الرد على الموضوع

وأنت قد شبهت إلهك في يديه, وسمعه, وبصره بأعمى وأقطع، وتوهمت في معبودك ما توهمت في الأعمى والأقطع، فمعبودك في دعواك مخدًّج منقوص؛ أعمى لا بصر له؛ وأبكم لا كلام له، وأصم لا سمع له، ومقعد لا حراك به؛ وليس هذه بصفة إله المصلين. أفأنت أوحش مذهباً في تشبيهك إلهك بهؤلاء العميان والمقطوعين؛ أم هؤلاء الذين تسميهم مشبهة إذ وصفوه بم وصف به نفسه بلا تشبيه؟ فلولا أنها كلمة هي محنة الجهمية التي بها ينبزون المؤمنين ما سميت مشبهاً غيرك؛ لسماجة ما شبهت ومثلت)  .

وقد حاول نفاة الصفات التخلص من هذا الإلزام العقلي بالزعم بأن ذلك متحقق إذا كان المحل قابلاً للاتصاف بالصفتين المتقابلتين وما لا فلا. وأجاب شيخ الإسلام رحمه الله في مواضع عدة من كتبه على هذه الشبهة، ومن ذلك قوله: (ومن قال: إنه ليس بحي ولا سميع, ولا بصير, ولا متكلم لزمه أن يكون ميتاً أصم أعمى أبكم. فإن قال: العمى عدم البصر عما من شأنه أن يقبل البصر، وما لا يقبل البصر كالحائط لا يقال له أعمى ولا بصير، قيل له: هذا اصطلاح اصطلحتموه، وإلا فما يوصف بعدم الحياة والسمع والبصر والكلام يمكن وصفه بالموت, والصم, والعمى, والخرس, والعجمة. وأيضاً فكل موجود يقبل الاتصاف بهذه الأمور ونقائضها، فإن الله قادر على جعل الجماد حياً، كما جعل عصا موسى حية ابتلعت الحبال والعصي. وأيضاً: فالذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات أعظم نقصاً ممن يقبل الاتصاف بها مع اتصافه بنقائضها. فالجماد الذي لا يوصف بالبصر, ولا العمى, ولا الكلام والخرس أعظم نقصاً من الحي الأعمى الأخرس)  .

فقد فر هؤلاء النفاة من تشبيهه بالحيوانات – بزعمهم – فوقعوا في تشبيهه بالجمادات.

 

المطلب الرابع: إبطال الأقيسة العقلية الخاطئة

العقل الصريح المستضيء بنور الشرع الصحيح ميزان توزن به الدعاوى والمقدمات. وكما أن العقل يقعد القواعد السليمة والمقدمات الصحيحة فإنه يمارس وظيفة أخرى، وهي فحص المقدمات المزعومة وبيان زيفها، وبالتالي بطلان ما بني عليها من نتائج وعقائد.

وتظهر أهمية هذه الوظيفة العقلية الهامة إذا تبينا حجم الأقيسة العقلية الباطلة التي توارثتها أجيال الفلاسفة والمتكلمين مسلِّمين بها، مذعنين لما أدت إليه من نتائج حتى ولو خالفت الشرع مخالفة صريحة.

فالفرق بين الأقيسة العقلية الصحيحة والأقيسة العقلية الخاطئة، أن الأولى منضبطة بضوابط الشرع المعصوم موافقة للفطر السليمة، والأخرى اجتهادات بشرية منحرفة لا ضابط لها تتأثر بمؤثرات شتى. قال شيخ الإسلام رحمه الله: (بل المقدمة التي تدعي طائفة من النظار صحتها، تقول الأخرى هي باطلة، وهذا بخلاف مقدمات أهل الإثبات الموافقة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنها من العقليات التي اتفقت عليها فطر العقلاء سليمي الفطرة، التي لا ينازع فيها إلا من تلقى النزاع تعليماً من غيره، لا من موجب فطرته، فإنما يقدح فيها بمقدمة تقليدية أو نظرية، لا ترجع إلى العقل الصريح، وهو يدعي أنها عقلية فطرية.

ومن كان له خبرة بحقيقة هذا الباب، تبين له أن جميع المقدمات العقلية التي ترجع إليها براهين المعارضين للنصوص النبوية إنما ترجع إلى تقليد منهم لأسلافهم لا إلى ما يعلم بضرورة العقل ولا إلى الفطرة)  .


اكتب معهد الماهر
أعلى