الرد على الموضوع

تمهيد:

الصفات المنفية التي ذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ترد لمعان عديدة يمكن حصرها في نوعين من التنزيه:

النوع الأول: نفي النقائص والعيوب عن الله عز وجل، المنافية لصفات كماله.

النوع الثاني: تنزيه أوصاف الكمال الثابتة له عز وجل عن مماثلة شيء من صفات المخلوقين، أو هو: إثبات أنه ليس كمثل الله شيء في صفات كماله الثابتة له.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: (والتنزيه الذي يستحقه الرب يجمعه نوعان:

- أحدهما: نفي النقص عنه.

- والثاني: نفي مماثلة شيء من الأشياء فيما يستحقه من صفات الكمال  ). 

المطلب الأول: نفي النقائص عن الله عز وجل

توحيد الله عز وجل الذي دلت عليه النصوص ينقسم إلى توحيد قولي، وتوحيد عملي، فالتوحيد القولي هو ما كان خبرا عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذا الخبر إما أن يكون بنفي أو إثبات  .

فالنفي هو تنزيه الله عز وجل عن كل نقص أو عيب من كل وجه، وهو ما دلت عليه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو ما فطر الله عليه جميع الخلق من إثبات كمال الله عز وجل نفي النفص عنه، وهو مما يعلم بالعقل أيضاً  .

وقد ضرب الله عز وجل الأمثال وأقام الحجج والبراهين على المشركين بإظهار بطلان ألوهية الأصنام التي يعبدونها لما تتصف به من النقائص والعيوب التي يجب أن يتنزه عنها الرب المعبود  ، فقال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [ النحل: 75]، فبين أن كونه مملوكاً عاجزاً صفة نقص وهذا مثل للآلهة التي تعبد من دون الله، وإن القدرة والملك والإحسان صفة كمال، وهذا مثل لله عز وجل، فهذا ليس مثل هذا.

وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [النحل: 76]، فالأول مثل العاجز عن الكلام والفعل الذي لا يقدر على شيء، كآلهتهم التي يعبدون، والآخر مثل المتكلم الآمر بالعدل الذي هو على صراط مستقيم، فلا يستوي هذا والعاجز عن الكلام والفعل  .

وقال تعالى: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا} [ مريم: 42]، أي: (لم تعبد أصناماً ناقصة في ذاتها وفي أفعالها، فلا تسمع، ولا تبصر، ولا تملك لعبادها نفعاً ولا ضراً، بل لا تملك لأنفسها شيئاً من النفع، ولا تقدر على شيء من الدفع، فهذا برهان جلي دال على أن عبادة الناقص في ذاته وأفعاله مستقبح عقلاً وشرعاً، ودل تنبيهه وإشارته، أن الذي يجب ويحسن عبادة من له الكمال الذي لا ينال العباد نعمة إلا منه، ولا يدفع عنهم نقمة إلا هو، وهو الله تعالى)  .

وقال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ} [ الأعراف: 148]، (فدل ذلك على أن عدم التكلم والهداية نقص، وإن الذي يتكلم ويهدي أكمل ممن لا يتكلم ولا يهدي)  ، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، إلى أمثال ذلك من الآيات.

(ومثل هذا في القرآن متعدد من وصف الأصنام بسلب صفات الكمال، كعدم التكلم, والفعل, وعدم الحياة ونحو ذلك، مما يبين أن المتصف بذلك منتقص معيب كسائر الجمادات، وأن هذه الصفات لا تسلب إلا عن ناقص معيب.

وأما رب الخلق الذي هو أكمل من كل موجود، فهو أحق الموجودات بصفات الكمال، وأنه لا يستوي المتصف بصفات الكمال والذي لا يتصف بها، وهو يذكر أن الجمادات في العادة لا تقبل الاتصاف بهذه الصفات)  .

وهذا ما دلت عليه النصوص الصريحة, والعقول الصحيحة، وما استقر في الفطر من أن الرب الخالق المستحق للعبادة وحده، يجب أن يتصف بكل كمال على أتم وجوهه، وأن يتنزه عن كل نقص وعيب يمكن أن يتصوره العقل 

المطلب الثاني: إثبات أنه ليس كمثل الله عز وجل شيء في صفاته الثابتة له

وهذا هو النوع الثاني من المعاني الجامعة للصفات المنفية التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو يقوم على تنزيه أوصاف الكمال الثابتة له سبحانه عن مماثلة أوصاف المخلوقين.

فجميع ما اتصف الله عز وجل به من الصفات لا يماثله فيها أحد من خلقه، والنص إذا ورد بإثبات صفة من الصفات وجب الإيمان به والاعتقاد الجازم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين  ، وهذا الذي أخبرنا به سبحانه وتعالى في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [ الشورى: 11] ونحوها، أي: أن الله عز وجل منزه عن أن يكون له مثل في شيء مما يوصف به من صفات كماله؛ لأن مماثلة المخلوق من أعظم النقص الذي يجب أن ينزه الله عنه  .

(وكذلك ما كان مختصاً بالمخلوق فإنه يمتنع اتصاف الرب به، فلا يوصف الرب بشيء من النقائص، ولا بشيء من خصائص المخلوق، وكل ما كان من خصائص المخلوق فلا بد فيه من نقص)  .

فمن شبه صفات الله عز وجل بصفات خلقه لم يكن عابداً لله في الحقيقة، وإنما يعبد وثناً.

وكذلك من نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه في حقيقة أمره لا يعبد شيئاً موجوداً، وإنما يعبد عدماً مفقوداً  .

كما قيل: (الممثل يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً)  ، والسبيل الذي عليه أهل السنة والجماعة، هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، مع تنزيهه عز وجل أن يشبه شيء من صفاته شيئاً من صفات خلقه.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه, وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.

يثبتون له الأسماء والصفات، وينفون عنه مماثلة المخلوقات، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، فقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} رد على أهل التمثيل، وقوله: {السَّمِيعُ البَصِيرُ} رد على أهل التعطيل)  .

وقال رحمه الله: (فالرسل وصفوا الله بصفات الكمال، ونزهوه عن النقائص المناقضة للكمال، ونزهوه عن أن يكون له مثل في شيء من صفات الكمال، وأثبتوا له صفات الكمال على وجه التفصيل، ونفوا عنه التمثيل)  .


اكتب معهد الماهر
أعلى