تسابيح ساجدة
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
- إنضم
- 16 أكتوبر 2010
- المشاركات
- 8,111
- النقاط
- 38
- الإقامة
- المعهد
- احفظ من كتاب الله
- اللهم إجعلنا من العاملين به... آمين
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- هم كُثر ,,,
- الجنس
- أخت
"التبرج أن تخرج المرأة محاسنها"
.
التبرج 2 ...
.
التبرج 2 ...
نعمت صدقي
التبرج هو إظهار الجمال، وإبراز محاسن الوجه والجسم ومفاتنهما، أو كما يقول البخاري – رحمه الله -:
"التبرج أن تخرج المرأة محاسنها".
وأصل التبرج مأخوذ من البروج، وهي القصور العالية البينة الارتفاع، فالمرأة المتبرجة تعلن عن محاسنها بإبرازها أو تحديدها، كما تعلن البروج عن نفسها بارتفاعها.
وحفظاً للمجتمع من ضرر التبرج، وصيانة لأجسام النساء من التهتك ولحيائهن وعفافهن من الفساد، وإبعاداً لنفوس الرجال من الإغراء والتدهور، نهى الله العليم الحكيم النساء عن التبرج، وهو سبحانه الخبير بضعف الإنسان وطيش الشباب.
فاسمعن أيتها المسلمات أوامر الله لَكُنَّ، إن كنتن حقاً من المؤمنات: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ... ﴾ [النور: 31].
اعلمن أن الخمار في قوله: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ هو ما يغطي الرأس والوجه، والجيب هو فتحة الصدر مما يلي العنق، فلا تتغافلن عن أن الله تعالى يأمر كل مؤمنة بأن تغطي صدرها وعنقها بالخمار، لا رأسها فحسب، إذ يقول: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾.
وهذا صريح جداً في وجوب الخمار الساتر لرأس المرأة وصدرها. إذن فمن خلعته فكشف عن رأسها أو صدرها، فإنها لم تحترم أمر الله تعالى، فتصبح بذلك من العاصيات المستهترات بغضبه، عقابه. تنبهن أيتها المسلمات إلى قوله تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾.
إذ إنه لم يعيّن زينة في عضو أو ثوب. فإن ذلك يدل صراحة على أن كل عضو قد يكون فيه زينة وفتنة. وإن المؤمنة التقية هي التي تقدر ذلك خوفاً من عقاب الله وغضبه.
والزينة: هي كل ما يضفي حسناً وبهجة (لسان العرب مادة "زين") ولا يقتصر ذلك على ما تتحلى به المرأة من الحلي والثياب والجواهر، وما تتجمل به من الأصباغ والأدهان، بل إن الزينة أكبر الزينة، وما خلق الله في جسمها من مفاتن وما فطره عليه من تناسق الأعضاء وجمال تناسبها.
"إن الله قد أنزل هذه الآية، وهو يعلم أن من النساء من تتحجب للزينة والفتنة، وتتجمل بالخمار لأنها تديره على رأسها مائلاً ذات اليمين وذات الشمال، وتحليه ببعض الحلية، أو بإرسال خصلات من شعرها اللامع على جيبها، أو تجعله على شكل تاج تزيد في جمال وجهها، حتى ليكون الخمار نفسه زينة للناظرين، عكس ما أراد الله من جعله ساتراً لزينتها وفتنتها، وزعمت أنها أطاعت الله واحتجبت كما أمر. ألا فلتعلم هذه المخادعة أن الله عليم بما في نفسها من شهوة التجمل والتبرج، وأنه لا يخفى عليه ما في قلبها من الاحتيال والمخادعة، فرغبتها في أن تبدو جميلة، وأن تحوز إعجاب من يراها ولو بالخمار، تبرج يمقته الله، ومعصية يعاقب عليها، ولذلك عقب قوله: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾. بقوله: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ أي: أن الخمار وحده لا يكفي مع التجمل والتزين".
ثم تدبرن قوله: ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31].
تعلمن أنه تعالى ينهى عن استلفات النظر إلى زينة، وإن كانت مستورة، فالثوب الفضفاض الذي لا يبدي جمال الجسم يبرز منه شكل الأعضاء باهتزازها في الحركة العنيفة والمشية أو الالتواءة الخليعة، كما قد يسمع عند الحركة رنين بعض الحلي المستترة.
ثم تدبرن قوله تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهن المؤمنات القانتات العابدات: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [الأحزاب: 32].
تعلمن أن التبرج يكون حتى في الصوت بتكلفه ولينه ودلاله.
وهاكم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية" وهو يثبت أن التبرج كذلك يكون بتضوع ريحها، وتعمد لفت النظر إليها بطيب العطر.
وعن أم سلمة، أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها، وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا" وأشار إلى وجهه وكفيه.
فتدبروا يا أولي الألباب آيات الله وحديث رسوله.
واعقلوا ما فيها من حكمة وأدب، واعرفوا هذا الاحتياط الشديد، وهذا الحذر في الابتعاد عما يدعو إلى الزلل فما أحكم هذا الحرص الذي يأمر المرأة بأن لا تمتع غير عين زوجها بجمالها، ولا أذناً غير أذنه بحلو حديثها، ولا أنفاً غير أنفه بشذا عبيرها، ولا خيالاً إلا خياله بما تخفيه من زينتها وحليها، لتكون بذلك في حصن حصين، وسياج من الصون، متين أمين، بعيدة عن أنظار الفجرة الفاسقين.
فزينة المرأة وظهور جمالها بين الرجال غواية وإغراء وشرارة تضرم ما كمن وخمد في نفوسهم من شهوة حيوانية، كما أن رؤية الطعام وشم رائحته يوقظان الشهية، فالعين هي زناد الشهوة، والنفس لا تشتهي إلا ما تقدم العين لها، ولذلك أمر الله تعالى الرجال بأن يغضوا من أبصارهم، وأتبعها بقوله تعالى: ﴿ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾.
وكذلك أمر النساء بأن يغضضن من أبصارهن وأتبعها بقوله: ﴿ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾.
ومعنى ذلك أن النظر بريد الزنا.
ما بال الناس غفلوا، وخادعوا أنفسهم، فزعموا أن التبرج قد أصبح أمراً عادياً مألوفاً، لا يؤثر في الأخلاق ولا يثير دفائن الشهوات، ولا يوقد نار المحرم من اللذات.
أما إنهم لو عقلوا لعلموا أن هذا الزعم باطل ومحال ولا شك. فإنه لو كان الأمر كذلك لصدق في حالة الزوج مع زوجه، ولانقلبت المودة بينهما عداوة، والشوق نفوراً، ولأصبح كل من الزوجين حريصاً أن يغير زوجه بعد لأي من الزمن. فهل هذا هو الواقع؟ أبداً فإن الرجولة هي الرجولة، والأنوثة هي الأنوثة، وإن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي جاذبية فطرية، لا تتغير مدى الدهر. وهي شيء يجري في عروقهما وينبه في كل من الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية فإن الدم يحمل الإفرازات الهرمونية من الغدد الصماء المختلفة، فتؤثر على المخ والأعصاب وعلى غيرها من الأعضاء بل إن كل جزء من كل جسم يتميز عما يشبهه في الجنس الآخر، ولذلك تظهر صفات الأنوثة في المرأة في تركيب جسمها كله وفي شكلها، وفي أخلاقها وأفكارها وميولها. كما تظهر مميزات الذكورة في الرجل في بدنه وهيئته وصوته وأعماله وميوله. وهذه قاعدة فطرية طبيعية لم تتغير من يوم خلق الله الإنسان ولن تتغير حتى تقوم الساعة:
﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ [القيامة: 37 - 39]. ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30]. ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ [فاطر: 43].
لقد حذر الله المؤمنين والمؤمنات مما يثير شهواتهم وشهواتهن فلم يشدد التحذير من الزنى فحسب، بل مما يدعو إلى الزنى فقال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾ [الإسراء: 32].
يريد سبحانه وتعالى بذلك أن اجتناب عمل الفاحشة ليس هو كل ما يجب على المؤمن والمؤمنة، بل ينبغي أن يبتعد كل منهما عما يقوده إلى الزنا من مغريات، وألا يقرب مما يحيط به أو يدني من متعة العين ولذة البصر أو الأذن أو أي حاسة من الحواس الأخرى، لأن من يقترب من التيار الجارف لا بد أنه غارق فيه، ولا بد هالك مهما قويت ذراعاه، ومهما بعد باعه في السباحة ومغالبة الأمواج. فالتيار الشديد يجذب إليه الأجسام الطافية التي تحوم حوله وتتعرض له فيجترفها وما هي إلا لحظات ومحاولات فاشلة حتى يبتلعها.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العينان تزنيان وزناهما البصر" وقال أيضاً: "ثلاث أعين لا تمسها النار: عين غضت عن محارم الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله".
نفهم من ذلك أن تمتع النظر ضرب من الزنى، وحظ عظيم من اللذة، وجزء مهم من تمتع الرجل بالمرأة، لذلك فهو يمتد ويصبو إلى الجميلة، وينفر من الدميمة، وهما في الأنوثة سواء.
ولذة النظر متعة عظيمة للإنسان. فكم أنفق الناس من النفقات الباهظة لتتمتع أنظارهم، فزينوا البيوت والسقوف والجدران، وأنشؤوا الحدائق ونسقوها بأشجار وأزهار، وأثثوا ديارهم بفاخر الرياش والأثاث الذي يلذ العين ويمتع البصر وهم لا يلمسون، ولكنهم يتلذذون بأبصارهم، فلذة العين تشترك في كل لذة، حتى لذة الأكل، ولذلك يقال: العين تأكل أكثر من الفم، بل إن النظر إلى الأكل الشهي يكفي وحده لبدء إفرازات العصارات الهاضمة في المعدة.
فإن كانت العين تتلذذ بمنظر المآكل والفواكه الشهية أكثر مما يتلذذ الفم بطعمها. فكيف بتلذذها في التهام الجمال، ولحم ذات الحسن والدلال. فينبغي للمسلم أن يلجم عينيه بلجام الحياء والعفاف حتى ينجو من الزلل. فالشهوة لا تصحو إلا إذا أيقظها، ولا تنتبه إلا إذا دعاها. والمرأة المتبرجة شرارة للزناد تغوي بجمالها العباد. وتنشر من حولها الفساد لأن كثيراً ممن يرونها، ضعاف عزاب في سن الطيش تتحكم فيهم رعونة الشباب، تتضور نفوسهم جوعاً عند رؤية لحمها كالذئاب فيبحثون عما يشبع نهمهم ولو كان جيفة منتنة، فيتهافتون عليها تهافت الذئاب فالويل لها من شيطان رجيم، تأخذ الرجال إلى نار الجحيم، فلو احتشمت المرأة واجتنبت التبرج والخلاعة في كلامها ومشيتها لما انتشر هذا الفساد والشر المستطير، إذ من المحال أن تصان الأعراض وكرامة الأسر إلا بالاحتشام والغض من البصر.
التبرج هو إظهار الجمال، وإبراز محاسن الوجه والجسم ومفاتنهما، أو كما يقول البخاري – رحمه الله -:
"التبرج أن تخرج المرأة محاسنها".
وأصل التبرج مأخوذ من البروج، وهي القصور العالية البينة الارتفاع، فالمرأة المتبرجة تعلن عن محاسنها بإبرازها أو تحديدها، كما تعلن البروج عن نفسها بارتفاعها.
وحفظاً للمجتمع من ضرر التبرج، وصيانة لأجسام النساء من التهتك ولحيائهن وعفافهن من الفساد، وإبعاداً لنفوس الرجال من الإغراء والتدهور، نهى الله العليم الحكيم النساء عن التبرج، وهو سبحانه الخبير بضعف الإنسان وطيش الشباب.
فاسمعن أيتها المسلمات أوامر الله لَكُنَّ، إن كنتن حقاً من المؤمنات: ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ... ﴾ [النور: 31].
اعلمن أن الخمار في قوله: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ هو ما يغطي الرأس والوجه، والجيب هو فتحة الصدر مما يلي العنق، فلا تتغافلن عن أن الله تعالى يأمر كل مؤمنة بأن تغطي صدرها وعنقها بالخمار، لا رأسها فحسب، إذ يقول: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾.
وهذا صريح جداً في وجوب الخمار الساتر لرأس المرأة وصدرها. إذن فمن خلعته فكشف عن رأسها أو صدرها، فإنها لم تحترم أمر الله تعالى، فتصبح بذلك من العاصيات المستهترات بغضبه، عقابه. تنبهن أيتها المسلمات إلى قوله تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾.
إذ إنه لم يعيّن زينة في عضو أو ثوب. فإن ذلك يدل صراحة على أن كل عضو قد يكون فيه زينة وفتنة. وإن المؤمنة التقية هي التي تقدر ذلك خوفاً من عقاب الله وغضبه.
والزينة: هي كل ما يضفي حسناً وبهجة (لسان العرب مادة "زين") ولا يقتصر ذلك على ما تتحلى به المرأة من الحلي والثياب والجواهر، وما تتجمل به من الأصباغ والأدهان، بل إن الزينة أكبر الزينة، وما خلق الله في جسمها من مفاتن وما فطره عليه من تناسق الأعضاء وجمال تناسبها.
"إن الله قد أنزل هذه الآية، وهو يعلم أن من النساء من تتحجب للزينة والفتنة، وتتجمل بالخمار لأنها تديره على رأسها مائلاً ذات اليمين وذات الشمال، وتحليه ببعض الحلية، أو بإرسال خصلات من شعرها اللامع على جيبها، أو تجعله على شكل تاج تزيد في جمال وجهها، حتى ليكون الخمار نفسه زينة للناظرين، عكس ما أراد الله من جعله ساتراً لزينتها وفتنتها، وزعمت أنها أطاعت الله واحتجبت كما أمر. ألا فلتعلم هذه المخادعة أن الله عليم بما في نفسها من شهوة التجمل والتبرج، وأنه لا يخفى عليه ما في قلبها من الاحتيال والمخادعة، فرغبتها في أن تبدو جميلة، وأن تحوز إعجاب من يراها ولو بالخمار، تبرج يمقته الله، ومعصية يعاقب عليها، ولذلك عقب قوله: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾. بقوله: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ أي: أن الخمار وحده لا يكفي مع التجمل والتزين".
ثم تدبرن قوله: ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31].
تعلمن أنه تعالى ينهى عن استلفات النظر إلى زينة، وإن كانت مستورة، فالثوب الفضفاض الذي لا يبدي جمال الجسم يبرز منه شكل الأعضاء باهتزازها في الحركة العنيفة والمشية أو الالتواءة الخليعة، كما قد يسمع عند الحركة رنين بعض الحلي المستترة.
ثم تدبرن قوله تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهن المؤمنات القانتات العابدات: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ﴾ [الأحزاب: 32].
تعلمن أن التبرج يكون حتى في الصوت بتكلفه ولينه ودلاله.
وهاكم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة استعطرت ثم خرجت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية" وهو يثبت أن التبرج كذلك يكون بتضوع ريحها، وتعمد لفت النظر إليها بطيب العطر.
وعن أم سلمة، أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها، وقال: "يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا" وأشار إلى وجهه وكفيه.
فتدبروا يا أولي الألباب آيات الله وحديث رسوله.
واعقلوا ما فيها من حكمة وأدب، واعرفوا هذا الاحتياط الشديد، وهذا الحذر في الابتعاد عما يدعو إلى الزلل فما أحكم هذا الحرص الذي يأمر المرأة بأن لا تمتع غير عين زوجها بجمالها، ولا أذناً غير أذنه بحلو حديثها، ولا أنفاً غير أنفه بشذا عبيرها، ولا خيالاً إلا خياله بما تخفيه من زينتها وحليها، لتكون بذلك في حصن حصين، وسياج من الصون، متين أمين، بعيدة عن أنظار الفجرة الفاسقين.
فزينة المرأة وظهور جمالها بين الرجال غواية وإغراء وشرارة تضرم ما كمن وخمد في نفوسهم من شهوة حيوانية، كما أن رؤية الطعام وشم رائحته يوقظان الشهية، فالعين هي زناد الشهوة، والنفس لا تشتهي إلا ما تقدم العين لها، ولذلك أمر الله تعالى الرجال بأن يغضوا من أبصارهم، وأتبعها بقوله تعالى: ﴿ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾.
وكذلك أمر النساء بأن يغضضن من أبصارهن وأتبعها بقوله: ﴿ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾.
ومعنى ذلك أن النظر بريد الزنا.
ما بال الناس غفلوا، وخادعوا أنفسهم، فزعموا أن التبرج قد أصبح أمراً عادياً مألوفاً، لا يؤثر في الأخلاق ولا يثير دفائن الشهوات، ولا يوقد نار المحرم من اللذات.
أما إنهم لو عقلوا لعلموا أن هذا الزعم باطل ومحال ولا شك. فإنه لو كان الأمر كذلك لصدق في حالة الزوج مع زوجه، ولانقلبت المودة بينهما عداوة، والشوق نفوراً، ولأصبح كل من الزوجين حريصاً أن يغير زوجه بعد لأي من الزمن. فهل هذا هو الواقع؟ أبداً فإن الرجولة هي الرجولة، والأنوثة هي الأنوثة، وإن الجاذبية بين الرجل والمرأة هي جاذبية فطرية، لا تتغير مدى الدهر. وهي شيء يجري في عروقهما وينبه في كل من الجنسين ميوله وغرائزه الطبيعية فإن الدم يحمل الإفرازات الهرمونية من الغدد الصماء المختلفة، فتؤثر على المخ والأعصاب وعلى غيرها من الأعضاء بل إن كل جزء من كل جسم يتميز عما يشبهه في الجنس الآخر، ولذلك تظهر صفات الأنوثة في المرأة في تركيب جسمها كله وفي شكلها، وفي أخلاقها وأفكارها وميولها. كما تظهر مميزات الذكورة في الرجل في بدنه وهيئته وصوته وأعماله وميوله. وهذه قاعدة فطرية طبيعية لم تتغير من يوم خلق الله الإنسان ولن تتغير حتى تقوم الساعة:
﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ [القيامة: 37 - 39]. ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30]. ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ [فاطر: 43].
لقد حذر الله المؤمنين والمؤمنات مما يثير شهواتهم وشهواتهن فلم يشدد التحذير من الزنى فحسب، بل مما يدعو إلى الزنى فقال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ﴾ [الإسراء: 32].
يريد سبحانه وتعالى بذلك أن اجتناب عمل الفاحشة ليس هو كل ما يجب على المؤمن والمؤمنة، بل ينبغي أن يبتعد كل منهما عما يقوده إلى الزنا من مغريات، وألا يقرب مما يحيط به أو يدني من متعة العين ولذة البصر أو الأذن أو أي حاسة من الحواس الأخرى، لأن من يقترب من التيار الجارف لا بد أنه غارق فيه، ولا بد هالك مهما قويت ذراعاه، ومهما بعد باعه في السباحة ومغالبة الأمواج. فالتيار الشديد يجذب إليه الأجسام الطافية التي تحوم حوله وتتعرض له فيجترفها وما هي إلا لحظات ومحاولات فاشلة حتى يبتلعها.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العينان تزنيان وزناهما البصر" وقال أيضاً: "ثلاث أعين لا تمسها النار: عين غضت عن محارم الله، وعين حرست في سبيل الله، وعين بكت من خشية الله".
نفهم من ذلك أن تمتع النظر ضرب من الزنى، وحظ عظيم من اللذة، وجزء مهم من تمتع الرجل بالمرأة، لذلك فهو يمتد ويصبو إلى الجميلة، وينفر من الدميمة، وهما في الأنوثة سواء.
ولذة النظر متعة عظيمة للإنسان. فكم أنفق الناس من النفقات الباهظة لتتمتع أنظارهم، فزينوا البيوت والسقوف والجدران، وأنشؤوا الحدائق ونسقوها بأشجار وأزهار، وأثثوا ديارهم بفاخر الرياش والأثاث الذي يلذ العين ويمتع البصر وهم لا يلمسون، ولكنهم يتلذذون بأبصارهم، فلذة العين تشترك في كل لذة، حتى لذة الأكل، ولذلك يقال: العين تأكل أكثر من الفم، بل إن النظر إلى الأكل الشهي يكفي وحده لبدء إفرازات العصارات الهاضمة في المعدة.
فإن كانت العين تتلذذ بمنظر المآكل والفواكه الشهية أكثر مما يتلذذ الفم بطعمها. فكيف بتلذذها في التهام الجمال، ولحم ذات الحسن والدلال. فينبغي للمسلم أن يلجم عينيه بلجام الحياء والعفاف حتى ينجو من الزلل. فالشهوة لا تصحو إلا إذا أيقظها، ولا تنتبه إلا إذا دعاها. والمرأة المتبرجة شرارة للزناد تغوي بجمالها العباد. وتنشر من حولها الفساد لأن كثيراً ممن يرونها، ضعاف عزاب في سن الطيش تتحكم فيهم رعونة الشباب، تتضور نفوسهم جوعاً عند رؤية لحمها كالذئاب فيبحثون عما يشبع نهمهم ولو كان جيفة منتنة، فيتهافتون عليها تهافت الذئاب فالويل لها من شيطان رجيم، تأخذ الرجال إلى نار الجحيم، فلو احتشمت المرأة واجتنبت التبرج والخلاعة في كلامها ومشيتها لما انتشر هذا الفساد والشر المستطير، إذ من المحال أن تصان الأعراض وكرامة الأسر إلا بالاحتشام والغض من البصر.
فكم من نظرة جرت الخراب والشقاء، وفرقت بين الأزواج، وأشقت الأبناء. وأصل البلاء كله نظرة كما قال الشاعر:
نظرة فابتسامة فسلام
فكلام فموعد فلقاء
وقال آخر:
كل الحوادث مبداها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
فتك السهام بلا قوس ولا وتر
و المرء ما دام ذا عين يقلبها
في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضرَّ مهجته
لا مرحباً بسرور جاء بالضرر
كل امرأة خرجت من خدرها إلى الطرقات عروساً قد أخذت زخرفها وازينت لسان حالها يقول:
ألا تنظرون إلى هذا الجمال؟ هل من راغب في القرب والوصال؟ إنها تعرض جمالها في أسواق الشوارع كما يعرض التاجر المتجول سلعته، وكما يعرض بائع الحلوى ما عنده مزيناً بالألوان الزاهية والأوراق اللامعة، ليسترعي الأنظار ويغري النفوس ويثير الشهية فتروج بضاعته ويكثر المشترون ويتهافت الطلاب والجياع النَّهمون.
كيف تقبل المرأة المصونة العفيفة عرض جمالها في السوق سلعة رخيصة تتداولها الأعين، وكيف يرضى لها حياؤها أن تكون مبعث إثارة شهوة في نفوس كل رجل يراها بل كيف تطيق الشعور بأنه يصبو إليها ويتمناها!! إنها لو فكرت في ذلك الأمر برهة لاحمرت خجلاً، ولسترت جمالها وزينتها عن الأعين الشرهة الوقحة.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59].
يحيط الله المرأة المؤمنة في هذه الآية بهالة من الصون والكرامة، وأن تكون في إطار من الإجلال والإكبار. فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يلزم نساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن والجلباب: الثوب الواسع، أي أن يتسترن بثيابهن الواسعة ليعرفن بالحصانة والتقوى والعفاف، فلا يؤذين بأعمال سافلة، دنيئة، ولا تنغص حياتهن بنظرات وقحة جريئة ولا توجه إليهن أقوال مهينه بذيئة.
فبالله ماذا سترت نساء من يدعون الإسلام الآن من زينتهن التي أمرن بسترها إذا كن هكذا في الطريق، عاريات الأذرع والسيقان والصدور، باديات النهود والأرداف والخصور، مصبوغات الوجوه والعيون والثغور، حاسرات الرؤوس مسترسلات الشعور. ماذا تركت الشريفة لغيرها من فنون التبرج، وما أبقت لنفسها من ضروب الاحتشام، إنها لم تترك من ذلك ولم تبق شيئاً. فبالله أيتها السيدة المحترمة أتستطيعين أن تفرقي ما بين الراقصة الخليعة الفاجرة، وبين السيدة الشريفة الطاهرة، لذلك تطارد الذئاب الشريفة كغيرها! إذ يظنونها صيداً وقنيصة. فتسمع وترى ما يخجلها ويؤذيها، لأنها تشبهت بمن لا كرامة ولا شرف لها، ولم تتعزز وتتحصن بوقار الاحتشام. فضاعت عزتها وظنوها سلعة كبقية السلع وعرضت نفسها للمهانة والازدراء.
فيا حسرتا على النساء. لقد فقدت أيتها المسلمة احترامك عندما خلعت الخمار، وارتديت ثوب الخلاعة والاستهتار، فنُظر إليك بعين الازدراء والاحتقار.
الخمار: شعار التقوى والإسلام، الخمار برهان الحياء والاحتشام. الخمار سياج الإجلال والاحترام. الخمار يا سيدتي المسلمة أشرف إكليل لجمالك. وأعظم دليل على أدبك وكمالك.
صوني أيتها الشريفة المؤمنة جسمك الطاهر من اعتداء الأعين الزانية، وحصنيه بالاحتشام لتذودي عنه السهام الغازية، فليست الشريفة الطاهرة من لا تسمح لرجل أن يتمتع ببدنها وأن يلامسه، بل الطاهرة الحقة هي التي لا تسمح لعين أن تقع على جسمها الطاهر فتدنسه، والتي لا تطيق نظرة آثمة تنتهك طهارتها المقدسة. فإن للعفاف والطهارة درجات، كما أن للتهتك والعهر دركات فهناك عاهرة يتمتع بها الرجل ببدنه، وهناك عاهرة يتمتع بها الرجل بعينه، والنفوس تتفاوت علواً على درجات طهارتها وعفتها ونزولاً على دركات عهارتها وشراهتها، فهناك نفس عفيفة شريفة يصونها الحياء تتألم لنظرة جريئة، فتختمر احتفاظاً لهيبتها، وتحتشم وتستتر حرصاً على كرامتها، وإشفاقاً من أن يكون جمالها مطمع الأنظار ومطرح أقذار الأفكار، وهناك نفس خبيثة غاوية، مستهترة عابثة لاهية شرهة تنعم وتسعد بأن تعانقها وتداعب بدنها الأنظار، وتبتهج بأن تكون شهوة النفوس ومتعة الأبصار، فتبالغ في استعراض جسمها وأناقتها، وتغالي في التبرج والخلاعة طلباً للذتها هذه هي نفسية المتبرجة الشرهة، التي تعتبر في نظرة المدنية الكاذبة امرأة راقية، ولكن هل هي في نظر الإسلام مسلمة أو عفيفة طاهرة؟
لو أن المتبرجة تأملت بعين بصيرتها، ولو كان لها قلب يعي لوجدت أنها – باصطناعها هذا الجمال المزور ومبالغتها في التزين – لا تكتسب في الحقيقة جمالاً ولا محاسن، بل إنها لتمسخ وجهها وتخفي ما حباها الله به من الجمال الفطري بقناع من الأصباغ الزاهية التي تختلف وتشذ عن الطبيعة، وينبو عنها الذوق السليم، وهي لا تأبه لذلك ولا تفطن لما صنعت بوجهها من التشويه والتقبيح، فإن الله تعالى لم يخلق جفوناً زرقاء لامعة، ولا سوداء قاتمة إلا في القردة والكلاب، ولا شفاهاً حمراء قانية، كأنها ولغت في الدم المسفوح، ولا خدوداً مضطرمة متوهجة الاحمرار، ولا حواجب هلالية لامعة تذكر بما يتخيلون ويصفون في الأساطير من حواجب الشياطين، ولا أظافر مدببة حمراء كأنها مخالب حيوان كاسر مخضبة بدماء فريسته، فبالله هل هذا جمال أم دمامة وبشاعة؟ وما أصدق قول الشاعر:
قل للجميلة أرسلت أظفارها
إني لخوفي كدت أمضي هاربا
إن المخالب للوحوش تخالها
فمتى رأينا للظباء مخالبا
بالأمس أنت قصصت شعرك غيلة
ونقلت عن وضع الطبيعة حاجبا
وغداً نراك نقلت ثغرك للقفا
وأزحت أنفك – رغم أنفك – جانبا
من علّم الحسناء أن جمالها
في أن تخالف خلقها وتجانبا
إن الجمال من الطبيعة رسمه
إن شذَّ خطٌّ منه لم يك صائبا
فلم هذه المبالغة المشوهة للخلق الذي جعله الله في أحسن تقويم، فكل شيء زاد عن حده انقلب إلى ضده، وإتقان الجمال إنما يكون بمحاكاة خلق الله سبحانه، الذي أتقن كل شيء، وأحسن كل شيء خلقه. ولن يكون أحد أحذق ولا أبدع منه تصويراً ولا أدق منه تجميلاً، ولا أحسن منه تنسيقاً فهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
فالمصور البارع هو الذي يقلد بإتقان خلق الله، ويحاول أن يحاكي الطبيعة كاملة من كل نواحيها المتناسقة. فإذا بالغ أو غيَّر في لون من الألوان، أو وضع جزءاً مكان جزء آخر أفسد عمله.
فكم من سيدة شوَّهت جمالها بالمبالغة في التجمُّل، وكم من سيدة أظهرت عيوب وجهها بالأصباغ، فزادت الدمامة وضوحاً، وهتكت عيوب جسمها بالملابس الضيقة القصيرة، فاستلفتت الأنظار إليها، وكم من عجوز متصابية تزينت وتجملت، فصارت سخرية الناس، وهي تظن أنها بعملها هذا قد صغرت سناً، ولا تدري أنها في الحقيقة صغرت عقلاً وقلت احتراماً.
ألا فاعلمن أيتها السيدات أن الأصباغ والزينة تزيد الدميمة دمامة، وتزيد العجوز شيخوخة، وأن الجمال الحقيقي إنما هو جمال النفس المهذبة التقية، يشع من العيون، ويتدفق على الوجه، فيكسوه جمالاً. وجمال الحياء يتألق، ويغمر الوجه نوراً وبهاء ينفذ إلى القلوب، ويبهر الأبصار. فكم من وجه جميل يغشاه الخبث والوقاحة فتظلم بهجته. وكم من عيون جميلة الشكل، يعلوها صدأ الجهل والغباوة أو ينتابها مرض التبجح والوقاحة، فيطمس بريقها، ويطفئ نورها، ويتحول جمالها قبحاً، وكم من وجه دميم يزهو ويسطع بنور التقوى والعلم والأدب.
فكيف تفضلين أيتها المسلمة أن تكوني أنيقة خليعة فاتنة، على أن تكوني محتشمة محترمة مؤمنة؟ كيف تقدمين جمال جسمك وهندامك، على جمال نفسك واحتشامك؟
كيف يهون عليك أن تخفي نور الإيمان في وجهك بغشاء من التزوير، ونقاب من الكذب والتزييف؟ كيف تستبدلين جمال الحياء والخفر بقناع من الوقاحة؟ إن المرأة التي تواجه الرجال متوقحة بأصباغها مستعرضة لزينتها ولحمها، قد تجردت من ثوب الحياء، ففقدت بذلك أكبر جاذبية في جمالها وأجمل زينة لوجهها. فجمال احمرار الحياء على وجه المرأة لا تجاريه الأصباغ. وإن يد الإنسان لتعجز عن أن تقلد جمالاً، فطره في الروح، لا على الظاهر.
قال الأديب الفرنسي الشهير فكتور هوجو: "إن أجمل فتاة هي التي لا تدري بجمالها".
فإذا كانت أجمل فتاة هي التي لا تدري بجمالها، كانت بلا ريب أقبح فتاة هي المفتونة المغرورة بجمالها، الخليعة المخلوعة المفككة الأوصال والمفاصل، تتلوى زهواً وعجباً، وتتمطى اختيالاً وكبراً، ويبدو في حركتها ومشيتها الطيش والتكلف، وفي نظرتها التبجح والتعجرف، وفي كلامها التدلل والتظرف فتفوق الذميمة ذمامة، مهما كانت جميلة، فكيف بها لو كان جمالها طلاء موهوماً، وحسنها مصطنعاً تافهاً مزعوماً؟
فهؤلاء الجاهلات المغرورات بنفوسهن الغافلات عن عيوبهن يغضبن عليهن الله بتبرجهن، فيظلمن أنفسهن في الآخرة، ويضحكن منهن الناس، فيظلمن أنفسهن في الدنيا.
نعم؛ أليس من المضحكات المبكيات أن ترى العجوز السمراء الشمطاء تردم بالمسحوق الأبيض حفراً وأخاديد وجهها الذي أكل عليه الزمان وشرب فيصبح كالمستنقعات كتلاً من الملح، حولها الماء الآسن المختلط بالتراب؟ وذات الشفتين الغليظتين، والفم الذي تقع ساحته على مشارق الوجه إلى مغاويه تحدد طوله وعرضه بالأصباغ، وتبرز اتساعه وضخامته، وتستلفت الأنظار إلى مساحته الشاسعة؟
وذات الشعر القُطُط والمنفوش، تخرج حاسرة وهي تحمل فوق رأسها غابة عذراء كثة الأدغال، كثيفة الظلال، تضل في غاباتها وظلماتها العيون؟! والتي ترسم بالأصباغ حول عينيها الجاحظتين وفوق جفنيها البارزين كجفون الضفدع هالة سوداء أو زرقاء لامعة، فتبرز عيوبها بدهن تلك القباب الشامخة؟! والتي تحسر ثوبها لتفزع الناس بساقيها الوارمتين، أو ساقيها النحيلتين اللتين تذكران برقاد القبور والعظام النخرة؟! والسمينة المترهلة التي تلبس الثوب الضيق اللاصق على جسمها، المحدد لكل عضو من أعضائها الهائلة، لتخيف الناس بجبالها الشاهقة، ووهادها السحيقة، ووديانها العميقة؟!.
فما أجهلك وأشقاك أيتها المرأة المغرورة الطائشة، التي تأتي المنكر، لتزدرى وتستنكر، والتي تقترف المعصية لتصير سخرية. وما أصدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النساء ناقصات عقل ودين" فكلما نقص عقل المرأة زاد تبرجها. وكلما زادت جهلاً أفرطت في تزينها وتهتكها وفرطت في جنب الحياء، وتمثلت بنساء الجاهلية الأولى، كما قال الله سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33].
وما أحكم المثل الذي يقول: الرأس الفارغة تحتاج إلى الزينة، أما الرأس المملوءة بالعلم فإنها لا تحتاج إلى الزينة، لأن العلم يزينها وهو أعظم وأجمل زينة.
فالمرأة الخالية من الجواهر العلم الصحيح كالصندوق الفارغ، تنحصر عنايتها في صقل خارجه وطلائه لاستلفات الأنظار إليه فتقضي سحابة نهارها بالتبرج والتطرئة إذ ليس لها ما يشغل قلبها غير ذلك وهي ضيقة الخيال لأنها محصورة في دائرة واحدة دائرة بدنها وبطنها بينما المتعلمة كالخزانة شحنت بالجواهر واللآلئ فباتت لا يعبأ بظاهرها بإزاء ما فيها من التحف وأثمن ما في الوجود ما لا تقع عليه العين بل تقدره البصيرة المشرقة من الآداب والأخلاق الكريمة. فالذي صندوقه فارغ يعني بظاهره، والذي صندوقه ملآن يعني بما فيه النفائس. ولذلك نرى الأساتذة وأهل الفن والعلم الصحيح يتبسطون في لباسهم، ولا يعنون بأناقتهم وهندامهم، لأن الإنسان كلما عني بعقله، أهمل جسده، وكلما اهتم باللب احتقر المظاهر الخارجية فالمرء بأصغريه قلبه ولسانه، لا ببرديه، معطفه وفستانه.
وقد قال الشاعر:
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
وآية أن التبرج نتيجة الجهل والطيش وصغر العقل: أن الطفل يعشق التبرج ويزدهي ويباهي بثيابه الجديدة، ويطيل النظر في المرآة كما تفعل المتبرجة. ولكن الطفل لا يلبث أن ينسى جمالها وزينته. أما هي فتقضي حياتها في المآأة وتحرص على ملازمتها في كل لحظة من حياتها فتأخذها معها في حقيبة يدها أينما ذهبت لتتمتع بالنظر إلى جمالها ولتراقب أصباغ وجهها. فهي قائمة على قدم الاستعداد لتبادر إلى إسعافه بالترميم مثابرة على فرائض التجمل تكرس له جل وقتها في خضوع وخشوع، لأنها تجد فيه متعة نفسها الضئيلة، ولذة عقلها الصغير.
وإنه ليشق على المرأة الطائشة أن تستر جمالها المصطنع، ويؤلمها أشد الألم ألا تفتن الناس بمحاسنها وأناقتها، وتترقب كلمة الاستحسان من السفهاء فتطربها فرحاً، وترقص لها طرباً، وأعجب العجب أن تحذو حذوها وتعمل عملها مثقفة متنورة متخرجة من الكليات حاملة لأعلى الشهادات فتتغافل عن أمر الله وتتبرأ من الخمار وتبيح لنفسها ما حرم ربها، مستهترة بغضبه، متعمدة مصرة على اتباع هواها: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 50].
فويل لهذه المتعلمة المتجاهلة التي لا تستطيع أن تعصي هواها وتستهين بأن تعصي خالقها ومولاها، وتسمع آيات الله وتفهم أمره المؤكد بالاحتشام والاختمار ثم تصر على تبرجها مستكبرة، كأنها لم تسمعها: ﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الجاثية: 7، 8]. أو تظن هذه المتغافلة أن الله جعل إليها الاختبار في شرائعه بما تهوي لها نفسها؟
فتختار منها ما تشاء وتعصي منها ما تشاء وكأنها في سوق خردوات تنتقي منه ما يوافق هواها وتترك ما لا يوافقه إذ تطيع بعض أوامر الكتاب وتعصي البعض الآخر. ألم تسمع وعيد الله لها ولأمثالها في قوله: ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 85].
إن الله لم يجعل الشرائع والأوامر تبعاً لأهواء الناس ومزاجهم وهو القائل جل جلاله: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ [المؤمنون: 71].
وإنه سبحانه لم يجعل لأحد من المؤمنين والمؤمنات أن يختار برأيه وهواه، وإلا كان عاصياً ضالاً ضلالاً مبيناً، إذ قال جل ذكره: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]. فهذه الظالمة لنفسها – التي عرفت الحق ورأت نوره فأغمضت عينيها وأشاحت بوجهها عن هذا النور، ونأت عنه لتظل في الظلام باختيارها- قد غلبت شهوتها على إرادتها، وطغى هواها على تقواها، ولذا جرؤت على معصية الله على علم، وتغافلت عن أمره على فهم، وسعت إلى رضى الفاسقين، ولم تكترث لرضى رب العالمين، تلك التي ينطبق عليها قول الله جل جلاله: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].
نعم، إن التبرج هوى سيطر على النفوس، واستعبد القلوب، وأعمى بصائر النساء والرجال معاً، هوى خضع له – صاغراً – المتعلم المتنور كما خضع له الجاهل المتبلد، وخضع له المسلم المتدين كما خضع له الفاسد والملحد، وانقاد له الجميع بلا تردد ولا تورع ولا تأمل، بل في امتثال واستسلام ونشوة ولذة، أسكرتهم خمرته، وسلبت نهاهم فتنته، فتغاضوا عن تحريم الله له وأباحوه، وانتحلوا المعاذير واختلقوا له المزايا ليبرروه:
1- فمن قائلة: إنه من الصغائر.
2- ومن قائلة: إنه عنوان المدنية.
3- ومن قائلة: إنها لا تستطيع مخالفة غيرها فتضع نفسها موضع السخرية والنقد.
4- ومن قائل: إنه أقرب سبيل للتعجل بزواج بناته.
5- ومن النساء من ادعت أنها تتجمل طاعة لزوجها وحرصاً على إرضائه، وخوفاً من انصرافه عنها إلى غيرها.
6- ومن ادعت أنها صغيرة السن ولم يحن – بعد – وقت الاحتشام.
7- ومن ادعت أنها عجوز لا يعبأ بها أحد.
8- ومن ادعت أنها تبيح لنفسها السفور والأصباغ لأنها دميمة ينفر الرجال من منظرها.
ولعب الشيطان ببعضهم فادعوا أن الحجاب لم ينشأ إلا في زمن العباسين أو في زمن العثمانيين، وكأن القرآن في نظرهم نزل على هارون الرشيد أو على السلطان عبد الحميد.
وهكذا خدع كل منهم نفسه، وتغافل عن ذنبه، وأصر على معصية الله، وهو يعمل ليرضي هواه!
فالمرأة المتعلمة أقدر النساء على الجدل ولو بالباطل، ينطبق عليها قول الله تعالى: ﴿ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا ﴾ [الكهف: 56].
فهي تجادل وتعارض وتحاور وتداور وتسمي تقوى الله جموداً وتطرفاً، وتعتبر الاحتشام والاختمار تزمتاً، كأنها لم تعرف الإسلام، ولم تفهم القرآن، إن المسلمة المتنورة بتعاليم دينها ترى أن من أوجب الواجبات عليها أن تحارب الفجور والعصيان وأن تنهى عن المنكر، وأن تحاول أن تنقذ نفسها وبنات جنسها ووطنها ودينها من الخروج على آداب الإسلام، وأن تدعو إلى الله ربها بما وهبها من بلاغة اللسان وقوة المنطق، وبراعة القلم شكراً له على ما آتاها من هذه النعم العظيمة. إلا أن أولئك المتعلمات الغافلات يعلمن ظاهراً من الحياة الدنيا وهن عن الآخرة غافلات، ولذلك يرين الكبائر صغائر، وأن حسناتها الكثيرة – من صلاة وصدقات وحج وصيام – ستمحو هذه الذنوب، لأن الحسنات يذهبن السيئات.
ألا فاعلمي أيتها المستهينة بأمر الله المستخفة بغضبه المستهترة بعقابه.
اعلمي أن كل ما نهى الله عنه في القرآن فهو من الكبائر
خصوصاً هذا التبرج الذي شدد الله فيه الوعيد والتحذير،
وشدد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم التشديد فزعمك هذا باطل.
اعلمي أن كل ما نهى الله عنه في القرآن فهو من الكبائر
خصوصاً هذا التبرج الذي شدد الله فيه الوعيد والتحذير،
وشدد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم التشديد فزعمك هذا باطل.
ألا فتيقني أن التبرج هادم لكل الحسنات بل وهادم لحقيقة الإسلام وهو إثم من أكبر الآثام ففكري أيتها السيدة كم مرة أتيت هذا الأمر الكبير وكم أظهرت من عورة وكم هتكت من حرمة؟ وكم أيقظت من عين شرهة التهمت لحمك وتمتعت بجمالك، وكم من نفس مجرمة تلهفت عليك؟
اجمعي يا سيدتي هذه الآثام في كل خروجك ونزهاتك طوال حياتك، فستجدين وزراً ثقيلا تنوئين تحته، ولا تستطعين حمله يوم الحشر. إنك تستصغرين كبير الإثم، وهو ذنب آخر مع الذنب نفسه، فإن من يستصغر الذنب يكبر إثمه على قدر استصغاره له، وإن في تصغير الذنب تصغيراً لأمر الرب، وفي تعظيم الذنب تعظيم الرب سبحانه وتعالى.وفي الحديث: "المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه يخاف أن يقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كالذباب وقع على وجهه فأطاره".
إن الحسنات إنما يذهبن السيئات مع الندم والتوبة أما مع الإصرار على المعصية، والجرأة والاستهتار بالسيئات فإن السيئات عندئذ هي التي تذهب بالحسنات وتحرقها حرقاً. قال الله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].
فكيف يهون على المسلمة الغافلة المتعلمة أن تحيط عملها، وتخسر حسناتها، وتضحي من سعادتها الأبدية من أجل شيء تافه ولذة وقتية، بل ليس هناك لذة، إنما هي تعب مضن ومضيعة للوقت والمال في الفسوق والضلال.
فيا لهذه المتبرجة من ضالة غافلة، تبيع الجنة بثمن بخس وتشتري الجحيم بثمن غال، لأن المواظبة على هذا التبرج والتجمل تتطلب مالاً كثيراً وصبراً ووقتاً طويلاً، أكثر مما تتطلبه عبادة الله سبحانه ولكن قاتل الله الهوى والغفلة فلقد تمكن منها الشيطان، الذي حبب إليها الفجور والعصيان، وكره إليها الطاعة والإيمان فكم ضيعت الصلاة من أجل قليل من الأصباغ على وجهها، وتنسيق شعرها، فلا تتوضأ لتحافظ على الزينة، ولا تحافظ على الصلاة بل إن صلاتها على كل حال حابطة لأنها لم تنهها عن هذا المنكر، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].
وكما رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم تنهه صلاته فلا صلاة له".
وهي تضيع كذلك صومها لأن الرسول صلى الله عليه وسلم: يقول: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" وهل أعظم من التبرج زوراً وضلالاً وإصراراً على العصيان؟ ألم تسمع هذه المتبرجة المتعلمة المتنورة ما يثبت أن العصيان يبطل الأعمال في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد: 33].
فكيف نجرؤ على العصيان فنبطل أعمالنا ونفقد حسناتنا ونحن نفهم معنى الآية الكريمة ثم نزعم بعد ذلك أننا تعلمنا وتثقفنا وأننا آمنا بالقرآن؟ وكيف نقرأ في القرآن أمر مولانا وخالقنا ورازقنا: ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ ﴾ [النور: 31].
ثم نجسر على مخالفة أمره مستهينين مستهترين، ولا نخشى غضبه، ونزعم أننا نعقل ونعرف مصلحتنا ونفعنا وأننا على جانب عظيم من الحكمة والحصانة والتنوّر والتمدّن!.
حقاً إن من العلم جهلاً، وإن من لم يستنر بنور القرآن، يتخبط في ظلمات الضلال، ويرسف في قيود الجهالة، بالرغم من حصوله على أعلى الشهادات وأعظم الدرجات العلمية أو الأدبية.
وما أعجب أمر أولئك الذين يتشدقون بالمدنية يقولونها كلمة جوفاء، لا يفقهون لها معنى، فيزعمون أن التبرج هو ما تقضيه مدنية العصر الحاضر، وأنه عنوان العلم والتحضر والتنور. وأن الخمار أصبح من مخلفات العصور الغابرة، لا يتفق مع حضارتنا، وأنه يحط من قدر المرأة المتمدنة المثقفة ويصمها بالجهل والتأخر.
والحقيقة عكس ذلك فإن السيدة المحتشمة المختمرة طاعة وحياء، لا تقليداً ووراثة، هي التي عرفت دينها وخافت مولاها، ومعرفة الدين والخوف من الله هو أعظم علم وأكبر تنور وتمدن.
والطائشة المتبرجة تدل على أنها لم تعرف الحياء، وأنها جهلت دينها وربها، وأنها عرفته وأصرت على عصيان خالقها، والجهل بالدين والجرأة على انتهاك حرماته، هو أعظم جهل وتأخر، وأكبر بربرية وهمجية وأبعد شيء عن المدنية.
إن المدنية لتتبرأ من قوم مزقوا ثوب الحياء، فانظروا معي إلى الإنسان الأول في حياته الوحشية الأولى، أو إلى الشعوب الزنجية المتوحشة، تروا أن أبرز ما تمتاز به هو العري والإباحة في العادات، وجدل الشعر والتزين بالريش والعظام والقواقع والحلي البراقة الزاهية، وتغيير لون الشفاه والخدود والعيون، وإطالة الأظافر، والرقص العنيف، هذه هي مظاهر همجية الشعوب المتأخرة. وهذا هو ما تقهقرت إليه الشعوب الغربية بخطى واسعة سريعة وهي تجرف الشعوب الشرقية المقلدة الغافلة الساذجة، التي فقدت شخصيتها حين أعرضت عن تعلم الدين الإسلامي الصحيح من موارده الصافية فاتبعتها في تأخرها، لا في تقدمها، وفي همجيتها لا في مدنيتها، وسارعت النساء المسلمات إلى تقليد المرأة الفاجرة اللادينية، وظنن أن هذا التهتك هو ما يستلزمه نظام القرن العشرين ورقيه، كأن الله تعالى لا يدري من شئون الحضارات ما يدرين، وكأن الناس أعرف بما يصلحهم من رب العالمين، فما أعظم شقاءكن يا من تعبدن (الموضة) وتكفرن بكتاب رب الأرض والسموات.
ماذا جرى لعقولكن حتى تفجرن مع الفاجرات وتقلدنهن تقليداً أعمى صاغرات؟! كيف تحترمن تقليد الفسقة الفجار وتستهترن بشرائع المنتقم الجبار؟! فإذا أمرت المدنية شيئاً قلتن سمعنا وأطعنا، ولو كان في ذلك هلاككن وخزيكن في الدنيا والآخرة. فما كان لامرأة إذا أمرت المدنية أن تكون لها الخيرة من أمرها. وإذا أمر الله تعالى جادلتن وعارضتن وقلتن سمعنا وعصينا، لن نستطيع مخالفة عصرنا، لا نطيق الخمار في هذا الحر، ولا نطيق أن نكون عرضة لسخرية الناس. فهل تطقن – أيتها الغافلات – حر نار جهنم، وأن تكن عرضة لعذاب رب الناس: ﴿ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة: 81].
فيا أيتها الذاهلة المقلدة، التي تقلد غيرها تقليداً أعمى، واهمة أن ما يعلمه كل الناس لابد أن يكون حقاً، لأنه رأي الأغلبية الغالبة.
لقد جرفك تيار مدنية عصرك الكاذبة وأغرقك سيل الفسق والفجور لأنك أسيرة الهوى ضعيفة الإيمان، جاهلة بدينك هاجرة للقرآن، فلو كنت راسخة في العلم بدينك وتشريعه وأوامره لما استحسنت ما ترين عليه النساء، ولقبح في نظرك ما تقلدين عن غير تفكير. فإن السيل لا يجرف إلا الغثاء والزبد، أما القوي الراسخ فإنه لا يتزعزع من مكانه، ولا يستطيع السيل أن يزحزحه مهما كان قوياً جارفاً.
يتبع ان شاء الله تعالى ...
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع