيه روح كما يأتي . د - تصوير النّباتات والأشجار : 16 - جمهور الفقهاء على أنّه لا بأس شرعاً بتصوير الأعشاب والأشجار والثّمار وسائر المخلوقات النّباتيّة ، وسواء أكانت مثمرة أم لا ، وأنّ ذلك لا يدخل فيما نهي عنه من التّصاوير . ولم ينقل في ذلك خلاف ، إلا ما روي عن مجاهد أنّه رأى تحريم تصوير الشّجر المثمر دون الشّجر غير المثمر . قال عياض : هذا لم يقله أحد غير مجاهد . قال ابن حجر : وأظنّ مجاهداً سمع حديث أبي هريرة ، ففيه : « فَلْيَخْلقوا ذرّة ، وليخلقوا شعيرة » فإنّ في ذكر الذّرّة إشارة إلى ما فيه روح ، وفي ذكر الشّعيرة إشارة إلى ما ينبت ممّا يؤكل ، وأمّا ما لا روح فيه ولا يثمر فلم تقع الإشارة إليه . وكراهة تصوير النّباتات والأشجار وجه في مذهب أحمد ، والمذهب على خلافه . وقد احتجّ الجمهور بأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « من صوّر صورة في الدّنيا كلّف أن ينفخ فيها الرّوح ، وليس بنافخ » فخصّ النّهي بذوات الأرواح وليس الشّجر منها ، وبحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه نهى المصوّر عن التّصوير ، ثمّ قال له : " إن كنت فاعلاً فصوّر الشّجر وما لا روح فيه "قال الطّحاويّ : ولأنّ صورة الحيوان لمّا أبيحت بعد قطع رأسها - لأنّها لا تعيش بدونه - دلّ ذلك على إباحة تصوير ما لا روح فيه أصلاً . بل إنّ في بعض روايات حديث عائشة رضي الله عنها « أنّ جبريل عليه السلام قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم مر برأس التّمثال فليقطع حتّى يكون كهيئة الشّجرة » فهذا تنبيه على أنّ الشّجرة في الأصل لا يتعلّق النّهي بتصويرها . هذا ما يذكره الفقهاء في الاستدلال على أنّه لا يحرم تصوير الشّجر والنّبات وما لا روح فيه وفي مسند أحمد من حديث عليّ رضي الله عنه « أنّ جبريل قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم إنّها ثلاث، لن يلج عليك مَلَكٌ ما دام فيها واحد منها : كلب ، أو جنابة ، أو صورة روح » . هـ – تصوير صورة الحيوان أو الإنسان : 17 – هذا النّوع من التّصوير فيه اختلاف بين الفقهاء وتفصيل يتبيّن فيما يلي ، وإلى هذا النّوع خاصّة ينصرف قول من يطلق تحريم التّصوير ، دون غيره من الأنواع المتقدّم ذكرها. التّصوير في الدّيانات السّابقة : 18 - قال مجاهد قوله تعالى في حقّ سليمان عليه السلام وطاعة الجنّ له : { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالجَوَابِ } قال : كانت صوراً من نحاس . أخرجه الطّبريّ . وقال قتادة : كانت من الزّجاج والخشب أخرجه عبد الرّزّاق . قال ابن حجر : كان ذلك جائزاً في شريعتهم ، وكانوا يعملون أشكال الأنبياء والصّالحين منهم على هيئتهم في العبادة ليتعبّدوا كعبادتهم . وقال أبو العالية : لم يكن ذلك في شريعتهم حراماً . وقال مثل ذلك الجصّاص . قال ابن حجر : ولكن ثبت في الصّحيحين « أنّ أمّ حبيبة وأمّ سلمة رضي الله عنهما ذكرتا للنّبيّ صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة ، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم أولئك قوم كانوا إذا مات فيهم الرّجل الصّالح بنوا على قبره مسجدا ، وصوّروا فيه تلك الصّور . أولئك شرار الخلق عند اللّه » . قال : فإنّ ذلك يشعر بأنّه لو كان جائزاً في شريعتهم ما أطلق على الّذي فعله أنّه شرّ الخلق ، هكذا قال . لكنّ الأظهر أنّه ذمّهم لبناء المساجد على القبور ، ولجعلهم الصّور في المساجد ، لا لمطلق التّصوير ، ليوافق الآية ، واللّه أعلم . تصوير صورة الإنسان والحيوان في الشّريعة الإسلاميّة : 19 - اختلف العلماء في حكم تصوير ذوات الأرواح من الإنسان أو الحيوان على ثلاثة أقوال : 20 - القول الأوّل : إنّ ذلك غير حرام . ولا يحرم منه إلا أن يصنع صنماً يعبد من دون اللّه تعالى ، لقوله تعالى : { قال أَتَعْبُدونَ ما تَنْحِتُونَ واللّهُ خَلَقَكم وما تَعْمَلونَ } ولقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه ورسولَه حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام » . - واحتجّ القائلون بالإباحة بقوله تعالى في حقّ سليمان عليه السلام : { يَعْمَلونَ له مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ } . قالوا : وشرع من قبلنا شرع لنا لقوله تعالى : { أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده } . واستدلّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في حقّ المصوّرين « الّذين يضاهون بخلق اللّه » وفي بعض الرّوايات « الّذين يشبّهون بخلق اللّه » وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربّه تبارك وتعالى : « ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقاً كخلقي فليخلقوا حبّة ، أو ليخلقوا ذرّة » قالوا : ولو كان هذا على ظاهره لاقتضى تحريم تصوير الشّجر والجبال والشّمس والقمر ، مع أنّ ذلك لا يحرم بالاتّفاق ، فتعيّن حمله على من قصد أن يتحدّى صنعة الخالق عزّ وجلّ ويفتري عليه بأنّه يخلق مثل خلقه . 21 - واستدلّوا بقوله صلى الله عليه وسلم في حقّ المصوّرين « إنّ أشدّ النّاس عذاباً عند اللّه يوم القيامة المصوّرون » قالوا : لو حمل على التّصوير المعتاد لكان ذلك مشكلاً على قواعد الشّريعة . فإنّ أشدّ ما فيه أن يكون معصية كسائر المعاصي ليس أعظم من الشّرك وقتل النّفس والزّنا ، فكيف يكون فاعله أشدّ النّاس عذاباً ، فتعيّن حمله على من صنع التّماثيل لتعبد من دون اللّه . - واحتجّوا أيضاً بما يأتي من استعمال الصّور في بيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبيوت أصحابه ، ومن جملة ذلك تعاملهم بالدّنانير الرّوميّة والدّراهم الفارسيّة دون نكير ، وبالأحوال الفرديّة للاستعمال الواقع منهم ممّا يرد ذكره في تضاعيف هذا البحث ، دون تأويل . وقد نقل الألوسيّ هذا القول في تفسيره عند تفسير الآية " 13 " من سورة سبأ ، حيث ذكر أنّ النّحّاس ومكّيّ بن أبي طالب وابن الفرس نقلوه عن قوم ولم يعيّنهم . من أجل ذلك فإنّ هذا القول يغفل ذكره الفقهاء في كتبهم المطوّلة والمختصرة ، ويقتصرون في ذكر الخلاف على الأقوال الآتية : 22 - القول الثّاني : وهو مذهب المالكيّة وبعض السّلف ، ووافقهم ابن حمدان من الحنابلة ، أنّه لا يحرم من التّصاوير إلا ما جمع الشّروط الآتية : الشّرط الأوّل : أن تكون صورة الإنسان أو الحيوان ممّا له ظلّ ، أي تكون تمثالاً مجسّداً ، فإن كانت مسطّحة لم يحرم عملها ، وذلك كالمنقوش في جدار ، أو ورق ، أو قماش . بل يكون مكروهاً . ومن هنا نقل ابن العربيّ الإجماع على أنّ تصوير ما له ظلّ حرام . الشّرط الثّاني : أن تكون كاملة الأعضاء ، فإن كانت ناقصة عضو ممّا لا يعيش الحيوان مع فقده لم يحرم ، كما لو صوّر الحيوان مقطوع الرّأس أو مخروق البطن أو الصّدر . الشّرط الثّالث : أن يصنع الصّورة ممّا يدوم من الحديد أو النّحاس أو الحجارة أو الخشب أو نحو ذلك ، فإن صنعها ممّا لا يدوم كقشر بطّيخ أو عجين لم يحرم ، لأنّه إذا نشف تقطّع . على أنّ في هذا النّوع عندهم خلافاً ، فقد قال الأكثر منهم : يحرم ولو كان ممّا لا يدوم . ونقل قصر التّحريم على ذوات الظّلّ عن بعض السّلف أيضاً كما ذكره النّوويّ . وقال ابن حمدان من الحنابلة : المراد بالصّورة أي : المحرّمة ما كان لها جسم مصنوع له طول وعرض وعمق . 23 - القول الثّالث : أنّه يحرم تصوير ذوات الأرواح مطلقاً ، أي سواء أكان للصّورة ظلّ أو لم يكن . وهو مذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة . وتشدّد النّوويّ حتّى ادّعى الإجماع عليه . وفي دعوى الإجماع نظر يعلم ممّا يأتي . وقد شكّك في صحّة الإجماع ابن نجيم كما في الطّحطاويّ على الدّرّ ، وهو ظاهر ، لما تقدّم من أنّ المالكيّة لا يرون تحريم الصّور المسطّحة . لا يختلف المذهب عندهم في ذلك . وهذا التّحريم عند الجمهور هو من حيث الجملة . ويستثنى عندهم بعض الحالات المتّفق عليها أو المختلف فيها ممّا سيذكر فيما بعد . - والتّصوير المحرّم صرّح الحنابلة بأنّه من الكبائر . قالوا : لما في الحديث من التّوعّد عليه بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم « إنّ أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة المصوّرون » . أدلّة القولين الثّاني والثّالث بتحريم التّصوير من حيث الجملة : 24 - استند العلماء في تحريم التّصوير من حيث الجملة إلى الأحاديث التّالية : الحديث الأوّل : عن عائشة رضي الله عنها قالت : « قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من سفر ، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل ، فلمّا رآه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هتكه ، وتلوّن وجهه . فقال : يا عائشة : أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة الّذين يضاهون بخلق اللّه . قالت عائشة : فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين » . وفي رواية أنّه قال : « إنّ من أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة الّذين يشبّهون بخلق اللّه » . وفي رواية أخرى قال : « إنّ أصحاب هذه الصّور يعذّبون يوم القيامة ، ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم ». وفي رواية : « إنّها قالت : فأخذت السّتر فجعلته مرفقة أو مرفقتين ، فكان يرتفق بهما في البيت » . وهذه الرّوايات متّفق عليها . هذا وإنّ قوله صلى الله عليه وسلم : « إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون » رواه الشّيخان أيضا مرفوعاً من حديث ابن مسعود رضي الله عنه . وقوله : « إنّ أصحاب هذه الصّور يعذّبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم » روياه أيضاً من حديث عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما . الحديث الثّاني : عن عائشة رضي الله عنها قالت : « واعد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جبريل أن يأتيه في ساعة ، فجاءت تلك السّاعة ولم يأته . قالت : وكان بيده عصاً فطرحها ، وهو يقول : ما يخلف اللّه وعده ولا رسله . ثمّ التفت ، فإذا جرو كلب تحت سرير ، فقال : متى دخل هذا الكلب ؟ فقلت : واللّه ما دريت به . فأمر به فأخرج ، فجاءه جبريل ، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : وعدتني فجلست لك ولم تأتني ؟ فقال : منعني الكلب الّذي كان في بيتك . إنّا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة » . وروت ميمونة رضي الله عنها حادثة مثل هذه ، وفيها قول جبريل : « إنّا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة » . وروى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخبره بحادثة جبريل ، وما قال له . وروى القصّة أيضاً أبو هريرة رضي الله عنه . الحديث الثّالث : عن أبي هريرة رضي الله عنه « أنّه دخل داراً تبنى بالمدينة لسعيد ، أو لمروان ، فرأى مصوّراً يصوّر في الدّار ، فقال سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : قال اللّه تعالى : ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقاً كخلقي ، فليخلقوا ذرّة ، أو ليخلقوا حبّة ، أو ليخلقوا شعيرة » . الحديث الرّابع : عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه جاءه رجل فقال : إنّي رجل أصوّر هذه الصّور فأفتني فيها . فقال : ادن منّي ، فدنا منه ، ثمّ قال : ادن منّي ، فدنا منه ، حتّى وضع يده على رأسه ، وقال : أنبّئك بما سمعت من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم . سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : « كلّ مصوّر في النّار ، يجعل له بكلّ صورة صوّرها نفساً ، فيعذّبه في جهنّم » ثمّ قال : إن كنت لا بدّ فاعلاً فاصنع الشّجر وما لا نفس له . الحديث الخامس : عن أبي الهيّاج الأسديّ أنّ عليّا رضي الله عنه قال له : « ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : ألا تدع صورة إلا طمستها ، ولا قبراً مشرفا إلا سوّيته » . تعليل تحريم التّصوير : 25 - اختلف العلماء في علّة تحريم التّصوير على وجوه : الوجه الأوّل : أنّ العلّة هي ما في التّصوير من مضاهاة خلق اللّه تعالى وأصل التّعليل بذلك وارد في الأحاديث المتقدّمة ، كلفظ حديث عائشة رضي الله عنها : « الّذين يضاهون بخلق اللّه » وحديث أبي هريرة رضي الله عنه : « ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي » ويشهد لذلك حديث : « من صوّر صورة كلّف أن ينفخ فيها الرّوح » وحديث : « أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة المصوّرون . يقال لهم : أحيوا ما خلقتم » . وممّا يكدّر على التّعليل بهذا أمران : الأوّل : أنّ التّعليل بهذا يقتضي منع تحريم تصوير الشّمس والقمر والجبال والشّجر وغير ذلك من غير ذوات الأرواح . والثّاني : أنّ التّعليل بذلك يقتضي أيضاً منع تصوير لعب البنات والعضو المقطوع ، وغير ذلك ممّا استثناه العلماء من قضيّة التّحريم - من أجل ذلك ذهب بعض العلماء إلى أنّ المقصود بالتّعليل بهذه العلّة من صنع الصّورة متحدّياً قدرة الخالق عزّ وجلّ ، ورأى أنّه قادر أن يخلق كخلقه ، فيريه اللّه تعالى عجزه يوم القيامة ، بأن يكلّفه أن ينفخ الرّوح في تلك الصّور . قال النّوويّ : أمّا رواية « أشدّ النّاس عذاباً » فهي محمولة على من فعل الصّورة لتعبد ، وقيل : هي فيمن قصد المعنى الّذي في الحديث من مضاهاة خلق اللّه ، واعتقد ذلك ، فهذا كافر له من أشدّ العذاب ما للكفّار ، ويزيد عذابه بزيادة كفره " . ويتأيّد التّعليل بهذا بأنّ اللّه تعالى قال شبيهاً بذلك في حقّ من ادّعى أنّه ينزّل مثل ما أنزل اللّه ، وأنّه لا أحد أظلم منه ، فقال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبَاً أو قَالَ أُوحِيَ إليَّ ولمْ يُوحَ إليهِ شَيءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثلَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ } فهذا فيمن ادّعى مساواة الخالق في أمره ووحيه ، والأوّل فيمن ادّعى مساواته في خلقه ، وكلاهما من أشدّ النّاس عذاباً . وممّا يحقّق هذا ما توحي به رواية أبي هريرة رضي الله عنه أنّ اللّه تعالى يقول في الحديث القدسيّ : « ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي » فإنّ " ذهب " بمعنى قصد ، بذلك فسّرها ابن حجر . وبذلك يكون معناها أنّه أظلم النّاس بهذا القصد ، وهو أن يقصد أن يخلق كخلق اللّه تعالى. ونقل الجصّاص قولاً أنّ المراد بهذه الأحاديث " من شبّه اللّه بخلقه". 26 - الوجه الثّاني : كون التّصوير وسيلة إلى الغلوّ في غير اللّه تعالى بتعظيمه حتّى يئول الأمر إلى الضّلال والافتنان بالصّور ، فتعبد من دون اللّه تعالى . وذلك أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعث والنّاس ينصبون تماثيل يعبدونها ، يزعمون أنّها تقرّبهم إلى اللّه زلفى ، فجاء الإسلام محطّماً للشّرك والوثنيّة ، معلناً أنّ شعاره الأكبر " لا إله إلا اللّه " ومسفّهاً لعقول هؤلاء . ومن المناهج الّتي سلكتها الشّريعة الحكيمة لذلك - بالإضافة إلى الحجّة والبيان والسّيف والسّنان - أن جاءت إلى ما من شأنه أن يكون وسيلة إلى الضّلال ولا منفعة ، أو منفعته أقلّ ، فمنعت إتيانه ، قال ابن العربيّ : والّذي أوجب النّهي عن التّصوير في شرعنا - واللّه أعلم - ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام ، فكانوا يصوّرون ويعبدون ، فقطع اللّه الذّريعة ، وحمى الباب . ثمّ أشار ابن العربيّ أنّ التّعليل بالمضاهاة وهو منصوص ، لا يمنع من التّعليل بهذه العلّة المستنبطة ، قال : نهى عن الصّورة ، وذكر علّة التّشبّه بخلق اللّه ، وفيها زيادة على هذا عبادتها من دون اللّه ، فنبّه على أنّ عملها معصية ، فما ظنّك بعبادتها . واستند القائلون بهذا الوجه في التّعليل إلى ما في صحيح البخاريّ في تفسير سورة نوح ، معلّقاً . عن عطاء عن ابن عبّاس في : ودّ ، وسواع ، ويغوث ، ويعوق ، ونسر . قال : " هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلمّا هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم : أن انصبوا إلى مجالسهم الّتي كانوا يجلسون إليها أنصاباً ، وسمّوها بأسمائهم ، ففعلوا ، فلم تعبد ، حتّى إذا هلك أولئك ، وتنسخ العلم ، عبدت ". لكن إلى أيّ مدى أرادت الشّريعة المنع من التّصوير لتكفل سدّ الذّريعة : هل إلى منع التّصوير مطلقاً ، أو منع الصّور المنصوبة دون غير المنصوبة ، أو منع الصّور المجسّمة الّتي لها ظلّ ، لأنّها الّتي كانت تعبد ؟ هذا موضع الخلاف بين العلماء . وبناء على هذا الوجه رأى بعض العلماء أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم شدّد أوّلاً وأمر بكسر الأوثان ولطّخ الصّور ، ثمّ لمّا عرف ذلك الأمر واشتهر رخّص في الصّور المسطّحة وقال : « إلا رقماً في ثوب » . 27 - الوجه الثّالث : أنّ العلّة مجرّد الشّبه بفعل المشركين الّذين كانوا ينحتون الأصنام ويعبدونها ، ولو لم يقصد المصوّر ذلك ، ولو لم تعبد الصّورة الّتي يصنعها ، لكنّ الحال شبيهة بالحال . كما نهينا عن الصّلاة عند طلوع الشّمس وعند غروبها ، لئلا نكون في ذلك مثل من يسجد لها حينئذ . كما قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « فإنّه يسجد لها حينئذ الكفّار » فكرهت الصّلاة حينئذ لما تجرّه المشابهة من الموافقة . أشار إلى هذا المعنى ابن تيميّة . ونبّه عليه ابن حجر حيث قال : إنّ صورة الأصنام هي الأصل في منع التّصوير لكن إذا قيل بهذه العلّة فهي لا تقتضي أكثر من الكراهة . 28 - الوجه الرّابع : أنّ وجود الصّورة في مكان يمنع دخول الملائكة إليه . وقد ورد النّصّ على ذلك في حديث عائشة وحديث عليّ . وردّ التّعليل بهذا كثير من العلماء ، منهم الحنابلة ، كما يأتي ، وقالوا : إنّ تنصيص الحديث على أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة لا يقتضي منع التّصوير ، كالجنابة ، فإنّها تمنع دخول الملائكة أيضا لما في بعض الرّوايات « لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ولا كلب ولا جنب » فلا يلزم من ذلك منع الجنابة . ولعلّ امتناع دخول الملائكة إنّما هو لكون الصّورة محرّمة ، كما يحرم على المسلم أن يجلس على مائدة يدار عليها الخمر . فامتناع دخولهم أثر التّحريم ، وليس علّة. واللّه أعلم. تفصيل القول في صناعة الصّور : أوّلاً : الصّور المجسّمة " ذوات الظّلّ " 29 - صنعة الصّور المجسّمة محرّمة عند جمهور العلماء أخذا بالأدلّة السّابقة . ويستثنى منها ما كان مصنوعا كلعبة للصّغار ، أو كان ممتهناً ، أو كان مقطوعاً منه عضو لا يعيش بدونه ، أو كان ممّا لا يدوم كصور الحلوى أو العجين ، على خلاف وتفصيل يتبيّن في المباحث التّالية . ثانياً : صناعة الصّور المسطّحة : القول الأوّل في صناعة الصّور المسطّحة 30 - مذهب المالكيّة ومن ذكر معهم جواز صناعة الصّور المسطّحة مطلقاً ، مع الكراهة . لكن إن كانت فيما يمتهن فلا كراهة بل خلاف الأولى . وتزول الكراهة إذا كانت الصّور مقطوعة عضو لا تبقى الحياة مع فقده . 31 - ومن الحجّة لهذا المذهب ما يلي : - 1 - حديث أبي طلحة وعنه زيد بن خالد الجهنيّ ، ورواه سهل بن حنيف الصّحابيّ رضي الله عنهم ، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ، إلا رقماً في ثوب » فهذا الحديث مقيّد ، فيحمل عليه كلّ ما ورد من النّهي عن التّصاوير ولعن المصوّرين . - 2 - حديث أبي هريرة مرفوعا أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : يقول اللّه تعالى : في الحديث القدسيّ « ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقا كخلقي ، فليخلقوا ذرّة ، أو ليخلقوا حبّة » ووجه الاحتجاج به : أنّ اللّه تعالى لم يخلق هذه الأحياء سطوحا ، بل اخترعها مجسّمة . - 3 - استعمال الصّور في بيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم كما تقدّم أنّها جعلت السّتر مرفقتين ، فكان يرتفق بهما ، وفي بعض الرّوايات " وإنّ فيهما الصّور " . وفي بعض روايات الحديث قالت : « كان لنا ستر فيه تمثال طائر ، وكان الدّاخل إذا دخل استقبله ، فقال لي النّبيّ صلى الله عليه وسلم : حوّلي هذا ، فإنّي كلّما دخلت فرأيته ، ذكرت الدّنيا » فعلّل بذلك ، وكان صلى الله عليه وسلم حريصا على ألا يشغله أمر الدّنيا وزهرتها عن الدّعوة إلى اللّه والتّفرّغ لعبادته . وذلك لا يقتضي التّحريم على أمّته . وفي رواية أنس رضي الله عنه أنّه قال لها : « أميطي عنّا قرامك هذا ، فإنّ تصاويره لا تزال تعرض لي في صلاتي » وعلّل في رواية ثالثة بغير هذا عندما هتك السّتر فقال « يا عائشة لا تستري الجدار » وقال « إنّ اللّه لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطّين » . ويوضّح هذا المعنى جليّاً حديث سفينة رضي الله عنه مولى النّبيّ صلى الله عليه وسلم « أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه دعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، فجاء فوضع يده فرجع ، فقالت فاطمة لعليّ : الحقه فانظر ما رجعه . فتبعه ، فقال : يا رسول اللّه ما ردّك ؟ قال : إنّه ليس لي - أو قال : لنبيّ - أن يدخل بيتاً مزوّقاً » . ورواه عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما عند البخاريّ وأبي داود وفي روايته : « فرأى سترا موشيّا ، وفيها أنّه صلى الله عليه وسلم قال ما لنا وللدّنيا ، ما لنا وللرّقم فقالت فاطمة فما تأمرنا فيه ؟ قال : ترسلين به إلى أهل حاجة » . وفي رواية النّسائيّ أنّه كان في السّتر تصاوير . - 4 - استعمال النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه الدّنانير الرّوميّة والدّراهم الفارسيّة وعليها صور ملوكهم ولم يكن عندهم نقود غيرها إلّا الفلوس . وقد ضرب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه - على ما تذكره الكتب المؤلّفة في تاريخ النّقود - الدّراهم على السّكّة الفارسيّة ، فكان فيها الصّور ، وضرب الدّنانير معاوية رضي الله عنه وعليها الصّور بعد أن محا منها الصّليب ، وضربها عبد الملك وعليها صورته متقلّداً سيفاً ، ثمّ ضربها عبد الملك والوليد خالية من الصّور . - 5 - ما نقل عن بعض الصّحابة والتّابعين من استعمال الصّور في السّتور وغيرها من المسطّحات . من ذلك استعمال زيد بن خالد الجهنيّ رضي الله عنه للسّتور ذات الصّور ، وحديثه في الصّحيحين . واستعمله أبو طلحة رضي الله عنه وأقرّه سهل بن حنيف رضي الله عنه ، وحديثهما في الموطّأ وعند التّرمذيّ والنّسائيّ . واعتمدوا على ما رووه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم من قوله « إلا رقماً في ثوب » . وأخرج ابن أبي شيبة عن عروة بن الزّبير أنّ عروة كان يتّكئ على المرافق " الوسائد " الّتي فيها تصاوير الطّير والرّجال . وروى الطّحاويّ بأسانيده أنّ نقش خاتم عمران بن حصين الصّحابيّ رضي الله عنه كان رجلاً متقلّداً سيفاً . وأنّ نقش خاتم النّعمان بن مقرّن رضي الله عنه قائد فتح فارس ، كان إيلا قابضاً إحدى يديه باسطاً الأخرى ، وعن القاسم قال كان نقش خاتم عبد اللّه ذبّابان ، وكان نقش خاتم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كركيّان ، وروي أنّ نقش خاتم أبي هريرة رضي الله عنه ذبابتان . ونقل ابن أبي شيبة بسنده عن ابن عون أنّه دخل على القاسم بن محمّد بن أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنهم وهو بأعلى مكّة ببيته ، قال : فرأيت في بيته حجلة فيها تصاوير القندس والعنقاء . قال ابن حجر : والقاسم بن محمّد أحد فقهاء المدينة ، وهو راوي حديث عائشة ، وكان من أفضل أهل زمانه . وروى أحمد بسنده عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال : دخلت على ابن عبّاس رضي الله عنهما أعوده من وجع كان به . قلت : فما هذه التّصاوير في الكانون ؟ قال : ألا ترى قد أحرقناها بالنّار . فلمّا خرج المسور قال : اقطعوا رءوس هذه التّماثيل . قالوا : يا أبا العبّاس لو ذهبت بها إلى السّوق كان أنفق لها قال : لا . فأمر بقطع رءوسها . القول الثّاني في صناعة الصّور غير ذوات الظّلّ " أي المسطّحة " : 32 - إنّها محرّمة كصناعة ذوات الظّلّ . وهذا قول جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، ونقل عن كثير من السّلف . واستثنى بعض أصحاب هذا القول الصّور المقطوعة والصّور الممتهنة وأشياء أخرى كما سيأتي في بقيّة هذا البحث . واحتجّوا للتّحريم بإطلاق الأحاديث الواردة في لعن النّبيّ صلى الله عليه وسلم للمصوّرين ، وأنّ المصوّر يعذّب يوم القيامة بأن يكلّف بنفخ الرّوح في كلّ صورة صوّرها . خرج من ذلك صور الأشجار ونحوها ممّا لا روح فيه بالأدلّة السّابق ذكرها، فيبقى ما عداها على التّحريم. قالوا : وأمّا الاحتجاج لإباحة صنع الصّور المسطّحة باستعمال النّبيّ صلى الله عليه وسلم الوسادتين اللّتين فيهما الصّور ، واستعمال الصّحابة والتّابعين لذلك ، فإنّ الاستعمال للصّورة حيث جاز لا يعني جواز تصويرها ، لأنّ النّصّ ورد بتحريم التّصوير ولعن المصوّر ، وهو شيء آخر غير استعمال ما فيه الصّورة . وقد علّل في بعض الرّوايات بمضاهاة خلق اللّه والتّشبيه به ، وذلك إثم غير متحقّق في الاستعمال . ثالثاً : الصّور المقطوعة والصّور النّصفيّة ونحوها : 33 - تقدّم أنّ المالكيّة لا يرون تحريم تصوير الإنسان أو الحيوان - سواء أكانت الصّورة تمثالا مجسّما أو صورة مسطّحة إن كانت ناقصة عضو من الأعضاء الظّاهرة ممّا لا يعيش الحيوان بدونه . كما لو كان مقطوع الرّأس ، أو كان مخروق البطن أو الصّدر . وكذلك يقول الحنابلة ، كما جاء في المغني" إذا كان في ابتداء التّصويرة صورة بدن بلا رأس أو رأس بلا بدن ، أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان ، لم يدخل في النّهي ". وفي الفروع : إن أزيل من الصّور ما لا تبقى الحياة معه لم يكره ، في المنصوص . ومثله صورة شجرة ونحوه وتمثال ، وكذا تصويره . وهذا مذهب الشّافعيّة أيضاً ، ولم ينقل بينهم في ذلك خلاف إلا ما شذّ به المتولّي ، غير أنّهم اختلفوا فيما إذا كان المقطوع غير الرّأس وقد بقي الرّأس . والرّاجح عندهم في هذه الحالة التّحريم ، جاء في أسنى المطالب وحاشيته للرّمليّ : وكذا إن قطع رأس الصّورة . قال الكوهكيوني : وكذا حكم ما صوّر بلا رأس ، وأمّا الرّءوس بلا أبدان فهل تحرم ؟ فيه تردّد . والحرمة أرجح . قال الرّمليّ : وهما وجهان في الحاوي وبناهما على أنّه هل يجوز تصوير حيوان لا نظير له : إن جوّزناه جاز ذلك ، وإلا فلا ، وهو الصّحيح . ويشملهما قوله : ويحرم تصوير حيوان . وظاهر ما في تحفة المحتاج جوازه ، فإنّه قال : وكفقد الرّأس فقد ما لا حياة بدونه . رابعاً : صنع الصّور الخياليّة 34 - ينصّ الشّافعيّة على أنّ الصّور الخياليّة للإنسان أو الحيوان داخلة في التّحريم . قالوا : يحرم ، كإنسان له جناح ، أو بقر له منقار ، ممّا ليس له نظير في المخلوقات . وكلام صاحب روض الطّالب يوحي بوجود قول بالجواز . وواضح أنّ هذا في غير اللّعب الّتي للأطفال ، وقد ورد في حديث عائشة رضي الله عنها : « أنّه كان في لعبها فرس له جناحان ، وأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ضحك لمّا رآها حتّى بدت نواجذه » . خامساً : صنع الصّور الممتهنة 35 - يأتي أنّ أغلب العلماء على جواز اقتناء واستعمال الصّور المجسّمة والمسطّحة . سواء أكانت مقطوعة أم كاملة ، إذا كانت ممتهنة ، كالّتي على أرض أو بساط أو فراش أو وسادة أو نحو ذلك . وبناء على هذا ، ذهب بعض العلماء إلى جواز صنع ما يستعمل على ذلك الوجه ، كنسج الحرير لمن يحلّ له . وهو في الجملة مذهب المالكيّة ، إلا أنّه عندهم خلاف الأولى . وعند الشّافعيّة وجهان : أصحّهما التّحريم . وهو مذهب الحنفيّة كما صرّح به ابن عابدين . ونقل ابن حجر عن المتولّي من الشّافعيّة أنّه أجاز التّصوير على الأرض . ولم نجد للحنابلة تصريحا في هذه المسألة فالظّاهر أنّه عندهم مندرج في تحريم التّصوير . وسيأتي تفصيل القول في معنى الامتهان . سادساً : صناعة الصّور من الطّين والحلوى وما يسرع إليه الفساد 36 - للمالكيّة قولان في صناعة الصّور الّتي لا تتّخذ للإبقاء ، كالّتي تعمل من العجين وأشهر القولين المنع . وكذا نقلهما العدويّ وقال : إنّ القول بالجواز هو لأصبغ . ومثّل له بما يصنع من عجين أو قشر بطّيخ ، لأنّه إذا نشف تقطّع . وعند الشّافعيّة : يحرم صنعها ولا يحرم بيعها . ولم نجد عند غيرهم نصّا في ذلك . سابعاً : صناعة لعب البنات 37 - استثنى أكثر العلماء من تحريم التّصوير وصناعة التّماثيل صناعة لعب البنات . وهو مذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وقد نقل القاضي عياض جوازه عن أكثر العلماء ، وتابعه النّوويّ في شرح مسلم ، فقال :" يستثنى من منع تصوير ما له ظلّ ، ومن اتّخاذه لعب البنات ، لما ورد من الرّخصة في ذلك ". وهذا يعني جوازها ، سواء أكانت اللّعب على هيئة تمثال إنسان أو حيوان ، مجسّمة أو غير مجسّمة ، وسواء أكان له نظير في الحيوانات أم لا ، كفرس له جناحان . وقد اشترط الحنابلة للجواز أن تكون مقطوعة الرّءوس ، أو ناقصة عضو لا تبقى الحياة بدونه . وسائر العلماء على عدم اشتراط ذلك . 38 - واستدلّ الجمهور لهذا الاستثناء بحديث عائشة رضي الله عنها قالت : « كنت ألعب بالبنات عند النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمّعن منه ، فيسرّبهنّ إليّ ، فيلعبن معي » . وفي رواية قالت : « قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر ، وفي سهوتها ستر ، فهبّت ريح ، فكشفت ناحية السّتر عن بنات لعائشة لعب ، فقال : ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بناتي . ورأى بينهنّ فرساً لها جناحان من رقاع ، فقال : ما هذا الّذي أرى وسطهنّ ؟ قالت : فرس . قال : وما هذا الّذي عليه ؟ قالت : جناحان . فقال : فرس له جناحان ؟ قالت : أما سمعت أنّ لسليمان خيلاً لها أجنحة ؟ قالت : فضحك رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حتّى رأيت نواجذه » . وقد علّل المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة هذا الاستثناء لصناعة اللّعب بالحاجة إلى تدريبهنّ على أمر تربية الأولاد . وهذا التّعليل يظهر فيما لو كانت اللّعب على هيئة إنسان ، ولا يظهر في أمر الفرس الّذي له جناحان ، ولذا علّل الحليميّ بذلك وبغيره ، وهذا نصّ كلامه ، قال : للصّبايا في ذلك فائدتان : إحداهما عاجلة والأخرى آجلة . فأمّا العاجلة ، فالاستئناس الّذي في الصّبيان من معادن النّشوء والنّموّ . فإنّ الصّبيّ إن كان أنعم حالاً وأطيب نفساً وأشرح صدراً كان أقوى وأحسن نموّاً ، وذلك لأنّ السّرور يبسط القلب ، وفي انبساطه انبساط الرّوح ، وانتشاره في البدن ، وقوّة أثره في الأعضاء والجوارح . وأمّا الآجلة فإنّهنّ سيعلمن من ذلك معالجة الصّبيان وحبّهم والشّفقة عليهم ، ويلزم ذلك طبائعهنّ ، حتّى إذا كبرن وعاين لأنفسهنّ ما كنّ تسرّين به من الأولاد كنّ لهم بالحقّ كما كنّ لتلك الأشباه بالباطل . هذا وقد نقل ابن حجر في الفتح عن البعض دعوى أنّ صناعة اللّعب محرّمة ، وأنّ جوازها كان أوّلاً ، ثمّ نسخ بعموم النّهي عن التّصوير . ويردّه أنّ دعوى النّسخ معارضة بمثلها ، وأنّه قد يكون الإذن باللّعب لاحقاً . على أنّ في حديث عائشة رضي الله عنها في اللّعب ما يدلّ على تأخّره ، فإنّ فيه أنّ ذلك كان عند رجوع النّبيّ صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك ، فالظّاهر أنّه كان متأخّراً . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية