الموحدة
عضو مميز
- إنضم
- 5 يناير 2012
- المشاركات
- 806
- النقاط
- 18
- الإقامة
- المغرب
- احفظ من كتاب الله
- ما تيسر منه
- احب القراءة برواية
- برواية ورش عن نافع
- القارئ المفضل
- الشيخ ياسر الدوسري/عمر القزابري/مشاري العفاسي/المنشاوي
- الجنس
- أخت
آداب النصيحة
الكلمات الفصيحة في آداب النصيحة
كتبه : الشيخ محمد عبدالله الشيخ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه واستن بسنته وسار على طريقته إلى يوم أن نلقاه.
أما بعد فقد جعل الله تعالى خيرية هذه الأمة في أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وهما عماد النصيحة، مع إيمانها بالله تعالى، ولو فعلت الأمم السابقة ذلك لكان خيرًا لهم ولحققت لنفسها الخيرية ، ولكنهم عندما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حدثت المنكرات، فخرجوا عن طاعة رب الأرض والسموات، فأصبحوا من الفاسقين والفاسقات. قال الله تعالى : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ } (آل عمران/110)
بل إن النصيحة والدلالة على الخير هي وظيفة الأنبياء والمرسلين. قال نبي الله صالح (عليه السلام): { وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } [الأعراف:79] وقال نبي الله هود (عليه السلام): { وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } [الأعراف:68]
وهذا نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) يبين لنا أهمية النصيحة ومكانتها في الدين. فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ (رضي الله عنه) أَنَّ النَّبِىَّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ: « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ». (مسلم/ 205) (وهو مروي عن أبي هريرة وابن عباس أيضا) قال الإمام المناوي (رحمه الله) في شرحه لهذا الحديث: ( إن الدين) بكسر الدال وهو دين الإسلام (النصيحة) أي هي عماده وقوامه : كالحج عرفة، فالحصر مجازي بل حقيقي فالنصيحة لم تُبق من الدين شيئاً.
وقال بعضهم: وهي تحري الإخلاص قولاً وفعلاً وبذل الجهد في إصلاح المنصوح له. وهذه الكلمة مع وجازتها فما في كلامهم أجمع منها، ثم لما حكم بأن النصيحة هي الدين قال مفسراً مبيناً ..... ( للّـــه) بالإيمان به ونفي الشريك عنه ووصفه بجميع صفات الكمال والجلال وتنزيهه عن جميع ما لا كمال فيه وتجنب معصيته والحب والبغض فيه والاعتراف بنعمته وشكره عليها والشفقة على خلقه والدعاء إلى ذلك، فمن النصيحة للّه أن لا تدخل في صفاته ما ليس منها ولا تنسب إليه ما ليس له برأيك فتعتقده على خلاف ما هو عليه فإنه غش.
والأشياء كلها بخلاف الباري تعالى لأنها محدثة وهو قديم، وجاهلة وهو عليم، وعاجزة وهو قدير، وعبيده وهو رب، وفقيرة وهو غني، ومحتاجة إلى مكان وهو غير محتاج إليه، فمن شبهه بشيء من خلقه فقد أدخل الغش في صفاته، ولم ينصح له ومن أضاف شيئاً إلى المخلوقات مما هو عليه فقد غشها.
(ولكتابه) مفرد مضاف فيعم سائر كتبه، وذلك ببذل جهده في الذب عنه، من تأويل الجاهلين، وانتحال المطالبين، وبالوقوف عند أحكامه .
(ولرسوله) بالإيمان بما جاء به، ونصرته حياً وميتاً، وإعظام حقه، وبث دعوته، ونشر سنته، والتلطف في تعلمها وتعليمها، والتأدب بآدابه، وتجنب من تعرض لأحد من آله وأصحابه. (ولأئمة المسلمين) الخلفاء ونوابهم، بمعاونتهم على الحق، وإطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتذكيرهم برفق، وإعلامهم بما غفلوا عنه من حق المسلمين، وترك الخروج عليهم، والدعاء بصلاحهم. (وعامتهم) بإرشادهم لما يصلح أخراهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم، وتعليمهم ما جهلوه، وستر عورتهم، وسدّ خلتهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر برفق وشفقة ونحو ذلك.
فبدأ أولاً باللّه لأن الدين له حقيقة وثَنَّى بكتابه الصادع ببيان أحكامه المعجز ببديع نظامه وثَلَّث بما يتلو كلامه في الرتبة وهو رسوله، الهادي لدينه، المُوَقِّف على أحكامه، المُفَصِّل لجمل شريعته.
ورَبَّع بأولي الأمر الذين هم خلفاء الأنبياء القائمون بسنتهم ثم خمس بالتعميم (تنبيه: متى تترك النصيحة) قال ابن العربي: إذا عُرف من شخص المخالفة واللجاج، وأنه إذا دله على أمر فيه نصيحته عمل بخلافه، فالنصح عدم النصح، بل يشير عليه بخلاف ذلك فيخالفه فيفعل ما ينبغي، قال: وهذه نصيحة لا يشعر بها كل أحد، وهي تسمى علم السياسة، فإنه يسوس به النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها قال: فمن أجل ذلك قلنا إن الناصح في دين اللّه، يحتاج إلى علم وعقل وفكر صحيح وروية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة، فإن لم يكن فيه هذه الخصال فالخطأ أسرع إليه من الإصابة، وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة. قالوا: هذا الحديث وإن أوجز لفظاً أطنب معنى لأن سائر الأحكام داخلة تحت كل كلمة منه وهي لكتابه لاشتماله على أمور الدين أصلاً وفرعاً وعملاً واعتقاداً فمن آمن به وعمل بمضمونه جمع الشريعة بأسرها { مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ } (الأنعام/38)
وما ذكر من الأوصاف في النصيحة للّه: فإنها راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فإن اللّه غني عن نصح الناصح ولكتابه: أي بالإيمان به بأنه كلامه تعالى وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد، وبتعظيمه وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة، والذب عنه عند تأويل المحرفين وطعن الطاعنين، والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه وتفهم علومه، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه، والدعاء إليه، وإلى ما ذكرنا من نصيحته، ولرسوله (صلى اللّه عليه وسلم): أي بالإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، وموالاة من والاه ومعاداة من عاداه، وإحياء طريقته وسنته، ونفي التهمة عنها، والتفهم في معانيها، والدعاء إليها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عند الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه (صلى اللّه عليه وسلم)، ومحبة أهل بيته وأصحابه (رضوان اللّه عليهم أجمعين)، ومجانبة من ابتدع في سنته، أو تعرض لأحد من أصحابه (رضوان اللّه عليهم)، ولأئمة المسلمين: أي بتأليف قلوب الناس لطاعتهم، وأداء الصدقات لهم، وهذا على أن المراد بالأئمة الولاة، وقيل: هم العلماء: فنصيحتهم قبول ما رووه، وتقليدهم في الأحكام، وحسن الظن بهم، وعامتهم: بتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، والذب عن أموالهم وأعراضهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، وحثهم على التخلق بجميع ما ذكر من أنواع النصيحة، قال ابن بطال: في هذا الحديث أن النصيحة تسمى ديناً وإسلاماً، وأن الدين يقع على العمل كما يقع على الفعل.
قال النووي: والنصيحة فرض كفاية، وهي لازمة على قدر الطاقة، إذا علم الناصح أنه يُقبل نصحه ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي أذى فهو في سعة اللّه اهـ .
وإذا رأى من يفسد صلاته ووضوءه أو غير ذلك ولم يُعَلِّمه فقد غشه وعليه الإثم قال الشرخبيتي في شرح الأربعين: سواء كان هناك غيره يقوم بذلك أم لا .
وقد ذكر الخطابي ذلك فقال: اختلف إذا كان هناك من يشارك في النصيحة فهل يجب عليك النصيحة سواء طلبت منك أم لا كمن رأيته يفسد صلاته فقال الغزالي يجب عليك النصح وقال ابن العربي لا يجب والأول هو المرجح عند الأكثر .
وتسن أن تكون النصيحة باللين والرفق قال الشافعي (رضي اللّه تعالى عنه): من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه وقال الفضيل : المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير وقد حكى أن الحسن والحسين (رضي اللّه عنهما وعن والديهما وعلى جدهما أفضل الصلاة وأتم التسليم) : مرّا بشخص يفسد وضوءه فقال أحدهما لأخيه تعال نرشد هذا الشيخ فقالا يا شيخ إنا نريد أن نتوضأ بين يديك حتى تنظر إلينا وتعلم من يحسن منا الوضوء ومن لا يحسنه ففعلا ذلك فلما فرغا من وضوئهما قال أنا واللّه الذي لا أحسن الوضوء وأما أنتما فكل واحد منكما يحسن وضوءه، فانتفع بذلك منهما من غير تعنت ولا توبيخ .
(فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ، نقلا من الموسوعة الحديثية المصغرة)
النصيحة دعامة من دعامات الإسلام.
قال تعالى: {وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3} (العصر).
والتواصي بالحق، هو النصيحة لكل الخلق، لأنهم يحيدون عن الطريق، فيحتاجون إلى الناصح الرفيق، ليُعيدهم إلى الصواب، بلا توبيخ أو عتاب، بل باستعمال الآداب، التى تجذب من تاب، وتحبب من أناب. فالناصح لابد أن يشفق على المنصوح، ولا بد أن يعرف حال المنصوح، ولابد أن يقدم النصيحة في قالب من الحب والود بلا فضوح. وعَنْ جَرِيرٍ بن عبد الله (رضي الله عنه) قَالَ بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلَى: (إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَعَلَى فِرَاقِ الْمُشْرِكِ) (البخاري/57، 58، 501، 1336، 2049، 2565، 2566، 6778) (مسلم / 208) (أبوداود /4944) (الترمذي /1925) (النسائي /4174 ، 4175 ) وفي صحيح مسلم ... عَنْ جَرِيرٍ أيضًا قَالَ: بَايَعْتُ النَّبِىَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَلَقَّنَنِى « فِيمَا اسْتَطَعْتَ ». وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. (مسلم/ 210) وللنصيحة جملة من الآداب، منها ما يتعلق بالناصح، ومنها ما يتعلق بالمنصوح.
آداب الناصح:
1- الإخلاص: فلا يريد الناصح من نصحه إظهار رجاحة عقله، وأنه من أهل التقوى والدين، وأن الناس مذنبين، أو يريد فضح المنصوح والتشهير به، وإنما يكون غرضه من النصح الإصلاح، وأن الناس يسيروا في طريق النجاح، ويرضى عنهم ربهم الفتاح، وأن ينتشر الخير في كل ساح. قال الله تعالى عن شعيب (عليه السلام) وهو ينصح قومه كي يوفوا الكيل والميزان – وهو نهي عن المنكر - : {قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } (هود/88) قال شعيب عليه السلام: يا قوم أرأيتم إن كنت على طريق واضح من ربي فيما أدعوكم إليه من إخلاص العبادة له, وفيما أنهاكم عنه من إفساد المال, (وهذه نصيحة إقتصادية) ورزقني منه رزقًا واسعًا حلالا طيبًا؟ وما أريد أن أخالفكم فأرتكب أمرًا نهيتكم عنه, (وهكذا يكون حال الداعية إلى الله ... لا ينهى الناس عن الإيداع في البنوك ثم هو يضع أمواله فيها ... فهذا لا ينبغي) وما أريد فيما آمركم به وأنهاكم عنه إلا إصلاحكم قَدْر طاقتي واستطاعتي, وما توفيقي -في إصابة الحق ومحاولة إصلاحكم- إلا بالله, على الله وحده توكلت وإليه أرجع بالتوبة والإنابة. (التفسير الميسر)
2- الحكمة والموعظة الحسنة واللين: فالكلمة الطيبة مفتاح القلوب، قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } (النحل: 125). فهذه الآية موجة أولاً لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) والأمة تبع له في ذلك.
ادعُ -أيها الرسول- أنت ومَنِ اتبعك إلى دين ربك وطريقه المستقيم, بالطريقة الحكيمة التي أوحاها الله إليك في الكتاب والسنة, وخاطِب الناس بالأسلوب المناسب لهم, وانصح لهم نصحًا حسنًا, يرغبهم في الخير, وينفرهم من الشر, وجادلهم بأحسن طرق المجادلة من الرفق واللين. فما عليك إلا البلاغ, وقد بلَّغْتَ, أما هدايتهم فعلى الله وحده, فهو أعلم بمن ضلَّ عن سبيله, وهو أعلم بالمهتدين. (التفسير الميسر)
3- عدم كتمان النصيحة: المسلم يعلم أن النصيحة هي أحد الحقوق التي يجب أن يؤديها لإخوانه المسلمين، فالمؤمن مرآة أخيه، يقدم له النصيحة، ويخبره بعيوبه، ولا يكتم عنه ذلك. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ ».قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ ».(أي سِرْ في جنازته) (مسلم / 5778) (صحيح الجامع / 3151)
فإذا كانت النصيحة للمسلم حق من حقوقه، فيجب أن تؤدى بحق، وأن تنطق بصدق، فيقول له الناصح بكل محبة ورفق: لِمَا سمى ربُنا نفسه التوّاب، فلو لم تذنب أيها العبد فلن تخاف من العقاب، ولما عُرف هذا الوصف لربك في السنة والكتاب، لأن الوصف لابد له من فعل حتى يوصف بالصواب. أما تدري أن الذنب، يَمْحي من القلب العُجب، وبالاستغفار يحصل الانكسار، لما في النفس من الاستكبار، فتعترف لربها الجبار، أنها دائمًا إليه في افتقار، فيداوم العبد على الاستغفار، في الليل وفي النهار.
4- أن تكون النصيحة في السر: المسلم الناصح لا يفضح المنصوح ولا يجرح مشاعره، فكلنا ذوو خطأ، فمن الذي ما أساء قط ، ومن له الحسنى فقط ، ومن ذا الذي ما سقط ، وأين هو الذي ما غلط، فكلنا ناصح ومنصوح، ومن منا يحب الفضوح، فيبين لهم بيسير الشروح، ويكتم سرهم ولا يبوح، ويعلمهم ثم يروح، فهنا يستجيبون له ، ويقبلوا نصحه، فيفتح الله له القلوب، لأنه يستر العيوب، ويجعل العباد لله تتوب، فهذا أفضل من نصح بلا نكران، حيث يحبه الرحمن، فينادي جبريل أني أحب فلان، ثم يوضع له القبول بين بني الإنسان.
وقد قيل: النصيحة في الملأ (العلن) فضيحة.
وما أجمل قول الإمام الشافعي: تَغَمَّدَني بنُصْحِــكَ فــي انفـــِرادِي ***وجَنِّبْنِــي النصيحــةَ فِــي الجَمَاعةْ فـإنَّ النُّصْــحَ بَيـْـن النــاسِ نـــوعٌ *** مــن التـَّوْبيخ لا أَرْضَى اســتِمَـاعَه وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصح أحد الحاضرين يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، ما بال أحدكم يفعل كذا. والحقائق مُرَّة فاستعينوا عليها بما ينفع المنصوح ولا يضره.
5- الأمانة في النصح: فلا يجوز للناصح أن يخدع المنصوح ولا يستهين بأمره، بل يبذل الجهد، ويعمل الفكر، قبل أن ينصح، وعليه بيان ما يراه من المفاسد إن وجد في ستر وأمانة. فالكلمة أمانة، فلا يعرض المنصوح للإهانة، فيبتعد عن القول الشديد، لأن الله تعالى يقول : : {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } (ق/18) ولهذا لما سأل معاذ بن جبل (رضى الله عنه) رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَوْ قَالَ : عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ (صحيح) (الترمذي / 2616)
فرُبَ كلمة شرحت الصدور، وغيرت الأمور، وجعلت العاصي يتوب، ولربه يؤب، ورُبَ كلمة أغلقت القلوب، ونفرت من المطلوب، وجعلت المتكلم عن الناس محجوب.
وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ(رضى الله عنه) قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: "حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ قَالَ: قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ فَأَخَذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا" (صحيح) (ابن ماجة/ 3972) (الترمذي/ 2410)
6-الرفق عند النصح : قال الله في رسولنا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وفي دعوته ونصيحته لقومة برفق: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] فبرحمة من الله لك ولأصحابك -أيها النبي- منَّ الله عليك فكنت رفيقًا بهم, ولو كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب, لانْصَرَفَ أصحابك من حولك.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه) أَنَّ الْيَهُودَ دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ يَا إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَلَعْنَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ: مَهْ. فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَمَا سَمِعْتَ مَا قَالُوا. قَالَ: أَوَمَا سَمِعْتِ مَا رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ يَا عَائِشَةُ: لَمْ يَدْخُلْ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَمْ يُنْزَعْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ (صحيح) (أحمد/13531، 25709) (صحيح الجامع/5654) فانظروا عباد الله كيف كان النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رفيقًا حنى باليهود ، على الرغم من أنهم دعوا عليه بالموت، فكان رده رقيقًا رفيقًا .
ويقول الشاعر أيها الشاكي وما بك داء ...كيف تغدو إذا غدوت عليلا أترى الشوك في الورود وتعمى ... أن ترى فوقه الندى إكليلا والذي نفسه بغير جمال لا يرى... في الوجود شيئاً جميلا أنت فينا النصوح فارفق جزاك ... الله خيراً فالرفق أهدى سبيلا قال ابن المبارك في بيتين من أدب الدعاة وأدب النصيحة: إذا رافقت قوماً أهل ودٍ فكن ... لهم كذي الرحم الشفيق ولا تأخـذ بزلــة كل قوم ... فـتـبـقى في الزمـان بلا رفيـق آداب المنصوح:
1- أن يتقبل المنصوح النصيحة بصدر رحب: وذلك دون ضجر أو ضيق أو تكبر، وقد قيل: تَقبَّل النصيحة بأي وجه، وأدِّها على أحسن وجه. فهذا موسى عليه السلام لما جاءه الرجل قال له: { إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ } [القصص:20] ماذا فعل موسى عليه السلام؟ { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ } [القصص:21] مباشرةً، لم يقل: أنا أستطيع أن أدبر أموري ونفسي، وأستطيع أن أختفي وأنا ماهر بل نفذ النصيحة في الحال : { فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ } [القصص:21]
2- عدم إصرار المنصوح على الباطل: فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة، والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ{204} وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ{205} وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ{206} (البقرة) ومعنى الأيات: بعض الناس من المنافقين يعجبك -أيها الرسول- كلامه الفصيح الذي يريد به حظًّا من حظوظ الدنيا لا الآخرة, ويحلف مستشهدًا بالله على ما في قلبه من محبة الإسلام, وفي هذا غاية الجرأة على الله, وهو شديد العداوة والخصومة للإسلام والمسلمين وإذا خرج من عندك أيها الرسول, جَدَّ ونَشِط في الأرض ليفسد فيها, ويتلف زروع الناس, ويقتل ماشيتهم.
والله لا يحب الفساد وإذا نُصِح ذلك المنافق المفسد, وقيل له: اتق الله واحذر عقابه, وكُفَّ عن الفساد في الأرض, لم يقبل النصيحة, بل يحمله الكبر وحميَّة الجاهلية على مزيد من الآثام, فَحَسْبُه جهنم وكافيته عذابًا, ولبئس المعيشة في جهنم.
3- أخذ النصح من المسلم العاقل: لأنه يفيده بعقله وحكمته، كما أن المسلم يتجنب نصح الجاهل أو الفاسق؛ لأنه يضره من حيث لا يحتسب.
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أراد أمرًا فشاور فيه امرءًا مسلمًا، وَفَّقَهُ الله لأرشد أموره) [الطبراني]. كان عمر (رضي الله عنه) يوماً مع أصحابه، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين! اتق الله، فقال بعض الحاضرين لذلك الرجل: أتقول لأمير المؤمنين اتق الله؟! فقال عمر : [ دعوه فليقلها، لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نقبلها ] وقال عمر (رضي الله عنه): "رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي" (مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الحوزي/154، 155)
وليعلم كل منصوح بأنه إذا قبل النصيحة فإنه سيكون له في نفس ناصحه مكانةً عظيمة، يقول الشافعي رحمه الله: ما نصحت أحداً فقبل مني إلا هبته – أي احترمته - واعتقدت مودته، ولا رد أحدٌ علي النصح إلا سقط من عيني ورفضته. إذاً لا بد أن يكون صدر المنصوح واسعاً ويتقبل النصيحة خصوصاً من طلبة العلم الذين لا يريدون من أحد جزاء ولا شكورا.
4- شكر الناصح: يجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله. وأن يدعو للناصح في ظهر الغيب، وأن يقول له: جزاك الله خيراً، لأن الله قال: { هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ } [الرحمن:60] هذا يحسن إليك بالنصيحة فأنت أحسن إليه بقبولها والدعاء له وشكره عليها
وفي الحديث : (إذا قال الرجلُ لأخيه جزاك اللهُ خيرا فقد أبلغَ فى الثناءِ) (الخرائطى فى مكارم الأخلاق عن أبى هريرة) فعلى المنصوح إذا سمع النصيحة أن يقول للناصح: يا أخي جزاك الله خيراً، وواجبك أديته، وأنت مثاب إن شاء الله، وأنت مأجور على نصيحتك لي وهكذا.
وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع