الرئيسية
المنتديات
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
الغرف الصوتية
غرفة ٠٠٠٠
ما الجديد
المشاركات الجديدة
جديد مشاركات الحائط
آخر النشاطات
الأعضاء
الزوار الحاليين
مشاركات الحائط الجديدة
البحث عن مشاركات الملف الشخصي
تسجيل الدخول
تسجيل
ما الجديد
البحث
البحث
بحث بالعناوين فقط
بواسطة:
المشاركات الجديدة
بحث بالمنتديات
قائمة
تسجيل الدخول
تسجيل
تثبيت التطبيق
تثبيت
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية
تم تعطيل الجافا سكربت. للحصول على تجربة أفضل، الرجاء تمكين الجافا سكربت في المتصفح الخاص بك قبل المتابعة.
أنت تستخدم أحد المتصفحات القديمة. قد لا يتم عرض هذا الموقع أو المواقع الأخرى بشكل صحيح.
يجب عليك ترقية متصفحك أو استخدام
أحد المتصفحات البديلة
.
الرد على الموضوع
الرسالة
<blockquote data-quote="ابن عامر الشامي" data-source="post: 41292" data-attributes="member: 329"><p>ب - الإتلاف :</p><p>22 - قال ابن تيميّة : إنّ المنكرات من الأعيان والصّفات يجوز إتلاف محلّها تبعاً لها ، فالأصنام صورها منكرة ، فيجوز إتلاف مادّتها ، وآلات اللّهو يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء ، وبذلك أخذ مالك ، وهو أشهر الرّوايتين عن أحمد . </p><p>ومن هذا القبيل أيضاً أوعية الخمر ، يجوز تكسيرها وتحريقها ، والمحلّ الّذي يباع فيه الخمر يجوز تحريقه ، واستدلّ لذلك بفعل عمر رضي الله عنه في تحريق محلّ يباع فيه الخمر ، وقضاء عليّ رضي الله عنه تحريق القرية الّتي كان يباع فيها الخمر ، ولأنّ مكان البيع كالأوعية . وقال : إنّ هذا هو المشهور في مذهب أحمد ، ومالك ، وغيرهما . </p><p>ومن هذا القبيل أيضاً : إراقة عمر اللّبن المخلوط بالماء للبيع . ومنه ما يراه بعض الفقهاء من جواز إتلاف المغشوشات في الصّناعات ، كالثّياب رديئة النّسج ، بتمزيقها وإحراقها ، وتحريق عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما لثوبه المعصفر بأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال ابن تيميّة : إنّ هذا الإتلاف للمحلّ الّذي قامت به المعصية نظيره إتلاف المحلّ من الجسم الّذي وقعت به المعصية ، كقطع يد السّارق . وهذا الإتلاف ليس واجباً في كلّ حالة ، فإذا لم يكن في المحلّ مفسد فإنّ إبقاءه جائز ، إمّا له أو يتصدّق به . وبناء على ذلك أفتى فريق من العلماء : بأن يتصدّق بالطّعام المغشوش . وفي هذا إتلاف له . </p><p>وكره فريق الإتلاف ، وقالوا بالتّصدّق به ، ومنهم مالك في رواية ابن القاسم ، وهي المشهورة في المذهب . وقد استحسن مالك التّصدّق باللّبن المغشوش ، لأنّ في ذلك عقابا للجاني بإتلافه عليه ، ونفعاً للمساكين بالإعطاء لهم . وقال مالك في الزّعفران والمسك بمثل قوله في اللّبن إذا غشّهما الجاني . وقال ابن القاسم بذلك في القليل من تلك الأموال ، لأنّ التّصدّق بالمغشوش في الكثير من هذه الأموال الثّمينة تضيع به أموال عظيمة على أصحابها ، فيعزّرون في مثل تلك الأحوال بعقوبات أخرى . </p><p>وعند البعض : أنّ مذهب مالك التّسوية بين القليل والكثير . وروى أشهب عن مالك منع العقوبات الماليّة ، وأخذ بهذه الرّواية كلّ من مطرّف وابن الماجشون من فقهاء المذهب ، وعندهما : أنّ من غشّ أو نقص من الوزن يعاقب بالضّرب ، والحبس ، والإخراج من السّوق ، وأنّ ما غشّ من الخبز واللّبن ، أو غشّ من المسك والزّعفران لا يفرّق ولا ينهب. </p><p>ج - التّغيير :</p><p>23 - من التّعزير بالتّغيير نهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن كسر سكّة المسلمين الجائزة بين المسلمين ، كالدّراهم والدّنانير ، إلا إذا كان بها بأس ، فإذا كانت كذلك كسرت ، وفعل الرّسول صلى الله عليه وسلم في التّمثال الّذي كان في بيته ، والسّتر الّذي به تماثيل ، إذ قطع رأس التّمثال فصار كالشّجرة ، وقطع السّتر إلى وسادتين منتبذتين يوطآن . </p><p>ومن ذلك : تفكيك آلات اللّهو ، وتغيير الصّور المصوّرة .</p><p>د - التّمليك :</p><p>24 - من التّعزير بالتّمليك : « قضاء الرّسول صلى الله عليه وسلم فيمن سرق من الثّمر المعلّق قبل أن يؤخذ إلى الجرين بجلدات نكال ، وغرم ما أخذ مرّتين » « وفيمن سرق من الماشية قبل أن تؤوي إلى المراح بجلدات نكال ، وغرم ذلك مرّتين » وقضاء عمر رضي الله عنه بتضعيف الغرم على كاتم الضّالّة ، وقد قال بذلك طائفة من العلماء ، منهم : أحمد ، وغيره ، ومن ذلك إضعاف عمر وغيره الغرم في ناقة أعرابيّ أخذها مماليك جياع ، إذ أضعف الغرم على سيّدهم ، ودرأ القطع .</p><p>أنواع أخرى من التّعزير :</p><p>هناك أنواع أخرى من التّعزير غير ما سبق . </p><p>منها : الإعلام المجرّد ، والإحضار لمجلس القضاء ، والتّوبيخ والهجر . </p><p>أ - الإعلام المجرّد :</p><p>25 - الإعلام : صورته أن يقول القاضي للجاني : بلغني أنّك فعلت كذا وكذا ، أو يبعث القاضي أمينه للجاني ، ليقول له ذلك . </p><p>وقد قيّد البعض الإعلام ، بأن يكون مع النّظر بوجه عابس . </p><p>ب - الإحضار لمجلس القضاء :</p><p>26 - قال الكاسانيّ : إنّ هذا النّوع من التّعزير يكون بالإعلام ، والذّهاب إلى باب القاضي ، والخطاب بالمواجهة . </p><p>وقال البعض : إنّه يكون بالإعلام ، والجرّ لباب القاضي ، والخصومة فيما نسب إلى الجاني. والفرق بين هذه العقوبة والإعلام المجرّد : أنّ في هذه العقوبة يؤخذ الجاني إلى القاضي زيادة عن الإعلام ، وذلك ليخاطبه في المواجهة . وبناء على ما ذكره الكمال بن الهمام : تتميّز هذه عن الإعلام المجرّد بالخصومة فيما نسب إلى الجاني . وكثيراً ما يلجأ القاضي لهذين النّوعين أو لواحد منهما إذا كان الجاني قد ارتكب الجريمة على سبيل الزّلّة والنّدور ابتداء ، إذا كان ذلك زاجراً ، على شريطة كون الجريمة غير جسيمة .</p><p>ج - التّوبيخ : </p><p>مشروعيّة التّوبيخ :</p><p>27 - التّعزير بالتّوبيخ مشروع باتّفاق الفقهاء ، فقد « روى أبو ذرّ رضي الله عنه : أنّه سابّ رجلا فعيّره بأمّه ، فقال الرّسول صلى الله عليه وسلم يا أبا ذرّ ، أعيّرته بأمّه ، ، إنّك امرؤ فيك جاهليّة » . وقال الرّسول صلى الله عليه وسلم : « لَيُّ الواجد يُحِلُّ عرضه وعقوبته » . وقد فسّر النّيل من العرض بأن يقال له مثلا : يا ظالم ، يا معتد . وهذا نوع من التّعزير بالقول . وقد جاء في تبصرة الحكّام لابن فرحون : وأمّا التّعزير بالقول فدليله ما ثبت في سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب فقال : اضربوه فقال أبو هريرة : فمِنَّا الضّارب بيده ، ومنّا الضّارب بنعله ، والضّارب بثوبه » . وفي رواية بإسناده : « ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه بكّتوه فأقبلوا عليه يقولون : ما اتّقيت اللّه ، ما خشيت اللّه ، ما استحييت من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم » . وهذا التّبكيت من التّعزير بالقول . </p><p>وقد عزّر عمر رضي الله عنه بالتّوبيخ . فقد روي عنه أنّه أنفذ جيشا فغنموا غنائم ، فلمّا رجعوا لبسوا الحرير والدّيباج ، فلمّا رآهم تغيّر وجهه ، وأعرض عنهم ، فقالوا : أعرضت عنّا ، فقال : انزعوا ثياب أهل النّار ، فنزعوا ما كانوا يلبسون من الحرير والدّيباج . </p><p>وذلك فيه تعزير لهم بالإعراض عنهم ، وفيه توبيخ لهم . </p><p>كيفيّة التّوبيخ :</p><p>28 - التّوبيخ قد يكون بإعراض القاضي عن الجاني ، أو بالنّظر له بوجه عبوس ، وقد يكون بإقامة الجاني من مجلس القضاء ، وقد يكون بالكلام العنيف ، ويكون بزواجر الكلام وغاية الاستخفاف ، على شريطة أن لا يكون فيه قذف ، ومنع البعض ما فيه السّبّ أيضاً .</p><p>د - الهجر :</p><p>29 - الهجر معناه : مقاطعة الجاني ، والامتناع عن الاتّصال به ، أو معاملته بأيّ نوع ، أو أيّة طريقة كانت . وهو مشروع بدليل قوله تعالى : { وَاللاتيْ تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في المَضَاجِعِ } وقد « هجر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه الثّلاثة الّذين تخلّفوا عنه في غزوة تبوك » . وعاقب عمر صبيغا بالهجر لمّا نفاه إلى البصرة ، وأمر ألا يجالسه أحد . وهذا منه عقوبة بالهجر .</p><p>الجرائم الّتي شرع فيها التّعزير :</p><p>30 - الجرائم الّتي شرع فيها التّعزير قد تكون من قبيل ما شرع في جنسه عقوبة مقدّرة من حدّ أو قصاص ، لكنّ هذه العقوبة لا تطبّق ، لعدم توافر شرائط تطبيقها ، ومنها ما فيه عقوبة مقدّرة ، ولكنّ هذه العقوبة لا تطبّق عليها لمانع ، كوجود شبهة تستوجب درء الحدّ ، أو عفو صاحب الحقّ عن طلبه . </p><p>وقد تكون الجرائم التّعزيريّة غير ما ذكر فيكون فيها التّعزير أصلاً . </p><p>ويدخل في هذا القسم ما لا يدخل في سابقه من جرائم . وفيما يلي تفصيل ذلك . </p><p>الجرائم الّتي يشرع فيها التّعزير بديلاً عن الحدود :</p><p>جرائم الاعتداء على النّفس ، وما دونها :</p><p>31 - يدخل في هذا الموضوع : الكلام في جرائم الاعتداء على النّفس ، وهي الّتي يترتّب عليها إزهاق الرّوح ، والكلام في جرائم الاعتداء على ما دون النّفس وهي الّتي تقع على البدن دون أن تؤدّي لإزهاق الرّوح : </p><p>جرائم القتل " الجناية على النّفس " :</p><p>القتل العمد :</p><p>32 - القتل العمد العدوان موجبه القصاص ، ويجب لذلك توافر شروط ، أهمّها : كون القاتل قد تعمّد تعمّدا محضا ليس فيه شبهة ، وكونه مختاراً ، ومباشراً للقتل ، وألا يكون المقتول جزء القاتل ، وأن يكون معصوم الدّم مطلقاً . وفضلاً عن ذلك يجب للقصاص : أن يطلب من وليّ الدّم . فإذا اختلّ شرط من هذه الشّروط امتنع القصاص ، وفيه التّعزير . </p><p>وفي ذلك خلاف وتفصيل ينظر في ( قتل - قصاص ) . </p><p>القتل شبه العمد :</p><p>33 - قال البهوتيّ ، نقلاً عن " المبدع " : قد يقال بوجوب التّعزير في القتل شبه العمد ، لأنّ الكفّارة حقّ للّه تعالى وليست لأجل الفعل ، بل بدل النّفس الفائتة ، فأمّا نفس الفعل المحرّم - الّذي هو الجناية - فلا كفّارة فيه . </p><p>34 - ومن الأصول الثّابتة عند الحنفيّة : أنّ ما لا قصاص فيه عندهم كالقتل بالمثقّل - وهو القتل بمثل الحجر الكبير أو الخشبة العظيمة - يجوز للإمام أن يعزّر فيه بما يصل للقتل ، إذا تكرّر ارتكابه ، ما دامت فيه مصلحة . وبناء على هذا الأصل قالوا بالتّعزير بالقتل لمن يتكرّر منه الخنق ، أو التّغريق ، أو الإلقاء من مكان مرتفع ، إذا لم يندفع فساده إلا بالقتل .</p><p>الاعتداء على ما دون النّفس :</p><p>35 - إذا كانت الجناية على ما دون النّفس عمدا فيشترط للقصاص فضلا عن شروطه في النّفس : المماثلة ، وإمكان استيفاء المثل . </p><p>ويرى مالك التّعزير أيضا في الجناية العمد على ما دون النّفس ، إذا سقط القصاص ، أو امتنع لسبب أو لآخر ، فيكون في الجريمة التّعزير مع الدّية ، أو الأرش ، أو بدونه ، تبعاً للأحوال . ومثال ذلك أن تكون الجناية على عظم خطر . </p><p>إذ العظام الخطرة لا قصاص فيها عنده ، مثل عظام الصّلب ، والفخذ ، والعنق ، ومثل المنقّلة ، والمأمومة ، ويقال ذلك أيضا في الجائفة ، لأنّه لا يستطاع فيها القصاص ، وفي كلّ ما ذهبت منفعته بالجناية مع بقائه قائما في الجسم ، وبقاء جماله ، فإذا ضربه على عينه فذهب بصرها ، وبقي جمالها فلا قود فيها . ومثل ذلك اليد إذا شلّت ولم تبن عن الجسم ، ففي هذه وما يماثلها يعزّر الجاني مع أخذ العقل منه ( أي الدّية ) . </p><p>وإذا لم يترك الاعتداء على الجسم أثرا : فأغلب الفقهاء على أنّ في ذلك التّعزير ، لا القصاص . ولدى بعض المالكيّة القصاص في ضربة السّوط ، ولو لم يحدث جرحا ولا شجّة ، مع أنّه لا قصاص عندهم في اللّطمة ، وضربة العصا ، إلا إذا خلّفت جرحاً أو شجّة . وروي عن مالك : أنّ ضربة السّوط في ذلك كاللّطمة فيه الأدب ، ونقل ذلك ابن عرفة عن أشهب . ويرى ابن القيّم وبعض الحنابلة : القصاص في اللّطمة والضّربة .</p><p>الزّنى الّذي لا حدّ فيه ، ومقدّماته :</p><p>36 - الزّنى إذا توافرت الشّرائط الشّرعيّة لثبوته فإنّ فيه حدّ الزّنى ، أمّا إذا لم يطبّق الحدّ المقدّر لوجود شبهة ، أو لعدم توافر شريطة من الشّرائط الشّرعيّة لثبوت الحدّ ، فإنّ الفعل يكون جريمة شرع الحكم فيها - أو في جنسها - لكنّه لم يطبّق . </p><p>وكلّ جريمة لا حدّ فيها ولا قصاص ففيها التّعزير . </p><p>وبناء على ذلك : إذا كانت هناك شبهة تدرأ الحدّ ، سواء كانت شبهة فعل ، أو شبهة ملك ، أو شبهة عقد ، فإنّ الحدّ لا يطبّق . لكنّ الجاني يعزّر ، لأنّه ارتكب جريمة ليست فيها عقوبة مقدّرة . </p><p>وتعرف الشّبهة بأنّها : ما يشبه الثّابت وليس بثابت . أو : هي وجود المبيح صورة ، مع عدم حكمه أو حقيقته ، وتفصيل ذلك في ( اشتباه ) . وإذا كانت المزنيّ بها ميّتة ففي هذا الفعل التّعزير ، لأنّه لا يعتبر زنى ، إذ حياة المزنيّ بها شريطة في الحدّ . </p><p>وإذا لم يكن الفعل من رجل فلا يقام الحدّ ، بل التّعزير ، ومن ذلك : المساحقة . </p><p>وإذا لم يكن الفعل في قبل امرأة فأبو حنيفة على عدم الحدّ ، لكنّ فيه التّعزير ، ومن ذلك أن يكون الفعل في الدّبر . وهو قول للشّافعيّة . والقول بالقتل على كلّ حال مرويّ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما وهو قول آخر للشّافعيّة ، والمذهب عند الشّافعيّة : أنّه زنى ، وفيه الحدّ . وقال قوم : إنّ اللّواط زنى ، وفيه حدّ الزّنى . ومن هؤلاء : مالك ، وهو المشهور لدى الشّافعيّ ، وهو رأي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة . واختلفت الرّواية عن أحمد : فقد روي عنه أنّ فيه حدّ الزّنى : وإذا كان الفعل في زوجة الفاعل فلا حدّ فيه بالإجماع . والجمهور على أنّه يستوجب التّعزير . وممّا يستوجب التّعزير في هذا المجال كلّ ما دون الوقاع من أفعال ، كالوطء فيما دون الفرج ، ويستوي فيه المسلم ، والكافر ، والمحصن ، وغيره . ومنه أيضاً : إصابة كلّ محرّم من المرأة غير الجماع . وعناق الأجنبيّة، أم تقبيلها. وممّا فيه التّعزير كذلك : كشف العورة لآخر ، وخداع النّساء ، والقوادة ، وهي : الجمع بين الرّجال والنّساء للزّنى ، وبين الرّجال والرّجال للّواط .</p><p>القذف الّذي لا حدّ فيه والسّبّ :</p><p>37 - حدّ القذف لا يقام على القاذف إلّا بشرائطه ، فإذا انعدم واحد منها أو اختلّ فإنّ الجاني لا يحدّ . ويعزّر عند طلب المقذوف ، لأنّه ارتكب معصية لا حدّ فيها . </p><p>ومن شروط القذف الّذي فيه الحدّ : كون المقذوف محصناً . فإذا لم يكن كذلك فلا يحدّ القاذف ، ولكن يعزّر . ومن ذلك أن يقذف مجنوناً بالزّنى . أو صغيراً بالزّنى . أو مسلمة قد زنت . أو مسلما قد زنى ، أو من معها أولاد لا يعرف لهم أب ، وذلك لعدم العفّة في هذه الثّلاثة الأخيرة . ومنها كون المقذوف معلوماً ، فإن لم يكن كذلك فلا حدّ ، بل التّعزير ، لأنّ الفعل معصية لا حدّ فيها . وبناء على ذلك يعزّر - ولا يحدّ - من قذف بالزّنى جدّ آخر دون بيان الجدّ . أو أخاه كذلك ، وكان له أكثر من أخ . </p><p>ولا حدّ في القذف بغير الصّريح ، ومن ذلك : القذف بالكناية ، أو التّعريض ، فليس فيه عند الحنفيّة حدّ ، بل التّعزير ، وكذلك عند الشّافعيّة . ويرى مالك : الحدّ في القذف بالتّعريض أو الكناية . والّذين منعوا الحدّ قالوا بالتّعزير ، لأنّ الفعل يكون جريمة لا حدّ فيها . </p><p>ولا حدّ إذا رماه بألفاظ لا تفيد الزّنى صراحة . كقوله : يا فاجر ، بل يعزّر . </p><p>وكذلك الشّأن إذا رماه بما لا يعتبر زنى ، كمن رمى آخر بالتّخنّث . ويعزّر كذلك عند أبي حنيفة من يرمي آخر بأنّه يعمل عمل قوم لوط ، لأنّ هذا الفعل لا يوجب حدّ الزّنى عنده . أمّا مالك والشّافعيّ وأبو يوسف ومحمّد فإنّهم يقولون بالحدّ ، ومن ثمّ فلا تعزير في ذلك ، بل فيه حدّ القذف عند هؤلاء . ومردّ الخلاف : هو في أنّ اللّواط هل هو زنى أم لا ؟ . </p><p>فمن قالوا : بأنّه زنى ، جعلوا في القذف به حدّ القذف . ومن قالوا : بغير ذلك ، جعلوا في القذف به التّعزير . ومن قذف آخر قذفاً مقيّداً بشرط أو أجل يعزّر ولا يحدّ . </p><p>وإذا لم يكن القول قذفاً ، بل مجرّد سبّ أو شتم فإنّه يكون معصية لا حدّ فيها ، ففيها التّعزير . ومن ذلك قوله : يا نصرانيّ ، أو يا زنديق ، أو يا كافر ، في حين أنّه مسلم . وكذلك من قال لآخر : يا مخنّث ، أو يا منافق ، ما دام المجنيّ عليه غير متّصف بذلك . ويعزّر كذلك في مثل : يا آكل الرّبا ، أو يا شارب الخمر ، أو يا خائن ، أو يا سارق ، وكلّه بشرط كون المجنيّ عليه غير معروف بما نسب إليه . وكذلك من قال لآخر : يا بليد ، أو يا قذر ، أو يا سفيه ، أو يا ظالم ، أو يا أعور ، وهو صحيح ، أو يا مقعد ، وهو صحيح كذلك على سبيل الشّتم . وعلى وجه العموم يعزّر من شتم آخر ، مهما كان الشّتم ، لأنّه معصية . ويرجع في تحديد الفعل الموجب للتّعزير إلى العرف ، فإذا لم يكن الفعل المنسوب للمجنيّ عليه ممّا يلحق به في العرف العار والأذى والشّين ، فلا عقاب على الجاني ، إذ لا يكون ثمّة جريمة .</p><p>السّرقة الّتي لا حدّ فيها :</p><p>38 - السّرقة من جرائم الحدود ما دامت قد استوفت شروطها الشّرعيّة ، وأهمّها : الخفية . وكون موضوع السّرقة مالا ، مملوكا لغير السّارق ، محرّزاً ، نصاباً . فإذا تخلّف شرط من شروط الحدّ فلا يقام ، ولكن يعزّر الفاعل ، لأنّه ارتكب جريمة ليس فيها حدّ مقدّر . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( سرقة ) .</p><p>قطع الطّريق الّذي لا حدّ فيه :</p><p>39 - قطع الطّريق كغيره من جرائم الحدود ، يجب لكي يكون فيه الحدّ أن تتوافر شروط معيّنة ، وإلّا فلا يقام الحدّ ، ويعزّر الجاني ما دام قد ارتكب معصية لا حدّ فيها . </p><p>ومن الشّروط : أن يكون الجاني بالغاً ، ذكراً ، وأن يكون المجنيّ عليه مسلماً ، أو ذمّيّاً ، وأن تكون يده على المال صحيحة ، وأن لا يكون في القطّاع ذو رحم محرم لأحد المقطوع عليه ، وأن يكون المقطوع فيه مالاً متقوّماً معصوماً مملوكاً ، لا ملك فيه للقاطع ، ولا شبهة ملك ، محرّزاً ، نصاباً ، وأن يكون قطع الطّريق في غير المصر . </p><p>وتفصيل ذلك في ( حرابة ) .</p><p>الجرائم الّتي موجبها الأصليّ التّعزير :</p><p>بعض الجرائم الّتي تقع على آحاد النّاس :</p><p>شهادة الزّور :</p><p>40 - حرّم قول الزّور في القرآن الكريم بقوله تعالى { وَاجْتَنِبُوا قَولَ الزُّورِ } .</p><p>وفي السّنّة بما ورد : « أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم عدّ قول الزّور وشهادة الزّور من أكبر الكبائر » وما دام أنّه ليس فيها عقوبة مقدّرة ، ففيها التّعزير .</p><p>الشّكوى بغير حقّ :</p><p>41 - ذكر صاحب ( تبصرة الحكّام ) أنّ من قام بشكوى بغير حقّ يؤدّب . </p><p>وقال البهوتيّ : إنّه إذا ظهر كذب المدّعي في دعواه بما يؤذي به المدّعى عليه ، فإنّه يعزّر لكذبه وإيذائه للمدّعى عليه .</p><p>قتل حيوان غير مؤذ أو الإضرار به :</p><p>42 - نهى الرّسول صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان في قوله : « إنّ امرأة دخلت النّار في هرّة حبستها ، فلا هي أطعمتها وسقتها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض » فهذا الفعل معصية ، فيعزّر الفاعل ما دام الفعل ليس فيه حدّ مقدّر . </p><p>ومن الأمثلة على الجرائم في هذا المجال : قطع ذنب حيوان ، فقد ذكر فقهاء الحنفيّة أنّ : ممّا يوجب التّعزير ما ذكر ابن رستم فيمن قطع ذنب برذون .</p><p>انتهاك حرمة ملك الغير :</p><p>43 - دخول بيوت الغير بدون إذن ممنوع شرعاً لقوله تعالى : { لا تَدْخُلُوا بُيُوتَاً غَيرَ بُيُوتِكُمْ حتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } وبناء على هذا الأصل قيل بتعزير من يوجد في منزل آخر بغير إذنه أو علمه ، ودون أن يتّضح سبب مشروع لهذا الدّخول .</p><p>جرائم مضرّة بالمصلحة العامّة :</p><p>44 - توجد جرائم مضرّة بالمصلحة العامّة ليست فيها عقوبات مقدّرة ، وفيها التّعزير . من هذه الجرائم : التّجسّس للعدوّ على المسلمين ، فهو منهيّ عنه لقوله تعالى { ولا تَجَسَّسُوا } ، وقوله { . . . لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَولِياءَ تُلْقُونَ إِليْهمْ بِالمَوَدَّةِ } . </p><p>ولمّا كانت هذه الجريمة ليست لها عقوبة مقدّرة ففيها التّعزير . وتفصيله في ( تجسّس ) .</p><p>الرّشوة :</p><p>45 - هي جريمة محرّمة بالقرآن لقوله تعالى : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } وهي في اليهود وكانوا يأكلون السّحت من الرّشوة . </p><p>وهي كذلك محرّمة بالسّنّة لحديث : « لعن اللّه الرّاشي والمرتشي والرّائش » . </p><p>ولمّا كانت هذه الجريمة ليست فيها عقوبة مقدّرة ففيها التّعزير .</p><p>تجاوز الموظّفين حدودهم ، وتقصيرهم :</p><p>هذه معصية ليست فيها عقوبة مقدّرة ، ولها صور منها : </p><p>أ - جور القاضي :</p><p>46 - إذا جار القاضي في الحكم عمدا يعزّر ، ويعزل ، ويضمن في ماله ، لأنّه فيما جار ليس بقاض ، ولكنّه إتلاف بغير حقّ ، فيكون فيه كغيره في إيجاب الضّمان عليه في ماله . إذا جار مخطئا لم يكن عليه غرم قضائه ، لأنّه ليس معصوماً عن الخطأ لقوله تعالى : </p><p>{ وَلَيْسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ به }</p><p>ب - ترك العمل أو الامتناع عمداً عن تأدية الواجب :</p><p>47 - كلّ عمل من شأنه تعطيل الوظائف العامّة أو عدم انتظامها هو جريمة تستوجب التّعزير ، والغرض من ذلك ضمان حسن سير العمل ، حتّى تقوم السّلطة بواجباتها على أكمل وجه . وعلى ذلك : فيعزّر كلّ من ترك عمله ، أو امتنع عن عمل من أعمال الوظيفة قاصدا عرقلة سير العمل ، أو الإخلال بانتظامه ، ويعزّر عموما كلّ من يتمرّد في وظيفته ، أو يستعمل القوّة ، أو العنف مع رؤسائه ، ويترك عمله . </p><p>ومن ذلك تعدّي أحد الموظّفين المدنيّين أو العسكريّين على غيره استغلالاً لوظيفته .</p><p>مقاومة رجال السّلطة والاعتداء عليهم :</p><p>48 - التّعدّي على الموظّفين العموميّين والمكلّفين بخدمة عامّة يستحقّ التّعزير . </p><p>ومن الأمثلة الّتي أوردها الفقهاء في هذا المجال : إهانة العلماء أو رجال الدّولة بما لا يليق ، سواء كان ذلك بالإشارة ، أو القول ، أو بغير ذلك . والتّعدّي على أحد الجنود باليد ، أو تمزيق ثيابه ، أو سبّه ، ففيه التّعزير ، والتّضمين عن التّلف . ومن ذلك : إهانة محكمة قضائيّة ، وكذلك جرائم الجلسة ، فالقاضي له فيها التّعزير ، وإن عفا فحسن .</p><p>هرب المحبوسين وإخفاء الجناة :</p><p>49 - من ذلك من يؤوي محاربا ، أو سارقا ، أو نحوهما ، ممّن عليه حقّ للّه تعالى أو لآدميّ ، ويمنع من أن يستوفى هذا الحقّ . فقد قيل : إنّه شريك في جرمه ويعزّر ، ويطلب إحضاره ، أو الإعلام عن مكانه ، فإن امتنع يحبس ، ويضرب مرّة بعد مرّة، حتّى يستجيب. </p><p>تقليد المسكوكات الزّيوف والمزوّرة :</p><p>50 - تقليد المسكوكات الّتي في التّداول والإعانة على صرف العملة الفاسدة ونشرها جريمة فيها التّعزير . ففي ( عدّة أرباب الفتوى ) في رجل يعمل السّكّة المصنوعة ريالا وذهبا وروبيّة ، وفي رجل ينشر هذه المسكوكات الزّائفة ويروّجها : أنّهما يعزّران .</p><p>التّزوير :</p><p>51 - في هذه الجريمة التّعزير ، فقد روي : أنّ معن بن زياد عمل خاتماً على نقش خاتم بيت المال فأخذ مالاً ، فضربه عمر رضي الله عنه مائة جلدة ، وحبسه ، ثمّ ضربه مائة أخرى ، ثمّ ثالثة ، ثمّ نفاه . ومن موجبات التّعزير : كتابة الخطوط والصّكوك بالتّزوير .</p><p>البيع بأكثر من السّعر الجبريّ :</p><p>52 - قد تدعو الحال لتسعير الحاجيّات ، فإن كان ذلك : فالبيع بأكثر من السّعر المحدّد فيه التّعزير . ومن ذلك : الامتناع عن البيع ، ففيه الأمر بالواجب والعقاب على ترك الواجب . ومن ذلك : احتكار الحاجات للتّحكّم في السّعر لحديث : « لا يحتكر إلا خاطئ » .</p><p>الغشّ في المكاييل والموازين :</p><p>53 - يقول اللّه تعالى : { أَوْفُوا الكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِن المُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ } . وفي الحديث : « من غشّنا فليس منّا » وبناء على ذلك : فالغشّ في الكيل والوزن معصية ، وليس فيها حدّ مقدّر ، ففيها التّعزير .</p><p>المشتبه فيهم :</p><p>54 - قد يكون التّعزير لا لارتكاب فعل معيّن ، ولكن لحالة الجاني الخطرة ، وقد قال بعض الفقهاء بتعزير من يتّهم بالسّرقة ، ولو لم يرتكب سرقة جديدة ، ومن يعرف أو يتّهم بارتكاب جرائم ضدّ النّفس ، كالقتل والضّرب والجرح .</p><p>سقوط التّعزير :</p><p>55 - تسقط العقوبة التّعزيريّة بأسباب ، منها : موت الجاني ، والعفو عنه ، وتوبته . </p><p>أ - سقوط التّعزير بالموت :</p><p>56 - إذا كانت العقوبة بدنيّة أو مقيّدة للحرّيّة فإنّ موت الجاني مسقط لها بداهة ، لأنّ العقوبة متعلّقة بشخصه ، ومن ذلك : الهجر ، والتّوبيخ ، والحبس ، والضّرب . </p><p>أمّا إذا لم تكن العقوبة متعلّقة بشخص الجاني بل كانت منصّبة على ماله ، كالغرامة والمصادرة ، فموت الجاني بعد الحكم لا يسقطها ، لأنّه يمكن التّنفيذ بها على المال ، وهي تصير بالحكم دينا في الذّمّة ، وتتعلّق تبعا لذلك بتركة الجاني المحكوم عليه .</p><p>ب - سقوط التّعزير بالعفو :</p><p>57 - العفو جائز في التّعزير إذا كان لحقّ اللّه تعالى ، لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة إلّا في حدّ من حدود اللّه » وقوله « أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم » وقوله في الأنصار : « اقبلوا من محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم » ، « وقوله لرجل - قال له : إنّي لقيت امرأة فأصبت منها دون أن أطأها - : أصلّيت معنا ؟ فردّ عليه بنعم ، فتلا قوله تعالى { إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ } » فالإمام له العفو . </p><p>وقيل : إنّه لا يجوز العفو إذا تعلّق التّعزير بحقّ اللّه تعالى كما في تارك الصّلاة . </p><p>وقال الإصطخريّ في رسالته : ومن طعن على أحد الصّحابة ، وجب على السّلطان تأديبه ، وليس له أن يعفو عنه . وقال البعض : إنّ ما كان من التّعزير منصوصاً عليه كوطء جارية امرأته ، أو جارية مشتركة ، يجب امتثال الأمر فيه ، فهنا لا يجوز العفو عندهم ، بل يجب التّعزير ، لامتناع تطبيق الحدّ . وقال البعض : إنّ العفو يكون لمن كانت منه الفلتة والزّلّة ، وفي أهل الشّرف والعفاف ، وعلى ذلك : فشخص الجاني له اعتبار في العفو . </p><p>وإذا كان التّعزير لحقّ آدميّ فقد قيل كذلك : إنّ لوليّ الأمر تركه ، والعفو عنه ، حتّى ولو طلبه صاحب الحقّ فيه ، شأنه في ذلك شأن التّعزير الّذي هو حقّ اللّه تعالى . </p><p>وقيل : لا يجوز تركه عند طلبه ، مثل القصاص ، فليس لوليّ الأمر هنا تركه بعفو أو نحوه ، وعلى ذلك أغلب الفقهاء . وإذا عفا وليّ الأمر عن التّعزير فيما يمسّ المصلحة العامّة ، وكان قد تعلّق بالتّعزير حقّ آدميّ كالشّتم ، فلا يسقط حقّ الآدميّ ، فعلى وليّ الأمر الاستيفاء ، لأنّ الإمام ليس له - على الرّاجح - العفو عن حقّ الفرد . </p><p>وإذا عفا الآدميّ عن حقّه فإنّ عفوه يجوز ، ولكن لا يمسّ هذا حقّ السّلطة . </p><p>وقد فرّق الماورديّ في هذا المجال بين حالتين : </p><p>أ - إذا حصل عفو الآدميّ قبل التّرافع ، فلوليّ الأمر الخيار بين التّعزير أو العفو . </p><p>ب - وإذا حصل بعد التّرافع ، فقد اختلف في العقاب عن حقّ السّلطة على وجهين : </p><p>الأوّل : في قول أبي عبد اللّه الزّبيريّ يسقط بالعفو ، وليس لوليّ الأمر أن يعزّر فيه ، لأنّ حدّ القذف أغلظ ويسقط حكمه بالعفو ، فكان حكم التّعزير لحقّ السّلطة أولى بالسّقوط . والثّاني - وهو الأظهر - أنّ لوليّ الأمر أن يعزّر فيه مع العفو قبل التّرافع إليه ، كما يجوز له ذلك بعد التّرافع مخالفة للعفو عن حدّ القذف في الموضعين ، لأنّ التّقويم من الحقوق العامّة .</p><p>سقوط التّعزير بالتّوبة :</p><p>58 - اختلف الفقهاء في أثر التّوبة في التّعزير : فعند الحنفيّة والمالكيّة وبعض الشّافعيّة والحنابلة : أنّه لا تسقط العقوبة بالتّوبة ، لأنّها كفّارة عن المعصية . وعند هؤلاء في تعليل ذلك : عموم أدلّة العقوبة بلا تفرقة بين تائب وغيره عدا المحاربة . وفضلاً عن ذلك فجعل التّوبة ذات أثر في إسقاط العقوبة يجعل لكلّ ادّعاءها ، للإفلات من العقاب . </p><p>وعند فريق آخر ، منهم الشّافعيّة والحنابلة : أنّ التّوبة قبل القدرة تسقط العقوبة قياساً على حدّ المحاربة ، استنادا إلى ما ورد في الصّحيحين من حديث أنس رضي الله عنه « كنت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال : يا رسول اللّه ، إنّي أصبت حدّاً فأقمه عليّ ، ولم يسأله عنه . فحضرت الصّلاة فصلّى مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم . فلمّا قضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم الصّلاة قام إليه الرّجل ، فأعاد قوله ، فقال : أليس قد صلّيت معنا ؟ قال نعم . قال : فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد غفر لك ذنبك » . </p><p>وفي هذا دليل على أنّ الجاني غفر له لمّا تاب . وفضلا عن ذلك فإنّه إذا جازت التّوبة في المحاربة مع شدّة ضررها وتعدّيه ، فأولى التّوبة فيما دونها . وهؤلاء يقصرون السّقوط بالتّوبة على ما فيه اعتداء على حقّ اللّه ، بخلاف ما يمسّ الأفراد . </p><p>وقال ابن تيميّة وابن القيّم : إنّ التّوبة تدفع العقوبة في التّعزير وغيره ، كما تدفعها في المحاربة ، بل إنّ ذلك أولى من المحاربة ، لشدّة ضررها ، وهذا يعتبر مسلكا وسطا بين من يقول : بعدم جواز إقامة العقوبة بعد التّوبة ألبتّة . وبين مسلك من يقول : إنّه لا أثر للتّوبة في إسقاط العقوبة ألبتّة . ويترتّب على هذا الرّأي : أنّ التّعزير الواجب حقّا للّه تعالى يسقط بالتّوبة ، إلّا إذا اختار الجاني العقوبة ليطهّر بها نفسه ، فالتّوبة تسقط التّعزير ، على شريطة ألّا يطلب الجاني إقامته ، وذلك بالنّسبة لحقوق المصلحة العامّة . </p><p>واحتجّ القائلون بذلك بأنّ اللّه عزّ وجلّ جعل توبة الكفّار سببا لغفران ما سلف واحتجّوا بقوله تعالى : { قُلْ لِلَّذينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } .</p><p>وأنّ السّنّة عليه كذلك ، ففي الحديث : « التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له » .</p></blockquote><p></p>
[QUOTE="ابن عامر الشامي, post: 41292, member: 329"] ب - الإتلاف : 22 - قال ابن تيميّة : إنّ المنكرات من الأعيان والصّفات يجوز إتلاف محلّها تبعاً لها ، فالأصنام صورها منكرة ، فيجوز إتلاف مادّتها ، وآلات اللّهو يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء ، وبذلك أخذ مالك ، وهو أشهر الرّوايتين عن أحمد . ومن هذا القبيل أيضاً أوعية الخمر ، يجوز تكسيرها وتحريقها ، والمحلّ الّذي يباع فيه الخمر يجوز تحريقه ، واستدلّ لذلك بفعل عمر رضي الله عنه في تحريق محلّ يباع فيه الخمر ، وقضاء عليّ رضي الله عنه تحريق القرية الّتي كان يباع فيها الخمر ، ولأنّ مكان البيع كالأوعية . وقال : إنّ هذا هو المشهور في مذهب أحمد ، ومالك ، وغيرهما . ومن هذا القبيل أيضاً : إراقة عمر اللّبن المخلوط بالماء للبيع . ومنه ما يراه بعض الفقهاء من جواز إتلاف المغشوشات في الصّناعات ، كالثّياب رديئة النّسج ، بتمزيقها وإحراقها ، وتحريق عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما لثوبه المعصفر بأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال ابن تيميّة : إنّ هذا الإتلاف للمحلّ الّذي قامت به المعصية نظيره إتلاف المحلّ من الجسم الّذي وقعت به المعصية ، كقطع يد السّارق . وهذا الإتلاف ليس واجباً في كلّ حالة ، فإذا لم يكن في المحلّ مفسد فإنّ إبقاءه جائز ، إمّا له أو يتصدّق به . وبناء على ذلك أفتى فريق من العلماء : بأن يتصدّق بالطّعام المغشوش . وفي هذا إتلاف له . وكره فريق الإتلاف ، وقالوا بالتّصدّق به ، ومنهم مالك في رواية ابن القاسم ، وهي المشهورة في المذهب . وقد استحسن مالك التّصدّق باللّبن المغشوش ، لأنّ في ذلك عقابا للجاني بإتلافه عليه ، ونفعاً للمساكين بالإعطاء لهم . وقال مالك في الزّعفران والمسك بمثل قوله في اللّبن إذا غشّهما الجاني . وقال ابن القاسم بذلك في القليل من تلك الأموال ، لأنّ التّصدّق بالمغشوش في الكثير من هذه الأموال الثّمينة تضيع به أموال عظيمة على أصحابها ، فيعزّرون في مثل تلك الأحوال بعقوبات أخرى . وعند البعض : أنّ مذهب مالك التّسوية بين القليل والكثير . وروى أشهب عن مالك منع العقوبات الماليّة ، وأخذ بهذه الرّواية كلّ من مطرّف وابن الماجشون من فقهاء المذهب ، وعندهما : أنّ من غشّ أو نقص من الوزن يعاقب بالضّرب ، والحبس ، والإخراج من السّوق ، وأنّ ما غشّ من الخبز واللّبن ، أو غشّ من المسك والزّعفران لا يفرّق ولا ينهب. ج - التّغيير : 23 - من التّعزير بالتّغيير نهي النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن كسر سكّة المسلمين الجائزة بين المسلمين ، كالدّراهم والدّنانير ، إلا إذا كان بها بأس ، فإذا كانت كذلك كسرت ، وفعل الرّسول صلى الله عليه وسلم في التّمثال الّذي كان في بيته ، والسّتر الّذي به تماثيل ، إذ قطع رأس التّمثال فصار كالشّجرة ، وقطع السّتر إلى وسادتين منتبذتين يوطآن . ومن ذلك : تفكيك آلات اللّهو ، وتغيير الصّور المصوّرة . د - التّمليك : 24 - من التّعزير بالتّمليك : « قضاء الرّسول صلى الله عليه وسلم فيمن سرق من الثّمر المعلّق قبل أن يؤخذ إلى الجرين بجلدات نكال ، وغرم ما أخذ مرّتين » « وفيمن سرق من الماشية قبل أن تؤوي إلى المراح بجلدات نكال ، وغرم ذلك مرّتين » وقضاء عمر رضي الله عنه بتضعيف الغرم على كاتم الضّالّة ، وقد قال بذلك طائفة من العلماء ، منهم : أحمد ، وغيره ، ومن ذلك إضعاف عمر وغيره الغرم في ناقة أعرابيّ أخذها مماليك جياع ، إذ أضعف الغرم على سيّدهم ، ودرأ القطع . أنواع أخرى من التّعزير : هناك أنواع أخرى من التّعزير غير ما سبق . منها : الإعلام المجرّد ، والإحضار لمجلس القضاء ، والتّوبيخ والهجر . أ - الإعلام المجرّد : 25 - الإعلام : صورته أن يقول القاضي للجاني : بلغني أنّك فعلت كذا وكذا ، أو يبعث القاضي أمينه للجاني ، ليقول له ذلك . وقد قيّد البعض الإعلام ، بأن يكون مع النّظر بوجه عابس . ب - الإحضار لمجلس القضاء : 26 - قال الكاسانيّ : إنّ هذا النّوع من التّعزير يكون بالإعلام ، والذّهاب إلى باب القاضي ، والخطاب بالمواجهة . وقال البعض : إنّه يكون بالإعلام ، والجرّ لباب القاضي ، والخصومة فيما نسب إلى الجاني. والفرق بين هذه العقوبة والإعلام المجرّد : أنّ في هذه العقوبة يؤخذ الجاني إلى القاضي زيادة عن الإعلام ، وذلك ليخاطبه في المواجهة . وبناء على ما ذكره الكمال بن الهمام : تتميّز هذه عن الإعلام المجرّد بالخصومة فيما نسب إلى الجاني . وكثيراً ما يلجأ القاضي لهذين النّوعين أو لواحد منهما إذا كان الجاني قد ارتكب الجريمة على سبيل الزّلّة والنّدور ابتداء ، إذا كان ذلك زاجراً ، على شريطة كون الجريمة غير جسيمة . ج - التّوبيخ : مشروعيّة التّوبيخ : 27 - التّعزير بالتّوبيخ مشروع باتّفاق الفقهاء ، فقد « روى أبو ذرّ رضي الله عنه : أنّه سابّ رجلا فعيّره بأمّه ، فقال الرّسول صلى الله عليه وسلم يا أبا ذرّ ، أعيّرته بأمّه ، ، إنّك امرؤ فيك جاهليّة » . وقال الرّسول صلى الله عليه وسلم : « لَيُّ الواجد يُحِلُّ عرضه وعقوبته » . وقد فسّر النّيل من العرض بأن يقال له مثلا : يا ظالم ، يا معتد . وهذا نوع من التّعزير بالقول . وقد جاء في تبصرة الحكّام لابن فرحون : وأمّا التّعزير بالقول فدليله ما ثبت في سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه : « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب فقال : اضربوه فقال أبو هريرة : فمِنَّا الضّارب بيده ، ومنّا الضّارب بنعله ، والضّارب بثوبه » . وفي رواية بإسناده : « ثمّ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه بكّتوه فأقبلوا عليه يقولون : ما اتّقيت اللّه ، ما خشيت اللّه ، ما استحييت من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم » . وهذا التّبكيت من التّعزير بالقول . وقد عزّر عمر رضي الله عنه بالتّوبيخ . فقد روي عنه أنّه أنفذ جيشا فغنموا غنائم ، فلمّا رجعوا لبسوا الحرير والدّيباج ، فلمّا رآهم تغيّر وجهه ، وأعرض عنهم ، فقالوا : أعرضت عنّا ، فقال : انزعوا ثياب أهل النّار ، فنزعوا ما كانوا يلبسون من الحرير والدّيباج . وذلك فيه تعزير لهم بالإعراض عنهم ، وفيه توبيخ لهم . كيفيّة التّوبيخ : 28 - التّوبيخ قد يكون بإعراض القاضي عن الجاني ، أو بالنّظر له بوجه عبوس ، وقد يكون بإقامة الجاني من مجلس القضاء ، وقد يكون بالكلام العنيف ، ويكون بزواجر الكلام وغاية الاستخفاف ، على شريطة أن لا يكون فيه قذف ، ومنع البعض ما فيه السّبّ أيضاً . د - الهجر : 29 - الهجر معناه : مقاطعة الجاني ، والامتناع عن الاتّصال به ، أو معاملته بأيّ نوع ، أو أيّة طريقة كانت . وهو مشروع بدليل قوله تعالى : { وَاللاتيْ تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في المَضَاجِعِ } وقد « هجر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه الثّلاثة الّذين تخلّفوا عنه في غزوة تبوك » . وعاقب عمر صبيغا بالهجر لمّا نفاه إلى البصرة ، وأمر ألا يجالسه أحد . وهذا منه عقوبة بالهجر . الجرائم الّتي شرع فيها التّعزير : 30 - الجرائم الّتي شرع فيها التّعزير قد تكون من قبيل ما شرع في جنسه عقوبة مقدّرة من حدّ أو قصاص ، لكنّ هذه العقوبة لا تطبّق ، لعدم توافر شرائط تطبيقها ، ومنها ما فيه عقوبة مقدّرة ، ولكنّ هذه العقوبة لا تطبّق عليها لمانع ، كوجود شبهة تستوجب درء الحدّ ، أو عفو صاحب الحقّ عن طلبه . وقد تكون الجرائم التّعزيريّة غير ما ذكر فيكون فيها التّعزير أصلاً . ويدخل في هذا القسم ما لا يدخل في سابقه من جرائم . وفيما يلي تفصيل ذلك . الجرائم الّتي يشرع فيها التّعزير بديلاً عن الحدود : جرائم الاعتداء على النّفس ، وما دونها : 31 - يدخل في هذا الموضوع : الكلام في جرائم الاعتداء على النّفس ، وهي الّتي يترتّب عليها إزهاق الرّوح ، والكلام في جرائم الاعتداء على ما دون النّفس وهي الّتي تقع على البدن دون أن تؤدّي لإزهاق الرّوح : جرائم القتل " الجناية على النّفس " : القتل العمد : 32 - القتل العمد العدوان موجبه القصاص ، ويجب لذلك توافر شروط ، أهمّها : كون القاتل قد تعمّد تعمّدا محضا ليس فيه شبهة ، وكونه مختاراً ، ومباشراً للقتل ، وألا يكون المقتول جزء القاتل ، وأن يكون معصوم الدّم مطلقاً . وفضلاً عن ذلك يجب للقصاص : أن يطلب من وليّ الدّم . فإذا اختلّ شرط من هذه الشّروط امتنع القصاص ، وفيه التّعزير . وفي ذلك خلاف وتفصيل ينظر في ( قتل - قصاص ) . القتل شبه العمد : 33 - قال البهوتيّ ، نقلاً عن " المبدع " : قد يقال بوجوب التّعزير في القتل شبه العمد ، لأنّ الكفّارة حقّ للّه تعالى وليست لأجل الفعل ، بل بدل النّفس الفائتة ، فأمّا نفس الفعل المحرّم - الّذي هو الجناية - فلا كفّارة فيه . 34 - ومن الأصول الثّابتة عند الحنفيّة : أنّ ما لا قصاص فيه عندهم كالقتل بالمثقّل - وهو القتل بمثل الحجر الكبير أو الخشبة العظيمة - يجوز للإمام أن يعزّر فيه بما يصل للقتل ، إذا تكرّر ارتكابه ، ما دامت فيه مصلحة . وبناء على هذا الأصل قالوا بالتّعزير بالقتل لمن يتكرّر منه الخنق ، أو التّغريق ، أو الإلقاء من مكان مرتفع ، إذا لم يندفع فساده إلا بالقتل . الاعتداء على ما دون النّفس : 35 - إذا كانت الجناية على ما دون النّفس عمدا فيشترط للقصاص فضلا عن شروطه في النّفس : المماثلة ، وإمكان استيفاء المثل . ويرى مالك التّعزير أيضا في الجناية العمد على ما دون النّفس ، إذا سقط القصاص ، أو امتنع لسبب أو لآخر ، فيكون في الجريمة التّعزير مع الدّية ، أو الأرش ، أو بدونه ، تبعاً للأحوال . ومثال ذلك أن تكون الجناية على عظم خطر . إذ العظام الخطرة لا قصاص فيها عنده ، مثل عظام الصّلب ، والفخذ ، والعنق ، ومثل المنقّلة ، والمأمومة ، ويقال ذلك أيضا في الجائفة ، لأنّه لا يستطاع فيها القصاص ، وفي كلّ ما ذهبت منفعته بالجناية مع بقائه قائما في الجسم ، وبقاء جماله ، فإذا ضربه على عينه فذهب بصرها ، وبقي جمالها فلا قود فيها . ومثل ذلك اليد إذا شلّت ولم تبن عن الجسم ، ففي هذه وما يماثلها يعزّر الجاني مع أخذ العقل منه ( أي الدّية ) . وإذا لم يترك الاعتداء على الجسم أثرا : فأغلب الفقهاء على أنّ في ذلك التّعزير ، لا القصاص . ولدى بعض المالكيّة القصاص في ضربة السّوط ، ولو لم يحدث جرحا ولا شجّة ، مع أنّه لا قصاص عندهم في اللّطمة ، وضربة العصا ، إلا إذا خلّفت جرحاً أو شجّة . وروي عن مالك : أنّ ضربة السّوط في ذلك كاللّطمة فيه الأدب ، ونقل ذلك ابن عرفة عن أشهب . ويرى ابن القيّم وبعض الحنابلة : القصاص في اللّطمة والضّربة . الزّنى الّذي لا حدّ فيه ، ومقدّماته : 36 - الزّنى إذا توافرت الشّرائط الشّرعيّة لثبوته فإنّ فيه حدّ الزّنى ، أمّا إذا لم يطبّق الحدّ المقدّر لوجود شبهة ، أو لعدم توافر شريطة من الشّرائط الشّرعيّة لثبوت الحدّ ، فإنّ الفعل يكون جريمة شرع الحكم فيها - أو في جنسها - لكنّه لم يطبّق . وكلّ جريمة لا حدّ فيها ولا قصاص ففيها التّعزير . وبناء على ذلك : إذا كانت هناك شبهة تدرأ الحدّ ، سواء كانت شبهة فعل ، أو شبهة ملك ، أو شبهة عقد ، فإنّ الحدّ لا يطبّق . لكنّ الجاني يعزّر ، لأنّه ارتكب جريمة ليست فيها عقوبة مقدّرة . وتعرف الشّبهة بأنّها : ما يشبه الثّابت وليس بثابت . أو : هي وجود المبيح صورة ، مع عدم حكمه أو حقيقته ، وتفصيل ذلك في ( اشتباه ) . وإذا كانت المزنيّ بها ميّتة ففي هذا الفعل التّعزير ، لأنّه لا يعتبر زنى ، إذ حياة المزنيّ بها شريطة في الحدّ . وإذا لم يكن الفعل من رجل فلا يقام الحدّ ، بل التّعزير ، ومن ذلك : المساحقة . وإذا لم يكن الفعل في قبل امرأة فأبو حنيفة على عدم الحدّ ، لكنّ فيه التّعزير ، ومن ذلك أن يكون الفعل في الدّبر . وهو قول للشّافعيّة . والقول بالقتل على كلّ حال مرويّ عن ابن عبّاس رضي الله عنهما وهو قول آخر للشّافعيّة ، والمذهب عند الشّافعيّة : أنّه زنى ، وفيه الحدّ . وقال قوم : إنّ اللّواط زنى ، وفيه حدّ الزّنى . ومن هؤلاء : مالك ، وهو المشهور لدى الشّافعيّ ، وهو رأي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة . واختلفت الرّواية عن أحمد : فقد روي عنه أنّ فيه حدّ الزّنى : وإذا كان الفعل في زوجة الفاعل فلا حدّ فيه بالإجماع . والجمهور على أنّه يستوجب التّعزير . وممّا يستوجب التّعزير في هذا المجال كلّ ما دون الوقاع من أفعال ، كالوطء فيما دون الفرج ، ويستوي فيه المسلم ، والكافر ، والمحصن ، وغيره . ومنه أيضاً : إصابة كلّ محرّم من المرأة غير الجماع . وعناق الأجنبيّة، أم تقبيلها. وممّا فيه التّعزير كذلك : كشف العورة لآخر ، وخداع النّساء ، والقوادة ، وهي : الجمع بين الرّجال والنّساء للزّنى ، وبين الرّجال والرّجال للّواط . القذف الّذي لا حدّ فيه والسّبّ : 37 - حدّ القذف لا يقام على القاذف إلّا بشرائطه ، فإذا انعدم واحد منها أو اختلّ فإنّ الجاني لا يحدّ . ويعزّر عند طلب المقذوف ، لأنّه ارتكب معصية لا حدّ فيها . ومن شروط القذف الّذي فيه الحدّ : كون المقذوف محصناً . فإذا لم يكن كذلك فلا يحدّ القاذف ، ولكن يعزّر . ومن ذلك أن يقذف مجنوناً بالزّنى . أو صغيراً بالزّنى . أو مسلمة قد زنت . أو مسلما قد زنى ، أو من معها أولاد لا يعرف لهم أب ، وذلك لعدم العفّة في هذه الثّلاثة الأخيرة . ومنها كون المقذوف معلوماً ، فإن لم يكن كذلك فلا حدّ ، بل التّعزير ، لأنّ الفعل معصية لا حدّ فيها . وبناء على ذلك يعزّر - ولا يحدّ - من قذف بالزّنى جدّ آخر دون بيان الجدّ . أو أخاه كذلك ، وكان له أكثر من أخ . ولا حدّ في القذف بغير الصّريح ، ومن ذلك : القذف بالكناية ، أو التّعريض ، فليس فيه عند الحنفيّة حدّ ، بل التّعزير ، وكذلك عند الشّافعيّة . ويرى مالك : الحدّ في القذف بالتّعريض أو الكناية . والّذين منعوا الحدّ قالوا بالتّعزير ، لأنّ الفعل يكون جريمة لا حدّ فيها . ولا حدّ إذا رماه بألفاظ لا تفيد الزّنى صراحة . كقوله : يا فاجر ، بل يعزّر . وكذلك الشّأن إذا رماه بما لا يعتبر زنى ، كمن رمى آخر بالتّخنّث . ويعزّر كذلك عند أبي حنيفة من يرمي آخر بأنّه يعمل عمل قوم لوط ، لأنّ هذا الفعل لا يوجب حدّ الزّنى عنده . أمّا مالك والشّافعيّ وأبو يوسف ومحمّد فإنّهم يقولون بالحدّ ، ومن ثمّ فلا تعزير في ذلك ، بل فيه حدّ القذف عند هؤلاء . ومردّ الخلاف : هو في أنّ اللّواط هل هو زنى أم لا ؟ . فمن قالوا : بأنّه زنى ، جعلوا في القذف به حدّ القذف . ومن قالوا : بغير ذلك ، جعلوا في القذف به التّعزير . ومن قذف آخر قذفاً مقيّداً بشرط أو أجل يعزّر ولا يحدّ . وإذا لم يكن القول قذفاً ، بل مجرّد سبّ أو شتم فإنّه يكون معصية لا حدّ فيها ، ففيها التّعزير . ومن ذلك قوله : يا نصرانيّ ، أو يا زنديق ، أو يا كافر ، في حين أنّه مسلم . وكذلك من قال لآخر : يا مخنّث ، أو يا منافق ، ما دام المجنيّ عليه غير متّصف بذلك . ويعزّر كذلك في مثل : يا آكل الرّبا ، أو يا شارب الخمر ، أو يا خائن ، أو يا سارق ، وكلّه بشرط كون المجنيّ عليه غير معروف بما نسب إليه . وكذلك من قال لآخر : يا بليد ، أو يا قذر ، أو يا سفيه ، أو يا ظالم ، أو يا أعور ، وهو صحيح ، أو يا مقعد ، وهو صحيح كذلك على سبيل الشّتم . وعلى وجه العموم يعزّر من شتم آخر ، مهما كان الشّتم ، لأنّه معصية . ويرجع في تحديد الفعل الموجب للتّعزير إلى العرف ، فإذا لم يكن الفعل المنسوب للمجنيّ عليه ممّا يلحق به في العرف العار والأذى والشّين ، فلا عقاب على الجاني ، إذ لا يكون ثمّة جريمة . السّرقة الّتي لا حدّ فيها : 38 - السّرقة من جرائم الحدود ما دامت قد استوفت شروطها الشّرعيّة ، وأهمّها : الخفية . وكون موضوع السّرقة مالا ، مملوكا لغير السّارق ، محرّزاً ، نصاباً . فإذا تخلّف شرط من شروط الحدّ فلا يقام ، ولكن يعزّر الفاعل ، لأنّه ارتكب جريمة ليس فيها حدّ مقدّر . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( سرقة ) . قطع الطّريق الّذي لا حدّ فيه : 39 - قطع الطّريق كغيره من جرائم الحدود ، يجب لكي يكون فيه الحدّ أن تتوافر شروط معيّنة ، وإلّا فلا يقام الحدّ ، ويعزّر الجاني ما دام قد ارتكب معصية لا حدّ فيها . ومن الشّروط : أن يكون الجاني بالغاً ، ذكراً ، وأن يكون المجنيّ عليه مسلماً ، أو ذمّيّاً ، وأن تكون يده على المال صحيحة ، وأن لا يكون في القطّاع ذو رحم محرم لأحد المقطوع عليه ، وأن يكون المقطوع فيه مالاً متقوّماً معصوماً مملوكاً ، لا ملك فيه للقاطع ، ولا شبهة ملك ، محرّزاً ، نصاباً ، وأن يكون قطع الطّريق في غير المصر . وتفصيل ذلك في ( حرابة ) . الجرائم الّتي موجبها الأصليّ التّعزير : بعض الجرائم الّتي تقع على آحاد النّاس : شهادة الزّور : 40 - حرّم قول الزّور في القرآن الكريم بقوله تعالى { وَاجْتَنِبُوا قَولَ الزُّورِ } . وفي السّنّة بما ورد : « أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم عدّ قول الزّور وشهادة الزّور من أكبر الكبائر » وما دام أنّه ليس فيها عقوبة مقدّرة ، ففيها التّعزير . الشّكوى بغير حقّ : 41 - ذكر صاحب ( تبصرة الحكّام ) أنّ من قام بشكوى بغير حقّ يؤدّب . وقال البهوتيّ : إنّه إذا ظهر كذب المدّعي في دعواه بما يؤذي به المدّعى عليه ، فإنّه يعزّر لكذبه وإيذائه للمدّعى عليه . قتل حيوان غير مؤذ أو الإضرار به : 42 - نهى الرّسول صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان في قوله : « إنّ امرأة دخلت النّار في هرّة حبستها ، فلا هي أطعمتها وسقتها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض » فهذا الفعل معصية ، فيعزّر الفاعل ما دام الفعل ليس فيه حدّ مقدّر . ومن الأمثلة على الجرائم في هذا المجال : قطع ذنب حيوان ، فقد ذكر فقهاء الحنفيّة أنّ : ممّا يوجب التّعزير ما ذكر ابن رستم فيمن قطع ذنب برذون . انتهاك حرمة ملك الغير : 43 - دخول بيوت الغير بدون إذن ممنوع شرعاً لقوله تعالى : { لا تَدْخُلُوا بُيُوتَاً غَيرَ بُيُوتِكُمْ حتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا } وبناء على هذا الأصل قيل بتعزير من يوجد في منزل آخر بغير إذنه أو علمه ، ودون أن يتّضح سبب مشروع لهذا الدّخول . جرائم مضرّة بالمصلحة العامّة : 44 - توجد جرائم مضرّة بالمصلحة العامّة ليست فيها عقوبات مقدّرة ، وفيها التّعزير . من هذه الجرائم : التّجسّس للعدوّ على المسلمين ، فهو منهيّ عنه لقوله تعالى { ولا تَجَسَّسُوا } ، وقوله { . . . لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَولِياءَ تُلْقُونَ إِليْهمْ بِالمَوَدَّةِ } . ولمّا كانت هذه الجريمة ليست لها عقوبة مقدّرة ففيها التّعزير . وتفصيله في ( تجسّس ) . الرّشوة : 45 - هي جريمة محرّمة بالقرآن لقوله تعالى : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أكَّالُونَ لِلسُّحْتِ } وهي في اليهود وكانوا يأكلون السّحت من الرّشوة . وهي كذلك محرّمة بالسّنّة لحديث : « لعن اللّه الرّاشي والمرتشي والرّائش » . ولمّا كانت هذه الجريمة ليست فيها عقوبة مقدّرة ففيها التّعزير . تجاوز الموظّفين حدودهم ، وتقصيرهم : هذه معصية ليست فيها عقوبة مقدّرة ، ولها صور منها : أ - جور القاضي : 46 - إذا جار القاضي في الحكم عمدا يعزّر ، ويعزل ، ويضمن في ماله ، لأنّه فيما جار ليس بقاض ، ولكنّه إتلاف بغير حقّ ، فيكون فيه كغيره في إيجاب الضّمان عليه في ماله . إذا جار مخطئا لم يكن عليه غرم قضائه ، لأنّه ليس معصوماً عن الخطأ لقوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ به } ب - ترك العمل أو الامتناع عمداً عن تأدية الواجب : 47 - كلّ عمل من شأنه تعطيل الوظائف العامّة أو عدم انتظامها هو جريمة تستوجب التّعزير ، والغرض من ذلك ضمان حسن سير العمل ، حتّى تقوم السّلطة بواجباتها على أكمل وجه . وعلى ذلك : فيعزّر كلّ من ترك عمله ، أو امتنع عن عمل من أعمال الوظيفة قاصدا عرقلة سير العمل ، أو الإخلال بانتظامه ، ويعزّر عموما كلّ من يتمرّد في وظيفته ، أو يستعمل القوّة ، أو العنف مع رؤسائه ، ويترك عمله . ومن ذلك تعدّي أحد الموظّفين المدنيّين أو العسكريّين على غيره استغلالاً لوظيفته . مقاومة رجال السّلطة والاعتداء عليهم : 48 - التّعدّي على الموظّفين العموميّين والمكلّفين بخدمة عامّة يستحقّ التّعزير . ومن الأمثلة الّتي أوردها الفقهاء في هذا المجال : إهانة العلماء أو رجال الدّولة بما لا يليق ، سواء كان ذلك بالإشارة ، أو القول ، أو بغير ذلك . والتّعدّي على أحد الجنود باليد ، أو تمزيق ثيابه ، أو سبّه ، ففيه التّعزير ، والتّضمين عن التّلف . ومن ذلك : إهانة محكمة قضائيّة ، وكذلك جرائم الجلسة ، فالقاضي له فيها التّعزير ، وإن عفا فحسن . هرب المحبوسين وإخفاء الجناة : 49 - من ذلك من يؤوي محاربا ، أو سارقا ، أو نحوهما ، ممّن عليه حقّ للّه تعالى أو لآدميّ ، ويمنع من أن يستوفى هذا الحقّ . فقد قيل : إنّه شريك في جرمه ويعزّر ، ويطلب إحضاره ، أو الإعلام عن مكانه ، فإن امتنع يحبس ، ويضرب مرّة بعد مرّة، حتّى يستجيب. تقليد المسكوكات الزّيوف والمزوّرة : 50 - تقليد المسكوكات الّتي في التّداول والإعانة على صرف العملة الفاسدة ونشرها جريمة فيها التّعزير . ففي ( عدّة أرباب الفتوى ) في رجل يعمل السّكّة المصنوعة ريالا وذهبا وروبيّة ، وفي رجل ينشر هذه المسكوكات الزّائفة ويروّجها : أنّهما يعزّران . التّزوير : 51 - في هذه الجريمة التّعزير ، فقد روي : أنّ معن بن زياد عمل خاتماً على نقش خاتم بيت المال فأخذ مالاً ، فضربه عمر رضي الله عنه مائة جلدة ، وحبسه ، ثمّ ضربه مائة أخرى ، ثمّ ثالثة ، ثمّ نفاه . ومن موجبات التّعزير : كتابة الخطوط والصّكوك بالتّزوير . البيع بأكثر من السّعر الجبريّ : 52 - قد تدعو الحال لتسعير الحاجيّات ، فإن كان ذلك : فالبيع بأكثر من السّعر المحدّد فيه التّعزير . ومن ذلك : الامتناع عن البيع ، ففيه الأمر بالواجب والعقاب على ترك الواجب . ومن ذلك : احتكار الحاجات للتّحكّم في السّعر لحديث : « لا يحتكر إلا خاطئ » . الغشّ في المكاييل والموازين : 53 - يقول اللّه تعالى : { أَوْفُوا الكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِن المُخْسِرِينَ وَزِنُوا بِالقِسْطَاسِ المُسْتَقِيمِ } . وفي الحديث : « من غشّنا فليس منّا » وبناء على ذلك : فالغشّ في الكيل والوزن معصية ، وليس فيها حدّ مقدّر ، ففيها التّعزير . المشتبه فيهم : 54 - قد يكون التّعزير لا لارتكاب فعل معيّن ، ولكن لحالة الجاني الخطرة ، وقد قال بعض الفقهاء بتعزير من يتّهم بالسّرقة ، ولو لم يرتكب سرقة جديدة ، ومن يعرف أو يتّهم بارتكاب جرائم ضدّ النّفس ، كالقتل والضّرب والجرح . سقوط التّعزير : 55 - تسقط العقوبة التّعزيريّة بأسباب ، منها : موت الجاني ، والعفو عنه ، وتوبته . أ - سقوط التّعزير بالموت : 56 - إذا كانت العقوبة بدنيّة أو مقيّدة للحرّيّة فإنّ موت الجاني مسقط لها بداهة ، لأنّ العقوبة متعلّقة بشخصه ، ومن ذلك : الهجر ، والتّوبيخ ، والحبس ، والضّرب . أمّا إذا لم تكن العقوبة متعلّقة بشخص الجاني بل كانت منصّبة على ماله ، كالغرامة والمصادرة ، فموت الجاني بعد الحكم لا يسقطها ، لأنّه يمكن التّنفيذ بها على المال ، وهي تصير بالحكم دينا في الذّمّة ، وتتعلّق تبعا لذلك بتركة الجاني المحكوم عليه . ب - سقوط التّعزير بالعفو : 57 - العفو جائز في التّعزير إذا كان لحقّ اللّه تعالى ، لقول الرّسول صلى الله عليه وسلم : « تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة إلّا في حدّ من حدود اللّه » وقوله « أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم » وقوله في الأنصار : « اقبلوا من محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم » ، « وقوله لرجل - قال له : إنّي لقيت امرأة فأصبت منها دون أن أطأها - : أصلّيت معنا ؟ فردّ عليه بنعم ، فتلا قوله تعالى { إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ } » فالإمام له العفو . وقيل : إنّه لا يجوز العفو إذا تعلّق التّعزير بحقّ اللّه تعالى كما في تارك الصّلاة . وقال الإصطخريّ في رسالته : ومن طعن على أحد الصّحابة ، وجب على السّلطان تأديبه ، وليس له أن يعفو عنه . وقال البعض : إنّ ما كان من التّعزير منصوصاً عليه كوطء جارية امرأته ، أو جارية مشتركة ، يجب امتثال الأمر فيه ، فهنا لا يجوز العفو عندهم ، بل يجب التّعزير ، لامتناع تطبيق الحدّ . وقال البعض : إنّ العفو يكون لمن كانت منه الفلتة والزّلّة ، وفي أهل الشّرف والعفاف ، وعلى ذلك : فشخص الجاني له اعتبار في العفو . وإذا كان التّعزير لحقّ آدميّ فقد قيل كذلك : إنّ لوليّ الأمر تركه ، والعفو عنه ، حتّى ولو طلبه صاحب الحقّ فيه ، شأنه في ذلك شأن التّعزير الّذي هو حقّ اللّه تعالى . وقيل : لا يجوز تركه عند طلبه ، مثل القصاص ، فليس لوليّ الأمر هنا تركه بعفو أو نحوه ، وعلى ذلك أغلب الفقهاء . وإذا عفا وليّ الأمر عن التّعزير فيما يمسّ المصلحة العامّة ، وكان قد تعلّق بالتّعزير حقّ آدميّ كالشّتم ، فلا يسقط حقّ الآدميّ ، فعلى وليّ الأمر الاستيفاء ، لأنّ الإمام ليس له - على الرّاجح - العفو عن حقّ الفرد . وإذا عفا الآدميّ عن حقّه فإنّ عفوه يجوز ، ولكن لا يمسّ هذا حقّ السّلطة . وقد فرّق الماورديّ في هذا المجال بين حالتين : أ - إذا حصل عفو الآدميّ قبل التّرافع ، فلوليّ الأمر الخيار بين التّعزير أو العفو . ب - وإذا حصل بعد التّرافع ، فقد اختلف في العقاب عن حقّ السّلطة على وجهين : الأوّل : في قول أبي عبد اللّه الزّبيريّ يسقط بالعفو ، وليس لوليّ الأمر أن يعزّر فيه ، لأنّ حدّ القذف أغلظ ويسقط حكمه بالعفو ، فكان حكم التّعزير لحقّ السّلطة أولى بالسّقوط . والثّاني - وهو الأظهر - أنّ لوليّ الأمر أن يعزّر فيه مع العفو قبل التّرافع إليه ، كما يجوز له ذلك بعد التّرافع مخالفة للعفو عن حدّ القذف في الموضعين ، لأنّ التّقويم من الحقوق العامّة . سقوط التّعزير بالتّوبة : 58 - اختلف الفقهاء في أثر التّوبة في التّعزير : فعند الحنفيّة والمالكيّة وبعض الشّافعيّة والحنابلة : أنّه لا تسقط العقوبة بالتّوبة ، لأنّها كفّارة عن المعصية . وعند هؤلاء في تعليل ذلك : عموم أدلّة العقوبة بلا تفرقة بين تائب وغيره عدا المحاربة . وفضلاً عن ذلك فجعل التّوبة ذات أثر في إسقاط العقوبة يجعل لكلّ ادّعاءها ، للإفلات من العقاب . وعند فريق آخر ، منهم الشّافعيّة والحنابلة : أنّ التّوبة قبل القدرة تسقط العقوبة قياساً على حدّ المحاربة ، استنادا إلى ما ورد في الصّحيحين من حديث أنس رضي الله عنه « كنت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال : يا رسول اللّه ، إنّي أصبت حدّاً فأقمه عليّ ، ولم يسأله عنه . فحضرت الصّلاة فصلّى مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم . فلمّا قضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم الصّلاة قام إليه الرّجل ، فأعاد قوله ، فقال : أليس قد صلّيت معنا ؟ قال نعم . قال : فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد غفر لك ذنبك » . وفي هذا دليل على أنّ الجاني غفر له لمّا تاب . وفضلا عن ذلك فإنّه إذا جازت التّوبة في المحاربة مع شدّة ضررها وتعدّيه ، فأولى التّوبة فيما دونها . وهؤلاء يقصرون السّقوط بالتّوبة على ما فيه اعتداء على حقّ اللّه ، بخلاف ما يمسّ الأفراد . وقال ابن تيميّة وابن القيّم : إنّ التّوبة تدفع العقوبة في التّعزير وغيره ، كما تدفعها في المحاربة ، بل إنّ ذلك أولى من المحاربة ، لشدّة ضررها ، وهذا يعتبر مسلكا وسطا بين من يقول : بعدم جواز إقامة العقوبة بعد التّوبة ألبتّة . وبين مسلك من يقول : إنّه لا أثر للتّوبة في إسقاط العقوبة ألبتّة . ويترتّب على هذا الرّأي : أنّ التّعزير الواجب حقّا للّه تعالى يسقط بالتّوبة ، إلّا إذا اختار الجاني العقوبة ليطهّر بها نفسه ، فالتّوبة تسقط التّعزير ، على شريطة ألّا يطلب الجاني إقامته ، وذلك بالنّسبة لحقوق المصلحة العامّة . واحتجّ القائلون بذلك بأنّ اللّه عزّ وجلّ جعل توبة الكفّار سببا لغفران ما سلف واحتجّوا بقوله تعالى : { قُلْ لِلَّذينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } . وأنّ السّنّة عليه كذلك ، ففي الحديث : « التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له » . [/QUOTE]
الإسم
التحقق
اكتب معهد الماهر
رد
الرئيسية
المنتديات
قسم العلـــوم الشرعيـــه
ركـن الفقـــه
الموسوعة الفقهية