الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41282" data-attributes="member: 329"><p>ثامناً : التّصوير للمصلحة كالتّعليم وغيره :</p><p>39 - لم نجد أحداً من الفقهاء تعرّض لشيء من هذا ، عدا ما ذكروه في لعب الأطفال : </p><p>أنّ العلّة في استثنائها من التّحريم العامّ هو تدريب البنات على تربية الأطفال كما قال جمهور الفقهاء ، أو التّدريب واستئناس الأطفال وزيادة فرحهم لمصلحة تحسين النّموّ كما قال الحليميّ ، وأنّ صناعة الصّور أبيحت لهذه المصلحة ، مع قيام سبب التّحريم ، وهي كونها تماثيل لذوات الأرواح . والتّصوير بقصد التّعليم والتّدريب نحوهما لا يخرج عن ذلك .</p><p>القسم الثّالث : </p><p>اقتناء الصّور واستعمالها :</p><p>40 - يذهب جمهور العلماء إلى أنّه لا يلزم من تحريم تصوير الصّورة تحريم اقتنائها أو تحريم استعمالها ، فإنّ عمليّة التّصوير لذوات الأرواح ورد فيها النّصوص المشدّدة السّابق ذكرها ، وفيها لعن المصوّر ، وأنّه يعذّب في النّار ، وأنّه أشدّ النّاس أو من أشدّ النّاس عذابا . ولم يرد شيء من ذلك في اقتناء الصّور ، ولم تتحقّق في مستعملها علّة تحريم التّصوير من المضاهاة لخلق اللّه تعالى . </p><p>ومع ذلك فقد ورد ما يدلّ على منع اقتناء الصّورة أو استعمالها ، إلا أنّ الأحاديث الواردة في ذلك ليس فيها ذكر عذاب أو أيّ قرينة تدلّ على أنّ اقتناءها من الكبائر . وبهذا يكون حكم مقتني الصّورة الّتي يحرم اقتناؤها : أنّه قد فعل صغيرة من الصّغائر ، إلا على القول بأنّ الإصرار على الصّغيرة كبيرة ، فيكون كبيرة إن تحقّق الإصرار لا إن لم يتحقّق ، أو لم نقل بأنّ الإصرار على الصّغيرة من الكبائر . </p><p>وقد نبّه إلى الفرق بين التّصوير وبين اقتناء الصّور في الحكم النّوويّ في شرحه لحديث الصّور في صحيح مسلم ، ونبّه إليه الشبراملسي من الشّافعيّة أيضاً ، وعليه يجري كلام أكثر الفقهاء . والأحاديث الدّالّة على منع اقتناء الصّور منها : </p><p>- 1 - « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم هتك السّتر الّذي فيه الصّورة » وفي رواية قال لعائشة : « أخّريه عنّي » . وتقدّم . </p><p>- 2 - ومنها أنّه قال : « إنّ البيت الّذي فيه الصّور لا تدخله الملائكة » . </p><p>- 3 - ومنها حديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أرسله إلى المدينة وقال : لا تدع صورة إلا طمستها » وفي رواية : « "إلا لطّختها " ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته » وفي رواية : « ولا صنما إلا كسرته » . </p><p>41 - وفي مقابل ذلك نقل استعمال النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتّابعين لأنواع من الصّور لذوات الرّوح . وقد تقدّم ذكر الرّوايات المبيّنة لذلك فيما تقدّم ( ف /31 ) ونزيد هنا ما روي أنّ خاتم دانيال النّبيّ - عليه السلام - كان عليه أسد ولبؤة وبينهما صبيّ يلمسانه . وذلك أنّ بختنصّر قيل له : يولد مولود يكون هلاكك على يده ، فجعل يقتل كلّ مولود يولد . فلمّا ولدت أمّ دانيال ألقته في غيضة رجاء أن يسلم . فقيّض اللّه له أسداً يحفظه ولبؤة ترضعه . فنقشه على خاتمه ليكون بمرأى منه ليتذكّر نعمة اللّه . </p><p>ووجدت جثّة دانيال والخاتم في عهد عمر رضي الله عنه فدفع الخاتم إلى أبي موسى الأشعريّ . فهذا فعل صحابيّين . وسيأتي بيان أقوال الفقهاء فيما يجوز استعماله من الصّور وما لا يجوز ، وتوفيقهم بين هذه الأحاديث المتعارضة . </p><p>البيت الّذي فيه الصّور لا تدخله الملائكة :</p><p>42 - ثبت هذا بهذا اللّفظ من قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الصّحيحين وغيرهما من رواية عائشة ، وابن عبّاس ، وابن عمر . وفي غير الصّحيحين من رواية عليّ وميمونة وأبي سعيد وأبي طلحة وزيد بن خالد وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين . </p><p>قال النّوويّ : قال العلماء : سبب امتناعهم من دخول بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق اللّه تعالى ، وبعضها في صورة ما يعبد من دون اللّه ، فعوقب متّخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته ، وصلاتها فيه ، واستغفارها له ، وتبريكها عليه وفي بيته ، ودفعها أذى الشّيطان . وقال القرطبيّ كما في الفتح : إنّما لم تدخل لأنّ متّخذ الصّور قد تشبّه بالكفّار الّذين يتّخذون الصّور في بيوتهم ويعظّمونها ، فكرهت الملائكة ذلك . </p><p>قال النّوويّ : وهؤلاء الملائكة الّذين لا يدخلون بيتا فيه صورة هم ملائكة الرّحمة . </p><p>وأمّا الحَفَظَة فيدخلون كلّ بيت ، ولا يفارقون بني آدم في حال ، لأنّهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها . ثمّ قال النّوويّ : وهو عامّ في كلّ صورة حتّى ما يمتهن . </p><p>ونقل الطّحطاويّ عنه : أنّها تمتنع من الدّخول حتّى من الصّور الّتي على الدّراهم والدّنانير . وفي قول النّوويّ هذا مبالغة وتشدّد ظاهر ، فإنّ في حديث عائشة رضي الله عنها : « أنّها هتكت السّتر وجعلت منه وسادتين ، فكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتّكئ عليهما وفيهما الصّور » . وكان لا يتحرّج من إبقاء الدّنانير أو الدّراهم في بيته وفيها الصّور . ولو كان ذلك يمنع دخول الملائكة بيته ما أبقاها فيه . ولذا قال ابن حجر : يترجّح قول من قال : إنّ الصّورة الّتي تمتنع الملائكة من دخول المكان الّذي تكون فيه هي الّتي تكون على هيئتها مرتفعة غير ممتهنة ، فأمّا لو كانت ممتهنة ، أو غير ممتهنة لكنّها غيّرت هيئتها بقطعها من نصفها أو بقطع رأسها ، فلا امتناع . </p><p>وفي كلام ابن عابدين ما يدلّ على أنّ ظاهر مذهب الحنفيّة : أنّ كلّ صورة لا يكره إبقاؤها في البيت ، لا تمنع دخول الملائكة ، سواء الصّور المقطوعة أو الصّور الصّغيرة أو الصّور المهانة ، أو المغطّاة ونحو ذلك ، ولأنّه ليس في هذه الأنواع تشبّه بعبّادها ، لأنّهم لا يعبدون الصّور الصّغيرة أو المهانة ، بل ينصبونها صورة كبيرة ، ويتوجّهون إليها . </p><p>وقال ابن حبّان : إنّ عدم دخول الملائكة بيتا فيه صور خاصّ بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم . قال : وهو نظير الحديث الآخر : « لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس » إذ هو محمول على رفقة فيها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذ محال أن يخرج الحاجّ والمعتمر لقصد البيت على رواحل لا تصحبها الملائكة وهم وفد اللّه . ومآل هذا القول أنّ المراد بالملائكة ملائكة الوحي ، وهو جبريل عليه السلام دون غيره من الملائكة . </p><p>ونقله ابن حجر عن الدّاوديّ وابن وضّاح ، ومآله إلى اختصاص النّهي بعهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبالمكان الّذي يكون فيه ، وأنّ الكراهة انتهت بوفاته صلى الله عليه وسلم لأنّ الوحي قد انقطع من السّماء .</p><p>اقتناء واستعمال صور المصنوعات البشريّة والجوامد والنّباتات :</p><p>43 - يجوز اقتناء واستعمال صور المصنوعات البشريّة والجوامد والنّباتات ، وسواء أكانت منصوبة أو معلّقة أو موضوعة ممتهنة ، وكذلك لو كانت منقوشة في الحوائط أو السّقوف أو الأرض ، وسواء كانت مسطّحة كما هو معهود ، أو مجسّمة كالزّهور والنّباتات الاصطناعيّة ، ونماذج السّفن والطّائرات والسّيّارات والمنازل والجبال وغيرها ، ومجسّمات تماثيل القبّة السّماويّة بما فيها من الكواكب والنّجوم والقمرين . وسواء استعمل ذلك لحاجة ونفع ، أو لمجرّد الزّينة والتّجميل : فكلّ ذلك لا حرج فيه شرعاً ، إلا أن يحرم لعارض ، كما لو كان خارجا عن المعتاد إلى حدّ الإسراف ، على الأصل في سائر المقتنيات .</p><p>اقتناء واستعمال صور الإنسان والحيوان :</p><p>44 - يجمع العلماء على تحريم استعمال نوع من الصّور ، وهو ما كان صنماً يعبد من دون اللّه تعالى . وأمّا ما عدا ذلك فإنّه لا يخلو شيء منه من خلاف . </p><p>إلا أنّ الّذي تكاد تتّفق كلمة الفقهاء على منعه : هو ما جمع الأمور التّالية : </p><p>أ - أن يكون صورة لذي روح إن كانت الصّورة مجسّمة . </p><p>ب - أن تكون كاملة الأعضاء ، غير مقطوعة عضو من الأعضاء الظّاهرة الّتي لا تبقى الحياة مع فقدها . </p><p>ج - أن تكون منصوبة أو معلّقة في مكان تكريم ، لا إن كانت ممتهنة . </p><p>د - أن لا تكون صغيرة . </p><p>هـ - أن لا تكون من لعب الأطفال أو نحوها . </p><p>و - أن لا تكون ممّا يسرع إليه الفساد . وقد خالف فيما جمع هذه الشّروط قوم لم يسمّوا ، كما تقدّم نقله إلّا أنّه خلاف ضعيف . ونحن نبيّن حكم كلّ نوع ممّا خرج عن هذه الشّروط . أ - استعمال واقتناء الصّور المسطّحة :</p><p>45 - يرى المالكيّة ومن وافقهم أنّ استعمال الصّور المسطّحة ليس محرّما ، بل هو مكروه إن كانت منصوبة ، فإن كانت ممتهنة فاستعمالها خلاف الأولى . </p><p>أمّا عند غير المالكيّة : فالصّور المسطّحة والمجسّمة سواء في التّحريم من حيث الاستعمال، إذا تمّت الشّروط على ما تقدّم .</p><p>ب - استعمال واقتناء الصّور المقطوعة :</p><p>46 - إذا كانت الصّورة - مجسّمة كانت أو مسطّحة - مقطوعة عضو لا تبقى الحياة معه ، فإنّ استعمال الصّورة حينئذ جائز ، وهذا قول جماهير العلماء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وقد وافق على الإباحة هنا بعض من خالف ، فرأى تحريم التّصوير ولكن لم يرد تحريم الاقتناء ، كالشّافعيّة . </p><p>وسواء أكانت الصّورة قد صنعت مقطوعة من الأصل ، أو صوّرت كاملة ثمّ قطع منها شيء لا تبقى الحياة معه . وسواء أكانت منصوبة أو غير منصوبة كما يأتي في المسألة التّالية . </p><p>47 - والحجّة لذلك ما مرّ « أنّ جبريل قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْ برأس التّمثال فليقطع حتّى يكون كهيئة الشّجرة » وفي رواية أنّه قال : « إنّ في البيت ستراً ، وفي الحائط تماثيل ، فاقطعوا رءوسها فاجعلوها بساطا أو وسائد فأوطئوه ، فإنّا لا ندخل بيتاً فيه تماثيل » ولا يكفي أن تكون قد أزيل منها العينان أو الحاجبان أو الأيدي أو الأرجل ، بل لا بدّ أن يكون العضو الزّائل ممّا لا تبقى الحياة معه ، كقطع الرّأس أو محو الوجه ، أو خرق الصّدر أو البطن . قال ابن عابدين : وسواء أكان القطع بخيط خيّط على جميع الرّأس حتّى لم يبق له أثر ، أو بطليه بمغرة ، أو بنحته ، أو بغسله . </p><p>وأمّا قطع الرّأس عن الجسد بخيط مع بقاء الرّأس على حاله فلا ينفي الكراهة ، لأنّ من الطّيور ما هو مطوّق فلا يتحقّق القطع بذلك . وقال صاحب شرح الإقناع من الحنابلة : إن قطع من الصّورة رأسها فلا كراهة ، أو قطع منها ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه فهو كقطع الرّأس كصدرها أو بطنها ، أو جعل لها رأسا منفصلا عن بدنها لأنّ ذلك لم يدخل في النّهي. وقال صاحب منح الجليل من المالكيّة : إنّ ما يحرم ما يكون كامل الأعضاء الظّاهرة الّتي لا يعيش بدونها ولها ظلّ . غير أنّ الشّافعيّة اختلفوا فيما لو كان الباقي الرّأس ، على وجهين : أحدهما : يحرم وهو الرّاجح ، والآخر : لا يحرم . وقطع أيّ جزء لا تبقى الحياة معه يبيح الباقي ، كما لو قطع الرّأس وبقي ما عداه . جاء في أسنى المطالب وحاشيته : وكذا إن قطع رأسها ، قال : الكوهكيوني : وكذا حكم ما صوّر بلا رأس ، وأمّا الرّءوس بلا أبدان فهل تحرم ؟ فيه تردّد . والحرمة أرجح . قال الرّمليّ : وهو وجهان في الحاوي ، وبناهما على أنّه هل يجوز تصوير حيوان لا نظير له : إن جوّزناه جاز ذلك وإلّا فلا ، وهو الصّحيح. وفي حاشية الشّروانيّ وابن قاسم : إنّ فقد النّصف الأسفل كفقد الرّأس . </p><p>48 - ويكفي للإباحة أن تكون الصّورة قد خرق صدرها أو بطنها ، بذلك صرّح الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة . قال ابن عابدين : هل من ذلك ما لو كانت مثقوبة البطن مثلا : الظّاهر أنّه لو كان الثّقب كبيرا يظهر به نقصها فنعم ، وإلا فلا ، كما لو كان الثّقب لوضع عصا تمسك بها ، كمثل صور خيال الظّلّ الّتي يلعب بها ، لأنّها تبقى معه صورة تامّة ، وهذا الّذي قاله في صور الخيال خالفه فيه بعض الشّافعيّة ، فرأوا أنّ الخرق الّذي يكون في وسطها كاف في إزالة الكراهة كما صرّح بذلك الشّيخ إبراهيم الباجوريّ ، ويأتي النّقل عنه في بحث النّظر إلى الصّور</p><p>ج - استعمال واقتناء الصّور المنصوبة والصّور الممتهنة :</p><p>49 - يرى الجمهور أنّ الصّور لذوات الأرواح - مجسّمة كانت أو غير مجسّمة - يحرم اقتناؤها على هيئة تكون فيها معلّقة أو منصوبة ، وهذا في الصّور الكاملة الّتي لم يقطع فيها عضو لا تبقى الحياة معه ، فإن قطع منها عضو - على التّفصيل المتقدّم في الفقرة السّابقة - جاز نصبها وتعليقها ، وإن كانت مسطّحة جاز تعليقها مع الكراهة عند المالكيّة . ونقل عن القاسم بن محمّد إجازة تعليق الصّور الّتي في الثّياب ، وهو راوي حديث عائشة في لعن المصوّرين ، وكان من خير أهل المدينة فقهاً وورعاً . </p><p>وأمّا إذا اقتنيت الصّورة - وهي ممتهنة - فلا بأس بذلك عند الجمهور ، كما لو كانت في الأرض أو في بساط مفروش أو فراش أو نحو ذلك . وقد نصّ الحنابلة والمالكيّة على أنّها غير مكروهة أيضاً ، إلا أنّ المالكيّة قالوا : إنّها حينئذ خلاف الأولى . </p><p>ووجّهوا التّفريق بين المنصوب والممتهن : بأنّها إذا كانت مرفوعة تكون معظّمة وتشبه الأصنام . أمّا الّذي في الأرض ونحوه فلا يشبهها ، لأنّ أهل الأصنام ينصبونها ويعبدونها ولا يتركونها مهانة . وقد يظنّ أنّه لا يجوز بقاء الصّورة المقطوعة منصوبة ، إلا أنّه قد ورد في السّنّة ما يدلّ على جوازها ، وهو ما نقلناه سابقاً من « أنّ جبريل عليه السلام قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْ برأس التّمثال فليقطع حتّى يكون كهيئة الشّجرة » وقوله في حديث آخر : « فإن كنت لا بدّ فاعلاً فاقطع رءوسها أو اقطعها وسائد أو اجعلها بسطاً » فإنّها تدلّ على جواز بقائها بعد القطع منصوبة . ومن الدّليل على بقاء الصّورة الممتهنة في البيت الحديث المتقدّم عن عائشة رضي الله عنها : « أنّها قطعت السّتر وجعلته وسادتين ، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتّكئ عليهما وفيهما الصّور » . </p><p>وقد ورد عن عكرمة قال : كانوا يكرهون ما نصب من التّماثيل ولا يرون بأساً بما وطئته الأقدام . وكان القاسم بن محمّد يتّكئ على مخدّة فيها تصاوير . </p><p>ولذا قال ابن حجر بعد ذكر قطع رأس التّمثال : في هذا الحديث ترجيح قول من ذهب إلى أنّ الصّورة الّتي تمتنع الملائكة من دخول البيت الّذي هي فيه : ما تكون فيه منصوبة باقية على هيئتها . أمّا لو كانت ممتهنة ، أو كانت غير ممتهنة لكنّها غيّرت هيئتها إمّا بقطع رأسها أو بقطعها من نصفها فلا امتناع . </p><p>50 - والنّصب المنهيّ عنه قال بعض الشّافعيّة : أيّ نصب كان . حتّى إنّ استعمال إبريق فيه صور تردّد فيه صاحب المهمّات ، ومال إلى المنع ، أي لأنّه يكون منصوباً . </p><p>وقالوا في الوساد : إن استعملت منصوبة حرم ، وإن استعملت غير منصوبة جاز . </p><p>وذهب بعض آخر من العلماء إلى أنّ النّصب المنهيّ عنه خاصّة ما يظهر فيه التّعظيم ، فقد قال الجوينيّ : إنّ ما على السّتور والثّياب من الصّور لا يحرم ، لأنّ ذلك امتهان له . </p><p>وهذا يوافق ما تقدّم عن القاسم بن محمّد . </p><p>وقال الرّافعيّ : إنّ نصب الصّور في حمّام أو ممرّ لا يحرم ، بخلاف ما كان منصوبا في المجالس وأماكن التّكريم . أي لأنّها في الممرّ والحمّام مهانة ، وفي المجالس مكرّمة . وظاهر كلام صاحب المغني من الحنابلة أنّ نصب الصّور في الحمّام ونحوه محرّم . </p><p>هذا ، وممّا نصّ الشّافعيّة على أنّه من الصّور المهانة : ما كان في نحو قصعة وخوان وطبق . ويلتحق بالممتهنة - عند بعض الشّافعيّة - الصّور الّتي على النّقود . قال الرّمليّ : وعندي أنّ الدّنانير الرّوميّة الّتي عليها الصّور من القسم الّذي لا ينكر ، لامتهانها بالإنفاق والمعاملة ، وقد كان السّلف رضي الله عنهم يتعاملون بها من غير نكير ، ولم تحدث الدّراهم الإسلاميّة إلا في عهد عبد الملك بن مروان كما هو معروف . وقال مثله الزّركشيّ . </p><p>51 - هذا بيان حكم ما ظهر فيه التّعظيم ، أو ظهرت فيه الإهانة . أمّا ما لم يظهر فيه أيّ من المعنيين ، وذلك في مثل الصّورة المطبوعة في كتاب ، أو الموضوعة في درج أو خزانة أو على منضدة ، من غير نصب . ففي كلام القليوبيّ نقلا عن ابن حجر وغيره : يجوز لبس ما عليه صورة الحيوان ودوسه ووضعه في صندوق أو مغطّى . </p><p>وفي مختصر المزنيّ ما يدلّ على قصر التّحريم على المنصوب ، وذلك في قوله : وصورة ذات روح إن كانت منصوبة .</p><p>وروى ابن شيبة عن حمّاد عن إبراهيم أنّه قال : لا بأس في حلية السّيف ولا بأس بها - أي بالتّماثيل - في سماء البيت - أي السّقف - ، وإنّما يكره منها ما نصب نصباً . </p><p>وأصل ذلك مرويّ عن سالم بن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهم ، ففي مسند الإمام أحمد عن ليث بن أبي سليم أنّه قال : دخلت على سالم وهو متّكئ على وسادة فيها تماثيل طير ووحش ، فقلت : أليس يكره هذا ؟ قال : لا ، إنّما يكره منها ما نصب نصباً .</p><p>استعمال لعب الأطفال المجسّمة وغير المجسّمة :</p><p>52 - تقدّم أنّ قول الجمهور جواز صناعة اللّعب المذكورة . فاستعمالها جائز من باب أولى ، ونقل القاضي عياض جوازه عن العلماء ، وتابعه النّوويّ في شرح صحيح مسلم ، قال : قال القاضي : يرخّص لصغار البنات . والمراد بصغار البنات من كان غير بالغ منهنّ . وقال الخطّابيّ : وإنّما أرخص لعائشة فيها لأنّها إذ ذاك كانت غير بالغ . قال ابن حجر : وفي الجزم به نظر ، لكنّه محتمل ، لأنّ عائشة رضي الله عنها كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة ، وأمّا في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعا فهذا يدلّ على أنّ التّرخيص ليس قاصراً على من دون البلوغ منهنّ، بل يتعدّى إلى مرحلة ما بعد البلوغ ما دامت الحاجة قائمة لذلك. 53 - والعلّة في هذا التّرخيص تدريبهنّ عن شأن تربية الأولاد ، وتقدّم النّقل عن الحليميّ : أنّ من العلّة أيضاً استئناس الصّبيان وفرحهم . وإنّ ذلك يحصل لهم به النّشاط والقوّة والفرح وحسن النّشوء ومزيد التّعلّم . فعلى هذا لا يكون الأمر قاصراً على الإناث من الصّغار ، بل يتعدّاه إلى الذّكور منهم أيضاً . </p><p>وممّن صرّح به أبو يوسف : ففي القنية عنه : يجوز بيع اللّعبة ، وأن يلعب بها الصّبيان . </p><p>54 - وممّا يؤكّد جواز اللّعب المصوّرة للصّبيان - بالإضافة إلى البنات - ما ثبت في الصّحيحين عن الرّبيّع بنت معوّذ الأنصاريّة رضي الله عنها أنّها قالت : </p><p>« أرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار الّتي حول المدينة : من كان أصبح صائماً فليتمّ صومه ، ومن كان أصبح مفطراً فليتمّ بقيّة يومه . فكنّا بعد ذلك نصومه ونصوّم صبياننا الصّغار منهم إن شاء اللّه ، ونذهب بهم إلى المسجد ، فنجعل - وفي رواية : فنصنع - لهم اللّعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطّعام أعطيناه إيّاه حتّى يكون عند الإفطار » . </p><p>55 - وانفرد الحنابلة باشتراط أن تكون اللّعبة المصوّرة بلا رأس ، أو مقطوعة الرّأس كما تقدّم ، ومرادهم أنّه لو كان الباقي الرّأس ، أو كان الرّأس منفصلا عن الجسد جاز ، كما تقدّم . وقالوا : للوليّ شراء لعب غير مصوّرة لصغيرة تحت حجره من مالها نصّاً، للتّمرين. </p><p>لبس الثّياب الّتي فيها الصّور :</p><p>56 - يكره عند الحنفيّة والمالكيّة لبس الثّياب الّتي فيها الصّور ، قال صاحب الخلاصة من الحنفيّة : صلّى فيها أو لا . لكن تزول الكراهة عند الحنفيّة بما لو لبس الإنسان فوق الصّورة ثوبا آخر يغطّيها ، فإن فعل فلا تكره الصّلاة فيه . </p><p>وعند الشّافعيّة : يجوز لبس الثّياب الّتي فيها صور حيث نصّوا على أنّ الصّورة في الثّوب الملبوس منكر ، لكنّ اللّبس امتهان له فيجوز حينئذ . كما لو كان ملقى بالأرض ويداس . والأوجه كما قال الشّروانيّ أنّه لا يكون من المنكر إذا كان ملقى بالأرض ( أي مطلقا ) . </p><p>أمّا الحنابلة : فقد اختلف قولهم في لبس الثّوب الّذي فيه الصّورة على وجهين : </p><p>أحدهما : التّحريم ، وهو قول أبي الخطّاب قدّمه في الفروع والمحرّر . </p><p>والآخر : أنّه مكروه فقط وليس محرّما ، قدّمه ابن تميم . </p><p>ووجه القول بعدم التّحريم أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إلا رقماً في ثوب » .</p><p>استعمال واقتناء الصّور الصّغيرة في الخاتم والنّقود أو نحو ذلك :</p><p>57 - يصرّح الحنفيّة أنّ الصّور الصّغيرة لا يشملها تحريم الاقتناء والاستعمال ، بناء على أنّه ليس من عادة عبّاد الصّور أن يستعملوها كذلك . وضبطوا حدّ الصّغر بضوابط مختلفة . قال بعضهم : أن تكون بحيث لا تبدو للنّاظر إلا بتبصّر بليغ . </p><p>وقال بعضهم : أن لا تبدو من بعيد . وقال صاحب الدّرّ : هي الّتي لا تتبيّن تفاصيل أعضائها للنّاظر قائما وهي على الأرض . وقيل : هي ما كانت أصغر من حجم طائر . وهذا يذكرونه في بيان أنّها لا تكره للمصلّي . لكن قال ابن عابدين : ظاهر كلام علمائنا أنّ ما لا يؤثّر كراهة في الصّلاة لا يكره إبقاؤه . وقد صرّح في الفتح وغيره بأنّ الصّورة الصّغيرة لا تكره في البيت ، ونقل أنّه كان على خاتم أبي هريرة ذبابتان . </p><p>وفي التتارخانية : لو كان على خاتم فضّة تماثيل لا يكره ، وليست كتماثيل في الثّياب ، لأنّه صغير . وقد تقدّم النّقل عن بعض الصّحابة أنّهم استعملوا الصّور في الخواتم ، فكان نقش خاتم عمران بن حصين رضي الله عنه رجلاً متقلّدا سيفاً ، وكان نقش خاتم حذيفة رضي الله عنه كركيّين ، وكان على خاتم النّعمان بن مقرّن رضي الله عنه إيّل . </p><p>ولا يختلف حكم الصّور الصّغيرة عن الصّور الكبيرة عند غير الحنفيّة . إلا أنّ الصّور الّتي على الدّراهم والدّنانير جائزة عند الشّافعيّة لا لصغرها ، ولكن لأنّها ممتهنة كما تقدّم . </p><p>وقد صرّح الحنابلة أنّه لا ينبغي لبس الخاتم الّذي فيه الصّورة .</p><p>النّظر إلى الصّور :</p><p>58 - يحرم التّفرّج على الصّور المحرّمة عند المالكيّة والشّافعيّة . لكن إذا كانت مباحة الاستعمال - كما لو كانت مقطوعة أو مهانة - فلا يحرم التّفرّج عليها . </p><p>قال الدّردير في تعليل تحريم النّظر : لأنّ النّظر إلى الحرام حرام . </p><p>ولا يحرم النّظر إلى الصّورة المحرّمة من حيث هي صور عند الحنابلة . </p><p>ونقل ابن قدامة أنّ النّصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه حين قدم الشّام طعاماً فدعوه ، فقال :" أين هو ؟ قال : في الكنيسة . فأبى أن يذهب : وقال لعليّ رضي الله عنه : امض بالنّاس فليتغدّوا . فذهب عليّ رضي الله عنه بالنّاس فدخل الكنيسة ، وتغدّى هو والنّاس ، وجعل عليّ ينظر إلى الصّور ، وقال : ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل ". </p><p>ولم نجد نصّاً عند الحنفيّة في ذلك . لكن قال ابن عابدين : هل يحرم النّظر بشهوة إلى الصّورة المنقوشة ؟ محلّ تردّد ، ولم أره ، فليراجع . </p><p>فظاهره أنّه مع عدم الشّهوة لا يحرم . على أنّه قد علم من مذهب الحنفيّة دون سائر المذاهب : أنّ الرّجل إذا نظر إلى فرج امرأة بشهوة ، فإنّها تنشأ بذلك حرمة المصاهرة ، لكن لو نظر إلى صورة الفرج في المرآة فلا تنشأ تلك الحرمة ، لأنّه يكون قد رأى عكسه لا عينه . ففي النّظر إلى الصّورة المنقوشة لا تنشأ حرمة المصاهرة من باب أولى . </p><p>59 - وعند الشّافعيّة : لا يحرم النّظر - ولو بشهوة - في الماء أو المرآة . </p><p>قالوا : لأنّ هذا مجرّد خيال امرأة وليس امرأة . </p><p>وقال الشّيخ الباجوريّ : يجوز التّفرّج على صور حيوان غير مرفوعة . أو على هيئة لا تعيش معها ، كأن كانت مقطوعة الرّأس أو الوسط ، أو مخرّقة البطون . </p><p>قال : ومنه يعلم جواز التّفرّج على خيال الظّلّ المعروف ، لأنّها شخوص مخرّقة البطون . </p><p>وفي صحيح البخاريّ عن عائشة رضي الله عنها قالت : « قال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : أريتك في المنام ، يجيء بك الملك في سرقة من حرير ، فقال لي : هذه امرأتك ، فكشفت عن وجهك الثّوب ، فإذا أنت هي » قال ابن حجر : عند الآجرّيّ من وجه آخر عن عائشة : « لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يتزوّجني » ففي هذا الحديث نظر الرّجل إلى المرأة الّتي يحلّ له النّظر إليها ، ما لم تكن الصّورة محرّمة ، على ما تقدّم من التّفصيل والخلاف . واللّه أعلم .</p><p>الدّخول إلى مكان فيه صور :</p><p>60 - يجوز الدّخول إلى مكان يعلم الدّاخل إليه أنّ فيه صوراً منصوبة على وضع محرّم ، ولو كان يعلم بذلك قبل الدّخول ، ولو دخل لا يجب عليه الخروج . </p><p>هذا كلّه مذهب الحنابلة . قال أحمد في رواية الفضل عنه ، لمن سأله قائلاً : إن لم ير الصّور إلا عند وضع الخوان بين أيديهم . أيخرج ؟ قال : لا تضيِّق علينا . إذا رأى الصّور وبّخهم ونهاهم . يعني : ولا يخرج . قال المرداويّ في تصحيح الفروع : هذا هو الصّحيح من قولين عندهم ، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد . وقطع به في المغني ، قال : لأنّ « النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام ، فقال : قاتلهم اللّه ، لقد علموا أنّهما لم يستقسما بها قطّ » قالوا : ولأنّه كان في شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذّمّة أن يوسّعوا أبواب كنائسهم للمسلمين ، ليدخلوها للمبيت بها ، وللمارّة بدوابّهم . وذكروا قصّة عليّ في دخولها بالمسلمين ونظره إلى الصّورة كما تقدّم . قالوا : ولا يمنع من ذلك ما ورد « أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة » ، لأنّ ذلك لا يوجب علينا تحريم دخوله ، كما لا يوجب علينا الامتناع من دخول بيت فيه كلب أو جنب أو حائض ، مع أنّه قد ورد أنّ الملائكة لا تدخله . </p><p>61 - ومثل هذا مذهب المالكيّة في الصّور المجسّمة الّتي ليست على وضع محرّم عندهم ، أو غير المجسّمة . أمّا المحرّمة فإنّها تمنع وجوب إجابة الدّعوة على ما يأتي . </p><p>ولم نجد في كلامهم ما يبيّن حكم الدّخول إلى مكان هي فيه . </p><p>62 - واختلف مذهب الشّافعيّة في ذلك ، والرّاجح عندهم - وهو القول المرجوح عند الحنابلة - أنّه يحرم الدّخول إلى مكان فيه صور منصوبة على وضع محرّم . </p><p>قالوا : لأنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة . قال الشّافعيّ رحمه الله :" إن رأى صوراً في الموضع ذوات أرواح لم يدخل المنزل الّذي فيه تلك الصّور إن كانت منصوبة لا توطأ ، فإن كانت توطأ فلا بأس أن يدخله ". والقول الثّاني للشّافعيّة : عدم تحريم الدّخول ، بل يكره . وهو قول صاحب التّقريب والصّيدلانيّ ، والإمام ، والغزاليّ في الوسيط ، والإسنويّ . </p><p>قالوا : وهذا إن كانت الصّور في محلّ الجلوس ، فإن كانت في الممرّ أو خارج باب الجلوس لا يكره الدّخول ، لأنّها تكون كالخارجة من المنزل . وقيل : لأنّها في الممرّ ممتهنة .</p><p>إجابة الدّعوة إلى مكان فيه صور :</p><p>63 - إجابة الدّعوة إلى الوليمة - وهي طعام العرس - واجبة عند الجمهور ، لحديث </p><p>« من لم يجب الدّعوة فقد عصى اللّه ورسوله » وقيل هي : سنّة . وإجابة الدّعوة لغيرها مستحبّة . وفي جميع الأحوال إذا كان في المكان صور على وضع محرّم - ومثلها أي منكر ظاهر - وعلم بذلك المدعوّ قبل مجيئه ، فقد اتّفق الفقهاء على أنّ الإجابة لا تكون واجبة ، لأنّ الدّاعي يكون قد أسقط حرمة نفسه بارتكابه المنكر ، فتترك الإجابة عقوبة له وزجراً عن فعله . وقال البعض - كالشّافعيّة - : تحرم الإجابة حينئذ . </p><p>ثمّ قيل : إنّه إذا علم أنّها بحضوره تزال ، أو يمكنه إزالتها ، فيجب الحضور لذلك . </p><p>وفي المسألة اختلاف وتفصيل ينظر تحت عنوان ( دعوة )</p><p>ما يصنع بالصّورة المحرّمة إذا كانت في شيء ينتفع به :</p><p>64 - ينبغي إخراج الصّورة عن وضعها المحرّم إلى وضع تخرج فيه عن الحرمة ، ولا يلزم إتلافها بالكلّيّة ، بل يكفي حطّها إن كانت منصوبة . فإن كان لا بدّ من بقائها في مكانها ، فيكفي قطع الرّأس عن البدن ، أو خرق الصّدر أو البطن ، أو حكّ الوجه من الجدار ، أو محوه أو طمسه بطلاء يذهب معالمه ، أو يغسل الصّورة إن كانت ممّا يمكن غسله . وإن كانت في ثوب معلّق أو ستر منصوب ، فيكفي أن ينسج عليها ما يغطّي رأسها . </p><p>قال ابن عابدين : ولو أنّه قطع الرّأس عن الجسد بخيط - مع بقاء الرّأس على حاله - فلا ينفي الكراهة ، لأنّ من الطّيور ما هو مطوّق ، فلا يتحقّق القطع بذلك . </p><p>65 - والدّليل لهذه المسألة ما في حديث عليّ رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه إلى المدينة وأمره أن يسوّي كلّ قبر ، ويكسر كلّ صنم ، ويطمس كلّ صورة » . وفي روايات مسند أحمد للحديث وردت العبارات الآتية : أن يلطّخ الصّورة ، أو أن يلطّخها ، أو ينحتها ، أو يضعها ، ورواية الوضع صحيحة . وليس في شيء من تلك الرّوايات كسر الصّورة أو إتلافها كما نصّ على كسر الأصنام . ومن الدّليل أيضا حديث عائشة رضي الله عنها في شأن السّتر الّذي فيه الصّور ، وفيه أنّه قال : « أخّريه عنّي » ، وفي رواية « أنّه هتكه بيده » ، وفي أخرى « أنّه أمر بجعله وسائد » .</p><p>الصّور والمصلّي :</p><p>66 - اتّفقت كلمة الفقهاء على أنّ من صلّى وفي قبلته صورة حيوان محرّمة فقد فعل مكروها ، لأنّه يشبه سجود الكفّار لأصنامهم ، وإن لم يقصد التّشبّه . </p><p>أمّا إن كانت الصّورة في غير القبلة : كأن كانت في البساط ، أو على جانب المصلّي في الجدار ، أو خلفه ، أو فوق رأسه في السّقف ، فقد اختلفت كلمتهم في ذلك . فقال الحنفيّة - كما في الدّرّ وحاشية الطّحطاويّ - يكره للمصلّي لبس ثوب فيه تماثيل ذي روح ، وأن يكون فوق رأسه ، أو بين يديه ، أو بحذائه يمنة أو يسرة ، أو محلّ سجوده تمثال . </p><p>واختلف فيما إذا كان التّمثال خلفه . والأظهر : الكراهة . ولا يكره لو كانت تحت قدميه أو محلّ جلوسه إن كان لا يسجد عليها ، أو في يده ، أو كانت مستترة بكيس أو صرّة أو ثوب ، أو كانت صغيرة ، لأنّ الصّغيرة لا تعبد ، فليس لها حكم الوثن . </p><p>ونصّ الشّافعيّة - كما في أسنى المطالب - على أنّه يكره للمصلّي أن يلبس ثوباً فيه تصوير ، وأن يصلّي إليه أو عليه . ونصّ الحنابلة على أنّه تكره الصّلاة إلى صورة منصوبة ، نصّ عليه أحمد . قال البهوتيّ : وظاهره ولو كانت الصّورة صغيرة لا تبدو للنّاظر إليها ، ولا تكره إلى غير منصوبة ، ولا يكره سجود ولو على صورة ، ولا صورة خلفه في البيت ، ولا فوق رأسه في السّقف أو عن أحد جانبيه . وأمّا السّجود على الصّورة فيكره عند الشّيخ تقيّ الدّين يعني ابن تيميّة ، وقال في الفروع : لا يكره ، لأنّه لا يصدق عليه أنّه صلّى إليها. ويكره حمله فصّاً فيه صورة أو حمله ثوباً ونحوه كدينار أو درهم فيه صورة . </p><p>ولم نجد للمالكيّة تعرّضا لهذه المسألة ، إلا أنّهم ذكروا تزويق قبلة المسجد أو أيّ جزء منه كما يأتي بعد هذا .</p><p>الصّور في الكعبة والمساجد وأماكن العبادة :</p><p>67 - ينبغي تنزيه أماكن العبادة عن وجود الصّور فيها ، لئلا يئول الأمر إلى عبادتها ، كما تقدّم من قول ابن عبّاس : أنّ أصل عبادة قوم نوح لأصنامهم ، أنّهم كانوا رجالاً صالحين ، فلمّا ماتوا صوّروهم ثمّ عبدوهم . وأيضاً فقد تقدّم أنّ من الفقهاء من يقول بكراهة الصّلاة مع وجود الصّورة ، ولو كانت إلى جانب المصلّي أو خلفه أو في مكان سجوده . </p><p>والمساجد تجنّب المكروهات كما تجنّب المحرّمات . </p><p>68 - وقد ورد من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فوجد فيها صورة إبراهيم وصورة مريم عليهما السلام فقال : أمّا هم فقد سمعوا أنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ، هذا إبراهيم مصوّر فما له يستقسم » وفي رواية « أنّه لمّا رأى الصّور في البيت لم يدخل حتّى أمر بها فمحيت ، ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام . فقال : قاتلهم اللّه ، واللّه إن استقسما بالأزلام قطّ » . وورد « أنّ النّبيّ أمر بالصّور كلّها فمحيت ، فلم يدخل الكعبة وفيها من الصّور شيء » . وفي الصّحيحين عن عائشة رضي الله عنها « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا اشتكى ذكر بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها مارية ، وكانت أمّ سلمة وأمّ حبيبة أتتا أرض الحبشة ، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها ، فرفع رأسه فقال : أولئك إذا مات فيهم الرّجل الصّالح بنوا على قبره مسجدا ، ثمّ صوّروا فيه تلك الصّور ، أولئك شرار الخلق » فهذا يفيد تحريم الصّور في المساجد . واللّه أعلم .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41282, member: 329"] ثامناً : التّصوير للمصلحة كالتّعليم وغيره : 39 - لم نجد أحداً من الفقهاء تعرّض لشيء من هذا ، عدا ما ذكروه في لعب الأطفال : أنّ العلّة في استثنائها من التّحريم العامّ هو تدريب البنات على تربية الأطفال كما قال جمهور الفقهاء ، أو التّدريب واستئناس الأطفال وزيادة فرحهم لمصلحة تحسين النّموّ كما قال الحليميّ ، وأنّ صناعة الصّور أبيحت لهذه المصلحة ، مع قيام سبب التّحريم ، وهي كونها تماثيل لذوات الأرواح . والتّصوير بقصد التّعليم والتّدريب نحوهما لا يخرج عن ذلك . القسم الثّالث : اقتناء الصّور واستعمالها : 40 - يذهب جمهور العلماء إلى أنّه لا يلزم من تحريم تصوير الصّورة تحريم اقتنائها أو تحريم استعمالها ، فإنّ عمليّة التّصوير لذوات الأرواح ورد فيها النّصوص المشدّدة السّابق ذكرها ، وفيها لعن المصوّر ، وأنّه يعذّب في النّار ، وأنّه أشدّ النّاس أو من أشدّ النّاس عذابا . ولم يرد شيء من ذلك في اقتناء الصّور ، ولم تتحقّق في مستعملها علّة تحريم التّصوير من المضاهاة لخلق اللّه تعالى . ومع ذلك فقد ورد ما يدلّ على منع اقتناء الصّورة أو استعمالها ، إلا أنّ الأحاديث الواردة في ذلك ليس فيها ذكر عذاب أو أيّ قرينة تدلّ على أنّ اقتناءها من الكبائر . وبهذا يكون حكم مقتني الصّورة الّتي يحرم اقتناؤها : أنّه قد فعل صغيرة من الصّغائر ، إلا على القول بأنّ الإصرار على الصّغيرة كبيرة ، فيكون كبيرة إن تحقّق الإصرار لا إن لم يتحقّق ، أو لم نقل بأنّ الإصرار على الصّغيرة من الكبائر . وقد نبّه إلى الفرق بين التّصوير وبين اقتناء الصّور في الحكم النّوويّ في شرحه لحديث الصّور في صحيح مسلم ، ونبّه إليه الشبراملسي من الشّافعيّة أيضاً ، وعليه يجري كلام أكثر الفقهاء . والأحاديث الدّالّة على منع اقتناء الصّور منها : - 1 - « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم هتك السّتر الّذي فيه الصّورة » وفي رواية قال لعائشة : « أخّريه عنّي » . وتقدّم . - 2 - ومنها أنّه قال : « إنّ البيت الّذي فيه الصّور لا تدخله الملائكة » . - 3 - ومنها حديث عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أرسله إلى المدينة وقال : لا تدع صورة إلا طمستها » وفي رواية : « "إلا لطّختها " ولا قبراً مشرفاً إلا سوّيته » وفي رواية : « ولا صنما إلا كسرته » . 41 - وفي مقابل ذلك نقل استعمال النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتّابعين لأنواع من الصّور لذوات الرّوح . وقد تقدّم ذكر الرّوايات المبيّنة لذلك فيما تقدّم ( ف /31 ) ونزيد هنا ما روي أنّ خاتم دانيال النّبيّ - عليه السلام - كان عليه أسد ولبؤة وبينهما صبيّ يلمسانه . وذلك أنّ بختنصّر قيل له : يولد مولود يكون هلاكك على يده ، فجعل يقتل كلّ مولود يولد . فلمّا ولدت أمّ دانيال ألقته في غيضة رجاء أن يسلم . فقيّض اللّه له أسداً يحفظه ولبؤة ترضعه . فنقشه على خاتمه ليكون بمرأى منه ليتذكّر نعمة اللّه . ووجدت جثّة دانيال والخاتم في عهد عمر رضي الله عنه فدفع الخاتم إلى أبي موسى الأشعريّ . فهذا فعل صحابيّين . وسيأتي بيان أقوال الفقهاء فيما يجوز استعماله من الصّور وما لا يجوز ، وتوفيقهم بين هذه الأحاديث المتعارضة . البيت الّذي فيه الصّور لا تدخله الملائكة : 42 - ثبت هذا بهذا اللّفظ من قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الصّحيحين وغيرهما من رواية عائشة ، وابن عبّاس ، وابن عمر . وفي غير الصّحيحين من رواية عليّ وميمونة وأبي سعيد وأبي طلحة وزيد بن خالد وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين . قال النّوويّ : قال العلماء : سبب امتناعهم من دخول بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق اللّه تعالى ، وبعضها في صورة ما يعبد من دون اللّه ، فعوقب متّخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته ، وصلاتها فيه ، واستغفارها له ، وتبريكها عليه وفي بيته ، ودفعها أذى الشّيطان . وقال القرطبيّ كما في الفتح : إنّما لم تدخل لأنّ متّخذ الصّور قد تشبّه بالكفّار الّذين يتّخذون الصّور في بيوتهم ويعظّمونها ، فكرهت الملائكة ذلك . قال النّوويّ : وهؤلاء الملائكة الّذين لا يدخلون بيتا فيه صورة هم ملائكة الرّحمة . وأمّا الحَفَظَة فيدخلون كلّ بيت ، ولا يفارقون بني آدم في حال ، لأنّهم مأمورون بإحصاء أعمالهم وكتابتها . ثمّ قال النّوويّ : وهو عامّ في كلّ صورة حتّى ما يمتهن . ونقل الطّحطاويّ عنه : أنّها تمتنع من الدّخول حتّى من الصّور الّتي على الدّراهم والدّنانير . وفي قول النّوويّ هذا مبالغة وتشدّد ظاهر ، فإنّ في حديث عائشة رضي الله عنها : « أنّها هتكت السّتر وجعلت منه وسادتين ، فكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتّكئ عليهما وفيهما الصّور » . وكان لا يتحرّج من إبقاء الدّنانير أو الدّراهم في بيته وفيها الصّور . ولو كان ذلك يمنع دخول الملائكة بيته ما أبقاها فيه . ولذا قال ابن حجر : يترجّح قول من قال : إنّ الصّورة الّتي تمتنع الملائكة من دخول المكان الّذي تكون فيه هي الّتي تكون على هيئتها مرتفعة غير ممتهنة ، فأمّا لو كانت ممتهنة ، أو غير ممتهنة لكنّها غيّرت هيئتها بقطعها من نصفها أو بقطع رأسها ، فلا امتناع . وفي كلام ابن عابدين ما يدلّ على أنّ ظاهر مذهب الحنفيّة : أنّ كلّ صورة لا يكره إبقاؤها في البيت ، لا تمنع دخول الملائكة ، سواء الصّور المقطوعة أو الصّور الصّغيرة أو الصّور المهانة ، أو المغطّاة ونحو ذلك ، ولأنّه ليس في هذه الأنواع تشبّه بعبّادها ، لأنّهم لا يعبدون الصّور الصّغيرة أو المهانة ، بل ينصبونها صورة كبيرة ، ويتوجّهون إليها . وقال ابن حبّان : إنّ عدم دخول الملائكة بيتا فيه صور خاصّ بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم . قال : وهو نظير الحديث الآخر : « لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس » إذ هو محمول على رفقة فيها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذ محال أن يخرج الحاجّ والمعتمر لقصد البيت على رواحل لا تصحبها الملائكة وهم وفد اللّه . ومآل هذا القول أنّ المراد بالملائكة ملائكة الوحي ، وهو جبريل عليه السلام دون غيره من الملائكة . ونقله ابن حجر عن الدّاوديّ وابن وضّاح ، ومآله إلى اختصاص النّهي بعهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبالمكان الّذي يكون فيه ، وأنّ الكراهة انتهت بوفاته صلى الله عليه وسلم لأنّ الوحي قد انقطع من السّماء . اقتناء واستعمال صور المصنوعات البشريّة والجوامد والنّباتات : 43 - يجوز اقتناء واستعمال صور المصنوعات البشريّة والجوامد والنّباتات ، وسواء أكانت منصوبة أو معلّقة أو موضوعة ممتهنة ، وكذلك لو كانت منقوشة في الحوائط أو السّقوف أو الأرض ، وسواء كانت مسطّحة كما هو معهود ، أو مجسّمة كالزّهور والنّباتات الاصطناعيّة ، ونماذج السّفن والطّائرات والسّيّارات والمنازل والجبال وغيرها ، ومجسّمات تماثيل القبّة السّماويّة بما فيها من الكواكب والنّجوم والقمرين . وسواء استعمل ذلك لحاجة ونفع ، أو لمجرّد الزّينة والتّجميل : فكلّ ذلك لا حرج فيه شرعاً ، إلا أن يحرم لعارض ، كما لو كان خارجا عن المعتاد إلى حدّ الإسراف ، على الأصل في سائر المقتنيات . اقتناء واستعمال صور الإنسان والحيوان : 44 - يجمع العلماء على تحريم استعمال نوع من الصّور ، وهو ما كان صنماً يعبد من دون اللّه تعالى . وأمّا ما عدا ذلك فإنّه لا يخلو شيء منه من خلاف . إلا أنّ الّذي تكاد تتّفق كلمة الفقهاء على منعه : هو ما جمع الأمور التّالية : أ - أن يكون صورة لذي روح إن كانت الصّورة مجسّمة . ب - أن تكون كاملة الأعضاء ، غير مقطوعة عضو من الأعضاء الظّاهرة الّتي لا تبقى الحياة مع فقدها . ج - أن تكون منصوبة أو معلّقة في مكان تكريم ، لا إن كانت ممتهنة . د - أن لا تكون صغيرة . هـ - أن لا تكون من لعب الأطفال أو نحوها . و - أن لا تكون ممّا يسرع إليه الفساد . وقد خالف فيما جمع هذه الشّروط قوم لم يسمّوا ، كما تقدّم نقله إلّا أنّه خلاف ضعيف . ونحن نبيّن حكم كلّ نوع ممّا خرج عن هذه الشّروط . أ - استعمال واقتناء الصّور المسطّحة : 45 - يرى المالكيّة ومن وافقهم أنّ استعمال الصّور المسطّحة ليس محرّما ، بل هو مكروه إن كانت منصوبة ، فإن كانت ممتهنة فاستعمالها خلاف الأولى . أمّا عند غير المالكيّة : فالصّور المسطّحة والمجسّمة سواء في التّحريم من حيث الاستعمال، إذا تمّت الشّروط على ما تقدّم . ب - استعمال واقتناء الصّور المقطوعة : 46 - إذا كانت الصّورة - مجسّمة كانت أو مسطّحة - مقطوعة عضو لا تبقى الحياة معه ، فإنّ استعمال الصّورة حينئذ جائز ، وهذا قول جماهير العلماء من الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة . وقد وافق على الإباحة هنا بعض من خالف ، فرأى تحريم التّصوير ولكن لم يرد تحريم الاقتناء ، كالشّافعيّة . وسواء أكانت الصّورة قد صنعت مقطوعة من الأصل ، أو صوّرت كاملة ثمّ قطع منها شيء لا تبقى الحياة معه . وسواء أكانت منصوبة أو غير منصوبة كما يأتي في المسألة التّالية . 47 - والحجّة لذلك ما مرّ « أنّ جبريل قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْ برأس التّمثال فليقطع حتّى يكون كهيئة الشّجرة » وفي رواية أنّه قال : « إنّ في البيت ستراً ، وفي الحائط تماثيل ، فاقطعوا رءوسها فاجعلوها بساطا أو وسائد فأوطئوه ، فإنّا لا ندخل بيتاً فيه تماثيل » ولا يكفي أن تكون قد أزيل منها العينان أو الحاجبان أو الأيدي أو الأرجل ، بل لا بدّ أن يكون العضو الزّائل ممّا لا تبقى الحياة معه ، كقطع الرّأس أو محو الوجه ، أو خرق الصّدر أو البطن . قال ابن عابدين : وسواء أكان القطع بخيط خيّط على جميع الرّأس حتّى لم يبق له أثر ، أو بطليه بمغرة ، أو بنحته ، أو بغسله . وأمّا قطع الرّأس عن الجسد بخيط مع بقاء الرّأس على حاله فلا ينفي الكراهة ، لأنّ من الطّيور ما هو مطوّق فلا يتحقّق القطع بذلك . وقال صاحب شرح الإقناع من الحنابلة : إن قطع من الصّورة رأسها فلا كراهة ، أو قطع منها ما لا تبقى الحياة بعد ذهابه فهو كقطع الرّأس كصدرها أو بطنها ، أو جعل لها رأسا منفصلا عن بدنها لأنّ ذلك لم يدخل في النّهي. وقال صاحب منح الجليل من المالكيّة : إنّ ما يحرم ما يكون كامل الأعضاء الظّاهرة الّتي لا يعيش بدونها ولها ظلّ . غير أنّ الشّافعيّة اختلفوا فيما لو كان الباقي الرّأس ، على وجهين : أحدهما : يحرم وهو الرّاجح ، والآخر : لا يحرم . وقطع أيّ جزء لا تبقى الحياة معه يبيح الباقي ، كما لو قطع الرّأس وبقي ما عداه . جاء في أسنى المطالب وحاشيته : وكذا إن قطع رأسها ، قال : الكوهكيوني : وكذا حكم ما صوّر بلا رأس ، وأمّا الرّءوس بلا أبدان فهل تحرم ؟ فيه تردّد . والحرمة أرجح . قال الرّمليّ : وهو وجهان في الحاوي ، وبناهما على أنّه هل يجوز تصوير حيوان لا نظير له : إن جوّزناه جاز ذلك وإلّا فلا ، وهو الصّحيح. وفي حاشية الشّروانيّ وابن قاسم : إنّ فقد النّصف الأسفل كفقد الرّأس . 48 - ويكفي للإباحة أن تكون الصّورة قد خرق صدرها أو بطنها ، بذلك صرّح الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة وبعض الشّافعيّة . قال ابن عابدين : هل من ذلك ما لو كانت مثقوبة البطن مثلا : الظّاهر أنّه لو كان الثّقب كبيرا يظهر به نقصها فنعم ، وإلا فلا ، كما لو كان الثّقب لوضع عصا تمسك بها ، كمثل صور خيال الظّلّ الّتي يلعب بها ، لأنّها تبقى معه صورة تامّة ، وهذا الّذي قاله في صور الخيال خالفه فيه بعض الشّافعيّة ، فرأوا أنّ الخرق الّذي يكون في وسطها كاف في إزالة الكراهة كما صرّح بذلك الشّيخ إبراهيم الباجوريّ ، ويأتي النّقل عنه في بحث النّظر إلى الصّور ج - استعمال واقتناء الصّور المنصوبة والصّور الممتهنة : 49 - يرى الجمهور أنّ الصّور لذوات الأرواح - مجسّمة كانت أو غير مجسّمة - يحرم اقتناؤها على هيئة تكون فيها معلّقة أو منصوبة ، وهذا في الصّور الكاملة الّتي لم يقطع فيها عضو لا تبقى الحياة معه ، فإن قطع منها عضو - على التّفصيل المتقدّم في الفقرة السّابقة - جاز نصبها وتعليقها ، وإن كانت مسطّحة جاز تعليقها مع الكراهة عند المالكيّة . ونقل عن القاسم بن محمّد إجازة تعليق الصّور الّتي في الثّياب ، وهو راوي حديث عائشة في لعن المصوّرين ، وكان من خير أهل المدينة فقهاً وورعاً . وأمّا إذا اقتنيت الصّورة - وهي ممتهنة - فلا بأس بذلك عند الجمهور ، كما لو كانت في الأرض أو في بساط مفروش أو فراش أو نحو ذلك . وقد نصّ الحنابلة والمالكيّة على أنّها غير مكروهة أيضاً ، إلا أنّ المالكيّة قالوا : إنّها حينئذ خلاف الأولى . ووجّهوا التّفريق بين المنصوب والممتهن : بأنّها إذا كانت مرفوعة تكون معظّمة وتشبه الأصنام . أمّا الّذي في الأرض ونحوه فلا يشبهها ، لأنّ أهل الأصنام ينصبونها ويعبدونها ولا يتركونها مهانة . وقد يظنّ أنّه لا يجوز بقاء الصّورة المقطوعة منصوبة ، إلا أنّه قد ورد في السّنّة ما يدلّ على جوازها ، وهو ما نقلناه سابقاً من « أنّ جبريل عليه السلام قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْ برأس التّمثال فليقطع حتّى يكون كهيئة الشّجرة » وقوله في حديث آخر : « فإن كنت لا بدّ فاعلاً فاقطع رءوسها أو اقطعها وسائد أو اجعلها بسطاً » فإنّها تدلّ على جواز بقائها بعد القطع منصوبة . ومن الدّليل على بقاء الصّورة الممتهنة في البيت الحديث المتقدّم عن عائشة رضي الله عنها : « أنّها قطعت السّتر وجعلته وسادتين ، وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتّكئ عليهما وفيهما الصّور » . وقد ورد عن عكرمة قال : كانوا يكرهون ما نصب من التّماثيل ولا يرون بأساً بما وطئته الأقدام . وكان القاسم بن محمّد يتّكئ على مخدّة فيها تصاوير . ولذا قال ابن حجر بعد ذكر قطع رأس التّمثال : في هذا الحديث ترجيح قول من ذهب إلى أنّ الصّورة الّتي تمتنع الملائكة من دخول البيت الّذي هي فيه : ما تكون فيه منصوبة باقية على هيئتها . أمّا لو كانت ممتهنة ، أو كانت غير ممتهنة لكنّها غيّرت هيئتها إمّا بقطع رأسها أو بقطعها من نصفها فلا امتناع . 50 - والنّصب المنهيّ عنه قال بعض الشّافعيّة : أيّ نصب كان . حتّى إنّ استعمال إبريق فيه صور تردّد فيه صاحب المهمّات ، ومال إلى المنع ، أي لأنّه يكون منصوباً . وقالوا في الوساد : إن استعملت منصوبة حرم ، وإن استعملت غير منصوبة جاز . وذهب بعض آخر من العلماء إلى أنّ النّصب المنهيّ عنه خاصّة ما يظهر فيه التّعظيم ، فقد قال الجوينيّ : إنّ ما على السّتور والثّياب من الصّور لا يحرم ، لأنّ ذلك امتهان له . وهذا يوافق ما تقدّم عن القاسم بن محمّد . وقال الرّافعيّ : إنّ نصب الصّور في حمّام أو ممرّ لا يحرم ، بخلاف ما كان منصوبا في المجالس وأماكن التّكريم . أي لأنّها في الممرّ والحمّام مهانة ، وفي المجالس مكرّمة . وظاهر كلام صاحب المغني من الحنابلة أنّ نصب الصّور في الحمّام ونحوه محرّم . هذا ، وممّا نصّ الشّافعيّة على أنّه من الصّور المهانة : ما كان في نحو قصعة وخوان وطبق . ويلتحق بالممتهنة - عند بعض الشّافعيّة - الصّور الّتي على النّقود . قال الرّمليّ : وعندي أنّ الدّنانير الرّوميّة الّتي عليها الصّور من القسم الّذي لا ينكر ، لامتهانها بالإنفاق والمعاملة ، وقد كان السّلف رضي الله عنهم يتعاملون بها من غير نكير ، ولم تحدث الدّراهم الإسلاميّة إلا في عهد عبد الملك بن مروان كما هو معروف . وقال مثله الزّركشيّ . 51 - هذا بيان حكم ما ظهر فيه التّعظيم ، أو ظهرت فيه الإهانة . أمّا ما لم يظهر فيه أيّ من المعنيين ، وذلك في مثل الصّورة المطبوعة في كتاب ، أو الموضوعة في درج أو خزانة أو على منضدة ، من غير نصب . ففي كلام القليوبيّ نقلا عن ابن حجر وغيره : يجوز لبس ما عليه صورة الحيوان ودوسه ووضعه في صندوق أو مغطّى . وفي مختصر المزنيّ ما يدلّ على قصر التّحريم على المنصوب ، وذلك في قوله : وصورة ذات روح إن كانت منصوبة . وروى ابن شيبة عن حمّاد عن إبراهيم أنّه قال : لا بأس في حلية السّيف ولا بأس بها - أي بالتّماثيل - في سماء البيت - أي السّقف - ، وإنّما يكره منها ما نصب نصباً . وأصل ذلك مرويّ عن سالم بن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهم ، ففي مسند الإمام أحمد عن ليث بن أبي سليم أنّه قال : دخلت على سالم وهو متّكئ على وسادة فيها تماثيل طير ووحش ، فقلت : أليس يكره هذا ؟ قال : لا ، إنّما يكره منها ما نصب نصباً . استعمال لعب الأطفال المجسّمة وغير المجسّمة : 52 - تقدّم أنّ قول الجمهور جواز صناعة اللّعب المذكورة . فاستعمالها جائز من باب أولى ، ونقل القاضي عياض جوازه عن العلماء ، وتابعه النّوويّ في شرح صحيح مسلم ، قال : قال القاضي : يرخّص لصغار البنات . والمراد بصغار البنات من كان غير بالغ منهنّ . وقال الخطّابيّ : وإنّما أرخص لعائشة فيها لأنّها إذ ذاك كانت غير بالغ . قال ابن حجر : وفي الجزم به نظر ، لكنّه محتمل ، لأنّ عائشة رضي الله عنها كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة ، وأمّا في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعا فهذا يدلّ على أنّ التّرخيص ليس قاصراً على من دون البلوغ منهنّ، بل يتعدّى إلى مرحلة ما بعد البلوغ ما دامت الحاجة قائمة لذلك. 53 - والعلّة في هذا التّرخيص تدريبهنّ عن شأن تربية الأولاد ، وتقدّم النّقل عن الحليميّ : أنّ من العلّة أيضاً استئناس الصّبيان وفرحهم . وإنّ ذلك يحصل لهم به النّشاط والقوّة والفرح وحسن النّشوء ومزيد التّعلّم . فعلى هذا لا يكون الأمر قاصراً على الإناث من الصّغار ، بل يتعدّاه إلى الذّكور منهم أيضاً . وممّن صرّح به أبو يوسف : ففي القنية عنه : يجوز بيع اللّعبة ، وأن يلعب بها الصّبيان . 54 - وممّا يؤكّد جواز اللّعب المصوّرة للصّبيان - بالإضافة إلى البنات - ما ثبت في الصّحيحين عن الرّبيّع بنت معوّذ الأنصاريّة رضي الله عنها أنّها قالت : « أرسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار الّتي حول المدينة : من كان أصبح صائماً فليتمّ صومه ، ومن كان أصبح مفطراً فليتمّ بقيّة يومه . فكنّا بعد ذلك نصومه ونصوّم صبياننا الصّغار منهم إن شاء اللّه ، ونذهب بهم إلى المسجد ، فنجعل - وفي رواية : فنصنع - لهم اللّعبة من العهن ، فإذا بكى أحدهم على الطّعام أعطيناه إيّاه حتّى يكون عند الإفطار » . 55 - وانفرد الحنابلة باشتراط أن تكون اللّعبة المصوّرة بلا رأس ، أو مقطوعة الرّأس كما تقدّم ، ومرادهم أنّه لو كان الباقي الرّأس ، أو كان الرّأس منفصلا عن الجسد جاز ، كما تقدّم . وقالوا : للوليّ شراء لعب غير مصوّرة لصغيرة تحت حجره من مالها نصّاً، للتّمرين. لبس الثّياب الّتي فيها الصّور : 56 - يكره عند الحنفيّة والمالكيّة لبس الثّياب الّتي فيها الصّور ، قال صاحب الخلاصة من الحنفيّة : صلّى فيها أو لا . لكن تزول الكراهة عند الحنفيّة بما لو لبس الإنسان فوق الصّورة ثوبا آخر يغطّيها ، فإن فعل فلا تكره الصّلاة فيه . وعند الشّافعيّة : يجوز لبس الثّياب الّتي فيها صور حيث نصّوا على أنّ الصّورة في الثّوب الملبوس منكر ، لكنّ اللّبس امتهان له فيجوز حينئذ . كما لو كان ملقى بالأرض ويداس . والأوجه كما قال الشّروانيّ أنّه لا يكون من المنكر إذا كان ملقى بالأرض ( أي مطلقا ) . أمّا الحنابلة : فقد اختلف قولهم في لبس الثّوب الّذي فيه الصّورة على وجهين : أحدهما : التّحريم ، وهو قول أبي الخطّاب قدّمه في الفروع والمحرّر . والآخر : أنّه مكروه فقط وليس محرّما ، قدّمه ابن تميم . ووجه القول بعدم التّحريم أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « إلا رقماً في ثوب » . استعمال واقتناء الصّور الصّغيرة في الخاتم والنّقود أو نحو ذلك : 57 - يصرّح الحنفيّة أنّ الصّور الصّغيرة لا يشملها تحريم الاقتناء والاستعمال ، بناء على أنّه ليس من عادة عبّاد الصّور أن يستعملوها كذلك . وضبطوا حدّ الصّغر بضوابط مختلفة . قال بعضهم : أن تكون بحيث لا تبدو للنّاظر إلا بتبصّر بليغ . وقال بعضهم : أن لا تبدو من بعيد . وقال صاحب الدّرّ : هي الّتي لا تتبيّن تفاصيل أعضائها للنّاظر قائما وهي على الأرض . وقيل : هي ما كانت أصغر من حجم طائر . وهذا يذكرونه في بيان أنّها لا تكره للمصلّي . لكن قال ابن عابدين : ظاهر كلام علمائنا أنّ ما لا يؤثّر كراهة في الصّلاة لا يكره إبقاؤه . وقد صرّح في الفتح وغيره بأنّ الصّورة الصّغيرة لا تكره في البيت ، ونقل أنّه كان على خاتم أبي هريرة ذبابتان . وفي التتارخانية : لو كان على خاتم فضّة تماثيل لا يكره ، وليست كتماثيل في الثّياب ، لأنّه صغير . وقد تقدّم النّقل عن بعض الصّحابة أنّهم استعملوا الصّور في الخواتم ، فكان نقش خاتم عمران بن حصين رضي الله عنه رجلاً متقلّدا سيفاً ، وكان نقش خاتم حذيفة رضي الله عنه كركيّين ، وكان على خاتم النّعمان بن مقرّن رضي الله عنه إيّل . ولا يختلف حكم الصّور الصّغيرة عن الصّور الكبيرة عند غير الحنفيّة . إلا أنّ الصّور الّتي على الدّراهم والدّنانير جائزة عند الشّافعيّة لا لصغرها ، ولكن لأنّها ممتهنة كما تقدّم . وقد صرّح الحنابلة أنّه لا ينبغي لبس الخاتم الّذي فيه الصّورة . النّظر إلى الصّور : 58 - يحرم التّفرّج على الصّور المحرّمة عند المالكيّة والشّافعيّة . لكن إذا كانت مباحة الاستعمال - كما لو كانت مقطوعة أو مهانة - فلا يحرم التّفرّج عليها . قال الدّردير في تعليل تحريم النّظر : لأنّ النّظر إلى الحرام حرام . ولا يحرم النّظر إلى الصّورة المحرّمة من حيث هي صور عند الحنابلة . ونقل ابن قدامة أنّ النّصارى صنعوا لعمر رضي الله عنه حين قدم الشّام طعاماً فدعوه ، فقال :" أين هو ؟ قال : في الكنيسة . فأبى أن يذهب : وقال لعليّ رضي الله عنه : امض بالنّاس فليتغدّوا . فذهب عليّ رضي الله عنه بالنّاس فدخل الكنيسة ، وتغدّى هو والنّاس ، وجعل عليّ ينظر إلى الصّور ، وقال : ما على أمير المؤمنين لو دخل فأكل ". ولم نجد نصّاً عند الحنفيّة في ذلك . لكن قال ابن عابدين : هل يحرم النّظر بشهوة إلى الصّورة المنقوشة ؟ محلّ تردّد ، ولم أره ، فليراجع . فظاهره أنّه مع عدم الشّهوة لا يحرم . على أنّه قد علم من مذهب الحنفيّة دون سائر المذاهب : أنّ الرّجل إذا نظر إلى فرج امرأة بشهوة ، فإنّها تنشأ بذلك حرمة المصاهرة ، لكن لو نظر إلى صورة الفرج في المرآة فلا تنشأ تلك الحرمة ، لأنّه يكون قد رأى عكسه لا عينه . ففي النّظر إلى الصّورة المنقوشة لا تنشأ حرمة المصاهرة من باب أولى . 59 - وعند الشّافعيّة : لا يحرم النّظر - ولو بشهوة - في الماء أو المرآة . قالوا : لأنّ هذا مجرّد خيال امرأة وليس امرأة . وقال الشّيخ الباجوريّ : يجوز التّفرّج على صور حيوان غير مرفوعة . أو على هيئة لا تعيش معها ، كأن كانت مقطوعة الرّأس أو الوسط ، أو مخرّقة البطون . قال : ومنه يعلم جواز التّفرّج على خيال الظّلّ المعروف ، لأنّها شخوص مخرّقة البطون . وفي صحيح البخاريّ عن عائشة رضي الله عنها قالت : « قال لي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : أريتك في المنام ، يجيء بك الملك في سرقة من حرير ، فقال لي : هذه امرأتك ، فكشفت عن وجهك الثّوب ، فإذا أنت هي » قال ابن حجر : عند الآجرّيّ من وجه آخر عن عائشة : « لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حين أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يتزوّجني » ففي هذا الحديث نظر الرّجل إلى المرأة الّتي يحلّ له النّظر إليها ، ما لم تكن الصّورة محرّمة ، على ما تقدّم من التّفصيل والخلاف . واللّه أعلم . الدّخول إلى مكان فيه صور : 60 - يجوز الدّخول إلى مكان يعلم الدّاخل إليه أنّ فيه صوراً منصوبة على وضع محرّم ، ولو كان يعلم بذلك قبل الدّخول ، ولو دخل لا يجب عليه الخروج . هذا كلّه مذهب الحنابلة . قال أحمد في رواية الفضل عنه ، لمن سأله قائلاً : إن لم ير الصّور إلا عند وضع الخوان بين أيديهم . أيخرج ؟ قال : لا تضيِّق علينا . إذا رأى الصّور وبّخهم ونهاهم . يعني : ولا يخرج . قال المرداويّ في تصحيح الفروع : هذا هو الصّحيح من قولين عندهم ، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد . وقطع به في المغني ، قال : لأنّ « النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فرأى فيها صورة إبراهيم وإسماعيل يستقسمان بالأزلام ، فقال : قاتلهم اللّه ، لقد علموا أنّهما لم يستقسما بها قطّ » قالوا : ولأنّه كان في شروط عمر رضي الله عنه على أهل الذّمّة أن يوسّعوا أبواب كنائسهم للمسلمين ، ليدخلوها للمبيت بها ، وللمارّة بدوابّهم . وذكروا قصّة عليّ في دخولها بالمسلمين ونظره إلى الصّورة كما تقدّم . قالوا : ولا يمنع من ذلك ما ورد « أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة » ، لأنّ ذلك لا يوجب علينا تحريم دخوله ، كما لا يوجب علينا الامتناع من دخول بيت فيه كلب أو جنب أو حائض ، مع أنّه قد ورد أنّ الملائكة لا تدخله . 61 - ومثل هذا مذهب المالكيّة في الصّور المجسّمة الّتي ليست على وضع محرّم عندهم ، أو غير المجسّمة . أمّا المحرّمة فإنّها تمنع وجوب إجابة الدّعوة على ما يأتي . ولم نجد في كلامهم ما يبيّن حكم الدّخول إلى مكان هي فيه . 62 - واختلف مذهب الشّافعيّة في ذلك ، والرّاجح عندهم - وهو القول المرجوح عند الحنابلة - أنّه يحرم الدّخول إلى مكان فيه صور منصوبة على وضع محرّم . قالوا : لأنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة . قال الشّافعيّ رحمه الله :" إن رأى صوراً في الموضع ذوات أرواح لم يدخل المنزل الّذي فيه تلك الصّور إن كانت منصوبة لا توطأ ، فإن كانت توطأ فلا بأس أن يدخله ". والقول الثّاني للشّافعيّة : عدم تحريم الدّخول ، بل يكره . وهو قول صاحب التّقريب والصّيدلانيّ ، والإمام ، والغزاليّ في الوسيط ، والإسنويّ . قالوا : وهذا إن كانت الصّور في محلّ الجلوس ، فإن كانت في الممرّ أو خارج باب الجلوس لا يكره الدّخول ، لأنّها تكون كالخارجة من المنزل . وقيل : لأنّها في الممرّ ممتهنة . إجابة الدّعوة إلى مكان فيه صور : 63 - إجابة الدّعوة إلى الوليمة - وهي طعام العرس - واجبة عند الجمهور ، لحديث « من لم يجب الدّعوة فقد عصى اللّه ورسوله » وقيل هي : سنّة . وإجابة الدّعوة لغيرها مستحبّة . وفي جميع الأحوال إذا كان في المكان صور على وضع محرّم - ومثلها أي منكر ظاهر - وعلم بذلك المدعوّ قبل مجيئه ، فقد اتّفق الفقهاء على أنّ الإجابة لا تكون واجبة ، لأنّ الدّاعي يكون قد أسقط حرمة نفسه بارتكابه المنكر ، فتترك الإجابة عقوبة له وزجراً عن فعله . وقال البعض - كالشّافعيّة - : تحرم الإجابة حينئذ . ثمّ قيل : إنّه إذا علم أنّها بحضوره تزال ، أو يمكنه إزالتها ، فيجب الحضور لذلك . وفي المسألة اختلاف وتفصيل ينظر تحت عنوان ( دعوة ) ما يصنع بالصّورة المحرّمة إذا كانت في شيء ينتفع به : 64 - ينبغي إخراج الصّورة عن وضعها المحرّم إلى وضع تخرج فيه عن الحرمة ، ولا يلزم إتلافها بالكلّيّة ، بل يكفي حطّها إن كانت منصوبة . فإن كان لا بدّ من بقائها في مكانها ، فيكفي قطع الرّأس عن البدن ، أو خرق الصّدر أو البطن ، أو حكّ الوجه من الجدار ، أو محوه أو طمسه بطلاء يذهب معالمه ، أو يغسل الصّورة إن كانت ممّا يمكن غسله . وإن كانت في ثوب معلّق أو ستر منصوب ، فيكفي أن ينسج عليها ما يغطّي رأسها . قال ابن عابدين : ولو أنّه قطع الرّأس عن الجسد بخيط - مع بقاء الرّأس على حاله - فلا ينفي الكراهة ، لأنّ من الطّيور ما هو مطوّق ، فلا يتحقّق القطع بذلك . 65 - والدّليل لهذه المسألة ما في حديث عليّ رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعثه إلى المدينة وأمره أن يسوّي كلّ قبر ، ويكسر كلّ صنم ، ويطمس كلّ صورة » . وفي روايات مسند أحمد للحديث وردت العبارات الآتية : أن يلطّخ الصّورة ، أو أن يلطّخها ، أو ينحتها ، أو يضعها ، ورواية الوضع صحيحة . وليس في شيء من تلك الرّوايات كسر الصّورة أو إتلافها كما نصّ على كسر الأصنام . ومن الدّليل أيضا حديث عائشة رضي الله عنها في شأن السّتر الّذي فيه الصّور ، وفيه أنّه قال : « أخّريه عنّي » ، وفي رواية « أنّه هتكه بيده » ، وفي أخرى « أنّه أمر بجعله وسائد » . الصّور والمصلّي : 66 - اتّفقت كلمة الفقهاء على أنّ من صلّى وفي قبلته صورة حيوان محرّمة فقد فعل مكروها ، لأنّه يشبه سجود الكفّار لأصنامهم ، وإن لم يقصد التّشبّه . أمّا إن كانت الصّورة في غير القبلة : كأن كانت في البساط ، أو على جانب المصلّي في الجدار ، أو خلفه ، أو فوق رأسه في السّقف ، فقد اختلفت كلمتهم في ذلك . فقال الحنفيّة - كما في الدّرّ وحاشية الطّحطاويّ - يكره للمصلّي لبس ثوب فيه تماثيل ذي روح ، وأن يكون فوق رأسه ، أو بين يديه ، أو بحذائه يمنة أو يسرة ، أو محلّ سجوده تمثال . واختلف فيما إذا كان التّمثال خلفه . والأظهر : الكراهة . ولا يكره لو كانت تحت قدميه أو محلّ جلوسه إن كان لا يسجد عليها ، أو في يده ، أو كانت مستترة بكيس أو صرّة أو ثوب ، أو كانت صغيرة ، لأنّ الصّغيرة لا تعبد ، فليس لها حكم الوثن . ونصّ الشّافعيّة - كما في أسنى المطالب - على أنّه يكره للمصلّي أن يلبس ثوباً فيه تصوير ، وأن يصلّي إليه أو عليه . ونصّ الحنابلة على أنّه تكره الصّلاة إلى صورة منصوبة ، نصّ عليه أحمد . قال البهوتيّ : وظاهره ولو كانت الصّورة صغيرة لا تبدو للنّاظر إليها ، ولا تكره إلى غير منصوبة ، ولا يكره سجود ولو على صورة ، ولا صورة خلفه في البيت ، ولا فوق رأسه في السّقف أو عن أحد جانبيه . وأمّا السّجود على الصّورة فيكره عند الشّيخ تقيّ الدّين يعني ابن تيميّة ، وقال في الفروع : لا يكره ، لأنّه لا يصدق عليه أنّه صلّى إليها. ويكره حمله فصّاً فيه صورة أو حمله ثوباً ونحوه كدينار أو درهم فيه صورة . ولم نجد للمالكيّة تعرّضا لهذه المسألة ، إلا أنّهم ذكروا تزويق قبلة المسجد أو أيّ جزء منه كما يأتي بعد هذا . الصّور في الكعبة والمساجد وأماكن العبادة : 67 - ينبغي تنزيه أماكن العبادة عن وجود الصّور فيها ، لئلا يئول الأمر إلى عبادتها ، كما تقدّم من قول ابن عبّاس : أنّ أصل عبادة قوم نوح لأصنامهم ، أنّهم كانوا رجالاً صالحين ، فلمّا ماتوا صوّروهم ثمّ عبدوهم . وأيضاً فقد تقدّم أنّ من الفقهاء من يقول بكراهة الصّلاة مع وجود الصّورة ، ولو كانت إلى جانب المصلّي أو خلفه أو في مكان سجوده . والمساجد تجنّب المكروهات كما تجنّب المحرّمات . 68 - وقد ورد من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فوجد فيها صورة إبراهيم وصورة مريم عليهما السلام فقال : أمّا هم فقد سمعوا أنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة ، هذا إبراهيم مصوّر فما له يستقسم » وفي رواية « أنّه لمّا رأى الصّور في البيت لم يدخل حتّى أمر بها فمحيت ، ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام . فقال : قاتلهم اللّه ، واللّه إن استقسما بالأزلام قطّ » . وورد « أنّ النّبيّ أمر بالصّور كلّها فمحيت ، فلم يدخل الكعبة وفيها من الصّور شيء » . وفي الصّحيحين عن عائشة رضي الله عنها « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا اشتكى ذكر بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها مارية ، وكانت أمّ سلمة وأمّ حبيبة أتتا أرض الحبشة ، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها ، فرفع رأسه فقال : أولئك إذا مات فيهم الرّجل الصّالح بنوا على قبره مسجدا ، ثمّ صوّروا فيه تلك الصّور ، أولئك شرار الخلق » فهذا يفيد تحريم الصّور في المساجد . واللّه أعلم . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية