الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41287" data-attributes="member: 329"><p>تعارض الأصل والظّاهر :</p><p>21 - المراد بالأصل : بقاء ما كان على ما كان ، والظّاهر : ما يترجّح وقوعه . </p><p>فالأصل براءة الذّمّة ، ولذا لم يقبل في شغلها شاهد واحد ، ولذا كان القول قول المدّعى عليه لموافقته الأصل ، والبيّنة على المدّعي ، لدعواه ما خالف الأصل ، فإذا اختلفا في قيمة المتلف والمغصوب - فالقول قول الغارم ، لأنّ الأصل البراءة عمّا زاد عن قوله ، ولو أقرّ بشيء أو حقّ قبل تفسيره بما له قيمة ، فالقول للمقرّ مع يمينه . </p><p>وهذه القاعدة مذهب الحنفيّة . والحكم كذلك عند المالكيّة . </p><p>والشّافعيّة والحنابلة : الحكم عندهم كذلك في تقديم الظّاهر الثّابت بالبيّنة . </p><p>وللشّافعيّة تفصيل في غير الثّابت بالبيّنة ، إذ قالوا : إنّ الأصل يرجّح جزما . </p><p>وضابطه : أن يعارضه احتمال مجرّد . وما يرجّح فيه الظّاهر جزما ، وضابطه : أن يستند إلى سبب منصوب شرعا ، كالشّهادة تعارض الأصل ، والرّواية ، واليد في الدّعوى . وإخبار الثّقة بدخول الوقت . وما يرجّح فيه الأصل على الظّاهر في الأصحّ ، وضابطه : أن يستند الاحتمال إلى سبب ضعيف ، ومثله الشّيء الّذي لا يتيقّن بنجاسته ، ولكنّ الغالب فيه النّجاسة كثياب مدمن الخمر ، والقصّابين ، والكفّار ، وأوانيهم . </p><p>وما يترجّح فيه الظّاهر على الأصل ، بأن كان سببا قويّاً منضبطاً ، كمن شكّ بعد الصّلاة أو غيرها من العبادات في ترك ركن غير النّيّة فالمشهور لا يؤثّر . </p><p>والحنابلة يقدّمون كغيرهم الظّاهر ، الّذي هو حجّة يجب قبولها شرعاً ، كالشّهادة على الأصل ، وإن لم يكن كذلك ، بأن كان مستندا إلى العرف أو العادة الغالبة أو القرائن أو غلبة الظّنّ ونحو ذلك ، فتارة يعمل بالأصل ولا يلتفت إلى الظّاهر ، وتارة يعمل بالظّاهر ولا يلتفت إلى الأصل ، وتارة يخرج في المسألة خلاف ، فهذه أربعة أقسام : </p><p>- 1 - ما ترك فيه العمل بالأصل للحجّة الشّرعيّة ، وهي قول من يجب العمل بقوله ، كشهادة عدلين بشغل ذمّة المدّعى عليه ، وهذه محلّ إجماع بين الفقهاء كما تقدّم . </p><p>- 2 - ما عمل فيه بالأصل ، ولم يلتفت إلى القرائن الظّاهرة ونحوها . وذلك كما إذا ادّعت زوجة بعد طول مقامها مع الزّوج : أنّها لم تصلها منه النّفقة الواجبة ، فإنّ القول قولها مع يمينها عند الأصحاب ، لأنّ الأصل معها ، مع أنّ العادة تبعد ذلك جدّاً ، واختار الشّيخ تقيّ الدّين بن تيميّة الرّجوع إلى العادة ، وخرّجه وجها من المسائل المختلف فيها . </p><p>- 3 - ما عمل فيه بالظّاهر ولم يلتفت إلى الأصل ، كما إذا شكّ بعد الفراغ من الصّلاة أو غيرها من العبادات في ترك ركن منها ، فإنّه لا يلتفت إلى الشّكّ ، وإن كان الأصل عدم الإتيان به وعدم براءة الذّمّة ، لكنّ الظّاهر من فعل المكلّفين للعبادات : أن تقع على وجه الكمال ، فيرجّح هذا الظّاهر على الأصل ، ولا فرق في ذلك بين الوضوء وغيره في المنصوص عن الإمام أحمد . </p><p>- 4 - ما خرج فيه خلاف في ترجيح الظّاهر على الأصل وبالعكس ، ويكون ذلك غالباً عند تقادم الظّاهر والأصل وتساويهما ، ومن صوره : طهارة طين الشّوارع ، نصّ عليه الإمام أحمد في مواضع ، ترجيحا للأصل ، وهو الطّهارة في الأعيان كلّها . </p><p>وفي رواية له ثانية : أنّه نجس ترجيحاً للظّاهر ، وجعله صاحب التّلخيص المذهب .</p><p>تعارض العبارة " اللّفظ " والإشارة الحسّيّة :</p><p>22 - قال المالكيّة والحنابلة : إنّ العبارة تقدّم على الإشارة ، واستدلّوا بما أورده ابن حجر في شرح حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم « أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة وأشار بيده على أنفه . . . » إلخ . </p><p>وأحال شرح الحديث على ما قاله في الرّواية الأخرى عن ابن عبّاس « ووضع يده على جبهته وأمرّها على أنفه ، وقال : هذا واحد » فهذه رواية مفسّرة . </p><p>قال القرطبيّ : هذا يدلّ على أنّ الجبهة الأصل ، والسّجود على الأنف تبع . </p><p>وقال ابن دقيق العيد : قيل : معناه أنّهما جعلا كعضو واحد ، وإلا لكانت الأعضاء ثمانية . قال : وفيه نظر ، لأنّه لا يلزم منه أن يكتفى بالسّجود على الأنف . قال : والحقّ أنّ مثل هذا لا يعارض التّصريح بذكر الجبهة ، وإن أمكن أن يعتقد أنّهما كعضو واحد فذاك في التّسمية والعبارة ، لا في الحكم الّذي عليه الأمر بالسّجود . </p><p>وأيضاً فإنّ الإشارة قد لا تعيّن المشار إليه ، فإنّها إنّما تتعلّق بالجبهة لأجل العبارة ، فإذا تقارب ما في الجبهة أمكن أن لا يعيّن المشار إليه تعيينا . وأمّا العبارة : فإنّها معيّنة لما وصفت له ، فتقديمه أولى . وما ذكره من الاقتصار على بعض الجبهة قال به كثير من الشّافعيّة ، ثمّ قال : ونقل ابن المنذر إجماع الصّحابة : على أنّه لا يجزئ السّجود على الأنف وحده . وذهب الجمهور إلى أنّه يجزئ على الجبهة وحدها . وعن الأوزاعيّ وأحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكيّة وغيرهم : يجب أن يجمعهما ، وهو قول الشّافعيّ أيضاً . وقال الحنفيّة : إذا اجتمعت الإشارة إلى شيء ، والعبارة عنه في المهر - فالأصل أنّ المسمّى إذا كان من جنس المشار إليه يتعلّق العقد بالمشار إليه ، لأنّ المسمّى موجود في المشار إليه ذاتاً ، والوصف يتبعه ، وإن كان من خلاف جنسه يتعلّق العقد بالمسمّى ، لأنّ المسمّى مثل المشار إليه ، وليس بتابع له . </p><p>والتّسمية أبلغ في التّعريف ، من حيث إنّها تعرف الماهيّة ، والإشارة تعرف الذّات . </p><p>فمن اشترى فصّا على أنّه ياقوت ، فإذا هو زجاج لا ينعقد العقد ، لاختلاف الجنس . </p><p>ولو اشترى على أنّه ياقوت أحمر فإذا هو أخضر ، انعقد العقد لاتّحاد الجنس . </p><p>وقال الشّارحون : إنّ هذا الأصل متّفق عليه في النّكاح ، والبيع ، والإجارة ، وسائر العقود ، ولكنّ الإمام أبا حنيفة جعل الخلّ والخمر جنسا ، فتعلّق بالمشار إليه ، فوجب مهر المثل ، فيما لو تزوّجها على هذا الدّنّ من الخلّ ، وأشار إلى خمر . </p><p>ولو سمّى حراماً ، وأشار إلى حلال فلها الحلال في الأصحّ . </p><p>وأمّا في النّكاح فقال في الخانيّة : رجل له بنت واحدة اسمها عائشة : فقال الأب وقت العقد : زوّجت منك بنتي فاطمة ، لا ينعقد النّكاح . ولو كانت المرأة حاضرة فقال الأب : زوّجتك بنتي فاطمة هذه ، وأشار إلى عائشة وغلط في اسمها ، فقال الزّوج : قبلت ، جاز . </p><p>23 - وممّا سبق تبيّن أنّ الحنفيّة وحدهم هم الّذين قالوا بإجزاء السّجود على الأنف وحده ، تقديما للإشارة على العبارة ، وأنّ الجمهور يجزئ عندهم السّجود على الجبهة دون الأنف ، وأنّ العبارة عندهم تقدّم على الإشارة لأنّها تعيّن المراد ، والإشارة قد لا تعيّنه . </p><p>وقال الشّافعيّة : إذا اجتمعت الإشارة والعبارة ، واختلف موجبهما ، غلّبت الإشارة . </p><p>فلو قال : أصلّي خلف زيد هذا ، أو قال : أصلّي على زيد هذا ، فبان عمرا فالأصحّ الصّحّة . ولو قال : زوّجتك فلانة هذه ، وسمّاها بغير اسمها صحّ قطعا ، وحكي فيه وجه . </p><p>ولو قال : زوّجتك هذا الغلام ، وأشار إلى بنته ، نقل الرّويانيّ عن الأصحاب صحّة النّكاح . تعويلا على الإشارة . وهذا يتّفق ومذهب الحنفيّة . ولو قال : زوّجتك هذه العربيّة ، فكانت أعجميّة . أو : هذه العجوز ، فكانت شابّة . أو : هذه البيضاء ، فكانت سوداء أو عكسه - وكذا المخالفة في جميع وجوه النّسب والصّفات والعلوّ والنّزول - ففي صحّة النّكاح قولان ، والأصحّ : الصّحّة . ولو قال : بعتك داري هذه وحدّدها وغلط في حدودها ، صحّ البيع . بخلاف ما لو قال : بعتك الدّار الّتي في المحلّة الفلانيّة وحدّدها وغلط ، لأنّ التّعويل هناك على الإشارة . ولو قال : بعتك هذا الفرس فكان بغلا أو عكسه ، فوجهان ، والأصحّ هنا البطلان . وإنّما صحّح البطلان هنا تغليبا لاختلاف غرض الماليّة . وصحّح الصّحّة في الباقي تغليبا للإشارة . وحينئذ يستثنى هذه الصّورة من القاعدة . </p><p>ويضمّ إلى هذه الصّورة صور ، منها : ما لو حلف لا يكلّم هذا الصّبيّ فكلّمه شيخا ، أو لا يأكل هذا الرّطب فأكله تمرا ، أو لا يدخل هذه الدّار فدخلها عرصة ، فالأصحّ : أنّه لا يحنث . ولو خالعها على هذا الثّوب الكتّان فبان قطنا ، أو عكسه ، فالأصحّ فساد الخلع ، ويرجع بمهر المثل . وهناك صور كثيرة تترتّب على هذه القاعدة . </p><p>هذه جملة قواعد أصوليّة في التّعارض ، ذكرت مع ما يترتّب عليها من أحكام . </p><p>وأمّا التّعارض بين الأدلّة فينظر في الملحق الأصوليّ .</p><p></p><p>تعاطي *</p><p>التّعريف : </p><p>1 - التّعاطي لغة : مصدر تعاطى ، بمعنى : تناول الإنسان الشّيء بيده ، من العطو ، وهو بمعنى التّناول . قال اللّه تعالى : { فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر } وتفسيرها : أنّه تناول آلة العقر ، وجاء في تفسيرها أيضا : أنّه تناول الفعل بعد أن أعدّ له عدّته ، بأن كمن للنّاقة فرماها بسهمه ، ثمّ ضربها بسيفه حتّى قتلها . </p><p>واصطلاحاً : التّعاطي في البيع ، ويقال فيه أيضاً المعاطاة : أن يأخذ المشتري المبيع ويدفع للبائع الثّمن ، أو يدفع البائع المبيع فيدفع له الآخر الثّمن ، من غير تكلّم ولا إشارة . ويكون التّعاطي في البيع وغيره من المعاوضات . </p><p> الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>العقد : </p><p>2 - العقد : عقود البيع منها ما يتمّ باللّفظ ( وهو الصّيغة ) وهو الإيجاب والقبول ، ومنها ما يتمّ بالفعل ، وهو التّعاطي . </p><p> الحكم الإجماليّ :</p><p>البيع بالتّعاطي :</p><p>3 - اختلف الفقهاء في انعقاد البيع بالتّعاطي . فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وفي قول للشّافعيّة إلى : جواز البيع بالتّعاطي . والمذهب عند الشّافعيّة اشتراط الصّيغة لصحّة البيع وما في معناه . وللشّافعيّة قول ثالث بجواز المعاطاة في المحقَّرات . </p><p>ولبيع المعاطاة صورتان : الأولى : أن يتمّ التّعاطي من غير تكلّم ولا إشارة من أحد الطّرفين ، وهو جائز عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، ورجّح النّوويّ الجواز بخلاف المذهب . الصّورة الثّانية : أن يتمّ التّعاطي بتكلّم أحد الطّرفين ويتمّ التّسليم ، وهو تعاط عند المالكيّة والحنابلة . ولم يعدّه الحنفيّة تعاطياً . </p><p>4 - وقال ابن قدامة في الاستدلال لمشروعيّة بيع التّعاطي : إنّ اللّه أحلّ البيع ، ولم يبيّن كيفيّته ، فوجب الرّجوع فيه إلى العرف ، كما رجع إليه في القبض والإحراز والتّفرّق . والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك . ولأنّ البيع كان موجودا بينهم معلوما عندهم ، وإنّما علّق الشّرع عليه أحكاما ، وأبقاه على ما كان ، فلا يجوز تغييره بالرّأي والتّحكّم ، ولم ينقل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه - مع كثرة وقوع البيع بينهم - استعمال الإيجاب والقبول ، ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلاً شائعاً . </p><p>ولو كان ذلك شرطا لوجب نقله ، ولم يتصوّر منهم إهماله والغفلة عن نقله ، ولأنّ البيع ممّا تعمّ به البلوى فلو اشترط له الإيجاب والقبول لَبَيّنه صلى الله عليه وسلم بياناً عامّاً ، ولم يخف حكمه ، لأنّه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا وأكلهم المال بالباطل ، ولم ينقل ذلك عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه . </p><p>ولأنّ النّاس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كلّ عصر . </p><p>ولم ينقل إنكاره قبل مخالفينا ، فكان ذلك إجماعاً . وكذلك الحكم في الإيجاب والقبول في الهبة والهديّة والصّدقة ، ولم ينقل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه استعمال ذلك فيه ، وقد أهدي إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الحبشة وغيرها ، وكان النّاس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة رضي الله عنها . وروى البخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه : أهديّة أم صدقة ؟ فإن قيل : صدقة . قال لأصحابه : كلوا ، ولم يأكل . وإن قيل : هديّة ضرب بيده وأكل معهم » وفي حديث سلمان رضي الله عنه « حين جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بتمر فقال : هذا شيء من الصّدقة ، رأيتك أنت وأصحابك أحقّ النّاس به . فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه : كلوا ولم يأكل ثمّ أتاه ثانية بتمر فقال : رأيتك لا تأكل الصّدقة وهذا شيء أهديته لك ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : بسم اللّه ، وأكل » ولم ينقل قبول ولا أمر بإيجاب ، وإنّما سأل ليعلم : هل هو صدقة أو هديّة ؟ وفي أكثر الأخبار لم ينقل إيجاب ولا قبول ، وليس إلّا المعاطاة ، والتّفرّق عن تراض يدلّ على صحّته ، ولو كان الإيجاب والقبول شرطا في هذه العقود لشقّ ذلك ، ولكانت أكثر عقود المسلمين فاسدة ، وأكثر أموالهم محرّمة ، ولأنّ الإيجاب والقبول إنّما يرادان للدّلالة على التّراضي ، فإذا وجد ما يدلّ عليه من المساومة والتّعاطي قام مقامهما وأجزأ عنهما ، لعدم التّعبّد فيه .</p><p>الإقالة بالتّعاطي :</p><p>5 - جوّز الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إقالة البيع بالتّعاطي ، وقالوا : الإقالة تنعقد بالتّعاطي أيضاً من أحد الجانبين على الصّحيح . </p><p>الإجارة بالتّعاطي :</p><p>6 - جوّزها الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وقالوا : إنّما هي كالبيع ، وقد اقتصرت على المنافع دون العين . </p><p>قال ابن قدامة : إذا دفع ثوبه إلى خيّاط أو قصّار ليخيطه أو يقصّره من غير عقد ولا شرط ولا تعريض بأجر ، مثل أن يقول : خذ هذا فاعمله ، وكان الخيّاط والقصّار منتصبين لذلك ، ففعلا ذلك فلهما الأجر ، لأنّ العرف جار بذلك . وقال أصحاب الشّافعيّ : لا أجر لهما ، لأنّهما فعلا ذلك من غير عوض جعل لهما ، فأشبه ما لو تبرّعا بعمله . </p><p>وقال ابن عابدين : وفي التتارخانية أنّ أبا يوسف سئل عن الرّجل يدخل السّفينة أو يحتجم أو يفتصد أو يدخل الحمّام أو يشرب من ماء السّقاء ، ثمّ يدفع الأجرة وثمن الماء ؟ فقال : يجوز استحساناً ، ولا يحتاج إلى العقد قبل ذلك . </p><p> مواطن البحث :</p><p>7 - يفصّل الفقهاء أحكام التّعاطي بالنّسبة لكلّ مسألة في موضعها ، ومن تلك المواطن : البيوع ، والإقالة ، والإجارة .</p><p></p><p>تعاويذ *</p><p>انظر : تعويذة .</p><p></p><p>تعبّديّ *</p><p>التّعريف : </p><p>1 - التّعبّديّ لغة : المنسوب إلى التّعبّد . </p><p>والتّعبّد مصدر تعبّد ، يقال : تعبّد الرّجلُ الرّجل : إذا اتّخذه عبداً ، أو صيّره كالعبد . </p><p>وتعبّد اللّه العبدَ بالطّاعة : استعبده ، أي طلب منه العبادة . ومعنى العبادة في اللّغة : الطّاعة والخضوع . ومنه طريق معبّد : إذا كان مذلّلاً بكثرة المشي فيه . ويرد التّعبّد في اللّغة أيضاً بمعنى : التّذلّل ، يقال : تعبّد فلان لفلان : إذا خضع له وذلّ . وبمعنى التّنسّك ، يقال : تعبّد فلان للّه تعالى : إذا أكثر من عبادته ، وظهر فيه الخشوع والإخبات . والتّعبّد من اللّه للعباد : تكليفهم أمور العبادة وغيرها . ويكثر الفقهاء والأصوليّون من استعماله بهذا المعنى ، كقولهم : نحن متعبّدون بالعمل بخبر الواحد وبالقياس ، أي مكلّفون بذلك . ويقولون : كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم متعبّدا بشرع من قبله ، أي مكلّفاً بالعمل به . </p><p>2 - والتّعبّديّات - في اصطلاح الفقهاء والأصوليّين - تطلق على أمرين : </p><p>الأوّل : أعمال العبادة والتّنسّك. ويرجع لمعرفة أحكامها بهذا المعنى إلى مصطلح ( عبادة ). الثّاني : الأحكام الشّرعيّة الّتي لا يظهر للعباد في تشريعها حكمة غير مجرّد التّعبّد ، أي التّكليف بها ، لاختبار عبوديّة العبد ، فإن أطاع أثيب ، وإن عصى عوقب . </p><p>والمراد بالحكمة هنا : مصلحة العبد من المحافظة على نفسه أو عرضه أو دينه أو ماله أو عقله . أمّا مصلحته الأخرويّة - من دخول جنّة اللّه تعالى والخلاص من عذابه - فهي ملازمة لتلبية كلّ أمر أو نهي ، تعبّديّا كان أو غيره . </p><p>3 - هذا هو المشهور في تعريف التّعبّديّات . وقد لاحظ الشّاطبيّ في موافقاته أنّ حكمة الحكم قد تكون معلومة على وجه الإجمال ، ولا يخرجه ذلك عن كونه تعبّديّا من بعض الوجوه ، ما لم يعقل معناه على وجه الخصوص . قال : ومن ذلك : طلب الصّداق في النّكاح ، والذّبح في المحلّ المخصوص في الحيوان المأكول ، والفروض المقدّرة في المواريث ، وعدد الأشهر في عدّة الطّلاق والوفاة ، وما أشبه ذلك من الأمور الّتي لا مجال للعقول في فهم مصالحها الجزئيّة ، حتّى يقاس عليها غيرها . فإنّا نعلم أنّ الشّروط المعتبرة في النّكاح ، من الوليّ والصّداق وشبه ذلك ، هي لتمييز النّكاح عن السّفاح ، وأنّ فروض المواريث ترتّبت على ترتيب القربى من الميّت ، وأنّ العدد والاستبراءات ، المراد بها استبراء الرّحم خوفا من اختلاط المياه ، ولكنّها أمور جمليّة ، كما أنّ الخضوع والإجلال علّة شرع العبادات . وهذا المقدار لا يقضي بصحّة القياس على الأصل فيها ، بحيث يقال : إذا حصل الفرق بين النّكاح والسّفاح بأمور أخر مثلا ، لم تشترط تلك الشّروط . </p><p>ومتى علم براءة الرّحم لم تشرع العدّة بالأقراء ولا بالأشهر ، ولا ما أشبه ذلك . </p><p>4 - هذا وقد اختلفت الفقهاء في أنّ التّعبّديّات شُرِعت لنا لحكمة يعلمها اللّه تعالى وخفيت علينا ، أو إنّها شُرِعت لا لحكمة أصلاً غيرَ مجرّد تعبّد اللّه للعباد واستدعائه الامتثال منهم ، اختباراً لطاعة العبد لمجرّد الأمر والنّهي من غير أن يعرف وجه المصلحة فيما يعمل ، بمنزلة سيّد أراد أن يختبر عبيده أيّهم أطوع له ، فأمرهم بالتّسابق إلى لمس حجر ، أو الالتفات يميناً أو يساراً ممّا لا مصلحة فيه غير مجرّد الطّاعة . </p><p>5 - قال ابن عابدين نقلاً عن الحلية : أكثر العلماء على القول الأوّل ، وهو المتّجه ، بدلالة استقراء تكاليف اللّه تعالى على كونها جالبة للمصالح دارئة للمفاسد . </p><p>وكذلك الشّاطبيّ في موافقاته اعتمد الاستقراء دليلاً على أنّ كلّ الأحكام الشّرعيّة معلّلة بمصالح العباد في الدّنيا والآخرة ، وقال : إنّ المعتزلة متّفقون على أنّ أحكامه معلّلة برعاية مصالح العباد ، وهو اختيار أكثر الفقهاء المتأخّرين . قال : ولمّا اضطرّ الرّازيّ إلى إثبات العلل للأحكام الشّرعيّة أثبت ذلك على أنّ العلل بمعنى العلامات المعرّفة للأحكام . وذكر الشّاطبيّ من الأدلّة الّتي استقرأها قوله تعالى في شأن الوضوء والغسل { مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون } .</p><p>وفي الصّيام { كُتِبَ عَلَيكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ على الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .</p><p>وفي القصاص { وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وآيات نحو هذه . </p><p>وممّن ذهب إلى مثل ذلك ابن القيّم ، حيث قال : قالت طائفة : إنّ عدّة الوفاة تعبّد محض ، وهذا باطل ، فإنّه ليس في الشّريعة حكم واحد إلّا وله معنى وحكمة ، يعقله من يعقله ، ويخفى على من خفي عليه . وقرّر هذا المعنى تقريرا أوسع فقال : شرع اللّه العقوبات ، ورتّبها على أسبابها ، جنسا وقدرا ، فهو عالم الغيب والشّهادة وأحكم الحاكمين وأعلم العالمين ، ومن أحاط بكلّ شيء علما ، وعلم ما كان وما يكون ، وأحاط علمه بوجوه المصالح دقيقها وجليلها وخفيّها وظاهرها ، ما يمكن اطّلاع البشر عليه وما لا يمكنهم . وليست هذه التّخصيصات والتّقديرات خارجة عن وجوه الحكم والغايات المحمودة ، كما أنّ التّخصيصات والتّقديرات واقعة في خلقه كذلك ، فهذا في خلقه وذاك في أمره ، ومصدرهما جميعا عن كمال علمه وحكمته ووضعه كلّ شيء في موضعه الّذي لا يليق به سواه ولا يتقاضى إلّا إيّاه ، كما وضع قوّة البصر والنّور الباصر في العين ، وقوّة السّمع في الأذن ، وقوّة الشّمّ في الأنف ، وخصّ كلّ حيوان وغيره بما يليق به ويحسن أن يعطاه من أعضائه وهيئاته وصفاته وقدره ، فشمل إتقانه وإحكامه ، وإذا كان سبحانه قد أتقن خلقه غاية الإتقان ، وأحكمه غاية الإحكام ، فلأن يكون أمره في غاية الإتقان أولى وأحرى ، ولا يكون الجهل بحكمة اللّه في خلقه وأمره وإتقانه كذلك وصدوره عن محض الحكمة والعلم مسوّغا لإنكاره في نفس الأمر . وسار على هذه الطّريقة وليّ اللّه الدّهلويّ في حجّة اللّه البالغة وقال : إنّ القول الآخر ( الآتي ) تكذّبه السّنّة وإجماع القرون المشهود لها بالخير . </p><p>6 - أمّا القول الثّاني بوجود أحكام ولو على سبيل النّدرة قصد منها التّعبّد والامتثال . فيدلّ عليه ما ورد في كتاب اللّه تعالى من قوله تعالى { . . . وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتي كَانتْ عَلَيهمْ } أنّه كان قد جعل على من كان قبلنا آصاراً وأغلالاً لتعنّتهم وشقاقهم ، كما ألزم بني إسرائيل بأن تكون البقرة الّتي أمرهم بذبحها لا فارضاً ولا بكراً ، وأن تكون صفراء . وأيضا فإنّ في بعض الابتلاء واستدعاء الطّاعة والامتثال والتّدريب على ذلك مصلحة كبيرة ، لا يزال أولياء الأمور يدرّبون عليها أنصارهم وأتباعهم ، ويبذلون في ذلك الأموال الطّائلة ، ليكونوا عند الحاجة ملبّين للأوامر دون تردّد أو حاجة إلى التّفهّم ، اكتفاء وثقة بأنّ وليّ أمرهم هو أعلم منهم بما يريد . </p><p>بل إنّ مصلحة الطّاعة والامتثال والمسارعة إليهما هي الحكمة الأولى المبتغاة من وضع الشّريعة ، بل من الخلق في أساسه ، قال اللّه تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونَ } وقال { يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيءٍ مِنَ الصَّيدِ تَنَالُه أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُه بِالغَيْبِ } . وقال : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } وقال { وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتي كُنْتَ عليها إلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلبُ على عَقِبَيهِ } ولكن من فضل اللّه علينا في شريعة الإسلام أنّه جعل غالب أحكامها تراعي مصلحة العباد بالإضافة إلى مصلحة الابتلاء ، ولكن لا يمنع ذلك من وجود أحكام لا تراعي ذلك ، بل قصد بها الابتلاء خاصّة ، وذلك على سبيل النّدرة . </p><p>وفي هذا يقول الغزاليّ : عرف من دأب الشّرع اتّباع المعاني المناسبة دون التّحكّمات الجامدة ، وهذا غالب عادة الشّرع . ويقول : حمل تصرّفات الشّارع على التّحكّم أو على المجهول الّذي لا يعرف ، نوع ضرورة يرجع إليها عند العجز . وقال : ما يتعلّق من الأحكام بمصالح الخلق من المناكحات والمعاملات والجنايات والضّمانات وما عدا العبادات فالتّحكّم فيها نادر ، وأمّا العبادات والمقدّرات فالتّحكّمات فيها غالبة ، واتّباع المعنى نادر . </p><p>وصرّح بذلك الشّيخ عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد السّلام في قواعده فقال : يجوز أن تتجرّد التّعبّدات عن جلب المصالح ودرء المفاسد ، ثمّ يقع الثّواب عليها بناء على الطّاعة والإذعان من غير جلب مصلحة غير مصلحة الثّواب ولا درء مفسدة غير مفسدة العصيان . </p><p>7 - فالتّعبّديّ على القول الأوّل : استأثر اللّه تعالى بعلم حكمته ، ولم يطلع عليها أحداً من خلقه ، ولم يجعل سبيلا للاطّلاع عليه مع ثبوت المصلحة فيه في نفس الأمر ، أخفى ذلك عنهم ابتلاء واختباراً . هل يمتثلون ويطيعون دون أن يعرفوا وجه المصلحة ، أم يعصون اتّباعاً لمصلحة أنفسهم ؟ . </p><p>وعلى القول الثّاني : ابتلاهم بما لا مصلحة لهم فيه أصلا غير مجرّد الثّواب . </p><p> الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>أ - العبادة :</p><p>8 - أصل العبادة : الطّاعة والخضوع . والعبادات ، أنواع : منها الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ . وكثير منها معقول المعنى ، بيّنت الشّريعة حكمته ، أو استنبطها الفقهاء . ومن ذلك قوله تعالى في شأن الصّلاة { وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ } وقوله في شأن الحجّ { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهمْ } وقول الفقهاء في حكمة التّرخيص في الإفطار في السّفر أثناء رمضان : إنّها دفع المشقّة . فليس شيء من ذلك تعبّديّاً . </p><p>وبعض أحكام العبادات غير معقول المعنى ، فيكون تعبّديّا ، ككون رمي الجمار سبعاً سبعاً . وتكون التّعبّديّات أيضا في غير العبادات ، ومن ذلك : استبراء الأمة الّتي اشتراها بائعها في مجلس البيع ، وعادت إليه بفسخ أو إقالة قبل غيبة المشتري بها . </p><p>ب - حقّ اللّه :</p><p>9 - قد يقال في كثير من الأحكام : إنّه لحقّ اللّه ، كالصّلاة والصّوم وسائر العبادات وكحدّ السّرقة وحدّ الزّنى . </p><p>ويقال في كثير منها : إنّه لحقّ الإنسان ، كحقّ القصاص وحدّ القذف والدّين والضّمانات . وقد يظنّ أنّ كلّ ما كان منها لحقّ اللّه تعالى أنّه تعبّديّ ، إلا أنّ المراد من" حقّ اللّه تعالى" أنّه لا خيرة فيه للعباد ، ولا يجوز لأحد إسقاطه ، بل لا بدّ للعباد من تنفيذه إذا وجد سببه ، وتمّت شروط وجوبه أو تحريمه . وليس كلّ ما كان لحقّ اللّه تعالى تعبّديّا ، بل يكون تعبّديّا إذا خفي وجه الحكمة فيه . ويكون غير تعبّديّ ، وذلك إذا ظهرت حكمته . </p><p>قال الشّاطبيّ : الحكم المستخرجة لما لا يعقل معناه على وجه الخصوص في التّعبّدات ، كاختصاص الوضوء بالأعضاء المخصوصة ، والصّلاة بتلك الهيئة من رفع اليدين والقيام والرّكوع والسّجود ، وكونها على بعض الهيئات دون بعض ، واختصاص الصّيام بالنّهار دون اللّيل ، وتعيين أوقات الصّلوات في تلك الأحيان المعيّنة دون سواها من أحيان النّهار واللّيل ، واختصاص الحجّ بتلك الأعمال المعروفة ، في الأماكن المعلومة ، وإلى مسجد مخصوص ، إلى أشباه ذلك ممّا لا تهتدي العقول إليه بوجه ، ولا تحوم حوله ، يأتي بعض النّاس فيطرق إليه بزعمه حكماً ، يزعم أنّها مقصود الشّارع من تلك الأوضاع ، وجميعها مبنيّ على ظنّ وتخمين غير مطّرد في بابه ، ولا مبنيّ عليه عمل ، بل كالتّعليل بعد السّماع للأمور الشّواذّ ، لجنايته على الشّريعة في دعوى ما ليس لنا به علم ، ولا دليل لنا عليه . </p><p>ج - المعلّل بالعلّة القاصرة :</p><p>10 - ولمّا كان حكم التّعبّديّات أنّه لا يقاس عليها ، فقد يشتبه بها المعلّل بالعلّة القاصرة ، لأنّه لا يقاس عليه . والفرق بينهما : أنّ التّعبّديّ ليس له علّة ظاهرة ، فيمتنع القياس عليه لأنّ القياس فرع معرفة العلّة ، أمّا المعلّل بالعلّة القاصرة فعلّته معلومة لكنّها لا تتعدّى محلّها ، إذ لم يعلم وجودها في شيء آخر غير الأصل . </p><p>مثاله « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جعل شهادة خزيمة بن ثابت بشهادة رجلين » . وهذا حكم خاصّ به ، وعلّته والمعنى فيه أنّه أوّل من تنبّه وبادر إلى تصديق النّبيّ صلى الله عليه وسلم في تلك الحادثة بعينها والشّهادة له ، بموجب التّصديق العامّ له صلى الله عليه وسلم . والأوّليّة معنى لا يتكرّر ، فاختصّ به ، فليس ذلك تعبّديّا ، لكون علّته معلومة . </p><p>د - المعدول به عن سنن القياس :</p><p>11 - ما خالف القياس قد يكون غير معقول المعنى كتخصيص النّبيّ صلى الله عليه وسلم بنكاح تسع نسوة « وإجزاء العناق في التّضحية في حقّ أبي بردة هانئ بن دينار » ، وكتقدير عدد الرّكعات . </p><p>وقد يكون معقول المعنى كاستثناء بيع العرايا من النّهي عن بيع التّمر بالتّمر خرصاً . </p><p>هـ - المنصوص على علّته :</p><p>12 - أورد الشّاطبيّ أنّ بعض ما عرفت علّته قد يكون تعبّديّا . فقال : إنّ المصالح في التّكليف ظهر لنا من الشّارع أنّها على ضربين : </p><p>أحدهما : ما يمكن الوصول إلى معرفته بمسالكه المعروفة كالإجماع والنّصّ والسّبر والإشارة والمناسبة ، وهذا هو القسم الظّاهر الّذي نعلّل به ، وتقول : إنّ الأحكام شرعت لأجله . </p><p>والثّاني : ما لا يمكن الوصول إليه بتلك المسالك المعهودة ، ولا يطّلع عليه إلّا بالوحي كالأحكام الّتي أخبر الشّارع فيها أنّها أسباب للخصب والسّعة وقيام أبّهة الإسلام - كقوله تعالى في سياق قصّة نوح : { فَقُلتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّه كانَ غَفَّارَاً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَليكمْ مِدْرَارَاً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارَاً } . </p><p>فلا يعلم وجه كون الاستغفار سبباً للمطر وللخصب إلا بالوحي . </p><p>ولذلك لا يقاس عليه ، فلا يعلم كون الاستغفار سببا في حصول العلم وقوّة الأبدان مثلاً ، فلا يكون إلى اعتبار هذه العلّة في القياس سبيل ، فبقيت موقوفة على التّعبّد المحض . ولذا يكون أخذ الحكم المعلّل بها متعبّدا به ، ومعنى التّعبّد هنا : الوقوف عند ما حدّ الشّارع فيه .</p><p>حكمة تشريع التّعبّديّات :</p><p>13 - حكمة تشريع التّعبّديّات استدعاء الامتثال ، واختبار مدى الطّاعة والعبوديّة . وقد عبّر عن ذلك الغزاليّ في الإحياء بقوله - في بيان أسرار رمي الجمار - وظّف اللّه تعالى على العباد أعمالا لا تأنس بها النّفوس ، ولا تهتدي إلى معانيها العقول ، كرمي الجمار بالأحجار ، والتّردّد بين الصّفا والمروة على سبيل التّكرار . </p><p>وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرّقّ والعبوديّة ، فإنّ الزّكاة إرفاق ، ووجهه مفهوم ، وللعقل إليه ميل ، والصّوم كسر للشّهوة الّتي هي آلة عدوّ اللّه ، وتفرّغ للعبادة ، بالكفّ عن الشّواغل . والرّكوع والسّجود في الصّلاة تواضع للّه عزّ وجلّ بأفعال هي هيئة التّواضع ، وللنّفوس السّعي بتعظيم اللّه عزّ وجلّ . فأمّا تردّدات السّعي ورمي الجمار وأمثال هذه الأعمال ، فلا حظّ للنّفوس فيها ولا أنس للطّبع بها ، ولا اهتداء للعقول إلى معانيها ، فلا يكون في الإقدام عليها باعث إلّا الأمر المجرّد ، وقصد الامتثال للأمر من حيث إنّه أمر واجب الاتّباع فقط ، وفيه عزل للعقل عن تصرّفه وصرف النّفس والطّبع عن محلّ أنسه . فإنّ كلّ ما أدرك العقل معناه مال الطّبع إليه ميلا ما ، فيكون ذلك الميل معيّنا للأمر وباعثا معه على الفعل ، فلا يكاد يظهر به كمال الرّقّ والانقياد . ولذلك قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الحجّ على وجه الخصوص : « لبّيك بحجّة حقّاً ، تعبُّداً ورِقّاً » ولم يقل ذلك في صلاة ولا غيرها . وإذا اقتضت حكمة اللّه تعالى ربط نجاة الخلق بأن تكون أعمالهم على خلاف هوى طباعهم ، وأن يكون زمامها بيد الشّرع ، فيتردّدون في أعمالهم على سنن الانقياد وعلى مقتضى الاستعباد ، كان ما لا يهتدى إلى معانيه أبلغ أنواع التّعبّدات في تزكية النّفوس ، وصرفها عن مقتضى الطّباع والأخلاق إلى مقتضى الاسترقاق .</p><p>طرق معرفة التّعبّديّ :</p><p>14 - لم يعرف في تمييز التّعبّديّات عن غيرها من الأحكام المعلّلة وجه معيّن ، غير العجز عن التّعليل بطريق من الطّرق المعتبرة ، على ما هو معلوم في مباحث القياس من علم الأصول . ولذلك يقول ابن عابدين : ما شرعه اللّه إن ظهرت لنا حكمته ، قلنا : إنّه معقول المعنى ، وإلّا قلنا : إنّه تعبّديّ . وإلى هذا يشير كلام الغزاليّ المتقدّم آنفا ، من أنّ المصير إلى التّعبّد نوع ضرورة يرجع إليها عند العجز . </p><p>ومن هنا اختلفت أقوال الفقهاء في اعتبار بعض الأحكام تعبّديّا أو معقول المعنى ، فما يراه بعض الفقهاء تعبّديّا قد يراه البعض الآخر معلّلا بمصالح غلب على ظنّه رعايتها . </p><p>فمن ذلك أنّ صاحب الدّرّ المختار قال : إنّ تكرار السّجود أمر تعبّديّ ، أي لم يعقل معناه ، تحقيقا للابتلاء . وقال ابن عابدين : وقيل : إنّه ثنّي ترغيما للشّيطان ، حيث أمر بالسّجود مرّة فلم يسجد ، فنحن نسجد مرّتين . وكون طلاق الحائض بدعيّا ، قيل : هو تعبّديّ . </p><p>قال الدّردير : والأصحّ أنّه معلّل بتطويل العدّة ، لأنّ أوّلها من الطّهر بعد الحيض . </p><p>والسّعي بين الصّفا والمروة ورمي الجمار يمثّل بها الفقهاء لغير المعقول المعنى ، كما تقدّم عن الغزاليّ . غير أنّ بعض العلماء يعلّلونه وأمثاله ممّا وضع من المناسك على هيئة أعمال بعض الصّالحين ، كالسّعي الّذي جعل على هيئة سعي أمّ إسماعيل عليه السلام بينهما . يقول تقيّ الدّين بن دقيق العيد : في ذلك من الحكمة تذكّر الوقائع الماضية للسّلف الكرام ، وفي طيّ تذكّرها مصالح دينيّة ، إذ يتبيّن في أثناء كثير منها ما كانوا عليه من امتثال أمر اللّه ، والمبادرة إليه ، وبذل الأنفس في ذلك . وبذلك يظهر لنا أنّ كثيراً من الأعمال الّتي وقعت في الحجّ ، ويقال بأنّها " تعبّد " ليست كما قيل . ألا ترى أنّا إذا فعلناها وتذكّرنا أسبابها حصل لنا من ذلك تعظيم الأوّلين ، وما كانوا عليه من احتمال المشاقّ في امتثال أمر اللّه ، فكان هذا التّذكّر باعثا لنا على مثل ذلك ، ومقرّراً في أنفسنا تعظيم الأوّلين ، وذلك معنى معقول . ثمّ ذكر أنّ السّعي بين الصّفا والمروة اقتداء بفعل هاجر ، وأنّ رمي الجمار اقتداء بفعل إبراهيم عليه السلام ، إذ رمى إبليس بالجمار في هذا الموضع . </p><p>وابن القيّم في إعلام الموقّعين ، سيرا على خطى شيخه شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمهما الله ، رأى كما تقدّم أنّه ليس في الشّريعة تعبّد محض ، وردّ كلّ ما قيل فيه : إنّه مخالف للقياس ، كفرض الصّاع في لبن المصرّاة المردودة على بائعها ، وما قيل من أنّ الشّريعة فرّقت بين المتساويات ، كأمرها بالغسل من بول الجارية وبالنّضح من بول الصّبيّ ، وسوّت بين المفترقات ، كتسويتها بين الخطأ والعمد في وجوب الضّمان . فعلّل كلّ ما قيل فيه ذلك ، وبيّن وجه الحكمة فيه ، وأنّ علّته معقولة ، ويوافق القياس ولا يخالفه ، وأطال في ذلك .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41287, member: 329"] تعارض الأصل والظّاهر : 21 - المراد بالأصل : بقاء ما كان على ما كان ، والظّاهر : ما يترجّح وقوعه . فالأصل براءة الذّمّة ، ولذا لم يقبل في شغلها شاهد واحد ، ولذا كان القول قول المدّعى عليه لموافقته الأصل ، والبيّنة على المدّعي ، لدعواه ما خالف الأصل ، فإذا اختلفا في قيمة المتلف والمغصوب - فالقول قول الغارم ، لأنّ الأصل البراءة عمّا زاد عن قوله ، ولو أقرّ بشيء أو حقّ قبل تفسيره بما له قيمة ، فالقول للمقرّ مع يمينه . وهذه القاعدة مذهب الحنفيّة . والحكم كذلك عند المالكيّة . والشّافعيّة والحنابلة : الحكم عندهم كذلك في تقديم الظّاهر الثّابت بالبيّنة . وللشّافعيّة تفصيل في غير الثّابت بالبيّنة ، إذ قالوا : إنّ الأصل يرجّح جزما . وضابطه : أن يعارضه احتمال مجرّد . وما يرجّح فيه الظّاهر جزما ، وضابطه : أن يستند إلى سبب منصوب شرعا ، كالشّهادة تعارض الأصل ، والرّواية ، واليد في الدّعوى . وإخبار الثّقة بدخول الوقت . وما يرجّح فيه الأصل على الظّاهر في الأصحّ ، وضابطه : أن يستند الاحتمال إلى سبب ضعيف ، ومثله الشّيء الّذي لا يتيقّن بنجاسته ، ولكنّ الغالب فيه النّجاسة كثياب مدمن الخمر ، والقصّابين ، والكفّار ، وأوانيهم . وما يترجّح فيه الظّاهر على الأصل ، بأن كان سببا قويّاً منضبطاً ، كمن شكّ بعد الصّلاة أو غيرها من العبادات في ترك ركن غير النّيّة فالمشهور لا يؤثّر . والحنابلة يقدّمون كغيرهم الظّاهر ، الّذي هو حجّة يجب قبولها شرعاً ، كالشّهادة على الأصل ، وإن لم يكن كذلك ، بأن كان مستندا إلى العرف أو العادة الغالبة أو القرائن أو غلبة الظّنّ ونحو ذلك ، فتارة يعمل بالأصل ولا يلتفت إلى الظّاهر ، وتارة يعمل بالظّاهر ولا يلتفت إلى الأصل ، وتارة يخرج في المسألة خلاف ، فهذه أربعة أقسام : - 1 - ما ترك فيه العمل بالأصل للحجّة الشّرعيّة ، وهي قول من يجب العمل بقوله ، كشهادة عدلين بشغل ذمّة المدّعى عليه ، وهذه محلّ إجماع بين الفقهاء كما تقدّم . - 2 - ما عمل فيه بالأصل ، ولم يلتفت إلى القرائن الظّاهرة ونحوها . وذلك كما إذا ادّعت زوجة بعد طول مقامها مع الزّوج : أنّها لم تصلها منه النّفقة الواجبة ، فإنّ القول قولها مع يمينها عند الأصحاب ، لأنّ الأصل معها ، مع أنّ العادة تبعد ذلك جدّاً ، واختار الشّيخ تقيّ الدّين بن تيميّة الرّجوع إلى العادة ، وخرّجه وجها من المسائل المختلف فيها . - 3 - ما عمل فيه بالظّاهر ولم يلتفت إلى الأصل ، كما إذا شكّ بعد الفراغ من الصّلاة أو غيرها من العبادات في ترك ركن منها ، فإنّه لا يلتفت إلى الشّكّ ، وإن كان الأصل عدم الإتيان به وعدم براءة الذّمّة ، لكنّ الظّاهر من فعل المكلّفين للعبادات : أن تقع على وجه الكمال ، فيرجّح هذا الظّاهر على الأصل ، ولا فرق في ذلك بين الوضوء وغيره في المنصوص عن الإمام أحمد . - 4 - ما خرج فيه خلاف في ترجيح الظّاهر على الأصل وبالعكس ، ويكون ذلك غالباً عند تقادم الظّاهر والأصل وتساويهما ، ومن صوره : طهارة طين الشّوارع ، نصّ عليه الإمام أحمد في مواضع ، ترجيحا للأصل ، وهو الطّهارة في الأعيان كلّها . وفي رواية له ثانية : أنّه نجس ترجيحاً للظّاهر ، وجعله صاحب التّلخيص المذهب . تعارض العبارة " اللّفظ " والإشارة الحسّيّة : 22 - قال المالكيّة والحنابلة : إنّ العبارة تقدّم على الإشارة ، واستدلّوا بما أورده ابن حجر في شرح حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم « أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة وأشار بيده على أنفه . . . » إلخ . وأحال شرح الحديث على ما قاله في الرّواية الأخرى عن ابن عبّاس « ووضع يده على جبهته وأمرّها على أنفه ، وقال : هذا واحد » فهذه رواية مفسّرة . قال القرطبيّ : هذا يدلّ على أنّ الجبهة الأصل ، والسّجود على الأنف تبع . وقال ابن دقيق العيد : قيل : معناه أنّهما جعلا كعضو واحد ، وإلا لكانت الأعضاء ثمانية . قال : وفيه نظر ، لأنّه لا يلزم منه أن يكتفى بالسّجود على الأنف . قال : والحقّ أنّ مثل هذا لا يعارض التّصريح بذكر الجبهة ، وإن أمكن أن يعتقد أنّهما كعضو واحد فذاك في التّسمية والعبارة ، لا في الحكم الّذي عليه الأمر بالسّجود . وأيضاً فإنّ الإشارة قد لا تعيّن المشار إليه ، فإنّها إنّما تتعلّق بالجبهة لأجل العبارة ، فإذا تقارب ما في الجبهة أمكن أن لا يعيّن المشار إليه تعيينا . وأمّا العبارة : فإنّها معيّنة لما وصفت له ، فتقديمه أولى . وما ذكره من الاقتصار على بعض الجبهة قال به كثير من الشّافعيّة ، ثمّ قال : ونقل ابن المنذر إجماع الصّحابة : على أنّه لا يجزئ السّجود على الأنف وحده . وذهب الجمهور إلى أنّه يجزئ على الجبهة وحدها . وعن الأوزاعيّ وأحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكيّة وغيرهم : يجب أن يجمعهما ، وهو قول الشّافعيّ أيضاً . وقال الحنفيّة : إذا اجتمعت الإشارة إلى شيء ، والعبارة عنه في المهر - فالأصل أنّ المسمّى إذا كان من جنس المشار إليه يتعلّق العقد بالمشار إليه ، لأنّ المسمّى موجود في المشار إليه ذاتاً ، والوصف يتبعه ، وإن كان من خلاف جنسه يتعلّق العقد بالمسمّى ، لأنّ المسمّى مثل المشار إليه ، وليس بتابع له . والتّسمية أبلغ في التّعريف ، من حيث إنّها تعرف الماهيّة ، والإشارة تعرف الذّات . فمن اشترى فصّا على أنّه ياقوت ، فإذا هو زجاج لا ينعقد العقد ، لاختلاف الجنس . ولو اشترى على أنّه ياقوت أحمر فإذا هو أخضر ، انعقد العقد لاتّحاد الجنس . وقال الشّارحون : إنّ هذا الأصل متّفق عليه في النّكاح ، والبيع ، والإجارة ، وسائر العقود ، ولكنّ الإمام أبا حنيفة جعل الخلّ والخمر جنسا ، فتعلّق بالمشار إليه ، فوجب مهر المثل ، فيما لو تزوّجها على هذا الدّنّ من الخلّ ، وأشار إلى خمر . ولو سمّى حراماً ، وأشار إلى حلال فلها الحلال في الأصحّ . وأمّا في النّكاح فقال في الخانيّة : رجل له بنت واحدة اسمها عائشة : فقال الأب وقت العقد : زوّجت منك بنتي فاطمة ، لا ينعقد النّكاح . ولو كانت المرأة حاضرة فقال الأب : زوّجتك بنتي فاطمة هذه ، وأشار إلى عائشة وغلط في اسمها ، فقال الزّوج : قبلت ، جاز . 23 - وممّا سبق تبيّن أنّ الحنفيّة وحدهم هم الّذين قالوا بإجزاء السّجود على الأنف وحده ، تقديما للإشارة على العبارة ، وأنّ الجمهور يجزئ عندهم السّجود على الجبهة دون الأنف ، وأنّ العبارة عندهم تقدّم على الإشارة لأنّها تعيّن المراد ، والإشارة قد لا تعيّنه . وقال الشّافعيّة : إذا اجتمعت الإشارة والعبارة ، واختلف موجبهما ، غلّبت الإشارة . فلو قال : أصلّي خلف زيد هذا ، أو قال : أصلّي على زيد هذا ، فبان عمرا فالأصحّ الصّحّة . ولو قال : زوّجتك فلانة هذه ، وسمّاها بغير اسمها صحّ قطعا ، وحكي فيه وجه . ولو قال : زوّجتك هذا الغلام ، وأشار إلى بنته ، نقل الرّويانيّ عن الأصحاب صحّة النّكاح . تعويلا على الإشارة . وهذا يتّفق ومذهب الحنفيّة . ولو قال : زوّجتك هذه العربيّة ، فكانت أعجميّة . أو : هذه العجوز ، فكانت شابّة . أو : هذه البيضاء ، فكانت سوداء أو عكسه - وكذا المخالفة في جميع وجوه النّسب والصّفات والعلوّ والنّزول - ففي صحّة النّكاح قولان ، والأصحّ : الصّحّة . ولو قال : بعتك داري هذه وحدّدها وغلط في حدودها ، صحّ البيع . بخلاف ما لو قال : بعتك الدّار الّتي في المحلّة الفلانيّة وحدّدها وغلط ، لأنّ التّعويل هناك على الإشارة . ولو قال : بعتك هذا الفرس فكان بغلا أو عكسه ، فوجهان ، والأصحّ هنا البطلان . وإنّما صحّح البطلان هنا تغليبا لاختلاف غرض الماليّة . وصحّح الصّحّة في الباقي تغليبا للإشارة . وحينئذ يستثنى هذه الصّورة من القاعدة . ويضمّ إلى هذه الصّورة صور ، منها : ما لو حلف لا يكلّم هذا الصّبيّ فكلّمه شيخا ، أو لا يأكل هذا الرّطب فأكله تمرا ، أو لا يدخل هذه الدّار فدخلها عرصة ، فالأصحّ : أنّه لا يحنث . ولو خالعها على هذا الثّوب الكتّان فبان قطنا ، أو عكسه ، فالأصحّ فساد الخلع ، ويرجع بمهر المثل . وهناك صور كثيرة تترتّب على هذه القاعدة . هذه جملة قواعد أصوليّة في التّعارض ، ذكرت مع ما يترتّب عليها من أحكام . وأمّا التّعارض بين الأدلّة فينظر في الملحق الأصوليّ . تعاطي * التّعريف : 1 - التّعاطي لغة : مصدر تعاطى ، بمعنى : تناول الإنسان الشّيء بيده ، من العطو ، وهو بمعنى التّناول . قال اللّه تعالى : { فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر } وتفسيرها : أنّه تناول آلة العقر ، وجاء في تفسيرها أيضا : أنّه تناول الفعل بعد أن أعدّ له عدّته ، بأن كمن للنّاقة فرماها بسهمه ، ثمّ ضربها بسيفه حتّى قتلها . واصطلاحاً : التّعاطي في البيع ، ويقال فيه أيضاً المعاطاة : أن يأخذ المشتري المبيع ويدفع للبائع الثّمن ، أو يدفع البائع المبيع فيدفع له الآخر الثّمن ، من غير تكلّم ولا إشارة . ويكون التّعاطي في البيع وغيره من المعاوضات . الألفاظ ذات الصّلة : العقد : 2 - العقد : عقود البيع منها ما يتمّ باللّفظ ( وهو الصّيغة ) وهو الإيجاب والقبول ، ومنها ما يتمّ بالفعل ، وهو التّعاطي . الحكم الإجماليّ : البيع بالتّعاطي : 3 - اختلف الفقهاء في انعقاد البيع بالتّعاطي . فذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وفي قول للشّافعيّة إلى : جواز البيع بالتّعاطي . والمذهب عند الشّافعيّة اشتراط الصّيغة لصحّة البيع وما في معناه . وللشّافعيّة قول ثالث بجواز المعاطاة في المحقَّرات . ولبيع المعاطاة صورتان : الأولى : أن يتمّ التّعاطي من غير تكلّم ولا إشارة من أحد الطّرفين ، وهو جائز عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، ورجّح النّوويّ الجواز بخلاف المذهب . الصّورة الثّانية : أن يتمّ التّعاطي بتكلّم أحد الطّرفين ويتمّ التّسليم ، وهو تعاط عند المالكيّة والحنابلة . ولم يعدّه الحنفيّة تعاطياً . 4 - وقال ابن قدامة في الاستدلال لمشروعيّة بيع التّعاطي : إنّ اللّه أحلّ البيع ، ولم يبيّن كيفيّته ، فوجب الرّجوع فيه إلى العرف ، كما رجع إليه في القبض والإحراز والتّفرّق . والمسلمون في أسواقهم وبياعاتهم على ذلك . ولأنّ البيع كان موجودا بينهم معلوما عندهم ، وإنّما علّق الشّرع عليه أحكاما ، وأبقاه على ما كان ، فلا يجوز تغييره بالرّأي والتّحكّم ، ولم ينقل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه - مع كثرة وقوع البيع بينهم - استعمال الإيجاب والقبول ، ولو استعملوا ذلك في بياعاتهم لنقل نقلاً شائعاً . ولو كان ذلك شرطا لوجب نقله ، ولم يتصوّر منهم إهماله والغفلة عن نقله ، ولأنّ البيع ممّا تعمّ به البلوى فلو اشترط له الإيجاب والقبول لَبَيّنه صلى الله عليه وسلم بياناً عامّاً ، ولم يخف حكمه ، لأنّه يفضي إلى وقوع العقود الفاسدة كثيرا وأكلهم المال بالباطل ، ولم ينقل ذلك عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه فيما علمناه . ولأنّ النّاس يتبايعون في أسواقهم بالمعاطاة في كلّ عصر . ولم ينقل إنكاره قبل مخالفينا ، فكان ذلك إجماعاً . وكذلك الحكم في الإيجاب والقبول في الهبة والهديّة والصّدقة ، ولم ينقل عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه استعمال ذلك فيه ، وقد أهدي إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الحبشة وغيرها ، وكان النّاس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة رضي الله عنها . وروى البخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : « كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه : أهديّة أم صدقة ؟ فإن قيل : صدقة . قال لأصحابه : كلوا ، ولم يأكل . وإن قيل : هديّة ضرب بيده وأكل معهم » وفي حديث سلمان رضي الله عنه « حين جاء إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بتمر فقال : هذا شيء من الصّدقة ، رأيتك أنت وأصحابك أحقّ النّاس به . فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه : كلوا ولم يأكل ثمّ أتاه ثانية بتمر فقال : رأيتك لا تأكل الصّدقة وهذا شيء أهديته لك ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : بسم اللّه ، وأكل » ولم ينقل قبول ولا أمر بإيجاب ، وإنّما سأل ليعلم : هل هو صدقة أو هديّة ؟ وفي أكثر الأخبار لم ينقل إيجاب ولا قبول ، وليس إلّا المعاطاة ، والتّفرّق عن تراض يدلّ على صحّته ، ولو كان الإيجاب والقبول شرطا في هذه العقود لشقّ ذلك ، ولكانت أكثر عقود المسلمين فاسدة ، وأكثر أموالهم محرّمة ، ولأنّ الإيجاب والقبول إنّما يرادان للدّلالة على التّراضي ، فإذا وجد ما يدلّ عليه من المساومة والتّعاطي قام مقامهما وأجزأ عنهما ، لعدم التّعبّد فيه . الإقالة بالتّعاطي : 5 - جوّز الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إقالة البيع بالتّعاطي ، وقالوا : الإقالة تنعقد بالتّعاطي أيضاً من أحد الجانبين على الصّحيح . الإجارة بالتّعاطي : 6 - جوّزها الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، وقالوا : إنّما هي كالبيع ، وقد اقتصرت على المنافع دون العين . قال ابن قدامة : إذا دفع ثوبه إلى خيّاط أو قصّار ليخيطه أو يقصّره من غير عقد ولا شرط ولا تعريض بأجر ، مثل أن يقول : خذ هذا فاعمله ، وكان الخيّاط والقصّار منتصبين لذلك ، ففعلا ذلك فلهما الأجر ، لأنّ العرف جار بذلك . وقال أصحاب الشّافعيّ : لا أجر لهما ، لأنّهما فعلا ذلك من غير عوض جعل لهما ، فأشبه ما لو تبرّعا بعمله . وقال ابن عابدين : وفي التتارخانية أنّ أبا يوسف سئل عن الرّجل يدخل السّفينة أو يحتجم أو يفتصد أو يدخل الحمّام أو يشرب من ماء السّقاء ، ثمّ يدفع الأجرة وثمن الماء ؟ فقال : يجوز استحساناً ، ولا يحتاج إلى العقد قبل ذلك . مواطن البحث : 7 - يفصّل الفقهاء أحكام التّعاطي بالنّسبة لكلّ مسألة في موضعها ، ومن تلك المواطن : البيوع ، والإقالة ، والإجارة . تعاويذ * انظر : تعويذة . تعبّديّ * التّعريف : 1 - التّعبّديّ لغة : المنسوب إلى التّعبّد . والتّعبّد مصدر تعبّد ، يقال : تعبّد الرّجلُ الرّجل : إذا اتّخذه عبداً ، أو صيّره كالعبد . وتعبّد اللّه العبدَ بالطّاعة : استعبده ، أي طلب منه العبادة . ومعنى العبادة في اللّغة : الطّاعة والخضوع . ومنه طريق معبّد : إذا كان مذلّلاً بكثرة المشي فيه . ويرد التّعبّد في اللّغة أيضاً بمعنى : التّذلّل ، يقال : تعبّد فلان لفلان : إذا خضع له وذلّ . وبمعنى التّنسّك ، يقال : تعبّد فلان للّه تعالى : إذا أكثر من عبادته ، وظهر فيه الخشوع والإخبات . والتّعبّد من اللّه للعباد : تكليفهم أمور العبادة وغيرها . ويكثر الفقهاء والأصوليّون من استعماله بهذا المعنى ، كقولهم : نحن متعبّدون بالعمل بخبر الواحد وبالقياس ، أي مكلّفون بذلك . ويقولون : كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم متعبّدا بشرع من قبله ، أي مكلّفاً بالعمل به . 2 - والتّعبّديّات - في اصطلاح الفقهاء والأصوليّين - تطلق على أمرين : الأوّل : أعمال العبادة والتّنسّك. ويرجع لمعرفة أحكامها بهذا المعنى إلى مصطلح ( عبادة ). الثّاني : الأحكام الشّرعيّة الّتي لا يظهر للعباد في تشريعها حكمة غير مجرّد التّعبّد ، أي التّكليف بها ، لاختبار عبوديّة العبد ، فإن أطاع أثيب ، وإن عصى عوقب . والمراد بالحكمة هنا : مصلحة العبد من المحافظة على نفسه أو عرضه أو دينه أو ماله أو عقله . أمّا مصلحته الأخرويّة - من دخول جنّة اللّه تعالى والخلاص من عذابه - فهي ملازمة لتلبية كلّ أمر أو نهي ، تعبّديّا كان أو غيره . 3 - هذا هو المشهور في تعريف التّعبّديّات . وقد لاحظ الشّاطبيّ في موافقاته أنّ حكمة الحكم قد تكون معلومة على وجه الإجمال ، ولا يخرجه ذلك عن كونه تعبّديّا من بعض الوجوه ، ما لم يعقل معناه على وجه الخصوص . قال : ومن ذلك : طلب الصّداق في النّكاح ، والذّبح في المحلّ المخصوص في الحيوان المأكول ، والفروض المقدّرة في المواريث ، وعدد الأشهر في عدّة الطّلاق والوفاة ، وما أشبه ذلك من الأمور الّتي لا مجال للعقول في فهم مصالحها الجزئيّة ، حتّى يقاس عليها غيرها . فإنّا نعلم أنّ الشّروط المعتبرة في النّكاح ، من الوليّ والصّداق وشبه ذلك ، هي لتمييز النّكاح عن السّفاح ، وأنّ فروض المواريث ترتّبت على ترتيب القربى من الميّت ، وأنّ العدد والاستبراءات ، المراد بها استبراء الرّحم خوفا من اختلاط المياه ، ولكنّها أمور جمليّة ، كما أنّ الخضوع والإجلال علّة شرع العبادات . وهذا المقدار لا يقضي بصحّة القياس على الأصل فيها ، بحيث يقال : إذا حصل الفرق بين النّكاح والسّفاح بأمور أخر مثلا ، لم تشترط تلك الشّروط . ومتى علم براءة الرّحم لم تشرع العدّة بالأقراء ولا بالأشهر ، ولا ما أشبه ذلك . 4 - هذا وقد اختلفت الفقهاء في أنّ التّعبّديّات شُرِعت لنا لحكمة يعلمها اللّه تعالى وخفيت علينا ، أو إنّها شُرِعت لا لحكمة أصلاً غيرَ مجرّد تعبّد اللّه للعباد واستدعائه الامتثال منهم ، اختباراً لطاعة العبد لمجرّد الأمر والنّهي من غير أن يعرف وجه المصلحة فيما يعمل ، بمنزلة سيّد أراد أن يختبر عبيده أيّهم أطوع له ، فأمرهم بالتّسابق إلى لمس حجر ، أو الالتفات يميناً أو يساراً ممّا لا مصلحة فيه غير مجرّد الطّاعة . 5 - قال ابن عابدين نقلاً عن الحلية : أكثر العلماء على القول الأوّل ، وهو المتّجه ، بدلالة استقراء تكاليف اللّه تعالى على كونها جالبة للمصالح دارئة للمفاسد . وكذلك الشّاطبيّ في موافقاته اعتمد الاستقراء دليلاً على أنّ كلّ الأحكام الشّرعيّة معلّلة بمصالح العباد في الدّنيا والآخرة ، وقال : إنّ المعتزلة متّفقون على أنّ أحكامه معلّلة برعاية مصالح العباد ، وهو اختيار أكثر الفقهاء المتأخّرين . قال : ولمّا اضطرّ الرّازيّ إلى إثبات العلل للأحكام الشّرعيّة أثبت ذلك على أنّ العلل بمعنى العلامات المعرّفة للأحكام . وذكر الشّاطبيّ من الأدلّة الّتي استقرأها قوله تعالى في شأن الوضوء والغسل { مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون } . وفي الصّيام { كُتِبَ عَلَيكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ على الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . وفي القصاص { وَلَكُمْ فِي القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } وآيات نحو هذه . وممّن ذهب إلى مثل ذلك ابن القيّم ، حيث قال : قالت طائفة : إنّ عدّة الوفاة تعبّد محض ، وهذا باطل ، فإنّه ليس في الشّريعة حكم واحد إلّا وله معنى وحكمة ، يعقله من يعقله ، ويخفى على من خفي عليه . وقرّر هذا المعنى تقريرا أوسع فقال : شرع اللّه العقوبات ، ورتّبها على أسبابها ، جنسا وقدرا ، فهو عالم الغيب والشّهادة وأحكم الحاكمين وأعلم العالمين ، ومن أحاط بكلّ شيء علما ، وعلم ما كان وما يكون ، وأحاط علمه بوجوه المصالح دقيقها وجليلها وخفيّها وظاهرها ، ما يمكن اطّلاع البشر عليه وما لا يمكنهم . وليست هذه التّخصيصات والتّقديرات خارجة عن وجوه الحكم والغايات المحمودة ، كما أنّ التّخصيصات والتّقديرات واقعة في خلقه كذلك ، فهذا في خلقه وذاك في أمره ، ومصدرهما جميعا عن كمال علمه وحكمته ووضعه كلّ شيء في موضعه الّذي لا يليق به سواه ولا يتقاضى إلّا إيّاه ، كما وضع قوّة البصر والنّور الباصر في العين ، وقوّة السّمع في الأذن ، وقوّة الشّمّ في الأنف ، وخصّ كلّ حيوان وغيره بما يليق به ويحسن أن يعطاه من أعضائه وهيئاته وصفاته وقدره ، فشمل إتقانه وإحكامه ، وإذا كان سبحانه قد أتقن خلقه غاية الإتقان ، وأحكمه غاية الإحكام ، فلأن يكون أمره في غاية الإتقان أولى وأحرى ، ولا يكون الجهل بحكمة اللّه في خلقه وأمره وإتقانه كذلك وصدوره عن محض الحكمة والعلم مسوّغا لإنكاره في نفس الأمر . وسار على هذه الطّريقة وليّ اللّه الدّهلويّ في حجّة اللّه البالغة وقال : إنّ القول الآخر ( الآتي ) تكذّبه السّنّة وإجماع القرون المشهود لها بالخير . 6 - أمّا القول الثّاني بوجود أحكام ولو على سبيل النّدرة قصد منها التّعبّد والامتثال . فيدلّ عليه ما ورد في كتاب اللّه تعالى من قوله تعالى { . . . وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتي كَانتْ عَلَيهمْ } أنّه كان قد جعل على من كان قبلنا آصاراً وأغلالاً لتعنّتهم وشقاقهم ، كما ألزم بني إسرائيل بأن تكون البقرة الّتي أمرهم بذبحها لا فارضاً ولا بكراً ، وأن تكون صفراء . وأيضا فإنّ في بعض الابتلاء واستدعاء الطّاعة والامتثال والتّدريب على ذلك مصلحة كبيرة ، لا يزال أولياء الأمور يدرّبون عليها أنصارهم وأتباعهم ، ويبذلون في ذلك الأموال الطّائلة ، ليكونوا عند الحاجة ملبّين للأوامر دون تردّد أو حاجة إلى التّفهّم ، اكتفاء وثقة بأنّ وليّ أمرهم هو أعلم منهم بما يريد . بل إنّ مصلحة الطّاعة والامتثال والمسارعة إليهما هي الحكمة الأولى المبتغاة من وضع الشّريعة ، بل من الخلق في أساسه ، قال اللّه تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونَ } وقال { يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيءٍ مِنَ الصَّيدِ تَنَالُه أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُه بِالغَيْبِ } . وقال : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنْكُم وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } وقال { وَمَا جَعَلْنَا القِبْلَةَ الَّتي كُنْتَ عليها إلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلبُ على عَقِبَيهِ } ولكن من فضل اللّه علينا في شريعة الإسلام أنّه جعل غالب أحكامها تراعي مصلحة العباد بالإضافة إلى مصلحة الابتلاء ، ولكن لا يمنع ذلك من وجود أحكام لا تراعي ذلك ، بل قصد بها الابتلاء خاصّة ، وذلك على سبيل النّدرة . وفي هذا يقول الغزاليّ : عرف من دأب الشّرع اتّباع المعاني المناسبة دون التّحكّمات الجامدة ، وهذا غالب عادة الشّرع . ويقول : حمل تصرّفات الشّارع على التّحكّم أو على المجهول الّذي لا يعرف ، نوع ضرورة يرجع إليها عند العجز . وقال : ما يتعلّق من الأحكام بمصالح الخلق من المناكحات والمعاملات والجنايات والضّمانات وما عدا العبادات فالتّحكّم فيها نادر ، وأمّا العبادات والمقدّرات فالتّحكّمات فيها غالبة ، واتّباع المعنى نادر . وصرّح بذلك الشّيخ عزّ الدّين عبد العزيز بن عبد السّلام في قواعده فقال : يجوز أن تتجرّد التّعبّدات عن جلب المصالح ودرء المفاسد ، ثمّ يقع الثّواب عليها بناء على الطّاعة والإذعان من غير جلب مصلحة غير مصلحة الثّواب ولا درء مفسدة غير مفسدة العصيان . 7 - فالتّعبّديّ على القول الأوّل : استأثر اللّه تعالى بعلم حكمته ، ولم يطلع عليها أحداً من خلقه ، ولم يجعل سبيلا للاطّلاع عليه مع ثبوت المصلحة فيه في نفس الأمر ، أخفى ذلك عنهم ابتلاء واختباراً . هل يمتثلون ويطيعون دون أن يعرفوا وجه المصلحة ، أم يعصون اتّباعاً لمصلحة أنفسهم ؟ . وعلى القول الثّاني : ابتلاهم بما لا مصلحة لهم فيه أصلا غير مجرّد الثّواب . الألفاظ ذات الصّلة : أ - العبادة : 8 - أصل العبادة : الطّاعة والخضوع . والعبادات ، أنواع : منها الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ . وكثير منها معقول المعنى ، بيّنت الشّريعة حكمته ، أو استنبطها الفقهاء . ومن ذلك قوله تعالى في شأن الصّلاة { وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ } وقوله في شأن الحجّ { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهمْ } وقول الفقهاء في حكمة التّرخيص في الإفطار في السّفر أثناء رمضان : إنّها دفع المشقّة . فليس شيء من ذلك تعبّديّاً . وبعض أحكام العبادات غير معقول المعنى ، فيكون تعبّديّا ، ككون رمي الجمار سبعاً سبعاً . وتكون التّعبّديّات أيضا في غير العبادات ، ومن ذلك : استبراء الأمة الّتي اشتراها بائعها في مجلس البيع ، وعادت إليه بفسخ أو إقالة قبل غيبة المشتري بها . ب - حقّ اللّه : 9 - قد يقال في كثير من الأحكام : إنّه لحقّ اللّه ، كالصّلاة والصّوم وسائر العبادات وكحدّ السّرقة وحدّ الزّنى . ويقال في كثير منها : إنّه لحقّ الإنسان ، كحقّ القصاص وحدّ القذف والدّين والضّمانات . وقد يظنّ أنّ كلّ ما كان منها لحقّ اللّه تعالى أنّه تعبّديّ ، إلا أنّ المراد من" حقّ اللّه تعالى" أنّه لا خيرة فيه للعباد ، ولا يجوز لأحد إسقاطه ، بل لا بدّ للعباد من تنفيذه إذا وجد سببه ، وتمّت شروط وجوبه أو تحريمه . وليس كلّ ما كان لحقّ اللّه تعالى تعبّديّا ، بل يكون تعبّديّا إذا خفي وجه الحكمة فيه . ويكون غير تعبّديّ ، وذلك إذا ظهرت حكمته . قال الشّاطبيّ : الحكم المستخرجة لما لا يعقل معناه على وجه الخصوص في التّعبّدات ، كاختصاص الوضوء بالأعضاء المخصوصة ، والصّلاة بتلك الهيئة من رفع اليدين والقيام والرّكوع والسّجود ، وكونها على بعض الهيئات دون بعض ، واختصاص الصّيام بالنّهار دون اللّيل ، وتعيين أوقات الصّلوات في تلك الأحيان المعيّنة دون سواها من أحيان النّهار واللّيل ، واختصاص الحجّ بتلك الأعمال المعروفة ، في الأماكن المعلومة ، وإلى مسجد مخصوص ، إلى أشباه ذلك ممّا لا تهتدي العقول إليه بوجه ، ولا تحوم حوله ، يأتي بعض النّاس فيطرق إليه بزعمه حكماً ، يزعم أنّها مقصود الشّارع من تلك الأوضاع ، وجميعها مبنيّ على ظنّ وتخمين غير مطّرد في بابه ، ولا مبنيّ عليه عمل ، بل كالتّعليل بعد السّماع للأمور الشّواذّ ، لجنايته على الشّريعة في دعوى ما ليس لنا به علم ، ولا دليل لنا عليه . ج - المعلّل بالعلّة القاصرة : 10 - ولمّا كان حكم التّعبّديّات أنّه لا يقاس عليها ، فقد يشتبه بها المعلّل بالعلّة القاصرة ، لأنّه لا يقاس عليه . والفرق بينهما : أنّ التّعبّديّ ليس له علّة ظاهرة ، فيمتنع القياس عليه لأنّ القياس فرع معرفة العلّة ، أمّا المعلّل بالعلّة القاصرة فعلّته معلومة لكنّها لا تتعدّى محلّها ، إذ لم يعلم وجودها في شيء آخر غير الأصل . مثاله « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم جعل شهادة خزيمة بن ثابت بشهادة رجلين » . وهذا حكم خاصّ به ، وعلّته والمعنى فيه أنّه أوّل من تنبّه وبادر إلى تصديق النّبيّ صلى الله عليه وسلم في تلك الحادثة بعينها والشّهادة له ، بموجب التّصديق العامّ له صلى الله عليه وسلم . والأوّليّة معنى لا يتكرّر ، فاختصّ به ، فليس ذلك تعبّديّا ، لكون علّته معلومة . د - المعدول به عن سنن القياس : 11 - ما خالف القياس قد يكون غير معقول المعنى كتخصيص النّبيّ صلى الله عليه وسلم بنكاح تسع نسوة « وإجزاء العناق في التّضحية في حقّ أبي بردة هانئ بن دينار » ، وكتقدير عدد الرّكعات . وقد يكون معقول المعنى كاستثناء بيع العرايا من النّهي عن بيع التّمر بالتّمر خرصاً . هـ - المنصوص على علّته : 12 - أورد الشّاطبيّ أنّ بعض ما عرفت علّته قد يكون تعبّديّا . فقال : إنّ المصالح في التّكليف ظهر لنا من الشّارع أنّها على ضربين : أحدهما : ما يمكن الوصول إلى معرفته بمسالكه المعروفة كالإجماع والنّصّ والسّبر والإشارة والمناسبة ، وهذا هو القسم الظّاهر الّذي نعلّل به ، وتقول : إنّ الأحكام شرعت لأجله . والثّاني : ما لا يمكن الوصول إليه بتلك المسالك المعهودة ، ولا يطّلع عليه إلّا بالوحي كالأحكام الّتي أخبر الشّارع فيها أنّها أسباب للخصب والسّعة وقيام أبّهة الإسلام - كقوله تعالى في سياق قصّة نوح : { فَقُلتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّه كانَ غَفَّارَاً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَليكمْ مِدْرَارَاً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارَاً } . فلا يعلم وجه كون الاستغفار سبباً للمطر وللخصب إلا بالوحي . ولذلك لا يقاس عليه ، فلا يعلم كون الاستغفار سببا في حصول العلم وقوّة الأبدان مثلاً ، فلا يكون إلى اعتبار هذه العلّة في القياس سبيل ، فبقيت موقوفة على التّعبّد المحض . ولذا يكون أخذ الحكم المعلّل بها متعبّدا به ، ومعنى التّعبّد هنا : الوقوف عند ما حدّ الشّارع فيه . حكمة تشريع التّعبّديّات : 13 - حكمة تشريع التّعبّديّات استدعاء الامتثال ، واختبار مدى الطّاعة والعبوديّة . وقد عبّر عن ذلك الغزاليّ في الإحياء بقوله - في بيان أسرار رمي الجمار - وظّف اللّه تعالى على العباد أعمالا لا تأنس بها النّفوس ، ولا تهتدي إلى معانيها العقول ، كرمي الجمار بالأحجار ، والتّردّد بين الصّفا والمروة على سبيل التّكرار . وبمثل هذه الأعمال يظهر كمال الرّقّ والعبوديّة ، فإنّ الزّكاة إرفاق ، ووجهه مفهوم ، وللعقل إليه ميل ، والصّوم كسر للشّهوة الّتي هي آلة عدوّ اللّه ، وتفرّغ للعبادة ، بالكفّ عن الشّواغل . والرّكوع والسّجود في الصّلاة تواضع للّه عزّ وجلّ بأفعال هي هيئة التّواضع ، وللنّفوس السّعي بتعظيم اللّه عزّ وجلّ . فأمّا تردّدات السّعي ورمي الجمار وأمثال هذه الأعمال ، فلا حظّ للنّفوس فيها ولا أنس للطّبع بها ، ولا اهتداء للعقول إلى معانيها ، فلا يكون في الإقدام عليها باعث إلّا الأمر المجرّد ، وقصد الامتثال للأمر من حيث إنّه أمر واجب الاتّباع فقط ، وفيه عزل للعقل عن تصرّفه وصرف النّفس والطّبع عن محلّ أنسه . فإنّ كلّ ما أدرك العقل معناه مال الطّبع إليه ميلا ما ، فيكون ذلك الميل معيّنا للأمر وباعثا معه على الفعل ، فلا يكاد يظهر به كمال الرّقّ والانقياد . ولذلك قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الحجّ على وجه الخصوص : « لبّيك بحجّة حقّاً ، تعبُّداً ورِقّاً » ولم يقل ذلك في صلاة ولا غيرها . وإذا اقتضت حكمة اللّه تعالى ربط نجاة الخلق بأن تكون أعمالهم على خلاف هوى طباعهم ، وأن يكون زمامها بيد الشّرع ، فيتردّدون في أعمالهم على سنن الانقياد وعلى مقتضى الاستعباد ، كان ما لا يهتدى إلى معانيه أبلغ أنواع التّعبّدات في تزكية النّفوس ، وصرفها عن مقتضى الطّباع والأخلاق إلى مقتضى الاسترقاق . طرق معرفة التّعبّديّ : 14 - لم يعرف في تمييز التّعبّديّات عن غيرها من الأحكام المعلّلة وجه معيّن ، غير العجز عن التّعليل بطريق من الطّرق المعتبرة ، على ما هو معلوم في مباحث القياس من علم الأصول . ولذلك يقول ابن عابدين : ما شرعه اللّه إن ظهرت لنا حكمته ، قلنا : إنّه معقول المعنى ، وإلّا قلنا : إنّه تعبّديّ . وإلى هذا يشير كلام الغزاليّ المتقدّم آنفا ، من أنّ المصير إلى التّعبّد نوع ضرورة يرجع إليها عند العجز . ومن هنا اختلفت أقوال الفقهاء في اعتبار بعض الأحكام تعبّديّا أو معقول المعنى ، فما يراه بعض الفقهاء تعبّديّا قد يراه البعض الآخر معلّلا بمصالح غلب على ظنّه رعايتها . فمن ذلك أنّ صاحب الدّرّ المختار قال : إنّ تكرار السّجود أمر تعبّديّ ، أي لم يعقل معناه ، تحقيقا للابتلاء . وقال ابن عابدين : وقيل : إنّه ثنّي ترغيما للشّيطان ، حيث أمر بالسّجود مرّة فلم يسجد ، فنحن نسجد مرّتين . وكون طلاق الحائض بدعيّا ، قيل : هو تعبّديّ . قال الدّردير : والأصحّ أنّه معلّل بتطويل العدّة ، لأنّ أوّلها من الطّهر بعد الحيض . والسّعي بين الصّفا والمروة ورمي الجمار يمثّل بها الفقهاء لغير المعقول المعنى ، كما تقدّم عن الغزاليّ . غير أنّ بعض العلماء يعلّلونه وأمثاله ممّا وضع من المناسك على هيئة أعمال بعض الصّالحين ، كالسّعي الّذي جعل على هيئة سعي أمّ إسماعيل عليه السلام بينهما . يقول تقيّ الدّين بن دقيق العيد : في ذلك من الحكمة تذكّر الوقائع الماضية للسّلف الكرام ، وفي طيّ تذكّرها مصالح دينيّة ، إذ يتبيّن في أثناء كثير منها ما كانوا عليه من امتثال أمر اللّه ، والمبادرة إليه ، وبذل الأنفس في ذلك . وبذلك يظهر لنا أنّ كثيراً من الأعمال الّتي وقعت في الحجّ ، ويقال بأنّها " تعبّد " ليست كما قيل . ألا ترى أنّا إذا فعلناها وتذكّرنا أسبابها حصل لنا من ذلك تعظيم الأوّلين ، وما كانوا عليه من احتمال المشاقّ في امتثال أمر اللّه ، فكان هذا التّذكّر باعثا لنا على مثل ذلك ، ومقرّراً في أنفسنا تعظيم الأوّلين ، وذلك معنى معقول . ثمّ ذكر أنّ السّعي بين الصّفا والمروة اقتداء بفعل هاجر ، وأنّ رمي الجمار اقتداء بفعل إبراهيم عليه السلام ، إذ رمى إبليس بالجمار في هذا الموضع . وابن القيّم في إعلام الموقّعين ، سيرا على خطى شيخه شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمهما الله ، رأى كما تقدّم أنّه ليس في الشّريعة تعبّد محض ، وردّ كلّ ما قيل فيه : إنّه مخالف للقياس ، كفرض الصّاع في لبن المصرّاة المردودة على بائعها ، وما قيل من أنّ الشّريعة فرّقت بين المتساويات ، كأمرها بالغسل من بول الجارية وبالنّضح من بول الصّبيّ ، وسوّت بين المفترقات ، كتسويتها بين الخطأ والعمد في وجوب الضّمان . فعلّل كلّ ما قيل فيه ذلك ، وبيّن وجه الحكمة فيه ، وأنّ علّته معقولة ، ويوافق القياس ولا يخالفه ، وأطال في ذلك . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية