الشيخ عاطف الفيومي
شيخ فاضل
- إنضم
- 4 يناير 2012
- المشاركات
- 587
- النقاط
- 18
- الإقامة
- الفيوم
- الموقع الالكتروني
- www.alfayyumy.com
- احفظ من كتاب الله
- كاملا بحمد الله
- احب القراءة برواية
- عاصم
- القارئ المفضل
- المنشاوي
- الجنس
- أخ
الحج لا يكون إلا لبيت الله الحرام بمكة
وهذه مسألة مهمَّة ومستنبَطة من سياق النُّصوص في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96 - 97].
فقد دلَّت الآيتان على عدَّة أمور مهمة:
الأول: أن أوَّل بيت وُضِع للناس للعبادة، إنما هو الذي بمكة لا بغيرها من البلاد، وهذا عليه أكثر المفسِّرين، قال ابن كثير - رحمه الله -: "أوَّل بيت وُضع للناس؛ أيْ: لِعُموم الناس، لعبادتهم ونُسُكهم، يَطُوفون به ويُصلُّون إليه ويَعتكِفُون عنده ﴿ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ﴾؛ يعني: الكعبة التي بناها إبراهيم الخليل - عليه السَّلام"[5].
الثاني: أنَّ الله تعالى بارك في هذا البيت للعالَمِين، وذلك بوجود الأنبياء - عليهم السَّلام - فيه، وإقامة العبادة لله تعالى، وتحصيل المنافع والخيرات، قال البيضاوي - رحمه الله - في "أنوار التَّنْزيل": "كثير الخير والنَّفع لمن حجَّه واعتمَرَه، واعتكف دونَه، وطاف حولَه"[6].
وقال السَّعْديُّ - رحمه الله -: "فيه البرَكة الكثيرة في المنافع الدِّينية والدُّنيوية، كما قال تعالى: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 28]"[7].
الثالث: أنَّ الله تعالى جعل فيه آيات بيِّنات دالَّة على قدرته وحكمته، منها مَقام إبراهيم - عليه السَّلام - والصَّفا والمروة وغيرها، كما ذكر أهل التفسير.
الرابع: أن الله أمَر بتأمين أهله وقاصديه، فلا يتعرَّض أحدٌ لهم بِسُوء ولا أذًى ولا اعتداء.
الخامس: أن الله تعالى فرَضَ الحجَّ لهذا البيت الذي هو بمكَّة، فلا يصحُّ الحجُّ لأيِّ بقعة أخرى في الأرض سواه، وقد سمَّاه الله بقوله تعالى: ﴿ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ﴾، وبقوله: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾، ولا ريب أنَّ البيت هو الذي ببكَّة، لا بغيرها.
السادس: أنَّ الله تعالى حكَمَ بالكُفْر على تارك هذه الفريضة، الجاحِدِ لها مع الاستطاعة والقدرة، وكذلك مَن جعَلَها في غير مكَّة وبيت الله الحرام؛ أيْ: الكعبة.
ومِن هذا نَأخذ فائدة جليلة، وهي: أن التَّوجُّه بعبادة الحجِّ والعمرة كذلك لغير مكَّة هو أمر مخالِفٌ لِحُكم الله ورسوله، فالذين يتوجَّهون بعبادتهم إلى أصحاب القبور والأولياء وغير ذلك، وقَعوا ولا ريب في صُوَر من الشِّرك بالله تعالى، وصرف العبادة لغيره، فالَّذين يَذْهَبون إلى قبر الحُسَين أو الشَّافعي، أو البدويِّ، أو يُعَظِّمون القبور والأضرحة من دون الله كما يفعل غُلاة الشِّيعة وجهَلَتُهم في كَرْبلاء والنَّجف وغيرهما، هؤلاء ولا ريب لَيْسُوا على منهاج النبوة في ذلك الأمر.
وكذلك ما يفعله بعض غُلاة المتصوِّفة، من الطواف بالقبر، والاستغاثة والاستِعانة والتوسُّل لطلب الحاجات من الميت، وطلب الشِّفاء والمدَدِ والغفران، والذَّبح والنَّذر لصاحب القبر، وهذا من أعظم الشِّرك عند الله تعالى، ويسمُّون هذا الفعل بالحجِّ عندهم، وقد نهَى النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن تعظيم قبره وعن اتِّخاذه عيدًا بِكَثْرة الزِّيارة والتعظيم المُفْرِط له، حتى لا يدبَّ الشِّرك إلى القلوب، فيقع فيها من المفاسد ما لا يعلمه إلاَّ الله تعالى، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لعَن الله اليهود، اتَّخَذوا قبور أنبيائهم مساجد))؛ يُحَذِّر ما صنعوا؛ متفق عليه.
قال ابن القيِّم - رحمه الله - في "إغاثة اللَّهفان": "فمِن مفاسِدِ اتِّخاذها أعيادًا: الصَّلاة إليها، والطواف بها، وتَقْبِيلها واستلامها، وتعفير الخُدود على ترابها، وعبادة أصحابها، والاستغاثة بهم، وسؤالهم النَّصر والرِّزق والعافية، وقضاء الدُّيون، وتفريج الكرُبات، وإغاثة اللَّهفان، وغير ذلك من أنواع الطلبات، التي كان عُبَّاد الأوثان يسألونها أوثانهم.
فلو رأيت غُلاة المتَّخِذين لها عيدًا وقد نزلوا عن الأكوار والدوابِّ، إذا رأَوْها من مكان بعيد، فوضعوا لها الجِبَاه وقَبَّلوا الأرض وكشفوا الرُّؤوس، وارتفعَتْ أصواتهم بالضَّجيج، وتباكَوْا حتى تسمع لهم النَّشيج، ورأوا أنهم قد أَرْبَوا في الرِّبح على الحجيج، فاستغاثوا بمن لا يُبْدي ولا يُعِيد، ونادَوْا ولكن من مكان بعيد، حتى إذا دنوا منها صلَّوْا عند القبر ركعتين، ورأوا أنَّهم قد أحرزوا من الأَجْر ولا أجر من صلَّى إلى القِبْلتَيْن، فتراهم حول القبر رُكَّعًا سجَّدًا يبتغون فضلاً من الميت ورضوانًا، وقد مَلؤوا أَكُفَّهم خيبة وخسرانًا، فلِغَير الله - بل للشيطان - ما يُراق هناك من العَبَرات، ويرتفع من الأصوات، ويطلب من الميت من الحاجات، ويسأل من تفريج الكربات، وإغناء ذوي الفاقات، ومُعافاة أُولِي العاهات، والبليَّات.
ثم انْثَنَوا بعد ذلك حول القبر طائفين، تشبيهًا له بالبيت الحرام الذي جعله الله مبارَكًا وهُدًى للعالمين، ثم أخذوا في التَّقبيل والاستلام، أرأيتَ الحجر الأسود وما يَفْعَل به وفْدُ البيت الحرام، ثم عفَّروا لديه تلك الجباه والخدود، التي يعلم الله أنها لم تُعَفَّر كذلك بين يديه في السجود.
ثم كمَّلوا مناسكَ حجِّ القبر بالتقصير هناك والحِلاق، واستمتعوا بِخَلاقهم من ذلك الوثَن؛ إذْ لم يكن لهم عند الله مِن خَلاق، وقرَّبوا لذلك الوثَنِ القرابين، وكانت صلاتُهم ونسُكُهم وقربانهم لغير الله ربِّ العالمين، فلو رأيتَهم يهنِّئ بعضهم بعضًا، ويقول: أجزل الله لنا ولكم أجرًا وافرًا وحظًّا، فإذا رجعوا سألَهم غُلاة المتخلِّفين أن يبيع أحَدُهم ثواب حجَّة القبر بحجِّ المتخلِّف إلى البيت الحرام، فيقول: لا ولو بِحَجِّك كلَّ عام.
هذا، ولم نتجاوز فيما حكَيْناه عنهم، ولا استقصينا جميع بِدَعِهم وضلالهم؛ إذْ هي فوق ما يَخْطر بالبال، أو يدور في الخيال، وهذا كان مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح، كما تقدَّم، وكل من شمَّ أدنى رائحة من العلم والفقه يعلم أنَّ مِن أهم الأمور سدَّ الذريعة إلى هذا المحظور"[8]؛ انتهى.
فالواجب إذًا الحذَرُ من صَرْف العبادة لغير الله تعالى، وصرفها أيضًا في مكان غير ما شرع الله ورسوله؛ لأنَّ هذا يُفْضِي إلى صُوَر وأنواع من الشِّرك بالله تعالى، والتعدِّي على أمْرِه وشريعته، وقد قال تعالى في كتابه: ﴿ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 61 - 63]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ * وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الزمر: 64 - 66].
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع