أم هنا وريهام
مشرف عام
- إنضم
- 6 يناير 2012
- المشاركات
- 873
- النقاط
- 16
- الإقامة
- المنصوره
- احفظ من كتاب الله
- ماتيسر من القران
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- المنشاوى
- الجنس
- اخت
منزلة التوكل
فصل" ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة التوكل
قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [ المائده: 23 ] وقال: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [ إبراهيم: 11 ] وقال: {مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [ الطلاق: 3 ] وقال عن أوليائه: {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [ الممتحنة: 4 ] وقال لرسوله: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} [ الملك: 29 ] وقال لرسوله: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [ النمل: 79 ] وقال له: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [ النساء: 81 ] وقال له: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [ الفرقان: 58 ] وقال له: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [ آل عمران: 159 ] وقال عن أنبيائه ورسله: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} [ إبراهيم: 12 ] وقال عن أصحاب نبيه {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [ آل عمران: 173 ] وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [ الأنفال: 2 ]
والقرآن مملوء من ذلك وفي الصحيحين في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد حين قالوا له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}" [ آل عمران: 173 ]
وفي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت: أن تضلني أنت الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون"
وفي الترمذي عن عمر رضي الله عنه مرفوعا: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا"
وفي السنن عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال يعني إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له: هديت ووقيت وكفيت فيقول الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي"
التوكل نصف الدين والنصف الثاني الإنابة فإن الدين استعانة وعبادة فالتوكل هو الاستعانة والإنابة هي العبادة ومنزلته: أوسع المنازل وأجمعها ولا تزال معمورة بالنازلين لسعة متعلق التوكل وكثرة حوائج العالمين وعموم التوكل ووقوعه من المؤمنين والكفار والأبرار والفجار والطير والوحش والبهائم فأهل السموات والأرض المكلفون وغيرهم في مقام التوكل وإن تباين متعلق توكلهم فأولياؤه وخاصته يتوكلون عليه في حصول ما عليه في الإيمان ونصرة دينه وإعلاء كلمته وجهاد أعدائه وفي محابه وتنفيذ أوامره
ودون هؤلاء من يتوكل عليه في استقامته في نفسه وحفظ حاله مع الله فارغا عن الناس
ودون هؤلاء من يتوكل عليه في معلوم يناله منه من رزق أو عافية أو نصر على عدو أو زوجة أو ولد ونحو ذلك
ودون هؤلاء من يتوكل عليه في حصول الإثم والفواحش فإن أصحاب هذه المطالب لا ينالونها غالبا إلا باستعانتهم بالله وتوكلهم عليه بل قد يكون توكلهم أقوى من توكل كثير من أصحاب الطاعات ولهذا يلقون أنفسهم في المتالف والمهالك معتمدين على الله أن يسلمهم ويظفرهم بمطالبهم فأفضل التوكل: التوكل في الواجب أعني واجب الحق وواجب الخلق وواجب النفس وأوسعه وأنفعه: التوكل في التأثير في الخارج فى مصلحة دينية أو في دفع مفسدة دينية وهو توكل الأنبياء في إقامة دين الله ودفع فساد المفسدين في الأرض وهذا توكل ورثتهم ثم الناس بعد في التوكل على حسب هممهم ومقاصدهم فمن متوكل على الله في حصول الملك ومن متوكل في حصول رغيف ومن صدق توكله على الله في حصول شيء ناله فإن كان محبوبا له مرضيا كانت له فيه العاقبة المحمودة وإن كان مسخوطا مبغوضا كان ما حصل له بتوكله مضرة عليه وإن كان مباحا حصلت له مصلحة التوكل دون مصلحة ما توكل فيه إن لم يستعن به على طاعاته والله أعلم
فصل: فلنذكر معنى التوكل ودرجاته وما قيل فيه
قال الإمام أحمد: التوكل عمل القلب ومعنى ذلك: أنه عمل قلبي ليس بقول اللسان ولا عمل الجوارح ولا هو من باب العلوم والإدراكات
ومن الناس: من يجعله من باب المعارف والعلوم فيقول: هو علم القلب بكفاية الرب للعبد ومنهم: من يفسره بالسكون وخمود حركة القلب فيقول: التوكل هو انطراح القلب بين يدي الرب كانطراح الميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف يشاء وهو ترك الاختيار والاسترسال مع مجاري الأقدار
قال سهل: التوكل الاسترسال مع الله مع ما يريد
ومنهم: من يفسره بالرضى فيقول: هو الرضى بالمقدور قال بشر الحافي: يقول أحدهم: توكلت على الله يكذب على الله لو توكل على الله رضي بما يفعل الله
وسئل يحيى بن معاذ: متى يكون الرجل متوكلا فقال: إذا رضي بالله وكيلا ومنهم: من يفسره بالثقة بالله والطمأنينة إليه والسكون إليه
قال ابن عطاء: التوكل أن لا يظهر فيك انزعاج إلى الأسباب مع شدة فاقتك إليها ولا تزول عن حقيقة السكون إلى الحق مع وقوفك عليها قال ذو النون: هو ترك تدبير النفس والانخلاع من الحول والقوة وإنما يقوي العبد على التوكل إذا علم أن الحق سبحانه يعلم ويرى ما هو فيه
وقال بعضهم: التوكل التعلق بالله في كل حال وقيل: التوكل أن ترد عليك موارد الفاقات فلا تسمو إلا إلى من إليه الكفايات
وقيل: نفي الشكوك والتفويض إلى مالك الملوك وقال ذو النون: خلع الأرباب وقطع الأسباب يريد قطعها من تعلق القلب بها لا من ملابسة الجوارح لها ومنهم: من جعله مركبا من أمرين أو أمور فقال أبو سعيد الخراز: التوكل اضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب يريد: حركة ذاته في الأسباب بالظاهر والباطن وسكون إلى المسبب وركون إليه ولا يضطرب قلبه معه ولا تسكن حركته عن الأسباب الموصلة إلى رضاه
وقال أبو تراب النخشبي: هو طرح البدن في العبودية وتعلق القلب بالربوبية والطمأنينة إلى الكفاية فإن أعطى شكر وإن منع صبر فجعله مركبا من خمسة أمور: القيام بحركات العبودية وتعلق القلب بتدبير
الرب وسكونه إلى قضائه وقدره وطمأنينته وكفايته له وشكره إذا أعطى وصبره إذا منع قال أبو يعقوب النهرجوري: التوكل على الله بكمال الحقيقة كما وقع لإبراهيم الخليل عليه السلام في الوقت الذي قال لجبريل عليه السلام: أما إليك فلا لأنه غائب عن نفسه بالله فلم ير مع الله غير الله
وأجمع القوم على أن التوكل لا ينافي القيام بالأسباب فلا يصح التوكل إلا مع القيام بها وإلا فهو بطالة وتوكل فاسد
قال سهل بن عبدالله: من طعن في الحركة فقد طعن في السنة ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان فالتوكل حال النبي صلى الله عليه وسلم والكسب سنته فمن عمل على حاله فلا يتركن سنته وهذا معنى قول أبي سعيد: هو اضطراب بلا سكون وسكون بلا اضطراب وقول سهل أبين وأرفع وقيل: التوكل قطع علائق القلب بغير الله وسئل سهل عن التوكل فقال: قلب عاش مع الله بلا علاقة وقيل: التوكل هجر العلائق ومواصلة الحقائق وقيل: التوكل أن يستوي عندك الإكثار والإقلال
وهذا من موجباته وآثاره لأنه حقيقته وقيل: هو ترك كل سبب يوصلك إلى مسبب حتى يكون الحق هو المتولي لذلك وهذا صحيح من وجه باطل من وجه فترك الأسباب المأمور بها: قادح في التوكل وقد تولى الحق إيصال العبد بها وأما ترك الأسباب المباحة: فإن تركها لما هو أرجح منها مصلحة فممدوح وإلا فهو مذموم وقيل: هو إلقاء النفس في العبودية وإخراجها من الربوبية
يريد: استرسالها مع الأمر وبراءتها من حولها وقوتها وشهود ذلك بها بل بالرب وحده ومنهم: من قال: التوكل هو التسليم لأمر الرب وقضائه ومنهم من قال: هو التفويض إليه في كل حال ومنهم: من جعل التوكل بداية والتسليم واسطة والتفويض نهاية
قال أبو علي الدقاق: التوكل ثلاث درجات: التوكل ثم التسليم ثم التفويض فالمتوكل يسكن إلى وعده وصاحب التسليم يكتفي بعلمه وصاحب التفويض يرضى بحكمه فالتوكل بداية والتسليم واسطة والتفويض نهاية فالتوكل صفة المؤمنين والتسليم صفة الأولياء والتفويض صفة الموحدين
التوكل صفة العوام والتسليم صفة الخواص والتفويض صفة خاصة الخاصة التوكل صفة الأنبياء والتسليم صفة إبراهيم الخليل والتفويض صفة نبينا محمد وعليهم أجمعين هذا كله كلام الدقاق ومعنى هذا التوكل: اعتماد على الوكيل وقد يعتمد الرجل على وكيله مع نوع اقتراح عليه وإرادة وشائبة منازعة فإذا سلم إليه زال عنه ذلك ورضي بما يفعله وكيله وحال المفوض فوق هذا فإنه طالب مريد ممن فوض إليه ملتمس منه أن يتولى أموره فهو رضى واختيار وتسليم واعتماد فالتوكل يندرج في التسليم وهو والتسليم يندرجان في التفويض والله سبحانه وتعالى أعلم
فصل وحقيقة الأمر: أن التوكل حال مركبة من مجموع أمور لا تتم حقيقة
التوكل إلا بها وكل أشار إلى واحد من هذه الأمور أو اثنين أو أكثر
فأول ذلك: معرفة بالرب وصفاته: من قدرته وكفايته وقيوميته وانتهاء
الأمور إلى علمه وصدورها عن مشيئته وقدرته وهذه المعرفة أول درجة يضع بها العبد قدمه في مقام التوكل قال شيخنا رضي الله عنه: ولذلك لا يصح التوكل ولا يتصور من فيلسوف ولا من القدرية النفاة القائلين: بأنه يكون في ملكه ما لا يشاء ولا يستقيم أيضا من الجهمية النفاة لصفات الرب جل جلاله ولا يستقيم التوكل إلا من أهل الإثبات
فأي توكل لمن يعتقد أن الله لا يعلم جزئيات العالم سفليه وعلويه ولا هو فاعل باختياره ولا له إرادة ومشيئة ولا يقوم به صفة فكل من كان بالله وصفاته أعلم وأعرف: كان توكله أصح وأقوى والله سبحانه وتعالى أعلم
فصل : الدرجة الثانية: إثبات في الأسباب والمسببات فإن من نفاها
فتوكله مدخول وهذا عكس ما يظهر في بدوات الرأي: أن إثبات الأسباب يقدح في التوكل وأن نفيها تمام التوكل فاعلم أن نفاة الأسباب لا يستقيم لهم توكل ألبتة لأن التوكل من أقوى الأسباب في حصول المتوكل فيه فهو كالدعاء الذي جعله الله سببا في حصول المدعو به فإذا اعتقد العبد أن توكله لم ينصبه الله سببا ولا جعل دعاءه سببا لنيل شيء فإن المتوكل فيه المدعو بحصوله: إن كان قد قدر حصل توكل أو لم يتوكل دعا أو لم يدع وإن لم يقدر لم يحصل توكل أيضا أو ترك التوكل
وصرح هؤلاء: أن التوكل والدعاء عبودية محضة لا فائدة لهما إلا ذلك ولو ترك العبد التوكل والدعاء ما فاته شيء مما قدر له ومن غلاتهم من يجعل الدعاء بعدم المؤاخذة على الخطإ والنسيان عديم الفائدة إذ هو مضمون الحصول ورأيت بعض متعمقي هؤلاء في كتاب له لا يجوز الدعاء بهذا وإنما يجوزه تلاوة لا دعاء قال لأن الدعاء به يتضمن الشك في وقوعه لأن الداعي بين الخوف والرجاء والشك في وقوع ذلك شك في خبر الله فانظر إلى ما قاد إنكار
الأسباب من العظائم وتحريم الدعاء بما أثنى الله على عباده وأوليائه بالدعاء به وبطلبه ولم يزل المسلمون من عهد نبيهم وإلى الآن يدعون به في مقامات الدعاء وهو من أفضل الدعوات وجواب هذا الوهم الباطل أن يقال: بقي قسم ثالث غير ما ذكرتم من القسمين لم تذكروه وهو الواقع وهو أن يكون قضى بحصول الشيء عند حصول سببه من التوكل والدعاء فنصب الدعاء والتوكل سببين لحصول المطلوب وقضى بحصوله إذا فعل العبد سببه فإذا لم يأت بالسبب امتنع المسبب وهذا كما قضى بحصول الولد إذا جامع الرجل من يحبلها فإذا لم يجامع لم يخلق الولد وقضى بحصول الشبع إذا أكل والري إذا شرب فإذا لم يفعل لم يشبع ولم يرو وقضى بحصول الحج والوصول إلى مكة إذا سافر وركب الطريق فإذا جلس في بيته لم يصل إلى مكة وقضى بدخول الجنة إذا أسلم وأتى بالأعمال الصالحة فإذا ترك الإسلام ولم يعمل الصالحات: لم يدخلها أبدا وقضى بإنضاج الطعام بإيقاد النار تحته
وقضى بطلوع الحبوب التي تزرع بشق الأرض وإلقاء البذر فيها فما لم يأت بذلك لم يحصل إلا الخيبة فوزان ما قاله منكرو الأسباب: أن يترك كل من هؤلاء السبب الموصل ويقول: إن كان قضى لى وسبق في الأزل حصول الولد والشبع والري والحج ونحوها فلا بد أن يصل إلي تحركت أو سكنت وتزوجت أو تركت سافرت أو قعدت وإن لم يكن قد قضى لي لم يحصل لي أيضا فعلت أو تركت
فهل يعد أحد هذا من جملة العقلاء وهل البهائم إلا أفقه منه فإن البهيمة تسعى في السبب بالهداية العامة
فالتوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب ويندفع بها المكروه فمن أنكر الأسباب لم يستقم منه التوكل ولكن من تمام التوكل: عدم الركون إلى الأسباب وقطع علاقة القلب بها فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها وحال بدنه قيامه بها
فالأسباب محل حكمة الله وأمره ودينه والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره فلا تقوم عبودية الأسباب إلا على ساق التوكل ولا يقوم ساق التوكل إلا على قدم العبودية والله سبحانه وتعالى أعلم
فصل : الدرجة الثالثة: رسوخ القلب في مقام توحيد التوكل
فإنه لا يستقيم توكل العبد حتى يصح له توحيده بل حقيقة التوكل: توحيد القلب فما دامت فيه علائق الشرك فتوكله معلول مدخول وعلى قدر تجريد التوحيد: تكون صحة التوكل فإن العبد متى التفت إلى غير الله أخذ ذلك الالتفات شعبة من شعب قلبه فنقص من توكله على الله بقدر ذهاب تلك الشعبة ومن ههنا ظن من ظن أن التوكل لا يصح إلا برفض الأسباب وهذا حق لكن رفضها عن القلب لا عن الجوارح فالتوكل لا يتم إلا برفض الأسباب عن القلب وتعلق الجوارح بها فيكون منقطعا منها متصلا بها والله سبحانه وتعالى أعلم
فصل : الدرجة الرابعة: اعتماد القلب على الله واستناده إليه وسكونه
إليه بحيث لا يبقى فيه اضطراب من تشويش الأسباب ولا سكون إليها بل يخلع السكون إليها من قلبه ويلبسه السكون إلى مسببها وعلامة هذا: أنه لا يبالي بإقبالها وإدبارها ولا يضطرب قلبه ويخفق
عند إدبار ما يحب منها وإقبال ما يكره لأن اعتماده على الله وسكونه إليه واستناده إليه قد حصنه من خوفها ورجائها فحاله حال من خرج عليه عدو عظيم لا طاقة له به فرأى حصنا مفتوحا فأدخله ربه إليه وأغلق عليه باب الحصن فهو يشاهد عدوه خارج الحصن فاضطراب قلبه وخوفه من عدوه في هذه الحال لا معنى له وكذلك من أعطاه ملك درهما فسرق منه فقال له الملك: عندي أضعافه فلا تهتم متى جئت إلي أعطيتك من خزائني أضعافه فإذا علم صحة قول الملك ووثق به واطمأن إليه وعلم أن خزائنه مليئة بذلك لم يحزنه فوته وقد مثل ذلك بحال الطفل الرضيع في اعتماده وسكونه وطمأنينته بثدي أمه لا يعرف غيره وليس في قلبه التفات إلى غيره كما قال بعض العارفين: المتوكل كالطفل لا يعرف شيئا يأوي إليه إلا ثدي أمه كذلك المتوكل لا يأوي إلا إلى ربه سبحانه
فصل الدرجة الخامسة: حسن الظن بالله عز وجل فعلى قدر حسن ظنك
بربك ورجائك له يكون توكلك عليه ولذلك فسر بعضهم التوكل بحسن الظن بالله والتحقيق: أن حسن الظن به يدعوه إلى التوكل عليه إذ لا يتصور التوكل على من ساء ظنك به ولا التوكل على من لا ترجوه والله أعلم
فصل الدرجة السادسة: استسلام القلب له وانجذاب دواعيه كلها إليه
وقطع منازعاته وبهذا فسره من قال: أن يكون العبد بين يدي الله كالميت بين يدي الغاسل يقلبه كيف أراد لا يكون له حركة ولا تدبير
وهذا معنى قول بعضهم: التوكل إسقاط التدبير يعني الاستسلام لتدبير الرب لك وهذا في غير باب الأمر والنهي بل فيما يفعله بك لا فيما أمرك بفعله
فالاستسلام كتسليم العبد الذليل نفسه لسيده وانقياده له وترك منازعات نفسه وإرادتها مع سيده والله سبحانه وتعالى أعلم
فصل الدرجة السابعة: التفويض وهو روح التوكل ولبه وحقيقته وهو إلقاء
أموره كلها إلى الله وإنزالها به طلبا واختيارا لا كرها واضطرارا بل كتفويض الابن العاجز الضعيف المغلوب على أمره: كل أموره إلى أبيه العالم بشفقته عليه ورحمته وتمام كفايته وحسن ولايته له وتدبيره له فهو يرى أن تدبير أبيه له خير من تدبيره لنفسه وقيامه بمصالحه وتوليه لها خير من قيامه هو بمصالح نفسه وتوليه لها فلا يجد له أصلح ولا أرفق من تفويضه أموره كلها إلى أبيه وراحته من حمل كلفها وثقل حملها مع عجزه عنها وجهله بوجوه المصالح فيها وعلمه بكمال علم من فوض إليه وقدرته وشفقته
فصل: فإذا وضع قدمه في هذه الدرجة انتقل منها إلى درجة الرضى وهي
ثمرة التوكل ومن فسر التوكل: بها فإنما فسره بأجلع ثمراته وأعظم فوائده فإنه إذا توكل حق التوكل رضي بما يفعله وكيله
وكان شيخنا رضي الله عنه يقول: المقدور يكتنفه أمران: التوكل قبله والرضى بعده فمن توكل على الله قبل الفعل ورضي بالمقضي له بعد الفعل فقد قام بالعبودية أو معنى هذا
قلت: وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم فى دعاء الاستخارة: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فهذا توكل وتفويض ثم قال: فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب فهذا تبرؤ إلى الله من العلم والحول والقوة وتوسل إليه سبحانه بصفاته التي هي أحب ما توسل إليه بها المتوسلون ثم سأل ربه أن يقضي له ذلك الأمر إن كان فيه مصلحته عاجلا أو آجلا وأن يصرفه عنه إن كان فيه مضرته عاجلا أو آجلا فهذا هو حاجته التي سألها فلم يبق عليه إلا الرضى بما يقضيه له فقال: واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به
فقد اشتمل هذا الدعاء على هذه المعارف الإلهية والحقائق الإيمانية التي من جملتها: التوكل والتفويض قبل وقوع المقدور والرضى بعده وهو ثمرة التوكل والتفويض علامة صحته فإن لم يرض بما قضى له فتفويضه معلول فاسد
فباستكمال هذه الدرجات الثمان يستكمل العبد مقام التوكل وتثبت قدمه فيه وهذا معنى قول بشر الحافي: يقول أحدهم: توكلت على الله يكذب على الله لو توكل على الله لرضي بما يفعله الله به وقول يحيى بن معاذ وقد سئل: متى يكون الرجل متوكلا فقال: إذا رضي بالله وكيلا
فصل وكثيرا ما يشتبه في هذا الباب المحمود الكامل بالمذموم الناقص
فيشتبه التفويض بالإضاعة فيضيع العبد حظه ظنا منه أن ذلك تفويض وتوكل وإنما هو تضييع لا تفويض فالتضييع في حق الله والتفويض في حقك
ومنه: اشتباه التوكل بالراحة وإلقاء حمل الكل فيظن صاحبه أنه متوكل وإنما هو عامل على عدم الراحة
وعلامة ذلك: أن المتوكل مجتهد في الأسباب المأمور بها غاية الاجتهاد مستريح من غيرها لتعبه بها والعامل على الراحة آخذ من الأمر مقدار ما تندفع به الضرورة وتسقط به عنه مطالبة الشرع فهذا لون وهذا لون
ومنه: اشتباه خلع الأسباب بتعطيلها فخلعها توحيد وتعطيلها إلحاد وزندقة فخلعها عدم اعتماد القلب عليها ووثوقه وركونه إليها مع قيامه بها وتعطيلها إلغاؤها عن الجوارح
ومنه: اشتباه الثقة بالله بالغرور والعجز والفرق بينهما: أن الواثق بالله قد فعل ما أمره الله به ووثق بالله في طلوع ثمرته وتنميتها وتزكيتها كغارس الشجرة وباذر الأرض والمغتر العاجز: قد فرط فيما أمر به وزعم أنه واثق بالله والثقة إنما تصح بعد بذل المجهود
ومنه: اشتباه الطمأنينة إلى الله والسكون إليه بالطمأنينة إلى المعلوم وسكون القلب إليه ولا يميز بينهما إلا صاحب البصيرة كما يذكر عن أبي سليمان الداراني: أنه رأى رجلا بمكة لا يتناول شيئاإلا شربة من ماء زمزم فمضى عليه أيام فقال له أبو سليمان يوما: أرأيت لو غارت زمزم أي شيء كنت تشرب فقام وقبل رأسه وقال: جزاك الله خيرا حيث أرشدتني فإني كنت أعبد زمزم منذ أيام ثم تركه ومضى
وأكثر المتوكلين سكونهم وطمأنينتهم إلى المعلوم وهم يظنون أنه إلى الله وعلامة ذلك: أنه متى انقطع معلوم أحدهم حضره همه وبثه وخوفه فعلم أن طمأنينته وسكونه لم يكن إلى الله
ومنه: اشتباه الرضى عن الله بكل ما يفعل بعبده مما يحبه ويكرهه بالعزم على ذلك وحديث النفس به وذلك شيء والحقيقة شيء آخر كما يحكى عن أبي سليمان أنه قال: أرجو أن أكون أعطيت طرفا من الرضى لو أدخلني النار لكنت بذلك راضيا
فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا عزم منه على الرضى وحديث نفس به ولو أدخله النار لم يكن من ذلك شيء وفرق بين العزم على الشيء وبين حقيقته
ومنه: اشتباه علم التوكل بحال المتوكل فكثير من الناس يعرف التوكل وحقيقته وتفاصيله فيظن أنه متوكل وليس من أهل التوكل فحال التوكل: أمر آخر من وراء العلم به وهذا كمعرفة المحبة والعلم بها وأسبابها ودواعيها وحال المحب العاشق وراء ذلك وكمعرفة علم الخوف وحال الخائف وراء ذلك وهو شبيه بمعرفة المريض ماهية الصحة وحقيقتها وحاله بخلافها فهذا الباب يكثر اشتباه الدعاوى فيه بالحقائق والعوارض بالمطالب والآفات القاطعة بالأسباب الموصلة والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
فصل التوكل من أعم المقامات تعلقا بالأسماء الحسنى فإن له تعلقا
خاصا بعامة أسماء الأفعال وأسماء الصفات فله تعلق باسم الغفار والتواب والعفو والرؤوف والرحيم وتعلق باسم الفتاح والوهاب والرزاق والمعطي والمحسن وتعلق باسم المعز المذل الحافظ الرافع المانع من جهة توكله عليه في إذلال أعداء دينه وخفضهم ومنعهم أسباب النصر وتعلق بأسماء القدرة والإرادة وله تعلق عام بجميع الأسماء الحسنى ولهذا فسره من فسره من الأئمة بأنه المعرفة بالله وإنما أراد أنه بحسب معرفة العبد يصح له مقام التوكل وكلما كان بالله أعرف كان توكله عليه أقوى
فصل وكثير من المتوكلين يكون مغبونا في توكله وقد توكل حقيقة
التوكل وهو مغبون كمن صرف توكله إلى حاجة جزئية استفرغ فيها قوة توكله ويمكنه نيلها بأيسر شيء وتفريغ قلبه للتوكل في زيادة الإيمان والعلم ونصرة الدين والتأثير في العالم خبرا فهذا توكل العاجز القاصر الهمة كما يصرف بعضهم همته وتوكله ودعاءه إلى وجع يمكن مداواته بأدنى شيء أو جوع يمكن زواله بنصف
رغيف أو نصف درهم ويدع صرفه إلى نصرة الدين وقمع المبتدعين وزيادة الإيمان ومصالح المسلمين والله أعلم
فصل : قال صاحب المنازل: التوكل: كلة الأمر إلى مالكه والتعويل على وكالته وهو من أصعب منازل العامة عليهم وأوهى السبل عند الخاصة لأن الحق تعالى قد وكل الأمور كلها إلى نفسه وأيأس العالم من ملك شيء منها
قوله: كلة الأمر إلى مالكه أي تسليمه إلى من هو بيده والتعويل على وكالته أي الاعتماد على قيامه بالأمر والاستغناء بفعله عن فعلك وبإرادته عن إرادتك
و الوكالة يراد بها أمران أحدهما: التوكيل وهو الاستنابة والتفويض والثاني: التوكل وهو التعرف بطريق النيابة عن الموكل وهذا من الجانبين فإن الله تبارك وتعالى يوكل العبد ويقيمه في حفظ ما وكله فيه والعبد يوكل الرب ويعتمد عليه
فأما وكالة الرب عبده ففي قوله: تعالى {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [ الأنعام: ] قال قتادة: وكلنا بها الأنبياء الثمانية عشر الذين ذكرناهم يعني قبل هذه الآية وقال أبو رجاء العطاردي: معناه إن يكفر بها أهل الأرض فقد وكلنا بها أهل السماء وهم الملائكة وقال ابن عباس ومجاهد: هم الأنصار أهل المدينة والصواب: أن المراد من قام بها إيمانا ودعوة وجهادا ونصرة فهولاء هم الذين وكلهم الله بها فإن قلت: فهل يصح أن يقال: إن أحدا وكيل الله قلت: لا فإن الوكيل من يتصرف عن موكله بطريق النيابة والله عز وجل
لا نائب له ولا يخلفه أحد بل هو الذي يخلف عبده كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل على أنه لا يمتنع أن يطلق ذلك باعتبار أنه مأمور بحفظ ما وكله فيه ورعايته والقيام به وأما توكيل العبد ربه: فهو تفويضه إليه وعزل نفسه عن التصرف وإثباته لأهله ووليه ولهذا قيل في التوكل: إنه عزل النفس عن الربوبية وقيامها بالعبودية وهذا معنى كون الرب وكيل عبده أي كافيه والقائم بأموره ومصالحه لأنه نائبه في التصرف فوكالة الرب عبده أمر وتعبد وإحسان له وخلعة منه عليه لا عن حاجة منه وافتقار إليه كموالاته وأما توكيل العبد ربه: فتسليم لربوبيته وقيام بعبوديته
وقوله وهو: من أصعب منازل العامة عليهم لأن العامة لم يخرجوا عن نفوسهم ومألوفاتهم ولم يشاهدوا الحقيقة التي شهدها الخاصة وهي التي تشهد التوكيل فهم في رق الأسباب فيصعب عليهم الخروج عنها وخلو القلب منها والاشتغال بملاحظة المسبب وحده وأما كونه أو هي السبل عند الخاصة فليس على إطلاقه بل هو من أجل السبل عندهم وأفضلها وأعظمها قدرا وقد تقدم في صدر الباب: أمر الله رسوله بذلك وحضه عليه هو والمؤمنين ومن أسمائه المتوكل وتوكله أعظم توكل وقد قال الله له: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [ النمل: 79 ] وفي ذكر أمره بالتوكل مع إخباره بأنه على الحق: دلالة على أن الدين بمجموعه في هذين الأمرين: أن يكون العبد على الحق في قوله وعمله واعتقاده ونيته وأن يكون متوكلا على الله واثقا به فالدين كله في هذين المقامين وقال رسل الله وأنبياؤه {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} [ إبراهيم: 12 ] فالعبد آفته: إما من عدم الهداية وإما من عدم التوكل فإذا جمع التوكل إلى الهداية فقد جمع الإيمان كله
نعم التوكل على الله في معلوم الرزق المضمون والاشتغال به عن التوكل في نصرة الحق والدين: من أوهى منازل الخاصة أما التوكل عليه في حصول ما يحبه ويرضاه فيه وفي الخلق فهذا توكل الرسل والأنبياء عليهم السلام فكيف يكون من أوهى منازل الخاصة
قوله: لأن الحق قد وكل الأمور إلى نفسه وأيأس العالم من ملك شيء منها
جوابه: أن الذي تولى ذلك أسند إلى عباده كسبا وفعلا وإقدارا واختيارا وأمرا ونهيا استعبدهم به وامتحن به من يطيعه ممن يعصيه ومن يؤثره ممن يؤثر عليه وأمر بتوكلهم عليه فيما أسنده إليهم وأمرهم به وتعبدهم به وأخبر: أنه يحب المتوكلين عليه كما يحب الشاكرين وكما يحب المحسنين وكما يحب الصابرين وكما يحب التوابين
وأخبر: أن كفايته لهم مقرونة بتوكلهم عليه وأنه كاف من توكل عليه وحسبه وجعل لكل عمل من أعمال البر ومقام من مقاماته جزاء معلوما وجعل نفسه جزاء المتوكل عليه وكفايته فقال {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [ الطلاق: 4 ] {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} الآية [ النساء: 69 ] ثم قال في التوكل: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [ الطلاق: 3 ] فانظر إلى هذا الجزاء الذي حصل للمتوكل ولم يجعله لغيره وهذا يدل على أن التوكل أقوى السبل عنده وأحبها إليه وليس كونه وكل الأمور إلى نفسه بمناف لتوكل العبد عليه بل هذا تحقيق كون الأمور كلها موكولة إلى نفسه لأن العبد إذا علم ذلك وتحققه معرفة: صارت حاله التوكل قطعا على من هذا شأنه لعلمه بأن الأمور كلها موكولة إليه وأن العبد لا يملك شيئا منها فهو لا يجد بدا من اعتماده عليه وتفويضه إليه وثقته به من الوجهين: من جهة فقره وعدم ملكه شيئا ألبتة ومن جهة كون الأمر كله بيده وإليه والتوكل ينشأ من هذين العلمين
فإن قيل: فإذا كان الأمر كله لله وليس للعبد من الأمر شيء فكيف يوكل المالك على ملكه وكيف يستنيبه فيما هو ملك له دون هذا الموكل فالخاصة لما تحققوا هذا نزلوا عن مقام التوكل وسلموه إلى العامة وبقي الخطاب بالتوكل لهم دون الخاصة
قيل: لما كان الأمر كله لله عز وجل وليس للعبد فيه شيء ألبتة كان توكله على الله تسليم الأمر إلى من هو له وعزل نفسه عن منازعات مالكه واعتماده عليه فيه وخروجه عن تصرفه بنفسه وحوله وقوته وكونه به إلى تصرفه بربه وكونه به سبحانه دون نفسه وهذا مقصود التوكل
وأما عزل العبد نفسه عن مقام التوكل: فهو عزل لها عن حقيقة العبودية
وأما توجه الخطاب به إلى العامة: فسبحان الله هل خاطب الله بالتوكل في كتابه إلا خواص خلقه وأقربهم إليه وأكرمهم عليه وشرط في إيمانهم أن يكونوا متوكلين والمعلق على الشرط يعدم عند عدمه
وهذا يدل على انتفاء الإيمان عند انتفاء التوكل فمن لا توكل له: لا إيمان له قال الله تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [ المائده: 23 ] وقال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [ الأنفال: 2 ] وهذا يدل على انحصار المؤمنين فيمن كان بهذه الصفة
وأخبر تعالى عن رسله بأن التوكل ملجأهم ومعاذهم وأمر به رسوله في أربع مواضع من كتابه وقال: وقال موسى: {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا} [ يونس: 8485 ] فكيف يكون من أو هي السبل وهذا شأنه والله سبحانه وتعالى أعلم
فصل قال: وهو على ثلاث درجات كلها تسير مسير العامة الدرجة الأولى
: التوكل مع الطلب ومعاطاة السبب على نية شغل النفس بالسبب مخافة ونفع الخلق وترك الدعوى يقول: إن صاحب هذه الدرجة يتوكل على الله ولا يترك الأسباب بل يتعطاها على نية شغل النفس بالسبب مخافة أن تفرغ فتشتغل بالهوى والحظوظ فإن لم يشغل نفسه بما ينفعها شغلته بما يضره لا سيما إذا كان الفراغ مع حدة الشباب وملك الجدة وميل النفس إلى الهوى وتوالي الغفلات كما قيل:
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
ويكون أيضا قيامه بالسبب على نية نفع النفس ونفع الناس بذلك فيحصل له نفع نفسه ونفع غيره
وأما تضمن ذلك لترك الدعوى: فإنه إذا اشتغل بالسبب تخلص من إشارة الخلق إليه الموجبة لحسن ظنه بنفسه الموجب لدعواه فالسبب ستر لحاله ومقامه وحجاب مسبل عليه
ومن وجه آخر وهو أن يشهد به فقره وذله وامتهانه امتهان العبيد والفعلة فيتخلص من رعونة دعوى النفس فإنه إذا امتهن نفسه بمعاطاة الأسباب: سلم من هذه الأمراض فيقال: إذا كانت الأسباب مأمورا بها ففيها فائدة أجل من هذه الثلاث وهي المقصودة بالقصد الأول وهذه مقصودة قصد الوسائل وهي القيام بالعبودية والأمر الذي خلق له العبد وأرسلت به الرسل وأنزلت لأجله الكتب وبه قامت السموات والأرض وله وجدت الجنة والنار
فالقيام بالأسباب المأمور بها: محض العبودية وحق الله على عبده الذي توجهت به نحوه المطالب وترتب عليه الثواب والعقاب والله سبحانه أعلم
فصل قال: الدرجة الثانية: التوكل مع إسقاط الطلب وغض العين عن السبب اجتهادا لتصحيح التوكل وقمعا لشرف النفس وتفرغا إلى حفظ الواجبات قوله: مع إسقاط الطلب أي من الخلق لا من الحق فلا يطلب من أحد شيئا وهذا من أحسن الكلام وأنفعه للمريد فإن الطلب من الخلق فى الأصل محظور وغايته: أن يباح للضرورة كإباحة الميتة للمضطر ونص أحمد على أنه لا يجب وكذلك كان شيخنا يشير إلى أنه لا يجب الطلب والسؤال
وسمعته يقول في السؤال: هو ظلم في حق الربوبية وظلم في حق الخلق وظلم في حق النفس أما في حق الربوبية: فلما فيه من الذل لغير الله وإراقة ماء الوجه لغير خالقه والتعوض عن سؤاله بسؤال المخلوقين والتعرض لمقته إذا سأل وعنده ما يكفيه يومه
وأما في حق الناس: فبمنازعتهم ما في أيديهم بالسؤال واستخراجه منهم وأبغض ما إليهم: من يسألهم ما في أيديهم وأحب ما إليهم: من لا يسألهم فإن أموالهم محبوباتهم ومن سألك محبوبك فقد تعرض لمقتك وبغضك
وأما ظلم السائل نفسه: فحيث امتهنها وأقامها في مقام ذل السؤال ورضي لها بذل الطلب ممن هو مثله أو لعل السائل خير منه وأعلى قدرا وترك سؤال من ليس كمثله شىء وهو السميع البصير فقد أقام السائل نفسه مقام الذل وأهانها بذلك ورضي أن يكون شحاذا من شحاذ مثله فإن من تشحذه فهو أيضا شحاذ مثلك والله وحده هو الغني الحميد
فسؤال المخلوق للمخلوق سؤال الفقير للفقير والرب تعالى كلما سألته كرمت عليه ورضي عنك وأحبك والمخلوق كلما سألته هنت عليه وأبغضك ومقتك وقلاك كما قيل:
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
وقبيح بالعبد المريد: أن يتعرض لسؤال العبيد وهو يجد عند مولاه كل ما يريد وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة فقال: ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنا حديثي عهد ببيعة فقلنا قد بايعناك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال ألا تبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسطنا أيدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلام نبايعك فقال أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا والصلوات الخمس وأسر كلمة خفية ولا تسألوا الناس شيئا قال: ولقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا أن يناوله إياه
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم
وفيهما أيضا عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف عن المسألة: واليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا: هي المنفقة والسفلى: هي السائلة
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر"
وفي الترمذي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في الأمر الذي لا بد منه" قال الترمذي: حديث صحيح
وفيه عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل وفي السنن و المسند عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئا أتكفل له بالجنة " فقلت: أنا فكان لا يسأل أحدا شيئا
وفي صحيح مسلم عن قبيصة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكلها صاحبها سحتا"
فالتوكل مع إسقاط هذا الطلب والسؤال هو محض العبودية قوله: وغض العين عن التسبب اجتهادا في تصحيح التوكل معناه: أنه يعرض عن الاشتغال بالسبب لتصحيح التوكل بامتحان النفس لأن المتعاطي للسبب قد يظن أنه حصل التوكل ولم يحصله لثقته بمعلومه فإذا أعرض عن السبب صح له التوكل
وهذا الذي أشار إليه: مذهب قوم من العباد والسالكين وكثير منهم كان يدخل البادية بلا زاد ويرى حمل الزاد قدحا في التوكل ولهم في ذلك حكايات مشهورة وهؤلاء في خفارة صدقهم وإلا فدرجتهم ناقصة عن العارفين ومع هذا فلا يمكن بشرا ألبتة ترك الأسباب جملة
فهذا إبراهيم الخواص كان مجردا في التوكل يدقق فيه ويدخل البادية بغير زاد وكان لا تفارقه الإبرة والخيط والركوة والمقراض فقيل له: لم تحمل هذا وأنت تمنع من كل شيء فقال: مثل هذا لا ينقص من التوكل لأن لله علينا فرائض والفقير لا يكون عليه إلا ثوب واحد فربما تخرق ثوبه فإذا لم يكن معه إبرة وخيوط تبدو عورته فتفسد عليه صلاته وإذا لم يكن معه ركوة فسدت عليه طهارته وإذا رأيت الفقير بلا ركوة ولا إبرة ولا خيوط فاتهمه في صلاته أفلا تراه لم يستقم له دينه إلا بالأسباب أو ليست حركة أقدامه ونقلها في الطريق والاستدلال على أعلامها إذا خفيت عليه من الأسباب
فالتجرد من الأسباب جملة ممتنع عقلا وشرعا وحسا
نعم قد تعرض للصادق أحيانا قوة ثقة بالله وحال مع الله تحمله على ترك كل سبب مفروض عليه كما تحمله على إلقاء نفسه في مواضع الهلكة ويكون ذلك الوقت بالله لا به فيأتيه مدد من الله على مقتضى حاله ولكن لا تدوم له هذه الحال وليست في مقتضى الطبيعة فإنها كانت هجمة هجمت عليه بلا استدعاء فحمل عليها فإذا استدعى مثلها وتكلفها لم يجب إلى ذلك وفي تلك الحال: إذا ترك السبب يكون معذورا لقوة الوارد وعجزه عن الاشتغال بالسبب فيكون في وارده عون له ويكون حاملا له فإذا أراد تعاطي تلك الحال بدون ذلك الوارد وقع في المحال وكل تلك الحكايات الصحيحة التي تحكي عن القوم فهي جزئية حصلت لهم أحيانا ليست طريقا مأمورا بسلوكها ولا مقدورة وصارت فتنة لطائفتين
وطائفة ظنتها طريقا ومقاما فعملوا عليها فمنهم من انقطع ومنهم من رجع ولم يمكنه الاستمرار عليها بل انقلب على عقبيه وطائفة قدحوا في أربابها وجعلوهم مخالفين للشرع والعقل مدعين لأنفسهم حالا أكمل من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذ لم يكن فيهم أحد قط يفعل ذلك ولا أخل بشيء من الأسباب وقد ظاهر بين درعين يوم أحد ولم يحضر الصف قط عريانا كما يفعله من لا علم عنده ولا معرفة واستأجر دليلا مشركا على دين قومه يدله على طريق الهجرة وقد هدى الله به العالمين وعصمه من الناس أجمعين وكان يدخر لأهله قوت سنة وهو سيد المتوكلين وكان إذا سافر في جهاد أو حج أو عمرة حمل الزاد والمزاد وجميع أصحابه وهم أولو التوكل حقا وأكمل المتوكلين بعدهم: هو من اشتم رائحة توكلهم من مسيرة بعيدة أو لحق أثرا من غبارهم فحال النبي صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه محك الأحوال وميزانها بها يعلم صحيحها من سقيمها فإن هممهم كانت في التوكل أعلى من همم من بعدهم فإن توكلهم كان في فتح بصائر القلوب وأن يعبد الله في جميع البلاد وأن يوحده جميع العباد وأن تشرق شموس الدين الحق على قلوب العباد فملؤا بذلك التوكل القلوب هدى وإيمانا وفتحوا بلاد الكفر وجعلوها دار إيمان وهبت رياح روح نسمات التوكل على قلوب أتباعهم فملأتها يقينا وإيمانا فكانت همم الصحابة رضى الله عنهم أعلى وأجل من أن يصرف أحدهم قوة توكله واعتماده على الله في شيء يحصل بأدنى حيلة وسعى فيجعله نصب عينيه ويحمل عليه قوى توكله قوله: وقمعا لشرف النفس يريد: أن المتسبب قد يكون متسببا بالولايات الشريفة في العبادة أو التجارات الرفيعة والأسباب التي له بها جاه وشرف في الناس فإذا تركها يكون تركها قمعا لشرف نفسه وإيثارا للتواضع
وقوله: وتفرغا لحفظ الواجبات أي يتفرغ بتركها لحفظ واجباتها التي تزاحمها تلك الأسباب والله أعلم
فصل قال: الدرجة الثالثة: التوكل مع معرفة التوكل النازعة إلى الخلاص من علة التوكل وهي أن يعلم أن ملكة الحق تعالى للأشياء هي ملكة عزة لا يشاركه فيها مشارك فيكل شركته إليه فإن من ضرورة العبودية: أن يعلم العبد: أن الحق سبحانه هو مالك الأشياء وحده يريد أن صاحب هذه الدرجة متى قطع الأسباب والطلب وتعدى تينك الدرجتين فتوكله فوق توكل من قبله وهو إنما يكون بعد معرفته بحقيقة التوكل وأنه دون مقامه فتكون معرفته به وبحقيقته نازعة أي باعثة وداعية إلى تخلصه من علة التوكل أي لا يعرف علة التوكل حتى يعرف حقيقته فحينئذ يعرف التوكل المعرفة التي تدعوه إلى التخلص من علته ثم بين المعرفة التي يعلم بها علة التوكل فقال: أن يعلم أن ملكة الحق للأشياء ملكة عزة أي ملكة امتناع وقوة وقهر تمنع أن يشاركه في ملكه لشيء من الأشياء مشارك فهو العزيز في ملكه الذي لا يشاركه غيره في ذرة منه كما هو المنفرد بعزته التي لا يشاركه فيها مشارك فالمتوكل يرى أن له شيئا قد وكل الحق فيه وأنه سبحانه صار وكيله عليه وهذا مخالف لحقيقة الأمر إذ ليس لأحد من الأمر مع الله شيء فلهذا قال: لا يشاركه فيه مشارك فيكل شركته إليه فلسان الحال يقول لمن جعل الرب تعالى وكيله: فيماذا وكلت ربك أفيما هو له وحده أو لك وحدك أو بينكما فالثاني والثالث ممتنع بتفرده بالملك وحده والتوكيل في الأول ممتنع فكيف توكله فيما ليس لك منه شيء ألبتة فيقال ههنا أمران: توكل وتوكيل فالتوكل: محض الاعتماد والثقة والسكون إلى من له الأمر كله وعلم العبد بتفرد الحق تعالى وحده بملك الأشياء كلها وأنه ليس له مشارك في ذرة من ذرات الكون: من أقوى أسباب توكله وأعظم دواعيه
فإذا تحقق ذلك علما ومعرفة وباشر قلبه حالا: لم يجد بدا من اعتماد قلبه على الحق وحده وثقته به وسكونه إليه وحده وطمأنينته به وحده لعلمه أن حاجاته وفاقاته وضروراته وجميع مصالحه كلها بيده وحده لا بيد غيره فأين يجد قلبه مناصامن التوكل بعد هذا فعلة التوكل حينئذ: التفات قلبه إلى من ليس له شركة في ملك الحق ولا يملك مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض هذه علة توكله فهو يعمل على تخليص توكله من هذه العلة نعم ومن علة أخرى وهي رؤية توكله فإنه التفات إلى عوالم نفسه وعلة ثالثة: وهي صرفه قوة توكله إلى شيء غيره أحب إلى الله منه فهذه العلل الثلاث: هي علل التوكيل وأما التوكل: فليس المراد منه إلا مجرد التفويض وهو من أخص مقامات العارفين كمان كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك وقال تعالى عن مؤمن آل فرعون: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [ غافر: 4445 ] فكان جزاء هذا التفويض قوله: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا} فإن كان التوكل معلولا بما ذكره فالتفويض أيضا كذلك وليس فليس ولولا أن الحق لله ورسوله وأن كل ما عدا الله ورسوله فمأخوذ من قوله ومتروك وهو عرضة الوهم والخطأ: لما اعترضنا على من لا نلحق غبارهم ولا نجري معهم في مضمارهم ونراهم فوقنا في مقامات الإيمان ومنازل السائرين كالنجوم الدراري ومن كان عنده علم فليرشدنا إليه ومن رأى في كلامنا زيغا أو نقصا وخطأ فليهد إلينا الصواب نشكر له سعيه ونقابله بالقبول والإذعان والانقياد
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع