الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41288" data-attributes="member: 329"><p>ما تكون فيه التّعبّديّات ، وأمثلة منها :</p><p>15 - يذكر بعض الأصوليّين أنّ التّعبّديّات أكثر ما تكون في أصول العبادات ، كاشتراع أصل الصّلاة أو الصّوم أو الاعتكاف . وفي نصب أسبابها ، كزوال الشّمس لصلاة الظّهر ، وغروبها لصلاة المغرب . وفي الحدود والكفّارات . وفي التّقديرات العدديّة بوجه عامّ ، كتقدير أعداد الرّكعات ، وتقدير عدد الجلدات في الحدود ، وتقدير أعداد الشّهود . </p><p>وذكر الشّاطبيّ من أمثلة وقوعها في العادات : طلب الصّداق في النّكاح ، وتخصيص الذّبح بمحلّ مخصوص ، والفروض المقدّرة في المواريث ، وعدد الأشهر في عدّة الطّلاق وعدّة الوفاة . ومن أمثلتها عند الحنابلة حديث : « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يتوضّأ الرّجل بفضل طهور المرأة » . </p><p>قال صاحب المغني : منع الرّجل من استعمال فضلة طهور المرأة تعبّديّ غير معقول المعنى ، نصّ عليه أحمد ، ولذلك يباح لامرأة سواها التّطهّر به في طهارة الحدث وغسل النّجاسة وغيرها ، لأنّ النّهي اختصّ بالرّجل ، ولم يعقل معناه ، فيجب قصره على محلّ النّهي . وهل يجوز للرّجل غسل النّجاسة به ؟ فيه وجهان : أحدهما : لا يجوز وهو قول القاضي . والثّاني : يجوز وهو الصّحيح ، لأنّه ماء يطهّر المرأة من الحدث والنّجاسة ، فيزيل النّجاسة إذا فعله الرّجل كسائر المياه . </p><p>والحديث لا تعقل علّته ، فيقتصر على ما ورد به لفظه - أي التّطهّر من الحدث لا غير .</p><p>الأصل في الأحكام من حيث التّعليل أو التّعبّد :</p><p>16 - اختلف الأصوليّون هل الأصل في الأحكام التّعليل أو عدمه ؟ فذهب البعض إلى الأوّل ، فلا تعلّل الأحكام إلّا بدليل . قالوا : لأنّ النّصّ موجب بصيغته لا بالعلّة . ونسب إلى الشّافعيّ رضي الله عنه : أنّ الأصل التّعليل بوصف ، لكن لا بدّ من دليل يميّزه من غيره . قال في التّلويح : والمشهور بين أصحاب الشّافعيّ : أنّ الأصل في الأحكام التّعبّد دون التّعليل . قال : والمختار : أنّ الأصل في النّصوص التّعليل ، وأنّه لا بدّ – أي لصحّة القياس – من دليل يميّز الوصف الّذي هو علّة ، ومع ذلك لا بدّ قبل التّعليل والتّمييز من دليل يدلّ على أنّ هذا الوصف الّذي يريد استخراج علّته معلّل في الجملة . </p><p>وذهب الشّاطبيّ إلى أنّ الأمر في ذلك يختلف بين العبادات والمعاملات ، قال : الأصل في العبادات بالنّسبة للمكلّف التّعبّد ، دون الالتفات إلى المعاني ، والأصل في العادات الالتفات إلى المعاني . </p><p>17 - فأمّا أنّ الأصل في العبادات التّعبّد ، فيدلّ له أمور منها : </p><p>الاستقراء . فالصّلوات خصّت بأفعال مخصوصة على هيئات مخصوصة إن خرجت عنها لم تكن عبادات ، ووجدنا الذّكر في هيئة ما مطلوباً ، وفي هيئة أخرى غير مطلوب ، وأنّ طهارة الحدث مخصوصة بالماء الطّهور ، وإن أمكنت النّظافة بغيره ، وأنّ التّيمّم - وليست فيه نظافة حسّيّة - يقوم مقام الطّهارة بالماء المطهّر . </p><p>وهكذا سائر العبادات كالصّوم والحجّ وغيرهما ، وإنّما فهمنا من حكمة التّعبّد العامّة الانقياد لأوامر اللّه تعالى ، وهذا المقدار لا يعطي علّة خاصّة يفهم منها حكم خاصّ ، فعلمنا أنّ المقصود الشّرعيّ الأوّل التّعبّد للّه بذلك المحدود ، وأنّ غيره غير مقصود شرعاً . </p><p>ومنها : أنّه لو كان المقصود التّوسعة في التّعبّد بما حدّ وما لم يحدّ ، لنصب الشّارع عليه دليلا واضحا ، ولمّا لم نجد ذلك كذلك - بل على خلافه - دلّ على أنّ المقصود الوقوف عند ذلك المحدود ، إلا أن يتبيّن بنصّ أو إجماع معنى مراد في بعض الصّور ، فلا لوم على من اتّبعه . لكنّ ذلك قليل ، فليس بأصل ، وإنّما الأصل ما عمّ في الباب وغلب على الموضع . 18 - ثمّ قال الشّاطبيّ : وأمّا إنّ الأصل في العادات الالتفات إلى المعاني فلأمور : </p><p>الأوّل : الاستقراء ، فنرى الشّيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة ، فإذا كان فيه مصلحة جاز كالدّرهم بالدّرهم إلى أجل : تمتنع في المبايعة ، ويجوز في القرض . وكبيع الرّطب من جنس بيابسه . يمتنع حيث يكون مجرّد غرر وربا من غير مصلحة ، ويجوز إذا كان فيه مصلحة راجحة " كما في تمر العرايا أبيح بيعه بالتّمر توسعة على النّاس " ، ولتعليل النّصوص أحكام العادات بالمصلحة كما في قوله تعالى : { وَلَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاةٌ } وفي آية تحريم الخمر { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ في الخَمْرِ والمَيْسِرِ ويَصُدَّكُمْ عنْ ذِكْرِ اللَّهِ وِعنِ الصَّلاةِ فَهلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } وفي حديث : « لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان » ونحو ذلك . </p><p>والثّاني : أنّ أكثر ما علّل اللّه تعالى في العادات بالمناسب الّذي إذا عرض على العقول تلقّته بالقبول ، ففهمنا من ذلك أنّ قصد الشّارع فيها اتّباع المعاني ، لا الوقوف مع النّصوص . بخلاف العبادات ، فإنّ المعلوم فيها خلاف ذلك ، ولهذا توسّع مالك حتّى قال بقاعدة المصالح المرسلة ، والاستحسان . </p><p>والثّالث : أنّ الالتفات إلى المعاني في أمور العادات كان معلوما في الفترات ، واعتمد عليه العقلاء ، حتّى جرت بذلك مصالحهم ، سواء أهل الحكمة الفلسفيّة وغيرهم . إلا أنّهم قصّروا في جملة من التّفاصيل ، فجاءت الشّريعة لتتمّم مكارم الأخلاق . ومن هنا أقرّت الشّريعة جملة من الأحكام الّتي كانت في الجاهليّة ، كالدّية ، والقسامة ، والقراض ، وكسوة الكعبة ، وأشباه ذلك ممّا كان من محاسن العوائد ومكارم الأخلاق الّتي تقبلها العقول .</p><p>المفاضلة بين التّعبّديّ ومعقول المعنى :</p><p>19 - نقل ابن عابدين عن صاحب الفتاوى التمرتاشية أنّه قال : لم أقف على شيء من ذلك لعلمائنا في هذا ، سوى قولهم : الأصل في النّصوص التّعليل ، فإنّه يشير إلى أفضليّة المعقول معناه . قال : ووقفت على ذلك في فتاوى ابن حجر ، قال : قضيّة كلام ابن عبد السّلام أنّ التّعبّديّ أفضل ، لأنّه بمحض الانقياد ، بخلاف ما ظهرت علّته ، فإنّ ملابسه قد يفعل لتحصيل فائدته ، وخالفه البلقينيّ فقال : لا شكّ أنّ معقول المعنى من حيث الجملة أفضل ، لأنّ أكثر الشّريعة كذلك . </p><p>وظاهر كلام الشّاطبيّ الأخذ بقول من يقول : إنّ التّعبّديّ أفضل ، وذلك حيث قال : إنّ التّكاليف إذا علم قصد المصلحة فيها فللمكلّف في الدّخول تحتها ثلاثة أحوال : </p><p>الأوّل : أن يقصد بها ما فهم من مقصد الشّارع في شرعها . وهذا لا إشكال فيه ، ولكن لا ينبغي أن يخلّيه من قصد التّعبّد ، فكم ممّن فهم المصلحة فلم يلو على غيرها ، فغاب عن أمر الآمر بها . وهي غفلة تفوّت خيرات كثيرة ، بخلاف ما إذا لم يهمل التّعبّد . </p><p>ثمّ إنّ المصالح لا يقوم دليل على انحصارها فيما علم إلا نادراً ، فإذا لم يثبت الحصر كان قصد تلك الحكمة المعيّنة ربّما أسقط ما هو مقصود أيضا من شرع الحكم . </p><p>الثّاني : أن يقصد بها ما عسى أن يقصده الشّارع ، ممّا اطّلع عليه أو لم يطّلع عليه . </p><p>وهذا أكمل من القصد الأوّل ، إلا أنّه ربّما فاته النّظر إلى التّعبّد . </p><p>الثّالث : أن يقصد مجرّد امتثال الأمر ، فهم قصد المصلحة أو لم يفهم . قال : فهذا أكمل وأسلم . أمّا كونه أكمل فلأنّه نصب نفسه عبدا مؤتمرا ومملوكا ملبّيا ، إذ لم يعتبر إلّا مجرّد الأمر . وقد وكّل العلم بالمصلحة إلى العالم بها جملة وتفصيلا وهو اللّه تعالى . </p><p>وأمّا كونه أسلم ، فلأنّ العامل بالامتثال عامل بمقتضى العبوديّة ، فإن عرض له قصد غير اللّه ردّه قصد التّعبّد . فهذا الّذي قاله يتجلّى في التّعبّديّات أكثر ممّا يظهر فيما كان معقول المعنى من الأحكام . ومذهب الغزاليّ في ذلك أيضا أنّ التّعبّديّ أفضل ، كما هو واضح فيما تقدّم النّقل عنه من قوله : إنّ ما لا يهتدى لمعانيه أبلغ أنواع التّعبّدات في تزكية النّفوس . وفي حاشية ابن عابدين : أنّ هذين القولين في الأفضليّة هما على سبيل الإجمال ، أمّا بالنّظر إلى الجزيئات ، فقد يكون التّعبّديّ أفضل كالوضوء وغسل الجنابة ، فإنّ الوضوء أفضل . وقد يكون المعقول أفضل كالطّواف والرّمي ، فإنّ الطّواف أفضل .</p><p>خصائص التّعبّديّات :</p><p>20 - من أحكام التّعبّديّات : </p><p>أ - أنّه لا يقاس عليها ، لأنّ القياس فرع معرفة العلّة ، والفرض : أنّ التّعبّديّ لم تعرف علّته ، فيمتنع القياس عليه ، ولا يتعدّى حكمه موضعه ، سواء أكان مستثنى من قاعدة عامّة ولا يعقل معنى الاستثناء ، كتخصيص النّبيّ صلى الله عليه وسلم بنكاح تسع نسوة ، وتخصيص أبي بردة بالتّضحية بعناق ، أم لم يكن كذلك ، بل كان حكما مبتدأ ، كتقدير أعداد الرّكعات ، ووجوب شهر رمضان ، ومقادير الحدود والكفّارات وأجناسها ، وجميع التّحكّمات المبتدأة الّتي لا ينقدح فيها معنى ، فلا يقاس عليها غيرها . </p><p>21 - وبناء على هذا الأصل وقع الخلاف بين الفقهاء في فروع فقهيّة ، منها : رجم اللّوطيّ ، رفضه الحنفيّة ، وأثبته مالك وأحمد في رواية عنه والشّافعيّ في أحد قوليه . </p><p>قال الحنفيّة : لا يجري القياس في الحدود والكفّارات ، لأنّ الحدود مشتملة على تقديرات لا تعرف ، كعدد المائة في حدّ الزّنى ، والثّمانين في القذف ، فإنّ العقل لا يدرك الحكمة في اعتبار خصوص هذا العدد ، قالوا : وما كان يعقل منها - أي من أحكام الحدود - فإنّ الشّبهة في القياس لاحتماله الخطأ توجب عدم إثباته بالقياس ، وهذا كقطع يد السّارق لكونها جنت بالسّرقة فقطعت . </p><p>وهكذا اختلاف تقديرات الكفّارات ، فإنّه لا يعقل كما لا تعقل أعداد الرّكعات . </p><p>وأجاز غير الحنفيّة القياس في الحدود والكفّارات ، لكن فيما يعقل معناه من أحكامها لا فيما لا يعقل منها ، كما في غير الحدود والكفّارات . </p><p>ب - قال الشّاطبيّ : إنّ التّعبّديّات ما كان منها من العبادات فلا بدّ فيه من نيّة كالطّهارة ، والصّلاة ، والصّوم . ومن لم يشترط النّيّة في بعضها فإنّه يبني على كون ذلك البعض معقول المعنى ، فحكمه كما لو كان من أمور العادات . </p><p>أمّا صوم رمضان والنّذر المعيّن ، فلم يشترط الحنفيّة لهما تبييت النّيّة ولا التّعيين ، ووجه ذلك عندهم : أنّه لو نوى غيرهما في وقتهما انصرف إليهما ، بناء على أنّ الكفّ عن المفطرات قد استحقّه الوقت ، فلا ينصرف لغيره ، ولا يصرفه عنه قصد سواه . ومن هذا ما قال الحنابلة في غسل القائم من نوم اللّيل يده قبل إدخالها الإناء : إنّه تعبّديّ ، فتعتبر له النّيّة الخاصّة ، ولا يجزئ عن غسلهما نيّة الوضوء أو الغسل ، لأنّهما عبادة مفردة .</p><p></p><p>تعبير *</p><p>التّعريف : </p><p>1 - التّعبير لغة : التّبيين . يقال : عبّر عمّا في نفسه : أي أعرب وبيّن ويقال لمن أعرب عن عييّ : عبّر عنه . واللّسان يعبّر عمّا في الضّمير : أي يبيّن . </p><p>والاسم : العبرة والعِبارة والعَبارة . وخصّه أبو البقاء الكفويّ بتعبير الرّؤيا ، وهو : العبور من ظواهرها إلى بواطنها . واستعمال الفقهاء له لا يخرج عن معناه اللّغويّ . </p><p>طرق التّعبير :</p><p>2 - هناك أكثر من طريق للتّعبير عن الإرادة ، فقد يكون بالقول ، وقد يكون بالفعل ، وقد يكون بالسّكوت أو الضّحك والبكاء . </p><p>والفعل : إمّا أن يكون بالمعاطاة ، أو بالكتابة ، أو بالإشارة . </p><p>أوّلاً : التّعبير بالقول :</p><p>3 - الأصل في التّعبير عن الإرادة : أن يكون بالقول ، لأنّه من أوضح الدّلالات على تلك الإرادة ، ولأنّ الرّضا أو عدمه أمر خفيّ قلبيّ ، لا اطّلاع لنا عليه ، فنيط الحكم بسبب ظاهر وهو القول ، لذلك كانت الصّيغة أو الإيجاب والقبول ركنا في جميع العقود ، سواء كانت تلك العقود معاوضات : كالبيع والإجارة ، أو تبرّعات : كالهبة والإعارة ، أو استيثاقات : كالرّهن ، أو ما تكون تبرّعا ابتداء ومعاوضة انتهاء : كالقرض ، أو غيرها من العقود كالشّركة والوكالة والنّكاح والطّلاق . وللتّفصيل ينظر مصطلح : ( صيغة ) .</p><p>ثانياً : التّعبير بالفعل :</p><p>4 - تظهر صورة التّعبير بالفعل واضحة في المعاطاة ، وذلك في بيع المعاطاة أو التّعاطي . وصورته : أن يدفع المشتري الثّمن ويأخذ المبيع من غير إيجاب ولا قبول قوليّين . وهو موضع خلاف بين الفقهاء : </p><p>فذهب الجمهور - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، والمتولّي والبغويّ من الشّافعيّة - إلى صحّته وانعقاده بتلك الصّورة ، لأنّ الفعل يدلّ على الرّضا عرفاً . والمقصود من البيع إنّما هو أخذ ما في يد غيره بعوض يرضاه ، فلا يشترط القول ، ويكفي الفعل بالمعاطاة . </p><p>وذهب أكثر الشّافعيّة : إلى أنّ البيع لا ينعقد بالمعاطاة ، لأنّ الفعل لا يدلّ بوضعه على التّراضي ، فالمقبوض بها كالمقبوض ببيع فاسد ، فيطالب كلّ صاحبه بما دفع إليه إن بقي ، أو ببدله إن تلف . </p><p>وخصّ بعض الفقهاء ( كابن سريج والرّويانيّ من الشّافعيّة ، والكرخيّ من الحنفيّة ) جواز بيع المعاطاة بالمحقّرات ، وهي ما جرت العادة فيها بالمعاطاة ، كرطل خبز وحزمة بقل . </p><p>وقال الحنابلة بصحّة بيع المعاطاة ، بشرط عدم تأخير القبض للطّالب في نحو : خذ هذا بدرهم ، أو عدم تأخير الإقباض للطّلب نحو : أعطني بهذا الدّرهم خبزا لأنّه إذا اعتبر عدم التّأخير في الإيجاب والقبول اللّفظيّ ، فاعتبار عدم التّأخير في المعاطاة أولى . </p><p>قال البهوتيّ : وظاهره أنّ التّأخير في المعاطاة مبطل ، ولو كان بالمجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه لضعفها عن الصّيغة القوليّة . واعتبر المالكيّة التّقابض في المعاطاة شرط لزوم ، فمن أخذ رغيفا من شخص ودفع له ثمنه ، فلا يجوز له ردّه وأخذ بدله ، للشّكّ في التّماثل . بخلاف ما لو أخذ رغيفا ولم يدفع ثمنه ، فيجوز له ردّه وأخذ بدله ، لعدم لزوم البيع . </p><p>وقد نصّ الحنفيّة على أنّ : الإقالة ، والإجارة - إن عُلِمتْ الأجرة - والصّرف ، والهبة ، والهديّة ، ونحوها . تصحّ وتنعقد بالتّعاطي ، ونصّوا كذلك على أنّ القبول في العاريّة يصحّ بالفعل كالتّعاطي ، وأمّا الإيجاب فلا يصحّ به . وعند المالكيّة : كلّ إشارة فهم منها الإيجاب والقبول لزم بها البيع وسائر العقود ، ونصّوا على أنّ الشّركة تنعقد بالفعل الدّالّ عليها كما لو خلطا ماليهما وباعا . وتمسّك الشّافعيّة بأصلهم ، وهو : عدم صحّة العقد بالمعاطاة في سائر العقود . إلا العاريّة ، فإنّها تصحّ عندهم بلفظ من أحدهما مع فعل من الآخر ، ولا يكفي الفعل من الطّرفين إلا في بعض الصّور ، كمن اشترى شيئاً وسلّمه له في ظرف ، فالظّرف معار في الأصحّ . واختار النّوويّ صحّة الهبة بالمعاطاة . </p><p>ونصّ الحنابلة على انعقاد الإجارة والمضاربة والإقالة والعاريّة والوكالة والهبة بالفعل كالتّعاطي ، وذلك لأنّ المقصود المعنى ، فجاز بكلّ ما يدلّ عليه .</p><p>ثالثاً : التّعبير بالكتابة :</p><p>5 - اتّفق الفقهاء على صحّة العقود وانعقادها بالكتابة ، ويعتبر في القبول أن يكون في مجلس بلوغ الكتاب ، ليقترن بالإيجاب بقدر الإمكان . </p><p>وجعل الشّافعيّة الكتابة من باب الكناية ، فتنعقد بها العقود مع النّيّة . واستثنوا من ذلك عقد النّكاح ، فلا ينعقد بالكتابة عند جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - . </p><p>وأجازه الحنفيّة في الغائب دون الحاضر ، بشرط إعلام الشّهود بما في الكتاب . </p><p>واتّفق الفقهاء أيضا على وقوع الطّلاق بالكتابة ، لأنّ الكتابة حروف يفهم منها الطّلاق ، فأشبهت النّطق ، ولأنّ الكتابة تقوم مقام قول الكاتب ، بدليل أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بتبليغ الرّسالة ، فبلّغ بالقول مرّة ، وبالكتابة أخرى . </p><p>والكتابة الّتي يقع بها الطّلاق إنّما هي الكتابة المستبينة ، كالكتابة على الصّحيفة والحائط والأرض ، على وجه يمكن فهمه وقراءته . </p><p>وأمّا الكتابة غير المستبينة كالكتابة على الهواء والماء وشيء لا يمكن فهمه وقراءته ، فلا يقع بها الطّلاق ، لأنّ هذه الكتابة بمنزلة الهمس بلسانه بما لا يسمع . واعتبر الشّافعيّة الكتابة بالطّلاق من باب الكناية ، فتفتقر إلى نيّة من الكاتب ، وقصر الحنفيّة النّيّة على الكتابة المستبينة غير المرسومة - أي أن لا يكون الكتاب مصوّراً ومعنوناً - . </p><p>وعند الحنابلة : إن كتب طلاقها بالصّريح وقع وإن لم ينوه . وإن كتبه بالكناية فهو كناية . وعند المالكيّة : إن كتبه عازماً على الطّلاق بكتابته فيقع بمجرّد فراغه من كتابة: هي طالق. ومثله : لو كتب : إذا جاءك كتابي فأنت طالق . وعندهم قول ثان : بأن يوقف الطّلاق على وصول الكتاب ، وقوّاه الدّسوقيّ لتضمّن " إذا " معنى الشّرط . وإن كتبه مستشيراً أو متردّداً فلا يقع الطّلاق ، إلا إذا أخرجه عازماً ، أو أخرجه ولا نيّة له فيقع الطّلاق بمجرّد إخراجه . وأمّا إذا أخرجه - وهو كذلك - متردّداً أو مستشيراً ، أو لم يخرجه ، فإمّا أن يصل إليها ، وإمّا أن لا يصل إليها ، فإن وصل إليها حنث وإلا فلا . وأمّا إن كتبه ولا نيّة له أصلاً حين بالكتابة فيلزمه الطّلاق ، لحمله على العزم عند ابن رشد خلافاً للّخميّ .</p><p>رابعاً : التّعبير بالإشارة :</p><p>6 - اتّفق الفقهاء على أنّ إشارة الأخرس المفهمة تقوم مقام اللّفظ في سائر العقود للضّرورة ، لأنّ ذلك يدلّ على ما في فؤاده ، كما يدلّ عليه النّطق من النّاطق . </p><p>واختلفوا في إشارة غير الأخرس . </p><p>فذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى عدم اعتبارها في العقود . </p><p>وذهب المالكيّة إلى أنّ إشارة النّاطق معتبرة كنطقه - قالوا - وهي أولى بالجواز من المعاطاة - لأنّها يطلق عليها أنّها كلام . قال اللّه تعالى : { آيَتُكَ أنْ لا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثةَ أيَّامٍ إلا رَمْزَاً } والرّمز : الإشارة . وللتّفصيل انظر مصطلح ( إشارة ) .</p><p>خامساً : التّعبير بالسّكوت :</p><p>7 - اعتبر الفقهاء سكوت البكر البالغة العاقلة تعبيراً عن رضاها بالنّكاح ، لما روت عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : « يا رسول اللّه إنّ البكر تستحي قال : رضاها صماتها » وأخرج الإمام مسلم في صحيحه : « الأيِّم أحقّ بنفسها من وليّها ، والبِكر تُسْتأمر ، وإذنها سكوتها » وألحقوا بالسّكوت الضّحك والبكاء ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : </p><p>« قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : اليتيمة تستأمر في نفسها ، فإن صمتت فهو إذنها ، وإن أبتْ فلا جواز عليها » ولأنّها غير ناطقة بالامتناع مع سماعها للاستئذان ، فكان ذلك إذناً منها . ولم يعتبر الحنفيّة والشّافعيّة البكاء إن كان مع الصّياح والصّوت ، لأنّ ذلك يشعر بعدم الرّضا . وقال المالكيّة : إن علم من بكائها أنّه منع لم تزوّج . </p><p>ونصّ الحنفيّة على عدم اعتبار الضّحك إن كان باستهزاء ، لأنّ الضّحك إنّما جعل إذنا لدلالته على الرّضا ، فإذا لم يدلّ على الرّضا لم يكن إذناً . </p><p>قال ابن عابدين نقلا عن الفتح : والمعوّل اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضّحك ، فإن تعارضت أو أشكل احتيط . وثمّة تفصيلات واستثناءات تفصيلها في ( النّكاح ) .</p><p></p><p>تعبير الرّؤيا *</p><p>انظر : رؤيا .</p><p></p><p>تعجيز *</p><p>التّعريف : </p><p>1 - التّعجيز لغة : مصدر عجّز . يقال : عجّزته تعجيزاً : إذا جعلته عاجزاً ، وعجّز فلان رأيَ فلان : إذا نسبه إلى خلاف الحزم ، كأنّه نسبه إلى العجز . </p><p>وهو لا يخرج في الاصطلاح الفقهيّ عن هذا المعنى ، وهو : نسبة الشّخص إلى العجز . ولكنّ الفقهاء لم يستعملوا هذا اللّفظ إلا في حالتين : الأولى : تعجيز المكاتب . والأخرى : تعجيز القاضي أحد الخصمين عن إقامة البيّنة . وفيما يلي بيان هاتين الحالتين إجمالاً : </p><p>أوّلاً : تعجيز المكاتب :</p><p>2 - اتّفق الفقهاء على أنّ الكتابة عقد لازم من جانب السّيّد ، وهو : أن يتعاقد السّيّد مع عبده . أو أمته على أن يؤدّي إليه كذا من المال منجّزاً ، أو مؤجّلاً ، ويكون حرّاً . فلا يملك فسخها ، ولا يجوز تعجيز المكاتب قبل عجز المكاتب عن أداء ما عليه . </p><p>أمّا إن حلّ النّجم ( القسط ) فللسّيّد مطالبته بما حلّ من نجومه ، لأنّه حقّ له . </p><p>فإن عجز المكاتب عنها ، فهل يحقّ للسّيّد فسخ الكتابة وتعجيز المكاتب أم لا ؟ . </p><p>ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة : إلى أنّ للسّيّد أن يفسخ الكتابة بنفسه ، دون الرّجوع إلى الحاكم أو السّلطان ، إذا عجز المكاتب عن أداء ما عليه بعد حلول النّجم ، لفعل ابن عمر رضي الله عنهما ذلك . </p><p>ويرى المالكيّة : أنّه ليس له ذلك ، إلا عن طريق الحاكم أو السّلطان . </p><p>3 - وذهب الجمهور كذلك - وهم : الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - إلى أنّه يجوز للمكاتب أن يعجّز نفسه . كأن يقول : أنا عاجز عن كتابتي ، وعند ذلك يجوز للسّيّد الصّبر أو الفسخ ، إمّا عن طريق الحاكم أو بنفسه . كما أنّ للقاضي أن يعجّزه إذا طلب ذلك السّيّد أو ورثته ، بعد حلول النّجم وعدم الوفاء بما كوتب عليه . </p><p>أمّا الحنابلة فيرون : أنّه ليس للعبد أن يعجّز نفسه إذا كان مقتدراً ، لأنّ عقد الكتابة عندهم لازم من الطّرفين . والتّفاصيل في مصطلح : ( كتابة ) .</p><p>ثانياً : عجز المدّعي أو المدّعى عليه :</p><p>4 - أكثر من استعمل من الفقهاء لفظ التّعجيز هم المالكيّة ، حيث ذهبوا : إلى أنّه إذا انقضت الآجال الّتي ضربها القاضي للمدّعي لإحضار بيّنته ، وفترة التّلوّم ، ولم يأت الشّخص المؤجّل بشيء يوجب له نَظِرَةً ، عجَّزه القاضي ، وأنفذ القضاء عليه ، وسجّل ، وقطع بذلك تبعته عن خصمه ، ثمّ لا يسمع له بعد ذلك حجّة ، ولا تقبل منه بيّنة إن أتى بها ، سواء أكان مدّعيا أم مدّعى عليه . </p><p>وذهب الشّافعيّة والحنابلة : إلى أنّ المدّعي يمهل إذا طلب مهلة لإحضار البيّنة ، ويترك ما ترك ، لأنّه هو الطّالب للحقّ . أمّا المدّعى عليه فلا يمهل أكثر من ثلاثة أيّام ، ثمّ يحكم بتعجيزه ، ويسقط حقّه في الحلف ، ثمّ يحلف المدّعي فيحكم له . </p><p>أمّا الحنفيّة فيرون : أنّ القاضي يحكم للمدّعي على المدّعى عليه بنفس النّكول ، بعد أن يكرّر عليه اليمين ثلاث مرّات . لقوله صلى الله عليه وسلم « البيّنةُ على من ادّعى ، واليمين على من أنكر » . والتّفاصيل في مصطلح : ( دعوى ) .</p><p></p><p>تعجيل *</p><p>التّعريف : </p><p>1 - التّعجيل : مصدر عجّل . وهو في اللّغة : الاستحثاث ، وطلب العجلة ، وهي : السّرعة. ويقال : عجّلت إليه المال : أسرعت إليه ، فتعجّله : فأخذه بسرعة وهو في الشّرع : الإتيان بالفعل قبل الوقت المحدّد له شرعاً ، كتعجيل الزّكاة ، أو في أوّل الوقت ، كتعجيل الفطر . </p><p> الألفاظ ذات الصّلة :</p><p>الإسراع : </p><p>2 - الإسراع : مصدر أسرع ، والسّرعة : اسم منه ، وهي نقيض البطء . </p><p>والفرق بين الإسراع والتّعجيل كما قال العسكريّ : إنّ السّرعة التّقدّم فيما ينبغي أن يتقدّم فيه ، وهي محمودة ، ونقيضها مذموم ، وهو : الإبطاء . </p><p>والعجلة التّقدّم فيما لا ينبغي أن يتقدّم فيه ، وهي مذمومة ، ونقيضها محمود، وهو : الأناة. فأمّا قوله تعالى { وَعَجِلْتُ إليكَ رَبِّ لِتَرْضَى } فإنّ ذلك بمعنى : أسرعت . </p><p> الحكم الإجماليّ :</p><p>3 - التّعجيل مشروع في مواضع : كتعجيل تجهيز الميّت ، وقضاء الدّين . </p><p>وغير مشروع في مواضع : كتعجيل الصّلاة قبل وقتها . والمشروع منه تارة يكون واجباً : كتعجيل التّوبة من الذّنب . وتارة يكون مندوباً : كتعجيل الفطر في رمضان . </p><p>وتارة يكون مباحاً : كتعجيل الكفّارات ، وتارة يكون مكروهاً أو خلاف الأولى : كتعجيل إخراج الزّكاة قبل الحول . وغير المشروع : منه ما يكون باطلاً، كتعجيل الصّلاة قبل وقتها. </p><p>أنواع التّعجيل</p><p>أوّلاً : التّعجيل بالفعل عند وجود سببه</p><p>أ - التّعجيل بالتّوبة من الذّنب :</p><p>4 - تجب التّوبة على كلّ مكلّف على الفور عقيب الذّنب . </p><p>وقد دلّت على ذلك نصوص الكتاب والسّنّة وإجماع الأمّة . قال اللّه تعالى { إنَّمَا التَّوْبَةُ على اللَّهِ لِلَّذينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيهمْ } .</p><p>وقوله تعالى : { إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إذا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فإذا هُمْ مُبْصِرُونَ } .</p><p>ونقل القرطبيّ وغيره : الإجماع على وجوب تعجيل التّوبة ، وأنّها على الفور .</p><p>ب - التّعجيل بتجهيز الميّت :</p><p>5 - اتّفق الفقهاء على أنّه يندب الإسراع بتجهيز الميّت إذا تيقّن موته ، لما ثبت « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم - لمّا عاد طلحة بن البراء رضي الله عنه - قال : إنّي لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت ، فآذنوني به ، وعجّلوا ، فإنّه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله » . والصّارف عن وجوب التّعجيل : الاحتياط للرّوح ، لاحتماله الإغماء ونحوه . وفي الحديث « أسرعوا بالجنازة ، فإن تكُ صالحةً فخيرٌ تقدّمونها إليه ، وإن يكُ سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم » . ويندب تأخير من مات فجأة أو غرقاً .</p><p>ج - التّعجيل بقضاء الدّين :</p><p>6 - يجب تعجيل الوفاء بالدّين عند استحقاقه ويحرم على القادر المطل فيه . </p><p>فعن أبي هريرة رضي الله عنه : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : مطل الغنيّ ظلم ، فإن أتبع أحدكم على مليء فليتبع » أي فإن أحيل على موسر فليقبل الحوالة . </p><p>قال ابن حجر في الفتح : المعنى : أنّه من الظّلم ، وأطلق ذلك للمبالغة في التّنفير عن المطل ، والمراد من المطل هنا : تأخير ما استحقّ أداؤه بغير عذر .</p><p>د - التّعجيل بإعطاء أجرة الأجير :</p><p>7 - ثبت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال « أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقُه» والأمر بإعطائه قبل جفاف عرقه إنّما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل ، إذا طلب ، وإن لم يعرق ، أو عرق وجفّ . وذلك لأنّ أجره عمالة جسده ، وقد عجّل منفعته ، فإذا عجّلها استحقّ التّعجيل . ومن شأن الباعة : إذا سلّموا قبضوا الثّمن عند التّسليم ، فهو أحقّ وأولى ، إذ كان ثمن مهجته ، لا ثمن سلعته ، فيحرم مطله والتّسويف به مع القدرة .</p><p>هـ - التّعجيل بتزويج البكر :</p><p>8 - استحبّ بعض العلماء التّعجيل بإنكاح البكر إذا بلغت ، لحديث : « يا عليّ : ثلاث لا تؤخّرها : الصّلاة إذا أتت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيّم إذا وجدت لها كفؤاً »</p><p> واستثنوا ذلك من ذمّ العجلة ، وأنّها من الشّيطان .</p><p>و - التّعجيل بالإفطار في رمضان :</p><p>9 - اتّفق الفقهاء : على أنّ تعجيل الفطر من السّنّة ، لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم </p><p>« لا يزال النّاس بخير ما عجّلوا الفطر » ولحديث أبي ذرّ رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : لا تزال أمّتي بخير ما عجّلوا الفطر ، وأخّروا السّحور » . </p><p>وإنّما يسنّ له التّعجيل : إذا تحقّق من غروب الشّمس ، وعدم الشّكّ فيه ، لأنّه إذا شكّ في الغروب حرم عليه الفطر اتّفاقاً ، وأجاز الحنفيّة تعجيل الفطر بغلبة الظّنّ .</p><p>ز - تعجيل الحاجّ بالنّفر من منى :</p><p>10 - يجوز للحاجّ التّعجّل في اليوم الثّاني من أيّام الرّمي ، لقوله تعالى { فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَينِ فلا إِثْمَ عَلَيهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيهِ لِمَنْ اتَّقَى } ولما روى عبد الرّحمن بن يعمر رضي الله عنه : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : أيّام منى ثلاث ، فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخّر فلا إثم عليه » .</p><p>وشرط جوازه عند الجمهور - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - أن يخرج الحاجّ من منى قبل الغروب ، فيسقط عنه رمي اليوم الثّالث ، فإن لم يخرج حتّى غربت الشّمس لزمه المبيت بمنى ، ورمى اليوم الثّالث . وذلك لأنّ اليوم اسم للنّهار ، فمن أدركه اللّيل فما تعجّل في يومين ، وثبت عن عمر رضي الله عنه أنّه قال " من غربت عليه الشّمس وهو بمنى ، فلا ينفرن ، حتّى يرمي الجمار من أوسط أيّام التّشريق " .</p><p>ولم يفرّق الشّافعيّة والحنابلة في هذا الشّرط بين المكّيّ والآفاقيّ . </p><p>وذهب المالكيّة : إلى التّفريق بينهما ، وخصّوا شرط التّعجيل بالمتعجّل من أهل مكّة ، وأمّا إن كان من غيرها فلا يشترط خروجه من منى قبل الغروب من اليوم الثّاني ، وإنّما يشترط نيّة الخروج قبل الغروب من اليوم الثّاني . </p><p>ولم يشترط الحنفيّة ذلك ، وقالوا : له أن ينفر بعد الغروب مع الكراهة ، ما لم يطلع فجر اليوم الثّالث ، وذلك لأنّه لم يدخل اليوم الآخر ، فجاز له النّفر ، كما قبل الغروب . </p><p>واختلف الفقهاء في أهل مكّة هل ينفرون النّفر الأوّل ؟ فقيل : ليس لهم ذلك . فقد ثبت عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال : من شاء من النّاس كلّهم أن ينفروا في النّفر الأوّل ، إلّا آل خزيمة ، فلا ينفرون إلّا في النّفر الآخر . وكان أحمد بن حنبل يقول : لا يعجبني لمن نفر النّفر الأوّل أن يقيم بمكّة ، وقال : أهل مكّة أخفّ ، وجعل أحمد معنى قول عمر " إلا آل خزيمة " أي : أنّهم أهل الحرم ، وحمله في المغني على الاستحباب ، محافظة على العموم . وكان مالك يقول في أهل مكّة من كان له عذر فله أن يتعجّل في يومين ، فإن أراد التّخفيف عن نفسه ممّا هو فيه من أمر الحجّ فلا ، فرأى أنّ التّعجيل لمن بعد قطره . </p><p>وقال أكثر أهل العلم : الآية على العموم ، والرّخصة لجميع النّاس ، أهل مكّة وغيرهم ، سواء أراد الخارج من منى المقام بمكّة ، أو الشّخوص إلى بلده . </p><p>11 - واختلف الفقهاء في الأفضليّة بين التّعجيل والتّأخير ، فذهب الجمهور ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) : إلى أنّ تأخير النّفر إلى الثّالث أفضل ، للاقتداء بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم . وذهب المالكيّة : إلى أنّه لا تفضيل بين التّعجيل والتّأخير ، بل هما مستويان . ونصّ الفقهاء على كراهة التّعجيل للإمام ، لأجل من يتأخّر . </p><p>وأمّا ثمرة التّعجيل فهي سقوط رمي اليوم الثّالث ، ومبيت ليلته عنه .</p><p>ثانياً : تعجيل الفعل قبل وجوبه</p><p>أ - التّعجيل بالصّلاة قبل الوقت :</p><p>12 - أجمع العلماء : على أنّ لكلّ صلاة من الصّلوات الخمس وقتاً محدّداً ، لا يجوز إخراجها عنه ، لقوله تعالى : { إنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ على المُؤْمِنينَ كِتَابَاً مَوْقُوتَاً } أي : محتّمة مؤقّتة : ولحديث المواقيت المشهور . </p><p>وقد رخّص الشّارع في تعجيل الصّلاة قبل وقتها في حالات ، منها : </p><p>1 - جمع الحاجّ الظّهر والعصر جمع تقديم في عرفة . </p><p>ب - جواز الجمع للمسافر بين العصرين " الظّهر والعصر " والعشاءين " المغرب والعشاء " تقديماً عند جمهور العلماء ، خلافاً للحنفيّة . </p><p>2 - جواز الجمع للمريض ، جمع تقديم عند المالكيّة والحنابلة . </p><p>3 - جواز الجمع بين العشاءين تقديماً ، لأجل المطر والثّلج والبرد عند جمهور العلماء </p><p>" المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " وزاد الشّافعيّة جوازه بين العصرين أيضاً . </p><p>4 - جواز الجمع بين الصّلاتين ، إذا اجتمع الطّين مع الظّلمة ، عند المالكيّة ، وجوّزه الحنابلة بمجرّد الوحل ، في إحدى الرّوايتين ، وصحّحها ابن قدامة . </p><p>5 - جواز الجمع لأجل الخوف عند الحنابلة . </p><p>6 - جواز الجمع لأجل الرّيح الشّديدة في اللّيلة المظلمة الباردة ، عند الحنابلة ، في أحد الوجهين ، وصحّحه الآمديّ .</p><p>ب - التّعجيل بإخراج الزّكاة قبل الحول :</p><p>13 - ذهب جمهور الفقهاء : إلى جواز تعجيل إخراج الزّكاة قبل الحول في الجملة ، وذلك لأنّ « العبّاس رضي الله عنه سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ ، فرخّص له في ذلك » ، ولأنّه حقّ ماليّ جعل له أجل للرّفق ، فجاز تعجيله قبل أجله ، كالدّين . ولأنّه - كما قال الشّافعيّة - وجب بسببين ، وهما : النّصاب ، والحول : فجاز تقديمه على أحدهما ، كتقديم كفّارة اليمين على الحنث . ومنعه ابن المنذر ، وابن خزيمة من الشّافعيّة ، وأشهب من المالكيّة ، وقال : لا تجزئ قبل محلّه كالصّلاة ، ورواه عن مالك ، ورواه كذلك ابن وهب . قال ابن يونس : وهو الأقرب ، وغيره استحسان . </p><p>ونصّ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة : على أنّ تركه أفضل ، خروجاً من الخلاف . </p><p>واختلف الفقهاء في المدّة الّتي يجوز تعجيل الزّكاة فيها : فذهب الحنفيّة : إلى جواز تعجيل الزّكاة لسنين ، لوجود سبب الوجوب ، وهو : ملك النّصاب النّامي . </p><p>وقيّده الحنابلة بحولين فقط ، اقتصاراً على ما ورد . فقد روى عليّ رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تعجّل من العبّاس رضي الله عنه صدقة سنتين » لقوله صلى الله عليه وسلم : « أمّا العبّاس فهي عليّ ومثلها معها » ولما روى أبو داود من « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تسلّف من العبّاس صدقة عامين » وهو وجه عند الشّافعيّة ، صحّحه الإسنويّ وغيره ، وعزوه للنّصّ . وذهب الشّافعيّة : إلى عدم جواز تعجيل الزّكاة لأكثر من عام ، وذلك : لأنّ زكاة غير العام الأوّل لم ينعقد حولها ، والتّعجيل قبل انعقاد الحول لا يجوز ، كالتّعجيل قبل كمال النّصاب في الزّكاة العينيّة . </p><p>أمّا المالكيّة : فلم يجيزوا تعجيل الزّكاة لأكثر من شهر قبل الحول على المعتمد ، وتكره عندهم بشهر . وفي المسألة تفصيلات تنظر في الزّكاة .</p><p>ج - تعجيل الكفّارات :</p><p>تعجّل كفّارة اليمين قبل الحنث :</p><p>14 - ذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - : إلى جواز تعجيل كفّارة اليمين قبل الحنث ، لما روى عبد الرّحمن بن سمرة رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : يا عبد الرّحمن ، إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفّر عن يمينك ، ثمّ ائت الّذي هو خير » . </p><p>واستثنى الشّافعيّة الصّوم من خصال الكفّارة ، وقالوا بعدم جواز التّعجيل به قبل الحنث ، وذلك لأنّه عبادة بدنيّة ، فلا يجوز تقديمه على وقت وجوبه بغير حاجة ، كالصّلاة ، وصوم رمضان ، ولأنّه إنّما يجوز التّكفير به عند العجز عن جميع الخصال الماليّة . والعجز إنّما يتحقّق بعد الوجوب . وهو رواية عند الحنابلة . </p><p>وذهب الحنفيّة : إلى عدم جواز تعجيل كفّارة اليمين قبل الحنث ، لأنّ الكفّارة لستر الجناية ، ولا جناية قبل الحنث . </p><p>15 - ثمّ إنّ القائلين بجواز التّعجيل اختلفوا في أيّهما أفضل : التّكفير قبل الحنث أم بعده ؟. فذهب المالكيّة ، والشّافعيّة ، وأحمد في رواية ، وابن أبي موسى ، وصوّبه المرداويّ من الحنابلة : إلى أنّ تأخيرها عن الحنث أفضل ، خروجاً من الخلاف . </p><p>والرّواية الأخرى عن أحمد على الصّحيح من المذهب : أنّ التّكفير قبل الحنث وبعده في الفضيلة سواء ، وذلك في غير الصّوم ، لتعجيل النّفع للفقراء .</p><p>تعجيل كفّارة الظّهار :</p><p>16 - اختلف الفقهاء في جواز تعجيل كفّارة الظّهار قبل العود ، فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى جواز تعجيلها ، لوجود سببها ، وذلك كتعجيل الزّكاة قبل الحول ، وبعد كمال النّصاب . وذهب المالكيّة : إلى أنّها لا تجزئ قبل العود . </p><p>وذهب الشّافعيّة : إلى جواز التّعجيل بكفّارة الظّهار قبل العود به ، وذلك بالمال - وهو التّحرير والإطعام - لا بالصّوم ، والمراد بالعود عندهم : إمساك المظاهر منها مدّة يمكن للمظاهر أن يطلّقها فيها ، مع القدرة على الطّلاق . وصورة التّعجيل في كفّارة الظّهار : أن يظاهر من مطلّقته رجعيّا ، ثمّ يكفّر ، ثمّ يراجعها . وعندهم صور أخرى . </p><p>والمراد بالعود عند الحنفيّة : إرادة العزم على الوطء . </p><p>وعند المالكيّة هو إرادة الوطء ، مع استدامة العصمة ، كما قاله ابن رشد .</p><p>تعجيل كفّارة القتل :</p><p>17 - يجوز تعجيل كفّارة القتل بعد الجرح ، وقبل الزّهوق ، وتجزئ عنه ، وذلك لتقدّم السّبب ، كتعجيل إخراج الزّكاة قبل الحول . واستثنى الشّافعيّة تعجيل التّكفير بالصّوم ، لأنّه عبادة بدنيّة ، فلا يجوز تقديمه على وقت وجوبه بغير حاجة ، كالصّلاة ، وصوم رمضان .</p><p>د - التّعجيل بقضاء الدّين المؤجّل :</p><p>18 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه لا يجب أداء الدّين المؤجّل قبل حلول أجله ، لكن لو أدّي قبله صحّ ، وسقط عن ذمّة المدين ، وذلك لأنّ الأجل حقّ المدين ، فله إسقاطه ، ويجبر الدّائن على القبول .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41288, member: 329"] ما تكون فيه التّعبّديّات ، وأمثلة منها : 15 - يذكر بعض الأصوليّين أنّ التّعبّديّات أكثر ما تكون في أصول العبادات ، كاشتراع أصل الصّلاة أو الصّوم أو الاعتكاف . وفي نصب أسبابها ، كزوال الشّمس لصلاة الظّهر ، وغروبها لصلاة المغرب . وفي الحدود والكفّارات . وفي التّقديرات العدديّة بوجه عامّ ، كتقدير أعداد الرّكعات ، وتقدير عدد الجلدات في الحدود ، وتقدير أعداد الشّهود . وذكر الشّاطبيّ من أمثلة وقوعها في العادات : طلب الصّداق في النّكاح ، وتخصيص الذّبح بمحلّ مخصوص ، والفروض المقدّرة في المواريث ، وعدد الأشهر في عدّة الطّلاق وعدّة الوفاة . ومن أمثلتها عند الحنابلة حديث : « نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يتوضّأ الرّجل بفضل طهور المرأة » . قال صاحب المغني : منع الرّجل من استعمال فضلة طهور المرأة تعبّديّ غير معقول المعنى ، نصّ عليه أحمد ، ولذلك يباح لامرأة سواها التّطهّر به في طهارة الحدث وغسل النّجاسة وغيرها ، لأنّ النّهي اختصّ بالرّجل ، ولم يعقل معناه ، فيجب قصره على محلّ النّهي . وهل يجوز للرّجل غسل النّجاسة به ؟ فيه وجهان : أحدهما : لا يجوز وهو قول القاضي . والثّاني : يجوز وهو الصّحيح ، لأنّه ماء يطهّر المرأة من الحدث والنّجاسة ، فيزيل النّجاسة إذا فعله الرّجل كسائر المياه . والحديث لا تعقل علّته ، فيقتصر على ما ورد به لفظه - أي التّطهّر من الحدث لا غير . الأصل في الأحكام من حيث التّعليل أو التّعبّد : 16 - اختلف الأصوليّون هل الأصل في الأحكام التّعليل أو عدمه ؟ فذهب البعض إلى الأوّل ، فلا تعلّل الأحكام إلّا بدليل . قالوا : لأنّ النّصّ موجب بصيغته لا بالعلّة . ونسب إلى الشّافعيّ رضي الله عنه : أنّ الأصل التّعليل بوصف ، لكن لا بدّ من دليل يميّزه من غيره . قال في التّلويح : والمشهور بين أصحاب الشّافعيّ : أنّ الأصل في الأحكام التّعبّد دون التّعليل . قال : والمختار : أنّ الأصل في النّصوص التّعليل ، وأنّه لا بدّ – أي لصحّة القياس – من دليل يميّز الوصف الّذي هو علّة ، ومع ذلك لا بدّ قبل التّعليل والتّمييز من دليل يدلّ على أنّ هذا الوصف الّذي يريد استخراج علّته معلّل في الجملة . وذهب الشّاطبيّ إلى أنّ الأمر في ذلك يختلف بين العبادات والمعاملات ، قال : الأصل في العبادات بالنّسبة للمكلّف التّعبّد ، دون الالتفات إلى المعاني ، والأصل في العادات الالتفات إلى المعاني . 17 - فأمّا أنّ الأصل في العبادات التّعبّد ، فيدلّ له أمور منها : الاستقراء . فالصّلوات خصّت بأفعال مخصوصة على هيئات مخصوصة إن خرجت عنها لم تكن عبادات ، ووجدنا الذّكر في هيئة ما مطلوباً ، وفي هيئة أخرى غير مطلوب ، وأنّ طهارة الحدث مخصوصة بالماء الطّهور ، وإن أمكنت النّظافة بغيره ، وأنّ التّيمّم - وليست فيه نظافة حسّيّة - يقوم مقام الطّهارة بالماء المطهّر . وهكذا سائر العبادات كالصّوم والحجّ وغيرهما ، وإنّما فهمنا من حكمة التّعبّد العامّة الانقياد لأوامر اللّه تعالى ، وهذا المقدار لا يعطي علّة خاصّة يفهم منها حكم خاصّ ، فعلمنا أنّ المقصود الشّرعيّ الأوّل التّعبّد للّه بذلك المحدود ، وأنّ غيره غير مقصود شرعاً . ومنها : أنّه لو كان المقصود التّوسعة في التّعبّد بما حدّ وما لم يحدّ ، لنصب الشّارع عليه دليلا واضحا ، ولمّا لم نجد ذلك كذلك - بل على خلافه - دلّ على أنّ المقصود الوقوف عند ذلك المحدود ، إلا أن يتبيّن بنصّ أو إجماع معنى مراد في بعض الصّور ، فلا لوم على من اتّبعه . لكنّ ذلك قليل ، فليس بأصل ، وإنّما الأصل ما عمّ في الباب وغلب على الموضع . 18 - ثمّ قال الشّاطبيّ : وأمّا إنّ الأصل في العادات الالتفات إلى المعاني فلأمور : الأوّل : الاستقراء ، فنرى الشّيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة ، فإذا كان فيه مصلحة جاز كالدّرهم بالدّرهم إلى أجل : تمتنع في المبايعة ، ويجوز في القرض . وكبيع الرّطب من جنس بيابسه . يمتنع حيث يكون مجرّد غرر وربا من غير مصلحة ، ويجوز إذا كان فيه مصلحة راجحة " كما في تمر العرايا أبيح بيعه بالتّمر توسعة على النّاس " ، ولتعليل النّصوص أحكام العادات بالمصلحة كما في قوله تعالى : { وَلَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاةٌ } وفي آية تحريم الخمر { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ العَدَاوَةَ والبَغْضَاءَ في الخَمْرِ والمَيْسِرِ ويَصُدَّكُمْ عنْ ذِكْرِ اللَّهِ وِعنِ الصَّلاةِ فَهلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } وفي حديث : « لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان » ونحو ذلك . والثّاني : أنّ أكثر ما علّل اللّه تعالى في العادات بالمناسب الّذي إذا عرض على العقول تلقّته بالقبول ، ففهمنا من ذلك أنّ قصد الشّارع فيها اتّباع المعاني ، لا الوقوف مع النّصوص . بخلاف العبادات ، فإنّ المعلوم فيها خلاف ذلك ، ولهذا توسّع مالك حتّى قال بقاعدة المصالح المرسلة ، والاستحسان . والثّالث : أنّ الالتفات إلى المعاني في أمور العادات كان معلوما في الفترات ، واعتمد عليه العقلاء ، حتّى جرت بذلك مصالحهم ، سواء أهل الحكمة الفلسفيّة وغيرهم . إلا أنّهم قصّروا في جملة من التّفاصيل ، فجاءت الشّريعة لتتمّم مكارم الأخلاق . ومن هنا أقرّت الشّريعة جملة من الأحكام الّتي كانت في الجاهليّة ، كالدّية ، والقسامة ، والقراض ، وكسوة الكعبة ، وأشباه ذلك ممّا كان من محاسن العوائد ومكارم الأخلاق الّتي تقبلها العقول . المفاضلة بين التّعبّديّ ومعقول المعنى : 19 - نقل ابن عابدين عن صاحب الفتاوى التمرتاشية أنّه قال : لم أقف على شيء من ذلك لعلمائنا في هذا ، سوى قولهم : الأصل في النّصوص التّعليل ، فإنّه يشير إلى أفضليّة المعقول معناه . قال : ووقفت على ذلك في فتاوى ابن حجر ، قال : قضيّة كلام ابن عبد السّلام أنّ التّعبّديّ أفضل ، لأنّه بمحض الانقياد ، بخلاف ما ظهرت علّته ، فإنّ ملابسه قد يفعل لتحصيل فائدته ، وخالفه البلقينيّ فقال : لا شكّ أنّ معقول المعنى من حيث الجملة أفضل ، لأنّ أكثر الشّريعة كذلك . وظاهر كلام الشّاطبيّ الأخذ بقول من يقول : إنّ التّعبّديّ أفضل ، وذلك حيث قال : إنّ التّكاليف إذا علم قصد المصلحة فيها فللمكلّف في الدّخول تحتها ثلاثة أحوال : الأوّل : أن يقصد بها ما فهم من مقصد الشّارع في شرعها . وهذا لا إشكال فيه ، ولكن لا ينبغي أن يخلّيه من قصد التّعبّد ، فكم ممّن فهم المصلحة فلم يلو على غيرها ، فغاب عن أمر الآمر بها . وهي غفلة تفوّت خيرات كثيرة ، بخلاف ما إذا لم يهمل التّعبّد . ثمّ إنّ المصالح لا يقوم دليل على انحصارها فيما علم إلا نادراً ، فإذا لم يثبت الحصر كان قصد تلك الحكمة المعيّنة ربّما أسقط ما هو مقصود أيضا من شرع الحكم . الثّاني : أن يقصد بها ما عسى أن يقصده الشّارع ، ممّا اطّلع عليه أو لم يطّلع عليه . وهذا أكمل من القصد الأوّل ، إلا أنّه ربّما فاته النّظر إلى التّعبّد . الثّالث : أن يقصد مجرّد امتثال الأمر ، فهم قصد المصلحة أو لم يفهم . قال : فهذا أكمل وأسلم . أمّا كونه أكمل فلأنّه نصب نفسه عبدا مؤتمرا ومملوكا ملبّيا ، إذ لم يعتبر إلّا مجرّد الأمر . وقد وكّل العلم بالمصلحة إلى العالم بها جملة وتفصيلا وهو اللّه تعالى . وأمّا كونه أسلم ، فلأنّ العامل بالامتثال عامل بمقتضى العبوديّة ، فإن عرض له قصد غير اللّه ردّه قصد التّعبّد . فهذا الّذي قاله يتجلّى في التّعبّديّات أكثر ممّا يظهر فيما كان معقول المعنى من الأحكام . ومذهب الغزاليّ في ذلك أيضا أنّ التّعبّديّ أفضل ، كما هو واضح فيما تقدّم النّقل عنه من قوله : إنّ ما لا يهتدى لمعانيه أبلغ أنواع التّعبّدات في تزكية النّفوس . وفي حاشية ابن عابدين : أنّ هذين القولين في الأفضليّة هما على سبيل الإجمال ، أمّا بالنّظر إلى الجزيئات ، فقد يكون التّعبّديّ أفضل كالوضوء وغسل الجنابة ، فإنّ الوضوء أفضل . وقد يكون المعقول أفضل كالطّواف والرّمي ، فإنّ الطّواف أفضل . خصائص التّعبّديّات : 20 - من أحكام التّعبّديّات : أ - أنّه لا يقاس عليها ، لأنّ القياس فرع معرفة العلّة ، والفرض : أنّ التّعبّديّ لم تعرف علّته ، فيمتنع القياس عليه ، ولا يتعدّى حكمه موضعه ، سواء أكان مستثنى من قاعدة عامّة ولا يعقل معنى الاستثناء ، كتخصيص النّبيّ صلى الله عليه وسلم بنكاح تسع نسوة ، وتخصيص أبي بردة بالتّضحية بعناق ، أم لم يكن كذلك ، بل كان حكما مبتدأ ، كتقدير أعداد الرّكعات ، ووجوب شهر رمضان ، ومقادير الحدود والكفّارات وأجناسها ، وجميع التّحكّمات المبتدأة الّتي لا ينقدح فيها معنى ، فلا يقاس عليها غيرها . 21 - وبناء على هذا الأصل وقع الخلاف بين الفقهاء في فروع فقهيّة ، منها : رجم اللّوطيّ ، رفضه الحنفيّة ، وأثبته مالك وأحمد في رواية عنه والشّافعيّ في أحد قوليه . قال الحنفيّة : لا يجري القياس في الحدود والكفّارات ، لأنّ الحدود مشتملة على تقديرات لا تعرف ، كعدد المائة في حدّ الزّنى ، والثّمانين في القذف ، فإنّ العقل لا يدرك الحكمة في اعتبار خصوص هذا العدد ، قالوا : وما كان يعقل منها - أي من أحكام الحدود - فإنّ الشّبهة في القياس لاحتماله الخطأ توجب عدم إثباته بالقياس ، وهذا كقطع يد السّارق لكونها جنت بالسّرقة فقطعت . وهكذا اختلاف تقديرات الكفّارات ، فإنّه لا يعقل كما لا تعقل أعداد الرّكعات . وأجاز غير الحنفيّة القياس في الحدود والكفّارات ، لكن فيما يعقل معناه من أحكامها لا فيما لا يعقل منها ، كما في غير الحدود والكفّارات . ب - قال الشّاطبيّ : إنّ التّعبّديّات ما كان منها من العبادات فلا بدّ فيه من نيّة كالطّهارة ، والصّلاة ، والصّوم . ومن لم يشترط النّيّة في بعضها فإنّه يبني على كون ذلك البعض معقول المعنى ، فحكمه كما لو كان من أمور العادات . أمّا صوم رمضان والنّذر المعيّن ، فلم يشترط الحنفيّة لهما تبييت النّيّة ولا التّعيين ، ووجه ذلك عندهم : أنّه لو نوى غيرهما في وقتهما انصرف إليهما ، بناء على أنّ الكفّ عن المفطرات قد استحقّه الوقت ، فلا ينصرف لغيره ، ولا يصرفه عنه قصد سواه . ومن هذا ما قال الحنابلة في غسل القائم من نوم اللّيل يده قبل إدخالها الإناء : إنّه تعبّديّ ، فتعتبر له النّيّة الخاصّة ، ولا يجزئ عن غسلهما نيّة الوضوء أو الغسل ، لأنّهما عبادة مفردة . تعبير * التّعريف : 1 - التّعبير لغة : التّبيين . يقال : عبّر عمّا في نفسه : أي أعرب وبيّن ويقال لمن أعرب عن عييّ : عبّر عنه . واللّسان يعبّر عمّا في الضّمير : أي يبيّن . والاسم : العبرة والعِبارة والعَبارة . وخصّه أبو البقاء الكفويّ بتعبير الرّؤيا ، وهو : العبور من ظواهرها إلى بواطنها . واستعمال الفقهاء له لا يخرج عن معناه اللّغويّ . طرق التّعبير : 2 - هناك أكثر من طريق للتّعبير عن الإرادة ، فقد يكون بالقول ، وقد يكون بالفعل ، وقد يكون بالسّكوت أو الضّحك والبكاء . والفعل : إمّا أن يكون بالمعاطاة ، أو بالكتابة ، أو بالإشارة . أوّلاً : التّعبير بالقول : 3 - الأصل في التّعبير عن الإرادة : أن يكون بالقول ، لأنّه من أوضح الدّلالات على تلك الإرادة ، ولأنّ الرّضا أو عدمه أمر خفيّ قلبيّ ، لا اطّلاع لنا عليه ، فنيط الحكم بسبب ظاهر وهو القول ، لذلك كانت الصّيغة أو الإيجاب والقبول ركنا في جميع العقود ، سواء كانت تلك العقود معاوضات : كالبيع والإجارة ، أو تبرّعات : كالهبة والإعارة ، أو استيثاقات : كالرّهن ، أو ما تكون تبرّعا ابتداء ومعاوضة انتهاء : كالقرض ، أو غيرها من العقود كالشّركة والوكالة والنّكاح والطّلاق . وللتّفصيل ينظر مصطلح : ( صيغة ) . ثانياً : التّعبير بالفعل : 4 - تظهر صورة التّعبير بالفعل واضحة في المعاطاة ، وذلك في بيع المعاطاة أو التّعاطي . وصورته : أن يدفع المشتري الثّمن ويأخذ المبيع من غير إيجاب ولا قبول قوليّين . وهو موضع خلاف بين الفقهاء : فذهب الجمهور - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة ، والمتولّي والبغويّ من الشّافعيّة - إلى صحّته وانعقاده بتلك الصّورة ، لأنّ الفعل يدلّ على الرّضا عرفاً . والمقصود من البيع إنّما هو أخذ ما في يد غيره بعوض يرضاه ، فلا يشترط القول ، ويكفي الفعل بالمعاطاة . وذهب أكثر الشّافعيّة : إلى أنّ البيع لا ينعقد بالمعاطاة ، لأنّ الفعل لا يدلّ بوضعه على التّراضي ، فالمقبوض بها كالمقبوض ببيع فاسد ، فيطالب كلّ صاحبه بما دفع إليه إن بقي ، أو ببدله إن تلف . وخصّ بعض الفقهاء ( كابن سريج والرّويانيّ من الشّافعيّة ، والكرخيّ من الحنفيّة ) جواز بيع المعاطاة بالمحقّرات ، وهي ما جرت العادة فيها بالمعاطاة ، كرطل خبز وحزمة بقل . وقال الحنابلة بصحّة بيع المعاطاة ، بشرط عدم تأخير القبض للطّالب في نحو : خذ هذا بدرهم ، أو عدم تأخير الإقباض للطّلب نحو : أعطني بهذا الدّرهم خبزا لأنّه إذا اعتبر عدم التّأخير في الإيجاب والقبول اللّفظيّ ، فاعتبار عدم التّأخير في المعاطاة أولى . قال البهوتيّ : وظاهره أنّ التّأخير في المعاطاة مبطل ، ولو كان بالمجلس ولم يتشاغلا بما يقطعه لضعفها عن الصّيغة القوليّة . واعتبر المالكيّة التّقابض في المعاطاة شرط لزوم ، فمن أخذ رغيفا من شخص ودفع له ثمنه ، فلا يجوز له ردّه وأخذ بدله ، للشّكّ في التّماثل . بخلاف ما لو أخذ رغيفا ولم يدفع ثمنه ، فيجوز له ردّه وأخذ بدله ، لعدم لزوم البيع . وقد نصّ الحنفيّة على أنّ : الإقالة ، والإجارة - إن عُلِمتْ الأجرة - والصّرف ، والهبة ، والهديّة ، ونحوها . تصحّ وتنعقد بالتّعاطي ، ونصّوا كذلك على أنّ القبول في العاريّة يصحّ بالفعل كالتّعاطي ، وأمّا الإيجاب فلا يصحّ به . وعند المالكيّة : كلّ إشارة فهم منها الإيجاب والقبول لزم بها البيع وسائر العقود ، ونصّوا على أنّ الشّركة تنعقد بالفعل الدّالّ عليها كما لو خلطا ماليهما وباعا . وتمسّك الشّافعيّة بأصلهم ، وهو : عدم صحّة العقد بالمعاطاة في سائر العقود . إلا العاريّة ، فإنّها تصحّ عندهم بلفظ من أحدهما مع فعل من الآخر ، ولا يكفي الفعل من الطّرفين إلا في بعض الصّور ، كمن اشترى شيئاً وسلّمه له في ظرف ، فالظّرف معار في الأصحّ . واختار النّوويّ صحّة الهبة بالمعاطاة . ونصّ الحنابلة على انعقاد الإجارة والمضاربة والإقالة والعاريّة والوكالة والهبة بالفعل كالتّعاطي ، وذلك لأنّ المقصود المعنى ، فجاز بكلّ ما يدلّ عليه . ثالثاً : التّعبير بالكتابة : 5 - اتّفق الفقهاء على صحّة العقود وانعقادها بالكتابة ، ويعتبر في القبول أن يكون في مجلس بلوغ الكتاب ، ليقترن بالإيجاب بقدر الإمكان . وجعل الشّافعيّة الكتابة من باب الكناية ، فتنعقد بها العقود مع النّيّة . واستثنوا من ذلك عقد النّكاح ، فلا ينعقد بالكتابة عند جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - . وأجازه الحنفيّة في الغائب دون الحاضر ، بشرط إعلام الشّهود بما في الكتاب . واتّفق الفقهاء أيضا على وقوع الطّلاق بالكتابة ، لأنّ الكتابة حروف يفهم منها الطّلاق ، فأشبهت النّطق ، ولأنّ الكتابة تقوم مقام قول الكاتب ، بدليل أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بتبليغ الرّسالة ، فبلّغ بالقول مرّة ، وبالكتابة أخرى . والكتابة الّتي يقع بها الطّلاق إنّما هي الكتابة المستبينة ، كالكتابة على الصّحيفة والحائط والأرض ، على وجه يمكن فهمه وقراءته . وأمّا الكتابة غير المستبينة كالكتابة على الهواء والماء وشيء لا يمكن فهمه وقراءته ، فلا يقع بها الطّلاق ، لأنّ هذه الكتابة بمنزلة الهمس بلسانه بما لا يسمع . واعتبر الشّافعيّة الكتابة بالطّلاق من باب الكناية ، فتفتقر إلى نيّة من الكاتب ، وقصر الحنفيّة النّيّة على الكتابة المستبينة غير المرسومة - أي أن لا يكون الكتاب مصوّراً ومعنوناً - . وعند الحنابلة : إن كتب طلاقها بالصّريح وقع وإن لم ينوه . وإن كتبه بالكناية فهو كناية . وعند المالكيّة : إن كتبه عازماً على الطّلاق بكتابته فيقع بمجرّد فراغه من كتابة: هي طالق. ومثله : لو كتب : إذا جاءك كتابي فأنت طالق . وعندهم قول ثان : بأن يوقف الطّلاق على وصول الكتاب ، وقوّاه الدّسوقيّ لتضمّن " إذا " معنى الشّرط . وإن كتبه مستشيراً أو متردّداً فلا يقع الطّلاق ، إلا إذا أخرجه عازماً ، أو أخرجه ولا نيّة له فيقع الطّلاق بمجرّد إخراجه . وأمّا إذا أخرجه - وهو كذلك - متردّداً أو مستشيراً ، أو لم يخرجه ، فإمّا أن يصل إليها ، وإمّا أن لا يصل إليها ، فإن وصل إليها حنث وإلا فلا . وأمّا إن كتبه ولا نيّة له أصلاً حين بالكتابة فيلزمه الطّلاق ، لحمله على العزم عند ابن رشد خلافاً للّخميّ . رابعاً : التّعبير بالإشارة : 6 - اتّفق الفقهاء على أنّ إشارة الأخرس المفهمة تقوم مقام اللّفظ في سائر العقود للضّرورة ، لأنّ ذلك يدلّ على ما في فؤاده ، كما يدلّ عليه النّطق من النّاطق . واختلفوا في إشارة غير الأخرس . فذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة - إلى عدم اعتبارها في العقود . وذهب المالكيّة إلى أنّ إشارة النّاطق معتبرة كنطقه - قالوا - وهي أولى بالجواز من المعاطاة - لأنّها يطلق عليها أنّها كلام . قال اللّه تعالى : { آيَتُكَ أنْ لا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثةَ أيَّامٍ إلا رَمْزَاً } والرّمز : الإشارة . وللتّفصيل انظر مصطلح ( إشارة ) . خامساً : التّعبير بالسّكوت : 7 - اعتبر الفقهاء سكوت البكر البالغة العاقلة تعبيراً عن رضاها بالنّكاح ، لما روت عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : « يا رسول اللّه إنّ البكر تستحي قال : رضاها صماتها » وأخرج الإمام مسلم في صحيحه : « الأيِّم أحقّ بنفسها من وليّها ، والبِكر تُسْتأمر ، وإذنها سكوتها » وألحقوا بالسّكوت الضّحك والبكاء ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : « قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : اليتيمة تستأمر في نفسها ، فإن صمتت فهو إذنها ، وإن أبتْ فلا جواز عليها » ولأنّها غير ناطقة بالامتناع مع سماعها للاستئذان ، فكان ذلك إذناً منها . ولم يعتبر الحنفيّة والشّافعيّة البكاء إن كان مع الصّياح والصّوت ، لأنّ ذلك يشعر بعدم الرّضا . وقال المالكيّة : إن علم من بكائها أنّه منع لم تزوّج . ونصّ الحنفيّة على عدم اعتبار الضّحك إن كان باستهزاء ، لأنّ الضّحك إنّما جعل إذنا لدلالته على الرّضا ، فإذا لم يدلّ على الرّضا لم يكن إذناً . قال ابن عابدين نقلا عن الفتح : والمعوّل اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضّحك ، فإن تعارضت أو أشكل احتيط . وثمّة تفصيلات واستثناءات تفصيلها في ( النّكاح ) . تعبير الرّؤيا * انظر : رؤيا . تعجيز * التّعريف : 1 - التّعجيز لغة : مصدر عجّز . يقال : عجّزته تعجيزاً : إذا جعلته عاجزاً ، وعجّز فلان رأيَ فلان : إذا نسبه إلى خلاف الحزم ، كأنّه نسبه إلى العجز . وهو لا يخرج في الاصطلاح الفقهيّ عن هذا المعنى ، وهو : نسبة الشّخص إلى العجز . ولكنّ الفقهاء لم يستعملوا هذا اللّفظ إلا في حالتين : الأولى : تعجيز المكاتب . والأخرى : تعجيز القاضي أحد الخصمين عن إقامة البيّنة . وفيما يلي بيان هاتين الحالتين إجمالاً : أوّلاً : تعجيز المكاتب : 2 - اتّفق الفقهاء على أنّ الكتابة عقد لازم من جانب السّيّد ، وهو : أن يتعاقد السّيّد مع عبده . أو أمته على أن يؤدّي إليه كذا من المال منجّزاً ، أو مؤجّلاً ، ويكون حرّاً . فلا يملك فسخها ، ولا يجوز تعجيز المكاتب قبل عجز المكاتب عن أداء ما عليه . أمّا إن حلّ النّجم ( القسط ) فللسّيّد مطالبته بما حلّ من نجومه ، لأنّه حقّ له . فإن عجز المكاتب عنها ، فهل يحقّ للسّيّد فسخ الكتابة وتعجيز المكاتب أم لا ؟ . ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة : إلى أنّ للسّيّد أن يفسخ الكتابة بنفسه ، دون الرّجوع إلى الحاكم أو السّلطان ، إذا عجز المكاتب عن أداء ما عليه بعد حلول النّجم ، لفعل ابن عمر رضي الله عنهما ذلك . ويرى المالكيّة : أنّه ليس له ذلك ، إلا عن طريق الحاكم أو السّلطان . 3 - وذهب الجمهور كذلك - وهم : الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - إلى أنّه يجوز للمكاتب أن يعجّز نفسه . كأن يقول : أنا عاجز عن كتابتي ، وعند ذلك يجوز للسّيّد الصّبر أو الفسخ ، إمّا عن طريق الحاكم أو بنفسه . كما أنّ للقاضي أن يعجّزه إذا طلب ذلك السّيّد أو ورثته ، بعد حلول النّجم وعدم الوفاء بما كوتب عليه . أمّا الحنابلة فيرون : أنّه ليس للعبد أن يعجّز نفسه إذا كان مقتدراً ، لأنّ عقد الكتابة عندهم لازم من الطّرفين . والتّفاصيل في مصطلح : ( كتابة ) . ثانياً : عجز المدّعي أو المدّعى عليه : 4 - أكثر من استعمل من الفقهاء لفظ التّعجيز هم المالكيّة ، حيث ذهبوا : إلى أنّه إذا انقضت الآجال الّتي ضربها القاضي للمدّعي لإحضار بيّنته ، وفترة التّلوّم ، ولم يأت الشّخص المؤجّل بشيء يوجب له نَظِرَةً ، عجَّزه القاضي ، وأنفذ القضاء عليه ، وسجّل ، وقطع بذلك تبعته عن خصمه ، ثمّ لا يسمع له بعد ذلك حجّة ، ولا تقبل منه بيّنة إن أتى بها ، سواء أكان مدّعيا أم مدّعى عليه . وذهب الشّافعيّة والحنابلة : إلى أنّ المدّعي يمهل إذا طلب مهلة لإحضار البيّنة ، ويترك ما ترك ، لأنّه هو الطّالب للحقّ . أمّا المدّعى عليه فلا يمهل أكثر من ثلاثة أيّام ، ثمّ يحكم بتعجيزه ، ويسقط حقّه في الحلف ، ثمّ يحلف المدّعي فيحكم له . أمّا الحنفيّة فيرون : أنّ القاضي يحكم للمدّعي على المدّعى عليه بنفس النّكول ، بعد أن يكرّر عليه اليمين ثلاث مرّات . لقوله صلى الله عليه وسلم « البيّنةُ على من ادّعى ، واليمين على من أنكر » . والتّفاصيل في مصطلح : ( دعوى ) . تعجيل * التّعريف : 1 - التّعجيل : مصدر عجّل . وهو في اللّغة : الاستحثاث ، وطلب العجلة ، وهي : السّرعة. ويقال : عجّلت إليه المال : أسرعت إليه ، فتعجّله : فأخذه بسرعة وهو في الشّرع : الإتيان بالفعل قبل الوقت المحدّد له شرعاً ، كتعجيل الزّكاة ، أو في أوّل الوقت ، كتعجيل الفطر . الألفاظ ذات الصّلة : الإسراع : 2 - الإسراع : مصدر أسرع ، والسّرعة : اسم منه ، وهي نقيض البطء . والفرق بين الإسراع والتّعجيل كما قال العسكريّ : إنّ السّرعة التّقدّم فيما ينبغي أن يتقدّم فيه ، وهي محمودة ، ونقيضها مذموم ، وهو : الإبطاء . والعجلة التّقدّم فيما لا ينبغي أن يتقدّم فيه ، وهي مذمومة ، ونقيضها محمود، وهو : الأناة. فأمّا قوله تعالى { وَعَجِلْتُ إليكَ رَبِّ لِتَرْضَى } فإنّ ذلك بمعنى : أسرعت . الحكم الإجماليّ : 3 - التّعجيل مشروع في مواضع : كتعجيل تجهيز الميّت ، وقضاء الدّين . وغير مشروع في مواضع : كتعجيل الصّلاة قبل وقتها . والمشروع منه تارة يكون واجباً : كتعجيل التّوبة من الذّنب . وتارة يكون مندوباً : كتعجيل الفطر في رمضان . وتارة يكون مباحاً : كتعجيل الكفّارات ، وتارة يكون مكروهاً أو خلاف الأولى : كتعجيل إخراج الزّكاة قبل الحول . وغير المشروع : منه ما يكون باطلاً، كتعجيل الصّلاة قبل وقتها. أنواع التّعجيل أوّلاً : التّعجيل بالفعل عند وجود سببه أ - التّعجيل بالتّوبة من الذّنب : 4 - تجب التّوبة على كلّ مكلّف على الفور عقيب الذّنب . وقد دلّت على ذلك نصوص الكتاب والسّنّة وإجماع الأمّة . قال اللّه تعالى { إنَّمَا التَّوْبَةُ على اللَّهِ لِلَّذينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيهمْ } . وقوله تعالى : { إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوا إذا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيطَانِ تَذَكَّرُوا فإذا هُمْ مُبْصِرُونَ } . ونقل القرطبيّ وغيره : الإجماع على وجوب تعجيل التّوبة ، وأنّها على الفور . ب - التّعجيل بتجهيز الميّت : 5 - اتّفق الفقهاء على أنّه يندب الإسراع بتجهيز الميّت إذا تيقّن موته ، لما ثبت « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم - لمّا عاد طلحة بن البراء رضي الله عنه - قال : إنّي لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت ، فآذنوني به ، وعجّلوا ، فإنّه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله » . والصّارف عن وجوب التّعجيل : الاحتياط للرّوح ، لاحتماله الإغماء ونحوه . وفي الحديث « أسرعوا بالجنازة ، فإن تكُ صالحةً فخيرٌ تقدّمونها إليه ، وإن يكُ سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم » . ويندب تأخير من مات فجأة أو غرقاً . ج - التّعجيل بقضاء الدّين : 6 - يجب تعجيل الوفاء بالدّين عند استحقاقه ويحرم على القادر المطل فيه . فعن أبي هريرة رضي الله عنه : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : مطل الغنيّ ظلم ، فإن أتبع أحدكم على مليء فليتبع » أي فإن أحيل على موسر فليقبل الحوالة . قال ابن حجر في الفتح : المعنى : أنّه من الظّلم ، وأطلق ذلك للمبالغة في التّنفير عن المطل ، والمراد من المطل هنا : تأخير ما استحقّ أداؤه بغير عذر . د - التّعجيل بإعطاء أجرة الأجير : 7 - ثبت عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال « أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقُه» والأمر بإعطائه قبل جفاف عرقه إنّما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل ، إذا طلب ، وإن لم يعرق ، أو عرق وجفّ . وذلك لأنّ أجره عمالة جسده ، وقد عجّل منفعته ، فإذا عجّلها استحقّ التّعجيل . ومن شأن الباعة : إذا سلّموا قبضوا الثّمن عند التّسليم ، فهو أحقّ وأولى ، إذ كان ثمن مهجته ، لا ثمن سلعته ، فيحرم مطله والتّسويف به مع القدرة . هـ - التّعجيل بتزويج البكر : 8 - استحبّ بعض العلماء التّعجيل بإنكاح البكر إذا بلغت ، لحديث : « يا عليّ : ثلاث لا تؤخّرها : الصّلاة إذا أتت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيّم إذا وجدت لها كفؤاً » واستثنوا ذلك من ذمّ العجلة ، وأنّها من الشّيطان . و - التّعجيل بالإفطار في رمضان : 9 - اتّفق الفقهاء : على أنّ تعجيل الفطر من السّنّة ، لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم « لا يزال النّاس بخير ما عجّلوا الفطر » ولحديث أبي ذرّ رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : لا تزال أمّتي بخير ما عجّلوا الفطر ، وأخّروا السّحور » . وإنّما يسنّ له التّعجيل : إذا تحقّق من غروب الشّمس ، وعدم الشّكّ فيه ، لأنّه إذا شكّ في الغروب حرم عليه الفطر اتّفاقاً ، وأجاز الحنفيّة تعجيل الفطر بغلبة الظّنّ . ز - تعجيل الحاجّ بالنّفر من منى : 10 - يجوز للحاجّ التّعجّل في اليوم الثّاني من أيّام الرّمي ، لقوله تعالى { فَمَنْ تَعَجَّلَ في يَوْمَينِ فلا إِثْمَ عَلَيهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيهِ لِمَنْ اتَّقَى } ولما روى عبد الرّحمن بن يعمر رضي الله عنه : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : أيّام منى ثلاث ، فمن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ، ومن تأخّر فلا إثم عليه » . وشرط جوازه عند الجمهور - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - أن يخرج الحاجّ من منى قبل الغروب ، فيسقط عنه رمي اليوم الثّالث ، فإن لم يخرج حتّى غربت الشّمس لزمه المبيت بمنى ، ورمى اليوم الثّالث . وذلك لأنّ اليوم اسم للنّهار ، فمن أدركه اللّيل فما تعجّل في يومين ، وثبت عن عمر رضي الله عنه أنّه قال " من غربت عليه الشّمس وهو بمنى ، فلا ينفرن ، حتّى يرمي الجمار من أوسط أيّام التّشريق " . ولم يفرّق الشّافعيّة والحنابلة في هذا الشّرط بين المكّيّ والآفاقيّ . وذهب المالكيّة : إلى التّفريق بينهما ، وخصّوا شرط التّعجيل بالمتعجّل من أهل مكّة ، وأمّا إن كان من غيرها فلا يشترط خروجه من منى قبل الغروب من اليوم الثّاني ، وإنّما يشترط نيّة الخروج قبل الغروب من اليوم الثّاني . ولم يشترط الحنفيّة ذلك ، وقالوا : له أن ينفر بعد الغروب مع الكراهة ، ما لم يطلع فجر اليوم الثّالث ، وذلك لأنّه لم يدخل اليوم الآخر ، فجاز له النّفر ، كما قبل الغروب . واختلف الفقهاء في أهل مكّة هل ينفرون النّفر الأوّل ؟ فقيل : ليس لهم ذلك . فقد ثبت عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه أنّه قال : من شاء من النّاس كلّهم أن ينفروا في النّفر الأوّل ، إلّا آل خزيمة ، فلا ينفرون إلّا في النّفر الآخر . وكان أحمد بن حنبل يقول : لا يعجبني لمن نفر النّفر الأوّل أن يقيم بمكّة ، وقال : أهل مكّة أخفّ ، وجعل أحمد معنى قول عمر " إلا آل خزيمة " أي : أنّهم أهل الحرم ، وحمله في المغني على الاستحباب ، محافظة على العموم . وكان مالك يقول في أهل مكّة من كان له عذر فله أن يتعجّل في يومين ، فإن أراد التّخفيف عن نفسه ممّا هو فيه من أمر الحجّ فلا ، فرأى أنّ التّعجيل لمن بعد قطره . وقال أكثر أهل العلم : الآية على العموم ، والرّخصة لجميع النّاس ، أهل مكّة وغيرهم ، سواء أراد الخارج من منى المقام بمكّة ، أو الشّخوص إلى بلده . 11 - واختلف الفقهاء في الأفضليّة بين التّعجيل والتّأخير ، فذهب الجمهور ( الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ) : إلى أنّ تأخير النّفر إلى الثّالث أفضل ، للاقتداء بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم . وذهب المالكيّة : إلى أنّه لا تفضيل بين التّعجيل والتّأخير ، بل هما مستويان . ونصّ الفقهاء على كراهة التّعجيل للإمام ، لأجل من يتأخّر . وأمّا ثمرة التّعجيل فهي سقوط رمي اليوم الثّالث ، ومبيت ليلته عنه . ثانياً : تعجيل الفعل قبل وجوبه أ - التّعجيل بالصّلاة قبل الوقت : 12 - أجمع العلماء : على أنّ لكلّ صلاة من الصّلوات الخمس وقتاً محدّداً ، لا يجوز إخراجها عنه ، لقوله تعالى : { إنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ على المُؤْمِنينَ كِتَابَاً مَوْقُوتَاً } أي : محتّمة مؤقّتة : ولحديث المواقيت المشهور . وقد رخّص الشّارع في تعجيل الصّلاة قبل وقتها في حالات ، منها : 1 - جمع الحاجّ الظّهر والعصر جمع تقديم في عرفة . ب - جواز الجمع للمسافر بين العصرين " الظّهر والعصر " والعشاءين " المغرب والعشاء " تقديماً عند جمهور العلماء ، خلافاً للحنفيّة . 2 - جواز الجمع للمريض ، جمع تقديم عند المالكيّة والحنابلة . 3 - جواز الجمع بين العشاءين تقديماً ، لأجل المطر والثّلج والبرد عند جمهور العلماء " المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة " وزاد الشّافعيّة جوازه بين العصرين أيضاً . 4 - جواز الجمع بين الصّلاتين ، إذا اجتمع الطّين مع الظّلمة ، عند المالكيّة ، وجوّزه الحنابلة بمجرّد الوحل ، في إحدى الرّوايتين ، وصحّحها ابن قدامة . 5 - جواز الجمع لأجل الخوف عند الحنابلة . 6 - جواز الجمع لأجل الرّيح الشّديدة في اللّيلة المظلمة الباردة ، عند الحنابلة ، في أحد الوجهين ، وصحّحه الآمديّ . ب - التّعجيل بإخراج الزّكاة قبل الحول : 13 - ذهب جمهور الفقهاء : إلى جواز تعجيل إخراج الزّكاة قبل الحول في الجملة ، وذلك لأنّ « العبّاس رضي الله عنه سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحلّ ، فرخّص له في ذلك » ، ولأنّه حقّ ماليّ جعل له أجل للرّفق ، فجاز تعجيله قبل أجله ، كالدّين . ولأنّه - كما قال الشّافعيّة - وجب بسببين ، وهما : النّصاب ، والحول : فجاز تقديمه على أحدهما ، كتقديم كفّارة اليمين على الحنث . ومنعه ابن المنذر ، وابن خزيمة من الشّافعيّة ، وأشهب من المالكيّة ، وقال : لا تجزئ قبل محلّه كالصّلاة ، ورواه عن مالك ، ورواه كذلك ابن وهب . قال ابن يونس : وهو الأقرب ، وغيره استحسان . ونصّ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة : على أنّ تركه أفضل ، خروجاً من الخلاف . واختلف الفقهاء في المدّة الّتي يجوز تعجيل الزّكاة فيها : فذهب الحنفيّة : إلى جواز تعجيل الزّكاة لسنين ، لوجود سبب الوجوب ، وهو : ملك النّصاب النّامي . وقيّده الحنابلة بحولين فقط ، اقتصاراً على ما ورد . فقد روى عليّ رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تعجّل من العبّاس رضي الله عنه صدقة سنتين » لقوله صلى الله عليه وسلم : « أمّا العبّاس فهي عليّ ومثلها معها » ولما روى أبو داود من « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تسلّف من العبّاس صدقة عامين » وهو وجه عند الشّافعيّة ، صحّحه الإسنويّ وغيره ، وعزوه للنّصّ . وذهب الشّافعيّة : إلى عدم جواز تعجيل الزّكاة لأكثر من عام ، وذلك : لأنّ زكاة غير العام الأوّل لم ينعقد حولها ، والتّعجيل قبل انعقاد الحول لا يجوز ، كالتّعجيل قبل كمال النّصاب في الزّكاة العينيّة . أمّا المالكيّة : فلم يجيزوا تعجيل الزّكاة لأكثر من شهر قبل الحول على المعتمد ، وتكره عندهم بشهر . وفي المسألة تفصيلات تنظر في الزّكاة . ج - تعجيل الكفّارات : تعجّل كفّارة اليمين قبل الحنث : 14 - ذهب جمهور الفقهاء - المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة - : إلى جواز تعجيل كفّارة اليمين قبل الحنث ، لما روى عبد الرّحمن بن سمرة رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال : يا عبد الرّحمن ، إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفّر عن يمينك ، ثمّ ائت الّذي هو خير » . واستثنى الشّافعيّة الصّوم من خصال الكفّارة ، وقالوا بعدم جواز التّعجيل به قبل الحنث ، وذلك لأنّه عبادة بدنيّة ، فلا يجوز تقديمه على وقت وجوبه بغير حاجة ، كالصّلاة ، وصوم رمضان ، ولأنّه إنّما يجوز التّكفير به عند العجز عن جميع الخصال الماليّة . والعجز إنّما يتحقّق بعد الوجوب . وهو رواية عند الحنابلة . وذهب الحنفيّة : إلى عدم جواز تعجيل كفّارة اليمين قبل الحنث ، لأنّ الكفّارة لستر الجناية ، ولا جناية قبل الحنث . 15 - ثمّ إنّ القائلين بجواز التّعجيل اختلفوا في أيّهما أفضل : التّكفير قبل الحنث أم بعده ؟. فذهب المالكيّة ، والشّافعيّة ، وأحمد في رواية ، وابن أبي موسى ، وصوّبه المرداويّ من الحنابلة : إلى أنّ تأخيرها عن الحنث أفضل ، خروجاً من الخلاف . والرّواية الأخرى عن أحمد على الصّحيح من المذهب : أنّ التّكفير قبل الحنث وبعده في الفضيلة سواء ، وذلك في غير الصّوم ، لتعجيل النّفع للفقراء . تعجيل كفّارة الظّهار : 16 - اختلف الفقهاء في جواز تعجيل كفّارة الظّهار قبل العود ، فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى جواز تعجيلها ، لوجود سببها ، وذلك كتعجيل الزّكاة قبل الحول ، وبعد كمال النّصاب . وذهب المالكيّة : إلى أنّها لا تجزئ قبل العود . وذهب الشّافعيّة : إلى جواز التّعجيل بكفّارة الظّهار قبل العود به ، وذلك بالمال - وهو التّحرير والإطعام - لا بالصّوم ، والمراد بالعود عندهم : إمساك المظاهر منها مدّة يمكن للمظاهر أن يطلّقها فيها ، مع القدرة على الطّلاق . وصورة التّعجيل في كفّارة الظّهار : أن يظاهر من مطلّقته رجعيّا ، ثمّ يكفّر ، ثمّ يراجعها . وعندهم صور أخرى . والمراد بالعود عند الحنفيّة : إرادة العزم على الوطء . وعند المالكيّة هو إرادة الوطء ، مع استدامة العصمة ، كما قاله ابن رشد . تعجيل كفّارة القتل : 17 - يجوز تعجيل كفّارة القتل بعد الجرح ، وقبل الزّهوق ، وتجزئ عنه ، وذلك لتقدّم السّبب ، كتعجيل إخراج الزّكاة قبل الحول . واستثنى الشّافعيّة تعجيل التّكفير بالصّوم ، لأنّه عبادة بدنيّة ، فلا يجوز تقديمه على وقت وجوبه بغير حاجة ، كالصّلاة ، وصوم رمضان . د - التّعجيل بقضاء الدّين المؤجّل : 18 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه لا يجب أداء الدّين المؤجّل قبل حلول أجله ، لكن لو أدّي قبله صحّ ، وسقط عن ذمّة المدين ، وذلك لأنّ الأجل حقّ المدين ، فله إسقاطه ، ويجبر الدّائن على القبول . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية