الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41291" data-attributes="member: 329"><p>اجتماع التّعزير مع الحدّ أو القصاص أو الكفّارة :</p><p>9 - قد يجتمع التّعزير مع الحدّ ، فالحنفيّة لا يرون تغريب الزّاني غير المحصن من حدّ الزّنى . فعندهم أنّ حدّه مائة جلدة لا غير ، ولكنّهم يجيزون تغريبه بعد الجلد ، وذلك على وجه التّعزير . ويجوز تعزير شارب الخمر بالقول ، بعد إقامة حدّ الشّرب عليه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بتبكيت شارب الخمر بعد الضّرب » . والتّبكيت تعزير بالقول ، وممّن قال بذلك : الحنفيّة ، والمالكيّة . </p><p>وقال المالكيّة : إنّ الجارح عمدا يقتصّ منه ويؤدّب . </p><p>ومن ثمّ فالتّعزير قد اجتمع مع القصاص في الاعتداء على ما دون النّفس عمداً . </p><p>والشّافعيّ يجيز اجتماع التّعزير مع القصاص فيما دون النّفس من الجنايات على البدن ، وهو أيضاً يقول بجواز اجتماع التّعزير مع الحدّ ، مثل تعليق يد السّارق في عنقه بعد قطعها ساعة من نهار ، زيادة في النّكال . وقال أحمد بذلك ، لما روى فضالة بن عبيد « أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق ، ثمّ أمر بها فعلّقت في عنقه » . وأنّ عليّاً فعل ذلك ، ومثل : الزّيادة عن الأربعين في حدّ الشّرب ، لأنّ حدّ الشّرب عند الشّافعيّ أربعون . </p><p>وقد يجتمع التّعزير مع الكفّارة . فمن المعاصي ما فيه الكفّارة مع الأدب ، كالجماع في حرام ، وفي نهار رمضان ، ووطء المظاهر منها قبل الكفّارة إذا كان الفعل متعمّداً في جميعها . وقيل بالتّعزير كذلك في حلف اليمين الغموس عند الشّافعيّ ، خلافاً للحنفيّة ، فإنّه لا كفّارة في يمين الغموس ، وفيها التّعزير . وعند مالك في القتل الّذي لا قود فيه ، كالقتل الّذي عفي عن القصاص فيه ، تجب على القاتل الدّية ، وتستحبّ له الكفّارة ، ويضرب مائة ، ويحبس سنة ، وهذا تعزير قد اجتمع مع الكفّارة . </p><p>وقال البعض في القتل شبه العمد : بوجوب التّعزير مع الكفّارة ، لأنّ هذه حقّ اللّه تعالى ، بمنزلة الكفّارة في الخطأ ، وليست لأجل الفعل ، بل هي بدل النّفس الّتي فاتت بالجناية . ونفس الفعل المحرّم - وهو جناية القتل شبه العمد - لا كفّارة فيه . وقد استدلّوا على ذلك : بأنّه إذا جنى شخص على آخر دون أن يتلف شيئاً فإنّه يستحقّ التّعزير ، ولا كفّارة في هذه الجناية . بخلاف ما لو أتلف بلا جناية محرّمة ، فإنّ الكفّارة تجب بلا تعزير . </p><p>وإنّ الكفّارة في شبه العمد بمنزلة الكفّارة على المجامع في الصّيام والإحرام .</p><p>التّعزير حقّ للّه وحقّ للعبد :</p><p>10 - ينقسم التّعزير إلى ما هو حقّ للّه ، وما هو حقّ للعبد . والمراد بالأوّل غالباً : ما تعلّق به نفع العامّة ، وما يندفع به ضرر عامّ عن النّاس ، من غير اختصاص بأحد . والتّعزير هنا من حقّ اللّه ، لأنّ إخلاء البلاد من الفساد واجب مشروع ، وفيه دفع للضّرر عن الأمّة ، وتحقيق نفع عامّ . ويراد بالثّاني : ما تعلّقت به مصلحة خاصّة لأحد الأفراد . وقد يكون التّعزير خالص حقّ اللّه ، كتعزير تارك الصّلاة ، والمفطر عمداً في رمضان بغير عذر ، ومن يحضر مجلس الشّراب . </p><p>وقد يكون لحقّ اللّه وللفرد ، مع غلبة حقّ اللّه ، كنحو تقبيل زوجة آخر وعناقها . </p><p>وقد تكون الغلبة لحقّ الفرد ، كما في السّبّ والشّتم والمواثبة . </p><p>وقد قيل بحالات يكون فيها التّعزير لحقّ الفرد وحده ، كالصّبيّ يشتم رجلاً لأنّه غير مكلّف بحقوق اللّه تعالى فيبقى تعزيره متمحّضاً لحقّ المشتوم . </p><p>وتظهر أهمّيّة التّفرقة بين نوعي التّعزير في أمور : </p><p>منها : أنّ التّعزير الواجب حقّا للفرد أو الغالب فيه حقّه - وهو يتوقّف على الدّعوى - إذا طلبه صاحب الحقّ فيه لزمت إجابته ، ولا يجوز للقاضي فيه الإسقاط ، ولا يجوز فيه العفو أو الشّفاعة من وليّ الأمر . </p><p>أمّا التّعزير الّذي يجب حقّاً للّه فإنّ العفو فيه من وليّ الأمر جائز ، وكذلك الشّفاعة إن كانت في ذلك مصلحة ، أو حصل انزجار الجاني بدونه . وقد روي عن الرّسول صلى الله عليه وسلم قوله : « اشفعوا تؤجروا ويقضي اللّه على لسان نبيّه ما يشاء » . </p><p>وقد حصل الخلاف في التّعزير هل هو واجب على وليّ الأمر أم لا فمالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد قالوا بوجوب التّعزير فيما شرع فيه . </p><p>وقال الشّافعيّ : إنّه ليس بواجب ، استناداً إلى « أنّ رجلاً قال للرّسول صلى الله عليه وسلم : إنّي لقيت امرأة فأصبت منها دون أن أطأها . فقال صلى الله عليه وسلم أصلّيت معنا ؟ قال نعم : فتلا عليه آية : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفَاً مِنَ اللَّيلِ إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } » . وإلى قوله صلى الله عليه وسلم في الأنصار . « اقبلوا من محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم » وإلى « أنّ رجلاً قال للرّسول صلى الله عليه وسلم في حُكْمٍ حَكَمَ به للزّبير لم يرقه : إن كان ابن عمّتك ، فغضب . ولم ينقل أنّه عزّره » . </p><p>وقال آخرون ، ومنهم بعض الحنابلة : إنّ ما كان من التّعزير منصوصاً عليه كوطء جارية مشتركة يجب امتثال الأمر فيه . </p><p>أمّا ما لم يرد فيه نصّ فإنّه يجب إذا كانت فيه مصلحة ، أو كان لا ينزجر الجاني إلا به ، فإنّه يجب كالحدّ ، أمّا إذا علم أنّ الجاني ينزجر بدون التّعزير فإنّه لا يجب . ويجوز للإمام فيه العفو إن كانت فيه مصلحة ، وكان من حقّ اللّه تعالى ، خلاف ما هو من حقّ الأفراد .</p><p>التّعزير عقوبة مفوّضة : </p><p>المراد بالتّفوّض وأحكامه :</p><p>11 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وهو الرّاجح عن الحنفيّة : أنّ التّعزير عقوبة مفوّضة إلى رأي الحاكم ، وهذا التّفويض في التّعزير من أهمّ أوجه الخلاف بينه وبين الحدّ الّذي هو عقوبة مقدّرة من الشّارع . وعلى الحاكم في تقدير عقوبة التّعزير مراعاة حال الجريمة والمجرم . أمّا مراعاة حال الجريمة فللفقهاء فيه نصوص كثيرة ، منه قول الأستروشنيّ : ينبغي أن ينظر القاضي إلى سببه ، فإن كان من جنس ما يجب به الحدّ ولم يجب لمانع وعارض ، يبلغ التّعزير أقصى غاياته . </p><p>وإن كان من جنس ما لا يجب الحدّ لا يبلغ أقصى غاياته ، ولكنّه مفوّض إلى رأي الإمام . </p><p>وأمّا مراعاة حال المجرم فيقول الزّيلعيّ : إنّه في تقدير التّعزير ينظر إلى أحوال الجانين ، فإنّ من النّاس من ينزجر باليسير . ومنهم من لا ينزجر إلا بالكثير . يقول ابن عابدين : إنّ التّعزير يختلف باختلاف الأشخاص ، فلا معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه ، فيكون مفوّضا إلى رأي القاضي ، يقيمه بقدر ما يرى المصلحة فيه . </p><p>ويقول السّنديّ : إنّ أدنى التّعزير على ما يجتهد الإمام في الجاني ، بقدر ما يعلم أنّه ينزجر به ، لأنّ المقصود من التّعزير الزّجر ، والنّاس تختلف أحوالهم في الانزجار ، فمنهم من يحصل له الزّجر بأقلّ الضّربات ، ويتغيّر بذلك . ومنهم من لا يحصل له الزّجر بالكثير من الضّرب . ونقل عن أبي يوسف : إنّ التّعزير يختلف على قدر احتمال المضروب . </p><p>وقد منع بعض الحنفيّة تفويض التّعزير ، وقالوا بعدم تفويض ذلك للقاضي ، لاختلاف حال القضاة ، وهذا هو الّذي قال به الطّرسوسيّ في شرح منظومة الكنز . وقد أيّدوا هذا الرّأي بأنّ المراد من تفويض التّعزير إلى رأي القاضي ليس معناه التّفويض لرأيه مطلقا ، بل المقصود القاضي المجتهد . وقد ذكر السّنديّ : أنّ عدم التّفويض هو الرّأي الضّعيف عند الحنفيّة . وقال أبو بكر الطّرسوسيّ في أخبار الخلفاء المتقدّمين : إنّهم كانوا يراعون قدر الجاني وقدر الجناية ، فمن الجانين من يضرب ، ومنهم من يحبس ، ومنهم من يقام واقفا على قدميه في المحافل ، ومنهم من ينتزع عمامته ، ومنهم من يحلّ حزامه . </p><p>ونصّ المالكيّة : على أنّ التّعزير يختلف من حيث المقادير ، والأجناس ، والصّفات ، باختلاف الجرائم ، من حيث كبرها ، وصغرها ، وبحسب حال المجرم نفسه ، وبحسب حال القائل والمقول فيه والقول ، وهو موكول إلى اجتهاد الإمام . </p><p>قال القرافيّ : إنّ التّعزير يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، وتطبيقا لذلك قال ابن فرحون : ربّ تعزير في بلد يكون إكراما في بلد آخر ، كقطع الطّيلسان ليس تعزيراً في الشّام بل إكرام ، وكشف الرّأس عند الأندلسيّين ليس هواناً مع أنّه في مصر والعراق هوان . وقال : إنّه يلاحظ في ذلك أيضا نفس الشّخص ، فإنّ في الشّام مثلاً من كانت عادته الطّيلسان وألفه - من المالكيّة وغيرهم - يعتبر قطعه تعزيرا لهم . فما ذكر ظاهر منه : أنّ الأمر لم يقتصر على اختلاف التّعزير باختلاف الزّمان والمكان والأشخاص ، مع كون الفعل محلاً لذلك ، بل إنّ هذا الاختلاف قد يجعل الفعل نفسه غير معاقب عليه ، بل قد يكون مكرمة .</p><p>الأنواع الجائزة في عقوبة التّعزير :</p><p>12 - يجوز في مجال التّعزير : إيقاع عقوبات مختلفة ، يختار منها الحاكم في كلّ حالة ما يراه مناسبا محقّقا لأغراض التّعزير . وهذه العقوبات قد تنصبّ على البدن ، وقد تكون مقيّدة للحرّيّة ، وقد تصيب المال ، وقد تكون غير ذلك . وفيما يلي بيان هذا الإجمال . العقوبات البدنيّة :</p><p>أ - التّعزير بالقتل :</p><p>13 - الأصل : أنّه لا يبلغ بالتّعزير القتل ، وذلك لقول اللّه تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتيْ حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ } وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا يحلّ دمُ امرئ مسلم إلّا بإحدى ثلاث : الثّيّبُ الزّاني ، والنّفسُ بالنّفس ، والتّاركُ لدينه المفارق للجماعة » . </p><p>وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معيّنة بشروط مخصوصة ، من ذلك : قتل الجاسوس المسلم إذا تجسّس على المسلمين ، وذهب إلى جواز تعزيره بالقتل مالك وبعض أصحاب أحمد ، ومنعه أبو حنيفة ، والشّافعيّ ، وأبو يعلى من الحنابلة . </p><p>وتوقّف فيه أحمد . ومن ذلك : قتل الدّاعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسّنّة كالجهميّة . ذهب إلى ذلك كثير من أصحاب مالك ، وطائفة من أصحاب أحمد . </p><p>وأجاز أبو حنيفة التّعزير بالقتل فيما تكرّر من الجرائم ، إذا كان جنسه يوجب القتل ، كما يقتل من تكرّر منه اللّواط أو القتل بالمثقّل . وقال ابن تيميّة : وقد يستدلّ على أنّ المفسد إذا لم ينقطع شرّه إلا بقتله فإنّه يقتل ، لما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعيّ رضي الله عنه قال : « سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشقّ عصاكم ، أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه »</p><p>ب - التّعزير بالجلد :</p><p>14 - الجلد في التّعزير مشروع ، ودليله قول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط ، إلا في حدّ من حدود اللّه تعالى » . </p><p>وفي الحريسة الّتي تؤخذ من مراتعها غرم ثمنها مرّتين ، وضرب نكال . وكذلك الحكم في سرقة التّمر يؤخذ من أكمامه ، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال « سئل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عن التّمر المعلّق ، فقال : من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غير متّخذ خبنة فلا شيء عليه ، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ، ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجنّ فعليه القطع » رواه النّسائيّ وأبو داود . وفي رواية قال « سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عن الحريسة الّتي توجد في مراتعها ؟ قال : فيها ثمنها مرّتين ، وضرب نكال . وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجنّ . قال : يا رسول اللّه ، فالثّمار وما أخذ منها في أكمامها ؟ قال : من أخذ بفمه ولم يتّخذ خبنة فليس عليه شيء ، ومن احتمل فعليه ثمنه مرّتين ، وضرب نكال ، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع ، إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجنّ » رواه أحمد والنّسائيّ . ولابن ماجه معناه ، وزاد النّسائيّ في آخره : « وما لم يبلغ ثمن المجنّ ففيه غرامة مثليه ، وجلدات نكال » . وقد سار على هذه العقوبة في التّعزير الخلفاء الرّاشدون ومن بعدهم من الحكّام ، ولم ينكر عليهم أحد .</p><p>مقدار الجلد في التّعزير :</p><p>15 - ممّا لا خلاف فيه عند الحنفيّة : أنّ التّعزير لا يبلغ الحدّ ، لحديث : « من بلغ حدّاً في غير حدّ فهو من المعتدين » واختلف الحنفيّة في أقصى الجلد في التّعزير : </p><p>فيرى أبو حنيفة : أنّه لا يزيد عن تسعة وثلاثين سوطا بالقذف والشّرب ، أخذا عن الشّعبيّ ، إذ صرف كلمة الحدّ في الحديث إلى حدّ الأرقّاء وهو أربعون . </p><p>وأبو يوسف قال بذلك أوّلا ، ثمّ عدل عنه إلى اعتبار أقلّ حدود الأحرار وهو ثمانون جلدة . </p><p>وجه ما ذهب إليه أبو حنيفة : أنّ الحديث ذكر حدّا منكّرا ، وأربعون جلدة حدّ كامل في الأرقّاء عند الحنفيّة في القذف والشّرب ، فينصرف إلى الأقلّ . </p><p>وأبو يوسف اعتمد على أنّ الأصل في الإنسان الحرّيّة ، وحدّ العبد نصف حدّ الحرّ ، فليس حدّاً كاملاً ، ومطلق الاسم ينصرف إلى الكامل في كلّ باب . وفي عدد الجلدات روايتان عن أبي يوسف : إحداهما : أنّ التّعزير يصل إلى تسعة وسبعين سوطا ، وهي رواية هشام عنه ، وقد أخذ بذلك زفر ، وهو قول عبد الرّحمن بن أبي ليلى ، وهو القياس ، لأنّه ليس حدّاً فيكون من أفراد المسكوت عن النّهي عنه في حديث : « من بلغ حدّاً في غير حدّ . . . » </p><p>والثّانية : وهي ظاهر الرّواية عن أبي يوسف : أنّ التّعزير لا يزيد على خمسة وسبعين سوطاً ، وروي ذلك أثرا عن عمر رضي الله عنه ، كما روي عن عليّ رضي الله عنه أيضاً ، وأنّهما قالا : في التّعزير خمسة وسبعون . وأنّ أبا يوسف أخذ بقولهما في نقصان الخمسة ، واعتبر عملهما أدنى الحدود . </p><p>وعند المالكيّة قال المازريّ : إنّ تحديد العقوبة لا سبيل إليه عند أحد من أهل المذهب ، وقال : إنّ مذهب مالك يجيز في العقوبات فوق الحدّ . </p><p>وحكي عن أشهب : أنّ المشهور أنّه قد يزاد على الحدّ . وعلى ذلك فالرّاجح لدى المالكيّة : أنّ الإمام له أن يزيد التّعزير عن الحدّ ، مع مراعاة المصلحة الّتي لا يشوبها الهوى . </p><p>وممّا استدلّ به المالكيّة : فعل عمر في معن بن زياد لمّا زوّر كتابا على عمر وأخذ به من صاحب بيت المال مالا ، إذ جلده مائة ، ثمّ مائة أخرى ، ثمّ ثالثة ، ولم يخالفه أحد من الصّحابة فكان إجماعاً ، كما أنّه ضرب صبيغ بن عسل أكثر من الحدّ . وروى أحمد بإسناده أنّ عليّا رضي الله عنه أتي بالنّجاشيّ قد شرب خمرا في رمضان فجلده ثمانين ( الحدّ ) وعشرين سوطا ، لفطره في رمضان . </p><p>كما روي : أنّ أبا الأسود استخلفه ابن عبّاس رضي الله عنهما على قضاء البصرة فأتي بسارق قد جمع المتاع في البيت ولم يخرجه ، فضربه خمسة وعشرين سوطا وخلّى سبيله . وقالوا في حديث أبي بردة رضي الله عنه : « لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود اللّه » إنّه مقصور على زمن الرّسول صلى الله عليه وسلم ، لأنّه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر ، وتأوّلوه على أنّ المراد بقوله : في حدّ ، أي في حقّ من حقوق اللّه تعالى ، وإن لم يكن من المعاصي المقدّر حدودها لأنّ المعاصي كلّها من حدود اللّه تعالى . </p><p>وعند الشّافعيّة : أنّ التّعزير إن كان بالجلد فإنّه يجب أن ينقص عن أقلّ حدود من يقع عليه التّعزير ، فينقص في العبد عن عشرين ، وفي الحرّ عن أربعين ، وهو حدّ الخمر عندهم ، وقيل بوجوب النّقص فيهما عن عشرين ، لحديث : « من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين » ويستوي في النّقص عمّا ذكر جميع الجرائم على الأصحّ عندهم . وقيل بقياس كلّ جريمة بما يليق بها ممّا فيه أو في جنسه حدّ ، فينقص على سبيل المثال تعزير مقدّمة الزّنى عن حدّه ، وإن زاد على حدّ القذف ، وتعزير السّبّ عن حدّ القذف ، وإن زاد على حدّ الشّرب . وقيل في مذهب الشّافعيّة : لا يزيد في أكثر الجلد في التّعزير عن عشر جلدات أخذا بحديث أبي بردة : « لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود اللّه » لما اشتهر من قول الشّافعيّ : إذا صحّ الحديث فهو مذهبي ، وقد صحّ هذا الحديث . </p><p>وعند الحنابلة : اختلفت الرّواية عن أحمد في قدر جلد التّعزير ، فروي أنّه لا يبلغ الحدّ . وقد ذكر الخرقيّ هذه الرّواية ، والمقصود بمقتضاها : أنّه لا يبلغ بالتّعزير أدنى حدّ مشروع ، فلا يبلغ بالتّعزير أربعين ، لأنّ الأربعين حدّ العبد في الخمر والقذف ، ولا يجاوز تسعة وثلاثين سوطاً في الحرّ ، ولا تسعة عشر في العبد على القول بأنّ حدّ الخمر أربعون سوطاً. ونصّ مذهب أحمد : أن لا يزاد على عشر جلدات في التّعزير ، للأثر : « لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلّا في حدّ . . . » إلا ما ورد من الآثار مخصّصا لهذا الحديث ، كوطء جارية امرأته بإذنها ، ووطء جارية مشتركة المرويّ عن عمر . </p><p>قال ابن قدامة : ويحتمل كلام أحمد والخرقيّ : أنّه لا يبلغ التّعزير في كلّ جريمة حدّا مشروعاً في جنسها ، ويجوز أن يزيد على حدّ غير جنسها ، وقد روي عن أحمد ما يدلّ على هذا . واستدلّ بما روي عن النّعمان بن بشير رضي الله عنهما فيمن وطئ جارية امرأته بإذنها : أنّه يجلد مائة جلدة ، وهذا تعزير ، لأنّ عقاب هذه الجريمة للمحصن الرّجم ، وبما روي عن سعيد بن المسيّب عن عمر رضي الله عنه في الرّجل الّذي وطئ أمة مشتركة بينه وآخر : أنّه يجلد الحدّ إلّا سوطاً واحداً ، وقد احتجّ بهذا الحديث أحمد . </p><p>وقد زاد ابن تيميّة وابن القيّم رأياً رابعاً : هو أنّ التّعزير يكون بحسب المصلحة ، وعلى قدر الجريمة ، فيجتهد فيه وليّ الأمر على ألا يبلغ التّعزير فيما فيه حدّ مقدّر ذلك المقدّر ، فالتّعزير على سرقة ما دون النّصاب مثلا لا يبلغ به القطع ، وقالا : إنّ هذا هو أعدل الأقوال ، وإنّ السّنّة دلّت عليه ، كما مرّ في ضرب الّذي أحلّت له امرأته جاريتها مائة لا الحدّ وهو الرّجم ، كما أنّ عليّا وعمر رضي الله عنهما ضربا رجلا وامرأة وجدا في لحاف واحد مائة مائة ، وحكم عمر رضي الله عنه فيمن قلّد خاتم بيت المال بضربه ثلاثمائة على مرّات ، وضرب صبيغ بن عسل للبدعة ضربا كثيرا لم يعدّه . </p><p>وخلاصة مذهب الحنابلة : أنّ فيه من يقول بأنّ التّعزير لا يزيد على عشر جلدات ، ومن يقول : بأنّه لا يزيد على أقلّ الحدود ، ومن يقول : بأنّه لا يبلغ في جريمة قدر الحدّ فيها ، وهناك من يقول : بأنّه لا يتقيّد بشيء من ذلك ، وأنّه يكون بحسب المصلحة ، وعلى قدر الجريمة ، فيما ليس فيه حدّ مقدّر . والرّاجح عندهم التّحديد سواء أكان بعشر جلدات أم بأقلّ من أدنى الحدود أم بأقلّ من الحدّ المقرّر لجنس الجريمة . </p><p>وما ذكر هو عن الحدّ الأعلى ، أمّا عن الحدّ الأدنى فقد قال القدوريّ : إنّه ثلاث جلدات ، لأنّ هذا العدد أقلّ ما يقع به الزّجر . ولكنّ غالبيّة الحنفيّة على أنّ الأمر في أقلّ جلد التّعزير مرجعه الحاكم ، بقدر ما يعلم أنّه يكفي للزّجر . </p><p>وقال في الخلاصة : إنّ اختيار التّعزير إلى القاضي من واحد إلى تسعة وثلاثين ، وقريب من ذلك تصريح ابن قدامة ، فقد قال : إنّ أقلّ التّعزير ليس مقدّراً فيرجع فيه إلى اجتهاد الإمام أو الحاكم فيما يراه وما تقتضيه حال الشّخص .</p><p>ج - التّعزير بالحبس :</p><p>16 - الحبس مشروع بالكتاب والسّنّة والإجماع أمّا الكتاب فقوله تعالى : { وَالَّلائِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيهنَّ أَرْبَعةً مِنْكُمْ فإنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ في البُيوتِ حتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ المَوتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } وقوله : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه وَيَسْعَونَ في الأَرْضِ فَسَادَاً أنْ يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أَيدِيهمْ وَأرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أو يُنْفَوا من الأرْضِ } . فقد قال الزّيلعيّ : إنّ المقصود بالنّفي هنا الحبس . </p><p>وأمّا السّنّة فقد ثبت : « أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم حبس بالمدينة أناساً في تهمة دم ، وحكم بالضّرب والسّجن ، وأنّه قال فيمن أمسك رجلاً لآخر حتّى قتله : اقتلوا القاتل ، واصبروا الصّابر » . وفسّرت عبارة « اصبروا الصّابر » بحبسه حتّى الموت ، لأنّه حبس المقتول للموت بإمساكه إيّاه . </p><p>وأمّا الإجماع فقد أجمع الصّحابة رضي الله عنهم ، ومن بعدهم ، على المعاقبة بالحبس . واتّفق الفقهاء على أنّ الحبس يصلح عقوبة في التّعزير . وممّا جاء في هذا المقام : أنّ عمر رضي الله عنه سجن الحطيئة على الهجو ، وسجن صبيغا على سؤاله عن الذّاريات ، والمرسلات ، والنّازعات ، وشبهه ، وأنّ عثمان رضي الله عنه سجن ضابئ بن الحارث ، وكان من لصوص بني تميم وفتّاكهم ، وأنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه سجن بالكوفة . وأنّ عبد اللّه بن الزّبير رضي الله عنه سجن بمكّة ، وسجن في " دارم " محمّد بن الحنفيّة لمّا امتنع عن بيعته .</p><p>مدّة الحبس في التّعزير :</p><p>17 - الأصل أنّ تقدير مدّة الحبس يرجع إلى الحاكم ، مع مراعاة ظروف الشّخص ، والجريمة والزّمان والمكان . وقد أشار الزّيلعيّ إلى ذلك بقوله : ليس للحبس مدّة مقدّرة . وقال الماورديّ : إنّ الحبس تعزيرا يختلف باختلاف المجرم ، وباختلاف الجريمة ، فمن الجانين من يحبس يوما ، ومنهم من يحبس أكثر ، إلى غاية غير مقدّرة . </p><p>لكنّ الشّربينيّ من الشّافعيّة ، ذكر أنّ شرط الحبس : النّقص عن سنة ، كما نصّ عليه الشّافعيّ في الأمّ ، وصرّح به معظم الأصحاب . وأطلق الحنابلة في تقدير المدّة .</p><p>د - التّعزير بالنّفي " التّغريب " :</p><p>مشروعيّة التّعزير بالنّفي :</p><p>18 - التّعزير بالنّفي مشروع بلا خلاف بين الفقهاء ، ودليل مشروعيّته : الكتاب والسّنّة والإجماع . أمّا الكتاب فقوله تعالى : { أَوْ يُنْفَوْا مِن الأرْضِ } ومن ثمّ فهو عقوبة مشروعة في الحدود . وأمّا السّنّة : « فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى بالنّفي تعزيرا في المخنّثين ، إذ نفاهم من المدينة » . </p><p>وأمّا الإجماع : فإنّ عمر رضي الله عنه نفى نصر بن حجّاج لافتتان النّساء به ، ولم ينكر عليه أحد من الصّحابة . </p><p>ويجوز كون التّغريب لأكثر من مسافة القصر ، لأنّ عمر غرّب من المدينة نصر بن حجّاج إلى البصرة ، ونفى عثمان رضي الله عنه إلى مصر، ونفى عليّ رضي الله عنه إلى البصرة. ويشترط أن يكون التّغريب لبلد معيّن ، فلا يرسل المحكوم عليه به إرسالاً ، وليس له أن يختار غير البلد المعيّن لإبعاده ، ولا يجوز أن يكون تغريب الجاني لبلده . </p><p>ويرى الشّافعيّ : أن لا تقلّ المسافة بين بلد الجاني والبلد المغرّب إليه عن مسيرة يوم وليلة ويرى ابن أبي ليلى : أن ينفى الجاني إلى بلد غير البلد الّذي ارتكبت فيه الجريمة بحيث تكون المسافة بين البلد الّذي ينفى إليه وبلد الجريمة ، دون مسيرة سفر .</p><p>مدّة التّغريب :</p><p>19 - لا يعتبر أبو حنيفة التّغريب في الزّنى حدّاً ، بل يعتبره من التّعزير ، ويترتّب على ذلك : أنّه يجيز أن يزيد من حيث المدّة عن سنة . </p><p>ويجوز عند مالك أن يزيد التّغريب في التّعزير عن سنة ، مع أنّ التّغريب عنده في الزّنى حدّ ، لأنّه يقول بنسخ حديث : « من بلغ حدّاً في غير حدّ فهو من المعتدين » . </p><p>والرّاجح عند المالكيّة : أنّ للإمام أن يزيد في التّعزير عن الحدّ ، مع مراعاة المصلحة غير المشوبة بالهوى . </p><p>وعلى ذلك بعض فقهاء الشّافعيّة ، والحنابلة . ويرى البعض الآخر منهم : أنّ مدّة التّغريب في التّعزير لا يجوز أن تصل إلى سنة ، لأنّهم يعتبرون التّغريب في جريمة الزّنى حدّا ، وإذا كانت مدّته فيها عاما فلا يجوز عندهم في التّعزير أن يصل التّغريب لعام ، لحديث : « من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين » . وتفصيله في ( نفي ) .</p><p>هـ - التّعزير بالمال : </p><p>مشروعيّة التّعزير بالمال :</p><p>20 - الأصل في مذهب أبي حنيفة : أنّ التّعزير بأخذ المال غير جائز ، فأبو حنيفة ومحمّد لا يجيزانه ، بل إنّ محمّدا لم يذكره في كتاب من كتبه . أمّا أبو يوسف فقد روي عنه : أنّ التّعزير بأخذ المال من الجاني جائز إن رؤيت فيه مصلحة . </p><p>وقال الشبراملسي : ولا يجوز على الجديد بأخذ المال . يعني لا يجوز التّعزير بأخذ المال في مذهب الشّافعيّ الجديد ، وفي المذهب القديم : يجوز . </p><p>أمّا في مذهب مالك في المشهور عنه ، فقد قال ابن فرحون : التّعزير بأخذ المال قال به المالكيّة . وقد ذكر مواضع مخصوصة يعزّر فيها بالمال ، وذلك في قوله : سئل مالك عن اللّبن المغشوش أيراق ؟ قال : لا ، ولكن أرى أن يتصدّق به ، إذا كان هو الّذي غشّه . وقال في الزّعفران والمسك المغشوش مثل ذلك ، سواء كان ذلك قليلاً أو كثيراً ، وخالفه ابن القاسم في الكثير ، وقال : يباع المسك والزّعفران على ما يغشّ به ، ويتصدّق بالثّمن أدباً للغاشّ . وأفتى ابن القطّان الأندلسيّ في الملاحف الرّديئة النّسج بأن تحرّق . وأفتى ابن عتّاب : بتقطيعها والصّدقة بها خرقاً . </p><p>وعند الحنابلة يحرم التّعزير بأخذ المال أو إتلافه ، لأنّ الشّرع لم يرد بشيء من ذلك عمّن يقتدى به . وخالف ابن تيميّة وابن القيّم ، فقالا : إنّ التّعزير بالمال سائغ إتلافاً وأخذاً . واستدلا لذلك بأقضية للرّسول صلى الله عليه وسلم كإباحته سلب من يصطاد في حرم المدينة لمن يجده ، وأمره بكسر دنان الخمر ، وشقّ ظروفها ، وأمره عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما بحرق الثّوبين المعصفرين ، وتضعيفه الغرامة على من سرق من غير حرز ، وسارق ما لا قطع فيه من الثّمر والكثر ، وكاتم الضّالّة . ومنها أقضيّة الخلفاء الرّاشدين ، مثل أمر عمر وعليّ رضي الله عنهما بتحريق المكان الّذي يباع فيه الخمر ، وأخذ شطر مال مانع الزّكاة ، وأمر عمر بتحريق قصر سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه الّذي بناه حتّى يحتجب فيه عن النّاس . وقد نفّذ هذا الأمر محمّد بن مسلمة رضي الله عنه .</p><p>أنواع التّعزير بالمال :</p><p>التّعزير بالمال يكون بحبسه أو بإتلافه ، أو بتغيير صورته ، أو بتمليكه للغير . </p><p>أ - حبس المال عن صاحبه :</p><p>21 - وهو أن يمسك القاضي شيئا من مال الجاني مدّة زجرا له ، ثمّ يعيده له عندما تظهر توبته ، وليس معناه أخذه لبيت المال ، لأنّه لا يجوز أخذ مال إنسان بغير سبب شرعيّ يقتضي ذلك . وفسّره على هذا الوجه أبو يحيى الخوارزميّ . </p><p>ونظيره ما يفعل في خيول البغاة وسلاحهم ، فإنّها تحبس عنهم مدّة وتعاد إليهم إذا تابوا . </p><p>وصوّب هذا الرّأي الإمام ظهير الدّين التّمرتاشيّ الخوارزميّ . </p><p>أمّا إذا صار ميئوساً من توبته ، فإنّ للحاكم أن يصرف هذا المال فيما يرى فيه المصلحة .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41291, member: 329"] اجتماع التّعزير مع الحدّ أو القصاص أو الكفّارة : 9 - قد يجتمع التّعزير مع الحدّ ، فالحنفيّة لا يرون تغريب الزّاني غير المحصن من حدّ الزّنى . فعندهم أنّ حدّه مائة جلدة لا غير ، ولكنّهم يجيزون تغريبه بعد الجلد ، وذلك على وجه التّعزير . ويجوز تعزير شارب الخمر بالقول ، بعد إقامة حدّ الشّرب عليه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بتبكيت شارب الخمر بعد الضّرب » . والتّبكيت تعزير بالقول ، وممّن قال بذلك : الحنفيّة ، والمالكيّة . وقال المالكيّة : إنّ الجارح عمدا يقتصّ منه ويؤدّب . ومن ثمّ فالتّعزير قد اجتمع مع القصاص في الاعتداء على ما دون النّفس عمداً . والشّافعيّ يجيز اجتماع التّعزير مع القصاص فيما دون النّفس من الجنايات على البدن ، وهو أيضاً يقول بجواز اجتماع التّعزير مع الحدّ ، مثل تعليق يد السّارق في عنقه بعد قطعها ساعة من نهار ، زيادة في النّكال . وقال أحمد بذلك ، لما روى فضالة بن عبيد « أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم قطع يد سارق ، ثمّ أمر بها فعلّقت في عنقه » . وأنّ عليّاً فعل ذلك ، ومثل : الزّيادة عن الأربعين في حدّ الشّرب ، لأنّ حدّ الشّرب عند الشّافعيّ أربعون . وقد يجتمع التّعزير مع الكفّارة . فمن المعاصي ما فيه الكفّارة مع الأدب ، كالجماع في حرام ، وفي نهار رمضان ، ووطء المظاهر منها قبل الكفّارة إذا كان الفعل متعمّداً في جميعها . وقيل بالتّعزير كذلك في حلف اليمين الغموس عند الشّافعيّ ، خلافاً للحنفيّة ، فإنّه لا كفّارة في يمين الغموس ، وفيها التّعزير . وعند مالك في القتل الّذي لا قود فيه ، كالقتل الّذي عفي عن القصاص فيه ، تجب على القاتل الدّية ، وتستحبّ له الكفّارة ، ويضرب مائة ، ويحبس سنة ، وهذا تعزير قد اجتمع مع الكفّارة . وقال البعض في القتل شبه العمد : بوجوب التّعزير مع الكفّارة ، لأنّ هذه حقّ اللّه تعالى ، بمنزلة الكفّارة في الخطأ ، وليست لأجل الفعل ، بل هي بدل النّفس الّتي فاتت بالجناية . ونفس الفعل المحرّم - وهو جناية القتل شبه العمد - لا كفّارة فيه . وقد استدلّوا على ذلك : بأنّه إذا جنى شخص على آخر دون أن يتلف شيئاً فإنّه يستحقّ التّعزير ، ولا كفّارة في هذه الجناية . بخلاف ما لو أتلف بلا جناية محرّمة ، فإنّ الكفّارة تجب بلا تعزير . وإنّ الكفّارة في شبه العمد بمنزلة الكفّارة على المجامع في الصّيام والإحرام . التّعزير حقّ للّه وحقّ للعبد : 10 - ينقسم التّعزير إلى ما هو حقّ للّه ، وما هو حقّ للعبد . والمراد بالأوّل غالباً : ما تعلّق به نفع العامّة ، وما يندفع به ضرر عامّ عن النّاس ، من غير اختصاص بأحد . والتّعزير هنا من حقّ اللّه ، لأنّ إخلاء البلاد من الفساد واجب مشروع ، وفيه دفع للضّرر عن الأمّة ، وتحقيق نفع عامّ . ويراد بالثّاني : ما تعلّقت به مصلحة خاصّة لأحد الأفراد . وقد يكون التّعزير خالص حقّ اللّه ، كتعزير تارك الصّلاة ، والمفطر عمداً في رمضان بغير عذر ، ومن يحضر مجلس الشّراب . وقد يكون لحقّ اللّه وللفرد ، مع غلبة حقّ اللّه ، كنحو تقبيل زوجة آخر وعناقها . وقد تكون الغلبة لحقّ الفرد ، كما في السّبّ والشّتم والمواثبة . وقد قيل بحالات يكون فيها التّعزير لحقّ الفرد وحده ، كالصّبيّ يشتم رجلاً لأنّه غير مكلّف بحقوق اللّه تعالى فيبقى تعزيره متمحّضاً لحقّ المشتوم . وتظهر أهمّيّة التّفرقة بين نوعي التّعزير في أمور : منها : أنّ التّعزير الواجب حقّا للفرد أو الغالب فيه حقّه - وهو يتوقّف على الدّعوى - إذا طلبه صاحب الحقّ فيه لزمت إجابته ، ولا يجوز للقاضي فيه الإسقاط ، ولا يجوز فيه العفو أو الشّفاعة من وليّ الأمر . أمّا التّعزير الّذي يجب حقّاً للّه فإنّ العفو فيه من وليّ الأمر جائز ، وكذلك الشّفاعة إن كانت في ذلك مصلحة ، أو حصل انزجار الجاني بدونه . وقد روي عن الرّسول صلى الله عليه وسلم قوله : « اشفعوا تؤجروا ويقضي اللّه على لسان نبيّه ما يشاء » . وقد حصل الخلاف في التّعزير هل هو واجب على وليّ الأمر أم لا فمالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد قالوا بوجوب التّعزير فيما شرع فيه . وقال الشّافعيّ : إنّه ليس بواجب ، استناداً إلى « أنّ رجلاً قال للرّسول صلى الله عليه وسلم : إنّي لقيت امرأة فأصبت منها دون أن أطأها . فقال صلى الله عليه وسلم أصلّيت معنا ؟ قال نعم : فتلا عليه آية : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفَاً مِنَ اللَّيلِ إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } » . وإلى قوله صلى الله عليه وسلم في الأنصار . « اقبلوا من محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم » وإلى « أنّ رجلاً قال للرّسول صلى الله عليه وسلم في حُكْمٍ حَكَمَ به للزّبير لم يرقه : إن كان ابن عمّتك ، فغضب . ولم ينقل أنّه عزّره » . وقال آخرون ، ومنهم بعض الحنابلة : إنّ ما كان من التّعزير منصوصاً عليه كوطء جارية مشتركة يجب امتثال الأمر فيه . أمّا ما لم يرد فيه نصّ فإنّه يجب إذا كانت فيه مصلحة ، أو كان لا ينزجر الجاني إلا به ، فإنّه يجب كالحدّ ، أمّا إذا علم أنّ الجاني ينزجر بدون التّعزير فإنّه لا يجب . ويجوز للإمام فيه العفو إن كانت فيه مصلحة ، وكان من حقّ اللّه تعالى ، خلاف ما هو من حقّ الأفراد . التّعزير عقوبة مفوّضة : المراد بالتّفوّض وأحكامه : 11 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وهو الرّاجح عن الحنفيّة : أنّ التّعزير عقوبة مفوّضة إلى رأي الحاكم ، وهذا التّفويض في التّعزير من أهمّ أوجه الخلاف بينه وبين الحدّ الّذي هو عقوبة مقدّرة من الشّارع . وعلى الحاكم في تقدير عقوبة التّعزير مراعاة حال الجريمة والمجرم . أمّا مراعاة حال الجريمة فللفقهاء فيه نصوص كثيرة ، منه قول الأستروشنيّ : ينبغي أن ينظر القاضي إلى سببه ، فإن كان من جنس ما يجب به الحدّ ولم يجب لمانع وعارض ، يبلغ التّعزير أقصى غاياته . وإن كان من جنس ما لا يجب الحدّ لا يبلغ أقصى غاياته ، ولكنّه مفوّض إلى رأي الإمام . وأمّا مراعاة حال المجرم فيقول الزّيلعيّ : إنّه في تقدير التّعزير ينظر إلى أحوال الجانين ، فإنّ من النّاس من ينزجر باليسير . ومنهم من لا ينزجر إلا بالكثير . يقول ابن عابدين : إنّ التّعزير يختلف باختلاف الأشخاص ، فلا معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه ، فيكون مفوّضا إلى رأي القاضي ، يقيمه بقدر ما يرى المصلحة فيه . ويقول السّنديّ : إنّ أدنى التّعزير على ما يجتهد الإمام في الجاني ، بقدر ما يعلم أنّه ينزجر به ، لأنّ المقصود من التّعزير الزّجر ، والنّاس تختلف أحوالهم في الانزجار ، فمنهم من يحصل له الزّجر بأقلّ الضّربات ، ويتغيّر بذلك . ومنهم من لا يحصل له الزّجر بالكثير من الضّرب . ونقل عن أبي يوسف : إنّ التّعزير يختلف على قدر احتمال المضروب . وقد منع بعض الحنفيّة تفويض التّعزير ، وقالوا بعدم تفويض ذلك للقاضي ، لاختلاف حال القضاة ، وهذا هو الّذي قال به الطّرسوسيّ في شرح منظومة الكنز . وقد أيّدوا هذا الرّأي بأنّ المراد من تفويض التّعزير إلى رأي القاضي ليس معناه التّفويض لرأيه مطلقا ، بل المقصود القاضي المجتهد . وقد ذكر السّنديّ : أنّ عدم التّفويض هو الرّأي الضّعيف عند الحنفيّة . وقال أبو بكر الطّرسوسيّ في أخبار الخلفاء المتقدّمين : إنّهم كانوا يراعون قدر الجاني وقدر الجناية ، فمن الجانين من يضرب ، ومنهم من يحبس ، ومنهم من يقام واقفا على قدميه في المحافل ، ومنهم من ينتزع عمامته ، ومنهم من يحلّ حزامه . ونصّ المالكيّة : على أنّ التّعزير يختلف من حيث المقادير ، والأجناس ، والصّفات ، باختلاف الجرائم ، من حيث كبرها ، وصغرها ، وبحسب حال المجرم نفسه ، وبحسب حال القائل والمقول فيه والقول ، وهو موكول إلى اجتهاد الإمام . قال القرافيّ : إنّ التّعزير يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ، وتطبيقا لذلك قال ابن فرحون : ربّ تعزير في بلد يكون إكراما في بلد آخر ، كقطع الطّيلسان ليس تعزيراً في الشّام بل إكرام ، وكشف الرّأس عند الأندلسيّين ليس هواناً مع أنّه في مصر والعراق هوان . وقال : إنّه يلاحظ في ذلك أيضا نفس الشّخص ، فإنّ في الشّام مثلاً من كانت عادته الطّيلسان وألفه - من المالكيّة وغيرهم - يعتبر قطعه تعزيرا لهم . فما ذكر ظاهر منه : أنّ الأمر لم يقتصر على اختلاف التّعزير باختلاف الزّمان والمكان والأشخاص ، مع كون الفعل محلاً لذلك ، بل إنّ هذا الاختلاف قد يجعل الفعل نفسه غير معاقب عليه ، بل قد يكون مكرمة . الأنواع الجائزة في عقوبة التّعزير : 12 - يجوز في مجال التّعزير : إيقاع عقوبات مختلفة ، يختار منها الحاكم في كلّ حالة ما يراه مناسبا محقّقا لأغراض التّعزير . وهذه العقوبات قد تنصبّ على البدن ، وقد تكون مقيّدة للحرّيّة ، وقد تصيب المال ، وقد تكون غير ذلك . وفيما يلي بيان هذا الإجمال . العقوبات البدنيّة : أ - التّعزير بالقتل : 13 - الأصل : أنّه لا يبلغ بالتّعزير القتل ، وذلك لقول اللّه تعالى : { وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتيْ حَرَّمَ اللَّهُ إلّا بِالحَقِّ } وقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « لا يحلّ دمُ امرئ مسلم إلّا بإحدى ثلاث : الثّيّبُ الزّاني ، والنّفسُ بالنّفس ، والتّاركُ لدينه المفارق للجماعة » . وقد ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معيّنة بشروط مخصوصة ، من ذلك : قتل الجاسوس المسلم إذا تجسّس على المسلمين ، وذهب إلى جواز تعزيره بالقتل مالك وبعض أصحاب أحمد ، ومنعه أبو حنيفة ، والشّافعيّ ، وأبو يعلى من الحنابلة . وتوقّف فيه أحمد . ومن ذلك : قتل الدّاعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسّنّة كالجهميّة . ذهب إلى ذلك كثير من أصحاب مالك ، وطائفة من أصحاب أحمد . وأجاز أبو حنيفة التّعزير بالقتل فيما تكرّر من الجرائم ، إذا كان جنسه يوجب القتل ، كما يقتل من تكرّر منه اللّواط أو القتل بالمثقّل . وقال ابن تيميّة : وقد يستدلّ على أنّ المفسد إذا لم ينقطع شرّه إلا بقتله فإنّه يقتل ، لما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعيّ رضي الله عنه قال : « سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول : من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشقّ عصاكم ، أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه » ب - التّعزير بالجلد : 14 - الجلد في التّعزير مشروع ، ودليله قول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط ، إلا في حدّ من حدود اللّه تعالى » . وفي الحريسة الّتي تؤخذ من مراتعها غرم ثمنها مرّتين ، وضرب نكال . وكذلك الحكم في سرقة التّمر يؤخذ من أكمامه ، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال « سئل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عن التّمر المعلّق ، فقال : من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غير متّخذ خبنة فلا شيء عليه ، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ، ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجنّ فعليه القطع » رواه النّسائيّ وأبو داود . وفي رواية قال « سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم عن الحريسة الّتي توجد في مراتعها ؟ قال : فيها ثمنها مرّتين ، وضرب نكال . وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجنّ . قال : يا رسول اللّه ، فالثّمار وما أخذ منها في أكمامها ؟ قال : من أخذ بفمه ولم يتّخذ خبنة فليس عليه شيء ، ومن احتمل فعليه ثمنه مرّتين ، وضرب نكال ، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع ، إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجنّ » رواه أحمد والنّسائيّ . ولابن ماجه معناه ، وزاد النّسائيّ في آخره : « وما لم يبلغ ثمن المجنّ ففيه غرامة مثليه ، وجلدات نكال » . وقد سار على هذه العقوبة في التّعزير الخلفاء الرّاشدون ومن بعدهم من الحكّام ، ولم ينكر عليهم أحد . مقدار الجلد في التّعزير : 15 - ممّا لا خلاف فيه عند الحنفيّة : أنّ التّعزير لا يبلغ الحدّ ، لحديث : « من بلغ حدّاً في غير حدّ فهو من المعتدين » واختلف الحنفيّة في أقصى الجلد في التّعزير : فيرى أبو حنيفة : أنّه لا يزيد عن تسعة وثلاثين سوطا بالقذف والشّرب ، أخذا عن الشّعبيّ ، إذ صرف كلمة الحدّ في الحديث إلى حدّ الأرقّاء وهو أربعون . وأبو يوسف قال بذلك أوّلا ، ثمّ عدل عنه إلى اعتبار أقلّ حدود الأحرار وهو ثمانون جلدة . وجه ما ذهب إليه أبو حنيفة : أنّ الحديث ذكر حدّا منكّرا ، وأربعون جلدة حدّ كامل في الأرقّاء عند الحنفيّة في القذف والشّرب ، فينصرف إلى الأقلّ . وأبو يوسف اعتمد على أنّ الأصل في الإنسان الحرّيّة ، وحدّ العبد نصف حدّ الحرّ ، فليس حدّاً كاملاً ، ومطلق الاسم ينصرف إلى الكامل في كلّ باب . وفي عدد الجلدات روايتان عن أبي يوسف : إحداهما : أنّ التّعزير يصل إلى تسعة وسبعين سوطا ، وهي رواية هشام عنه ، وقد أخذ بذلك زفر ، وهو قول عبد الرّحمن بن أبي ليلى ، وهو القياس ، لأنّه ليس حدّاً فيكون من أفراد المسكوت عن النّهي عنه في حديث : « من بلغ حدّاً في غير حدّ . . . » والثّانية : وهي ظاهر الرّواية عن أبي يوسف : أنّ التّعزير لا يزيد على خمسة وسبعين سوطاً ، وروي ذلك أثرا عن عمر رضي الله عنه ، كما روي عن عليّ رضي الله عنه أيضاً ، وأنّهما قالا : في التّعزير خمسة وسبعون . وأنّ أبا يوسف أخذ بقولهما في نقصان الخمسة ، واعتبر عملهما أدنى الحدود . وعند المالكيّة قال المازريّ : إنّ تحديد العقوبة لا سبيل إليه عند أحد من أهل المذهب ، وقال : إنّ مذهب مالك يجيز في العقوبات فوق الحدّ . وحكي عن أشهب : أنّ المشهور أنّه قد يزاد على الحدّ . وعلى ذلك فالرّاجح لدى المالكيّة : أنّ الإمام له أن يزيد التّعزير عن الحدّ ، مع مراعاة المصلحة الّتي لا يشوبها الهوى . وممّا استدلّ به المالكيّة : فعل عمر في معن بن زياد لمّا زوّر كتابا على عمر وأخذ به من صاحب بيت المال مالا ، إذ جلده مائة ، ثمّ مائة أخرى ، ثمّ ثالثة ، ولم يخالفه أحد من الصّحابة فكان إجماعاً ، كما أنّه ضرب صبيغ بن عسل أكثر من الحدّ . وروى أحمد بإسناده أنّ عليّا رضي الله عنه أتي بالنّجاشيّ قد شرب خمرا في رمضان فجلده ثمانين ( الحدّ ) وعشرين سوطا ، لفطره في رمضان . كما روي : أنّ أبا الأسود استخلفه ابن عبّاس رضي الله عنهما على قضاء البصرة فأتي بسارق قد جمع المتاع في البيت ولم يخرجه ، فضربه خمسة وعشرين سوطا وخلّى سبيله . وقالوا في حديث أبي بردة رضي الله عنه : « لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود اللّه » إنّه مقصور على زمن الرّسول صلى الله عليه وسلم ، لأنّه كان يكفي الجاني منهم هذا القدر ، وتأوّلوه على أنّ المراد بقوله : في حدّ ، أي في حقّ من حقوق اللّه تعالى ، وإن لم يكن من المعاصي المقدّر حدودها لأنّ المعاصي كلّها من حدود اللّه تعالى . وعند الشّافعيّة : أنّ التّعزير إن كان بالجلد فإنّه يجب أن ينقص عن أقلّ حدود من يقع عليه التّعزير ، فينقص في العبد عن عشرين ، وفي الحرّ عن أربعين ، وهو حدّ الخمر عندهم ، وقيل بوجوب النّقص فيهما عن عشرين ، لحديث : « من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين » ويستوي في النّقص عمّا ذكر جميع الجرائم على الأصحّ عندهم . وقيل بقياس كلّ جريمة بما يليق بها ممّا فيه أو في جنسه حدّ ، فينقص على سبيل المثال تعزير مقدّمة الزّنى عن حدّه ، وإن زاد على حدّ القذف ، وتعزير السّبّ عن حدّ القذف ، وإن زاد على حدّ الشّرب . وقيل في مذهب الشّافعيّة : لا يزيد في أكثر الجلد في التّعزير عن عشر جلدات أخذا بحديث أبي بردة : « لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حدّ من حدود اللّه » لما اشتهر من قول الشّافعيّ : إذا صحّ الحديث فهو مذهبي ، وقد صحّ هذا الحديث . وعند الحنابلة : اختلفت الرّواية عن أحمد في قدر جلد التّعزير ، فروي أنّه لا يبلغ الحدّ . وقد ذكر الخرقيّ هذه الرّواية ، والمقصود بمقتضاها : أنّه لا يبلغ بالتّعزير أدنى حدّ مشروع ، فلا يبلغ بالتّعزير أربعين ، لأنّ الأربعين حدّ العبد في الخمر والقذف ، ولا يجاوز تسعة وثلاثين سوطاً في الحرّ ، ولا تسعة عشر في العبد على القول بأنّ حدّ الخمر أربعون سوطاً. ونصّ مذهب أحمد : أن لا يزاد على عشر جلدات في التّعزير ، للأثر : « لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلّا في حدّ . . . » إلا ما ورد من الآثار مخصّصا لهذا الحديث ، كوطء جارية امرأته بإذنها ، ووطء جارية مشتركة المرويّ عن عمر . قال ابن قدامة : ويحتمل كلام أحمد والخرقيّ : أنّه لا يبلغ التّعزير في كلّ جريمة حدّا مشروعاً في جنسها ، ويجوز أن يزيد على حدّ غير جنسها ، وقد روي عن أحمد ما يدلّ على هذا . واستدلّ بما روي عن النّعمان بن بشير رضي الله عنهما فيمن وطئ جارية امرأته بإذنها : أنّه يجلد مائة جلدة ، وهذا تعزير ، لأنّ عقاب هذه الجريمة للمحصن الرّجم ، وبما روي عن سعيد بن المسيّب عن عمر رضي الله عنه في الرّجل الّذي وطئ أمة مشتركة بينه وآخر : أنّه يجلد الحدّ إلّا سوطاً واحداً ، وقد احتجّ بهذا الحديث أحمد . وقد زاد ابن تيميّة وابن القيّم رأياً رابعاً : هو أنّ التّعزير يكون بحسب المصلحة ، وعلى قدر الجريمة ، فيجتهد فيه وليّ الأمر على ألا يبلغ التّعزير فيما فيه حدّ مقدّر ذلك المقدّر ، فالتّعزير على سرقة ما دون النّصاب مثلا لا يبلغ به القطع ، وقالا : إنّ هذا هو أعدل الأقوال ، وإنّ السّنّة دلّت عليه ، كما مرّ في ضرب الّذي أحلّت له امرأته جاريتها مائة لا الحدّ وهو الرّجم ، كما أنّ عليّا وعمر رضي الله عنهما ضربا رجلا وامرأة وجدا في لحاف واحد مائة مائة ، وحكم عمر رضي الله عنه فيمن قلّد خاتم بيت المال بضربه ثلاثمائة على مرّات ، وضرب صبيغ بن عسل للبدعة ضربا كثيرا لم يعدّه . وخلاصة مذهب الحنابلة : أنّ فيه من يقول بأنّ التّعزير لا يزيد على عشر جلدات ، ومن يقول : بأنّه لا يزيد على أقلّ الحدود ، ومن يقول : بأنّه لا يبلغ في جريمة قدر الحدّ فيها ، وهناك من يقول : بأنّه لا يتقيّد بشيء من ذلك ، وأنّه يكون بحسب المصلحة ، وعلى قدر الجريمة ، فيما ليس فيه حدّ مقدّر . والرّاجح عندهم التّحديد سواء أكان بعشر جلدات أم بأقلّ من أدنى الحدود أم بأقلّ من الحدّ المقرّر لجنس الجريمة . وما ذكر هو عن الحدّ الأعلى ، أمّا عن الحدّ الأدنى فقد قال القدوريّ : إنّه ثلاث جلدات ، لأنّ هذا العدد أقلّ ما يقع به الزّجر . ولكنّ غالبيّة الحنفيّة على أنّ الأمر في أقلّ جلد التّعزير مرجعه الحاكم ، بقدر ما يعلم أنّه يكفي للزّجر . وقال في الخلاصة : إنّ اختيار التّعزير إلى القاضي من واحد إلى تسعة وثلاثين ، وقريب من ذلك تصريح ابن قدامة ، فقد قال : إنّ أقلّ التّعزير ليس مقدّراً فيرجع فيه إلى اجتهاد الإمام أو الحاكم فيما يراه وما تقتضيه حال الشّخص . ج - التّعزير بالحبس : 16 - الحبس مشروع بالكتاب والسّنّة والإجماع أمّا الكتاب فقوله تعالى : { وَالَّلائِي يَأْتِينَ الفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيهنَّ أَرْبَعةً مِنْكُمْ فإنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ في البُيوتِ حتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ المَوتُ أو يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } وقوله : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه وَيَسْعَونَ في الأَرْضِ فَسَادَاً أنْ يُقَتَّلُوا أو يُصَلَّبُوا أو تُقَطَّعَ أَيدِيهمْ وَأرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أو يُنْفَوا من الأرْضِ } . فقد قال الزّيلعيّ : إنّ المقصود بالنّفي هنا الحبس . وأمّا السّنّة فقد ثبت : « أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم حبس بالمدينة أناساً في تهمة دم ، وحكم بالضّرب والسّجن ، وأنّه قال فيمن أمسك رجلاً لآخر حتّى قتله : اقتلوا القاتل ، واصبروا الصّابر » . وفسّرت عبارة « اصبروا الصّابر » بحبسه حتّى الموت ، لأنّه حبس المقتول للموت بإمساكه إيّاه . وأمّا الإجماع فقد أجمع الصّحابة رضي الله عنهم ، ومن بعدهم ، على المعاقبة بالحبس . واتّفق الفقهاء على أنّ الحبس يصلح عقوبة في التّعزير . وممّا جاء في هذا المقام : أنّ عمر رضي الله عنه سجن الحطيئة على الهجو ، وسجن صبيغا على سؤاله عن الذّاريات ، والمرسلات ، والنّازعات ، وشبهه ، وأنّ عثمان رضي الله عنه سجن ضابئ بن الحارث ، وكان من لصوص بني تميم وفتّاكهم ، وأنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه سجن بالكوفة . وأنّ عبد اللّه بن الزّبير رضي الله عنه سجن بمكّة ، وسجن في " دارم " محمّد بن الحنفيّة لمّا امتنع عن بيعته . مدّة الحبس في التّعزير : 17 - الأصل أنّ تقدير مدّة الحبس يرجع إلى الحاكم ، مع مراعاة ظروف الشّخص ، والجريمة والزّمان والمكان . وقد أشار الزّيلعيّ إلى ذلك بقوله : ليس للحبس مدّة مقدّرة . وقال الماورديّ : إنّ الحبس تعزيرا يختلف باختلاف المجرم ، وباختلاف الجريمة ، فمن الجانين من يحبس يوما ، ومنهم من يحبس أكثر ، إلى غاية غير مقدّرة . لكنّ الشّربينيّ من الشّافعيّة ، ذكر أنّ شرط الحبس : النّقص عن سنة ، كما نصّ عليه الشّافعيّ في الأمّ ، وصرّح به معظم الأصحاب . وأطلق الحنابلة في تقدير المدّة . د - التّعزير بالنّفي " التّغريب " : مشروعيّة التّعزير بالنّفي : 18 - التّعزير بالنّفي مشروع بلا خلاف بين الفقهاء ، ودليل مشروعيّته : الكتاب والسّنّة والإجماع . أمّا الكتاب فقوله تعالى : { أَوْ يُنْفَوْا مِن الأرْضِ } ومن ثمّ فهو عقوبة مشروعة في الحدود . وأمّا السّنّة : « فإنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى بالنّفي تعزيرا في المخنّثين ، إذ نفاهم من المدينة » . وأمّا الإجماع : فإنّ عمر رضي الله عنه نفى نصر بن حجّاج لافتتان النّساء به ، ولم ينكر عليه أحد من الصّحابة . ويجوز كون التّغريب لأكثر من مسافة القصر ، لأنّ عمر غرّب من المدينة نصر بن حجّاج إلى البصرة ، ونفى عثمان رضي الله عنه إلى مصر، ونفى عليّ رضي الله عنه إلى البصرة. ويشترط أن يكون التّغريب لبلد معيّن ، فلا يرسل المحكوم عليه به إرسالاً ، وليس له أن يختار غير البلد المعيّن لإبعاده ، ولا يجوز أن يكون تغريب الجاني لبلده . ويرى الشّافعيّ : أن لا تقلّ المسافة بين بلد الجاني والبلد المغرّب إليه عن مسيرة يوم وليلة ويرى ابن أبي ليلى : أن ينفى الجاني إلى بلد غير البلد الّذي ارتكبت فيه الجريمة بحيث تكون المسافة بين البلد الّذي ينفى إليه وبلد الجريمة ، دون مسيرة سفر . مدّة التّغريب : 19 - لا يعتبر أبو حنيفة التّغريب في الزّنى حدّاً ، بل يعتبره من التّعزير ، ويترتّب على ذلك : أنّه يجيز أن يزيد من حيث المدّة عن سنة . ويجوز عند مالك أن يزيد التّغريب في التّعزير عن سنة ، مع أنّ التّغريب عنده في الزّنى حدّ ، لأنّه يقول بنسخ حديث : « من بلغ حدّاً في غير حدّ فهو من المعتدين » . والرّاجح عند المالكيّة : أنّ للإمام أن يزيد في التّعزير عن الحدّ ، مع مراعاة المصلحة غير المشوبة بالهوى . وعلى ذلك بعض فقهاء الشّافعيّة ، والحنابلة . ويرى البعض الآخر منهم : أنّ مدّة التّغريب في التّعزير لا يجوز أن تصل إلى سنة ، لأنّهم يعتبرون التّغريب في جريمة الزّنى حدّا ، وإذا كانت مدّته فيها عاما فلا يجوز عندهم في التّعزير أن يصل التّغريب لعام ، لحديث : « من بلغ حدّا في غير حدّ فهو من المعتدين » . وتفصيله في ( نفي ) . هـ - التّعزير بالمال : مشروعيّة التّعزير بالمال : 20 - الأصل في مذهب أبي حنيفة : أنّ التّعزير بأخذ المال غير جائز ، فأبو حنيفة ومحمّد لا يجيزانه ، بل إنّ محمّدا لم يذكره في كتاب من كتبه . أمّا أبو يوسف فقد روي عنه : أنّ التّعزير بأخذ المال من الجاني جائز إن رؤيت فيه مصلحة . وقال الشبراملسي : ولا يجوز على الجديد بأخذ المال . يعني لا يجوز التّعزير بأخذ المال في مذهب الشّافعيّ الجديد ، وفي المذهب القديم : يجوز . أمّا في مذهب مالك في المشهور عنه ، فقد قال ابن فرحون : التّعزير بأخذ المال قال به المالكيّة . وقد ذكر مواضع مخصوصة يعزّر فيها بالمال ، وذلك في قوله : سئل مالك عن اللّبن المغشوش أيراق ؟ قال : لا ، ولكن أرى أن يتصدّق به ، إذا كان هو الّذي غشّه . وقال في الزّعفران والمسك المغشوش مثل ذلك ، سواء كان ذلك قليلاً أو كثيراً ، وخالفه ابن القاسم في الكثير ، وقال : يباع المسك والزّعفران على ما يغشّ به ، ويتصدّق بالثّمن أدباً للغاشّ . وأفتى ابن القطّان الأندلسيّ في الملاحف الرّديئة النّسج بأن تحرّق . وأفتى ابن عتّاب : بتقطيعها والصّدقة بها خرقاً . وعند الحنابلة يحرم التّعزير بأخذ المال أو إتلافه ، لأنّ الشّرع لم يرد بشيء من ذلك عمّن يقتدى به . وخالف ابن تيميّة وابن القيّم ، فقالا : إنّ التّعزير بالمال سائغ إتلافاً وأخذاً . واستدلا لذلك بأقضية للرّسول صلى الله عليه وسلم كإباحته سلب من يصطاد في حرم المدينة لمن يجده ، وأمره بكسر دنان الخمر ، وشقّ ظروفها ، وأمره عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما بحرق الثّوبين المعصفرين ، وتضعيفه الغرامة على من سرق من غير حرز ، وسارق ما لا قطع فيه من الثّمر والكثر ، وكاتم الضّالّة . ومنها أقضيّة الخلفاء الرّاشدين ، مثل أمر عمر وعليّ رضي الله عنهما بتحريق المكان الّذي يباع فيه الخمر ، وأخذ شطر مال مانع الزّكاة ، وأمر عمر بتحريق قصر سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه الّذي بناه حتّى يحتجب فيه عن النّاس . وقد نفّذ هذا الأمر محمّد بن مسلمة رضي الله عنه . أنواع التّعزير بالمال : التّعزير بالمال يكون بحبسه أو بإتلافه ، أو بتغيير صورته ، أو بتمليكه للغير . أ - حبس المال عن صاحبه : 21 - وهو أن يمسك القاضي شيئا من مال الجاني مدّة زجرا له ، ثمّ يعيده له عندما تظهر توبته ، وليس معناه أخذه لبيت المال ، لأنّه لا يجوز أخذ مال إنسان بغير سبب شرعيّ يقتضي ذلك . وفسّره على هذا الوجه أبو يحيى الخوارزميّ . ونظيره ما يفعل في خيول البغاة وسلاحهم ، فإنّها تحبس عنهم مدّة وتعاد إليهم إذا تابوا . وصوّب هذا الرّأي الإمام ظهير الدّين التّمرتاشيّ الخوارزميّ . أمّا إذا صار ميئوساً من توبته ، فإنّ للحاكم أن يصرف هذا المال فيما يرى فيه المصلحة . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية