تسابيح ساجدة
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
- إنضم
- 16 أكتوبر 2010
- المشاركات
- 8,111
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المعهد
- احفظ من كتاب الله
- اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- هم كُثر ,,,
- الجنس
- أخت
التبـرج 1
نعمت صدقي
مقـدمة
آلمني أشد الألم، ما بلغت المرأة من المهانة والازدراء بنفسها، إلى الحد الذي تعرض به جسمها وأنوثتها هذا العرض المخجل في الشوارع والمجامع العامة والشواطئ، ورأيت أن المجتمع بذكوره وإناثه مغض عن ذلك الفساد بل وراضٍ به، ومغتبطٌ له، ومستمتعٌ به، غير آبه لما يجره ويهوي به في هوى الضلال والكفر بالله وكتابه!
إن وراء ذلك ولا بد، طامة كبرى ستحيق بهذا المجتمع لن ينجو منها إلا الذين ينهون عن السوء ويصرخون في أولئك الهاوين الغافلين لعلهم يفيقون ويرجعون.
فأمسكت قلمي الضعيف لأحاول أن أنهى عن السوء، وأن أدعو إلى الله عز وجل ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
وما إن استعرضت في مخيلتي شتى الصور لتبرج المرأة، وتبلد الرجل، وتجرد الاثنين من الحياء والعفاف في هذا العصر المشؤوم حتى انفجر بركان غضبي وسخطي لهول ما رأيت، واندلع لهيبه، وقذف على الورق بحمم تحجَّرت غلظة وقسوة.
وعدت أراجع دراسة وفحص هذا المجتمع الغارق في لجج الغفلة والهوى،السابح في بحر الملذات فإذا بي أعود مشمئزة مقتنعة أشد الاقتناع أنه لا ينبغي أن أستر كلامي عمن تجرد من ثوب الحياء، فلم يستر جسمه العاري، وألا أبالي بسخرية فاسق أو استهزاء من اتخذ آيات الله هزواً، واستنكار من لا يستنكرون المنكر، وذلك لأني أعتقد أن الجهالة والوقاحة لا بد أن تقابلا بالشدة والصراحة. ولأن الذي لا يستحي لا ينبغي أن يستحيا منه وليس بعد هذا التبرج وقاحة وجهالة وعدم حياء من الله عز وجل ومن الناس.
وإن المستغرق في نوم عميق إذا لم يفق بلمسة خفيفة ليتنبه ويتقي الخطر الذي سيحيق به، يجب أن يهز هزة عنيفة، إذا كان هناك شفقة به وعطف عليه، بل يجب أن يوكز ويلكم إن لم يستيقظ من الهزات وتمادى في نومه وغفلته.
وعجباً ألا يخجل المسيء من إساءته ثم يخجل ويشمئز من وصفها فكيف لا نتألم من قبيح نأتيه ونراه، ونتألم إذا كتبناه وقرأناه؟ وكيف نستنكر كلمات صريحة ولا نستنكر عورات مكشوفة؟ أيكون التخيل أظهر من الواقع، والخيال أوضح من الحقيقة ذاتها. وقد قيل: "ليس الخبر كالعيان" واعجباً أأستحي أن أقول للسارق "أيها اللص" وهو لا يستحي من أن يسرق، ويغضب من وصفه باللصوصية؟ فمن منا أولى بالخجل والحياء؟!
إذا كان الوعظ والتحذير ووصف تبرج النساء وتهتكهن وما يسمعن من مستهجن القول وبذيئه من الكلاب والذئاب في الشوارع تشمئز منه النفوس فكيف بالعمل نفسه؟
• معشر الناس!!!
إن كانت الحقيقة مؤلمة جارحة فهل يليق بنا أن نتغاضى ونتعامى عنها، مهما كانت قاسية جارحة لئلا نتألم؟ أم يجب أن نواجهها ونحتمل قسوتها لنرعوي عما يضرنا ونتهذب؟
هل من الحكمة والعقل ألا نشرب الدواء لمرارته، أو نترك الصديد في الدُّمَّل ولا ننظفه خوفاً من أن يؤلمنا، وألا نمس الجرح ولا نعالجه كيلا نشعر بألمه.
كلا أيها السادة: بل ينبغي أن نطعن هذا الدمل بالمبضع بشدة لننظفه من الصديد، وأن نكوي الجرح لنطهره إذا لزم الأمر يجب أن نتواصى بالحق والصبر، وأن نحاول أن ندخل الحق في القلوب بكل ما نستطيع وبأية طريقة شرعية وبكل لهجة، وليس بعد النصح والإرشاد غاية مقدسة يأمر الله سبحانه بها ورسوله، وتدعو إليها الشفقة الإنسانية الكريمة .
أيها المسلمون:
إنكم تتحمسون وتثورون من أجل حطام الدنيا، من أجل جزء من الأرض انتهكت حرمته، ولا تتحمسون ولا تثورون من أجل الدين أو الشرف وقد دِيست كرامته. فأيهما أهم وأقدس، وأيهما أعز وأنفس ... نرى منكم في الهيِّن البسيط الحماس والتفاني، ولا نرى منكم نحو الأهم الخطير إلا التهاون والتواني، تتقون وتخشون عدواً من العباد، ولا تخشون ألد عدو في نفوسكم اسمه "الفساد" يقتل النفوس، فمن منهما العدو الأكبر، ومن منهما الأخوف والأخطر، ألا فثوروا أيها المسلمون على من امتهن أوامر الإسلام، وقاطعوا من خرج على الآداب والاحتشام، وحاربوا هذا الداء الوبيل الذي يهتك ويفتك بالأعراض والأجسام، لقد انتشر بينكم وباء كوباء "الكوليرا" فكيف تسكتون! وقد كثرت ضحاياه وعمت عدواه، وانتشرت الجثث الحية حواليكم فكيف لا تجزعون؟ بادروا إلى إنقاذ أنفسكم وأهليكم من الوباء الفتاك وقوهم وعالجوهم بآداب وشرائع الإسلام لينجوا من شر هذا الهلاك.
ولقد منَّ الله عليَّ بالشفاء من هذا الوباء الذي كان قد سرى إليَّ من البيئة والغفلة عدواه، فداواني منه ربي سبحانه بمرض أليم في بدني، أعاد الصحة والعافية إلى روحي وقلبي، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة".
مرضت مرضاً شديداً بعد خلع ضرس، قاسيت منه آلاماً مبرِّحة حرمتني طعم النوم والأكل شهراً كاملاً، إذ لم يكن يكف طعن الألم لحظة ليلاً ولا نهاراً.
وزاد الورم حتى كاد خدي ينفجر، وامتد إلى عنقي ورأسي وأغلق جفني عيني، فحار في أمري الجراحون والأطباء، وعجز الطب وعزّ الدواء، وقطع الأمل بتاتاً من الشفاء.
وإذا بيد الله الكريمة تمتد وتمسح المرض، وتمحو على مهل الجرح وتصرف الورم، فوقف الأطباء مدهوشين من هذه المعجزة وقالوا خاشعين: "حقاً إن الله القدير الرحيم، يحيي العظام وهي رميم" فعاينت تفاهة الخلق، وعجز من ادَّعى العلم والسلطان، وأدركت أن الخالق سبحانه أبر وأرحم بعبده من كل إنسان.
وفي أثناء مرضي عادتني سيدة وقالت لي مجاملة: "إنك لا تستحقين كل هذا العذاب، أنت السيدة المؤمنة المصلية الحاجة لبيت الله الحرام. فماذا اقترفت من الآثام، حتى يعاقبك الله بهذه الآلام؟" فصرخت قائلة: "لا تقولي ذلك فإن الله لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون. إني آثمة أستحق هذا العقاب وزيادة، هذا الفم الذي أدبه الله بالمرض والألم كان يُصبغ بالأحمر، وكان لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر وهذا الوجه الوارم كان يتجمل بالمساحيق. وهذا الجسم الطريح كان يتبرج بالثوب الأنيق. وهذه الرأس المتألمة المتأججة بنار الحمى كانت لا تحجب بالخمار كما أمر الله ، وهي الآن تحجب قهراً باللفائف الطبية تحيط بها كالخمار تماماً، لم أختمر بخمار الاحتشام، فخمرني الله بخمار الآلام!.
جمَّلت فمي ووجهي بالأصباغ والأدهان فصفعهما الله صفعة العذاب والهوان)).
أجابتني السيدة قائلة: "إنك لم تفعلي إلا ما يفعله غيرك، بل وأقل مما يفعله غيرك، فكل النساء يتبرجن ويتجملن أكثر منك، وها هن يرتعن في بحبوحة الصحة، ويرفلن في حلل السعادة".
فقلت: هذا من فضل ربي عليَّ وحبه لي ورحمته بي فإن الله جل شأنه إذا أحب عبداً ابتلاه وطهره بعذابه ورباه. ثم إذا أراد ساق له العافية ونجاه ففاز بجزاء الصبر، وحظي بفضيلة الشكر، وسعد بالتوبة والطهر. فشكراً لله على هذا الدرس النافع، وهذا الألم الشافي الناجع، وهذا العقاب المؤدب الرادع، وهذا المرض المهذب اللاذع. إن الله سبحانه يأمرني بعمله عندما رآني لم أأتمر بقوله، فكيف لا أشكره على هذه العناية، وكيف لا أطيع من يرعاني هذه الرعاية؟!".
وهكذا شُفيت من مرضي ضعيفة الجسم قوية الإرادة، ضعيفة الهوى قوية الصبر والجلادة، وفهمت ما قاله الله لي بهذا المرض، وما سكبه في قلبي بلا ألفاظ، وما صوره لعيني فرآه عقلي جلياً واضحاً فهمت كيف يجب أن تحاط رأسي ووجهي بالخمار كما مثله لي الله، وأن يدعو فمي ولساني إليه شكراً وخوفاً وطمعاً، فكنت بعد مرضي غير ما كنت قبله، وكان أعظم نعمة عليَّ جعلتني أقهر هوى نفسي، وصيرت يومي أغنى وأقنى من أمسي.
ولم تقتصر هذه النعمة عليَّ وحدي، بل عمت بيتي وانتشرت من حولي، وأنقذت بناتي وكثيراً من معارفي وأهلي.
والحمد لله على أني تبت إلى الله من قريب، ولم أصر على ما فعلت وأنا أعلم، واحتشمت قبل فوات الوقت، لا كما تفعل كل النساء اللاتي يحتشمن ويختمرن في وقت لا جناح عليهن فيه أن يضعن ثيابهن. فلا يكون تركهن المعصية إلا عن عجز، لا عن توبة صادقة، ومنذ ذلك اليوم عزمت على أن أحارب الفسق، وأن أجاهد في سبيل الله بلساني وقلمي، كرست لذلك كل ما أستطيع من قوتي ووقتي وفهمي.
نظرت حولي ويا لهول ما رأيت!! رأيت السواد الأعظم من الناس مستغرقاً في نوم عميق، مهما ابتلاه ربه وألهبه بسوط عذاب وضيق، لا يفهم ما أراده الله بذلك فلا يرعوي ولا يفيق، أو كأنهم غير مسؤولين عن ذنوبهم، أو كأنهم ما يهلكهم إلا الدهر وليس لله يد فيما حل بهم، أو كأن الله سبحانه ظالمهم في عقابه لهم، فلو كانوا يفهمون حكمة الله في الابتلاء لانتفعوا بنعمته، ولو كانوا يشعرون بحبه وخشيته لما استهانوا بنقمته، ولو كانوا يؤمنون به لما اجترؤوا على عداوته.
فاحذري أيتها العاقلة الغفلة عن آثامك، وكلما ابتلاك ربك ففتشي عما أغضبه واستوجب عقابه، لتجني ثمرة الابتلاء توبة وتهذيباً، واجتهدي أن تتحلي بالفضائل، وأن تتجردي من الرذائل فإن أصابك الله بمحنة لم تكن مجرد عقاب، بل تغنمي عظيم الثواب، ولم تخسري بعصيانك ثمرة العذاب، فإياك أن تحولي الأجر إلى قصاص وزجر ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37]. وإني لأسأل ربي، الذي من أجل ابتغاء مرضاته وحده سبحانه كتبت، ومن أجل وجهه الكريم وحده جاهدت، أن ينفع بهذا الكلام خلقه وعباده، وأن يجزيني عليه ما هو له أهل من الفضل والإحسان، إنه سميع، وبعباده رؤوف رحيم، وصلى الله على نبيه وسلم أفضل صلاة وأزكى تسليم.
يتبع ان شاء الله تعالى ...
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع