ع
عميد أكاديمية الماهر
مسجل
استقاءات مدارج ابن قيم الجوزية من المنازل الهروية
(وما يعقلها إلا العالمون)
**************************************
لم يكن اهتمام ابن القيم في كتابه (مدارج السالكين) بكتاب الهروي (منازل السائرين) بمستغرب بقدر ما يكون من عجب واندهاش عندما تفتح صفحات كتاب ابن القيم (المدارج) لتجده قد سمى الهروي في مواطن متعددة من كتابه بلقب ( شيخ الإسلام)
وكان من أجمل عبارات ابن القيم في حق الهروي – انصافا ومعرفة بفضله وسبقه وولوجه في هذا الطريق الصعب في التربية – عدة مواطن في كتابه منها
• قوله [في مدارج السالكين - ابن القيم (1/ 198)] : " ولا توجب هذه الزلة من شيخ الإسلام إهدار محاسنه وإساءة الظن به فمحله من العلم والإمامة والمعرفة والتقدم في طريق السلوك المحل الذي لا يجهل وكل أحد فمأخوذ من قوله ومتروك إلا المعصوم صلوات الله وسلامه عليه والكامل من عد خطؤه ولا سيما في مثل هذا المجال الضنك والمعترك الصعب الذي زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام وافترقت بالسالكين فيه الطرقات وأشرفوا إلا أقلهم على أودية الهلكات. وكيف لا؟ وهو البحر الذي تجري سفينة راكبه في موج كالجبال والمعترك الذي تضاءلت لشهوده شجاعة الأبطال وتحيرت فيه عقول ألباء الرجال ووصلت الخليقة إلى ساحله يبغون ركوبه. فمنهم: من وقف مطرقا دهشا لا يستطيع أن يملأ منه عينه ولا ينقل عن موقفه قدمه قد امتلأ قلبه بعظمة ما شاهد منه فقال: "الوقوف على الساحل أسلم وليس بلبيب من خاطر بنفسه". ومنهم: من رجع على عقبيه لما سمع هديره وصوت أمواجه ولم يطق نظرا إليه. ومنهم: من رمى بنفسه في لججه تخفضه موجة وترفعه أخرى. فهؤلاء الثلاثة على خطر "
• وقوله دفاعا عن عبارته وزودا عن ولوج المؤولين لفكرته [ مدارج السالكين - ابن القيم (1/ 152)] : " وهذا كذب على شيخ الإسلام وإنما مراده: فناء شهود العيان فيفنى عن مشاهدة المعاينة ويغيب بمعاينه عن معاينته لأن مراده: انتفاء التعدد والتغاير بين المعاين والمعاين وإنما مراده انتفاء الحاجب عن درجة الشهود لا عن حقيقة الوجود ولكنه باب لإلحاد هؤلاء الملاحدة منه يدخلون " .
• وقواه أيضا [في مدارج السالكين - ابن القيم (2/ 37) ] : " قال صاحب المنازل: الرجاء: أضعف منازل المريدين لأنه معارضة من وجه واعتراض من وجه وهو وقوع في الرعونة في مذهب هذه الطائفة وفائدة واحدة نطق بها التنزيل والسنة وتلك الفائدة: هي كونه يبرد حرارة الخوف حتى لا يفضي بصاحبه إلى اليأس شيخ الإسلام حبيب إلينا والحق أحب إلينا منه وكل من عدا المعصوم فمأخوذ من قوله ومتروك ونحن نحمل كلامه على أحسن محامله ثم نبين ما فيه "
• قال ابن القيم [(مدارج السالكين - ابن القيم (2/ 52)] : " والله يشكر لشيخ الإسلام سعيه ويعلي درجته ويجزيه أفضل جزائه ويجمع بيننا وبينه في محل كرامته فلو وجد مريده سعة وفسحة في ترك الاعتراض عليه واعتراض كلامه لما فعل كيف وقد نفعه الله بكلامه وجلس بين يديه مجلس التلميذ من أستاذه وهو أحد من كان على يديه فتحه يقظة ومناما وهذا غاية جهد المقل في هذا الموضع فمن كان عنده فضل علم فليجد به أو فليعذر ولا يبادر إلى الإنكار فكم بين الهدهد ونبي الله سليمان وهو يقول له: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [ النمل: 22 ] وليس شيخ الإسلام أعلم من نبي الله ولا المعترض " .
• وقال [مدارج السالكين - ابن القيم (2/ 101) ] : " فأحسن ما يحمل عليه قوله: أن لا يجنح الحال إلى العلم أن العلم يدعو إلى التفرقة دائما والحال يدعو إلى الجمعية والقلب بين هذين الداعيين فهو يجيب هذا مرة وهذا مرة فتهذيب الحال وتصفيته: أن يجيب داعي الحال لا داعي العلم ولا يلزم من هذا إعراضه عن العلم وعدم تحكيمه والتسليم له بل هو متعبد بالعلم محكم له مستسلم له غير مجيب لداعيه من التفرقة بل هو مجيب لداعي الحال والجمعية آخذ من العلم ما يصحح له حاله وجمعيته غير مستغرق فيه استغراق من هو مطرح همته وغاية مقصده لا مطلوب له سواه ولا مراد له إلا إياه فالعلم عنده آلة ووسيلة وطريق توصله إلى مقصده ومطلوبه فهو كالدليل بين يديه يدعوه إلى الطريق ويدله عليها فهو يجيب داعيه للدلالة ومعرفة الطريق وما في قلبه من ملاحظة مقصده ومطلبه من سيره وسفره وباعث همته على الخروج من أوطانه ومرباه ومن بين أصحابه وخلطائه الحامل له على الاغتراب والتفرد في طريق الطلب: هو المسير له والمحرك والباعث فلا يجنح عن داعيه إلى اشتغاله بجزئيات أحوال الدليل وما هو خارج عن دلالته على طريقه فهذا مقصد شيخ الإسلام إن شاء الله تعالى لا الوجه الأول والله سبحانه وتعالى أعلم
• قال ابن القيم [مدارج السالكين - ابن القيم (3/ 100)] : "ومن ذلك منزلة اللحظ قال شيخ الإسلام باب اللحظ قال الله.تعالى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني قلت يريد والله أعلم بالاستشهاد بالآية أن الله سبحانه أراد أن يري موسى من كمال عظمته وجلاله ما يعلم به أن القوة البشرية في هذه الدار لا تثبت لرؤيته ومشاهدته عيانا لصيرورة الجبل دكا عند تجلي ربه سبحانه أدنى تجل "
• قال ابن القيم [مدارج السالكين - ابن القيم (3/ 123) ] : " وهذا عين الاتحاد والإلحاد والانسلاخ من الدين بالكلية وقد أعاذ الله شيخ الإسلام من ذلك وإذا كان الملحد يحمل كلام الله ورسوله ما لا يحتمله فما الظن بكلام مخلوق مثله فيقال إنما بعث الله رسله وأنزل كتبه بالإنكار على الخلق بما هم عليه من أحكام البشرية وغيرها فبهذا أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وانقسمت الدار إلى دار سعادة للمنكرين ودار شقاوة للمنكر عليهم فالطعن في ذلك طعن في الرسل والكتب والتخلص من ذلك انحلال من ربقة الدين ومن تأمل أحوال الرسل مع أممهم وجدهم كانوا قائمين بالإنكار عليهم أشد القيام حتى لقوا الله تعالى وأوصوا من آمن بهم بالإنكار على من خالفهم وأخبر النبي صلى اله عليه وسلم "أن المتخلص من مقامات الإنكار الثلاثة ليس معه من الإيمان حبة خردل" وبالغ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشد المبالغة حتى قال" إن الناس إذا تركوه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده " وأخبر أن تركه يمنع إجابة دعاء الأخيار ويوجب تسلط الأشرار وأخبر أن تركه يوقع المخالفة بين القلوب والوجوه ويحل لعنه الله كما لعن الله بني إسرائيل على تركه فكيف يكون الإنكار من رعونات النفوس وهو مقصود الشريعة وهل الجهاد إلا على أنواع الإنكار وهو جهاد باليد وجهاد أهل العلم إنكار باللسان وأما قوله إن المشاهد أن مراد الله من الخلائق ما هم عليه فيقال له الرب تعالى له مرادان كوني وديني فهب أن مراده الكوني منهم ما هم عليه فمراده الديني الأمري الشرعي هو الإنكار على أصحاب المراد الكوني فإذا عطلت مراده الديني لم تكن واقفا مع مراده الديني الذي يحبه " .
• وقال ابن القيم : مدارج السالكين - ابن القيم (3/ 194) : " فصل قال شيخ الإسلام.باب الغربة قال الله تعالى {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} استشهاده بهذه الآية في هذا الباب يدل على رسوخه في العلم والمعرفة وفهم القرآن فإن الغرباء في العالم هم أهل هذه الصفة المذكورة في الآية وهم الذين أشار إليهم النبي صلى اله عليه وسلم في قوله "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء قيل ومن الغرباء يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يصلحون إذا فسد الناس " " .
• قال ابن القيم في مدارج السالكين - ابن القيم (3/ 206) : " فصل قال شيخ الإسلام : باب الغرق قال الله تعالى {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} هذا اسم يشار به في هذا الباب إلى من توسط المقام وجاوز حد التفرق وجه استددلاله بإشارة الآية أن إبراهيم لما بلغ ما بلغ هو وولده في المبادرة إلى الامتثال والعزم عل إيقاع الذبح المأمور به ألقاه الوالد على جبينه في الحال وأخذ الشفرة وأهوى إلى حلقه أعرض في تلك الحال عن نفسه وولده وفنى بأمر الله عنهما فتوسط بحر جمع السر والقلب والهم على الله وجاوز حد التفرقة المانعة من امتثال هذا الأمر قوله {فَلَمَّا أَسْلَمَا} أي استسلما وانقادا لأمر الله فلم يبق هناك منازعة لا من الوالد ولا من الولد بل استسلام صرف وتسليم محض "
• وقال ابن القيم [مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 146) ] : " وَإِنَّمَا كَانَتِ الْغَيْرَةُ عِنْدَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مِنْ تَمَامِ الْبَصِيرَةِ لِأَنَّهُ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَقِّ وَمُسْتَحَقِّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَإِجْلَالِهِ تَكُونُ الْغَيْرَةُ عَلَيْهِ أَنْ يَضِيعَ، وَالْغَضَبُ عَلَى مَنْ أَضَاعَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّةِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَإِجْلَالِهِ وَتَعْظِيمِهِ، وَذَلِكَ عَيْنُ الْبَصِيرَةِ، فَكَمَا أَنَّ الشَّكَّ الْقَادِحَ فِي كَمَالِ الِامْتِثَالِ مُعَمٍّ لَعِينِ الْبَصِيرَةِ، فَكَذَلِكَ عَدَمُ الْغَضَبِ وَالْغَيْرَةِ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ إِذَا ضُيِّعَتْ، وَمَحَارِمِهِ إِذَا انْتُهِكَتْ مُعَمٍّ لَعِينِ الْبَصِيرَةِ ".
قلت هذه جملة من أقوال ابن القيم رحمه الله وهو يخلع لقب شيخه (شيخ الإسلام) على العلامة الهروي (رحمه الله) ولعل قولي عن الهروي (العلامة) لا تروق لهم مع غضهم الطرف عن لقب شيخ الإسلام الذي خلعه عليه ابن القيم (رحم الله علماءنا أحياء وأمواتا )
وقلت : وسيطالعنا من يدعي السلفية والأثرية للهروي فأقول وماذا عن قول السجزى: دخلت نيسابور وحضرت عند الأستاذ أبى المعالى الجوينى فقال من أنت؟ قلت خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري فقال رضى الله عنه ..
وماذا عن قول السيوطي أيضا : (شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي الحافظ العارف من ولد أبي أيوب الأنصاري قال عبد الغفار كان إماما كاملا في التفسير حسن السيرة في التصوف على حظ تام من معرفة العربية والحديث التواريخ والأنساب قائما بنصر السنة والدين من غير مداهنة ولا مراقبة ) (طبقات المفسرين)
وقال الذهبي رحمه الله في التعريف بالإمام الهروي صاحب الفاروق الذي سينقل لنا النص عن أبي حنيفة قال: "كان أبو إسماعيل آية في التفسير، رأساً في التذكير، عالماً بالحديث وطرقه، بصيراً باللغة، صاحب أحوال ومقامات في التصوف، فياليته ما ألف كتاب المنازل " نعم، ليته ما ألف كتاب منازل السائرين ..!
ومن صريح قولهم في الهروي ومن مواقعنا الانترنتية التي يستشهد بها البعض أحيانا فهذا مقال تحذير من كتاب منازل السائرين للهروي على هذا الرابط http://vb.tafsir.net/tafsir41728/#.VfDgYFNTbpE
(( قلت : عن هذا الرابط لعل ابن القيم لم يطالعه أو طالعه وغض الطرف عنه !!!!!! ))
وهذا ما دعا بعض (المُحْدَثين) إلى تصنيف كتاب تهذيب مدارج السالكين توبيخا لابن القيم والهروي معا على ما اقترفته أيديهما من تصنيف المَرْجِعَين العِلْمِيَّين الذين هما آية في التصنيف والتأليف عند المحققين المنصفين !!!!!
ولا يخفى أن دقة الفهم عند ابن القيم جعلته يتعامل مع كتاب الهروي في حين حذر غيره منه جملة وتفصيلا
ودقة الفهم نعمة ((( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ))) [من الآية (43) سورة العنكبوت]
***********************************
كتبه د.أبو الزهراء المكي (غفر الله له ولوالديه ولشيوخه أجمعين)
(وما يعقلها إلا العالمون)
**************************************
لم يكن اهتمام ابن القيم في كتابه (مدارج السالكين) بكتاب الهروي (منازل السائرين) بمستغرب بقدر ما يكون من عجب واندهاش عندما تفتح صفحات كتاب ابن القيم (المدارج) لتجده قد سمى الهروي في مواطن متعددة من كتابه بلقب ( شيخ الإسلام)
وكان من أجمل عبارات ابن القيم في حق الهروي – انصافا ومعرفة بفضله وسبقه وولوجه في هذا الطريق الصعب في التربية – عدة مواطن في كتابه منها
• قوله [في مدارج السالكين - ابن القيم (1/ 198)] : " ولا توجب هذه الزلة من شيخ الإسلام إهدار محاسنه وإساءة الظن به فمحله من العلم والإمامة والمعرفة والتقدم في طريق السلوك المحل الذي لا يجهل وكل أحد فمأخوذ من قوله ومتروك إلا المعصوم صلوات الله وسلامه عليه والكامل من عد خطؤه ولا سيما في مثل هذا المجال الضنك والمعترك الصعب الذي زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام وافترقت بالسالكين فيه الطرقات وأشرفوا إلا أقلهم على أودية الهلكات. وكيف لا؟ وهو البحر الذي تجري سفينة راكبه في موج كالجبال والمعترك الذي تضاءلت لشهوده شجاعة الأبطال وتحيرت فيه عقول ألباء الرجال ووصلت الخليقة إلى ساحله يبغون ركوبه. فمنهم: من وقف مطرقا دهشا لا يستطيع أن يملأ منه عينه ولا ينقل عن موقفه قدمه قد امتلأ قلبه بعظمة ما شاهد منه فقال: "الوقوف على الساحل أسلم وليس بلبيب من خاطر بنفسه". ومنهم: من رجع على عقبيه لما سمع هديره وصوت أمواجه ولم يطق نظرا إليه. ومنهم: من رمى بنفسه في لججه تخفضه موجة وترفعه أخرى. فهؤلاء الثلاثة على خطر "
• وقوله دفاعا عن عبارته وزودا عن ولوج المؤولين لفكرته [ مدارج السالكين - ابن القيم (1/ 152)] : " وهذا كذب على شيخ الإسلام وإنما مراده: فناء شهود العيان فيفنى عن مشاهدة المعاينة ويغيب بمعاينه عن معاينته لأن مراده: انتفاء التعدد والتغاير بين المعاين والمعاين وإنما مراده انتفاء الحاجب عن درجة الشهود لا عن حقيقة الوجود ولكنه باب لإلحاد هؤلاء الملاحدة منه يدخلون " .
• وقواه أيضا [في مدارج السالكين - ابن القيم (2/ 37) ] : " قال صاحب المنازل: الرجاء: أضعف منازل المريدين لأنه معارضة من وجه واعتراض من وجه وهو وقوع في الرعونة في مذهب هذه الطائفة وفائدة واحدة نطق بها التنزيل والسنة وتلك الفائدة: هي كونه يبرد حرارة الخوف حتى لا يفضي بصاحبه إلى اليأس شيخ الإسلام حبيب إلينا والحق أحب إلينا منه وكل من عدا المعصوم فمأخوذ من قوله ومتروك ونحن نحمل كلامه على أحسن محامله ثم نبين ما فيه "
• قال ابن القيم [(مدارج السالكين - ابن القيم (2/ 52)] : " والله يشكر لشيخ الإسلام سعيه ويعلي درجته ويجزيه أفضل جزائه ويجمع بيننا وبينه في محل كرامته فلو وجد مريده سعة وفسحة في ترك الاعتراض عليه واعتراض كلامه لما فعل كيف وقد نفعه الله بكلامه وجلس بين يديه مجلس التلميذ من أستاذه وهو أحد من كان على يديه فتحه يقظة ومناما وهذا غاية جهد المقل في هذا الموضع فمن كان عنده فضل علم فليجد به أو فليعذر ولا يبادر إلى الإنكار فكم بين الهدهد ونبي الله سليمان وهو يقول له: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [ النمل: 22 ] وليس شيخ الإسلام أعلم من نبي الله ولا المعترض " .
• وقال [مدارج السالكين - ابن القيم (2/ 101) ] : " فأحسن ما يحمل عليه قوله: أن لا يجنح الحال إلى العلم أن العلم يدعو إلى التفرقة دائما والحال يدعو إلى الجمعية والقلب بين هذين الداعيين فهو يجيب هذا مرة وهذا مرة فتهذيب الحال وتصفيته: أن يجيب داعي الحال لا داعي العلم ولا يلزم من هذا إعراضه عن العلم وعدم تحكيمه والتسليم له بل هو متعبد بالعلم محكم له مستسلم له غير مجيب لداعيه من التفرقة بل هو مجيب لداعي الحال والجمعية آخذ من العلم ما يصحح له حاله وجمعيته غير مستغرق فيه استغراق من هو مطرح همته وغاية مقصده لا مطلوب له سواه ولا مراد له إلا إياه فالعلم عنده آلة ووسيلة وطريق توصله إلى مقصده ومطلوبه فهو كالدليل بين يديه يدعوه إلى الطريق ويدله عليها فهو يجيب داعيه للدلالة ومعرفة الطريق وما في قلبه من ملاحظة مقصده ومطلبه من سيره وسفره وباعث همته على الخروج من أوطانه ومرباه ومن بين أصحابه وخلطائه الحامل له على الاغتراب والتفرد في طريق الطلب: هو المسير له والمحرك والباعث فلا يجنح عن داعيه إلى اشتغاله بجزئيات أحوال الدليل وما هو خارج عن دلالته على طريقه فهذا مقصد شيخ الإسلام إن شاء الله تعالى لا الوجه الأول والله سبحانه وتعالى أعلم
• قال ابن القيم [مدارج السالكين - ابن القيم (3/ 100)] : "ومن ذلك منزلة اللحظ قال شيخ الإسلام باب اللحظ قال الله.تعالى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني قلت يريد والله أعلم بالاستشهاد بالآية أن الله سبحانه أراد أن يري موسى من كمال عظمته وجلاله ما يعلم به أن القوة البشرية في هذه الدار لا تثبت لرؤيته ومشاهدته عيانا لصيرورة الجبل دكا عند تجلي ربه سبحانه أدنى تجل "
• قال ابن القيم [مدارج السالكين - ابن القيم (3/ 123) ] : " وهذا عين الاتحاد والإلحاد والانسلاخ من الدين بالكلية وقد أعاذ الله شيخ الإسلام من ذلك وإذا كان الملحد يحمل كلام الله ورسوله ما لا يحتمله فما الظن بكلام مخلوق مثله فيقال إنما بعث الله رسله وأنزل كتبه بالإنكار على الخلق بما هم عليه من أحكام البشرية وغيرها فبهذا أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وانقسمت الدار إلى دار سعادة للمنكرين ودار شقاوة للمنكر عليهم فالطعن في ذلك طعن في الرسل والكتب والتخلص من ذلك انحلال من ربقة الدين ومن تأمل أحوال الرسل مع أممهم وجدهم كانوا قائمين بالإنكار عليهم أشد القيام حتى لقوا الله تعالى وأوصوا من آمن بهم بالإنكار على من خالفهم وأخبر النبي صلى اله عليه وسلم "أن المتخلص من مقامات الإنكار الثلاثة ليس معه من الإيمان حبة خردل" وبالغ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشد المبالغة حتى قال" إن الناس إذا تركوه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده " وأخبر أن تركه يمنع إجابة دعاء الأخيار ويوجب تسلط الأشرار وأخبر أن تركه يوقع المخالفة بين القلوب والوجوه ويحل لعنه الله كما لعن الله بني إسرائيل على تركه فكيف يكون الإنكار من رعونات النفوس وهو مقصود الشريعة وهل الجهاد إلا على أنواع الإنكار وهو جهاد باليد وجهاد أهل العلم إنكار باللسان وأما قوله إن المشاهد أن مراد الله من الخلائق ما هم عليه فيقال له الرب تعالى له مرادان كوني وديني فهب أن مراده الكوني منهم ما هم عليه فمراده الديني الأمري الشرعي هو الإنكار على أصحاب المراد الكوني فإذا عطلت مراده الديني لم تكن واقفا مع مراده الديني الذي يحبه " .
• وقال ابن القيم : مدارج السالكين - ابن القيم (3/ 194) : " فصل قال شيخ الإسلام.باب الغربة قال الله تعالى {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} استشهاده بهذه الآية في هذا الباب يدل على رسوخه في العلم والمعرفة وفهم القرآن فإن الغرباء في العالم هم أهل هذه الصفة المذكورة في الآية وهم الذين أشار إليهم النبي صلى اله عليه وسلم في قوله "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء قيل ومن الغرباء يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الذي يصلحون إذا فسد الناس " " .
• قال ابن القيم في مدارج السالكين - ابن القيم (3/ 206) : " فصل قال شيخ الإسلام : باب الغرق قال الله تعالى {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} هذا اسم يشار به في هذا الباب إلى من توسط المقام وجاوز حد التفرق وجه استددلاله بإشارة الآية أن إبراهيم لما بلغ ما بلغ هو وولده في المبادرة إلى الامتثال والعزم عل إيقاع الذبح المأمور به ألقاه الوالد على جبينه في الحال وأخذ الشفرة وأهوى إلى حلقه أعرض في تلك الحال عن نفسه وولده وفنى بأمر الله عنهما فتوسط بحر جمع السر والقلب والهم على الله وجاوز حد التفرقة المانعة من امتثال هذا الأمر قوله {فَلَمَّا أَسْلَمَا} أي استسلما وانقادا لأمر الله فلم يبق هناك منازعة لا من الوالد ولا من الولد بل استسلام صرف وتسليم محض "
• وقال ابن القيم [مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 146) ] : " وَإِنَّمَا كَانَتِ الْغَيْرَةُ عِنْدَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مِنْ تَمَامِ الْبَصِيرَةِ لِأَنَّهُ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَقِّ وَمُسْتَحَقِّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَإِجْلَالِهِ تَكُونُ الْغَيْرَةُ عَلَيْهِ أَنْ يَضِيعَ، وَالْغَضَبُ عَلَى مَنْ أَضَاعَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّةِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَإِجْلَالِهِ وَتَعْظِيمِهِ، وَذَلِكَ عَيْنُ الْبَصِيرَةِ، فَكَمَا أَنَّ الشَّكَّ الْقَادِحَ فِي كَمَالِ الِامْتِثَالِ مُعَمٍّ لَعِينِ الْبَصِيرَةِ، فَكَذَلِكَ عَدَمُ الْغَضَبِ وَالْغَيْرَةِ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ إِذَا ضُيِّعَتْ، وَمَحَارِمِهِ إِذَا انْتُهِكَتْ مُعَمٍّ لَعِينِ الْبَصِيرَةِ ".
قلت هذه جملة من أقوال ابن القيم رحمه الله وهو يخلع لقب شيخه (شيخ الإسلام) على العلامة الهروي (رحمه الله) ولعل قولي عن الهروي (العلامة) لا تروق لهم مع غضهم الطرف عن لقب شيخ الإسلام الذي خلعه عليه ابن القيم (رحم الله علماءنا أحياء وأمواتا )
وقلت : وسيطالعنا من يدعي السلفية والأثرية للهروي فأقول وماذا عن قول السجزى: دخلت نيسابور وحضرت عند الأستاذ أبى المعالى الجوينى فقال من أنت؟ قلت خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري فقال رضى الله عنه ..
وماذا عن قول السيوطي أيضا : (شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي الحافظ العارف من ولد أبي أيوب الأنصاري قال عبد الغفار كان إماما كاملا في التفسير حسن السيرة في التصوف على حظ تام من معرفة العربية والحديث التواريخ والأنساب قائما بنصر السنة والدين من غير مداهنة ولا مراقبة ) (طبقات المفسرين)
وقال الذهبي رحمه الله في التعريف بالإمام الهروي صاحب الفاروق الذي سينقل لنا النص عن أبي حنيفة قال: "كان أبو إسماعيل آية في التفسير، رأساً في التذكير، عالماً بالحديث وطرقه، بصيراً باللغة، صاحب أحوال ومقامات في التصوف، فياليته ما ألف كتاب المنازل " نعم، ليته ما ألف كتاب منازل السائرين ..!
ومن صريح قولهم في الهروي ومن مواقعنا الانترنتية التي يستشهد بها البعض أحيانا فهذا مقال تحذير من كتاب منازل السائرين للهروي على هذا الرابط http://vb.tafsir.net/tafsir41728/#.VfDgYFNTbpE
(( قلت : عن هذا الرابط لعل ابن القيم لم يطالعه أو طالعه وغض الطرف عنه !!!!!! ))
وهذا ما دعا بعض (المُحْدَثين) إلى تصنيف كتاب تهذيب مدارج السالكين توبيخا لابن القيم والهروي معا على ما اقترفته أيديهما من تصنيف المَرْجِعَين العِلْمِيَّين الذين هما آية في التصنيف والتأليف عند المحققين المنصفين !!!!!
ولا يخفى أن دقة الفهم عند ابن القيم جعلته يتعامل مع كتاب الهروي في حين حذر غيره منه جملة وتفصيلا
ودقة الفهم نعمة ((( وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ))) [من الآية (43) سورة العنكبوت]
***********************************
كتبه د.أبو الزهراء المكي (غفر الله له ولوالديه ولشيوخه أجمعين)
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع
التعديل الأخير بواسطة المشرف: