- إنضم
- 26 أغسطس 2010
- المشاركات
- 3,675
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الامارات
- احفظ من كتاب الله
- القرءان كامل
- احب القراءة برواية
- بحميع الروايات
- القارئ المفضل
- الشيخ ابراهيم الأخضر
- الجنس
- أخت
بحث قيم للشيخ إيهاب فكري مدرس القرآن والقراءات بالمسجد النبوي
وفيه تحدث الشيخ عن فضل علم القراءات؛؛؛
وإليكم البحث:
وفيه تحدث الشيخ عن فضل علم القراءات؛؛؛
وإليكم البحث:
فــــــضــــــل عــــــلــــــم الــــــقــــــراءات :
1 :: اعلم – بارك الله فيك – أن العبادات التي فيها إجلال لله تعالى وتعظيمه أعظم من غيرها كما ذكر ذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلام ، ومن هذا الباب تفضيل التسوك للصائم على إبقاء رائحة الفم التي وصفها رسول الله بأنها " أطيب عند الله من رائحة المسك " ، وقد أفاض في ذلك في كتابه الجليل " قواعد الأحكام " ( 1 ) وهذا واضح في تعلم القراءات إذ إن من أعظم الإجلال لله تعالى أن يهتم المؤمن بما قاله سبحانه وتعالى ، ذلك لأن الله تعالى أنزل القرءان على سبعة أحرف كلها شاف كاف ، وإذا كان المسلمون يهتمون بما قاله رسول الله ويحرصون على جمعه في المصنفات ، فإن ما قاله الله تعالى أحرى بذلك ، ولا يقوى قلب مؤمن على ادعاء الاكتفاء ببعض ما قاله الله تعالى كما أنه لا يكتفي ببعض ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانظر إلى تشوف الملائكة لمعرفة ما قاله الله تعالى كما وصفهم بذلك الله عز وجل في كتابه الكريم في قوله : { حتى إذا فُزِّعَ عن قُلُوبهم قالوا ماذا قالَ ربكم قالوا الحقَّ وهو العليُّ الكبير } [ سبأ : 23 ] . فتأمل هذا المعنى .
2 :: إن في تعلم القراءات بيان فضل رسول الله في حفظ كلام الله تعالى ، ذلك لأن القارئ يعلم من خلال تعلمه مدى الجهد الذي يبذله لتعلم رواية أو روايتين فما بالك بتعلم القراءات العشر، وبذلك فإن كل من حصل هذا العلم يعلم مدى الجهد والمثابرة المطلوبة لإتقانه ، فكيف إذا علمت أن هذه القراءات هي جزء من الأحرف السبعة التي تعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها للأمة ؟ ومن هنا يتجلى معاني بعض الآيات نحو : { ولا تعجلْ بالقرءانِ من قبلِ أن يُقضى إليكَ وحيه } [ طه : 114 ] . ونحو : { لا تُحرك بهِ لسانكَ لِتعجلَ به } [ القيامة : 16 ] .فإن المهمة التي كُلف بها النبي كانت كما وصفها الله تعالى بقوله : { إنَّا سنلقي عليكَ قولاً ثقيلا } [ المزمل : 5 ] وإن القُراء هم أعرف الناس بفضل رسول الله في هذا الأمر ، لأنهم قد مارسوا جزءًا منه .
3 :: وفيه كذلك بيان فضل الله تعالى على هذه الأمة في إنزاله القرآن بأكثر من حرف ، لأن هذا لا يتبين ولا يتضح إلا بمعرفة القراءات وممارستها ، ويتبين منه كذلك كيف سهل الله تعالى على كل قبائل العرب تلقيه ونطقه بلهجاتهم دون الانتقال للهجات أخرى تحتاج لتدريب وتمرين قد لا يطيقه الشيخ الكبير والمرأة العجوز ، ومن تلك اللهجات التسهيل والإمالة والتفخيم والترقيق ونحو هذا مما يفهمه القراء خير الفهم ولا يتصور غيرهم مدى مشقته وصعوبته وحاجته للتمرين .
4 :: إن مما يفيده جمع أحاديث رسول الله توضيح معانيها من الزيادات التي تأتي في بعض الروايات وهذا نفسه يقال في القراءات فإنها كلها مما تكلم الله تعالى به ويوضح بعضها بعضًا ،وأضرب لك مثلاً بما قال فيه المفسرون إنه من أشكل الآيات في التفسير وهو قوله تعالى : { قل إنَّ الهدى هدى اللهِ أن يؤتى أحدٌ مثلَ ما أُوتيتم أو يُحاجوكم عندَ ربكم } [ آل عمران : 73 ]. فقد قرأ ابن كثير المكي " أأن يؤتى أحد "بهمزتين على الاستفهام ، فتحمل قراءة غيره بالإخبار على أنه إخبار مقصود به الاستفهام ، فيصبح المعنى جليًا واضحًا بأن يكون الاستفهام كتوبيخ وتقريع لليهود لكراهيتهم الخير لغيرهم وهذا كثير جدًا وقول المفسرين يفسر القرءان بالقرآن ثم بالسنة الخ لا يقصد به قراءة واحدة أو رواية واحدة فإن كل القراءات قرآن تكلم الله تعالى به ويوضح بعضه بعضًا ، وإن أي تفسير يحمل على رواية واحدة هو كأي تناول لكتاب حديث دون تعرض لغيره من الكتب التي تحوي أحاديث توضح غيرها .
5 :: إن قوله : " يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا " ( 2 ) لا يقتصر على رواية واحدة فإن القراء لهم من هذا الحديث أوفر الحظ وخيره إذا أخلصوا لله في ذلك ،إذ إن من حفظ القرآن برواية واحدة سيقرأ الآية مرة واحدة أما أصحاب علم القراءات فسيقرئون الآية عدة مرات كي يستوفوا ما ورد فيها من قراءات هي كلام الله تعالى فتأمل هذا الفضل العظيم( 3 ) .
6 :: إن قوله : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " ( 4 )قد فسره راوي الحديث أبو عبد الرحمن السلمي بالإقراء ، وكما قرر الأصوليون فإن الراوي أعلم بما روى وذلك يشمل كل القرآن بقراءاته المتواترة ولا يقتصر على رواية واحدة { وفي ذلكَ فليتنافس المتنافسون } [ المطففين : 26 ] .والعبرة بالإخلاص والله المستعان .
وفي كتاب " النشر " للحافظ ابن الجزري ( ج 1/ص 4 ) عن عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرئ القرآن ، فقال : يقرئ القرآن . إن النبي قال : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " .
7 :: إن من أفضل ما يشغل الوقت هو ذكر الله ، وأفضل الذكر هو تلاوة القرآن ولا يتذوق بركة ذلك على التمام والكمال إلا من تعلم القرآن والقراءات ، فعن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ". قالوا : بلى يا رسول الله ،قال :" ذكر الله " ( 5 ) رواه الترمذي .
8 :: لم يبق من العلوم المنقولة بسند التلقي كما كان على عهد السلف إلا هذا العلم فإنه لا يعطى السند فيه – عند أهل التقوى والضبط – إلا للمتمكن وقد يقرئ الشيخ تلميذه عدة مرات حتى يطمئن لإعطائه السند ، بل قد يقرئه عدة مرات ثم لا يعطيه سندًا ولا يجيزه ، لأنه في نظره لم يتقن، أما غير علم القراءات من العلوم في عصرنا فالسند يعطى فيه لأي أحد سواء كان ضابطًا أم لا إلا عند القلة .
9 :: ورد في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة : " أجرك على قدر نصبك " ( 6 ) وهذا العلم يحتاج لجهد جهيد حتى يبرز فيه الإنسان ، ولا يغتر بكثرة الحاملين لشهادات رسمية فأغلبهم عند التحقيق لا يتقنه وكثير منهم يقر بهذا ، وذلك لأنه يحتاج لمشقة في تحصيله ومشقة أكبر في المحافظة عليه ، ولا يفهم كلامي هذا على الوجه المطلوب إلا من طلب هذا العلم ، لأن الجهد المبذول فيه لو بذل في علم آخر لأصبح الإنسان فيه من أكبر العلماء ، ويكفي أن تعلم أنه حتى تتقن القراءات الموجودة في زماننا تحتاج لحفظ أكثر من ثلاثة آلاف بيت منظوم ، وأما من اكتفى بالشاطبية فيحتاج لحفظ أكثر من خمسمائة وألف بيت بما فيه الشاطبية ومتن في الرسم ومتن في عد الآيات ولو كان هذا في علم آخر لعظم الإنسان فيه جدًا .
10 :: اعلم أن القائم بفرض الكفاية يرفع الحرج عن الأمة كلها وهذا العلم لم يسد كفايته المسلمون ، فقد تجد عدة بلاد وقرى وليس فيها من يُقرئ الناس ، أو تجد البلد الكبير والعاصمة الضخمة وليس فيها من يَقرئ بالطيبة بالقراءات العشر الكبرى على وجهها ، فالانتداب لتحصيل هذا العلم فيه رفع حرج كبير عن المسلمين ونفع عظيم لأبناء هذه الأمة المصطفاة .
11 :: من أعظم فوائد هذا العلم أنه يعين على تجريد القصد إذ إن مجال الشهرة فيه محدود وهذا مشاهد في علمائه فكم من المسلمين يعرفون شيئًا عن الداني أو الشاطبي أو ابن الجزري فضلاً عن الأزميري والمتولي مقارنة بما يعرفون عن علماء الفقه أو الحديث كالنووي وابن حجر والغزالي فضلاً عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك ، مع أن المجهود المبذول فيه لا يقل إن لم يزد عن هذه العلوم ، وطلب الخفاء ممدوح كما ورد في الحديث : " إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي " ( 7 )وكما ورد في كلام الفضيل بن عياض حيث قال : " علامة الزهد في الناس إذا لم يحب ثناء الناس عليه ولم يبال بمذمتهم، وإن قدرت ألا تعرف وما عليك ألا تعرف فافعل وما عليك ألا يثنى عليك " ( 8 ) فإن استطعت ألا تعرف فافعل ويزيد من هذه الفائدة أن كثيرًا من المسلمين في عصرنا يزهِّدون في علم القراءات ويقللون من شأنه والله المستعان .
12 :: تميز عصرنا هذا بكثرة المصائب والفتن التي وقعت بالمسلمين تحقيقًا ، لقوله : " وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجئ فتنة فيرقق بعضها بعضًا ، وتجئ فتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجئ الفتنة فيقول هذه هذه " ( 9 ) ، وكان من أشدها أن تصدى لدفع هذه المصائب والفتن غير أهل العلم تحت مسميات المفكر الإسلامي والحركي الإسلامي ، ذلك أن من مصائبنا في هذا الزمان أن العلماء تباعدوا أو قُل استبعدوا عن التصدي لهذه المصائب والفتن ،فترى الآن الجمع الكبير من المتحمسين لنصرة الإسلام يقودهم المفكر الإسلامي أو المفكرون الإسلاميون والحركي الإسلامي ، ولو سألتهم هل هذا المفكر أو الحركي عالم مجتهد في دين الإسلام لأقروا أنه ليس كذلك فكان شغل الوقت بالعلوم النافعة ومن أميزها علم القراءات مما يبعد الإنسان عن التورط في عمل هذه المجموعات التي أدى تصدرها في هذا الزمان إلى تفاقم الأمر وزيادة المصائب بما ارتكبوه من خروج عن الدول التي يعيشون فيها وهم ليسوا على بينة ولا قدرة في هذا الخروج ، فزادت مصائب المسلمين وتباعد عوام المسلمين عن الدعاة بعكس طلاب العلوم الشرعية خاصة علم القراءات فإنهم تلتف حولهم القلوب ويتحمل منهم مالا يتحمل من غيرهم نسأل الله تعالى أن يكشف عن المسلمين هذه الغمة برحمته وفضله .
13 :: من أهم فوائد علم القراءات حفظ اللغة فإن اللغات المختلفة كالإمالة والتسهيل والترقيق والتفخيم والإشمام وصفات حروف اللغة العربية ليس لها إسناد متواتر إلى قبائل العرب الأولى إلا من خلال علم القراءات ، وإذا كان أهل النحو واللغة لا يعتمدون في نقلهما إلا على القرون الأولى حتى مائتين أو ثلاثمائة سنة من الهجرة لاختلاط القبائل العربية بالعجم وتأثر فصاحتهم بذلك فإن علم القراءات أبقى هذه اللغات منقولة مشافهة من الشيخ إلى تلميذه حتى زماننا هذا ، ولا تستطيع أن تتحقق من التسهيل والإشمام التي هي لغات بعض العرب إلا من خلال القراء وهلم جرا .
14 :: بعد أن أنعم الله عليَّ بتعلم علم القراءات أقرر لك أنه لا يشغل وقت الإنسان حتى في أموره الحياتية وأثناء طعامه وشرابه وقبل نومه مثل هذا العلم لمن أراد أن يبرع فيه ، فتجد الإنسان مشغولاً جميع وقته به ويصل به حبه الدائم لسماع القرآن وقراءته إلى أن يتبين له معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليغان على قلبي " ( 10 ) فالقارئ والمقرئ إذا شغل يومًا أو نحوه عن القرآن شعر بحاجة شديدة له تفوق حاجة الظامئ للماء ، والجائع للطعام ، والساهر للنوم ، وكفى بهذا فضلاً وشغلاً لحياة الإنسان ،فهذا بدلاً من أن يشغل نفسه بذم الناس وذم الزمان الذي يحيا فيه كما هو شغل كثير من الناس وهو ذم لا يفيد في الغالب إلا ضياع الوقت لأنه لا يترتب عليه شيء .
15 :: علم القراءات علم عملي لابد له من تطبيق وليس هو أفكارًا للتأمل واجتهادات قابلة للصواب والخطأ يضيع فيها الوقت ،وكم قرأنا في بداية سلوكنا في درب الدين المؤلفات القائمة على اجتهادات وتصورات لأناس بعضهم ليس له أن يجتهد أو أن يتصور ، وعليه فإن هذا العلم هو من خير العلوم إذ يدعو إلى العمل سواء بالقراءة أو الإقراء أو تطبيق كتاب الله تعالى .
16 :: هذا العلم من أفضل ما يعين على تنفيذ أمره : " تعاهدوا القرءان " ( 11 ) فإن الدارس له ينشغل بالقرآن حتى يثبت عنده تمامًا ، ويعرف المتشابه من الآيات حتى يندر منه الخطأ في كتاب الله تعالى ، إذا إن معدل تلاوته للقرآن أكثر من غيره في الغالب فالحمد لله تعالى .
17 :: تتضح علاقة التلميذ بشيخه في أسمى معانيها في هذا العلم الجليل فكما ذكر بعض الفضلاء أن الإنسان يذكر من علمه أيعلم بخير وثناء ولكنه يخص من علمه القرآن بالكثير من الذكر والثناء والشكر ولا يدرك كلامي هذا إلا من درس على المشايخ هذا العلم فإنما بين الطالب وبين شيخه من الحب ودوام الصلة ما ليس في غيره .
18 :: القرآن دواء كما قال الإمام الشاطبي :
( ونقل قرآنٍ والقرآن دواؤنا ) فالقرآن يعالج كثيرًا من آفات القلب واللسان ومن اهتم لقراءاته وروايته هو أكثر سماعًا وقراءة له من غيره ، فتجد الإنسان قبل الانشغال بهذا العلم يضيع وقته في الجدال في المسائل الفقهية وغيرها وتطويل الكلام في ذلك ، أما بعد الانشغال بهذا العلم فإن اجتناب ذلك هو المقصد ، إذ إن الوقت لا يتسع وعظائم الأمور أهم بالطلب من الانشغال بصغار المسائل ، كما أن فيه أيضًا التزام بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو أمامه : " أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا " ( 12 ) ، والجدال في مسائل هذا العلم محدود للغاية .
19 :: إذا نظر المصنف في كيفية تلقي القراءات علم أنها أدق طريقة للتلقي فإن جمهور القراء لا يجيزون تعلمها إلا بالعرض من الطالب على الشيخ حرفًا حرفًا ثم يجيزه الشيخ ، ولا يتحقق هذا في غيره من العلوم خاصة في زماننا هذا الذي قد تجد فيه من يتصدر في بعض العلوم الشرعية وليس له شيخ أصلاً ، بل يصوب ويخطئ ويصحح ويزيف ويقعد القواعد العامة والخاصة وهو صحفي لم يتلق عن أحد ، وهذا لا تكاد تجده في القراء بل إن من القراء من أفنى أكثر من ثلاثين عامًا في هذا العلم لكنه لم يهتم أن يحصل على إجازة أو نسي ذلك فتراه في حرج شديد من هذا ويسعى جاهدًا لتحصيل إجازة وإسناد تحقيقًا لطريقة السلف في التلقي عن الشيوخ .
20 :: من ألطف ما استفدت به في هذا العلم مجادلة أهل البدع خاصة منكري السنة ، ولعلك تعجب من هذا ، فقد التقيت بأحد منكري السنة بالقاهرة وهو ينكر علم الحديث جملة بدعوى أن الأحاديث تتعارض وفيها ما هو مخالف لعقله ، وكان دائم القول : إن القرآن واحد فلذا نجتمع عليه ونترك السنة . فقلت له : لكن هناك قراءات للقرآن وهي منقولة بالتواتر ، فقد تدخل مسجدًا بالمغرب فتسمع الإمام يقرأ { ملك يوم الدين } ويقرأها إمام مسجد آخر في القاهرة { مالك يوم الدين } ، بل قد يصل تنوع القراءات لأكثر من هذا وضربت له أمثلة فبهت ولم يحر جوابًا فقلت : لعل من حكمة الله تعالى أن جعل علم القراءات في هذا الأمة للرد على أمثال هؤلاء .
21 :: علم القرآن والقراءات يَدفع للاعتناء بعلوم أخرى أهمها علم التوحيد ، لأن أكثر معاني القرآن في توحيد الله تعالى وتصديق رسله والإيمان باليوم الآخر وهو أجل العلوم ، وقد عجبت من سؤال وجه لأحد الدعاة هل تعلم القرءان أولى أم تعلم التوحيد ؟فأجاب تعلم التوحيد ، وهذا من الفصام النكد الذي حدث في المصطلحات وهل يؤخذ التوحيد إلا من القرآن والسنة علمًا بأن القرآن أكثر ذكرًا لمفردات علم التوحيد ، وهل اخذ الصحابة التوحيد إلا من القرآن .
وكذلك من العلوم التي لها ارتباط وثيق بالقراءات : علم اللغة والنحو ولا يتم علم القارئ إلا بتعلم النحو ولا يتم علم النحو إلا بتعلم القراءات .
22 :: علل الإمام العز بن عبد السلام في كتابه " قواعد الأحكام " عدم جواز إطعام مسكين واحد عشر مرات في كفارة اليمين بدلاً من إطعام عشرة مساكين بقوله : " فإن قيل : ما تقولون في من سد جوعة مسكين في عشرة أيام ؟ هل يساوي أجره أجر من سد جوعة عشرة مساكين ، مع أن الفرض سد عشر جوعات، والكل عباد الله ، والفرض الإحسان إليهم فأي فرق بين تحصيل هذه المصالح في محل واحد أو في محال متعددة ؟ قلنا : لا يستويان ، لأن الجماعة يمكن أن يكون فيهم ولي لله أو أولياء له فيكون إطعامهم أفضل من تكرير إطعام واحد . وقد حث الرب سبحانه وتعالى على الإحسان إلى الصالحين بقوله : { وَأَنكحوا الأيامى منكم والصالحينَ من عبادكم وإمائكم } [ النور : 32 ] . ومثل هذا لا يتحقق في واحد بعينه ، ولأنه يرجى من دعاء الجماعة مالا يرجى من دعاء الواحد ، كما يرجى من دعاء المصلين على الميت إذا بلغوا أربعين مالا يرجى من دعائهم إذا نقصوا عن ذلك ، كما جاء في الحديث " ( 13 ) .
وهذا يقال فيحق القرآن والقراءات فإن المتعلم له والعالم به يخدم حفظة كتاب الله تعالى الذين قال فيهم الله سبحانه وتعالى : { بل هو ءاياتٌ بيناتٌ في صدورِ الذينَ أُوتوا العلم } [ العنكبوت : 49 ] . وقال فيهم رسول الله : " إن لله أهلين من الناس قالوا : يا رسول الله ، من هم ؟ قال : هم أهل القرآن أهل الله وخاصته " ( 14 ) وهم الذين يعملون به كما في صحيح مسلم( 15 )فوجود أولياء لله تعالى بينهم وارد ومحقق ،والتماس الدعاء منهم مطلوب .
23 ::علم القراءات سمة من سمات أهل السنة والجماعة ولا تجد لأحد من أهل البدع هذا الاهتمام في نقل القرآن وتلقيه ،وقد يقال ذلك في حق علم الحديث وهو مُسَلَّم به لكن أهل البدع ينكرون السنة في الغالب ولا يستطيعون إنكار القرآن ، وهم محتاجون في نقله إلى أهل السنة وإلى أسانيد أهل السنة وكفى بهذا فخرًا لأهل السنة وميزة توضح أنهم أهل الحق .
24 :: من ضمن العلوم المتعلقة بعلم القراءات ( علم عد آي القرآن ) وهو محتاج إليه في هذا العلم وفوائده عظيمة في الوقف والابتداء وعلم المعاني وفيما أجرى عليه رسول الله من الأجر في قراءة عدد معين من الآيات أو الصلاة بعدد معين من الآيات .
25 :: العلوم الشرعية متنوعة وأغلبها يحتاج إلى ملكات الحفظ وقوة الفهم والذكاء ، وقد جمع علم القراءات هاتين الخصلتين ،لكن أغلبه مما يستطيعه الحفظة مما لا يشترط فيهم قوة الذكاء والاستنباط ، وأقله يحتاج إلى الفقه والاستنباط ، وذلك لأن مجال الاجتهاد فيه ضيق وأغلبه علم نقلي ،وهو من جهة يصلح لجمهور المسلمين فكل منهم يستطيع أن يأخذ منه ما يناسبه ابتداءً بالمفترض عليه وهو حفظ الفاتحة إلى ما هو مفترض على المسلمين على وجه أنه فرض كفاية وهو حفظ ما سوى الفاتحة ، ولتوضيح ذلك فإن علم الفقه شريف ورفيع ولكن عموم الناس لا يطيقونه لاحتياجه لأدوات عديدة وملكات واسعة في الفهم والاستنباط ولذا كان الإرشاد لتعليم القراءات مما يناسب جمهور الناس سواء في ذلك عامتهم وخاصتهم فهو عام النفع واسع الفائدة .
26 :: لا يخفى على أحد ما أصاب هذا العلم من غربة خاصة في زماننا هذا بل قبله بأزمنة فقد قال الحافظ ابن الجزري في كتاب " النشر " ( ج 1/ص 54 ) : وإني لما رأيت الهمم قد قصرت ومعالم هذا العلم الشريف قد دثرت وخلت من أئمته الآفاق ... إلخ . فإن كان هذا الكلام قد قيل منذ مايقرب من ستمائة سنة فما بالك بما آل إليه الحال الآن ، بل قد بلغت غربة هذا العلم أن صدرت الفتاوى لإخفائه عن عوام الناس ومنع بعض القراء من أئمة المساجد من القراءة به حتى لا يؤدي ذلك لحدوث اضطراب عند العوام فكأن هذا العلم أصبح من المتشابه الذي لا ينبغي ألا يعرض على العوام ، مع أن الأولى أن يكون معروفًا منتشرًا ، لأن فيه كثيرًا من أوجه إعجاز القرآن ، وعليه فمن سعى في إزالة غربة هذا العلم فيزماننا بدراسته ونشرهيكون قد أحيا جميع ما ذكرنا في هذا البحث من فوائده ، ومن المعلوم أن إحياء السنة فيه أجر عظيم فما بالك بإحياء كتاب الله الكريم؟!
27 :: اعلم أن طالب العلم يستحب له حفظ القرآن قبل بدء طلب العلم كما نص علي ذلك الإمام ابن تيمية ، أما في حق طالب علم القراءات فإن حفظ القرآن واجب عليه ، لأنه لا يستطيع تعلم هذا العلم إلا وهو حافظ للقرآن بإحدى القراءات أو الروايات ، ويحضرني في ذلك قول لطيف لشيخنا العلامة الدكتور محمد عيد عابدين – رحمه الله تعالى - : إن تعلم القراءات دون حفظ القرآن هو كما يقال بالعبارة العامية " كمن يضرب الهواء دُوكُو " استبعادًا منه رحمه الله أن يتعلم أحد القراءات دون أن يكون حافظا للقرآن ، وكم رأينا مَن تخرج من معاهد القراءات لكنه للأسف نسيها ولم يبق معه إلا حفظ القرآن ،فانظر إلى بركة هذا العلم الذي إن حُفظ فهو نافع وإن أُنسي أبقى لك حفظ القرآن ،وتعجَّبْ من مدى نفعه حال حفظه وحال نسيانه ، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب حامل فقه غير فقيه " يُعلم منه أن من حفظ الحديث النبوي ونقله إلى الأمة له بركة هذا الدعاء وإن كان لا يفقه ما حفظه ، فإن هذا في حق حافظ القرآن أولى ، إذ إن القرآن هو معجزة رسول الله الدائمة إلى يوم الدين .
وقد قال الإمام ابن الجزري في فوائد علم القراءات من كتاب " النشر " ( ج 1/ص 52 ) : وأما فائدةاختلاف القراءاتوتنوعها فإن في ذلك فوائد غير ما قدمنا من سبب التهوين والتسهيلوالتخفيف علىالأمة .
ومنها : ما في ذلك من نهاية البلاغة وكمال الإعجاز وغاية الاختصار وجمال الإيجاز ، إذ كل قراءة بمنزلة الآية إذ كان تنوع اللفظ بكلمة تقوم مقام آيات ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدتها لم يخف ما كان في ذلك من التطويل .
ومنها : ما في ذلك من عظيم البرهان وواضح الدلالة ، إذ هو مع كثرة هذا الاختلاف وتنوعه لم يتطرق إليه تضاد ولا تناقض ولا تخالف ، بل كله يصدق بعضه بعضًا ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد وأسلوب واحد وما ذاك إلا آية بالغة وبرهان قاطع على صدق ما جاء به صلى الله عليه وسلم .
ومنها : سهولة حفظه وتيسير نقله على هذه الأمة ، إذ هو على هذه الصفة من البلاغة والوجازة فإنه من يحفظ كلمة ذات أوجه أسهل عليه وأقرب إلى فهمه وأدعى لقبوله من حفظه جملاً من الكلام تؤدي معاني تلك القراءات المختلفات لاسيما فيما كان خطه واحدًا فإن ذلك أسهل حفظًا وأيسر لفظًا .
ومنها : إعظام أجور هذه الأمة من حيث إنهم يفرغون جهدهم ليبلغوا قصدهم في تتبع معاني ذلك واستنباطا لحكم والأحكام من دلالة كل لفظ واستخراج كمين أسراره وخفي إشاراته وإمعامهم النظر وإمعانهم الكشف عن التوجيه والتعليل والترجيح والتفصيل بقدر ما يبلغ غاية علمهم ويصل إليه نهاية فهمهم { فاستجابَ لهم ربهم أنِّي لا أُضيعُ عملَ عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أُنثى } [ آل عمران : 195 ] .
ومنها : بيان فضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم من حيث تلقيهم كتاب ربهم هذا التلقي وإقبالهم عليه هذا الإقبال ، والبحث عن لفظة لفظة والكشف عن صيغة صيغة ، وبيان صوابه وبيان تصحيحه ، وإتقان تجويده حتى حموه من خلل التحريف وحفظوه من الطغيان والتطفيف ، فلم يهملوا تحريكًا ولا تسكينًا ولا تفخيمًا ولا ترقيقًا حتى ضبطوا مقادير المد وتفاوت الإمالة ، وميزوا بين الحروف بالصفات مما لم يهتد إليه فكر أمة من الأمم ولا يوصل إليه إلا بإلهام بارئ النسم .
ومنها : ما ادخره الله من المنقبة العظيمة والنعمة الجليلة الجسيمة لهذه الأمة الشريفة من إسنادها كتاب ربها واتصال هذا السبب الإلهي بسببها خصيصة الله تعالى هذه الأمة المحمدية ، وإعظامًا لقدر أهل هذه الملة الحنيفة وكل قارئ يوصل حروفه بالنقل إلى أصله ويرفع ارتياب الملحد قطعًا بوصله ، فلو لم يكن من الفوائد إلا هذه الفائدة الجليلة لكفت ولو لم يكن من الخصائص إلا هذه الخصيصة النبيلة لوفت .
ومنها : ظهور سر الله تعالى في توليه حفظ كتابه العزيز وصيانة كلامه المنزل بأوفى البيان والتمييز ، فإن الله تعالى لم يخل عصرًا من الأعصار ولو في قطر من الأقطار من إمام حجة قائم بنقل كتاب الله تعالى وإتقان حروفه ورواياته وتصحيح وجوهه وقرآته يكون وجوده سببًا لوجود هذا السبب القويم على ممر الدهور وبقاؤه دليلاً على بقاء القرآن العظيم في المصاحف والصدور . اهــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 )قواعد الأحكام ( ص 32 ) .
( 2 )الترمذي ( 5/177/ح 6799 ) في فضائل القرآن ، وقال : حسن صحيح . وأبو داود في الصلاة باب استحباب الترتيل في القراءة ( 2/74/1464 ) .
( 3 )قال في " النشر " ( ج 1/ص 52 ) : إذ كل قراءة بمنزلة الآية . 1هــ
وفي تفسير " فتح القدير " للشوكاني ( ج 1/ص 226 ) ، لقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة العمل لتلك الزيادة كذلك يجب الجمع بين القراءتين . اهــ
فاتضح من ذلك : أن القراءة بمنزلة الآية، وبالتالي يزداد عد الآيات بزيادة القراءات .
( 4 )البخاري ( 5207 ) عن عثمان .
( 5 )الترمذي ( 5/459/ح 3377 ) عنأبي الدرداء في الدعاء باب ما جاء في فضل الذكر ، وابن ماجه ( 2/192/ح 6799 ) في الأدب باب فضل الذكر .
( 6 )انظر : " فتحالباري " ( ج 3/ص 611 ) .
( 7 )صحيح مسلم شرح النووي ( ج 18/ ص 100 ) .
( 8 )كتاب " الحث على التجارة والصناعة والعمل " للخلال ( ص4 ) .
( 9 )صحيح مسلم شرح النووي ( ج 12/ ص 233 ) .
( 10 )مسلم كتاب الذكر ( باب 41 ) .
( 11 )صحيح البخاري شرح ابن حجر ( ج 9/ص 79 ) .
( 12 )سنن أبو داود كتاب الأدب حديث ( 4800 ) .
( 13 )قواعد الأحكام ( ص 28 ).
( 14 ) ابن ماجه حديث رقم ( 215 ) ، وقال في الزوائد : إسناده صحيح .
( 15 )كتاب المسافرين حديث ( 253 ) .
( * )تم نقل الموضوع من :
كتاب : أجوبة القراء الفضلاء ( أسئلة شائعة وأجوبة نافعة في علم القراءات ) .
تأليف : الشيخ إيهاب فكري مدرس القرآن والقراءات بالمسجد النبوي
1 :: اعلم – بارك الله فيك – أن العبادات التي فيها إجلال لله تعالى وتعظيمه أعظم من غيرها كما ذكر ذلك سلطان العلماء العز بن عبد السلام ، ومن هذا الباب تفضيل التسوك للصائم على إبقاء رائحة الفم التي وصفها رسول الله بأنها " أطيب عند الله من رائحة المسك " ، وقد أفاض في ذلك في كتابه الجليل " قواعد الأحكام " ( 1 ) وهذا واضح في تعلم القراءات إذ إن من أعظم الإجلال لله تعالى أن يهتم المؤمن بما قاله سبحانه وتعالى ، ذلك لأن الله تعالى أنزل القرءان على سبعة أحرف كلها شاف كاف ، وإذا كان المسلمون يهتمون بما قاله رسول الله ويحرصون على جمعه في المصنفات ، فإن ما قاله الله تعالى أحرى بذلك ، ولا يقوى قلب مؤمن على ادعاء الاكتفاء ببعض ما قاله الله تعالى كما أنه لا يكتفي ببعض ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانظر إلى تشوف الملائكة لمعرفة ما قاله الله تعالى كما وصفهم بذلك الله عز وجل في كتابه الكريم في قوله : { حتى إذا فُزِّعَ عن قُلُوبهم قالوا ماذا قالَ ربكم قالوا الحقَّ وهو العليُّ الكبير } [ سبأ : 23 ] . فتأمل هذا المعنى .
2 :: إن في تعلم القراءات بيان فضل رسول الله في حفظ كلام الله تعالى ، ذلك لأن القارئ يعلم من خلال تعلمه مدى الجهد الذي يبذله لتعلم رواية أو روايتين فما بالك بتعلم القراءات العشر، وبذلك فإن كل من حصل هذا العلم يعلم مدى الجهد والمثابرة المطلوبة لإتقانه ، فكيف إذا علمت أن هذه القراءات هي جزء من الأحرف السبعة التي تعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها للأمة ؟ ومن هنا يتجلى معاني بعض الآيات نحو : { ولا تعجلْ بالقرءانِ من قبلِ أن يُقضى إليكَ وحيه } [ طه : 114 ] . ونحو : { لا تُحرك بهِ لسانكَ لِتعجلَ به } [ القيامة : 16 ] .فإن المهمة التي كُلف بها النبي كانت كما وصفها الله تعالى بقوله : { إنَّا سنلقي عليكَ قولاً ثقيلا } [ المزمل : 5 ] وإن القُراء هم أعرف الناس بفضل رسول الله في هذا الأمر ، لأنهم قد مارسوا جزءًا منه .
3 :: وفيه كذلك بيان فضل الله تعالى على هذه الأمة في إنزاله القرآن بأكثر من حرف ، لأن هذا لا يتبين ولا يتضح إلا بمعرفة القراءات وممارستها ، ويتبين منه كذلك كيف سهل الله تعالى على كل قبائل العرب تلقيه ونطقه بلهجاتهم دون الانتقال للهجات أخرى تحتاج لتدريب وتمرين قد لا يطيقه الشيخ الكبير والمرأة العجوز ، ومن تلك اللهجات التسهيل والإمالة والتفخيم والترقيق ونحو هذا مما يفهمه القراء خير الفهم ولا يتصور غيرهم مدى مشقته وصعوبته وحاجته للتمرين .
4 :: إن مما يفيده جمع أحاديث رسول الله توضيح معانيها من الزيادات التي تأتي في بعض الروايات وهذا نفسه يقال في القراءات فإنها كلها مما تكلم الله تعالى به ويوضح بعضها بعضًا ،وأضرب لك مثلاً بما قال فيه المفسرون إنه من أشكل الآيات في التفسير وهو قوله تعالى : { قل إنَّ الهدى هدى اللهِ أن يؤتى أحدٌ مثلَ ما أُوتيتم أو يُحاجوكم عندَ ربكم } [ آل عمران : 73 ]. فقد قرأ ابن كثير المكي " أأن يؤتى أحد "بهمزتين على الاستفهام ، فتحمل قراءة غيره بالإخبار على أنه إخبار مقصود به الاستفهام ، فيصبح المعنى جليًا واضحًا بأن يكون الاستفهام كتوبيخ وتقريع لليهود لكراهيتهم الخير لغيرهم وهذا كثير جدًا وقول المفسرين يفسر القرءان بالقرآن ثم بالسنة الخ لا يقصد به قراءة واحدة أو رواية واحدة فإن كل القراءات قرآن تكلم الله تعالى به ويوضح بعضه بعضًا ، وإن أي تفسير يحمل على رواية واحدة هو كأي تناول لكتاب حديث دون تعرض لغيره من الكتب التي تحوي أحاديث توضح غيرها .
5 :: إن قوله : " يقال لقارئ القرآن اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا " ( 2 ) لا يقتصر على رواية واحدة فإن القراء لهم من هذا الحديث أوفر الحظ وخيره إذا أخلصوا لله في ذلك ،إذ إن من حفظ القرآن برواية واحدة سيقرأ الآية مرة واحدة أما أصحاب علم القراءات فسيقرئون الآية عدة مرات كي يستوفوا ما ورد فيها من قراءات هي كلام الله تعالى فتأمل هذا الفضل العظيم( 3 ) .
6 :: إن قوله : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " ( 4 )قد فسره راوي الحديث أبو عبد الرحمن السلمي بالإقراء ، وكما قرر الأصوليون فإن الراوي أعلم بما روى وذلك يشمل كل القرآن بقراءاته المتواترة ولا يقتصر على رواية واحدة { وفي ذلكَ فليتنافس المتنافسون } [ المطففين : 26 ] .والعبرة بالإخلاص والله المستعان .
وفي كتاب " النشر " للحافظ ابن الجزري ( ج 1/ص 4 ) عن عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرئ القرآن ، فقال : يقرئ القرآن . إن النبي قال : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " .
7 :: إن من أفضل ما يشغل الوقت هو ذكر الله ، وأفضل الذكر هو تلاوة القرآن ولا يتذوق بركة ذلك على التمام والكمال إلا من تعلم القرآن والقراءات ، فعن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ". قالوا : بلى يا رسول الله ،قال :" ذكر الله " ( 5 ) رواه الترمذي .
8 :: لم يبق من العلوم المنقولة بسند التلقي كما كان على عهد السلف إلا هذا العلم فإنه لا يعطى السند فيه – عند أهل التقوى والضبط – إلا للمتمكن وقد يقرئ الشيخ تلميذه عدة مرات حتى يطمئن لإعطائه السند ، بل قد يقرئه عدة مرات ثم لا يعطيه سندًا ولا يجيزه ، لأنه في نظره لم يتقن، أما غير علم القراءات من العلوم في عصرنا فالسند يعطى فيه لأي أحد سواء كان ضابطًا أم لا إلا عند القلة .
9 :: ورد في الحديث الشريف قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة : " أجرك على قدر نصبك " ( 6 ) وهذا العلم يحتاج لجهد جهيد حتى يبرز فيه الإنسان ، ولا يغتر بكثرة الحاملين لشهادات رسمية فأغلبهم عند التحقيق لا يتقنه وكثير منهم يقر بهذا ، وذلك لأنه يحتاج لمشقة في تحصيله ومشقة أكبر في المحافظة عليه ، ولا يفهم كلامي هذا على الوجه المطلوب إلا من طلب هذا العلم ، لأن الجهد المبذول فيه لو بذل في علم آخر لأصبح الإنسان فيه من أكبر العلماء ، ويكفي أن تعلم أنه حتى تتقن القراءات الموجودة في زماننا تحتاج لحفظ أكثر من ثلاثة آلاف بيت منظوم ، وأما من اكتفى بالشاطبية فيحتاج لحفظ أكثر من خمسمائة وألف بيت بما فيه الشاطبية ومتن في الرسم ومتن في عد الآيات ولو كان هذا في علم آخر لعظم الإنسان فيه جدًا .
10 :: اعلم أن القائم بفرض الكفاية يرفع الحرج عن الأمة كلها وهذا العلم لم يسد كفايته المسلمون ، فقد تجد عدة بلاد وقرى وليس فيها من يُقرئ الناس ، أو تجد البلد الكبير والعاصمة الضخمة وليس فيها من يَقرئ بالطيبة بالقراءات العشر الكبرى على وجهها ، فالانتداب لتحصيل هذا العلم فيه رفع حرج كبير عن المسلمين ونفع عظيم لأبناء هذه الأمة المصطفاة .
11 :: من أعظم فوائد هذا العلم أنه يعين على تجريد القصد إذ إن مجال الشهرة فيه محدود وهذا مشاهد في علمائه فكم من المسلمين يعرفون شيئًا عن الداني أو الشاطبي أو ابن الجزري فضلاً عن الأزميري والمتولي مقارنة بما يعرفون عن علماء الفقه أو الحديث كالنووي وابن حجر والغزالي فضلاً عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك ، مع أن المجهود المبذول فيه لا يقل إن لم يزد عن هذه العلوم ، وطلب الخفاء ممدوح كما ورد في الحديث : " إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي " ( 7 )وكما ورد في كلام الفضيل بن عياض حيث قال : " علامة الزهد في الناس إذا لم يحب ثناء الناس عليه ولم يبال بمذمتهم، وإن قدرت ألا تعرف وما عليك ألا تعرف فافعل وما عليك ألا يثنى عليك " ( 8 ) فإن استطعت ألا تعرف فافعل ويزيد من هذه الفائدة أن كثيرًا من المسلمين في عصرنا يزهِّدون في علم القراءات ويقللون من شأنه والله المستعان .
12 :: تميز عصرنا هذا بكثرة المصائب والفتن التي وقعت بالمسلمين تحقيقًا ، لقوله : " وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها وتجئ فتنة فيرقق بعضها بعضًا ، وتجئ فتنة فيقول المؤمن : هذه مهلكتي ثم تنكشف وتجئ الفتنة فيقول هذه هذه " ( 9 ) ، وكان من أشدها أن تصدى لدفع هذه المصائب والفتن غير أهل العلم تحت مسميات المفكر الإسلامي والحركي الإسلامي ، ذلك أن من مصائبنا في هذا الزمان أن العلماء تباعدوا أو قُل استبعدوا عن التصدي لهذه المصائب والفتن ،فترى الآن الجمع الكبير من المتحمسين لنصرة الإسلام يقودهم المفكر الإسلامي أو المفكرون الإسلاميون والحركي الإسلامي ، ولو سألتهم هل هذا المفكر أو الحركي عالم مجتهد في دين الإسلام لأقروا أنه ليس كذلك فكان شغل الوقت بالعلوم النافعة ومن أميزها علم القراءات مما يبعد الإنسان عن التورط في عمل هذه المجموعات التي أدى تصدرها في هذا الزمان إلى تفاقم الأمر وزيادة المصائب بما ارتكبوه من خروج عن الدول التي يعيشون فيها وهم ليسوا على بينة ولا قدرة في هذا الخروج ، فزادت مصائب المسلمين وتباعد عوام المسلمين عن الدعاة بعكس طلاب العلوم الشرعية خاصة علم القراءات فإنهم تلتف حولهم القلوب ويتحمل منهم مالا يتحمل من غيرهم نسأل الله تعالى أن يكشف عن المسلمين هذه الغمة برحمته وفضله .
13 :: من أهم فوائد علم القراءات حفظ اللغة فإن اللغات المختلفة كالإمالة والتسهيل والترقيق والتفخيم والإشمام وصفات حروف اللغة العربية ليس لها إسناد متواتر إلى قبائل العرب الأولى إلا من خلال علم القراءات ، وإذا كان أهل النحو واللغة لا يعتمدون في نقلهما إلا على القرون الأولى حتى مائتين أو ثلاثمائة سنة من الهجرة لاختلاط القبائل العربية بالعجم وتأثر فصاحتهم بذلك فإن علم القراءات أبقى هذه اللغات منقولة مشافهة من الشيخ إلى تلميذه حتى زماننا هذا ، ولا تستطيع أن تتحقق من التسهيل والإشمام التي هي لغات بعض العرب إلا من خلال القراء وهلم جرا .
14 :: بعد أن أنعم الله عليَّ بتعلم علم القراءات أقرر لك أنه لا يشغل وقت الإنسان حتى في أموره الحياتية وأثناء طعامه وشرابه وقبل نومه مثل هذا العلم لمن أراد أن يبرع فيه ، فتجد الإنسان مشغولاً جميع وقته به ويصل به حبه الدائم لسماع القرآن وقراءته إلى أن يتبين له معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليغان على قلبي " ( 10 ) فالقارئ والمقرئ إذا شغل يومًا أو نحوه عن القرآن شعر بحاجة شديدة له تفوق حاجة الظامئ للماء ، والجائع للطعام ، والساهر للنوم ، وكفى بهذا فضلاً وشغلاً لحياة الإنسان ،فهذا بدلاً من أن يشغل نفسه بذم الناس وذم الزمان الذي يحيا فيه كما هو شغل كثير من الناس وهو ذم لا يفيد في الغالب إلا ضياع الوقت لأنه لا يترتب عليه شيء .
15 :: علم القراءات علم عملي لابد له من تطبيق وليس هو أفكارًا للتأمل واجتهادات قابلة للصواب والخطأ يضيع فيها الوقت ،وكم قرأنا في بداية سلوكنا في درب الدين المؤلفات القائمة على اجتهادات وتصورات لأناس بعضهم ليس له أن يجتهد أو أن يتصور ، وعليه فإن هذا العلم هو من خير العلوم إذ يدعو إلى العمل سواء بالقراءة أو الإقراء أو تطبيق كتاب الله تعالى .
16 :: هذا العلم من أفضل ما يعين على تنفيذ أمره : " تعاهدوا القرءان " ( 11 ) فإن الدارس له ينشغل بالقرآن حتى يثبت عنده تمامًا ، ويعرف المتشابه من الآيات حتى يندر منه الخطأ في كتاب الله تعالى ، إذا إن معدل تلاوته للقرآن أكثر من غيره في الغالب فالحمد لله تعالى .
17 :: تتضح علاقة التلميذ بشيخه في أسمى معانيها في هذا العلم الجليل فكما ذكر بعض الفضلاء أن الإنسان يذكر من علمه أيعلم بخير وثناء ولكنه يخص من علمه القرآن بالكثير من الذكر والثناء والشكر ولا يدرك كلامي هذا إلا من درس على المشايخ هذا العلم فإنما بين الطالب وبين شيخه من الحب ودوام الصلة ما ليس في غيره .
18 :: القرآن دواء كما قال الإمام الشاطبي :
( ونقل قرآنٍ والقرآن دواؤنا ) فالقرآن يعالج كثيرًا من آفات القلب واللسان ومن اهتم لقراءاته وروايته هو أكثر سماعًا وقراءة له من غيره ، فتجد الإنسان قبل الانشغال بهذا العلم يضيع وقته في الجدال في المسائل الفقهية وغيرها وتطويل الكلام في ذلك ، أما بعد الانشغال بهذا العلم فإن اجتناب ذلك هو المقصد ، إذ إن الوقت لا يتسع وعظائم الأمور أهم بالطلب من الانشغال بصغار المسائل ، كما أن فيه أيضًا التزام بقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو أمامه : " أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا " ( 12 ) ، والجدال في مسائل هذا العلم محدود للغاية .
19 :: إذا نظر المصنف في كيفية تلقي القراءات علم أنها أدق طريقة للتلقي فإن جمهور القراء لا يجيزون تعلمها إلا بالعرض من الطالب على الشيخ حرفًا حرفًا ثم يجيزه الشيخ ، ولا يتحقق هذا في غيره من العلوم خاصة في زماننا هذا الذي قد تجد فيه من يتصدر في بعض العلوم الشرعية وليس له شيخ أصلاً ، بل يصوب ويخطئ ويصحح ويزيف ويقعد القواعد العامة والخاصة وهو صحفي لم يتلق عن أحد ، وهذا لا تكاد تجده في القراء بل إن من القراء من أفنى أكثر من ثلاثين عامًا في هذا العلم لكنه لم يهتم أن يحصل على إجازة أو نسي ذلك فتراه في حرج شديد من هذا ويسعى جاهدًا لتحصيل إجازة وإسناد تحقيقًا لطريقة السلف في التلقي عن الشيوخ .
20 :: من ألطف ما استفدت به في هذا العلم مجادلة أهل البدع خاصة منكري السنة ، ولعلك تعجب من هذا ، فقد التقيت بأحد منكري السنة بالقاهرة وهو ينكر علم الحديث جملة بدعوى أن الأحاديث تتعارض وفيها ما هو مخالف لعقله ، وكان دائم القول : إن القرآن واحد فلذا نجتمع عليه ونترك السنة . فقلت له : لكن هناك قراءات للقرآن وهي منقولة بالتواتر ، فقد تدخل مسجدًا بالمغرب فتسمع الإمام يقرأ { ملك يوم الدين } ويقرأها إمام مسجد آخر في القاهرة { مالك يوم الدين } ، بل قد يصل تنوع القراءات لأكثر من هذا وضربت له أمثلة فبهت ولم يحر جوابًا فقلت : لعل من حكمة الله تعالى أن جعل علم القراءات في هذا الأمة للرد على أمثال هؤلاء .
21 :: علم القرآن والقراءات يَدفع للاعتناء بعلوم أخرى أهمها علم التوحيد ، لأن أكثر معاني القرآن في توحيد الله تعالى وتصديق رسله والإيمان باليوم الآخر وهو أجل العلوم ، وقد عجبت من سؤال وجه لأحد الدعاة هل تعلم القرءان أولى أم تعلم التوحيد ؟فأجاب تعلم التوحيد ، وهذا من الفصام النكد الذي حدث في المصطلحات وهل يؤخذ التوحيد إلا من القرآن والسنة علمًا بأن القرآن أكثر ذكرًا لمفردات علم التوحيد ، وهل اخذ الصحابة التوحيد إلا من القرآن .
وكذلك من العلوم التي لها ارتباط وثيق بالقراءات : علم اللغة والنحو ولا يتم علم القارئ إلا بتعلم النحو ولا يتم علم النحو إلا بتعلم القراءات .
22 :: علل الإمام العز بن عبد السلام في كتابه " قواعد الأحكام " عدم جواز إطعام مسكين واحد عشر مرات في كفارة اليمين بدلاً من إطعام عشرة مساكين بقوله : " فإن قيل : ما تقولون في من سد جوعة مسكين في عشرة أيام ؟ هل يساوي أجره أجر من سد جوعة عشرة مساكين ، مع أن الفرض سد عشر جوعات، والكل عباد الله ، والفرض الإحسان إليهم فأي فرق بين تحصيل هذه المصالح في محل واحد أو في محال متعددة ؟ قلنا : لا يستويان ، لأن الجماعة يمكن أن يكون فيهم ولي لله أو أولياء له فيكون إطعامهم أفضل من تكرير إطعام واحد . وقد حث الرب سبحانه وتعالى على الإحسان إلى الصالحين بقوله : { وَأَنكحوا الأيامى منكم والصالحينَ من عبادكم وإمائكم } [ النور : 32 ] . ومثل هذا لا يتحقق في واحد بعينه ، ولأنه يرجى من دعاء الجماعة مالا يرجى من دعاء الواحد ، كما يرجى من دعاء المصلين على الميت إذا بلغوا أربعين مالا يرجى من دعائهم إذا نقصوا عن ذلك ، كما جاء في الحديث " ( 13 ) .
وهذا يقال فيحق القرآن والقراءات فإن المتعلم له والعالم به يخدم حفظة كتاب الله تعالى الذين قال فيهم الله سبحانه وتعالى : { بل هو ءاياتٌ بيناتٌ في صدورِ الذينَ أُوتوا العلم } [ العنكبوت : 49 ] . وقال فيهم رسول الله : " إن لله أهلين من الناس قالوا : يا رسول الله ، من هم ؟ قال : هم أهل القرآن أهل الله وخاصته " ( 14 ) وهم الذين يعملون به كما في صحيح مسلم( 15 )فوجود أولياء لله تعالى بينهم وارد ومحقق ،والتماس الدعاء منهم مطلوب .
23 ::علم القراءات سمة من سمات أهل السنة والجماعة ولا تجد لأحد من أهل البدع هذا الاهتمام في نقل القرآن وتلقيه ،وقد يقال ذلك في حق علم الحديث وهو مُسَلَّم به لكن أهل البدع ينكرون السنة في الغالب ولا يستطيعون إنكار القرآن ، وهم محتاجون في نقله إلى أهل السنة وإلى أسانيد أهل السنة وكفى بهذا فخرًا لأهل السنة وميزة توضح أنهم أهل الحق .
24 :: من ضمن العلوم المتعلقة بعلم القراءات ( علم عد آي القرآن ) وهو محتاج إليه في هذا العلم وفوائده عظيمة في الوقف والابتداء وعلم المعاني وفيما أجرى عليه رسول الله من الأجر في قراءة عدد معين من الآيات أو الصلاة بعدد معين من الآيات .
25 :: العلوم الشرعية متنوعة وأغلبها يحتاج إلى ملكات الحفظ وقوة الفهم والذكاء ، وقد جمع علم القراءات هاتين الخصلتين ،لكن أغلبه مما يستطيعه الحفظة مما لا يشترط فيهم قوة الذكاء والاستنباط ، وأقله يحتاج إلى الفقه والاستنباط ، وذلك لأن مجال الاجتهاد فيه ضيق وأغلبه علم نقلي ،وهو من جهة يصلح لجمهور المسلمين فكل منهم يستطيع أن يأخذ منه ما يناسبه ابتداءً بالمفترض عليه وهو حفظ الفاتحة إلى ما هو مفترض على المسلمين على وجه أنه فرض كفاية وهو حفظ ما سوى الفاتحة ، ولتوضيح ذلك فإن علم الفقه شريف ورفيع ولكن عموم الناس لا يطيقونه لاحتياجه لأدوات عديدة وملكات واسعة في الفهم والاستنباط ولذا كان الإرشاد لتعليم القراءات مما يناسب جمهور الناس سواء في ذلك عامتهم وخاصتهم فهو عام النفع واسع الفائدة .
26 :: لا يخفى على أحد ما أصاب هذا العلم من غربة خاصة في زماننا هذا بل قبله بأزمنة فقد قال الحافظ ابن الجزري في كتاب " النشر " ( ج 1/ص 54 ) : وإني لما رأيت الهمم قد قصرت ومعالم هذا العلم الشريف قد دثرت وخلت من أئمته الآفاق ... إلخ . فإن كان هذا الكلام قد قيل منذ مايقرب من ستمائة سنة فما بالك بما آل إليه الحال الآن ، بل قد بلغت غربة هذا العلم أن صدرت الفتاوى لإخفائه عن عوام الناس ومنع بعض القراء من أئمة المساجد من القراءة به حتى لا يؤدي ذلك لحدوث اضطراب عند العوام فكأن هذا العلم أصبح من المتشابه الذي لا ينبغي ألا يعرض على العوام ، مع أن الأولى أن يكون معروفًا منتشرًا ، لأن فيه كثيرًا من أوجه إعجاز القرآن ، وعليه فمن سعى في إزالة غربة هذا العلم فيزماننا بدراسته ونشرهيكون قد أحيا جميع ما ذكرنا في هذا البحث من فوائده ، ومن المعلوم أن إحياء السنة فيه أجر عظيم فما بالك بإحياء كتاب الله الكريم؟!
27 :: اعلم أن طالب العلم يستحب له حفظ القرآن قبل بدء طلب العلم كما نص علي ذلك الإمام ابن تيمية ، أما في حق طالب علم القراءات فإن حفظ القرآن واجب عليه ، لأنه لا يستطيع تعلم هذا العلم إلا وهو حافظ للقرآن بإحدى القراءات أو الروايات ، ويحضرني في ذلك قول لطيف لشيخنا العلامة الدكتور محمد عيد عابدين – رحمه الله تعالى - : إن تعلم القراءات دون حفظ القرآن هو كما يقال بالعبارة العامية " كمن يضرب الهواء دُوكُو " استبعادًا منه رحمه الله أن يتعلم أحد القراءات دون أن يكون حافظا للقرآن ، وكم رأينا مَن تخرج من معاهد القراءات لكنه للأسف نسيها ولم يبق معه إلا حفظ القرآن ،فانظر إلى بركة هذا العلم الذي إن حُفظ فهو نافع وإن أُنسي أبقى لك حفظ القرآن ،وتعجَّبْ من مدى نفعه حال حفظه وحال نسيانه ، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب حامل فقه غير فقيه " يُعلم منه أن من حفظ الحديث النبوي ونقله إلى الأمة له بركة هذا الدعاء وإن كان لا يفقه ما حفظه ، فإن هذا في حق حافظ القرآن أولى ، إذ إن القرآن هو معجزة رسول الله الدائمة إلى يوم الدين .
وقد قال الإمام ابن الجزري في فوائد علم القراءات من كتاب " النشر " ( ج 1/ص 52 ) : وأما فائدةاختلاف القراءاتوتنوعها فإن في ذلك فوائد غير ما قدمنا من سبب التهوين والتسهيلوالتخفيف علىالأمة .
ومنها : ما في ذلك من نهاية البلاغة وكمال الإعجاز وغاية الاختصار وجمال الإيجاز ، إذ كل قراءة بمنزلة الآية إذ كان تنوع اللفظ بكلمة تقوم مقام آيات ولو جعلت دلالة كل لفظ آية على حدتها لم يخف ما كان في ذلك من التطويل .
ومنها : ما في ذلك من عظيم البرهان وواضح الدلالة ، إذ هو مع كثرة هذا الاختلاف وتنوعه لم يتطرق إليه تضاد ولا تناقض ولا تخالف ، بل كله يصدق بعضه بعضًا ويشهد بعضه لبعض على نمط واحد وأسلوب واحد وما ذاك إلا آية بالغة وبرهان قاطع على صدق ما جاء به صلى الله عليه وسلم .
ومنها : سهولة حفظه وتيسير نقله على هذه الأمة ، إذ هو على هذه الصفة من البلاغة والوجازة فإنه من يحفظ كلمة ذات أوجه أسهل عليه وأقرب إلى فهمه وأدعى لقبوله من حفظه جملاً من الكلام تؤدي معاني تلك القراءات المختلفات لاسيما فيما كان خطه واحدًا فإن ذلك أسهل حفظًا وأيسر لفظًا .
ومنها : إعظام أجور هذه الأمة من حيث إنهم يفرغون جهدهم ليبلغوا قصدهم في تتبع معاني ذلك واستنباطا لحكم والأحكام من دلالة كل لفظ واستخراج كمين أسراره وخفي إشاراته وإمعامهم النظر وإمعانهم الكشف عن التوجيه والتعليل والترجيح والتفصيل بقدر ما يبلغ غاية علمهم ويصل إليه نهاية فهمهم { فاستجابَ لهم ربهم أنِّي لا أُضيعُ عملَ عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أُنثى } [ آل عمران : 195 ] .
ومنها : بيان فضل هذه الأمة وشرفها على سائر الأمم من حيث تلقيهم كتاب ربهم هذا التلقي وإقبالهم عليه هذا الإقبال ، والبحث عن لفظة لفظة والكشف عن صيغة صيغة ، وبيان صوابه وبيان تصحيحه ، وإتقان تجويده حتى حموه من خلل التحريف وحفظوه من الطغيان والتطفيف ، فلم يهملوا تحريكًا ولا تسكينًا ولا تفخيمًا ولا ترقيقًا حتى ضبطوا مقادير المد وتفاوت الإمالة ، وميزوا بين الحروف بالصفات مما لم يهتد إليه فكر أمة من الأمم ولا يوصل إليه إلا بإلهام بارئ النسم .
ومنها : ما ادخره الله من المنقبة العظيمة والنعمة الجليلة الجسيمة لهذه الأمة الشريفة من إسنادها كتاب ربها واتصال هذا السبب الإلهي بسببها خصيصة الله تعالى هذه الأمة المحمدية ، وإعظامًا لقدر أهل هذه الملة الحنيفة وكل قارئ يوصل حروفه بالنقل إلى أصله ويرفع ارتياب الملحد قطعًا بوصله ، فلو لم يكن من الفوائد إلا هذه الفائدة الجليلة لكفت ولو لم يكن من الخصائص إلا هذه الخصيصة النبيلة لوفت .
ومنها : ظهور سر الله تعالى في توليه حفظ كتابه العزيز وصيانة كلامه المنزل بأوفى البيان والتمييز ، فإن الله تعالى لم يخل عصرًا من الأعصار ولو في قطر من الأقطار من إمام حجة قائم بنقل كتاب الله تعالى وإتقان حروفه ورواياته وتصحيح وجوهه وقرآته يكون وجوده سببًا لوجود هذا السبب القويم على ممر الدهور وبقاؤه دليلاً على بقاء القرآن العظيم في المصاحف والصدور . اهــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 )قواعد الأحكام ( ص 32 ) .
( 2 )الترمذي ( 5/177/ح 6799 ) في فضائل القرآن ، وقال : حسن صحيح . وأبو داود في الصلاة باب استحباب الترتيل في القراءة ( 2/74/1464 ) .
( 3 )قال في " النشر " ( ج 1/ص 52 ) : إذ كل قراءة بمنزلة الآية . 1هــ
وفي تفسير " فتح القدير " للشوكاني ( ج 1/ص 226 ) ، لقد تقرر أن القراءتين بمنزلة الآيتين فكما أنه يجب الجمع بين الآيتين المشتملة إحداهما على زيادة العمل لتلك الزيادة كذلك يجب الجمع بين القراءتين . اهــ
فاتضح من ذلك : أن القراءة بمنزلة الآية، وبالتالي يزداد عد الآيات بزيادة القراءات .
( 4 )البخاري ( 5207 ) عن عثمان .
( 5 )الترمذي ( 5/459/ح 3377 ) عنأبي الدرداء في الدعاء باب ما جاء في فضل الذكر ، وابن ماجه ( 2/192/ح 6799 ) في الأدب باب فضل الذكر .
( 6 )انظر : " فتحالباري " ( ج 3/ص 611 ) .
( 7 )صحيح مسلم شرح النووي ( ج 18/ ص 100 ) .
( 8 )كتاب " الحث على التجارة والصناعة والعمل " للخلال ( ص4 ) .
( 9 )صحيح مسلم شرح النووي ( ج 12/ ص 233 ) .
( 10 )مسلم كتاب الذكر ( باب 41 ) .
( 11 )صحيح البخاري شرح ابن حجر ( ج 9/ص 79 ) .
( 12 )سنن أبو داود كتاب الأدب حديث ( 4800 ) .
( 13 )قواعد الأحكام ( ص 28 ).
( 14 ) ابن ماجه حديث رقم ( 215 ) ، وقال في الزوائد : إسناده صحيح .
( 15 )كتاب المسافرين حديث ( 253 ) .
( * )تم نقل الموضوع من :
كتاب : أجوبة القراء الفضلاء ( أسئلة شائعة وأجوبة نافعة في علم القراءات ) .
تأليف : الشيخ إيهاب فكري مدرس القرآن والقراءات بالمسجد النبوي
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع