ابن عامر الشامي
وَعَنْ غِيبَةٍ فَغِبْ
- إنضم
- 20 ديسمبر 2010
- المشاركات
- 10,237
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المملكة المغربية
- احفظ من كتاب الله
- بين الدفتين
- احب القراءة برواية
- رواية حفص عن عاصم
- القارئ المفضل
- سعود الشريم
- الجنس
- اخ
القول السديد في مقاصد التوحيد
الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي
رحمه الله
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
وخلاصتها المستمدة من الكتاب والسنة
وذلك أنهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , والقدر خيره وشره , فيشهدون أن الله هو الرب الإله المعبود , المتفرد بكل كمال , فيعبدونه وحده , مخلصين له الدين , فيقولون إن الله هو الخالق البارئ المصور الرازق المعطي المانع المدبر لجميع الأمور , وأنه المألوه المعبود الموحد المقصود , وأنه الأول الذي ليس قبله شيء , الآخر الذي ليس بعده شيء , الظاهر الذي ليس فوقه شيء , الباطن الذي ليس دونه شيء , وأنه العلي الأعلى بكل معنى واعتبار , علو الذات , وعلو القدر , وعلو القهر , وأنه على العرش استوى , استواء يليق بعظمته وجلاله , ومع علوه المطلق وفوقيته , فعلمه محيط بالظواهر والبواطن , والعالم العلوي والسفلي : وهو مع العباد بعلمه , يعلم جميع أحوالهم , وهو القريب المجيب , وإنه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته , والكل إليه مفتقرون في إيجادهم وإيجاد ما يحتاجون إليه في جميع الأوقات , ولا غنى لأحد عنه طرفة عين , وهو الرحمن الرحيم , الذي ما بالعباد من نعمة دينية ولا دنيوية ولا دفع نقمة إلا من الله , فهو الجالب للنعم , الدافع للنقم , ومن رحمته أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا يستعرض حاجات العباد حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول لا أسأل عن عبادي غيري , من ذا الذي يدعوني فأستجيب له , من ذا الذي يسألني فأعطيه , من ذا الذي يستغفرني فأغفر له : حتى يطلع الفجر . فهو ينزل كما يشاء , ويفعل ما يريد , ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
ويعتقدون أنه الحكيم , الذي له الحكمة التامة في شرعه وفي قدره , فما خلق شيئا عبثا , ولا شرع الشرائع إلا للمصالح والحكم , وأنه التواب العفو الغفور , يقبل التوبة من عباده , ويعفو عن السيئات : ويغفر الذنوب العظيمة للتائبين والمستغفرين والمنيبين , وهو الشكور الذي يشكر القليل من العمل , ويزيد الشاكرين من فضله .
ويصفونه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات الذاتية ,كالحياة الكاملة , والسمع والبصر , وكمال القدرة , والعظمة والكبرياء , والمجد والجلال والجمال , والحمد المطلق , ومن صفات الأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته كالرحمة والرضا , والسخط والكلام , وأنه يتكلم بما يشاء , كيف يشاء , وكلماته لا تنفد , ولا تبيد , وأن القرآن كلام الله غير مخلوق , منه بدا , وإليه يعود , وأنه لم يزل ولا يزال موصوفا بأنه يفعل ما يريد : ويتكلم بما يشاء , ويحكم على عباده بأحكامه القدرية , وأحكامه الشرعية , وأحكامه الجزائية , فهو الحاكم المالك , ومن سواه مملوك محكوم عليه , فلا خروج للعباد عن ملكه ولا عن حكمه .
ويؤمنون بما جاء به الكتاب , وتواترت به السنة . إن المؤمنين يرون ربهم تعالى عيانا جهرة , وإن نعيم رويته والفوز برضوانه أكبر النعيم وألذه , وإن من مات على غير الإيمان والتوحيد فهو مخلد في نار جهنم أبدا , وإن أرباب الكبائر إذا ماتوا على غير توبة ولا حصل لهم مكفر لذنوبهم ولا شفاعة , فإنهم وإن دخلوا النار لا يخلدون فيها , ولا يبقى في النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان إلا خرج منها , وإن الإيمان يشمل عقائد القلوب وأعمالها : وأعمال الجوارح وأقوال اللسان , فمن قام بها على الوجه الأكمل فهو المؤمن حقا , الذي استحق الثواب وسلم من العقاب , ومن انتقص منها شيئا نقص من إيمانه بقدر ذلك , ولذلك كان الإيمان يزيد بالطاعة وفعل الخير , وينقص بالمعصية والشر .
ومن أصولهم السعي والجد فيما ينفع من أمور الدين والدنيا مع الاستعانة بالله , فهم يحرصون على ما ينفعهم ويستعينون بالله . وكذلك يحققون الإخلاص لله في جميع حركاتهم , ويتبعون رسول الله , فالإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول , والنصيحة للمؤمنين طريقهم .
فصل
ويشهدون أن محمدا عبده ورسوله , أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله , وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم , وهو خاتم النبيين , أرسل إلى الإنس والجن بشيرا ونذيرا , وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا , أرسله بصلاح الدين وصلاح الدنيا , وليقوم الخلق بعبادة الله , ويستعينوا برزقه على ذلك . ويعلمون أنه أعلم الخلق وأصدقهم وأنصحهم , وأعظمهم بيانا , فيطيعونه ويحبونه , ويقدمون محبته على محبة الخلق كلهم , ويتبعونه في أصول دينهم وفروعه , ويقدمون قوله وهديه على قول كل أحد وهديه , ويعتقدون أن الله جمع له من الفضائل والخصائص والكمالات ما لم يجمعه لأحد , فهو أعلى الخلق مقاما , وأعظمهم جاها , وأكملهم في كل فضيلة : لم يبق خير إلا دل أمته عليه : ولا شر إلا حذرهم عنه . وكذلك يؤمنون بكل كتاب أنزله الله , وكل رسول أرسله الله , لا يفرقون بين أحد من رسله .
ويؤمنون بالقدر كله , وأن جميع أعمال العباد - خيرها وشرها - قد أحاط بها علم الله , وجرى بها قلمه , ونفذت فيها مشيئته , وتعلقت بها حكمته , حيث خلق للعباد قدرة وإرادة , تقع بها أقوالهم وأفعالهم بحسب مشيئتهم , لم يجبرهم على شيء منها , بل جعلهم مختارين لها , وخص المؤمنين بأن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم , وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان , وجعلهم من الراشدين بفضله ونعمته , وولى غيرهم ما تولوه ورضوه لأنفسهم من الكفر والفسوق والعصيان بعدله وحكمته .
ومن أصول أهل السنة أنهم يدينون بالنصيحة لله ولكتابه ورسوله , ولأئمة المسلمين وعامتهم , ويأمرون بالمعروف , وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة , ويأمرون ببر الوالدين , وصلة الأرحام , والإحسان إلى الجيران والمماليك والمعاملين , ومن له حق , وبالإحسان إلى الخلق أجمعين .
ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها , وينهون عن مساوئ الأخلاق وأرذلها , ويعتقدون أن أكمل المؤمنين إيمانا , أعظمهم إيمانا ويقينا , وأحسنهم أعمالا وأخلاقا , وأصدقهم أقوالا , وأهداهم إلى كل خير وفضيلة : وأبعدهم من كل رذيلة . ويأمرون بالقيام بشرائع الدين , على ما جاء عن نبيهم فيها وفي صفاتها ومكملاتها , والتحذير عن مفسداتها ومنقصاتها , ويرون الجهاد في سبيل الله ماض مع البر والفاجر , وأنه ذروة سنام الدين , جهاد العلم والحجة , وجهاد السلاح , وأنه فرض على كل مسلم أن يدافع عن الدين بكل ممكن ومستطاع .
ومن أصولهم الحث على جمع كلمة المسلمين , والسعي في تقريب قلوبهم وتأليفها , والتحذير من التفرق والتعادي والتباغض , والعمل بكل وسيلة توصل إلى هذا .
ومن أصولهم النهي عن أذية الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم , والأمر بالعدل والإنصاف في جميع المعاملات , والندب إلى الإحسان والفضل فيها . ويؤمنون بأن أفضل الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأفضلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , خصوصا الخلفاء الراشدون , والعشرة المشهود لهم بالجنة , وأهل بدر , وبيعة الرضوان والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار , فيحبون الصحابة ويدينون الله بذلك , وينشرون محاسنهم ويسكتون عما قيل عن مساوئهم , ويدينون الله باحترام العلماء الهداة وأئمة العدل ومن لهم المقامات العالية في الدين والفضل المتنوع على المسلمين , ويسألون الله أن يعيذهم من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وأن يثبتهم على دين نبيهم إلى الممات . فهذه الأصول الكلية بها يؤمنون ولها يعتقدون وإليها يدعون .
كتاب التوحيد
قال المصنف رحمه الله : كتاب التوحيد هذه الترجمة تدل على مقصود هذا الكتاب من أوله إلى آخره , ولهذا استغنى بها عن الخطبة : أي أن هذا الكتاب يشتمل على توحيد الإلهية والعبادة بذكر أحكامه وحدوده وشروطه , وفضله وبراهينه , وأصوله وتفاصيله , وأسبابه وثمراته ومقتضياته , وما يزداد به ويقويه , أو يضعفه ويوهيه وما به يتم ويكمل .
اعلم أن التوحيد المطلق العلم والاعتراف بتفرد الرب بصفات الكمال والإقرار بتوحده بصفات العظمة والجلال , وإفراده وحده بالعبادة , وهو ثلاثة أقسام :
أحدها : توحيد الأسماء والصفات , وهو اعتقاد انفراد الرب جل جلاله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلال والجمال التي لا يشاركه فيها مشاركة بوجه من الوجوه , وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله , من غير نفي لشيء منها ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل , ونفي ما نفاه عن نفسه , أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب , وعن كل ما ينافي كماله .
الثاني : توحيد الربوبية بأن يعتقد العبد أن الله هو الرب المتفرد بالخلق والرزق والتدبير الذي ربى جميع الخلق بالنعم وربى خواص خلقه وهم الأنبياء وأتباعهم بالعقائد الصحيحة والأخلاق الجميلة والعلوم النافعة والأعمال الصالحة , وهذه التربية النافعة للقلوب والأرواح المثمرة لسعادة الدارين .
الثالث : توحيد الإلهية ويقال له توحيد العبادة وهو العلم والاعتراف بأن الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين وإفراده وحده بالعبادة كلها وإخلاص الدين لله وحده وهذا الأخير يستلزم القسمين الأولين ويتضمنهما , لأن الألوهية التي هي وصفه تعم جميع أوصاف الكمال وجميع أوصاف الربوبية والعظمة , فإنه المألوه المعبود لما له من أوصاف العظمة والجلال ولما أسداه إلى خلقه من الفواضل والأفضال , فتوحده تعالى بصفات الكمال وتفرده بالربوبية يلزم منه أنه لا يستحق العبادة أحد سواه . ومقصود دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم الدعوة إلى هذا التوحيد .
فذكر المصنف في هذه الترجمة من النصوص ما يدل على أن الله خلق الخلق لعبادته والإخلاص له , وأن ذلك حقه الواجب المفروض عليهم , فجميع الكتب السماوية وجميع الرسل دعوا إلى هذا التوحيد , ونهوا عن ضده من الشرك والتنديد , وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا القرآن الكريم فإنه أمر به , وفرضه وقرره أعظم تقرير , وبينه أعظم بيان , وأخبر أنه لا نجاة ولا فلاح ولا سعادة إلا بهذا التوحيد , وأن جميع الأدلة العقلية والنقلية والأفقية والنفسية أدلة وبراهين على الأمر بهذا التوحيد ووجوبه , فالتوحيد هو حق الله الواجب على العبيد , وهو أعظم أوامر الدين , وأصل الأصول كلها , وأساس الأعمال .
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
لما ذكر في الترجمة السابقة وجوب التوحيد , وأنه الفرض الأعظم على جميع العبيد ذكر هنا فضله وهو آثاره الحميدة ونتائجه الجميلة وليس شيء من الأشياء له من الآثار الحسنة والفضائل المتنوعة مثل التوحيد فإن خير الدنيا والآخرة من ثمرات هذا التوحيد وفضائله .
فقول المؤلف رحمه الله : " وما يكفر من الذنوب " من باب عطف الخاص على العام فإن مغفرة الذنوب وتكفير الذنوب من بعض فضائله وآثاره كما ذكر شواهد ذلك في الترجمة .
ومن فضائله أنه السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوباتهما .
الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي
رحمه الله
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة
وخلاصتها المستمدة من الكتاب والسنة
وذلك أنهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , والقدر خيره وشره , فيشهدون أن الله هو الرب الإله المعبود , المتفرد بكل كمال , فيعبدونه وحده , مخلصين له الدين , فيقولون إن الله هو الخالق البارئ المصور الرازق المعطي المانع المدبر لجميع الأمور , وأنه المألوه المعبود الموحد المقصود , وأنه الأول الذي ليس قبله شيء , الآخر الذي ليس بعده شيء , الظاهر الذي ليس فوقه شيء , الباطن الذي ليس دونه شيء , وأنه العلي الأعلى بكل معنى واعتبار , علو الذات , وعلو القدر , وعلو القهر , وأنه على العرش استوى , استواء يليق بعظمته وجلاله , ومع علوه المطلق وفوقيته , فعلمه محيط بالظواهر والبواطن , والعالم العلوي والسفلي : وهو مع العباد بعلمه , يعلم جميع أحوالهم , وهو القريب المجيب , وإنه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته , والكل إليه مفتقرون في إيجادهم وإيجاد ما يحتاجون إليه في جميع الأوقات , ولا غنى لأحد عنه طرفة عين , وهو الرحمن الرحيم , الذي ما بالعباد من نعمة دينية ولا دنيوية ولا دفع نقمة إلا من الله , فهو الجالب للنعم , الدافع للنقم , ومن رحمته أنه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا يستعرض حاجات العباد حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول لا أسأل عن عبادي غيري , من ذا الذي يدعوني فأستجيب له , من ذا الذي يسألني فأعطيه , من ذا الذي يستغفرني فأغفر له : حتى يطلع الفجر . فهو ينزل كما يشاء , ويفعل ما يريد , ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
ويعتقدون أنه الحكيم , الذي له الحكمة التامة في شرعه وفي قدره , فما خلق شيئا عبثا , ولا شرع الشرائع إلا للمصالح والحكم , وأنه التواب العفو الغفور , يقبل التوبة من عباده , ويعفو عن السيئات : ويغفر الذنوب العظيمة للتائبين والمستغفرين والمنيبين , وهو الشكور الذي يشكر القليل من العمل , ويزيد الشاكرين من فضله .
ويصفونه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات الذاتية ,كالحياة الكاملة , والسمع والبصر , وكمال القدرة , والعظمة والكبرياء , والمجد والجلال والجمال , والحمد المطلق , ومن صفات الأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته كالرحمة والرضا , والسخط والكلام , وأنه يتكلم بما يشاء , كيف يشاء , وكلماته لا تنفد , ولا تبيد , وأن القرآن كلام الله غير مخلوق , منه بدا , وإليه يعود , وأنه لم يزل ولا يزال موصوفا بأنه يفعل ما يريد : ويتكلم بما يشاء , ويحكم على عباده بأحكامه القدرية , وأحكامه الشرعية , وأحكامه الجزائية , فهو الحاكم المالك , ومن سواه مملوك محكوم عليه , فلا خروج للعباد عن ملكه ولا عن حكمه .
ويؤمنون بما جاء به الكتاب , وتواترت به السنة . إن المؤمنين يرون ربهم تعالى عيانا جهرة , وإن نعيم رويته والفوز برضوانه أكبر النعيم وألذه , وإن من مات على غير الإيمان والتوحيد فهو مخلد في نار جهنم أبدا , وإن أرباب الكبائر إذا ماتوا على غير توبة ولا حصل لهم مكفر لذنوبهم ولا شفاعة , فإنهم وإن دخلوا النار لا يخلدون فيها , ولا يبقى في النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان إلا خرج منها , وإن الإيمان يشمل عقائد القلوب وأعمالها : وأعمال الجوارح وأقوال اللسان , فمن قام بها على الوجه الأكمل فهو المؤمن حقا , الذي استحق الثواب وسلم من العقاب , ومن انتقص منها شيئا نقص من إيمانه بقدر ذلك , ولذلك كان الإيمان يزيد بالطاعة وفعل الخير , وينقص بالمعصية والشر .
ومن أصولهم السعي والجد فيما ينفع من أمور الدين والدنيا مع الاستعانة بالله , فهم يحرصون على ما ينفعهم ويستعينون بالله . وكذلك يحققون الإخلاص لله في جميع حركاتهم , ويتبعون رسول الله , فالإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول , والنصيحة للمؤمنين طريقهم .
فصل
ويشهدون أن محمدا عبده ورسوله , أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله , وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم , وهو خاتم النبيين , أرسل إلى الإنس والجن بشيرا ونذيرا , وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا , أرسله بصلاح الدين وصلاح الدنيا , وليقوم الخلق بعبادة الله , ويستعينوا برزقه على ذلك . ويعلمون أنه أعلم الخلق وأصدقهم وأنصحهم , وأعظمهم بيانا , فيطيعونه ويحبونه , ويقدمون محبته على محبة الخلق كلهم , ويتبعونه في أصول دينهم وفروعه , ويقدمون قوله وهديه على قول كل أحد وهديه , ويعتقدون أن الله جمع له من الفضائل والخصائص والكمالات ما لم يجمعه لأحد , فهو أعلى الخلق مقاما , وأعظمهم جاها , وأكملهم في كل فضيلة : لم يبق خير إلا دل أمته عليه : ولا شر إلا حذرهم عنه . وكذلك يؤمنون بكل كتاب أنزله الله , وكل رسول أرسله الله , لا يفرقون بين أحد من رسله .
ويؤمنون بالقدر كله , وأن جميع أعمال العباد - خيرها وشرها - قد أحاط بها علم الله , وجرى بها قلمه , ونفذت فيها مشيئته , وتعلقت بها حكمته , حيث خلق للعباد قدرة وإرادة , تقع بها أقوالهم وأفعالهم بحسب مشيئتهم , لم يجبرهم على شيء منها , بل جعلهم مختارين لها , وخص المؤمنين بأن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم , وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان , وجعلهم من الراشدين بفضله ونعمته , وولى غيرهم ما تولوه ورضوه لأنفسهم من الكفر والفسوق والعصيان بعدله وحكمته .
ومن أصول أهل السنة أنهم يدينون بالنصيحة لله ولكتابه ورسوله , ولأئمة المسلمين وعامتهم , ويأمرون بالمعروف , وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة , ويأمرون ببر الوالدين , وصلة الأرحام , والإحسان إلى الجيران والمماليك والمعاملين , ومن له حق , وبالإحسان إلى الخلق أجمعين .
ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها , وينهون عن مساوئ الأخلاق وأرذلها , ويعتقدون أن أكمل المؤمنين إيمانا , أعظمهم إيمانا ويقينا , وأحسنهم أعمالا وأخلاقا , وأصدقهم أقوالا , وأهداهم إلى كل خير وفضيلة : وأبعدهم من كل رذيلة . ويأمرون بالقيام بشرائع الدين , على ما جاء عن نبيهم فيها وفي صفاتها ومكملاتها , والتحذير عن مفسداتها ومنقصاتها , ويرون الجهاد في سبيل الله ماض مع البر والفاجر , وأنه ذروة سنام الدين , جهاد العلم والحجة , وجهاد السلاح , وأنه فرض على كل مسلم أن يدافع عن الدين بكل ممكن ومستطاع .
ومن أصولهم الحث على جمع كلمة المسلمين , والسعي في تقريب قلوبهم وتأليفها , والتحذير من التفرق والتعادي والتباغض , والعمل بكل وسيلة توصل إلى هذا .
ومن أصولهم النهي عن أذية الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم , والأمر بالعدل والإنصاف في جميع المعاملات , والندب إلى الإحسان والفضل فيها . ويؤمنون بأن أفضل الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأفضلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , خصوصا الخلفاء الراشدون , والعشرة المشهود لهم بالجنة , وأهل بدر , وبيعة الرضوان والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار , فيحبون الصحابة ويدينون الله بذلك , وينشرون محاسنهم ويسكتون عما قيل عن مساوئهم , ويدينون الله باحترام العلماء الهداة وأئمة العدل ومن لهم المقامات العالية في الدين والفضل المتنوع على المسلمين , ويسألون الله أن يعيذهم من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وأن يثبتهم على دين نبيهم إلى الممات . فهذه الأصول الكلية بها يؤمنون ولها يعتقدون وإليها يدعون .
كتاب التوحيد
قال المصنف رحمه الله : كتاب التوحيد هذه الترجمة تدل على مقصود هذا الكتاب من أوله إلى آخره , ولهذا استغنى بها عن الخطبة : أي أن هذا الكتاب يشتمل على توحيد الإلهية والعبادة بذكر أحكامه وحدوده وشروطه , وفضله وبراهينه , وأصوله وتفاصيله , وأسبابه وثمراته ومقتضياته , وما يزداد به ويقويه , أو يضعفه ويوهيه وما به يتم ويكمل .
اعلم أن التوحيد المطلق العلم والاعتراف بتفرد الرب بصفات الكمال والإقرار بتوحده بصفات العظمة والجلال , وإفراده وحده بالعبادة , وهو ثلاثة أقسام :
أحدها : توحيد الأسماء والصفات , وهو اعتقاد انفراد الرب جل جلاله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلال والجمال التي لا يشاركه فيها مشاركة بوجه من الوجوه , وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله , من غير نفي لشيء منها ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل , ونفي ما نفاه عن نفسه , أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب , وعن كل ما ينافي كماله .
الثاني : توحيد الربوبية بأن يعتقد العبد أن الله هو الرب المتفرد بالخلق والرزق والتدبير الذي ربى جميع الخلق بالنعم وربى خواص خلقه وهم الأنبياء وأتباعهم بالعقائد الصحيحة والأخلاق الجميلة والعلوم النافعة والأعمال الصالحة , وهذه التربية النافعة للقلوب والأرواح المثمرة لسعادة الدارين .
الثالث : توحيد الإلهية ويقال له توحيد العبادة وهو العلم والاعتراف بأن الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين وإفراده وحده بالعبادة كلها وإخلاص الدين لله وحده وهذا الأخير يستلزم القسمين الأولين ويتضمنهما , لأن الألوهية التي هي وصفه تعم جميع أوصاف الكمال وجميع أوصاف الربوبية والعظمة , فإنه المألوه المعبود لما له من أوصاف العظمة والجلال ولما أسداه إلى خلقه من الفواضل والأفضال , فتوحده تعالى بصفات الكمال وتفرده بالربوبية يلزم منه أنه لا يستحق العبادة أحد سواه . ومقصود دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم الدعوة إلى هذا التوحيد .
فذكر المصنف في هذه الترجمة من النصوص ما يدل على أن الله خلق الخلق لعبادته والإخلاص له , وأن ذلك حقه الواجب المفروض عليهم , فجميع الكتب السماوية وجميع الرسل دعوا إلى هذا التوحيد , ونهوا عن ضده من الشرك والتنديد , وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا القرآن الكريم فإنه أمر به , وفرضه وقرره أعظم تقرير , وبينه أعظم بيان , وأخبر أنه لا نجاة ولا فلاح ولا سعادة إلا بهذا التوحيد , وأن جميع الأدلة العقلية والنقلية والأفقية والنفسية أدلة وبراهين على الأمر بهذا التوحيد ووجوبه , فالتوحيد هو حق الله الواجب على العبيد , وهو أعظم أوامر الدين , وأصل الأصول كلها , وأساس الأعمال .
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب
لما ذكر في الترجمة السابقة وجوب التوحيد , وأنه الفرض الأعظم على جميع العبيد ذكر هنا فضله وهو آثاره الحميدة ونتائجه الجميلة وليس شيء من الأشياء له من الآثار الحسنة والفضائل المتنوعة مثل التوحيد فإن خير الدنيا والآخرة من ثمرات هذا التوحيد وفضائله .
فقول المؤلف رحمه الله : " وما يكفر من الذنوب " من باب عطف الخاص على العام فإن مغفرة الذنوب وتكفير الذنوب من بعض فضائله وآثاره كما ذكر شواهد ذلك في الترجمة .
ومن فضائله أنه السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوباتهما .
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع