الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41285" data-attributes="member: 329"><p>ب - نيّة التّطوّع :</p><p>24 - التّطوّع - إن كان عبادة - فلا بدّ فيه من النّيّة بالإجماع ، لقوله تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } وقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّما الأعمال بالنّيّات » وهي مقصودة بها تمييز العبادات عن العادات ، وتمييز بعض العبادات عن بعض. فالغسل قد يكون تبرّدا وعبادة ، والإمساك عن المفطرات قد يكون حميّة أو تداويا ، ودفع المال يكون صدقة شرعيّة وصلة متعارفة . . وهكذا ، وعلى ذلك فالنّيّة شرط في العبادات باتّفاق ، إلّا أنّ الفقهاء يختلفون في النّيّة في تطوّع العبادات بالنّسبة للتّعيين أو الإطلاق . 25 - والتّطوّع في العبادات ، منه ما هو مطلق كالتّهجّد والصّوم ، ومنه ما هو مقيّد كصلاة الكسوف والسّنن الرّواتب مع الفرائض ، وكصيام عرفة وعاشوراء . </p><p>أمّا التّطوّع المطلق ، فيصحّ عند جميع الفقهاء أداؤه دون تعيينه بالنّيّة ، وتكفي نيّة مطلق الصّلاة أو مطلق الصّوم . </p><p>أمّا التّطوّع المعيّن كالرّواتب والوتر والتّراويح ، وصلاة الكسوف والاستسقاء ، وصيام يوم عاشوراء ، فإنّه يشترط فيه تعيينه بالنّيّة ، وذلك عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض مشايخ الحنفيّة ، غير أنّ المالكيّة حدّدوا المعيّن عندهم بأنّه : الوتر والعيدان وصلاة الكسوف والاستسقاء ورغيبة الفجر ، أمّا غير ذلك فهو من المطلق عندهم . </p><p>والصّحيح المعتمد عند الحنفيّة أنّ التّطوّع المعيّن أو المقيّد يصحّ دون تعيينه ، وأنّه يكفي فيه مطلق النّيّة كالتّطوّع المطلق ، وهو ما عليه أكثر مشايخ الحنفيّة . </p><p>26 - أمّا غير العبادات من التّطوّعات ، فالأصل أنّه لا مدخل للنّيّة فيها ، إلا أنّ نيّة القربة فيها - امتثالا لأوامر الشّرع الّتي تحثّ على المعروف - مطلوبة لاستحقاق الثّواب ، إذ أنّها لا تتمحّض قربة إلّا بهذه النّيّة . </p><p>يقول الشّاطبيّ : المقاصد معتبرة في التّصرّفات من العبادات والعادات . إلى أن قال : وأمّا الأعمال العاديّة - وإن لم تفتقر في الخروج عن عهدتها إلى نيّة - فلا تكون عبادات ولا معتبرات في الثّواب إلا مع قصد الامتثال ، وفي الأشباه لابن نجيم : لا يتوقّف الوقف ولا الهبة ولا الوصيّة على النّيّة ، فالوصيّة إن قصد التّقرّب بها فله الثّواب ، وإلّا فهي صحيحة فقط ، وكذلك الوقف إن نوى القربة فله الثّواب وإلا فلا ، وعلى هذا سائر القرب لا بدّ فيها من النّيّة ، بمعنى توقّف حصول الثّواب على قصد التّقرّب بها إلى اللّه تعالى . </p><p>وفي الشّرح الصّغير : الهبة من التّبرّعات المندوبة كالصّدقة ، وهذا إن صحّ القصد ، وإن استحضر أنّ ذلك ممّا رغّب فيه الشّرع فإنّه يثاب . وفي المنثور في القواعد للزّركشيّ : عيادة المريض واتّباع الجنازة وردّ السّلام قربة ، لا يستحقّ الثّواب عليها إلا بالنّيّة .</p><p>ج - النّيابة في التّطوّع :</p><p>27 - التّطوّع إن كان من العبادات البدنيّة كالصّلاة والصّوم ، فلا تجوز فيه النّيابة ، لأنّه لا تجوز النّيابة في فرضه في الجملة ، فلا تجوز في نفله . وإن كان مركّبا منهما كالحجّ ، فعند الحنفيّة والحنابلة تصحّ النّيابة فيه ، وهو الأظهر عند الشّافعيّة ، وأحد قولين معتمدين عند المالكيّة . أمّا غير ذلك من العبادات الماليّة والتّطوّعات بأنواع البرّ والمعروف ، كالصّدقة والهدي والعتق والوقف والوصيّة والهبة والإبراء وغيرها فإنّه تجوز النّيابة فيها . كما أنّه يجوز عند الحنفيّة والحنابلة أن يتطوّع الإنسان بجعل ثواب عمله من صلاة وصيام وحجّ وصدقة وعتق وطواف وعمرة وقراءة وغير ذلك لغيره ، من حيّ أو ميّت . بدليل أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « ضحّى بكبشين أملحين ، أحدهما عنه ، والآخر عن أمّته » . وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص ، لمّا سأله عن أبيه : لو كان مسلماً فأعتقتم عنه أو تصدّقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك » . قال ابن قدامة : وهذا عامّ في حجّ التّطوّع وغيره ، ولأنّه عمل برّ وطاعة فوصل نفعه وثوابه كالصّدقة والصّيام والحجّ الواجب . « عن أنس رضي الله عنه قال : يا رسول اللّه ، إنّا نتصدّق عن موتانا ، ونحجّ عنهم ، وندعو لهم ، فهل يصل ذلك لهم ؟ قال : نعم ، إنّه ليصل إليهم ، وإنّهم ليفرحون به كما يفرح أحدكم بالطّبق إذا أهدي إليه » .</p><p>وقال صلى الله عليه وسلم : « إنّ من البرّ بعد الموت أن تصلّي لأبويك مع صلاتك ، وأن تصوم لهما مع صومك » وعند المالكيّة والشّافعيّة يجوز فيما عدا الصّلاة والصّيام . </p><p>وينظر تفصيل ذلك في : ( نيابة - وكالة - نفل - صدقة - صلاة - وصوم ) .</p><p>د - الأجرة على التّطوّع :</p><p>28 - الأصل أنّ كلّ طاعة يختصّ بها المسلم لا يجوز أخذ الأجرة عليها ، كالإمامة والأذان والحجّ والجهاد وتعليم القرآن . لما روى عثمان بن أبي العاص قال : « إنّ آخر ما عهد إليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن أتَّخِذَ مؤذّناً لا يأخذُ على أذانه أجراً » ولأنّ القربة متى حصلت وقعت عن العامل ، ولهذا تعتبر أهليّته ، فلا يجوز أخذ الأجر عن غيره كما في الصّوم والصّلاة . هذا مذهب الحنفيّة ، وهو رواية عند الحنابلة . </p><p>ويصحّ مع الكراهة عند المالكيّة . جاء في الشّرح الصّغير : تكره إجارة الإنسان نفسه في عمل للّه تعالى ، حجّا أو غيره ، كقراءة وإمامة وتعليم علم ، وصحّته مع الكراهة . </p><p>كما تكره الإجارة على الأذان ، قال مالك : لأن يؤاجر الرّجل نفسه في عمل اللّبن وقطع الحطب وسوق الإبل أحبّ إليّ من أن يعمل عملا للّه بأجرة . </p><p>وقال الشّافعيّة ، كما في نهاية المحتاج : لا تصحّ إجارة مسلم لجهاد ولا لعبادة يجب لها نيّة ، وألحقوا بذلك الإمامة ولو لنفل ، لأنّه حصل لنفسه . أمّا ما لا تجب له نيّة كالأذان فيصحّ الاستئجار عليه ، واستثني ممّا فيه نيّة : الحجّ والعمرة ، فيجوز الاستئجار لهما أو لأحدهما عن عاجز أو ميّت ، وتقع صلاة ركعتي الطّواف تبعا لهما ، وتجوز الإجارة عن تفرقة زكاة وكفّارة وأضحيّة وهدي وذبح وصوم عن ميّت وسائر ما يقبل النّيابة وإن توقّف على النّيّة ، لما فيها من شائبة المال . وتصحّ الإجارة لكلّ ما لا تجب له نيّة . </p><p>وتصحّ لتجهيز ميّت ودفنه وتعليم قرآن ولقراءة القرآن عند القبر أو مع الدّعاء . </p><p>وفي الاختيارات الفقهيّة لابن تيميّة : لا يجوز للإنسان أن يقبل هديّة من شخص ليشفع له عند ذي أمر ، أو أن يرفع عنه مظلمة ، أو يوصل إليه حقّه أو يولّيه ولاية يستحقّها ، أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحقّ لذلك ، وإذا امتنعت الهديّة امتنعت الأجرة من باب أولى . والأصل في ذلك : أنّ من أخذ أجرا على عمل تطوّع - ممّا يجوز عند الفقهاء - فإنّه يعتبر أجيراً ، وليس متطوّعا بالقربات ، لأنّ القرب والطّاعات إذا وقعت بأجرة لم تكن قربة ولا عبادة ، لأنّه لا يجوز التّشريك في العبادة ، لكن إذا كان الرّزق من بيت المال أو من وقف فإنّه يعتبر نفقة في المعنى ، ولا يعتبر أجراً . </p><p>جاء في الاختيارات الفقهيّة : الأعمال الّتي يختصّ فاعلها أن يكون من أهل القربة ، هل يجوز إيقاعها على غير وجه القربة ؟ فمن قال : لا يجوز ذلك ، لم يجز الإجارة عليها ، لأنّها بالعوض تقع غير قربة و« إنّما الأعمال بالنّيّات » واللّه تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه ، ومن جوّز الإجارة جوّز إيقاعها على غير وجه القربة ، وقال : تجوز الإجارة عليها لا فيها من نفع المستأجر ، وأمّا ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضاً وأجرة ، بل رزق للإعانة على الطّاعة ، فمن عمل منهم للّه أثيب . وكذلك المال الموقوف على أعمال البرّ والموصى به كذلك ، والمنذور كذلك ، ليس كالأجرة . </p><p>ويقول القرافيّ : باب الأرزاق أدخل في باب الإحسان وأبعد عن باب المعاوضة ، وباب الإجارة أبعد من باب المسامحة وأدخل في باب المكايسة ، ثمّ يقول : الأرزاق مجمع على جوازها ، لأنّها إحسان ومعروف وإعانة لا إجارة .</p><p>انقلاب التّطوّع إلى واجب :</p><p>29 - ينقلب التّطوّع إلى واجب لأسباب متعدّدة منها : </p><p>أ - الشّروع :</p><p>30 - التّطوّع بالحجّ عند جميع الفقهاء يصير واجباً بالشّروع فيه ، بحيث إذا فسد وجب قضاؤه . ومثل ذلك : الصّلاة والصّيام عند الحنفيّة والمالكيّة . </p><p>ب - التّطوّع بالحجّ ممّن لم يحجّ حجّة الإسلام :</p><p>31 - قال ابن قدامة : من أحرم بحجّ تطوّع - ممّن لم يحجّ حجّة الإسلام - وقع عن حجّة الإسلام ، وبهذا قال ابن عمر وأنس والشّافعيّ ، لأنّه أحرم بالحجّ وعليه فرضه ، فوقع عن فرضه كالمطلق . ولو أحرم بتطوّع وعليه منذورة وقعت عن المنذورة ، ولأنّها واجبة فهي كحجّة الإسلام . والعمرة كالحجّ فيما ذكرنا لأنّها أحد النّسكين ، فأشبهت الآخر . </p><p>وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى : أنّه إذا نوى حجّة نفل - ولم يكن قد حجّ حجّة الإسلام - وقع عمّا نواه ، لأنّ وقت الحجّ يشبه وقت الصّلاة ( ظرف ) ووقت الصّوم ( معيار ) فأعطي حكمهما ، فيتأدّى فرضه بمطلق النّيّة ، ويقع عن النّفل إذا نواه . </p><p>وقال ابن نجيم : لو طاف بنيّة التّطوّع في أيّام النّحر وقع عن الفرض . </p><p>وفي البدائع : لو تصدّق بجميع ماله على فقير ، ولم ينو الزّكاة أجزأه عن الزّكاة استحساناً. والقياس : أن لا يجوز ، لأنّ الزّكاة عبادة مقصودة ، فلا بدّ لها من النّيّة . </p><p>ووجه الاستحسان أنّ النّيّة وجدت دلالة ، وعلى هذا إذا وهب جميع النّصاب من الفقير ، أو نوى تطوّعاً ، ولو أدّى مائة لا ينوي الزّكاة ، ونوى تطوّعاً ، لا تسقط زكاة المائة وعليه أن يزكّي الكلّ عند أبي يوسف . وعند محمّد يسقط عنه زكاة ما تصدّق ، ولا يسقط عنه زكاة الباقي . </p><p>ج - الالتزام أو التّعيين بالنّيّة والقول :</p><p>32 - جاء في الدّرّ المختار : لو نذر التّصدّق يوم الجمعة بمكّة بهذا الدّرهم على فلان ، فخالف ، جاز . قال ابن عابدين : فلو خالف في بعضها أو كلّها ، بأن تصدّق في غير يوم الجمعة ببلد آخر بدرهم آخر على شخص آخر جاز ، لأنّ الدّاخل تحت النّذر ما هو قربة ، وهو أصل التّصدّق دون التّعيين ، فبطل التّعيين ولزمه القربة . </p><p>ثمّ قال ابن عابدين : وهذا ليس على إطلاقه لما في البدائع : لو قال : للّه عليّ أن أطعم هذا المسكين شيئا سمّاه ولم يعيّنه ، فلا بدّ أن يعطيه للّذي سمّى ، لأنّه إذا لم يعيّن المنذور صار تعيين الفقير مقصودا ، فلا يجوز أن يعطي غيره . وفي الاختيار : لا تجب الأضحيّة على الفقير ، لكنّها تجب بالشّراء ، ويتعيّن ما اشتراه للأضحيّة . فإن مضت أيّام الأضحيّة ولم يذبح ، تصدّق بها حيّة ، لأنّها غير واجبة على الفقير ، فإذا اشتراها بنيّة الأضحيّة تعيّنت للوجوب ، والإراقة إنّما عرفت قربة في وقت معلوم ، وقد فات فيتصدّق بعينها . </p><p>وإن كان المضحّي غنيّاً ، وفات وقت الأضحيّة ، تصدّق بثمنها ، اشتراها أو لا ، لأنّها واجبة عليه ، فإذا فات وقت القربة في الأضحيّة تصدّق بالثّمن إخراجا له عن العهدة . </p><p>وجاء في نهاية المحتاج : الأضحيّة سنّة ، ولكنّها تجب بالالتزام ، كقوله : جعلت هذه الشّاة أضحيّة كسائر القرب . وفي تحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطّاب : الالتزام المطلق يقضى به على الملتزم ، ما لم يفلّس أو يمت أو يمرض . </p><p>وقال ابن رشد في نوازله فيمن عزل لمسكين معيّن شيئاً ، وبتّله له بقول أو نيّة ، فلا يجوز له أن يصرفه إلى غيره ، وهو ضامن له إن فعل . ولو نوى أن يعطيه ولم يبتّله له بقول ولا نيّة كره له أن يصرفه إلى غيره . ومعنى بتّله : جعله له من الآن . </p><p>وفي الفواكه الدّواني : من أخرج كسرة لسائل فوجده قد ذهب لا يجوز له أكلها ، ويجب عليه أن يتصدّق بها على غيره ، كما قاله مالك . وقال غيره : يجوز له أكلها ، وقال ابن رشد : يحمل كلام غير مالك على ما إذا أخرجها لمعيّن ، فيجوز له أكلها عند عدم وجوده أو عدم قبوله ، وحمل كلام مالك على إخراجها لغير معيّن ، فلا يجوز له أكلها بل يتصدّق بها على غيره ، لأنّه لم يعيّن الّذي يأخذها . </p><p>وفي القواعد الفقهيّة لابن رجب : الهدي والأضحيّة يتعيّنان بالتّعيين بالقول بلا خلاف . </p><p>وفي تعيينه بالنّيّة وجهان ، فإذا قال : هذه صدقة ، تعيّنت وصارت في حكم المنذورة ، وإذا عيّن بنيّته أن يجعلها صدقة - وعزلها عن ماله - فهو كما لو اشترى شاة ينوي التّضحية. </p><p>د - النّذر :</p><p>33 - النّذر بالقرب والطّاعات يجعلها واجبة . </p><p>قال الكاسانيّ : النّذر من أسباب الوجوب في العبادات والقرب المقصودة . </p><p>وفي فتح العليّ المالك : النّذر المطلق : هو التزام طاعة اللّه تعالى بنيّة القربة . </p><p>هـ - استدعاء الحاجة :</p><p>34 - قال ابن رجب في قواعده : ما تدعو الحاجة إلى الانتفاع به من الأعيان - ولا ضرر في بذله لتيسّره ، وكثرة وجوده - أو المنافع المحتاج إليها يجب بذله مجّانا بغير عوض في الأظهر ، ومن ذلك وضع الخشب على جدار الجار إذا لم يضرّ ، واختار بعضهم وجوب بذل الماعون ، وهو ما خفّ قدره وسهل ( وجرت العادة ببذله ) ، ومنها : المصحف تجب إعارته لمسلم احتاج القراءة فيه . وفي حاشية الصّاويّ على الشّرح الصّغير : العاريّة مندوبة ، وقد يعرض وجوبها ، كغنيّ عنها لمن يخشى بعدمها هلاكه . </p><p>وفي القرض قال : القرض مندوب ، وقد يعرض له ما يوجبه كالقرض لتخليص مستهلك . </p><p>و - الملك :</p><p>35 - الأصل في العتق أنّه مندوب مرغّب فيه ، لكن يكون واجباً على من ملك أصله أو فرعه ، حيث يعتق عليه بنفس الملك .</p><p>أسباب منع التّطوّع :</p><p>36 - يمنع التّطوّع لأسباب متعدّدة ، منها : </p><p>أ - وقوعه في الأوقات المنهيّ عنها :</p><p>37 - التّطوّع بالعبادة في الأوقات الّتي نهى الشّارع عن وقوع العبادة فيها ممنوع ، كالصّلاة وقت طلوع الشّمس أو غروبها أو عند الاستواء ، لحديث عقبة بن عامر الجهنيّ رضي الله عنه قال : « ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلّي فيهنّ ، أو أن نقبر فيهنّ موتانا : حين تطلع الشّمس بازغة حتّى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظّهيرة حتّى تميل الشّمس ، وحين تضيف الشّمس للغروب حتّى تغرب » .</p><p>ومثل ذلك التّطوّع بالصّوم في أيّام العيد والتّشريق ، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ، ويوم النّحر » . </p><p>وينظر في صحّة ذلك وتفصيله : ( أوقات الصّلوات - صلاة - نفل - صوم ) . </p><p>ب - إقامة الصّلاة المكتوبة :</p><p>38 - يمنع التّطوّع بالصّلاة إذا شرع المؤذّن في الإقامة للصّلاة ، أو تضيّق الوقت بحيث لا يتّسع لأداء أيّ نافلة . قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إذا أقيمت الصّلاة فلا صلاة إلا المكتوبة » . ( ر : أوقات الصّلاة ، نفل ) . </p><p>ج - عدم الإذن ممّن يملك الإذن :</p><p>39 - من يتوقّف تطوّعه على إذن غيره لا يجوز له أن يتطوّع إلا بعد الإذن له ، وعلى ذلك فلا يجوز للمرأة أن تتطوّع بصوم أو اعتكاف أو حجّ إلا بإذن زوجها ، ولا يصوم الأجير تطوّعا إلا بإذن المستأجر إذا تضرّر بالصّوم ، ولا يجوز للولد البالغ الإحرام بنفل حجّ أو عمرة أو نفل جهاد إلا بإذن الأبوين . </p><p>وهذا في الجملة ، وينظر تفصيل ذلك في : ( نفل ، صلاة ، صوم ، حجّ ، إجارة ، أنثى ) . </p><p>د - الإفلاس في الحجر بالنّسبة للتّبرّعات الماليّة :</p><p>40 - من أحَاط الدّين بماله فإنّه يمنع شرعا من التّصرّف في أيّ وجه من وجوه التّبرّع كالصّدقة والهبة ، وهذا بعد الحجر باتّفاق ، أمّا قبل الحجر ففيه اختلاف الفقهاء ( ر : حجر ، تبرّع ، إفلاس ) . </p><p>وتمنع التّبرّعات المنجّزة - كالعتق والهبة المقبوضة والصّدقة وغير ذلك - إن زادت على الثّلث ، وكانت التّبرّعات في مرض الموت ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه تصدّق عليكم قبل وفاتكم بثلث أموالكم » . </p><p>ويتوقّف نفاذ تلك التّصرّفات على إجازة الورثة بعد وفاة المورّث . ومن وقف وقفاً مستقلاً ، ثمّ تبيّن أنّ عليه دينا ، ولم يمكن وفاء الدّين إلّا ببيع شيء من الوقف ، وهو في مرض الموت ، بيع باتّفاق العلماء . ويمنع من التّبرّع أيضا من تلزمه نفقة غيره ، بحيث لا يفضل شيء بعد ذلك . جاء في المنثور : القربات الماليّة كالعتق والوقف والصّدقة والهبة إذا فعلها من عليه دين ، أو من تلزمه نفقة غيره ممّا لا يفضل عن حاجته ، يحرم عليه في الأصحّ ، لأنّه حقّ واجب فلا يحلّ تركه لسنّة . وفي القواعد لابن رجب : نصّ أحمد في رواية حنبل فيمن تبرّع بماله بوقف أو صدقة وأبواه محتاجان : أنّ لهما ردّه ، ونصّ في رواية أخرى : أنّ من أوصى لأجانب ، وله أقارب محتاجون ، أنّ الوصيّة تردّ عليهم . </p><p>فتخرج من ذلك أنّ من تبرّع ، وعليه نفقة واجبة لوارث أو دين - ليس له وفاء - لهما ردّه . وكلّ هذا في الجملة وينظر في : ( حجر ، تبرّع ، هبة ، وقف ، وصيّة ) .</p><p>هـ - التّطوّع بشيء من القربات في المعصية :</p><p>41 - لا يجوز التّبرّع بشيء فيه معصية للّه تعالى ، ومن أمثلة ذلك : </p><p>- لا تصحّ إعارة الصّيد لمحرم بالحجّ . - لا تصحّ الوصيّة بما هو محرّم ، كالوصيّة للكنيسة ، والوصيّة بالسّلاح لأهل الحرب . </p><p>ولا الوصيّة ببناء كنيسة أو بيت نار أو عمارتهما أو الاتّفاق عليهما . </p><p>لا يصحّ الوقف على معصية، ولا على ما هو محرّم كالبيع والكنائس وكتب التّوراة والإنجيل. ومن وقف على من يقطع الطّريق لم يصحّ الوقف ، لأنّ القصد بالوقف القربة . </p><p>وفي وقف ذلك إعانة على المعصية . وهذا كلّه في الجملة . </p><p>وفي ذلك خلاف وتفصيل يرجع إليه في : ( الوقف ، والوصيّة ، والهبة ، والتّبرّع )</p><p>ثالثاً : ما يخصّ غير العبادات " من أحكام التّطوّع :</p><p>الإيجاب والقبول والقبض :</p><p>42 - من التّطوّعات ما يحتاج إلى الإيجاب والقبول ، وذلك في عقود التّبرّعات ، مثل العاريّة والهبة والوصيّة لمعيّن ، وكذا الوقف على معيّن - مع اختلاف الفقهاء في ذلك ، واختلافهم في اشتراط القبض أيضا - وتفصيل ذلك فيما يأتي : </p><p>أ - العاريّة :</p><p>43 - الإيجاب والقبول ركن في عقد العاريّة باتّفاق الفقهاء ، وقد يحلّ التّعاطي محلّ الإيجاب أو القبول . والقبض لا يمنع الرّجوع في العاريّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، لأنّها عقد غير لازم عندهم ، وللمعير الرّجوع في العاريّة في أيّ وقت ، سواء أقبضها المستعير أم لم يقبضها ، ويقولون : إنّ المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المستعير ، لأنّها تستوفى شيئا فشيئا ، فكلّما استوفى شيئا فقد قبضه ، والّذي لم يستوفه لم يقبضه ، فجاز الرّجوع فيه ، إلّا أن يكون الرّجوع في حال يستضرّ به المستعير ، كإعارة أرض لزراعة أو دفن ميّت . وهذا في الجملة عندهم ، وينظر تفصيله في : ( عاريّة ) . </p><p>أمّا المالكيّة : فالإعارة عقد لازم عندهم ، فهي تفيد تمليك المنفعة بالإيجاب والقبول ، ولا يجوز الرّجوع فيها قبل المدّة المحدّدة ، أو قبل إمكان الانتفاع بالمستعار إن كانت مطلقة . وهذا في الجملة كذلك .</p><p>ب - الهبة :</p><p>44 - الإيجاب والقبول ركن من أركان الهبة باتّفاق الفقهاء . </p><p>أمّا القبض فلا بدّ منه لثبوت الملك ، وذلك عند الحنفيّة والشّافعيّة ، لأنّ الملك لو ثبت بدونه للزم المتبرّع شيء لم يلتزمه ، وهو التّسلّم ، فلا تملك بالعقد بل بالقبض ، لما روي عن عائشة رضي الله عنها زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّها قالت : « إنّ أبا بكر الصّدّيق كان نحلها جادّ عشرين وسقاً من ماله بالغابة . فلمّا حضرته الوفاة قال : واللّه ، يا بنيّة ما من النّاس أحد أحبّ إليّ غنى بعدي منك ، ولا أعزّ عليّ فقراً بعدي منك ، وإنّي كنت نحلتك جادّ عشرين وسقاً ، فلو كنت جدّدتيه واحتزتيه كان لك ، وإنّما هو اليوم مال وارث » . </p><p>وما ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة هو رأي بعض الحنابلة . قال المجد بن تيميّة في شرح الهداية : الملك في الموهوب لا يثبت بدون القبض ، وكذا صرّح ابن عقيل الحنبليّ : أنّ القبض ركن من أركان الهبة كالإيجاب في غيرها ، وكلام الخرقيّ يدلّ عليه . والرّأي الآخر للحنابلة : أنّ الهبة تملك بالعقد ، فيصحّ التّصرّف من الموهوب له فيها قبل القبض ، كذا في المنتهى وشرحه ، وهو الّذي قدّمه في الإنصاف . وعلى رأي الحنفيّة والشّافعيّة ، ومن رأى رأيهم من الحنابلة : يجوز الرّجوع فيها قبل القبض ، لأنّ عقد الهبة لم يتمّ . ولكنّه عند من يرى ذلك من الحنابلة يكون مع الكراهة ، خروجاً من خلاف من قال : إنّ الهبة تلزم بالعقد . وعند المالكيّة : تملك الهبة بالقبول على المشهور ، وللمتّهب طلبها من الواهب إن امتنع ولو عند حاكم ، ليجبره على تمكين الوهوب له منها . لكن قال ابن عبد السّلام : القبول والحيازة معتبران في الهبة ، إلا أنّ القبول ركن والحيازة شرط . أي في تمامها ، فإن عدم لم تلزم ، وإن كانت صحيحة . على أنّ الهبة لو تمّت بالقبض ، فإنّه يجوز الرّجوع فيها عند الحنفيّة إن كانت لأجنبيّ ، أي غير ذي رحم محرم ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : </p><p>« الرّجل أحقّ بهبته ما لم يثب منها » أمّا عند الجمهور فلا يجوز الرّجوع فيها بعد القبض ، إلّا الوالد فيما يهب لولده فإنّه يجوز له الرّجوع لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « العائد في هبته كالعائد في قيئه » . وينظر تفصيل ذلك في ( هبة ) .</p><p>ج - الوصيّة لمعيّن :</p><p>45 - من أركان الوصيّة الإيجاب من الموصي والقبول من الموصى له المعيّن ، لكنّ القبول لا يعتبر إلّا بعد موت الموصي ، ولا يفيد القبول قبل موته ، لأنّ الوصيّة عقد غير لازم ، والموصي يملك الرّجوع في وصيّته ما دام حيّاً ، وبالقبول يملك الموصى له الموصى به ، ولا يتوقّف الملك على القبض ، وهذا عند الحنفيّة - غير زفر - والمالكيّة ، والشّافعيّة والحنابلة . أمّا عند زفر فركن الوصيّة هو الإيجاب فقط من الموصي ، ويثبت الملك للموصى له من غير قبول كالإرث . وينظر تفصيل ذلك في ( وصيّة ) .</p><p>د - الوقف على معيّن :</p><p>46 - الإيجاب ركن من أركان الوقف ، سواء أكان على معيّن أم لم يكن . أمّا القبول : فإن كان الوقف على معيّن فإنّه يشترط قبوله ، وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة . </p><p>وعند الحنابلة : لا يفتقر الوقوف على معيّن إلى القبول ، لأنّه إزالة ملك يمنع البيع ، فلم يعتبر فيه القبول كالعتق ، أمّا القبض فليس بشرط عند الشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ، وعند المالكيّة ومحمّد : القبض شرط . وينظر تفصيل ذلك في ( وقف ) .</p><p></p><p>تطيّب *</p><p>التّعريف : </p><p>1 - التّطيّب في اللّغة : مصدر تطيّب ، وهو التّعطّر . والطّيب هو : العطر ، وهو ما له رائحة مستلذّة ، كالمسك والكافور والورد والياسمين والورس والزّعفران . </p><p>ولا يخرج معناه في الاصطلاح عن هذا المعنى اللّغويّ . </p><p>2 - والطّيب ينقسم إلى قسمين : مذكّر ، مؤنّث . فالمذكّر : ما يخفى أثره ، أي تعلّقه بما مسّه من ثوب أو جسد ، ويظهر ريحه . والمراد به أنواع الرّياحين ، والورد ، والياسمين . وأمّا المياه الّتي تعصر ممّا ذكر فليس من قبيل المؤنّث . والمؤنّث : هو ما يظهر لونه وأثره ، أي تعلّقه بما مسّه تعلّقا شديدا كالمسك ، والكافور ، والزّعفران . </p><p>الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>التّزيّن : </p><p>3 - التّزيّن : هو اتّخاذ الزّينة ، وهي اسم جامع لكلّ شيء يتزيّن به ، فالتّزيّن ما يحسن به منظر الإنسان . </p><p> الحكم التّكليفيّ :</p><p>4 - الأصل سنّيّة التّطيّب ، ويختلف الحكم بحسب الأحوال ، على ما سيأتي . </p><p>تطيّب الرّجل والمرأة :</p><p>5 - يسنّ التّطيّب ، لخبر أبي أيّوب رضي الله عنه مرفوعاً « أربع من سنن المرسلين : الحنّاء ، والتّعطّر ، والسّواك ، والنّكاح » ولقول الرّسول صلى الله عليه وسلم « حبّب إليّ من دنياكم : النّساء والطّيب ، وجعلت قرّة عيني في الصّلاة » .</p><p>والطّيب يستحبّ للرّجل داخل بيته وخارجه ، بما يظهر ريحه ويخفى لونه ، كبخور العنبر والعود . ويسنّ للمرأة في غير بيتها بما يظهر لونه ويخفى ريحه ، لخبر رواه التّرمذيّ والنّسائيّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه « طيب الرّجال ما ظهر ريحه وخفي لونه ، وطيب النّساء ما خفي ريحه وظهر لونه » ولأنّها ممنوعة في غير بيتها ممّا ينمّ عليها ، لحديث : « أيّما امرأة استعطرت ، فمرّت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية » وفي بيتها تتطيّب بما شاءت ، ممّا يخفى أو يظهر ، لعدم المانع .</p><p>التّطيّب لصلاة الجمعة :</p><p>6 - يندب التّطيّب لصلاة الجمعة بلا خلاف . لحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال :</p><p>« قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إنّ هذا يوم عيد جعله اللّه للمسلمين ، فمن جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل ، وإن كان طيب فليمسّ منه ، وعليكم بالسّواك » .</p><p>وعن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يغتسل رجل يوم الجمعة ، ويتطهّر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه أو يمسّ من طيب بيته ، ثمّ يخرج لا يفرّق بين اثنين ، ثمّ يصلّي ما كتب له ، ثمّ ينصت إذا تكلّم الإمام ، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى » .</p><p>التّطيّب لصلاة العيد :</p><p>7 - يندب للرّجل قبل خروجه لصلاة العيد أن يتطيّب بما له ريح لا لون له ، وبهذا قال الجمهور . أمّا النّساء فلا بأس بخروجهنّ غير متطيّبات ولا لابسات ثياب زينة أو شهرة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا تمنعوا إماء اللّه مساجدَ اللّه ، وليخرجن تَفِلات » والمراد بالتّفلات : غير المتطيّبات .</p><p>تطيّب الصّائم :</p><p>8 - يباح للصّائم أن يتطيّب عند الحنفيّة . </p><p>وقال المالكيّة : يجوز التّطيّب للصّائم المعتكف ، ويكره للصّائم غير المعتكف . قال الدّردير : لأنّ المعتكف معه مانع يمنعه ممّا يفسد اعتكافه ، وهو لزومه المسجد وبعده عن النّساء . وقال الشّافعيّة : يسنّ للصّائم ترك شمّ الرّياحين ولمسها . والمراد أنواع الطّيب ، كالمسك والورد والنّرجس ، إذا استعمله نهارا لما فيها من التّرفّه ، ويجوز له ذلك ليلا ، ولو دامت رائحته في النّهار ، كما في المحرم . وأمّا الحنابلة ، فقالوا : يكره للصّائم شمّ ما لا يأمن أن يجذبه نفسه إلى حلقه كسحيق مسك ، وكافور ، ودهن ونحوها ، كبخور عود وعنبر .</p><p>تطيّب المعتكف :</p><p>9 - يجوز للمعتكف أن يتطيّب نهاراً أو ليلاً بأنواع الطّيب عند جمهور الفقهاء ، إلا في رواية عن الإمام أحمد أنّه قال : إنّه لا يعجبني أن يتطيّب . </p><p>وذلك لأنّ الاعتكاف عبادة تختصّ مكانا ، فكان ترك الطّيب فيه مشروعا كالحجّ . </p><p>واستدلّ القائلون بجواز التّطيّب بقوله تعالى : { يَا بَني آدَمَ خُذُوا زِيْنَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } .</p><p>التّطيّب في الحجّ :</p><p>10 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّطيّب أثناء الإحرام في البدن أو الثّوب محظور . أمّا التّطيّب للإحرام قبل الدّخول فيه فهو مسنون استعدادا للإحرام عند الجمهور ، وكرهه مالك لما روي من كراهته عن عمر ، وعثمان ، وابن عمر رضي الله عنهم ، وجماعة من التّابعين . </p><p>ودليل سنّيّة التّطيّب في البدن للإحرام ما روت عائشة رضي الله عنها قالت : « كنت أطيّب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ، ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت » وعنها رضي الله عنها قالت : « كأنّي أنظر إلى وبيص الطّيب في مفارق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو محرم » . </p><p>والصّحيح عندهم جواز التّطيّب بما يبقى جرمه بعد الإحرام ، لصريح حديث عائشة الثّاني . وأمّا المالكيّة : فحظروا بقاء جرم الطّيب وإن ذهبت رائحته . </p><p>11 - أمّا التّطيّب في الثّوب للإحرام : فمنعه الجمهور ، وأجازه الشّافعيّة في القول المعتمد. فلا يضرّ بقاء الرّائحة الطّيّبة في الثّوب اتّفاقا قياسا للثّوب على البدن . </p><p>لكن نصّوا على أنّه لو نزع ثوب الإحرام أو سقط عنه ، فلا يجوز له أن يعود إلى لبسه ما دامت الرّائحة فيه ، بل يزيل منه الرّائحة ثمّ يلبسه ، وهذا قول سعد بن أبي وقّاص ، وابن الزّبير ، وعائشة ، وأمّ حبيبة رضي الله عنهم ، والثّوريّ وغيرهم . </p><p>واحتجّ الشّافعيّة بحديثي عائشة رضي الله عنها السّابقين ، وهما صحيحان رواهما البخاريّ ومسلم ، وقالوا : إنّ الطّيب معنى يراد للاستدامة فلم يمنع الإحرام من استدامته كالنّكاح وسواء فيما ذكر الطّيب الّذي يبقى له جرم بعد الإحرام والّذي لا يبقى ، وسواء الرّجل والمرأة الشّابّة والعجوز . وذهب الحنفيّة - في الأصحّ - إلى عدم جواز التّطيّب للإحرام في الثّوب ، ولا يجوز أن يلبس ثوب إحرام مطيّبا ، لأنّه بذلك يكون مستعملا للطّيب في إحرامه باستعمال الثّوب ، وهو محظور على المحرم ، والفرق : أنّ الطّيب في الثّوب منفصل ، أمّا في البدن فهو تابع له ، وسنّيّة التّطيّب تحصل بتطييب البدن، فأغنى عن تجويزه في الثّوب. وذهب المالكيّة : إلى أنّه إن تطيّب قبل الإحرام يجب عليه إزالته عند الإحرام ، سواء كان ذلك في بدنه أو ثوبه ، فإن بقي في البدن أو الثّوب بعد الإحرام شيء من جرم الطّيب - الّذي تطيّب به قبل الإحرام - وجبت عليه الفدية ، وأمّا إذا كان في الثّوب رائحته ، فلا يجب نزع الثّوب لكن يكره استدامته ولا فدية . </p><p>وأمّا اللّون : ففيه قولان عند المالكيّة ، وهذا كلّه في اليسير ، وأمّا الأثر الكثير ففيه الفدية ، واستدلّ المالكيّة بحديث يعلى بن أميّة رضي الله عنه قال : « أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل متضمّخ بطيب وعليه جبّة فقال : يا رسول اللّه ، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبّة ، بعدما تضمّخ بطيب ؟ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أمّا الطّيب الّذي بك فاغسله ثلاث مرّات ، وأمّا الجبّة فانزعها ، ثمّ اصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك » . فاستدلّوا بهذا الحديث على حظر الطّيب على المحرم في البدن والثّوب . </p><p>ويقول ابن قدامة : إن طيّب ثوبه فله استدامة لبسه ما لم ينزعه ، فإن نزعه لم يكن له أن يلبسه ، فإن لبسه افتدى ، لأنّ الإحرام يمنع ابتداء الطّيب ولبس المطيّب دون الاستدامة . وكذلك إن نقل الطّيب من موضع بدنه إلى موضع آخر افتدى ، لأنّه تطيّب في إحرامه ، وكذا إن تعمّد مسّه أو نحّاه من موضعه ثمّ ردّه إليه ، فأمّا إن عرق الطّيب أو ذاب بالشّمس فسال من موضعه إلى موضع آخر ، فلا شيء عليه ، لأنّه ليس من فعله . </p><p>قالت عائشة رضي الله عنها : « كنّا نخرج مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى مكّة فنضمّد جباهنا بالمسك المطيّب عند الإحرام ، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها ، فيراها النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا » . </p><p>12 - وأمّا التّطيّب بعد الإحرام ، فإنّه يحظر على المحرم استعماله في ثيابه وبدنه ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ولا تلبسوا من الثّياب ما مسّه وَرْس أو زعفران » ولما ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « قال في شأن المحرم الّذي وَقَصَتْه راحلته لا تمسّوه بطيب » ، وفي لفظ « لا تحنّطوه » ووجهه : أنّه لمّا منع الميّت من الطّيب لإحرامه ، فالحيّ أولى . ومتى تطيّب وجبت عليه الفدية ، لأنّه استعمل ما حرّمه الإحرام ولو للتّداوي ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : « المحرم : الأشعث الأغبر » . والطّيب ينافي الشّعث . ويجب الفداء عند المالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة ، لأيّ تطيّب ممّا هو محظور ، دون تقييد بأن يطيّب عضواً كاملاً أو مقداراً من الثّوب معيّناً . </p><p>وإنّما وجبت الفدية قياساً على الحلق ، لأنّه منصوص عليه في القرآن في قوله تعالى : </p><p>{ وَلا تَحْلِقُوا رُءوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَديُ مَحِلَّه ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضَاً أَو بِه أَذَىً مِنْ رَأْسِه فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أو صَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ } . ولما ورد عن كعب بن عجرة رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال له ، حين رأى هوامّ رأسه : أيؤذيك هوامّ رأسك ؟ قال : قلت : نعم قال : فاحلق ، وصم ثلاثة أيّام ، أو أطعم ستّة مساكين ، أو انسك نسيكة » .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41285, member: 329"] ب - نيّة التّطوّع : 24 - التّطوّع - إن كان عبادة - فلا بدّ فيه من النّيّة بالإجماع ، لقوله تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } وقوله صلى الله عليه وسلم : « إنّما الأعمال بالنّيّات » وهي مقصودة بها تمييز العبادات عن العادات ، وتمييز بعض العبادات عن بعض. فالغسل قد يكون تبرّدا وعبادة ، والإمساك عن المفطرات قد يكون حميّة أو تداويا ، ودفع المال يكون صدقة شرعيّة وصلة متعارفة . . وهكذا ، وعلى ذلك فالنّيّة شرط في العبادات باتّفاق ، إلّا أنّ الفقهاء يختلفون في النّيّة في تطوّع العبادات بالنّسبة للتّعيين أو الإطلاق . 25 - والتّطوّع في العبادات ، منه ما هو مطلق كالتّهجّد والصّوم ، ومنه ما هو مقيّد كصلاة الكسوف والسّنن الرّواتب مع الفرائض ، وكصيام عرفة وعاشوراء . أمّا التّطوّع المطلق ، فيصحّ عند جميع الفقهاء أداؤه دون تعيينه بالنّيّة ، وتكفي نيّة مطلق الصّلاة أو مطلق الصّوم . أمّا التّطوّع المعيّن كالرّواتب والوتر والتّراويح ، وصلاة الكسوف والاستسقاء ، وصيام يوم عاشوراء ، فإنّه يشترط فيه تعيينه بالنّيّة ، وذلك عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة وبعض مشايخ الحنفيّة ، غير أنّ المالكيّة حدّدوا المعيّن عندهم بأنّه : الوتر والعيدان وصلاة الكسوف والاستسقاء ورغيبة الفجر ، أمّا غير ذلك فهو من المطلق عندهم . والصّحيح المعتمد عند الحنفيّة أنّ التّطوّع المعيّن أو المقيّد يصحّ دون تعيينه ، وأنّه يكفي فيه مطلق النّيّة كالتّطوّع المطلق ، وهو ما عليه أكثر مشايخ الحنفيّة . 26 - أمّا غير العبادات من التّطوّعات ، فالأصل أنّه لا مدخل للنّيّة فيها ، إلا أنّ نيّة القربة فيها - امتثالا لأوامر الشّرع الّتي تحثّ على المعروف - مطلوبة لاستحقاق الثّواب ، إذ أنّها لا تتمحّض قربة إلّا بهذه النّيّة . يقول الشّاطبيّ : المقاصد معتبرة في التّصرّفات من العبادات والعادات . إلى أن قال : وأمّا الأعمال العاديّة - وإن لم تفتقر في الخروج عن عهدتها إلى نيّة - فلا تكون عبادات ولا معتبرات في الثّواب إلا مع قصد الامتثال ، وفي الأشباه لابن نجيم : لا يتوقّف الوقف ولا الهبة ولا الوصيّة على النّيّة ، فالوصيّة إن قصد التّقرّب بها فله الثّواب ، وإلّا فهي صحيحة فقط ، وكذلك الوقف إن نوى القربة فله الثّواب وإلا فلا ، وعلى هذا سائر القرب لا بدّ فيها من النّيّة ، بمعنى توقّف حصول الثّواب على قصد التّقرّب بها إلى اللّه تعالى . وفي الشّرح الصّغير : الهبة من التّبرّعات المندوبة كالصّدقة ، وهذا إن صحّ القصد ، وإن استحضر أنّ ذلك ممّا رغّب فيه الشّرع فإنّه يثاب . وفي المنثور في القواعد للزّركشيّ : عيادة المريض واتّباع الجنازة وردّ السّلام قربة ، لا يستحقّ الثّواب عليها إلا بالنّيّة . ج - النّيابة في التّطوّع : 27 - التّطوّع إن كان من العبادات البدنيّة كالصّلاة والصّوم ، فلا تجوز فيه النّيابة ، لأنّه لا تجوز النّيابة في فرضه في الجملة ، فلا تجوز في نفله . وإن كان مركّبا منهما كالحجّ ، فعند الحنفيّة والحنابلة تصحّ النّيابة فيه ، وهو الأظهر عند الشّافعيّة ، وأحد قولين معتمدين عند المالكيّة . أمّا غير ذلك من العبادات الماليّة والتّطوّعات بأنواع البرّ والمعروف ، كالصّدقة والهدي والعتق والوقف والوصيّة والهبة والإبراء وغيرها فإنّه تجوز النّيابة فيها . كما أنّه يجوز عند الحنفيّة والحنابلة أن يتطوّع الإنسان بجعل ثواب عمله من صلاة وصيام وحجّ وصدقة وعتق وطواف وعمرة وقراءة وغير ذلك لغيره ، من حيّ أو ميّت . بدليل أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « ضحّى بكبشين أملحين ، أحدهما عنه ، والآخر عن أمّته » . وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن العاص ، لمّا سأله عن أبيه : لو كان مسلماً فأعتقتم عنه أو تصدّقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك » . قال ابن قدامة : وهذا عامّ في حجّ التّطوّع وغيره ، ولأنّه عمل برّ وطاعة فوصل نفعه وثوابه كالصّدقة والصّيام والحجّ الواجب . « عن أنس رضي الله عنه قال : يا رسول اللّه ، إنّا نتصدّق عن موتانا ، ونحجّ عنهم ، وندعو لهم ، فهل يصل ذلك لهم ؟ قال : نعم ، إنّه ليصل إليهم ، وإنّهم ليفرحون به كما يفرح أحدكم بالطّبق إذا أهدي إليه » . وقال صلى الله عليه وسلم : « إنّ من البرّ بعد الموت أن تصلّي لأبويك مع صلاتك ، وأن تصوم لهما مع صومك » وعند المالكيّة والشّافعيّة يجوز فيما عدا الصّلاة والصّيام . وينظر تفصيل ذلك في : ( نيابة - وكالة - نفل - صدقة - صلاة - وصوم ) . د - الأجرة على التّطوّع : 28 - الأصل أنّ كلّ طاعة يختصّ بها المسلم لا يجوز أخذ الأجرة عليها ، كالإمامة والأذان والحجّ والجهاد وتعليم القرآن . لما روى عثمان بن أبي العاص قال : « إنّ آخر ما عهد إليّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن أتَّخِذَ مؤذّناً لا يأخذُ على أذانه أجراً » ولأنّ القربة متى حصلت وقعت عن العامل ، ولهذا تعتبر أهليّته ، فلا يجوز أخذ الأجر عن غيره كما في الصّوم والصّلاة . هذا مذهب الحنفيّة ، وهو رواية عند الحنابلة . ويصحّ مع الكراهة عند المالكيّة . جاء في الشّرح الصّغير : تكره إجارة الإنسان نفسه في عمل للّه تعالى ، حجّا أو غيره ، كقراءة وإمامة وتعليم علم ، وصحّته مع الكراهة . كما تكره الإجارة على الأذان ، قال مالك : لأن يؤاجر الرّجل نفسه في عمل اللّبن وقطع الحطب وسوق الإبل أحبّ إليّ من أن يعمل عملا للّه بأجرة . وقال الشّافعيّة ، كما في نهاية المحتاج : لا تصحّ إجارة مسلم لجهاد ولا لعبادة يجب لها نيّة ، وألحقوا بذلك الإمامة ولو لنفل ، لأنّه حصل لنفسه . أمّا ما لا تجب له نيّة كالأذان فيصحّ الاستئجار عليه ، واستثني ممّا فيه نيّة : الحجّ والعمرة ، فيجوز الاستئجار لهما أو لأحدهما عن عاجز أو ميّت ، وتقع صلاة ركعتي الطّواف تبعا لهما ، وتجوز الإجارة عن تفرقة زكاة وكفّارة وأضحيّة وهدي وذبح وصوم عن ميّت وسائر ما يقبل النّيابة وإن توقّف على النّيّة ، لما فيها من شائبة المال . وتصحّ الإجارة لكلّ ما لا تجب له نيّة . وتصحّ لتجهيز ميّت ودفنه وتعليم قرآن ولقراءة القرآن عند القبر أو مع الدّعاء . وفي الاختيارات الفقهيّة لابن تيميّة : لا يجوز للإنسان أن يقبل هديّة من شخص ليشفع له عند ذي أمر ، أو أن يرفع عنه مظلمة ، أو يوصل إليه حقّه أو يولّيه ولاية يستحقّها ، أو يستخدمه في الجند المقاتلة وهو مستحقّ لذلك ، وإذا امتنعت الهديّة امتنعت الأجرة من باب أولى . والأصل في ذلك : أنّ من أخذ أجرا على عمل تطوّع - ممّا يجوز عند الفقهاء - فإنّه يعتبر أجيراً ، وليس متطوّعا بالقربات ، لأنّ القرب والطّاعات إذا وقعت بأجرة لم تكن قربة ولا عبادة ، لأنّه لا يجوز التّشريك في العبادة ، لكن إذا كان الرّزق من بيت المال أو من وقف فإنّه يعتبر نفقة في المعنى ، ولا يعتبر أجراً . جاء في الاختيارات الفقهيّة : الأعمال الّتي يختصّ فاعلها أن يكون من أهل القربة ، هل يجوز إيقاعها على غير وجه القربة ؟ فمن قال : لا يجوز ذلك ، لم يجز الإجارة عليها ، لأنّها بالعوض تقع غير قربة و« إنّما الأعمال بالنّيّات » واللّه تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه ، ومن جوّز الإجارة جوّز إيقاعها على غير وجه القربة ، وقال : تجوز الإجارة عليها لا فيها من نفع المستأجر ، وأمّا ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضاً وأجرة ، بل رزق للإعانة على الطّاعة ، فمن عمل منهم للّه أثيب . وكذلك المال الموقوف على أعمال البرّ والموصى به كذلك ، والمنذور كذلك ، ليس كالأجرة . ويقول القرافيّ : باب الأرزاق أدخل في باب الإحسان وأبعد عن باب المعاوضة ، وباب الإجارة أبعد من باب المسامحة وأدخل في باب المكايسة ، ثمّ يقول : الأرزاق مجمع على جوازها ، لأنّها إحسان ومعروف وإعانة لا إجارة . انقلاب التّطوّع إلى واجب : 29 - ينقلب التّطوّع إلى واجب لأسباب متعدّدة منها : أ - الشّروع : 30 - التّطوّع بالحجّ عند جميع الفقهاء يصير واجباً بالشّروع فيه ، بحيث إذا فسد وجب قضاؤه . ومثل ذلك : الصّلاة والصّيام عند الحنفيّة والمالكيّة . ب - التّطوّع بالحجّ ممّن لم يحجّ حجّة الإسلام : 31 - قال ابن قدامة : من أحرم بحجّ تطوّع - ممّن لم يحجّ حجّة الإسلام - وقع عن حجّة الإسلام ، وبهذا قال ابن عمر وأنس والشّافعيّ ، لأنّه أحرم بالحجّ وعليه فرضه ، فوقع عن فرضه كالمطلق . ولو أحرم بتطوّع وعليه منذورة وقعت عن المنذورة ، ولأنّها واجبة فهي كحجّة الإسلام . والعمرة كالحجّ فيما ذكرنا لأنّها أحد النّسكين ، فأشبهت الآخر . وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى : أنّه إذا نوى حجّة نفل - ولم يكن قد حجّ حجّة الإسلام - وقع عمّا نواه ، لأنّ وقت الحجّ يشبه وقت الصّلاة ( ظرف ) ووقت الصّوم ( معيار ) فأعطي حكمهما ، فيتأدّى فرضه بمطلق النّيّة ، ويقع عن النّفل إذا نواه . وقال ابن نجيم : لو طاف بنيّة التّطوّع في أيّام النّحر وقع عن الفرض . وفي البدائع : لو تصدّق بجميع ماله على فقير ، ولم ينو الزّكاة أجزأه عن الزّكاة استحساناً. والقياس : أن لا يجوز ، لأنّ الزّكاة عبادة مقصودة ، فلا بدّ لها من النّيّة . ووجه الاستحسان أنّ النّيّة وجدت دلالة ، وعلى هذا إذا وهب جميع النّصاب من الفقير ، أو نوى تطوّعاً ، ولو أدّى مائة لا ينوي الزّكاة ، ونوى تطوّعاً ، لا تسقط زكاة المائة وعليه أن يزكّي الكلّ عند أبي يوسف . وعند محمّد يسقط عنه زكاة ما تصدّق ، ولا يسقط عنه زكاة الباقي . ج - الالتزام أو التّعيين بالنّيّة والقول : 32 - جاء في الدّرّ المختار : لو نذر التّصدّق يوم الجمعة بمكّة بهذا الدّرهم على فلان ، فخالف ، جاز . قال ابن عابدين : فلو خالف في بعضها أو كلّها ، بأن تصدّق في غير يوم الجمعة ببلد آخر بدرهم آخر على شخص آخر جاز ، لأنّ الدّاخل تحت النّذر ما هو قربة ، وهو أصل التّصدّق دون التّعيين ، فبطل التّعيين ولزمه القربة . ثمّ قال ابن عابدين : وهذا ليس على إطلاقه لما في البدائع : لو قال : للّه عليّ أن أطعم هذا المسكين شيئا سمّاه ولم يعيّنه ، فلا بدّ أن يعطيه للّذي سمّى ، لأنّه إذا لم يعيّن المنذور صار تعيين الفقير مقصودا ، فلا يجوز أن يعطي غيره . وفي الاختيار : لا تجب الأضحيّة على الفقير ، لكنّها تجب بالشّراء ، ويتعيّن ما اشتراه للأضحيّة . فإن مضت أيّام الأضحيّة ولم يذبح ، تصدّق بها حيّة ، لأنّها غير واجبة على الفقير ، فإذا اشتراها بنيّة الأضحيّة تعيّنت للوجوب ، والإراقة إنّما عرفت قربة في وقت معلوم ، وقد فات فيتصدّق بعينها . وإن كان المضحّي غنيّاً ، وفات وقت الأضحيّة ، تصدّق بثمنها ، اشتراها أو لا ، لأنّها واجبة عليه ، فإذا فات وقت القربة في الأضحيّة تصدّق بالثّمن إخراجا له عن العهدة . وجاء في نهاية المحتاج : الأضحيّة سنّة ، ولكنّها تجب بالالتزام ، كقوله : جعلت هذه الشّاة أضحيّة كسائر القرب . وفي تحرير الكلام في مسائل الالتزام للحطّاب : الالتزام المطلق يقضى به على الملتزم ، ما لم يفلّس أو يمت أو يمرض . وقال ابن رشد في نوازله فيمن عزل لمسكين معيّن شيئاً ، وبتّله له بقول أو نيّة ، فلا يجوز له أن يصرفه إلى غيره ، وهو ضامن له إن فعل . ولو نوى أن يعطيه ولم يبتّله له بقول ولا نيّة كره له أن يصرفه إلى غيره . ومعنى بتّله : جعله له من الآن . وفي الفواكه الدّواني : من أخرج كسرة لسائل فوجده قد ذهب لا يجوز له أكلها ، ويجب عليه أن يتصدّق بها على غيره ، كما قاله مالك . وقال غيره : يجوز له أكلها ، وقال ابن رشد : يحمل كلام غير مالك على ما إذا أخرجها لمعيّن ، فيجوز له أكلها عند عدم وجوده أو عدم قبوله ، وحمل كلام مالك على إخراجها لغير معيّن ، فلا يجوز له أكلها بل يتصدّق بها على غيره ، لأنّه لم يعيّن الّذي يأخذها . وفي القواعد الفقهيّة لابن رجب : الهدي والأضحيّة يتعيّنان بالتّعيين بالقول بلا خلاف . وفي تعيينه بالنّيّة وجهان ، فإذا قال : هذه صدقة ، تعيّنت وصارت في حكم المنذورة ، وإذا عيّن بنيّته أن يجعلها صدقة - وعزلها عن ماله - فهو كما لو اشترى شاة ينوي التّضحية. د - النّذر : 33 - النّذر بالقرب والطّاعات يجعلها واجبة . قال الكاسانيّ : النّذر من أسباب الوجوب في العبادات والقرب المقصودة . وفي فتح العليّ المالك : النّذر المطلق : هو التزام طاعة اللّه تعالى بنيّة القربة . هـ - استدعاء الحاجة : 34 - قال ابن رجب في قواعده : ما تدعو الحاجة إلى الانتفاع به من الأعيان - ولا ضرر في بذله لتيسّره ، وكثرة وجوده - أو المنافع المحتاج إليها يجب بذله مجّانا بغير عوض في الأظهر ، ومن ذلك وضع الخشب على جدار الجار إذا لم يضرّ ، واختار بعضهم وجوب بذل الماعون ، وهو ما خفّ قدره وسهل ( وجرت العادة ببذله ) ، ومنها : المصحف تجب إعارته لمسلم احتاج القراءة فيه . وفي حاشية الصّاويّ على الشّرح الصّغير : العاريّة مندوبة ، وقد يعرض وجوبها ، كغنيّ عنها لمن يخشى بعدمها هلاكه . وفي القرض قال : القرض مندوب ، وقد يعرض له ما يوجبه كالقرض لتخليص مستهلك . و - الملك : 35 - الأصل في العتق أنّه مندوب مرغّب فيه ، لكن يكون واجباً على من ملك أصله أو فرعه ، حيث يعتق عليه بنفس الملك . أسباب منع التّطوّع : 36 - يمنع التّطوّع لأسباب متعدّدة ، منها : أ - وقوعه في الأوقات المنهيّ عنها : 37 - التّطوّع بالعبادة في الأوقات الّتي نهى الشّارع عن وقوع العبادة فيها ممنوع ، كالصّلاة وقت طلوع الشّمس أو غروبها أو عند الاستواء ، لحديث عقبة بن عامر الجهنيّ رضي الله عنه قال : « ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلّي فيهنّ ، أو أن نقبر فيهنّ موتانا : حين تطلع الشّمس بازغة حتّى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظّهيرة حتّى تميل الشّمس ، وحين تضيف الشّمس للغروب حتّى تغرب » . ومثل ذلك التّطوّع بالصّوم في أيّام العيد والتّشريق ، لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين : يوم الفطر ، ويوم النّحر » . وينظر في صحّة ذلك وتفصيله : ( أوقات الصّلوات - صلاة - نفل - صوم ) . ب - إقامة الصّلاة المكتوبة : 38 - يمنع التّطوّع بالصّلاة إذا شرع المؤذّن في الإقامة للصّلاة ، أو تضيّق الوقت بحيث لا يتّسع لأداء أيّ نافلة . قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إذا أقيمت الصّلاة فلا صلاة إلا المكتوبة » . ( ر : أوقات الصّلاة ، نفل ) . ج - عدم الإذن ممّن يملك الإذن : 39 - من يتوقّف تطوّعه على إذن غيره لا يجوز له أن يتطوّع إلا بعد الإذن له ، وعلى ذلك فلا يجوز للمرأة أن تتطوّع بصوم أو اعتكاف أو حجّ إلا بإذن زوجها ، ولا يصوم الأجير تطوّعا إلا بإذن المستأجر إذا تضرّر بالصّوم ، ولا يجوز للولد البالغ الإحرام بنفل حجّ أو عمرة أو نفل جهاد إلا بإذن الأبوين . وهذا في الجملة ، وينظر تفصيل ذلك في : ( نفل ، صلاة ، صوم ، حجّ ، إجارة ، أنثى ) . د - الإفلاس في الحجر بالنّسبة للتّبرّعات الماليّة : 40 - من أحَاط الدّين بماله فإنّه يمنع شرعا من التّصرّف في أيّ وجه من وجوه التّبرّع كالصّدقة والهبة ، وهذا بعد الحجر باتّفاق ، أمّا قبل الحجر ففيه اختلاف الفقهاء ( ر : حجر ، تبرّع ، إفلاس ) . وتمنع التّبرّعات المنجّزة - كالعتق والهبة المقبوضة والصّدقة وغير ذلك - إن زادت على الثّلث ، وكانت التّبرّعات في مرض الموت ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « إنّ اللّه تصدّق عليكم قبل وفاتكم بثلث أموالكم » . ويتوقّف نفاذ تلك التّصرّفات على إجازة الورثة بعد وفاة المورّث . ومن وقف وقفاً مستقلاً ، ثمّ تبيّن أنّ عليه دينا ، ولم يمكن وفاء الدّين إلّا ببيع شيء من الوقف ، وهو في مرض الموت ، بيع باتّفاق العلماء . ويمنع من التّبرّع أيضا من تلزمه نفقة غيره ، بحيث لا يفضل شيء بعد ذلك . جاء في المنثور : القربات الماليّة كالعتق والوقف والصّدقة والهبة إذا فعلها من عليه دين ، أو من تلزمه نفقة غيره ممّا لا يفضل عن حاجته ، يحرم عليه في الأصحّ ، لأنّه حقّ واجب فلا يحلّ تركه لسنّة . وفي القواعد لابن رجب : نصّ أحمد في رواية حنبل فيمن تبرّع بماله بوقف أو صدقة وأبواه محتاجان : أنّ لهما ردّه ، ونصّ في رواية أخرى : أنّ من أوصى لأجانب ، وله أقارب محتاجون ، أنّ الوصيّة تردّ عليهم . فتخرج من ذلك أنّ من تبرّع ، وعليه نفقة واجبة لوارث أو دين - ليس له وفاء - لهما ردّه . وكلّ هذا في الجملة وينظر في : ( حجر ، تبرّع ، هبة ، وقف ، وصيّة ) . هـ - التّطوّع بشيء من القربات في المعصية : 41 - لا يجوز التّبرّع بشيء فيه معصية للّه تعالى ، ومن أمثلة ذلك : - لا تصحّ إعارة الصّيد لمحرم بالحجّ . - لا تصحّ الوصيّة بما هو محرّم ، كالوصيّة للكنيسة ، والوصيّة بالسّلاح لأهل الحرب . ولا الوصيّة ببناء كنيسة أو بيت نار أو عمارتهما أو الاتّفاق عليهما . لا يصحّ الوقف على معصية، ولا على ما هو محرّم كالبيع والكنائس وكتب التّوراة والإنجيل. ومن وقف على من يقطع الطّريق لم يصحّ الوقف ، لأنّ القصد بالوقف القربة . وفي وقف ذلك إعانة على المعصية . وهذا كلّه في الجملة . وفي ذلك خلاف وتفصيل يرجع إليه في : ( الوقف ، والوصيّة ، والهبة ، والتّبرّع ) ثالثاً : ما يخصّ غير العبادات " من أحكام التّطوّع : الإيجاب والقبول والقبض : 42 - من التّطوّعات ما يحتاج إلى الإيجاب والقبول ، وذلك في عقود التّبرّعات ، مثل العاريّة والهبة والوصيّة لمعيّن ، وكذا الوقف على معيّن - مع اختلاف الفقهاء في ذلك ، واختلافهم في اشتراط القبض أيضا - وتفصيل ذلك فيما يأتي : أ - العاريّة : 43 - الإيجاب والقبول ركن في عقد العاريّة باتّفاق الفقهاء ، وقد يحلّ التّعاطي محلّ الإيجاب أو القبول . والقبض لا يمنع الرّجوع في العاريّة عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ، لأنّها عقد غير لازم عندهم ، وللمعير الرّجوع في العاريّة في أيّ وقت ، سواء أقبضها المستعير أم لم يقبضها ، ويقولون : إنّ المنافع المستقبلة لم تحصل في يد المستعير ، لأنّها تستوفى شيئا فشيئا ، فكلّما استوفى شيئا فقد قبضه ، والّذي لم يستوفه لم يقبضه ، فجاز الرّجوع فيه ، إلّا أن يكون الرّجوع في حال يستضرّ به المستعير ، كإعارة أرض لزراعة أو دفن ميّت . وهذا في الجملة عندهم ، وينظر تفصيله في : ( عاريّة ) . أمّا المالكيّة : فالإعارة عقد لازم عندهم ، فهي تفيد تمليك المنفعة بالإيجاب والقبول ، ولا يجوز الرّجوع فيها قبل المدّة المحدّدة ، أو قبل إمكان الانتفاع بالمستعار إن كانت مطلقة . وهذا في الجملة كذلك . ب - الهبة : 44 - الإيجاب والقبول ركن من أركان الهبة باتّفاق الفقهاء . أمّا القبض فلا بدّ منه لثبوت الملك ، وذلك عند الحنفيّة والشّافعيّة ، لأنّ الملك لو ثبت بدونه للزم المتبرّع شيء لم يلتزمه ، وهو التّسلّم ، فلا تملك بالعقد بل بالقبض ، لما روي عن عائشة رضي الله عنها زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّها قالت : « إنّ أبا بكر الصّدّيق كان نحلها جادّ عشرين وسقاً من ماله بالغابة . فلمّا حضرته الوفاة قال : واللّه ، يا بنيّة ما من النّاس أحد أحبّ إليّ غنى بعدي منك ، ولا أعزّ عليّ فقراً بعدي منك ، وإنّي كنت نحلتك جادّ عشرين وسقاً ، فلو كنت جدّدتيه واحتزتيه كان لك ، وإنّما هو اليوم مال وارث » . وما ذهب إليه الحنفيّة والشّافعيّة هو رأي بعض الحنابلة . قال المجد بن تيميّة في شرح الهداية : الملك في الموهوب لا يثبت بدون القبض ، وكذا صرّح ابن عقيل الحنبليّ : أنّ القبض ركن من أركان الهبة كالإيجاب في غيرها ، وكلام الخرقيّ يدلّ عليه . والرّأي الآخر للحنابلة : أنّ الهبة تملك بالعقد ، فيصحّ التّصرّف من الموهوب له فيها قبل القبض ، كذا في المنتهى وشرحه ، وهو الّذي قدّمه في الإنصاف . وعلى رأي الحنفيّة والشّافعيّة ، ومن رأى رأيهم من الحنابلة : يجوز الرّجوع فيها قبل القبض ، لأنّ عقد الهبة لم يتمّ . ولكنّه عند من يرى ذلك من الحنابلة يكون مع الكراهة ، خروجاً من خلاف من قال : إنّ الهبة تلزم بالعقد . وعند المالكيّة : تملك الهبة بالقبول على المشهور ، وللمتّهب طلبها من الواهب إن امتنع ولو عند حاكم ، ليجبره على تمكين الوهوب له منها . لكن قال ابن عبد السّلام : القبول والحيازة معتبران في الهبة ، إلا أنّ القبول ركن والحيازة شرط . أي في تمامها ، فإن عدم لم تلزم ، وإن كانت صحيحة . على أنّ الهبة لو تمّت بالقبض ، فإنّه يجوز الرّجوع فيها عند الحنفيّة إن كانت لأجنبيّ ، أي غير ذي رحم محرم ، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « الرّجل أحقّ بهبته ما لم يثب منها » أمّا عند الجمهور فلا يجوز الرّجوع فيها بعد القبض ، إلّا الوالد فيما يهب لولده فإنّه يجوز له الرّجوع لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « العائد في هبته كالعائد في قيئه » . وينظر تفصيل ذلك في ( هبة ) . ج - الوصيّة لمعيّن : 45 - من أركان الوصيّة الإيجاب من الموصي والقبول من الموصى له المعيّن ، لكنّ القبول لا يعتبر إلّا بعد موت الموصي ، ولا يفيد القبول قبل موته ، لأنّ الوصيّة عقد غير لازم ، والموصي يملك الرّجوع في وصيّته ما دام حيّاً ، وبالقبول يملك الموصى له الموصى به ، ولا يتوقّف الملك على القبض ، وهذا عند الحنفيّة - غير زفر - والمالكيّة ، والشّافعيّة والحنابلة . أمّا عند زفر فركن الوصيّة هو الإيجاب فقط من الموصي ، ويثبت الملك للموصى له من غير قبول كالإرث . وينظر تفصيل ذلك في ( وصيّة ) . د - الوقف على معيّن : 46 - الإيجاب ركن من أركان الوقف ، سواء أكان على معيّن أم لم يكن . أمّا القبول : فإن كان الوقف على معيّن فإنّه يشترط قبوله ، وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة . وعند الحنابلة : لا يفتقر الوقوف على معيّن إلى القبول ، لأنّه إزالة ملك يمنع البيع ، فلم يعتبر فيه القبول كالعتق ، أمّا القبض فليس بشرط عند الشّافعيّة والحنابلة وأبي يوسف ، وعند المالكيّة ومحمّد : القبض شرط . وينظر تفصيل ذلك في ( وقف ) . تطيّب * التّعريف : 1 - التّطيّب في اللّغة : مصدر تطيّب ، وهو التّعطّر . والطّيب هو : العطر ، وهو ما له رائحة مستلذّة ، كالمسك والكافور والورد والياسمين والورس والزّعفران . ولا يخرج معناه في الاصطلاح عن هذا المعنى اللّغويّ . 2 - والطّيب ينقسم إلى قسمين : مذكّر ، مؤنّث . فالمذكّر : ما يخفى أثره ، أي تعلّقه بما مسّه من ثوب أو جسد ، ويظهر ريحه . والمراد به أنواع الرّياحين ، والورد ، والياسمين . وأمّا المياه الّتي تعصر ممّا ذكر فليس من قبيل المؤنّث . والمؤنّث : هو ما يظهر لونه وأثره ، أي تعلّقه بما مسّه تعلّقا شديدا كالمسك ، والكافور ، والزّعفران . الألفاظ ذات الصّلة : التّزيّن : 3 - التّزيّن : هو اتّخاذ الزّينة ، وهي اسم جامع لكلّ شيء يتزيّن به ، فالتّزيّن ما يحسن به منظر الإنسان . الحكم التّكليفيّ : 4 - الأصل سنّيّة التّطيّب ، ويختلف الحكم بحسب الأحوال ، على ما سيأتي . تطيّب الرّجل والمرأة : 5 - يسنّ التّطيّب ، لخبر أبي أيّوب رضي الله عنه مرفوعاً « أربع من سنن المرسلين : الحنّاء ، والتّعطّر ، والسّواك ، والنّكاح » ولقول الرّسول صلى الله عليه وسلم « حبّب إليّ من دنياكم : النّساء والطّيب ، وجعلت قرّة عيني في الصّلاة » . والطّيب يستحبّ للرّجل داخل بيته وخارجه ، بما يظهر ريحه ويخفى لونه ، كبخور العنبر والعود . ويسنّ للمرأة في غير بيتها بما يظهر لونه ويخفى ريحه ، لخبر رواه التّرمذيّ والنّسائيّ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه « طيب الرّجال ما ظهر ريحه وخفي لونه ، وطيب النّساء ما خفي ريحه وظهر لونه » ولأنّها ممنوعة في غير بيتها ممّا ينمّ عليها ، لحديث : « أيّما امرأة استعطرت ، فمرّت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية » وفي بيتها تتطيّب بما شاءت ، ممّا يخفى أو يظهر ، لعدم المانع . التّطيّب لصلاة الجمعة : 6 - يندب التّطيّب لصلاة الجمعة بلا خلاف . لحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إنّ هذا يوم عيد جعله اللّه للمسلمين ، فمن جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل ، وإن كان طيب فليمسّ منه ، وعليكم بالسّواك » . وعن سلمان الفارسيّ رضي الله عنه قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يغتسل رجل يوم الجمعة ، ويتطهّر ما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه أو يمسّ من طيب بيته ، ثمّ يخرج لا يفرّق بين اثنين ، ثمّ يصلّي ما كتب له ، ثمّ ينصت إذا تكلّم الإمام ، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى » . التّطيّب لصلاة العيد : 7 - يندب للرّجل قبل خروجه لصلاة العيد أن يتطيّب بما له ريح لا لون له ، وبهذا قال الجمهور . أمّا النّساء فلا بأس بخروجهنّ غير متطيّبات ولا لابسات ثياب زينة أو شهرة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « لا تمنعوا إماء اللّه مساجدَ اللّه ، وليخرجن تَفِلات » والمراد بالتّفلات : غير المتطيّبات . تطيّب الصّائم : 8 - يباح للصّائم أن يتطيّب عند الحنفيّة . وقال المالكيّة : يجوز التّطيّب للصّائم المعتكف ، ويكره للصّائم غير المعتكف . قال الدّردير : لأنّ المعتكف معه مانع يمنعه ممّا يفسد اعتكافه ، وهو لزومه المسجد وبعده عن النّساء . وقال الشّافعيّة : يسنّ للصّائم ترك شمّ الرّياحين ولمسها . والمراد أنواع الطّيب ، كالمسك والورد والنّرجس ، إذا استعمله نهارا لما فيها من التّرفّه ، ويجوز له ذلك ليلا ، ولو دامت رائحته في النّهار ، كما في المحرم . وأمّا الحنابلة ، فقالوا : يكره للصّائم شمّ ما لا يأمن أن يجذبه نفسه إلى حلقه كسحيق مسك ، وكافور ، ودهن ونحوها ، كبخور عود وعنبر . تطيّب المعتكف : 9 - يجوز للمعتكف أن يتطيّب نهاراً أو ليلاً بأنواع الطّيب عند جمهور الفقهاء ، إلا في رواية عن الإمام أحمد أنّه قال : إنّه لا يعجبني أن يتطيّب . وذلك لأنّ الاعتكاف عبادة تختصّ مكانا ، فكان ترك الطّيب فيه مشروعا كالحجّ . واستدلّ القائلون بجواز التّطيّب بقوله تعالى : { يَا بَني آدَمَ خُذُوا زِيْنَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ } . التّطيّب في الحجّ : 10 - اتّفق الفقهاء على أنّ التّطيّب أثناء الإحرام في البدن أو الثّوب محظور . أمّا التّطيّب للإحرام قبل الدّخول فيه فهو مسنون استعدادا للإحرام عند الجمهور ، وكرهه مالك لما روي من كراهته عن عمر ، وعثمان ، وابن عمر رضي الله عنهم ، وجماعة من التّابعين . ودليل سنّيّة التّطيّب في البدن للإحرام ما روت عائشة رضي الله عنها قالت : « كنت أطيّب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ، ولحلّه قبل أن يطوف بالبيت » وعنها رضي الله عنها قالت : « كأنّي أنظر إلى وبيص الطّيب في مفارق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو محرم » . والصّحيح عندهم جواز التّطيّب بما يبقى جرمه بعد الإحرام ، لصريح حديث عائشة الثّاني . وأمّا المالكيّة : فحظروا بقاء جرم الطّيب وإن ذهبت رائحته . 11 - أمّا التّطيّب في الثّوب للإحرام : فمنعه الجمهور ، وأجازه الشّافعيّة في القول المعتمد. فلا يضرّ بقاء الرّائحة الطّيّبة في الثّوب اتّفاقا قياسا للثّوب على البدن . لكن نصّوا على أنّه لو نزع ثوب الإحرام أو سقط عنه ، فلا يجوز له أن يعود إلى لبسه ما دامت الرّائحة فيه ، بل يزيل منه الرّائحة ثمّ يلبسه ، وهذا قول سعد بن أبي وقّاص ، وابن الزّبير ، وعائشة ، وأمّ حبيبة رضي الله عنهم ، والثّوريّ وغيرهم . واحتجّ الشّافعيّة بحديثي عائشة رضي الله عنها السّابقين ، وهما صحيحان رواهما البخاريّ ومسلم ، وقالوا : إنّ الطّيب معنى يراد للاستدامة فلم يمنع الإحرام من استدامته كالنّكاح وسواء فيما ذكر الطّيب الّذي يبقى له جرم بعد الإحرام والّذي لا يبقى ، وسواء الرّجل والمرأة الشّابّة والعجوز . وذهب الحنفيّة - في الأصحّ - إلى عدم جواز التّطيّب للإحرام في الثّوب ، ولا يجوز أن يلبس ثوب إحرام مطيّبا ، لأنّه بذلك يكون مستعملا للطّيب في إحرامه باستعمال الثّوب ، وهو محظور على المحرم ، والفرق : أنّ الطّيب في الثّوب منفصل ، أمّا في البدن فهو تابع له ، وسنّيّة التّطيّب تحصل بتطييب البدن، فأغنى عن تجويزه في الثّوب. وذهب المالكيّة : إلى أنّه إن تطيّب قبل الإحرام يجب عليه إزالته عند الإحرام ، سواء كان ذلك في بدنه أو ثوبه ، فإن بقي في البدن أو الثّوب بعد الإحرام شيء من جرم الطّيب - الّذي تطيّب به قبل الإحرام - وجبت عليه الفدية ، وأمّا إذا كان في الثّوب رائحته ، فلا يجب نزع الثّوب لكن يكره استدامته ولا فدية . وأمّا اللّون : ففيه قولان عند المالكيّة ، وهذا كلّه في اليسير ، وأمّا الأثر الكثير ففيه الفدية ، واستدلّ المالكيّة بحديث يعلى بن أميّة رضي الله عنه قال : « أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجل متضمّخ بطيب وعليه جبّة فقال : يا رسول اللّه ، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبّة ، بعدما تضمّخ بطيب ؟ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : أمّا الطّيب الّذي بك فاغسله ثلاث مرّات ، وأمّا الجبّة فانزعها ، ثمّ اصنع في عمرتك ما تصنع في حجّك » . فاستدلّوا بهذا الحديث على حظر الطّيب على المحرم في البدن والثّوب . ويقول ابن قدامة : إن طيّب ثوبه فله استدامة لبسه ما لم ينزعه ، فإن نزعه لم يكن له أن يلبسه ، فإن لبسه افتدى ، لأنّ الإحرام يمنع ابتداء الطّيب ولبس المطيّب دون الاستدامة . وكذلك إن نقل الطّيب من موضع بدنه إلى موضع آخر افتدى ، لأنّه تطيّب في إحرامه ، وكذا إن تعمّد مسّه أو نحّاه من موضعه ثمّ ردّه إليه ، فأمّا إن عرق الطّيب أو ذاب بالشّمس فسال من موضعه إلى موضع آخر ، فلا شيء عليه ، لأنّه ليس من فعله . قالت عائشة رضي الله عنها : « كنّا نخرج مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى مكّة فنضمّد جباهنا بالمسك المطيّب عند الإحرام ، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها ، فيراها النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلا ينهانا » . 12 - وأمّا التّطيّب بعد الإحرام ، فإنّه يحظر على المحرم استعماله في ثيابه وبدنه ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال ولا تلبسوا من الثّياب ما مسّه وَرْس أو زعفران » ولما ورد أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم « قال في شأن المحرم الّذي وَقَصَتْه راحلته لا تمسّوه بطيب » ، وفي لفظ « لا تحنّطوه » ووجهه : أنّه لمّا منع الميّت من الطّيب لإحرامه ، فالحيّ أولى . ومتى تطيّب وجبت عليه الفدية ، لأنّه استعمل ما حرّمه الإحرام ولو للتّداوي ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : « المحرم : الأشعث الأغبر » . والطّيب ينافي الشّعث . ويجب الفداء عند المالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة ، لأيّ تطيّب ممّا هو محظور ، دون تقييد بأن يطيّب عضواً كاملاً أو مقداراً من الثّوب معيّناً . وإنّما وجبت الفدية قياساً على الحلق ، لأنّه منصوص عليه في القرآن في قوله تعالى : { وَلا تَحْلِقُوا رُءوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الهَديُ مَحِلَّه ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضَاً أَو بِه أَذَىً مِنْ رَأْسِه فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أو صَدَقَةٍ أَو نُسُكٍ } . ولما ورد عن كعب بن عجرة رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال له ، حين رأى هوامّ رأسه : أيؤذيك هوامّ رأسك ؟ قال : قلت : نعم قال : فاحلق ، وصم ثلاثة أيّام ، أو أطعم ستّة مساكين ، أو انسك نسيكة » . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية