أبو منار عصام
مشرف
- إنضم
- 23 يونيو 2011
- المشاركات
- 2,069
- النقاط
- 38
- الإقامة
- مصر
- احفظ من كتاب الله
- القرآن كاملا
- احب القراءة برواية
- حفص
- القارئ المفضل
- الشيخ محمود خليل الحصري
- الجنس
- أخ
:
فضائل الذكر
دروس تربويـة
للشيخ
سليمان بن محمد اللهيميد
السعودية – رفحاء
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
ضمن دروس ( مختارات من كلام ابن القيم ) فهذا هو الدرس الخامس من هذه الدروس وهو بعنوان : فضائل الذكر ، فقد ذكر رحمه الله في كتابه الماتع : الوابل الصيب ، فضائل الذكر ، وقبل ذكر هذه الفوائد مع تعليق خفيف عليها ، أذكر مقدمة فأقول مستعيناً بالله مصلياً على رسول الله عليه الصلاة والسلام :
لا شك أن ذكر الله من أجل الطاعات ، وأفضل القربات ، ودليل على حب الله ، فإن من أحب شيئاً أكثر من ذكره .
فليس هناك شيء من الأعمال أخف مؤنة منه ، ولا أعظم لذة ، ولا أكثر فرحة وابتهاجاً بالقلب .
وقد أمر الله بذكره في آيات كثيرة :
فقال تعالى (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) .
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً ) .
وقال تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ ) .
وقال تعالى (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ) .
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ ) .
وأما الأحاديث فكثيرة جداً سيأتي بعضها ضمن الحديث .
ومنها
قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ ذكر الله)) .
وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن عمل يتشبث به؟ فقال: ((لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله)) .
وقال صل الله عليه وسلم ( مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت ) .
وأما أقوال السلف فهي كثيرة :
قال الحسن البصري : تفقّدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة ، وفي الذكر ، وفي قراءة القرآن ، فإن وجدتم وإلا فالباب مغلق .
وقال مالك بن دينار : ما تلذّذ المتلذذون بمثل ذكر الله .
وقال معاذ : ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله سبحانه فيها .
وقال بعض العارفين : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا بالسيوف .
وقال علي : أشد الأعمال ثلاثة : إعطاء الحق من نفسك ، وذكر الله على كل حال ، ومواساة الأخ في المال .
وعن مالك بن دينار قال : خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيء فيها ، قالوا : وما هو يا أبا يحيي ؟ قال : معرفة الله .
وعن سعيد بن عبد العزيز قال : قلت لعميْر بن هانىء : إن لسانك لا يفتر عن ذكر الله ؟ فكم تسبح كل يوم وليلة ؟ قال : مائة ألف ، إلا أن تخطأ الأصابع .
وقال عون بن عبد الله : مجالس الذكر : شفاء القلوب .
وعن ميمون قال : إذا أراد الله بعبده خيراً : حبّب إليه ذكره .
وقال لقمان لابنه : إن مثل أهل الذكر والغفلة : كمثل النور والظلمة .
وعن عبيد بن عمير قال : تسبيحة بحمد الله في صحيفة مؤمن يوم القيامة ، خير من أن تسير معه الجبال ذهباً
وقال بعض العلماء : ما طابت الدنيا إلا بذكره ، ولا طابت الآخرة إلا بعفوه ، ولا طابت الجنان إلا برؤيته
وقال بعض السلف : اذكروا الله حتى يقال : مجنون .
وعن عكرمة : أن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثني عشر تسبيحة ويقول : أسبح بقدر ذنوبي .
وعن الأوزاعي قال : كان حسان بن عطية إذا صلى العصر يذكر الله تعالى في المسجد حتى تغيب الشمس
وقال ابن السماك : رأيت مسعراً في النوم ، فقلت : أي العمل وجدتَ أنفع ؟ قال : ذكر الله .
وقال بعض المحدثين : والله ما أحب الحياة إلا للذكر وللتحديث .
وقال أحمد بن حنبل : لزمت هشيْماً أربع سنين أو خمساً ، ما سألته عن شيء إلا مرتين هيبةً له ، وكان كثير التسبيح بين الحديث ، يقول بين ذلك : لا إله إلا الله ، يمد بها صوته .
والأقوال كثيرة ، وقد جاءت الفضائل العظيمة للذكر ، ذكر ابن القيم كثيراً من هذه الفضائل في كتابه الوابل الصيب :
فمنها : أنه يَطرُدُ الشيطانَ ويقمعُه ويَكسِرُه .
وهذا من أعظم فضائل الذكر ، فإن الشيطان عدو للإنسان ، كما قال تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) وقال تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) .
وقال تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً ) .
فلا يستطيع المسلم أن يحرز نفسه من عدوه اللدود إلا بذكر الله ، كما قال صل الله عليه وسلم ( وآمركم أن تذكروا الله تعالى ، فإن مثلَ ذلك مثلُ رجلٍ خرج العدو في أثرهِ سراعاً ، حتى أتى إلى حصنٍ حصين ، فأحرزَ نفسَه منهم ، كذلك العبد لا يُحْرِزُ نفسه من الشيطان إلا بذكر الله ) .
قال ابن القيم : فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة لكان حقيقاً بالعبد أن لا يفترَ لسانُه من ذكر الله تعالى .
وقال صل الله عليه وسلم ( إذا دخل الرجلُ بيتَه فذكر الله عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان لأصحابه : لا مبيتَ لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله ، قال الشيطان : أدركتم المبيت ، وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامـه قال : أدركتم المبيت والعشاء ) رواه مسلم .
وقال صل الله عليه وسلم ( من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، في يومٍ مائةَ مرة ، كانت له عدلَ عشرِ رقاب ، وكتبتْ له مائةُ حسنةٍ ، ومُحيتْ عنه مائةُ سيئة ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومَه ذلك حتى يمسي ) متفق عليه .
ولذلك شرع ذكر الله عند قراءة القرآن الكريم كما قال تعالى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) حتى يطرد بهذه الاستعاذة وساوس الشيطان ، فإن الإنسان إذا اتجه إلى طاعة – وخاصة مثل القرآن الكريم – فإن الشيطان يحاول أن يوسوس له وأن يكسله عنها ، فشرعت الاستعاذة طرداً للشيطان ووساوسه
بل إن ذكر الله يجعل الشيطان حقيراً صغيراً ، كما في الحديث عن رجل من الصحابة قال ( كنت رديف النبي صل الله عليه وسلم ، فعثرت دابته ، فقلت : تعس الشيطان ، فقال : لا تقل تعس الشيطان ، فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ، ويقول : بقوتي ، ولكن قل : بسم الله ، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب ) رواه أبوداود .
بل إن ذكر الله يطرد الشيطان بعيداً ، كما في الأذان ، فقال صل الله عليه وسلم ( إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاةِ ذهب حتى يكون مكانَ الروْحاء ) رواه مسلم قال الراوي الروحاء : هي من المدينةِ ستةٌ وثلاثون ميلاً .
ومنها : أنه يزيل الهمّ والغم ويجلب للقلب الفرح والسرور .
ولذلك أيها الإخوة ، شرع ذكر الله عند الهموم والغموم .
وقد كان النبي صل الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة ويقول لبلال : أرحنا بالصلاة يا بلال .
عن ابن مسعود . أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :ما أصاب أحد قط هم ولا حـزن فقال : اللهم إني عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك ،ناصيتي بيدك ، ماض فيّ حكمك ، عدل فيّ قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أوأنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك، أواستأثرتبه في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونورصدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي إلا أذهب الله همه ) .
وفي دعاء الهم والغم عن ابن عباس ( أن رسول الله صل الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب : لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ) متفق عليه .
فمن أراد أن ينشرح صدره وأن يذهب همه وغمه فعليه بذكر الله دوماً وأبداً كما قال تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) بعكس قليل الذكر فهو مغموم مهموم كما قال تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) . ولذلك كان النبي صل الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه .
ومنها : أنه يورث المحبة ، التي هي روح الإسلام ، ومَدار السعادة والنجاة ، وقد جعل الله لكل شيء سبباً ، وجعل سبب المحبة دوام الذكر .
نعم ، كما سبق في درس مضى ، أن من أسباب محبة الله الإكثار من ذكره ، لأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره .
وقد قال ابن القيم : من أراد أن ينال محبة الله عز وجل ، فليلهج بذكره .
ومنها : أنه يورثه ذكرَ الله تعالى له .
كما قال تعالى ( فاذكروني أذكركم ) ، ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً وشرفاً .
وكما نعلم أن الجزاء من جنس العمل ، فمن ذكر الله ذكره الله ، نعم يا أخي المسلم ! تذكر الله يذكرك ؟ يذكرك في السماء عند الملائكة كما في الحديث ( أطت السماء وحق لها أن تئط ليس فيها موضع شبر إلا ملَك ساجد أو راكع ) .
يذكرك الله فيؤيدك وينصرك ويثبتك ويرفع قدرك ، ويذكرك أيضاً في القبر ويوم القيامة .
وفي الحديث قال صل الله عليه وسلم ( قال الله تعالى : من ذكرني في نفسهِ ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأ خيرٍ منهم )
فعلى المسلم أن يشغل لسانه بذكر الله لينال هذه المرتبة العظيمة . والمزية الجليلة .
ومنها : أن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى ، فينبغي للعبد أن يداويَ قلبه بذكر الله .
نعم ، وقسوة القلب من أعظم الأمراض وأشدها ، بل جاء التهديد من الله لصاحب القلب القاسي فقال تعالى ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله ) وأبعد القلوب عن الله القلب القاسي ، وما ضرب عبد بعقوبةٍ أعظم من قسوة القلب ، وإذا قسا القلب قحطت العين ، ومن أحسن العلاج لقسوة القلب ذكر الله ، فما أذيبتْ قسوةُ القلب بمثل ذكر الله تعالى ، فعمارة القلب بالخشية والذكر .
قال رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد ، أشكو إليك قسوةَ قلبي ؟ قال : أذِبْه بالذكر .
ومنها : أن الذكر يعطي الذاكر قوةً حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يُطيق فعله بدونه .
ويدل لذلك الحديث الذي في الصحيحين لما جاءت فاطمة إلى النبي صل الله عليه وسلم تطلب خادماً ، فقام النبي صل الله عليه وسلم معها إلى البيت ، وعلمها وعلم علياً معها أن يقولا عند النوم : أن يسبحا ثلاثاً وثلاثين ، ويحمـدا ثلاثاً وثلاثين، ويكبرا أربعاً وثلاثين ، وقال إنه خير لكما من خادم .
قال ابن القيم : قيل : إن من داومَ على ذلك وجد قوةً في بدنهِ مغنيةً عن خادم .
ومنها : أن كثرة ذكر الله أمان من النفاق ، فإن المنافقين قليلوا الذكر لله تعالى .
وهذه والله كافية في فضل الذكر وعظيم منزلته .
نعم : إن المنافق لا يذكر الله إلا قليلاً ، لا يستطيع أن يداوم وأن يستمر على ذكر الله ، لمرض قلبه ونفاقه .
كما قال تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً ) .
وفي الحديث قال صل الله عليه وسلم ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً ) متفق عليه
هذا الحديث فيه فوائد :
أولاً : أن جميع الصلوات ثقيلة على المنافقين .
ثانياً : أن أثقل هذه الصلوات عليهم صلاة الفجر والعشاء لأنها وقت النوم والراحة .
ثالثاً : أن سبب كسلهم عن الطاعات قلة يقينهم بوعد الله فمرضهم مرض قلب .
قال كعب : من أكثر ذكرَ الله برىء من النفاق .
فهنيئا لمن شغل وقته ولسانه بذكر الله ، هنيئاً له أن يكون بريئاً من النفاق وأهله .
ومنها : أنه سبب لاشتغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب الفحش والباطل .
فان العبد لا بد له من أن يتكلم ، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى ، وذكر أوامره ، تكلم بهذه المحرمات أو بعضِها ، ولا سبيل إلى السلامة منها البتة إلا بذكر الله .
ولذلك قال بعض السلف : إذا طال المجلس كان للشيطان نصيب .
فهذا اللسان لا بد أن يتكلم ، فحينما يجلس الإنسان الجلسات الطويلة ، والجلسات الدائمة بالقيل والقال لا بد أن يقع بغيبة أو نميمة ، وهذا أمر مجرب ومشاهد ، فمن عوّد لسانه ذكر الله تعالى صان الله لسانه عن الباطل واللغو ، ومن يَبِسَ لسانُه عن ذكر الله تعالى ترطب بكل باطل ولغو وفحش .
فإما لسان ذاكر وإما لسان لاغ ، ولا بد من أحدهما ، فهي النفس إن لم تُشغلها بالحق شغلتك بالباطل ، وهو القلب إن لم تُسْكنْه محبةَ الله سكنه محبة المخلوقين ولابد ، وهو اللسان : إن لم تُشغلهُ بالذكر شغلك باللهو ، وهو عليك ولا بد .
ومنها : أن دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الأمان من النسيان الذي هو سببُ شقاءِ العبد في معاشه ومعادهِ .
فإن نسيان الرب سبحانه وتعالى يُوجِبُ نسيان نفسهِ ومصالحها كما قال تعالى (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) وإذا نسي العبدُ نفسه ، أعرض عن مصالحها ونسيَها ، واشتغل عنها فهلكت وفسدت ولا بد ، كإنسان له زرع أو بستان أو ماشيةً أو غير ذلك فأهمله ونسيه ، واشتغل عنه بغيره ، وضيع مصالحَه ، فإنه يفسد ولا بد .
ولو لم يكن في فوائد الذكر وإدامته إلا هذه الفائدة وحدها لكفى بها ، فمن نسي اللهَ تعالى أنساهُ نفسَه في الدنيا ، ونسيَه في العذاب يوم القيامة كما قال الله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً .قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) .
ومنها : أن مجالس الذكر مجالس الملائكة ، وأن يباهي بالذاكرين .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ صل الله عليه وسلم قَالَ « إِنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضْلاً يَتَبَّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِساً فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ - قَالَ - فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِى الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ . قَالَ وَمَاذَا يَسْأَلُونِى قَالُوا يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ . قَالَ وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِى قَالُوا لاَ أَىْ رَبِّ . قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتِى قَالُوا وَيَسْتَجِيرُونَكَ . قَالَ وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونَنِى قَالُوا مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ . قَالَ وَهَلْ رَأَوْا نَارِى قَالُوا لاَ . قَالَ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِى قَالُوا وَيَسْتَغْفِرُونَكَ - قَالَ - فَيَقُولُ قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا - قَالَ - فَيَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ قَالَ فَيَقُولُ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ) متفق عليه .
فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهمِ فلهم نصيب من قوله تعالى ( وجَعَلني مباركاً أينما كنت ) ، فهكذا المؤمن مبارك أين حلّ ، والفاجر مشؤومٌ أين حلّ .
وأيضاً : إن الله يباهي بهم ملائكته :
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ . قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ . قَالَ أَمَا إِنِّى لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صل الله عليه وسلم أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثاً مِنِّى وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صل الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ « مَا أَجْلَسَكُمْ » . قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلإِسْلاَمِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا . قَالَ « آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ » . قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ . قَالَ « أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِى بِكُمُ الْمَلاَئِكَةَ ) رواه مسلم .
فهذه المباهاة من الرب تبارك وتعالى دليل على شرف الذكر عنده ، ومحبتِه له ، وأن له مزيةً على غيره من الأعمال .
ومنها : أنه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله تعالى العبدَ يوم الحر في ظله .
كما في الحديث قال صل الله عليه وسلم ( سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : .. ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه )
ومنها : أنه يؤمِّنُ العبد من الحسرة يوم القيامة .
فإن كلَّ مجلس لا يَذكر العبد فيه ربه تعالى كان عليه حسرة وترة يوم القيامة .
كما قال صل الله عليه وسلم ( ما من قومٍ يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه ، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار ، وكان عليهم حسرة ) وفي رواية ( ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه ، ولم يصلوا على نبيهم ، إلا كان عليهم ترة ، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ) .
ومنها : أن نبينا صل الله عليه وسلم كان يكثر من ذكر الله .
كما قالت عائشة ( كان رسول الله صل الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ) رواه مسلم .
وهو الأسوة والقدوة ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) .
ونحن مأمورون بالتأسي به وبطاعته ، ( وإن تطيعوه تهتدوا ) .وقال تعالى (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
وهناك فضائل كثيرة ذكرها ابن القيم :
منها : أن ذكر الله من أكبر العون على طاعته .
ومنها : أن ذكر الله يسهل الصعب ، وييسر العسير .
ومنها : أنه يَحط الخطايا ويُذهِبها ، فإنه من أعظم الحسنات ، والحسنات يذهبن السيئات .
ومنها : أنه سبب في نزول السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة بالذاكر .
وغيرها كثير .
أكتفي بهذا القدر ، سائلاً المولى أن يجعلنا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع