- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
السيدة نفيسة
نفيسة العلم، كريمة الدارين
بنت الحسن الأنور، نفيسة العلم، كريمة الدارين. والتى نشأت فى جو يسوده العلم والورع والتقوى، وفى وسط يزخر بالعلماء والعبّاد والزهّاد، فقرأت القرءان وحفظته، ودرست العلم ووعته، وسمعت مسائل الحديث والفقه ففهمتها. وكانت
مُجابة الدعوة، أظمأت نهارها بالصيام، وأقامت ليلها بالقيام، عرفت الحق فوقفت عنده والتزمت به، وعرفت الباطل فأنكرته واجتنبته، واجتهدت بالعبادة حتى أكرمها الله بكرامات عديدة.
أما نسبها: فهى السيدة نفيسة بنت أبى محمد الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن السبط بن الإمام على
. فهى من دوحة النبوة التى طابت فرعًا، وزكت أصلا. فأمها هى أم ولد، وأما إخوتها فأمهم أم سلمة بنت زينب بنت الحسن بن الحسن بن الإمام على
، وليس ذلك بضائرها أو مما ينقص من قدرها، ولو نظرنا قديمًا لوجدنا أن نبى الله إبراهيم الخليل
قد تسرّى بهاجر فولدت له نبى الله إسماعيل
، فكان من نسله الرسول الأكرم
، وأيضًا تسرّى رسول الله
بمارية القبطية فولدت له إبراهيم.
وأما مولدها: فقد كان من عادة الحسن الأنور والد السيدة نفيسة الجلوس فى البيت الحرام، وذلك لكى يعطى للناس دروس العلم، ويناقشهم فى أمور الفقه، ويتدارسون علوم القرءان. وفى يوم، وهو على هذه الحال، أقبلت جارية لتزف إليه البشرى وتقول له: أبشر يا سيدى، فقد وُلدت لك الليلة مولودة جميلة، لم نرَ أحسن منها وجهًا، ولا أضوأ منها جبينًا، يتلألأ النور من ثغرها، ويشعّ من محيّاها. فلما سمع الحسن الأنور هذه البشرى، فرح، وخرّ ساجدًا لله، شكرًا على ما وهبه من نعمة، وحمدًا لاستجابة دعائه. ثم أقبل على الجارية فأجزل لها العطاء... ثم قال لها: مرى أهل البيت فليسمّوها "نفيسة"، فسوف تكون إن شاء الله تعالى "نفيسة". فوُلدت السيدة نفيسة بمكة المكرمة يوم الأربعاء الحادى عشر من شهر ربيع الأول سنة خمس وأربعين ومائة من الهجرة النبوية، وقد فرحت أمها بمولودتها، ومما زاد فى سرور الحسن الأنور أنها كانت قريبة الشبه بأخته السيدة نفيسة بنت زيد
، وهى التى تزوج بها الخليفة الوليد بن عبد الملك. ولما سمع الحاضرون من صفوة الأخيار وصالحى المريدين نبأ ولادة مولودة للحسن الأنور، قاموا وهنّأوه بتحقيق أمله، واستجابة دعائه، فشكر لهم، ثم رفع يديه إلى السماء، وبسط كفيه بالدعاء والرجاء قائلا: "اللهم انبتها نباتًا حسنًا، وتقبلها قبولا حسنًا طيبًا، واجعلها من عبادك الصالحين، وأوليائك المقرّبين الذين تحبهم، ويحبونك، اللهم اجعلها معدن الفضل، ومنبع الخير، ومصدر البرّ، ومشرق الهداية والنور، اللهم اجعلها نفيسة العلم، عظيمة الحلم، جليلة القدر، قوية الدين، كاملة اليقين". وعند البشرى أيضًا بمولد السيدة نفيسة قدم رسول الخليفة العباسى أبو جعفر المنصور، وترجّل عن فرسه، ثم دخل المسجد الحرام، وشقّ الصفوف حتى وصل إلى الحسن الأنور، ثم أخرج من جعبته كتابًا، ورفع إليه مع هذا الكتاب هدية الخلافة وكانت عبارة عن كيس كبير يحتوى على عشرين ألف دينار. وكان الكتاب يفوح منه رائحة المسك والعطر والطيب، ففتحه الشيخ، وقرأه فى تؤدة وأناة. وكان القوم يسمعون وهم خائفون على كبير أهل البيت، وعظيم بنى هاشم أن يمسّه من الخليفة سوء، أو يناله منه مكروه، ولكنهم لم يبرحوا حتى شاهدوا الحسن الأنور يبكى، فازدادوا قلقًا وخيفة عليه، فسألوه عن فحوى كتاب الخليفة، فقال لهم وهو يبكى، متهيبًا الموقف لعظيم الأمانة التى تُلقى على عاتقه: "لقد وُلّيت المدينة المنورة واختارنى الخليفة أميرًا عليها"! فتهلل وجههم بالبشر، واستضاء جباههم بالفرح والسرور، وقالوا له: هنيئًا لمدينة رسول الله
برجل مثلك، يقيم فيها لواء العدل، وينشر فيها راية الحق، ويبثّ فى جنباتها وبين ربوعها الأمن والطمأنينة والسلام والإنصاف، هنيئًا لأهلها أن يظفروا بذلك كله على يد ابن بار من عترة رسول الله
ينفّذ الأحكام ويقيم الحدود، ويُحيى السنن، ويُجدّد معالم الدين الحنيف. فدع عنك التردد، فلعلك تجد مظلومًا تُنصفه، أو ملهوفًا تُغيثه، أو أسيرًا تفكّه، أو شريدًا طريدًا تحميه وتؤويه. فلما سمع الحسن الأنور منهم هذا القول سرّى عنهم وقال لهم: "إذا كانت تلك الإمارة نعمة من الله علينا وعلى الناس كانت تلك الوليدة بشيرها – يقصد السيدة نفيسة – وإذا كانت الإمارة كرامة لنا فإن الوليدة الجديدة رسولها".
وأما نشأتها؛ فقد نشأت السيدة نفيسة نشأة شريفة، فبعد أن درجت بمكة تحوطها العزة والكرامة، اصطحبها أبوها وهى فى الخامسة من عمرها إلى المدينة، وأخذ يلقنها أمور دينها ودنياها، فحفظت القرءان، ولقّنها حديث النبى الأمين
، وسمعت سيرة الصالحين، وصفات المتقين، ولم يقتصر فى تربيتها على الحفظ والرواية، والدراسة والتلقين، بل حرص أن يجمع فى تربيتها بين القول والعمل، فكان يشاركها معه فى نسكته وعبادته، ويُقرئها معه أوراده، وكثيرًا ما كان يصحبها إلى المسجد النبوى لتشهد جماعة المسلمين، ولتنظر بعينها إلى مواكب الأخيار، ووفود الأبرار وهم يترددون بشوق على مسجد النبى الأعظم
. وقد بارك الله لها فى طفولتها، فلم تبلغ الثامنة من عمرها حتى فرغت من حفظ كتاب الله تعالى، وشيئًا غير قليل من السنّة النبوية وكانت لا تفارق أباها فى حلّه وترحاله، فكان لها قدوة حسنة وأسوة صالحة. فأشرق صدرها بنور الإيمان، وخالطت نفسها حلاوة الطاعة. وكثيرًا ما كانت تدعو الله وهى صغيرة قائلة: "اللهم حُلّ بين قلبى وبين كل ما يشغلنى عنك وحبّب إلى كل ما يقرّبنى منك، ويسّر لى الطريق لطاعتك، واجعلنى من أهل ولايتك، فإنك المرجو فى الشدائد، المقصود فى النوائب والملمّات". ومن بين الذين التقت بهم السيدة نفيسة فى المدينة الإمام مالك
الذى كان حديث الفقهاء والمسلمين بكتابه "الموطأ" وفقهه الذى انتشر فى الأمصار. وكان الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة من أرفع العلماء قدرًا، وأكثرهم ورعًأ، وأصحهم حديثًا، وأقرأهم لكتاب الله
. كما كانت تجتمع فى بيت أبيها الحسن بصفوة العلماء وخلاصة الفقهاء، وفحول الشعراء وكبار الأدباء، وشيوخ الزهّاد والعبّاد أمثال بشر بن الحارث المعروف بالحافى، وإمام أهل السنة الورِع أحمد بن حنبل، والإمام الشافعى، والإمام مالك، وعبد الله بن الحكم، وأبى سعيد سحنون بن سعيد الفقيه المالكى، والربيع بن سليمان المرادى من أصحاب الشافعى، والربيع الجيزى... وغيرهم كثير، فكانت تستمع إليهم وتروى عنهم، وتأخذ من أقوالهم وتحفظ من حكمتهم ما يغذّى عقلها المتفتح، ويضيئ نفسها الزكية. فكانت صاحبة عقل راجح، وهمّة عالية، وعزيمة صادقة، وفكرة سليمة، ونشاط متجدد.
والمعروف عن زواج نفيسة العلم وكريمة الدارين أنها
عندما بلغت سن الزواج، رغب فيها شباب آل بيت رسول الله
من بنى الحسن والحسين
، كما تهافت لخطبتها الكثير من شباب أشراف قريش لما عرفوا من خيرها وبرّها وإيمانها وتقواها، وكان أشدهم حرصًا عليها إسحق بن جعفر الصادق وهو الذى كان يُلقّب بين أقرانه، ويُعرف بين الناس بإسحق "المؤتمن" لكثرة أمانته وقوة إيمانه ودينه. ولم يكن هذا الشاب بغريب عنها فهو ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على
زين العابدين بن الحسين سبط رسول الله
. ولقد رأى إسحق الناس يخطبون السيدة نفيسة من أبيها الحسن الأنور، ومنهم العلماء الأفاضل، والعباد الأعلام، وكان أبوها إذا سأله الناس عن سبب رفضه لهم قال: "إنى أريد أن أؤدى الأمانة إلى أهلها، وأردّ القطرة إلى بحرها، وأغرس الوردة فى بستانها". فإذا سمع الناس منه ذلك أمسكوا عن الكلام، وقالوا: لعلّ فى الأمر سرًا لا ندركه ولا ندريه. لكن إسحق رأى أن يُجرّب حظه، فيطلب الزواج بالسيدة نفيسة، فاستخار الله تعالى، وذهب إلى عمه ومعه كبار أهل البيت. فرحّب بهم الحسن ضيوفًا كرامًا. لكنه امتنع عن تزويج السيدة نفيسة لإسحق، فانصرفوا من عنده يعصر الألم قلوبهم لأن إسحق لا يُردّ. وقام إسحق من عند الحسن، وفى نفسه حزن كبير، وذهب إلى المسجد النبوى، ووقف فى محرابه الميمون، وأخذ يصلى، فلمّا فرغ دخل الحجرة النبوية، ووقف عند القبر الشريف وقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين وحبيب رب العالمين، إنى أبثك لوعتى، وأنزل بك محجتى، وأعرض عليك حاجتى.. ولطالما استغاث بك الملهوفون، واستنجد بعونك المكروبون، فقد خطبت "نفيسة" من عمى "الحسن" فأباها علىّ..." ثم سلّم وانصرف. فلما كان الصباح بعث إليه الحسن فأدهشه ذلك فلما لقيه قال له: لقد رأيت الليلة جدى رسول الله
فى أحسن صورة يُسلّم علىّ ويقول لى: (يا حسن زوّج نفيسة ابنتك من إسحق المؤتمن). فتمّ زواجها يوم الجمعة فى الأول من شهر رجب سنة إحدى وستين ومائة للهجرة. وبزواجهما اجتمع فى بيتها نوران، نور الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة، فالسيدة نفيسة جدها الإمام الحسن وإسحق المؤتمن جده الإمام الحسين
. وكان إسحق من أهل الفضل والاجتهاد والورع، روى عنه الكثير من الناس الحديث والآثار، فقد كان محدثًا ثقة مأمونًا صادقًا. وجاء فى عمدة الطالب: وأما إسحق بن جعفر الصادق ويكنى أبا محمد، ويُلقّب "المؤتمن" فقد وُلد بالعريض، وهو وادٍ بالمدينة، وكان أشبه الناس برسول الله
، وكان سفيان بن عيينة شيخ الإمام الشافعى
إذا ما روى عنه يقول: حدّثنى الثقة الرضا إسحق بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين
. ويروى المقريزى فى خططه: وتزوج بنفيسة إسحق بن جعفر أهل الصلاح والخير والفضل والدين.
ويروى عن رحلة السيدة نفيسة إلى مصر الكنانة أنها كانت
لها مكانة فى قلوب المسلمين عامة، والمصريين خاصة. وكان أهل مصر يلتقونها فى موسم الحج، ويسألونها زيارتهم فى بلدهم لكثرة ما سمعوا عن فضلها وعلمها، فكانت ترحب بدعوتهم وتقول لهم: سأزور بلادكم إن شاء الله فإن الله قد أثنى على مصر وذكرها فى كتابه الكريم. وقد أوصى جدى
بأهلها خيرًا فقال: (إن فتحتم مصرًا فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لكم فيها صهرًا ونسبًا).
وتقلبت الأحوال بآل البيت، وعُزل ولدها الحسن الأنور عن ولاية المدينة، بعد وشاية بن أبى ذئب، وساءت الأحوال، وكثرت الفتن، واضطرت الأمور بآل البيت إلى الانتقال إلى مكان آخر غير المدينة، رغم أنها عزيزة عليهم، فعقدوا العزم على الانتقال إلى مصر، وكانت سبقتهم إليها فى زمن سابق السيدة الطاهرة زينب بنت الإمام على شقيقة الحسن والحسين
أجمعين وبنت فاطمة الزهراء
وحفيدة النبى الأكرم
.
ورحّب المصريون بأهل البيت وعلى رأسهم السيدة نفيسة وزوجها إسحق وإبناها القاسم وأم كلثوم وغيرهم من أبناء آل البيت، وتسابقوا فى تكريمهم، وتنافسوا فى استضافتهم. فحظى بهذا الشرف السيد جمال بن الجصاص فأنزلهم فى داره، وأقامت السيدة نفيسة فى مصر حتى توفيت ودفنت بها. وعلى الرغم من أن السيدة نفيسة نشأت فى بيت أبيها يحيط بها مظاهر الترف إلا أنها آثرت الزهد والتقشف، فكانت قليلة الأكل، ويروى أنها كات تأكل كل ثلاثة أيام مرة. قالت زينب بنت أخيها: "خدمتُ عمتى السيدة نفيسة أربعين عامًا فما رأيتها نامت بليل، ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق فقلت لها: أما ترفقين بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسى وأمامى عقبات لا يقطعهن إلا الفائزون. وكانت تقول: كانت عمتى تحفظ القرءان وتفسيره، وكانت تقرأ القرءان وتبكى". وكانت السيدة نفيسة عفيفة النفس، فما عُرف عنها أنها مدّت يدها لمخلوق، وكانت تنفق على نفسها وأهل بيتها من مالها أو مال زوجها، أو ما يأتيها مما تغزله بيدها.
أما عن كراماتها
المشهورة فقد أكرمها ربها سبحانه وتعالى بكرامات كثيرة اشتهرت بها وادت من تمسك أهل مصر بها، ونذكر بعضًا منها:
· سلة الطعام: قال القناعى رحمه الله: قلت لزينب بنت يحيى أخى السيدة نفيسة: ما كان قوت عمتك؟ قالت: "كات تأكل فى كل ثلاثة أيام أكلة، وكانت لها سلة معلقة أمام مصلاها، وكانت كلما طلبت شيئًا للأكل وجدته فى تلك السلة، وكانت لا تأخذ شيئًا من غير زوجها أو ما يحبوها به ربها، فالحمد لله الذى جعل لنا نصيبًا مما جعل للسيدة مريم بنت عمران
".
· جريان ماء النيل: قال سعيد بن الحسن: توقف النيل بمصر فى زمن السيدة نفيسة فجاء الناس إليها وسألوها الدعاء، فأعطتهم قناعها، فجاءوا بها إلى النهر وطرحوه فيه، فما رجعوا حتى فاض النيل بمائه وزاد زيادة عظيمة.
· مع الثعبان: روى عبد الرحمن الأوزاعى
إمام الشام وفقيهها وعالمها المتوفى سنة 158 هـ أنه قال: قلت لجوهرة (إحدى إماء الحسين) هل رأيت من سيدتك الصغيرة نفيسة كرامة؟ قالت: نعم. كنت فى يوم شديد القيظ، وإذا بتنين –ثعبان كبير- قد جاءنى وكان معى ماء لسيدتى نفيسة، فصار ذلك التنى يمرّغ خدّه على الإبريق كأنه يتمسح به، متبركًا بمائها، ثم ذهب من حيث أتى.
· دعاؤها للشافعى: كان الإمام الشافعى
إذا مرض يرسل لها رسولا من عنده، كالربيع الجيزى أو الربيع المرادى، فيقرئها سلامه ويقول لها: إن ابن عمك الشافعى مريض، ويسألك الدعاء فتدعو له، فلا يرجع إليه رسوله إلا وقد عوفى من رمضه. فلمّا مرض الشافعى مرضه الأخير، أرسل لها على عادته رسوله يسألها الدعاء له، فقالت لرسوله: متّعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم (أى ذاته الكريم فى الآخرة). وكان ذلك علامة على نهاية أجله
.
· أمر جدها
لها: قال زوجها إسحق المؤتمن يومًا لها: "ارحلى بنا إلى الحجاز"، فقالت: لا أفعل ذلك إنى رأيت رسول الله
فى المنام وقال لى: لا ترحلى من مصر فإن الله تبارك وتعالى متوفيك فيها.
وأما وفاتها؛ فقد أصاب السيدة نفيسة
المرض فى شهر رجب سنة مائتين وثمان للهجرة وظل المرض يشتدّ ويقوى حتى رمضان، فبلغ المرض أقصاه، وأقعدها عن الحركة، أحضروا لها الطبيب فأمرها بالفطر، فقالت
: "واعجباه! إن لى ثلاثين سنة وأنا أسأل الله أن يتوفانى وأنا صائمة. أفأفطر؟" وكان وراء ستار لها قبر محفور، فأشارت إليه وقالت: "هذا قبرى، وها هنا أُدفن إن شاء الله، فإذا متُّ فأدخلونى فيها". فلمّا فاضت روحها الطاهرة الشريفة دفنت فى قبرها الذى حفرته بيدها، وذلك بعد موت الشافعى بأربعين سنة.
رضى الله عن السيدة نفيسة الطاهرة الشريفة، نفيسة العلم وكريمة الدارين. اللهم أمّدنا بأمدادها واجمعنا بها فى جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقًا والحمد لله رب العالمين.
نفيسة العلم، كريمة الدارين
بنت الحسن الأنور، نفيسة العلم، كريمة الدارين. والتى نشأت فى جو يسوده العلم والورع والتقوى، وفى وسط يزخر بالعلماء والعبّاد والزهّاد، فقرأت القرءان وحفظته، ودرست العلم ووعته، وسمعت مسائل الحديث والفقه ففهمتها. وكانت
أما نسبها: فهى السيدة نفيسة بنت أبى محمد الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن السبط بن الإمام على
والمعروف عن زواج نفيسة العلم وكريمة الدارين أنها
ويروى عن رحلة السيدة نفيسة إلى مصر الكنانة أنها كانت
ورحّب المصريون بأهل البيت وعلى رأسهم السيدة نفيسة وزوجها إسحق وإبناها القاسم وأم كلثوم وغيرهم من أبناء آل البيت، وتسابقوا فى تكريمهم، وتنافسوا فى استضافتهم. فحظى بهذا الشرف السيد جمال بن الجصاص فأنزلهم فى داره، وأقامت السيدة نفيسة فى مصر حتى توفيت ودفنت بها. وعلى الرغم من أن السيدة نفيسة نشأت فى بيت أبيها يحيط بها مظاهر الترف إلا أنها آثرت الزهد والتقشف، فكانت قليلة الأكل، ويروى أنها كات تأكل كل ثلاثة أيام مرة. قالت زينب بنت أخيها: "خدمتُ عمتى السيدة نفيسة أربعين عامًا فما رأيتها نامت بليل، ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق فقلت لها: أما ترفقين بنفسك؟ فقالت: كيف أرفق بنفسى وأمامى عقبات لا يقطعهن إلا الفائزون. وكانت تقول: كانت عمتى تحفظ القرءان وتفسيره، وكانت تقرأ القرءان وتبكى". وكانت السيدة نفيسة عفيفة النفس، فما عُرف عنها أنها مدّت يدها لمخلوق، وكانت تنفق على نفسها وأهل بيتها من مالها أو مال زوجها، أو ما يأتيها مما تغزله بيدها.
أما عن كراماتها
· سلة الطعام: قال القناعى رحمه الله: قلت لزينب بنت يحيى أخى السيدة نفيسة: ما كان قوت عمتك؟ قالت: "كات تأكل فى كل ثلاثة أيام أكلة، وكانت لها سلة معلقة أمام مصلاها، وكانت كلما طلبت شيئًا للأكل وجدته فى تلك السلة، وكانت لا تأخذ شيئًا من غير زوجها أو ما يحبوها به ربها، فالحمد لله الذى جعل لنا نصيبًا مما جعل للسيدة مريم بنت عمران
· جريان ماء النيل: قال سعيد بن الحسن: توقف النيل بمصر فى زمن السيدة نفيسة فجاء الناس إليها وسألوها الدعاء، فأعطتهم قناعها، فجاءوا بها إلى النهر وطرحوه فيه، فما رجعوا حتى فاض النيل بمائه وزاد زيادة عظيمة.
· مع الثعبان: روى عبد الرحمن الأوزاعى
· أمر جدها
وأما وفاتها؛ فقد أصاب السيدة نفيسة
رضى الله عن السيدة نفيسة الطاهرة الشريفة، نفيسة العلم وكريمة الدارين. اللهم أمّدنا بأمدادها واجمعنا بها فى جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقًا والحمد لله رب العالمين.
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع