الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41286" data-attributes="member: 329"><p>وفرّق الحنفيّة بين تطيّب وتطيّب ، فقالوا : تجب شاة إن طيّب المحرم عضوا كاملا ، مثل الرّأس واليد والسّاق ، أو ما بلغ عضوا كاملا لو جمع . والبدن كلّه كعضو واحد إن اتّحد المجلس ، وإن تفرّق المجلس فلكلّ طيب كفّارة إن شمل عضوا واحدا أو أكثر ، سواء كفّر للأوّل أم لا ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمّد : عليه كفّارة واحدة ، ولو فدى ولم يزل الطّيب لزمه فدية أخرى، لأنّ ابتداءه كان محظوراً ، فيكون لبقائه حكم ابتدائه. ووجه وجوب الشّاة : أنّ الجناية تتكامل بتكامل الارتفاق ، وذلك في العضو الكامل فيترتّب كمال الموجب . وإن طيّب أقلّ من عضو : فعليه أن يتصدّق بنصف صاع من برّ ، لقصور الجناية إلا أن يكون الطّيب كثيرا ، فعليه دم . وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف . </p><p>وقال محمّد : يُقَوَّم ما يجب فيه الدّم فيتصدّق بذلك القدر ، حتّى لو طيّب ربع عضو فعليه من الصّدقة قدر ربع شاة ، وهكذا ، لأنّ تطييب عضو كامل ارتفاق كامل ، فكان جناية كاملة ، فيوجب كفّارة كاملة ، وتطييب ما دون العضو الكامل ارتفاق قاصر ، فيوجب كفّارة قاصرة ، إذ الحكم يثبت على قدر السّبب ، إلّا أن يكون الطّيب كثيرا فعليه دم ، ولم يشترط الحنفيّة استمرار الطّيب لوجوب الجزاء ، بل يجب بمجرّد التّطيّب . </p><p>وأمّا تطييب الثّوب فتجب فيه الفدية عند الحنفيّة بشرطين : </p><p>أوّلهما : أن يكون كثيرا ، وهو ما يصلح أن يغطّي مساحة تزيد على شبر في شبر . </p><p>والثّاني : أن يستمرّ نهارا ، أو ليلة . فإن اختلّ أحد هذين الشّرطين وجبت الصّدقة ، وإن اختلّ الشّرطان وجب التّصدّق بقبضة من قمح . </p><p>والأصل في حظر تطييب الثّوب ولبسه بعد الإحرام قوله صلى الله عليه وسلم : « لا تلبسوا شيئا من الثّياب مسّه الزّعفران ولا الورس » . </p><p>والمحرم - ذكرا كان أو غيره - ممنوع من استعمال الطّيب في إزاره أو ردائه وجميع ثيابه ، وفراشه ونعله ، حتّى لو علق بنعله طيب وجب عليه أن يبادر لنزعه ، ولا يضع عليه ثوبا مسّه الورس أو الزّعفران أو نحوهما من صبغ له طيب . </p><p>واستعمال الطّيب هو : أن يلصق الطّيب ببدنه أو ملبوسه على الوجه المعتاد في ذلك الطّيب ، ممّا يقصد منه ريحه غالبا ولو مع غيره ، كمسك أو عود ، وكافور ، وورس ، وزعفران ، وريحان ، وورد ، وياسمين ، ونرجس ، وآس ، وسوسن ، ومنثور ، ونمّام ، وغير ما ذكر ، ممّا يتطيّب به ، ويتّخذ منه الطّيب ، أو يظهر فيه هذا الغرض .</p><p>13 - ويكره للمحرم شمّ الطّيب ، وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة ، وقال المالكيّة : يكره شمّ الطّيب مذكّره ومؤنّثه دون مسّ . وأمّا الحنابلة : فقالوا : يحرم تعمّد شمّ الطّيب كالمسك والكافور ونحوهما ، ممّا يتطيّب بشمّه كالورد والياسمين . فإن فعل المحرم ذلك وجب الفداء عليه ، لأنّ الفدية تجب فيما يتّخذ منه ، فكذلك في أصله ، وعن الإمام أحمد رواية أخرى في الورد : لا فدية عليه في شمّه ، لأنّه زهر شمّه على جهته ، أشبه زهر سائر الشّجر ، والأولى تحريمه ، لأنّه ينبت للطّيب ويتّخذ منه ، أشبه الزّعفران ، والعنبر .</p><p>ما يباح من الطّيب وما لا يباح بالنّسبة للمحرم :</p><p>14 - قال ابن قدامة : النّبات الّذي تستطاب رائحته على ثلاثة أضرب : </p><p>أحدها : ما لا ينبت للطّيب ولا يتّخذ منه كنبات الصّحراء من الشّيح والقيصوم ، والخزامى ، والفواكه كلّها ، من الأترجّ ، والتّفّاح والسّفرجل ، وغيره ، وما ينبته الآدميّون لغير قصد الطّيب ، كالحنّاء ، والعصفر ، وهذان يباح شمّهما ولا فدية فيهما بلا خلاف ، غير أنّه روي عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنّه كان يكره للمحرم أن يشمّ شيئا من نبات الأرض ، من الشّيح والقيصوم وغيرهما ، وقد « روي أنّ أزواج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كنّ يحرمن في المعصفرات » . </p><p>الثّاني : ما ينبته الآدميّون للطّيب ولا يتّخذ منه طيب ، كالرّيحان الفارسيّ والنّرجس ، والبرم ، وفيه وجهان : </p><p>أحدهما : يباح بغير فدية ، قاله عثمان بن عفّان ، وابن عبّاس رضي الله عنهم ، والحسن ، ومجاهد ، وإسحاق . والآخر : يحرم شمّه ، فإن فعل فعليه الفدية ، وهو قول جابر ، وابن عمر ، والشّافعيّ وأبي ثور ، لأنّه يتّخذ للطّيب ، فأشبه الورد . </p><p>الثّالث : ما ينبت للطّيب ، ويتّخذ منه طيب ، كالورد ، والبنفسج ، والخيريّ وهذا إذا استعمله المحرم وشمّه ففيه الفدية ، لأنّ الفدية تجب فيما يتّخذ منه ، فكذلك في أصله . </p><p>وإن مسّ المحرم من الطّيب ما يعلق ببدنه ، كالغالية وماء الورد ، والمسك المسحوق الّذي يعلق بأصابعه ، فعليه الفدية ، لأنّه مستعمل للطّيب . وإن مسّ ما لا يعلق بيده ، كالمسك غير المسحوق ، وقطع الكافور ، والعنبر ، فلا فدية ، لأنّه غير مستعمل للطّيب . </p><p>فإن شمّه فعليه الفدية لأنّه يستعمل هكذا ، وإن شمّ العود - أي خشب العود - فلا فدية عليه ، لأنّه لا يتطيّب به</p><p>تطيّب المحرم ناسياً أو جاهلاً :</p><p>15 - إن تطيّب المحرم ناسياً فلا فدية عليه عند الشّافعيّة والحنابلة ، في المشهور عندهم ، وهو مذهب عطاء ، والثّوريّ ، وإسحاق ، وابن المنذر ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم « إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » .</p><p>وإن أخّر ذلك عن زمن الإمكان فعليه الفدية عند الحنابلة ، واستدلّ القائلون بعدم وجوب الفدية على النّاسي أيضاً : بخبر يعلى بن أميّة رضي الله عنه « أنّ رجلا أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة ، وعليه جبّة ، وعليه أثر خلوق ، أو قال : أثر صفرة . فقال : يا رسول اللّه كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ؟ قال : اخلع عنك الجبّة ، واغسل أثر الخلوق عنك . أو قال : الصّفرة ، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجّك » فدلّ ذلك على أنّه عذره لجهله ، والنّاسي في معناه ، وله غسل الطّيب بيده بلا حائل ، لعموم أمره صلى الله عليه وسلم بغسله . وأمّا الحنفيّة والمالكيّة ، وهو الرّواية الثّانية عن أحمد فقالوا : يجب دم على المحرم البالغ ولو ناسياً إن طيّب عضواً كاملاً ، أو ما يبلغ عضواً لو جمع .</p><p>تطيّب المبتوتة :</p><p>16 - يحرم على المطلّقة ثلاثاً التّطيّب لوجوب الإحداد عليها ، لأنّها معتدّة بائن من نكاح صحيح ، وهي كالمتوفّى عنها زوجها ، وهذا عند الحنفيّة ، وهو قول للشّافعيّة ، والحنابلة. أمّا المالكيّة فقالوا : إنّ التّطيّب لا يحرم إلا على المتوفّى عنها زوجها ، ومن في حكمها وهي : زوجة المفقود المحكوم بفقده . لقوله تعالى : { وَالّذِينَ يُتَوَفَّونَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجَاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَاً } </p><p>والقول الآخر للشّافعيّة والحنابلة : لا يحرم التّطيّب ، لأنّ الإحداد لا يجب على المطلّقة ثلاثاً ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً » وهذه عدّة الوفاة ، فدلّ على أنّ الإحداد يجب فيها فقط . والمطلّقة بائناً معتدّة عن غير وفاة ، فلم يجب عليها الإحداد كالرّجعيّة ، ولأنّ المطلّقة بائناً فارقها زوجها باختيار نفسه وقطع نكاحها ، فلا معنى لتكليفها الحزن عليه ، فيجوز لها أن تتطيّب . </p><p>وزاد الحنفيّة المطلّقة طلقة واحدة بائنة ، وقالوا : يلزمها ترك التّطيّب ، لأنّه يلزمها الحداد ، ولو أمرها المطلّق بتركه ، لأنّه حقّ الشّرع .</p><p></p><p>تطيّر *</p><p>التّعريف : </p><p>1 - التّطيّر في اللّغة : التّشاؤم . يقال : تطيّر بالشّيء ، ومن الشّيء : تشاءم به . </p><p>والاسم الطِيَرة . جاء في فتح الباري : التّطيّر ، والتّشاؤم شيء واحد . </p><p>والمعنى الاصطلاحيّ لا يختلف عن اللّغويّ . </p><p> الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>أ - الفأل : </p><p>2 - الفَأْل ضدّ الطّيرة ، يقال : تفاءل الرّجل : إذا تيمّن بسماع كلمة طيّبة . </p><p>والفرق بينه وبين الطّيرة : أنّ الفأل يستعمل فيما يستحبّ ، والتّطيّر فيما يكره غالباً . </p><p>ب - الكهانة : </p><p>3 - الكهانة : ادّعاء علم الغيب ، والإخبار بما سيحدث في المستقبل مع الإسناد إلى سبب . </p><p>أصل التّطيّر :</p><p>4 - أصل التّطيّر : أنّ العرب كانوا في الجاهليّة إذا خرج أحدهم لأمر قصد إلى عشّ طائر ، فيهيّجه ، فإذا طار الطّير يمنة تيمّن به ، ومضى في الأمر ، ويسمّونه " السّانح " . </p><p>أمّا إذا طار يسرة تشاءم به ، ورجع عمّا عزم عليه ، وكانوا يسمّونه " البارح " . فأبطل الإسلام ذلك ونهى عنه ، وأرجع الأمر إلى سنن اللّه الثّابتة ، وإلى قدره المحيط ، ومشيئته المطلقة ، جاء في الأثر الصّحيح : « من ردّته الطّيرة من حاجة فقد أشرك » ونحوه كثير . </p><p> حكمه التّكليفيّ :</p><p>5 - إن اعتقد المكلّف أنّ الّذي شاهده من حال الطّير موجب لما ظنّه ، مؤثّر فيه ، فقد كفر . لما في ذلك من التّشريك في تدبير الأمور . </p><p>أمّا إذا علم أنّ اللّه سبحانه وتعالى هو المتصرّف والمدبّر وحده ، ولكنّه في نفسه يجد شيئاً من الخوف من الشّرّ ، لأنّ التّجارب عنده قضت أنّ صوتاً من أصوات الطّير ، أو حالاً من حالاته يرادفه مكروه ، فإن وطّن نفسه على ذلك فقد أساء ، وإن استعاذ باللّه من الشّرّ ، وسأله الخير ومضى متوكّلا على اللّه ، فلا يضرّه ما وجد في نفسه من ذلك ، وإلا فيؤاخذ . لحديث « معاوية بن حكيم . قال : قلت : يا رسول اللّه : منّا رجال يتطيّرون . قال : ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنّهم » . </p><p>هذا وقد اتّفق أهل التّوحيد على تحريم التّطيّر ، ونفي تأثيره في حدوث الخير أو الشّرّ ، لما في ذلك من الإشراك باللّه في تدبير الأمور . والنّصوص في النّهي عن ذلك كثيرة ، منها : حديث : « لا عدوى ، ولا طيرة ولا هامّة ، ولا صفر » .</p><p>أمّا الفأل الحسن فهو جائز ، وجاء في الأثر : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يتطيّر ، وكان يحبّ أن يسمع يا راشد يا رجيح » . </p><p>وروي عنه : « لا عدوى ولا طيرة ، ويعجبني الفأل الصّالح : الكلمة الحسنة » . </p><p>والفأل أمل ورجاء للخير من اللّه تعالى عند كلّ سبب ضعيف أو قويّ ، بخلاف الطّيرة ، فهي سوء ظنّ باللّه ، والمؤمن مأمور بحسن الظّنّ باللّه ، لخبر قال اللّه تعالى في الحديث القدسيّ : « أنا عند ظنّ عبدي بي ، إن ظنّ بي خيراً فله ، وإن ظنّ شرّاً فله » . </p><p>والتّفصيل في مصطلح ( شؤم ) .</p><p></p><p>تعارض *</p><p>التّعريف : </p><p>1 - التّعارض في اللّغة : التّقابل . أصله من العرض وهو المنع . يقال : لا تعترض له ، أي : لا تمنعه باعتراضك أن يبلغ مراده . ومنه : الاعتراضات عند الأصوليّين والفقهاء الواردة على القياس وغيره من الأدلّة ، سمّيت بذلك لأنّها تمنع من التّمسّك بالدّليل ومنه : تعارض البيّنات ، لأنّ كلّ واحدة تعترض الأخرى وتمنع نفوذها . </p><p>ومنه : تعارض الأدلّة عند الأصوليّين ، وموطنه في الملحق الأصوليّ . </p><p>والتّعارض اصطلاحاً : التّمانع بين الدّليلين مطلقا ، بحيث يقتضي أحدهما غير ما يقتضي الآخر . </p><p> الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>أ - التّناقض : </p><p>2 - التّناقض : هو التّدافع يقال : تناقض الكلامان ، أي : تدافعا ، كأنّ كلّ واحد منهما ينقض الآخر ويدفعه ، والمتناقضان لا يجتمعان أبدا ولا يرتفعان . </p><p>أمّا المتعارضان فقد يمكن ارتفاعهما . </p><p>ب - التّنازع : </p><p>3 - التّنازع الاختلاف . يقال : تنازع القوم ، أي : اختلفوا ومنه قوله تعالى : { وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } . فالتّنازع أعمّ ، لأنّه يشمل الاختلاف في الرّأي وغيره . حكم التّعارض :</p><p>4 - إذا تعارضت البيّنتان ، وأمكن الجمع بينهما جمع ، وإذا لم يمكن الجمع يصار إلى التّرجيح . والتّرجيح : تقديم دليل على دليل آخر يعارضه ، لاقتران الأوّل بما يقوّيه والتّعارض والتّرجيح يرد عند الأصوليّين والفقهاء . </p><p>فأمّا ما يتعلّق بالأصول فينظر في الملحق الأصوليّ .</p><p>وأمّا استعماله عند الفقهاء فمعظمه في شأن البيّنات ، وفيما يلي تفصيل ذلك : </p><p>وجوه التّرجيح في تعارض البيّنات :</p><p>5 - في كلّ مذهب من المذاهب الفقهيّة وجوه للتّرجيح . </p><p>ذكر الحنفيّة - في باب دعوى الرّجلين - وجوها لترجيح إحدى البيّنتين على الأخرى إذا تعارضتا وتساوتا في القوّة ، فقالوا : إن كانت العين في يد المدّعى عليه تقدّم بيّنة الخارج على بيّنة ذي اليد في دعوى الملك المطلق - الّذي لم يذكر سببه - إن وقّت أحدهما فقط</p><p>- أي ذكر تاريخا - وقال أبو يوسف : من وقّت أحقّ بالعين ، فإن أرّخا واتّحد المملّك ، فالأسبق تاريخا أحقّ بالعين لقوّة بيّنته ، ولو اختلف المملّك استويا . </p><p>وإن كانت العين في يد ثالث ، وأقام خارجان كلّ بيّنة ، وتساوتا ، قضي لهما بها مناصفة ، وذلك عند أبي حنيفة وصاحبيه . </p><p>وإن كان النّزاع على نكاح امرأة ، فأمّا أن تكون المرأة حيّة أو ميّتة ، فإن كانت حيّة سقطت البيّنتان لعدم إمكان الجمع بينهما . </p><p>وإن كانت ميّتة ورثاها ميراث زوج واحد ، ولو ولدت يثبت نسب الولد منهما . </p><p>وإن كانت العين في أيديهما معا ، واستويا في الحجّة والتّاريخ ، فالعين بينهما . </p><p>فإن اختلفا في التّاريخ فهي للسّابق . ولا عبرة عندهم بكثرة الشّهود ولا بزيادة العدالة - وعند الحنفيّة تفصيلات أخرى تنظر في كتبهم . </p><p>وعند المالكيّة التّرجيح يحصل بوجوه : </p><p>6 - الأوّل : بزيادة العدالة في المشهور . وروي عن مالك أنّه لا يرجّح بها ، وذلك موافق لما قاله الحنفيّة . وعلى القول بالتّرجيح بزيادة العدالة فلا بدّ أن يحلف من زادت عدالته ، وفي الموّازيّة : لا يحلف ، ولا يرجّح بكثرة العدد على المشهور كما هو رأي الحنفيّة . وروي عن مطرّف وابن الماجشون أنّه يرجّح بكثرة العدد عند تكافؤ البيّنتين في العدالة ، إلا أن يكثروا كثرة يكتفى بها فيما يراد من الاستظهار ، والآخرون كثيرون جدّاً ، فلا تراعى الكثرة حينئذ ، وإنّما يقع التّرجيح بمزيّة العدالة دون مزيّة العدد . قال ابن عبد السّلام : من رجّح بزيادة العدد لم يقل به كيفما اتّفق ، وإنّما اعتبره مع قيد العدالة . </p><p>7 - الثّاني : يكون التّرجيح أيضاً بقوّة الحجّة فيقدّم الشّاهدان على الشّاهد واليمين . وعلى الشّاهد والمرأتين ، وذلك إذا استووا في العدالة ، قال ذلك أشهب . وقال ابن القاسم : لا يقدّمان ثمّ رجع لقول أشهب . قال ابن القاسم : ولو كان الشّاهد أعدل من كلّ واحد منهما حكم به مع اليمين ، وقدّم على الشّاهدين . وقال ابن الماجشون ومطرّف : لا يقدّم ولو كان أعدل أهل زمانه ، وهو أقيس ، لأنّ بعض أهل المذهب لا يرى اليمين مع الشّاهد . </p><p>8 - الثّالث : اشتمال إحدى البيّنتين على زيادة تاريخ متقدّم أو سبب ملك ، وهذا يتّفق مع قول الحنفيّة بالأخذ بتاريخ السّابق . </p><p>وذكر القرافيّ أنّه لا يحكم بأعدل البيّنتين عند من رأى ذلك إلّا في الأموال خاصّة . </p><p>وقالوا : تقدّم بيّنة الملك على بيّنة الحوز ، وإن كان تاريخ الحوز متقدّما ، لأنّ الملك أقوى من الحوز . وتقدّم البيّنة النّاقلة على البيّنة المستصحبة . </p><p>ومثالها : أن تشهد بيّنة أنّ هذه الدّار لزيد بناها منذ مدّة ، ولا نعلم أنّها خرجت من ملكه إلى الآن . وتشهد البيّنة الأخرى : أنّ هذا اشتراها منه بعد ذلك ، فالبيّنة النّاقلة علمت ، والمستصحبة لم تعلم ، فلا تعارض بين الشّهادتين . </p><p>وإذا لم يمكن التّرجيح بين البيّنتين سقطتا ، وبقي المتنازع عليه بيد حائزه مع يمينه . </p><p>فإن كان بيد غيرهما ، فقيل : يبقى بيده . وقيل : يقسم بين مقيمي البيّنتين ، لاتّفاق البيّنتين على سقوط ملك الحائز . وإقرار من هو بيده لأحدهما ينزّل منزلة اليد للمقرّ له . </p><p>9 - وعند الشّافعيّة : أنّه لو تنازع اثنان عينا ، وكانت بيد أحدهما ، وأقام كلّ بيّنة ، وتساوتا قدّمت بيّنة صاحب اليد . ولا تسمع بيّنته إلا بعد بيّنة المدّعي . </p><p>وإن كانت العين في يد ثالث ، وأقام كلّ منهما بيّنة سقطت البيّنتان ، ويصار إلى التّحليف ، فيحلف صاحب اليد لكلّ منهما يميناً . وقيل : تستعمل البيّنتان وتنزع العين ممّن هي في يده ، وتقسم بينهما مناصفة في قول ، وفي قول آخر : يقرع بينهما فيأخذها من خرجت قرعته ، وفي قول : يوقف الأمر حتّى يتبيّن أو يصطلحا . وسكت في الرّوضة عن ترجيح واحد من الأقوال الثّلاثة . وقال القليوبيّ : قضيّة كلام جمهور الشّافعيّة ترجيح الثّالث ، لأنّه أعدل . وإن كانت في أيديهما ، وأقاما بيّنتين ، بقيت في أيديهما ، كما كانت على قول السّقوط . وقيل : تقسم بينهما على قول القسمة ، ولا يجيء الوقف ، وفي القرعة قولان . </p><p>ولو أزيلت يده ببيّنة ، ثمّ أقام بيّنة بملكه مستندا إلى ما قبل إزالة يده ، واعتذر بغيبة شهوده ، سمعت وقدّمت ، لأنّها إنّما أزيلت لعدم الحجّة ، وقد ظهرت ، فينقض القضاء . وقيل : لا ، والقضاء على حاله . ولو قال الخارج : هو ملكي اشتريته منك . فقال : بل ملكي . وأقاما بيّنتين بما قالاه تقدّم بيّنة الخارج ، لزيادة علم بيّنته بالانتقال . </p><p>والمذهب أنّ زيادة عدد شهود أحدهما لا ترجّح ، لكمال الحجّة في الطّرفين ، كما قال الحنفيّة . وفي قول من طريق ترجّح ، لأنّ القلب إلى الزّائد أميل . وكذا لو كان لأحدهما رجلان ، للآخر رجل وامرأتان ، لا يرجّح الرّجلان . وفي قول من طريق يرجّحان ، لزيادة الوثوق بقولهما . فإن كان للآخر شاهد ويمين يرجّح الشّاهدان في الأظهر ، لأنّهما حجّة بالإجماع . وفي الشّاهد واليمين خلاف . والقول الثّاني : يتعادلان ، لأنّ كلّا منهما حجّة كافية . ولو شهدت بيّنة لأحدهما بملك من سنة ، وبيّنة للآخر بملك من أكثر من سنة إلى الآن كسنتين ، والعين في يد غيرهما، فالأظهر ترجيح الأكثر ، لأنّ الأخرى لا تعارضها فيه. والرّأي الثّاني عند الشّافعيّة : أنّه لا ترجيح به ، لأنّ مناط الشّهادة الملك في الحال ، وقد استويا فيه ، ولصاحب بيّنة الأكثر - على القول بترجيحها - الأجرة ، والزّيادة الحادثة من يوم الحكم . وعلى القول الثّاني : تقسم بينهما ، أو يقرع ، أو يوقف حتّى يبيّن أو يصطلحا حسب الأقوال الثّلاثة . ولو أطلقت بيّنة ، وأرّخت بيّنة ، فالمذهب أنّهما سواء ، وهو المعتمد ، سواء كان المدّعى به بيدهما أو بيد غيرهما ، أو لا بيد واحد منهما . وقيل - كما في أصل الرّوضة - تقدّم البيّنة المؤرّخة ، لأنّها تقتضي الملك قبل الحال ، بخلاف المطلقة . ولو شهدت بيّنة أحدهما بالحقّ ، وبيّنة الآخر بالإبراء قدّمت بيّنة الإبراء . </p><p>هذا ومحلّ الاستواء في هذه المسألة - على ما ذكره القليوبيّ - ما لم يوجد مرجّح . فإن وجد المرجّح ككونه بيد أحدهما ، أو كانت بيّنته غير شاهد ويمين ، أو أسندت بيّنته لسبب : كأن شهدت بأنّه نتج في ملكه ، أو ثمر فيه ، أو حمل فيه ، أو ورثه من أبيه فتقدّم بيّنته . </p><p>10 - وعند الحنابلة : أنّ من ادّعى شيئا بيد غيره فأنكره ، ولكلّ واحد منهما بيّنة ، فقد اختلفت الرّواية عن أحمد فيما إذا تعارضتا : فالمشهور عنه تقديم بيّنة المدّعي ، ولا يلتفت إلى بيّنة المدّعى عليه بحال ، وهذا قول إسحاق ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه » فأمرنا بسماع بيّنة المدّعي ويمين المدّعى عليه ، وسواء شهدت بيّنة المدّعى عليه أنّها له ، أو قالت : ولدت في ملكه عليه . وعن أحمد رواية ثانية : إن شهدت بيّنة الدّاخل - أي صاحب اليد وهو المدّعى عليه - بسبب الملك ، وقالت مثلاً : إنّ الدّابّة المتنازع عليها نتجت في ملكه أو اشتراها ، أو كانت بيّنته أقدم تاريخا قدّمت بيّنته ، وإلا قدّمت بيّنة المدّعي ، لأنّ ( بيّنة الدّاخل ) أفادت بذكر السّبب ما لا تفيده اليد . واستدلّ لتقديم بيّنة الدّاخل : بما روى جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما : « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم اختصم إليه رجلان في دابّة أو بعير ، فأقام كلّ واحد منهما البيّنة بأنّها له نتجها ، فقضى بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للّذي هي في يده » . وذكر أبو الخطّاب رواية ثالثة : أنّ بيّنة المدّعى عليه تقدّم بكلّ حال ، وهو قول شريح وأهل الشّام والشّعبيّ والحكم وأبي عبيد . وقال : هو قول أهل المدينة ، وروي عن طاوس . وأنكر القاضي كون هذا رواية عن أحمد ، وقال : لا تقبل بيّنة الدّاخل إذا لم تفد إلا ما أفادته يده ، رواية واحدة . واحتجّ من ذهب إلى هذا القول بأنّ جهة المدّعى عليه أقوى ، لأنّ الأصل معه ، ويمينه تقدّم على يمين المدّعي . </p><p>فإذا تعارضت البيّنتان : وجب إبقاء يده على ما فيها ، وتقديمه ، كما لو لم تكن بيّنة لواحد منهما . وحديث جابر يدلّ على هذا ، فإنّه إنّما قدّمت بيّنته ليده . </p><p>11 - واستدلّ لتقديم بيّنة المدّعي بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه » فجعل جنس البيّنة في جهة المدّعي ، فلا يبقى في جهة المدّعى عليه بيّنة . ولأنّ بيّنة المدّعي أكثر فائدة فوجب تقديمها كتقديم بيّنة الجرح على بيّنة التّعديل . ودليل كثرة فائدتها : أنّها تثبت شيئاً لم يكن . </p><p>وبيّنة المنكر إنّما تثبت ظاهرا تدلّ اليد عليه ، فلم تكن مفيدة ، ولأنّ الشّهادة بالملك يجوز أن يكون مستندها رؤية اليد والتّصرّف ، فإنّ ذلك جائز عند كثير من أهل العلم ، فصارت البيّنة بمنزل اليد المجرّدة ، فتقدّم عليها بيّنة المدّعي ، كما تقدّم على اليد ، كما أنّ شاهدي الفرع لمّا كانا مبنيّين على شاهدي الأصل ، لم تكن لهما مزيّة عليهما . </p><p>وإذا كان في يد رجل شاة ، فادّعى رجل أنّها له منذ سنة ، وأقام بذلك بيّنة . وادّعى الّذي هي في يده أنّها في يده منذ سنين ، وأقام لذلك بيّنة ، فهي للمدّعي بغير خلاف ، لأنّ بيّنته تشهد له بالملك ، وبيّنة الدّاخل تشهد له باليد خاصّة ، فلا تعارض بينهما ، لإمكان الجمع بينهما بأن تكون اليد على غير ملك ، فكانت بيّنة الملك أولى . فإن شهدت بيّنة بأنّها ملكه منذ سنتين ، فقد تعارض ترجيحان : فقدّم التّاريخ من جهة بيّنة الدّاخل ، وكون الأخرى بيّنة الخارج ففيه روايتان : إحداهما تقدّم بيّنة الخارج، وهو قول صاحبي أبي حنيفة ، وأبي ثور. والثّانية : تقدّم بيّنة الدّاخل ، وهو قول أبي حنيفة ، والشّافعيّ ، لأنّها تضمّنت زيادة .</p><p>تعارض الأدلّة في حقوق اللّه تعالى :</p><p>12 - المقرّر شرعا : أنّ الحدود الّتي هي حقّ اللّه تعالى تسقط بالشّبهات ، فإذا أقيمت بيّنة تامّة على فعل كالزّنى مثلاً ، وعارضتها بيّنة ولو أقلّ منها بعدم الفعل قدّمت ، وذلك استناداً إلى قوله صلى الله عليه وسلم : « ادرءوا الحدود بالشّبهات ما استطعتم » بل قال الحنفيّة : لو أقيمت عليه بيّنة بما يوجب الحدّ ، وادّعى شبهة من غير بيّنة ، سقط الحدّ . </p><p>وللمالكيّة تفصيل ، قالوا : إذا شهدت بيّنة بأنّه زنى عاقلاً ، وشهدت الأخرى بأنّه كان مجنونا : إن كان القيام عليه - أي الادّعاء - وهو عاقل ، قدّمت بيّنة العقل . </p><p>وإن كان القيام عليه وهو مجنون ، قدّمت بيّنة الجنون، فاعتبروا شهادة الحال في التّرجيح. </p><p>وقال ابن اللّبّاد : يعتبر وقت الرّؤية لا وقت القيام ، فلم يعتبر ظاهر الحال . </p><p>ونقل عن ابن القاسم : إثبات الزّيادة ، فإذا شهدت إحداهما : بالقتل أو السّرقة أو الزّنى ، وشهدت الأخرى : أنّه كان في مكان بعيد أنّه تقدّم بيّنة القتل ونحوه ، لأنّها مثبتة زيادة ، ولا يدرأ عنه الحدّ . قال سحنون : إلا أن يشهد الجمع العظيم - كالحجيج ونحوهم - أنّه كان معهم في الوقوف بعرفة ، أو صلّى بهم العيد في ذلك اليوم ، لأنّ هؤلاء لا يشتبه عليهم أمره ، بخلاف الشّاهدين .</p><p>تعارض تعديل الشّهود وتجريحهم :</p><p>13 - اعتبار العدالة في الشّاهد حقّ للّه تعالى ، ولهذا لو رضي الخصم بأن يحكم عليه بقول فاسق لم يجز الحكم به . والعدالة أو التّجريح لا يثبت كلّ منهما إلا بشهادة رجلين ، خلافا لأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، فيثبت كلّ من التّعديل والتّجريح عندهما بشهادة واحد . وسبب الخلاف هل هما شهادة أو إخبار ؟ فعند الجمهور : شهادة ، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف : إخبار ، فيكفي الواحد في تزكية السّرّ ، ونصاب الشّهادة في تزكية العلانية . </p><p>فلو عدّل الشّاهد اثنان ، وجرّحه اثنان ، فالجرح أولى عند الحنفيّة ، والشّافعيّة والحنابلة ، وهو قول عند المالكيّة ، واستدلّوا : بأنّ الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدّل ، فوجب تقديمه ، لأنّ التّعديل يتضمّن ترك الرّيب والمحارم ، والجارح مثبت لوجود ذلك ، والإثبات مقدّم على النّفي ، ولأنّ الجارح يقول : رأيته يفعل كذا ، والمعدّل مستنده أنّه لم يره يفعل ، ويمكن صدقهما ، والجمع بين قوليهما : بأن يراه الجارح يفعل المعصية ، ولا يراه المعدّل ، فيكون مجروحا . وعند الشّافعيّة والحنابلة : أنّه لا بدّ في الجرح من ذكر السّبب ، ولم يشترطوا ذلك في التّعديل . وعند الحنفيّة : أنّ المزكّي يقول في الشّاهد المجروح " واللّه أعلم " ولا يزيد على هذا ، لأنّ في ذكر فسقه هتك عرضه ، وقد أمرنا بالسّتر على المسلم . وهذا كلّه إذا لم يعلم القاضي حال الشّهود ، إذ إنّه إذا كان يعلم حكم بمقتضى علمه . </p><p>وقال المالكيّة : لو عدّله شاهدان رجلان وجرّحه آخران ، ففي ذلك قولان ، قيل : يقضى بأعدلهما ، لاستحالة الجمع بينهما ، وقيل : يقضى بشهادة الجرح ، لأنّ شهود الجرح زادوا على شهود التّعديل ، إذ الجرح يَبْطُن ، فلا يطّلع عليه كلّ النّاس ، بخلاف العدالة . </p><p>وللّخميّ تفصيل ، قال : إن كان اختلاف البيّنتين في فعل شيء في مجلس واحد ، كدعوى إحدى البيّنتين : أنّه فعل كذا ، في وقت كذا ، وقالت البيّنة الأخرى : لم يكن ذلك ، فإنّه يقضى بأعدلهما . </p><p>وإن كان ذلك في مجلسين متقاربين قضي بشهادة الجرح ، لأنّها زادت علما في الباطن . </p><p>وإن تباعد ما بين المجلسين قضي بآخرهما تاريخا ، ويحمل على أنّه كان عدلا ففسق ، أو فاسقا فتزكّى ، إلا أن يكون في وقت تقييد الجرح ظاهر العدالة ، فبيّنة الجرح مقدّمة ، لأنّها زادت .</p><p>تعارض احتمال بقاء الإسلام وحدوث الرّدّة :</p><p>14 - فقهاء المذاهب لم يجمعوا على حكم واحد في هذا الموضوع . وأكثر المذاهب توسّعاً فيه مذهب الحنفيّة : إذ قالوا : لا يخرج الرّجل من الإيمان إلّا جحود ما أدخله فيه ، ثمّ ما تيقّن أنّه ردّة يحكم بها ، وما يشكّ أنّه ردّة لا يحكم بها ، إذ الإسلام الثّابت لا يزول بالشّكّ ، والإسلام يعلو . وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا ألا يبادر بتكفير أهل الإسلام ، مع أنّه يتساهل في إثبات الإسلام ، فيقضى بصحّة إسلام المكره . ونقل ابن عابدين عن صاحب الفتاوى الصّغرى قوله : الكفر شيء عظيم ، فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنّه لا يكفر . وفي كتب الحنفيّة : إذا كان في المسألة وجوه توجب التّكفير ، ووجه واحد يمنعه ، فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الّذي يمنع التّكفير ، تحسينا للظّنّ بالمسلم ، إلا إذا صرّح بإرادة موجب الكفر ، فلا ينفعه التّأويل . </p><p>ولا يكفر بالمحتمل ، لأنّ عقوبة الكفر نهاية في العقوبة ، تستدعي نهاية في الجناية ، ومع الاحتمال لا نهاية في الجناية ، والّذي تقرّر : أنّه لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن ، أو كان في كفره اختلاف ، ولو رواية ضعيفة . </p><p>15 - وفقهاء المذاهب الأخرى يقولون أيضاً : إذا قام دليل أو قرينة تقتضي عدم القتل قدّمت . قالوا : ولو أسلم ثمّ ارتدّ عن قرب ، وقال : أسلمت عن ضيق أو خوف أو غرم ، وظهر عذره ، ففي قبول عذره قولان عند المالكيّة .</p><p>هذا ، وقد أورد الفقهاء قواعد عامّة في التّعارض ، وهي إن كانت أقرب إلى الأصول منها إلى الفقه ، إلا أنّه رتّبت عليها مسائل فقهيّة يسوّغ ذكرها هنا . </p><p>تعارض الأحكام التّكليفيّة في الفعل الواحد :</p><p>16 - من القواعد الّتي أوردها الزّركشيّ : أنّه لو تعارض الحظر والإباحة في فعل واحد يقدّم الحظر . ومن ثمّ لو تولّد الحيوان من مأكول وغيره ، حرم أكله ، وإذا ذبحه المحرم وجب الجزاء تغليبا للتّحريم . </p><p>ومنها : لو تعارض الواجب والمحظور ، يقدّم الواجب ، كما إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفّار ، وجب غسل الجميع ، والصّلاة عليهم . وكذلك اختلاط الشّهداء بغيرهم . وإن كان الشّهيد لا يغسّل ، ولا يصلّى عليه ، إلّا أنّه ينوى الصّلاة عليه إن لم يكن شهيداً . ولو أسلمت المرأة وجب عليها الهجرة إلى دار الإسلام ، ولو سافرت وحدها ، وإن كان سفرها وحدها في الأصل حراماً . </p><p>ويعذر المصلّي في التّنحنح إذا تعذّرت عليه القراءة الواجبة . </p><p>17 - ومن القواعد : ما لو تعارض واجبان ، قدّم آكدهما ، فيقدّم فرض العين على فرض الكفاية . فالطّائف حول الكعبة لا يقطع الطّواف لصلاة الجنازة . </p><p>ولو اجتمعت جنازة وجمعة وضاق الوقت ، قدّمت الجمعة . ومن هذا ليس للوالدين منع الولد من حجّة الإسلام على الصّحيح ، بخلاف الجهاد ، فإنّه لا يجوز إلا برضاهما ، لأنّ برّهما فرض عين ، والجهاد فرض كفاية ، وفرض العين مقدّم . </p><p>18 - ولو تعارضت فضيلتان ، يقدّم أفضلهما ، فلو تعارض البكور إلى الجمعة بلا غسل وتأخيره مع الغسل ، فالظّاهر : أنّ تحصيل الغسل أولى للخلاف في وجوبه . وهذا كلّه مذهب الشّافعيّة . </p><p>19 - ومن فروع قاعدة تعارض الحظر والإباحة : ما إذا تعارض دليلان أحدهما يقتضي التّحريم ، والآخر الإباحة ، قدّم التّحريم . </p><p>وعلّله الأصوليّون بتقديم النّسخ ، لأنّه لو قدّم المبيح للزم تكرار النّسخ ، لأنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، فلو جعل المبيح متأخّرا كان المحرّم ناسخاً للإباحة الأصليّة ، ثمّ يصير منسوخا بالمبيح ، ولو جعل المحرّم متأخّرا كان ناسخا للمبيح ، وهو لم ينسخ شيئاً لكونه على وفق الأصل ، ولذلك قال عثمان رضي الله عنه - لمّا سئل عن الجمع بين الأختين بملك اليمين - أحلّتهما آية وحرّمتهما آية ، والتّحريم أحبّ إلينا . قالوا : وإنّما كان التّحريم أحبّ لأنّ فيه ترك مباح ، لا اجتناب محرّم ، وذلك أولى من عكسه .</p><p>20 - ومن أقسام التّعارض : أن يتعارض أصلان ، فإذا وقع ذلك يعمل بالأرجح منهما ، لاعتضاده بما يرجّحه . ومن صوره : ما إذا جاء بعض العسكر بمشرك ، فادّعى المشرك : أنّ المسلم أمّنه ، وأنكر ، ففيه روايتان : </p><p>إحداهما : القول قول المسلم في إنكار الأمان ، لأنّ الأصل عدم الأمان . والثّانية : القول قول المشرك ، لأنّ الأصل في الدّماء الحظر إلّا بيقين الإباحة ، وقد وقع الشّكّ هنا فيها . وفيه رواية ثالثة : أنّ القول قول من يدلّ الحال على صدقه منهما ، ترجيحا لأحد الأصلين بالظّاهر الموافق له . ولو تعارض الحنث والبرّ في يمين ، قدّم الحنث على البرّ ، فمن حلف على الإقدام على فعل شيء أو وجوده فهو على حنث ، حتّى يقع الفعل فيبرّ . </p><p>والحنث يدخل عند المالكيّة بأقلّ الوجوه ، والبرّ لا يكون إلا بأكمل الوجوه ، فمن حلف أن يأكل رغيفاً لم يبرّ إلا بأكل الرّغيف كلّه ، وإن حلف ألا يأكله حنث بأكل بعضه . </p><p>قال الغزاليّ في المستصفى : وقد ذهب قوم : إلى أنّ الخاصّ والعامّ يتعارضان ويتدافعان ، فيجوز أن يكون الخاصّ سابقاً ، وقد ورد العامّ بعده لإرادة العموم ، فنسخ الخاصّ . ويجوز أن يكون العامّ سابقاً وقد أريد به العموم ، ثمّ نسخ باللّفظ الخاصّ بعده . فعموم الرّقبة مثلاً يقتضي إجزاء الكافرة مهما أريد به العموم ، والتّقييد بالمؤمنة يقتضي منع إجزاء الكافرة ، فهما متعارضان . وإذا أمكن النّسخ والبيان جميعا فَلِمَ يُتحكّم بحمله على البيان دون النّسخ ؟ ولمَ يقطع بالحكم على العامّ بالخاصّ ؟ ولعلّ العامّ هو المتأخّر الّذي أريد به العموم ، وينسخ به الخاصّ ، وهذا هو الّذي اختاره القاضي ، والأصحّ عندنا : تقديم الخاصّ وإن كان ما ذكره القاضي ممكنا ، ولكنّ تقدير النّسخ محتاج إلى الحكم بدخول الكافرة تحت اللّفظ ، ثمّ خروجه عنه ، فهو إثبات وضع ، ورفع بالتّوهّم ، وإرادة الخاصّ باللّفظ العامّ غالب معتاد ، بل هو الأكثر ، والنّسخ كالنّادر ، فلا سبيل إلى تقديره بالتّوهّم ، ويكاد يشهد لما ذكرناه من سير الصّحابة والتّابعين كثير ، فإنّهم كانوا يسارعون إلى الحكم بالخاصّ على العامّ ، وما اشتغلوا بطلب التّاريخ والتّقدّم والتّأخّر . </p><p>وقيل على الشّذوذ : إنّه يخصّص من طريق المفهوم ، فإنّ الرّجال يقتضي مفهومه قتل غيرهم ، فإذا لم يتنافيا ، وكان لأحدهما مناسبة تخصّه في متعلّقه - كقوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيكُمْ المَيْتَةُ } وقوله تعالى : { لا تَقْتُلُوا الصًّيدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } - فيضطرّ المحرم إلى أكل الميتة أو الصّيد ، فعند مالك : يأكل الميتة ويترك الصّيد ، لأنّ كليهما - وإن كان محرّما - إلّا أنّ تحريم الصّيد له مناسبة بالإحرام ، ومفسدته الّتي اعتمدها النّهي إنّما هي في الإحرام ، وأمّا مفسدة أكل الميتة فذلك أمر عامّ ، لا تعلّق له بخصوص الإحرام ، والمناسب إذا كان لأمر عامّ - وهو كونها ميتة - لا يكون بينه وبين خصوص الإحرام منافاة ولا تعلّق ، والمنافي الأخصّ أولى بالاجتناب . </p><p>ومن هذا القبيل : إذا لم يجد المصلّي ثوباً يستره إلا حريراً أو نجساً فإنّه يصلّي في الحرير ويترك النّجس ، لأنّ مفسدة النّجاسة خاصّة بالصّلاة ، بخلاف مفسدة الحرير لا تعلّق لها بخصوص الصّلاة ، ولا منافاة بينهما . </p><p>وهناك فروع كثيرة أخرى تترتّب على هذه القاعدة ، يرجع إليها في الأصول وأبواب الفقه .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41286, member: 329"] وفرّق الحنفيّة بين تطيّب وتطيّب ، فقالوا : تجب شاة إن طيّب المحرم عضوا كاملا ، مثل الرّأس واليد والسّاق ، أو ما بلغ عضوا كاملا لو جمع . والبدن كلّه كعضو واحد إن اتّحد المجلس ، وإن تفرّق المجلس فلكلّ طيب كفّارة إن شمل عضوا واحدا أو أكثر ، سواء كفّر للأوّل أم لا ، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمّد : عليه كفّارة واحدة ، ولو فدى ولم يزل الطّيب لزمه فدية أخرى، لأنّ ابتداءه كان محظوراً ، فيكون لبقائه حكم ابتدائه. ووجه وجوب الشّاة : أنّ الجناية تتكامل بتكامل الارتفاق ، وذلك في العضو الكامل فيترتّب كمال الموجب . وإن طيّب أقلّ من عضو : فعليه أن يتصدّق بنصف صاع من برّ ، لقصور الجناية إلا أن يكون الطّيب كثيرا ، فعليه دم . وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمّد : يُقَوَّم ما يجب فيه الدّم فيتصدّق بذلك القدر ، حتّى لو طيّب ربع عضو فعليه من الصّدقة قدر ربع شاة ، وهكذا ، لأنّ تطييب عضو كامل ارتفاق كامل ، فكان جناية كاملة ، فيوجب كفّارة كاملة ، وتطييب ما دون العضو الكامل ارتفاق قاصر ، فيوجب كفّارة قاصرة ، إذ الحكم يثبت على قدر السّبب ، إلّا أن يكون الطّيب كثيرا فعليه دم ، ولم يشترط الحنفيّة استمرار الطّيب لوجوب الجزاء ، بل يجب بمجرّد التّطيّب . وأمّا تطييب الثّوب فتجب فيه الفدية عند الحنفيّة بشرطين : أوّلهما : أن يكون كثيرا ، وهو ما يصلح أن يغطّي مساحة تزيد على شبر في شبر . والثّاني : أن يستمرّ نهارا ، أو ليلة . فإن اختلّ أحد هذين الشّرطين وجبت الصّدقة ، وإن اختلّ الشّرطان وجب التّصدّق بقبضة من قمح . والأصل في حظر تطييب الثّوب ولبسه بعد الإحرام قوله صلى الله عليه وسلم : « لا تلبسوا شيئا من الثّياب مسّه الزّعفران ولا الورس » . والمحرم - ذكرا كان أو غيره - ممنوع من استعمال الطّيب في إزاره أو ردائه وجميع ثيابه ، وفراشه ونعله ، حتّى لو علق بنعله طيب وجب عليه أن يبادر لنزعه ، ولا يضع عليه ثوبا مسّه الورس أو الزّعفران أو نحوهما من صبغ له طيب . واستعمال الطّيب هو : أن يلصق الطّيب ببدنه أو ملبوسه على الوجه المعتاد في ذلك الطّيب ، ممّا يقصد منه ريحه غالبا ولو مع غيره ، كمسك أو عود ، وكافور ، وورس ، وزعفران ، وريحان ، وورد ، وياسمين ، ونرجس ، وآس ، وسوسن ، ومنثور ، ونمّام ، وغير ما ذكر ، ممّا يتطيّب به ، ويتّخذ منه الطّيب ، أو يظهر فيه هذا الغرض . 13 - ويكره للمحرم شمّ الطّيب ، وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة ، وقال المالكيّة : يكره شمّ الطّيب مذكّره ومؤنّثه دون مسّ . وأمّا الحنابلة : فقالوا : يحرم تعمّد شمّ الطّيب كالمسك والكافور ونحوهما ، ممّا يتطيّب بشمّه كالورد والياسمين . فإن فعل المحرم ذلك وجب الفداء عليه ، لأنّ الفدية تجب فيما يتّخذ منه ، فكذلك في أصله ، وعن الإمام أحمد رواية أخرى في الورد : لا فدية عليه في شمّه ، لأنّه زهر شمّه على جهته ، أشبه زهر سائر الشّجر ، والأولى تحريمه ، لأنّه ينبت للطّيب ويتّخذ منه ، أشبه الزّعفران ، والعنبر . ما يباح من الطّيب وما لا يباح بالنّسبة للمحرم : 14 - قال ابن قدامة : النّبات الّذي تستطاب رائحته على ثلاثة أضرب : أحدها : ما لا ينبت للطّيب ولا يتّخذ منه كنبات الصّحراء من الشّيح والقيصوم ، والخزامى ، والفواكه كلّها ، من الأترجّ ، والتّفّاح والسّفرجل ، وغيره ، وما ينبته الآدميّون لغير قصد الطّيب ، كالحنّاء ، والعصفر ، وهذان يباح شمّهما ولا فدية فيهما بلا خلاف ، غير أنّه روي عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنّه كان يكره للمحرم أن يشمّ شيئا من نبات الأرض ، من الشّيح والقيصوم وغيرهما ، وقد « روي أنّ أزواج رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كنّ يحرمن في المعصفرات » . الثّاني : ما ينبته الآدميّون للطّيب ولا يتّخذ منه طيب ، كالرّيحان الفارسيّ والنّرجس ، والبرم ، وفيه وجهان : أحدهما : يباح بغير فدية ، قاله عثمان بن عفّان ، وابن عبّاس رضي الله عنهم ، والحسن ، ومجاهد ، وإسحاق . والآخر : يحرم شمّه ، فإن فعل فعليه الفدية ، وهو قول جابر ، وابن عمر ، والشّافعيّ وأبي ثور ، لأنّه يتّخذ للطّيب ، فأشبه الورد . الثّالث : ما ينبت للطّيب ، ويتّخذ منه طيب ، كالورد ، والبنفسج ، والخيريّ وهذا إذا استعمله المحرم وشمّه ففيه الفدية ، لأنّ الفدية تجب فيما يتّخذ منه ، فكذلك في أصله . وإن مسّ المحرم من الطّيب ما يعلق ببدنه ، كالغالية وماء الورد ، والمسك المسحوق الّذي يعلق بأصابعه ، فعليه الفدية ، لأنّه مستعمل للطّيب . وإن مسّ ما لا يعلق بيده ، كالمسك غير المسحوق ، وقطع الكافور ، والعنبر ، فلا فدية ، لأنّه غير مستعمل للطّيب . فإن شمّه فعليه الفدية لأنّه يستعمل هكذا ، وإن شمّ العود - أي خشب العود - فلا فدية عليه ، لأنّه لا يتطيّب به تطيّب المحرم ناسياً أو جاهلاً : 15 - إن تطيّب المحرم ناسياً فلا فدية عليه عند الشّافعيّة والحنابلة ، في المشهور عندهم ، وهو مذهب عطاء ، والثّوريّ ، وإسحاق ، وابن المنذر ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم « إنّ اللّه وضع عن أمّتي الخطأ والنّسيان وما استكرهوا عليه » . وإن أخّر ذلك عن زمن الإمكان فعليه الفدية عند الحنابلة ، واستدلّ القائلون بعدم وجوب الفدية على النّاسي أيضاً : بخبر يعلى بن أميّة رضي الله عنه « أنّ رجلا أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة ، وعليه جبّة ، وعليه أثر خلوق ، أو قال : أثر صفرة . فقال : يا رسول اللّه كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي ؟ قال : اخلع عنك الجبّة ، واغسل أثر الخلوق عنك . أو قال : الصّفرة ، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجّك » فدلّ ذلك على أنّه عذره لجهله ، والنّاسي في معناه ، وله غسل الطّيب بيده بلا حائل ، لعموم أمره صلى الله عليه وسلم بغسله . وأمّا الحنفيّة والمالكيّة ، وهو الرّواية الثّانية عن أحمد فقالوا : يجب دم على المحرم البالغ ولو ناسياً إن طيّب عضواً كاملاً ، أو ما يبلغ عضواً لو جمع . تطيّب المبتوتة : 16 - يحرم على المطلّقة ثلاثاً التّطيّب لوجوب الإحداد عليها ، لأنّها معتدّة بائن من نكاح صحيح ، وهي كالمتوفّى عنها زوجها ، وهذا عند الحنفيّة ، وهو قول للشّافعيّة ، والحنابلة. أمّا المالكيّة فقالوا : إنّ التّطيّب لا يحرم إلا على المتوفّى عنها زوجها ، ومن في حكمها وهي : زوجة المفقود المحكوم بفقده . لقوله تعالى : { وَالّذِينَ يُتَوَفَّونَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجَاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَاً } والقول الآخر للشّافعيّة والحنابلة : لا يحرم التّطيّب ، لأنّ الإحداد لا يجب على المطلّقة ثلاثاً ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً » وهذه عدّة الوفاة ، فدلّ على أنّ الإحداد يجب فيها فقط . والمطلّقة بائناً معتدّة عن غير وفاة ، فلم يجب عليها الإحداد كالرّجعيّة ، ولأنّ المطلّقة بائناً فارقها زوجها باختيار نفسه وقطع نكاحها ، فلا معنى لتكليفها الحزن عليه ، فيجوز لها أن تتطيّب . وزاد الحنفيّة المطلّقة طلقة واحدة بائنة ، وقالوا : يلزمها ترك التّطيّب ، لأنّه يلزمها الحداد ، ولو أمرها المطلّق بتركه ، لأنّه حقّ الشّرع . تطيّر * التّعريف : 1 - التّطيّر في اللّغة : التّشاؤم . يقال : تطيّر بالشّيء ، ومن الشّيء : تشاءم به . والاسم الطِيَرة . جاء في فتح الباري : التّطيّر ، والتّشاؤم شيء واحد . والمعنى الاصطلاحيّ لا يختلف عن اللّغويّ . الألفاظ ذات الصّلة : أ - الفأل : 2 - الفَأْل ضدّ الطّيرة ، يقال : تفاءل الرّجل : إذا تيمّن بسماع كلمة طيّبة . والفرق بينه وبين الطّيرة : أنّ الفأل يستعمل فيما يستحبّ ، والتّطيّر فيما يكره غالباً . ب - الكهانة : 3 - الكهانة : ادّعاء علم الغيب ، والإخبار بما سيحدث في المستقبل مع الإسناد إلى سبب . أصل التّطيّر : 4 - أصل التّطيّر : أنّ العرب كانوا في الجاهليّة إذا خرج أحدهم لأمر قصد إلى عشّ طائر ، فيهيّجه ، فإذا طار الطّير يمنة تيمّن به ، ومضى في الأمر ، ويسمّونه " السّانح " . أمّا إذا طار يسرة تشاءم به ، ورجع عمّا عزم عليه ، وكانوا يسمّونه " البارح " . فأبطل الإسلام ذلك ونهى عنه ، وأرجع الأمر إلى سنن اللّه الثّابتة ، وإلى قدره المحيط ، ومشيئته المطلقة ، جاء في الأثر الصّحيح : « من ردّته الطّيرة من حاجة فقد أشرك » ونحوه كثير . حكمه التّكليفيّ : 5 - إن اعتقد المكلّف أنّ الّذي شاهده من حال الطّير موجب لما ظنّه ، مؤثّر فيه ، فقد كفر . لما في ذلك من التّشريك في تدبير الأمور . أمّا إذا علم أنّ اللّه سبحانه وتعالى هو المتصرّف والمدبّر وحده ، ولكنّه في نفسه يجد شيئاً من الخوف من الشّرّ ، لأنّ التّجارب عنده قضت أنّ صوتاً من أصوات الطّير ، أو حالاً من حالاته يرادفه مكروه ، فإن وطّن نفسه على ذلك فقد أساء ، وإن استعاذ باللّه من الشّرّ ، وسأله الخير ومضى متوكّلا على اللّه ، فلا يضرّه ما وجد في نفسه من ذلك ، وإلا فيؤاخذ . لحديث « معاوية بن حكيم . قال : قلت : يا رسول اللّه : منّا رجال يتطيّرون . قال : ذلك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدّنّهم » . هذا وقد اتّفق أهل التّوحيد على تحريم التّطيّر ، ونفي تأثيره في حدوث الخير أو الشّرّ ، لما في ذلك من الإشراك باللّه في تدبير الأمور . والنّصوص في النّهي عن ذلك كثيرة ، منها : حديث : « لا عدوى ، ولا طيرة ولا هامّة ، ولا صفر » . أمّا الفأل الحسن فهو جائز ، وجاء في الأثر : « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتفاءل ولا يتطيّر ، وكان يحبّ أن يسمع يا راشد يا رجيح » . وروي عنه : « لا عدوى ولا طيرة ، ويعجبني الفأل الصّالح : الكلمة الحسنة » . والفأل أمل ورجاء للخير من اللّه تعالى عند كلّ سبب ضعيف أو قويّ ، بخلاف الطّيرة ، فهي سوء ظنّ باللّه ، والمؤمن مأمور بحسن الظّنّ باللّه ، لخبر قال اللّه تعالى في الحديث القدسيّ : « أنا عند ظنّ عبدي بي ، إن ظنّ بي خيراً فله ، وإن ظنّ شرّاً فله » . والتّفصيل في مصطلح ( شؤم ) . تعارض * التّعريف : 1 - التّعارض في اللّغة : التّقابل . أصله من العرض وهو المنع . يقال : لا تعترض له ، أي : لا تمنعه باعتراضك أن يبلغ مراده . ومنه : الاعتراضات عند الأصوليّين والفقهاء الواردة على القياس وغيره من الأدلّة ، سمّيت بذلك لأنّها تمنع من التّمسّك بالدّليل ومنه : تعارض البيّنات ، لأنّ كلّ واحدة تعترض الأخرى وتمنع نفوذها . ومنه : تعارض الأدلّة عند الأصوليّين ، وموطنه في الملحق الأصوليّ . والتّعارض اصطلاحاً : التّمانع بين الدّليلين مطلقا ، بحيث يقتضي أحدهما غير ما يقتضي الآخر . الألفاظ ذات الصّلة : أ - التّناقض : 2 - التّناقض : هو التّدافع يقال : تناقض الكلامان ، أي : تدافعا ، كأنّ كلّ واحد منهما ينقض الآخر ويدفعه ، والمتناقضان لا يجتمعان أبدا ولا يرتفعان . أمّا المتعارضان فقد يمكن ارتفاعهما . ب - التّنازع : 3 - التّنازع الاختلاف . يقال : تنازع القوم ، أي : اختلفوا ومنه قوله تعالى : { وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } . فالتّنازع أعمّ ، لأنّه يشمل الاختلاف في الرّأي وغيره . حكم التّعارض : 4 - إذا تعارضت البيّنتان ، وأمكن الجمع بينهما جمع ، وإذا لم يمكن الجمع يصار إلى التّرجيح . والتّرجيح : تقديم دليل على دليل آخر يعارضه ، لاقتران الأوّل بما يقوّيه والتّعارض والتّرجيح يرد عند الأصوليّين والفقهاء . فأمّا ما يتعلّق بالأصول فينظر في الملحق الأصوليّ . وأمّا استعماله عند الفقهاء فمعظمه في شأن البيّنات ، وفيما يلي تفصيل ذلك : وجوه التّرجيح في تعارض البيّنات : 5 - في كلّ مذهب من المذاهب الفقهيّة وجوه للتّرجيح . ذكر الحنفيّة - في باب دعوى الرّجلين - وجوها لترجيح إحدى البيّنتين على الأخرى إذا تعارضتا وتساوتا في القوّة ، فقالوا : إن كانت العين في يد المدّعى عليه تقدّم بيّنة الخارج على بيّنة ذي اليد في دعوى الملك المطلق - الّذي لم يذكر سببه - إن وقّت أحدهما فقط - أي ذكر تاريخا - وقال أبو يوسف : من وقّت أحقّ بالعين ، فإن أرّخا واتّحد المملّك ، فالأسبق تاريخا أحقّ بالعين لقوّة بيّنته ، ولو اختلف المملّك استويا . وإن كانت العين في يد ثالث ، وأقام خارجان كلّ بيّنة ، وتساوتا ، قضي لهما بها مناصفة ، وذلك عند أبي حنيفة وصاحبيه . وإن كان النّزاع على نكاح امرأة ، فأمّا أن تكون المرأة حيّة أو ميّتة ، فإن كانت حيّة سقطت البيّنتان لعدم إمكان الجمع بينهما . وإن كانت ميّتة ورثاها ميراث زوج واحد ، ولو ولدت يثبت نسب الولد منهما . وإن كانت العين في أيديهما معا ، واستويا في الحجّة والتّاريخ ، فالعين بينهما . فإن اختلفا في التّاريخ فهي للسّابق . ولا عبرة عندهم بكثرة الشّهود ولا بزيادة العدالة - وعند الحنفيّة تفصيلات أخرى تنظر في كتبهم . وعند المالكيّة التّرجيح يحصل بوجوه : 6 - الأوّل : بزيادة العدالة في المشهور . وروي عن مالك أنّه لا يرجّح بها ، وذلك موافق لما قاله الحنفيّة . وعلى القول بالتّرجيح بزيادة العدالة فلا بدّ أن يحلف من زادت عدالته ، وفي الموّازيّة : لا يحلف ، ولا يرجّح بكثرة العدد على المشهور كما هو رأي الحنفيّة . وروي عن مطرّف وابن الماجشون أنّه يرجّح بكثرة العدد عند تكافؤ البيّنتين في العدالة ، إلا أن يكثروا كثرة يكتفى بها فيما يراد من الاستظهار ، والآخرون كثيرون جدّاً ، فلا تراعى الكثرة حينئذ ، وإنّما يقع التّرجيح بمزيّة العدالة دون مزيّة العدد . قال ابن عبد السّلام : من رجّح بزيادة العدد لم يقل به كيفما اتّفق ، وإنّما اعتبره مع قيد العدالة . 7 - الثّاني : يكون التّرجيح أيضاً بقوّة الحجّة فيقدّم الشّاهدان على الشّاهد واليمين . وعلى الشّاهد والمرأتين ، وذلك إذا استووا في العدالة ، قال ذلك أشهب . وقال ابن القاسم : لا يقدّمان ثمّ رجع لقول أشهب . قال ابن القاسم : ولو كان الشّاهد أعدل من كلّ واحد منهما حكم به مع اليمين ، وقدّم على الشّاهدين . وقال ابن الماجشون ومطرّف : لا يقدّم ولو كان أعدل أهل زمانه ، وهو أقيس ، لأنّ بعض أهل المذهب لا يرى اليمين مع الشّاهد . 8 - الثّالث : اشتمال إحدى البيّنتين على زيادة تاريخ متقدّم أو سبب ملك ، وهذا يتّفق مع قول الحنفيّة بالأخذ بتاريخ السّابق . وذكر القرافيّ أنّه لا يحكم بأعدل البيّنتين عند من رأى ذلك إلّا في الأموال خاصّة . وقالوا : تقدّم بيّنة الملك على بيّنة الحوز ، وإن كان تاريخ الحوز متقدّما ، لأنّ الملك أقوى من الحوز . وتقدّم البيّنة النّاقلة على البيّنة المستصحبة . ومثالها : أن تشهد بيّنة أنّ هذه الدّار لزيد بناها منذ مدّة ، ولا نعلم أنّها خرجت من ملكه إلى الآن . وتشهد البيّنة الأخرى : أنّ هذا اشتراها منه بعد ذلك ، فالبيّنة النّاقلة علمت ، والمستصحبة لم تعلم ، فلا تعارض بين الشّهادتين . وإذا لم يمكن التّرجيح بين البيّنتين سقطتا ، وبقي المتنازع عليه بيد حائزه مع يمينه . فإن كان بيد غيرهما ، فقيل : يبقى بيده . وقيل : يقسم بين مقيمي البيّنتين ، لاتّفاق البيّنتين على سقوط ملك الحائز . وإقرار من هو بيده لأحدهما ينزّل منزلة اليد للمقرّ له . 9 - وعند الشّافعيّة : أنّه لو تنازع اثنان عينا ، وكانت بيد أحدهما ، وأقام كلّ بيّنة ، وتساوتا قدّمت بيّنة صاحب اليد . ولا تسمع بيّنته إلا بعد بيّنة المدّعي . وإن كانت العين في يد ثالث ، وأقام كلّ منهما بيّنة سقطت البيّنتان ، ويصار إلى التّحليف ، فيحلف صاحب اليد لكلّ منهما يميناً . وقيل : تستعمل البيّنتان وتنزع العين ممّن هي في يده ، وتقسم بينهما مناصفة في قول ، وفي قول آخر : يقرع بينهما فيأخذها من خرجت قرعته ، وفي قول : يوقف الأمر حتّى يتبيّن أو يصطلحا . وسكت في الرّوضة عن ترجيح واحد من الأقوال الثّلاثة . وقال القليوبيّ : قضيّة كلام جمهور الشّافعيّة ترجيح الثّالث ، لأنّه أعدل . وإن كانت في أيديهما ، وأقاما بيّنتين ، بقيت في أيديهما ، كما كانت على قول السّقوط . وقيل : تقسم بينهما على قول القسمة ، ولا يجيء الوقف ، وفي القرعة قولان . ولو أزيلت يده ببيّنة ، ثمّ أقام بيّنة بملكه مستندا إلى ما قبل إزالة يده ، واعتذر بغيبة شهوده ، سمعت وقدّمت ، لأنّها إنّما أزيلت لعدم الحجّة ، وقد ظهرت ، فينقض القضاء . وقيل : لا ، والقضاء على حاله . ولو قال الخارج : هو ملكي اشتريته منك . فقال : بل ملكي . وأقاما بيّنتين بما قالاه تقدّم بيّنة الخارج ، لزيادة علم بيّنته بالانتقال . والمذهب أنّ زيادة عدد شهود أحدهما لا ترجّح ، لكمال الحجّة في الطّرفين ، كما قال الحنفيّة . وفي قول من طريق ترجّح ، لأنّ القلب إلى الزّائد أميل . وكذا لو كان لأحدهما رجلان ، للآخر رجل وامرأتان ، لا يرجّح الرّجلان . وفي قول من طريق يرجّحان ، لزيادة الوثوق بقولهما . فإن كان للآخر شاهد ويمين يرجّح الشّاهدان في الأظهر ، لأنّهما حجّة بالإجماع . وفي الشّاهد واليمين خلاف . والقول الثّاني : يتعادلان ، لأنّ كلّا منهما حجّة كافية . ولو شهدت بيّنة لأحدهما بملك من سنة ، وبيّنة للآخر بملك من أكثر من سنة إلى الآن كسنتين ، والعين في يد غيرهما، فالأظهر ترجيح الأكثر ، لأنّ الأخرى لا تعارضها فيه. والرّأي الثّاني عند الشّافعيّة : أنّه لا ترجيح به ، لأنّ مناط الشّهادة الملك في الحال ، وقد استويا فيه ، ولصاحب بيّنة الأكثر - على القول بترجيحها - الأجرة ، والزّيادة الحادثة من يوم الحكم . وعلى القول الثّاني : تقسم بينهما ، أو يقرع ، أو يوقف حتّى يبيّن أو يصطلحا حسب الأقوال الثّلاثة . ولو أطلقت بيّنة ، وأرّخت بيّنة ، فالمذهب أنّهما سواء ، وهو المعتمد ، سواء كان المدّعى به بيدهما أو بيد غيرهما ، أو لا بيد واحد منهما . وقيل - كما في أصل الرّوضة - تقدّم البيّنة المؤرّخة ، لأنّها تقتضي الملك قبل الحال ، بخلاف المطلقة . ولو شهدت بيّنة أحدهما بالحقّ ، وبيّنة الآخر بالإبراء قدّمت بيّنة الإبراء . هذا ومحلّ الاستواء في هذه المسألة - على ما ذكره القليوبيّ - ما لم يوجد مرجّح . فإن وجد المرجّح ككونه بيد أحدهما ، أو كانت بيّنته غير شاهد ويمين ، أو أسندت بيّنته لسبب : كأن شهدت بأنّه نتج في ملكه ، أو ثمر فيه ، أو حمل فيه ، أو ورثه من أبيه فتقدّم بيّنته . 10 - وعند الحنابلة : أنّ من ادّعى شيئا بيد غيره فأنكره ، ولكلّ واحد منهما بيّنة ، فقد اختلفت الرّواية عن أحمد فيما إذا تعارضتا : فالمشهور عنه تقديم بيّنة المدّعي ، ولا يلتفت إلى بيّنة المدّعى عليه بحال ، وهذا قول إسحاق ، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : « البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه » فأمرنا بسماع بيّنة المدّعي ويمين المدّعى عليه ، وسواء شهدت بيّنة المدّعى عليه أنّها له ، أو قالت : ولدت في ملكه عليه . وعن أحمد رواية ثانية : إن شهدت بيّنة الدّاخل - أي صاحب اليد وهو المدّعى عليه - بسبب الملك ، وقالت مثلاً : إنّ الدّابّة المتنازع عليها نتجت في ملكه أو اشتراها ، أو كانت بيّنته أقدم تاريخا قدّمت بيّنته ، وإلا قدّمت بيّنة المدّعي ، لأنّ ( بيّنة الدّاخل ) أفادت بذكر السّبب ما لا تفيده اليد . واستدلّ لتقديم بيّنة الدّاخل : بما روى جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهما : « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم اختصم إليه رجلان في دابّة أو بعير ، فأقام كلّ واحد منهما البيّنة بأنّها له نتجها ، فقضى بها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم للّذي هي في يده » . وذكر أبو الخطّاب رواية ثالثة : أنّ بيّنة المدّعى عليه تقدّم بكلّ حال ، وهو قول شريح وأهل الشّام والشّعبيّ والحكم وأبي عبيد . وقال : هو قول أهل المدينة ، وروي عن طاوس . وأنكر القاضي كون هذا رواية عن أحمد ، وقال : لا تقبل بيّنة الدّاخل إذا لم تفد إلا ما أفادته يده ، رواية واحدة . واحتجّ من ذهب إلى هذا القول بأنّ جهة المدّعى عليه أقوى ، لأنّ الأصل معه ، ويمينه تقدّم على يمين المدّعي . فإذا تعارضت البيّنتان : وجب إبقاء يده على ما فيها ، وتقديمه ، كما لو لم تكن بيّنة لواحد منهما . وحديث جابر يدلّ على هذا ، فإنّه إنّما قدّمت بيّنته ليده . 11 - واستدلّ لتقديم بيّنة المدّعي بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه » فجعل جنس البيّنة في جهة المدّعي ، فلا يبقى في جهة المدّعى عليه بيّنة . ولأنّ بيّنة المدّعي أكثر فائدة فوجب تقديمها كتقديم بيّنة الجرح على بيّنة التّعديل . ودليل كثرة فائدتها : أنّها تثبت شيئاً لم يكن . وبيّنة المنكر إنّما تثبت ظاهرا تدلّ اليد عليه ، فلم تكن مفيدة ، ولأنّ الشّهادة بالملك يجوز أن يكون مستندها رؤية اليد والتّصرّف ، فإنّ ذلك جائز عند كثير من أهل العلم ، فصارت البيّنة بمنزل اليد المجرّدة ، فتقدّم عليها بيّنة المدّعي ، كما تقدّم على اليد ، كما أنّ شاهدي الفرع لمّا كانا مبنيّين على شاهدي الأصل ، لم تكن لهما مزيّة عليهما . وإذا كان في يد رجل شاة ، فادّعى رجل أنّها له منذ سنة ، وأقام بذلك بيّنة . وادّعى الّذي هي في يده أنّها في يده منذ سنين ، وأقام لذلك بيّنة ، فهي للمدّعي بغير خلاف ، لأنّ بيّنته تشهد له بالملك ، وبيّنة الدّاخل تشهد له باليد خاصّة ، فلا تعارض بينهما ، لإمكان الجمع بينهما بأن تكون اليد على غير ملك ، فكانت بيّنة الملك أولى . فإن شهدت بيّنة بأنّها ملكه منذ سنتين ، فقد تعارض ترجيحان : فقدّم التّاريخ من جهة بيّنة الدّاخل ، وكون الأخرى بيّنة الخارج ففيه روايتان : إحداهما تقدّم بيّنة الخارج، وهو قول صاحبي أبي حنيفة ، وأبي ثور. والثّانية : تقدّم بيّنة الدّاخل ، وهو قول أبي حنيفة ، والشّافعيّ ، لأنّها تضمّنت زيادة . تعارض الأدلّة في حقوق اللّه تعالى : 12 - المقرّر شرعا : أنّ الحدود الّتي هي حقّ اللّه تعالى تسقط بالشّبهات ، فإذا أقيمت بيّنة تامّة على فعل كالزّنى مثلاً ، وعارضتها بيّنة ولو أقلّ منها بعدم الفعل قدّمت ، وذلك استناداً إلى قوله صلى الله عليه وسلم : « ادرءوا الحدود بالشّبهات ما استطعتم » بل قال الحنفيّة : لو أقيمت عليه بيّنة بما يوجب الحدّ ، وادّعى شبهة من غير بيّنة ، سقط الحدّ . وللمالكيّة تفصيل ، قالوا : إذا شهدت بيّنة بأنّه زنى عاقلاً ، وشهدت الأخرى بأنّه كان مجنونا : إن كان القيام عليه - أي الادّعاء - وهو عاقل ، قدّمت بيّنة العقل . وإن كان القيام عليه وهو مجنون ، قدّمت بيّنة الجنون، فاعتبروا شهادة الحال في التّرجيح. وقال ابن اللّبّاد : يعتبر وقت الرّؤية لا وقت القيام ، فلم يعتبر ظاهر الحال . ونقل عن ابن القاسم : إثبات الزّيادة ، فإذا شهدت إحداهما : بالقتل أو السّرقة أو الزّنى ، وشهدت الأخرى : أنّه كان في مكان بعيد أنّه تقدّم بيّنة القتل ونحوه ، لأنّها مثبتة زيادة ، ولا يدرأ عنه الحدّ . قال سحنون : إلا أن يشهد الجمع العظيم - كالحجيج ونحوهم - أنّه كان معهم في الوقوف بعرفة ، أو صلّى بهم العيد في ذلك اليوم ، لأنّ هؤلاء لا يشتبه عليهم أمره ، بخلاف الشّاهدين . تعارض تعديل الشّهود وتجريحهم : 13 - اعتبار العدالة في الشّاهد حقّ للّه تعالى ، ولهذا لو رضي الخصم بأن يحكم عليه بقول فاسق لم يجز الحكم به . والعدالة أو التّجريح لا يثبت كلّ منهما إلا بشهادة رجلين ، خلافا لأبي حنيفة ، وأبي يوسف ، فيثبت كلّ من التّعديل والتّجريح عندهما بشهادة واحد . وسبب الخلاف هل هما شهادة أو إخبار ؟ فعند الجمهور : شهادة ، وعند أبي حنيفة وأبي يوسف : إخبار ، فيكفي الواحد في تزكية السّرّ ، ونصاب الشّهادة في تزكية العلانية . فلو عدّل الشّاهد اثنان ، وجرّحه اثنان ، فالجرح أولى عند الحنفيّة ، والشّافعيّة والحنابلة ، وهو قول عند المالكيّة ، واستدلّوا : بأنّ الجارح معه زيادة علم خفيت على المعدّل ، فوجب تقديمه ، لأنّ التّعديل يتضمّن ترك الرّيب والمحارم ، والجارح مثبت لوجود ذلك ، والإثبات مقدّم على النّفي ، ولأنّ الجارح يقول : رأيته يفعل كذا ، والمعدّل مستنده أنّه لم يره يفعل ، ويمكن صدقهما ، والجمع بين قوليهما : بأن يراه الجارح يفعل المعصية ، ولا يراه المعدّل ، فيكون مجروحا . وعند الشّافعيّة والحنابلة : أنّه لا بدّ في الجرح من ذكر السّبب ، ولم يشترطوا ذلك في التّعديل . وعند الحنفيّة : أنّ المزكّي يقول في الشّاهد المجروح " واللّه أعلم " ولا يزيد على هذا ، لأنّ في ذكر فسقه هتك عرضه ، وقد أمرنا بالسّتر على المسلم . وهذا كلّه إذا لم يعلم القاضي حال الشّهود ، إذ إنّه إذا كان يعلم حكم بمقتضى علمه . وقال المالكيّة : لو عدّله شاهدان رجلان وجرّحه آخران ، ففي ذلك قولان ، قيل : يقضى بأعدلهما ، لاستحالة الجمع بينهما ، وقيل : يقضى بشهادة الجرح ، لأنّ شهود الجرح زادوا على شهود التّعديل ، إذ الجرح يَبْطُن ، فلا يطّلع عليه كلّ النّاس ، بخلاف العدالة . وللّخميّ تفصيل ، قال : إن كان اختلاف البيّنتين في فعل شيء في مجلس واحد ، كدعوى إحدى البيّنتين : أنّه فعل كذا ، في وقت كذا ، وقالت البيّنة الأخرى : لم يكن ذلك ، فإنّه يقضى بأعدلهما . وإن كان ذلك في مجلسين متقاربين قضي بشهادة الجرح ، لأنّها زادت علما في الباطن . وإن تباعد ما بين المجلسين قضي بآخرهما تاريخا ، ويحمل على أنّه كان عدلا ففسق ، أو فاسقا فتزكّى ، إلا أن يكون في وقت تقييد الجرح ظاهر العدالة ، فبيّنة الجرح مقدّمة ، لأنّها زادت . تعارض احتمال بقاء الإسلام وحدوث الرّدّة : 14 - فقهاء المذاهب لم يجمعوا على حكم واحد في هذا الموضوع . وأكثر المذاهب توسّعاً فيه مذهب الحنفيّة : إذ قالوا : لا يخرج الرّجل من الإيمان إلّا جحود ما أدخله فيه ، ثمّ ما تيقّن أنّه ردّة يحكم بها ، وما يشكّ أنّه ردّة لا يحكم بها ، إذ الإسلام الثّابت لا يزول بالشّكّ ، والإسلام يعلو . وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا ألا يبادر بتكفير أهل الإسلام ، مع أنّه يتساهل في إثبات الإسلام ، فيقضى بصحّة إسلام المكره . ونقل ابن عابدين عن صاحب الفتاوى الصّغرى قوله : الكفر شيء عظيم ، فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنّه لا يكفر . وفي كتب الحنفيّة : إذا كان في المسألة وجوه توجب التّكفير ، ووجه واحد يمنعه ، فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الّذي يمنع التّكفير ، تحسينا للظّنّ بالمسلم ، إلا إذا صرّح بإرادة موجب الكفر ، فلا ينفعه التّأويل . ولا يكفر بالمحتمل ، لأنّ عقوبة الكفر نهاية في العقوبة ، تستدعي نهاية في الجناية ، ومع الاحتمال لا نهاية في الجناية ، والّذي تقرّر : أنّه لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن ، أو كان في كفره اختلاف ، ولو رواية ضعيفة . 15 - وفقهاء المذاهب الأخرى يقولون أيضاً : إذا قام دليل أو قرينة تقتضي عدم القتل قدّمت . قالوا : ولو أسلم ثمّ ارتدّ عن قرب ، وقال : أسلمت عن ضيق أو خوف أو غرم ، وظهر عذره ، ففي قبول عذره قولان عند المالكيّة . هذا ، وقد أورد الفقهاء قواعد عامّة في التّعارض ، وهي إن كانت أقرب إلى الأصول منها إلى الفقه ، إلا أنّه رتّبت عليها مسائل فقهيّة يسوّغ ذكرها هنا . تعارض الأحكام التّكليفيّة في الفعل الواحد : 16 - من القواعد الّتي أوردها الزّركشيّ : أنّه لو تعارض الحظر والإباحة في فعل واحد يقدّم الحظر . ومن ثمّ لو تولّد الحيوان من مأكول وغيره ، حرم أكله ، وإذا ذبحه المحرم وجب الجزاء تغليبا للتّحريم . ومنها : لو تعارض الواجب والمحظور ، يقدّم الواجب ، كما إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفّار ، وجب غسل الجميع ، والصّلاة عليهم . وكذلك اختلاط الشّهداء بغيرهم . وإن كان الشّهيد لا يغسّل ، ولا يصلّى عليه ، إلّا أنّه ينوى الصّلاة عليه إن لم يكن شهيداً . ولو أسلمت المرأة وجب عليها الهجرة إلى دار الإسلام ، ولو سافرت وحدها ، وإن كان سفرها وحدها في الأصل حراماً . ويعذر المصلّي في التّنحنح إذا تعذّرت عليه القراءة الواجبة . 17 - ومن القواعد : ما لو تعارض واجبان ، قدّم آكدهما ، فيقدّم فرض العين على فرض الكفاية . فالطّائف حول الكعبة لا يقطع الطّواف لصلاة الجنازة . ولو اجتمعت جنازة وجمعة وضاق الوقت ، قدّمت الجمعة . ومن هذا ليس للوالدين منع الولد من حجّة الإسلام على الصّحيح ، بخلاف الجهاد ، فإنّه لا يجوز إلا برضاهما ، لأنّ برّهما فرض عين ، والجهاد فرض كفاية ، وفرض العين مقدّم . 18 - ولو تعارضت فضيلتان ، يقدّم أفضلهما ، فلو تعارض البكور إلى الجمعة بلا غسل وتأخيره مع الغسل ، فالظّاهر : أنّ تحصيل الغسل أولى للخلاف في وجوبه . وهذا كلّه مذهب الشّافعيّة . 19 - ومن فروع قاعدة تعارض الحظر والإباحة : ما إذا تعارض دليلان أحدهما يقتضي التّحريم ، والآخر الإباحة ، قدّم التّحريم . وعلّله الأصوليّون بتقديم النّسخ ، لأنّه لو قدّم المبيح للزم تكرار النّسخ ، لأنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، فلو جعل المبيح متأخّرا كان المحرّم ناسخاً للإباحة الأصليّة ، ثمّ يصير منسوخا بالمبيح ، ولو جعل المحرّم متأخّرا كان ناسخا للمبيح ، وهو لم ينسخ شيئاً لكونه على وفق الأصل ، ولذلك قال عثمان رضي الله عنه - لمّا سئل عن الجمع بين الأختين بملك اليمين - أحلّتهما آية وحرّمتهما آية ، والتّحريم أحبّ إلينا . قالوا : وإنّما كان التّحريم أحبّ لأنّ فيه ترك مباح ، لا اجتناب محرّم ، وذلك أولى من عكسه . 20 - ومن أقسام التّعارض : أن يتعارض أصلان ، فإذا وقع ذلك يعمل بالأرجح منهما ، لاعتضاده بما يرجّحه . ومن صوره : ما إذا جاء بعض العسكر بمشرك ، فادّعى المشرك : أنّ المسلم أمّنه ، وأنكر ، ففيه روايتان : إحداهما : القول قول المسلم في إنكار الأمان ، لأنّ الأصل عدم الأمان . والثّانية : القول قول المشرك ، لأنّ الأصل في الدّماء الحظر إلّا بيقين الإباحة ، وقد وقع الشّكّ هنا فيها . وفيه رواية ثالثة : أنّ القول قول من يدلّ الحال على صدقه منهما ، ترجيحا لأحد الأصلين بالظّاهر الموافق له . ولو تعارض الحنث والبرّ في يمين ، قدّم الحنث على البرّ ، فمن حلف على الإقدام على فعل شيء أو وجوده فهو على حنث ، حتّى يقع الفعل فيبرّ . والحنث يدخل عند المالكيّة بأقلّ الوجوه ، والبرّ لا يكون إلا بأكمل الوجوه ، فمن حلف أن يأكل رغيفاً لم يبرّ إلا بأكل الرّغيف كلّه ، وإن حلف ألا يأكله حنث بأكل بعضه . قال الغزاليّ في المستصفى : وقد ذهب قوم : إلى أنّ الخاصّ والعامّ يتعارضان ويتدافعان ، فيجوز أن يكون الخاصّ سابقاً ، وقد ورد العامّ بعده لإرادة العموم ، فنسخ الخاصّ . ويجوز أن يكون العامّ سابقاً وقد أريد به العموم ، ثمّ نسخ باللّفظ الخاصّ بعده . فعموم الرّقبة مثلاً يقتضي إجزاء الكافرة مهما أريد به العموم ، والتّقييد بالمؤمنة يقتضي منع إجزاء الكافرة ، فهما متعارضان . وإذا أمكن النّسخ والبيان جميعا فَلِمَ يُتحكّم بحمله على البيان دون النّسخ ؟ ولمَ يقطع بالحكم على العامّ بالخاصّ ؟ ولعلّ العامّ هو المتأخّر الّذي أريد به العموم ، وينسخ به الخاصّ ، وهذا هو الّذي اختاره القاضي ، والأصحّ عندنا : تقديم الخاصّ وإن كان ما ذكره القاضي ممكنا ، ولكنّ تقدير النّسخ محتاج إلى الحكم بدخول الكافرة تحت اللّفظ ، ثمّ خروجه عنه ، فهو إثبات وضع ، ورفع بالتّوهّم ، وإرادة الخاصّ باللّفظ العامّ غالب معتاد ، بل هو الأكثر ، والنّسخ كالنّادر ، فلا سبيل إلى تقديره بالتّوهّم ، ويكاد يشهد لما ذكرناه من سير الصّحابة والتّابعين كثير ، فإنّهم كانوا يسارعون إلى الحكم بالخاصّ على العامّ ، وما اشتغلوا بطلب التّاريخ والتّقدّم والتّأخّر . وقيل على الشّذوذ : إنّه يخصّص من طريق المفهوم ، فإنّ الرّجال يقتضي مفهومه قتل غيرهم ، فإذا لم يتنافيا ، وكان لأحدهما مناسبة تخصّه في متعلّقه - كقوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيكُمْ المَيْتَةُ } وقوله تعالى : { لا تَقْتُلُوا الصًّيدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } - فيضطرّ المحرم إلى أكل الميتة أو الصّيد ، فعند مالك : يأكل الميتة ويترك الصّيد ، لأنّ كليهما - وإن كان محرّما - إلّا أنّ تحريم الصّيد له مناسبة بالإحرام ، ومفسدته الّتي اعتمدها النّهي إنّما هي في الإحرام ، وأمّا مفسدة أكل الميتة فذلك أمر عامّ ، لا تعلّق له بخصوص الإحرام ، والمناسب إذا كان لأمر عامّ - وهو كونها ميتة - لا يكون بينه وبين خصوص الإحرام منافاة ولا تعلّق ، والمنافي الأخصّ أولى بالاجتناب . ومن هذا القبيل : إذا لم يجد المصلّي ثوباً يستره إلا حريراً أو نجساً فإنّه يصلّي في الحرير ويترك النّجس ، لأنّ مفسدة النّجاسة خاصّة بالصّلاة ، بخلاف مفسدة الحرير لا تعلّق لها بخصوص الصّلاة ، ولا منافاة بينهما . وهناك فروع كثيرة أخرى تترتّب على هذه القاعدة ، يرجع إليها في الأصول وأبواب الفقه . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية