مصطفى بوعزة
عضو
- إنضم
- 15 أبريل 2011
- المشاركات
- 7
- النقاط
- 1
- الإقامة
- المغرب
- احفظ من كتاب الله
- خمسة أحزاب
- احب القراءة برواية
- ورش
- القارئ المفضل
- عبد الباسط عبد الصمد
- الجنس
- أخ
في الوقف على ( كن فيكون)
الحمد لله مُـنزل القرآن وحافظه، والصلاة والسلام على نبيه مُـبلغه وحامله. وبعد:
فلقد وقفت في مواقع على إخوة يسألون في أمر هذا الوقف، فأحببت أن أستقصي الأمر فيه، على ما وسع الجهد. فأقبلت على كتب التفسير، ومباحث إعراب القرآن ومعانيه، فكان لي من ذلك حصيلة استأنست بها، واطمأنت لها نفسي. فأخرجت هذا المقال، نقطة في بحر علم كتاب الله، تعلقت بمخيط غـُـمِس فيه، عسى أن يحصل منها النفع ويكتب لنا الأجر والقبول فأقول:
لقد وردت صيغة (كُـنْ فيكون)، في ثمان آيات من القرآن،يمكن تصنيفها تصنيفا سياقيا،إلى ثلاث مجموعات:
-1- المجموعة الأولى : آيات سبق الصيغة فيها، فعل مضارع مرفوع (يقولُ)؛ وهي قوله تعالى ( يقولُ له كن فيكونُ)، وقد وردت في خمس آيات ( 117 من البقرة – 74 من آل عمران – 73 من الأنعام – 35 من مريم – 68 من غافر )
-2- المجموعة الثانية : آيتان سبق الصيغة فيها، فعل مضارع منصوب بأن وهما قوله تعالى (أن نقولَ له كن فيكون) في الأية 40 من سورة النحل، وقوله تعالى ( أن يقولَ له كن فيكون) في الآية 82 من سورة يس.
-3- المجموعة الثالثة : وهي آية واحدة سبق الصيغة فيها، فعل ماض(قالَ)، وهي قوله تعالى في الآية 59 من آل عمران ( ثم قالَ له كن فيكونُ).
والملاحظ أن المصاحف المعروفة في المشرق، يقع الوقف فيها على (فيكونُ) إما باعتبارها رأس آية، أو وقفا تاما. إلا أن المصحف المنتشر في الغرب الإسلامي، والذي يعتمد رواية ورش عن نافع، ويترسّمُ الوقوف التي وضعها الإمام أبو عبدالله الهبطي (ت 930) ، فإن الوقف في كل الآيات يتم عند ( كنْ )، ثم (فيكونُ) بعدها. وكل هذه المصاحف برواياتها المختلفات تجعل ( فيكونُ) مرفوعا إلا « ابن عامر» فإنه ينصبها. لذلك سنركز على توجيه الرفع إنْ بالوقف على (كن) أو على (فيكون).
ولكن قبل ذلك ينبغي أن نشير إلى أن "كان" في هذه الآيات، هي "كان" التامة لا الناقصة . فيكون معناها "حدَث" مثل قوله تعالى في سورة "الأنفال" ( إلا تفعلوه تكنْ فـتنة ) حيث تعرب "فتنة" فاعل، لأنّ "تكن" مضارع من " كان " التامة. فهي بمعنى "تحدث فتنة". وقد جاء في كتاب "إعراب القرآن الكريم وبيانه" للأستاذ «محيي الدين درويش» (ج1 ص 163 ) في إعراب (كن فيكون) قال :«( كن): فعل أمر من كان التامة ،بمعنى حدث. (فيكون): الفاء استئنافية، يكونُ: فعل مضارع تام مرفوع أي فهو يحدث». وقال الزمخشري في تفسيره (ج1 ص 315 ) :« كن فيكون، من كان التامة أي احْـدُث فيحْـدُث».
أما الوقف فقد اختلف باختلاف علاقة (فيكونُ) بالجملة قبلها؛ وهي علاقة سياقية وظيفية. فمن عطفها على (يقولُ)، لم تكتمل عنده الجملة إلا بالمعطوف، فلم يقف إلا على (فيكونُ) . ومن قطعها وجعل الفاء استئنافية، وقف على (كنْ)، ثم ابتدأ (فيكونُ). قال الطبري في تفسيره (ج14 ص 222) :« واختلف القَـرَأة في قراءة قوله تعالى (يكونُ)، فقرأه أكثر قـرَأة الحجاز والعراق على الابتداء، وعلى أن قوله ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقولَ له كن) كلام تام، مكتف بنفسه عما بعده. ثم يُـبْـتدأ فيقال ( فيكونُ)» .وقال النحاس في "القطع والائتناف" (ج1 ص 77) : «إن جعلت (فيكونُ) معطوفا على (يقولُ)، فالوقف (فيكونُ) ، وإن جعلته مستأنفا وقفت على (كنْ) ». وقال أبو عمرو الداني في " المكتفى في الوقف والابتدا" ص 172:« (فإنما يقولُ له كنْ) كافٍ إذا رُفع (فيكونُ) على الاستئناف بتقدير فهو يكون، ولم يُـنسَـق على (يقولُ) ».
أما الذي صرح بترجيح الرفع على العطف، فهو الطبري حيث قال في تفسيره ( ج2 ص 472): " فبيّـنٌ بذلك أن الذي هو أولى بقوله( فيكونُ) أن يكون رفعا على العطف على قوله (يقولُ)، لأن القول والكون حالهما واحدة. وهو نظير قول القائل :تاب فلان فاهتدى، واهتدى فلان فتاب، لأنه لا يكون تائبا إلا وهو مهتدٍ، ولا مهتديا إلا وهو تائب. فكذلك لا يكون أن يكون الله آمرا شيئا بالوجود، إلا وهو موجود، ولا موجودا، إلا وهو آمره بالوجود ". وإلى ذلك ذهب من بعده "جامع العلوم الباقولي" (ت 543) في كتابه "كشف المشكلات" حيث قال ص 92:« الوجه الرفع في (يكونُ)، لأنه معطوف على قوله (يقولُ).». بينما نجد معاصره ابن عطية (ت 546) في "المحرر الوجيز" يذهب إلى الوجه الآخر؛ ويقرر الرفع على الاستئناف ويخطئ الطبري فيما ذهب إليه. يقول في كتابه (ج2 ص 202) :« ويكون الرفع على الاستئناف . قال سيبويه: معناه فهو يكون. قال غيره: عطف على (يقولُ). واختاره الطبري وقرره، وهو خطأ من جهة المعنى، لآنه يقتضي أن القول مع التكوين والوجود ».
لكن المتامل في كلام الطبري في تفسيره لهذه الآيات، على وجه استقصاء البحث فيها ، يخلص إلى أن السياق في الآيات، له أثره الفاعل في ترجيح كل من العطف أو الابتداء. وذلك لآن هذه الآيات وردت فيها (فيكونُ) في ثلاث سياقات مختلفة؛ كما حددناه في تصنيفها في بداية المقال . لذلك وقف منها الطبري موقفين مختلفين؛ فرجح العطف، كما سبق، في الآيات التي ورد فيها الكلام بالفعل المضارع المرفوع (يقولُ) .وهي خمس آيات.أمافي باقي الآيات، حيث نصِب الفعل المضارع (يقولَ/نقولَ) بأن ، أو حيث جاءالفعل بصيغة الماضي(قال) ، فليس من مُـصَوغ ههنا للعطف، لذلك ذهب الطبري إلى الابتداء والقطع ، قال في (ج2 ص 472) :« وأما من رفع ذلك فإنه رأى أن الخبر قد تم عند قوله (إذا أردناه أن نقولُ له كنْ)، إذ كان معلوما أن الله إذا حَـتم قضاءه على شيء كان المَحْتوم عليه موجودا . ثم ابتدأ بقوله (فيكونُ) ". وقال في (ج5 ص 463) : « فقال جل ثناؤه (خلقه من تراب ثم قال له كن فيكونُ)، لأنه بمعنى الإعلام من الله لنبيه أن تكوينه الأشياء بقوله (كن)، ثم قال (فيكونُ) خبرا مبتدأ، وقد تناهى الخبر عن آدم عند قوله (كن) ».
وهكذا وبعد هذا التحليل، يتبين لنا بجلاء أن كلا الوقفين له أصوله التي يستند عليها، وأن القارئ لكتاب الله حيثما وقف منها كان مصيبا؛ لأن الذين فصلوا في الأمر أدوا إلينا ما وصلهم، أداء الأمناء. وأنهم كلهم أئمة لهم قدرهم، وشهد لهم علمهم وآثارهم، بالضبط والخشية. ولعل العكبري (ت 616) يكون قد لخص لنا ما عرضناه ، عندما قال في كتابه" التبيان في إعراب القرآن" ص 109: " قوله تعالى (فيكونُ): الجمهور على الرفع عطفا على ( يقولُ) أو على الاستئناف، أي فهو يكون".
الأستاذ: مصطفى بوعزة
الحمد لله مُـنزل القرآن وحافظه، والصلاة والسلام على نبيه مُـبلغه وحامله. وبعد:
فلقد وقفت في مواقع على إخوة يسألون في أمر هذا الوقف، فأحببت أن أستقصي الأمر فيه، على ما وسع الجهد. فأقبلت على كتب التفسير، ومباحث إعراب القرآن ومعانيه، فكان لي من ذلك حصيلة استأنست بها، واطمأنت لها نفسي. فأخرجت هذا المقال، نقطة في بحر علم كتاب الله، تعلقت بمخيط غـُـمِس فيه، عسى أن يحصل منها النفع ويكتب لنا الأجر والقبول فأقول:
لقد وردت صيغة (كُـنْ فيكون)، في ثمان آيات من القرآن،يمكن تصنيفها تصنيفا سياقيا،إلى ثلاث مجموعات:
-1- المجموعة الأولى : آيات سبق الصيغة فيها، فعل مضارع مرفوع (يقولُ)؛ وهي قوله تعالى ( يقولُ له كن فيكونُ)، وقد وردت في خمس آيات ( 117 من البقرة – 74 من آل عمران – 73 من الأنعام – 35 من مريم – 68 من غافر )
-2- المجموعة الثانية : آيتان سبق الصيغة فيها، فعل مضارع منصوب بأن وهما قوله تعالى (أن نقولَ له كن فيكون) في الأية 40 من سورة النحل، وقوله تعالى ( أن يقولَ له كن فيكون) في الآية 82 من سورة يس.
-3- المجموعة الثالثة : وهي آية واحدة سبق الصيغة فيها، فعل ماض(قالَ)، وهي قوله تعالى في الآية 59 من آل عمران ( ثم قالَ له كن فيكونُ).
والملاحظ أن المصاحف المعروفة في المشرق، يقع الوقف فيها على (فيكونُ) إما باعتبارها رأس آية، أو وقفا تاما. إلا أن المصحف المنتشر في الغرب الإسلامي، والذي يعتمد رواية ورش عن نافع، ويترسّمُ الوقوف التي وضعها الإمام أبو عبدالله الهبطي (ت 930) ، فإن الوقف في كل الآيات يتم عند ( كنْ )، ثم (فيكونُ) بعدها. وكل هذه المصاحف برواياتها المختلفات تجعل ( فيكونُ) مرفوعا إلا « ابن عامر» فإنه ينصبها. لذلك سنركز على توجيه الرفع إنْ بالوقف على (كن) أو على (فيكون).
ولكن قبل ذلك ينبغي أن نشير إلى أن "كان" في هذه الآيات، هي "كان" التامة لا الناقصة . فيكون معناها "حدَث" مثل قوله تعالى في سورة "الأنفال" ( إلا تفعلوه تكنْ فـتنة ) حيث تعرب "فتنة" فاعل، لأنّ "تكن" مضارع من " كان " التامة. فهي بمعنى "تحدث فتنة". وقد جاء في كتاب "إعراب القرآن الكريم وبيانه" للأستاذ «محيي الدين درويش» (ج1 ص 163 ) في إعراب (كن فيكون) قال :«( كن): فعل أمر من كان التامة ،بمعنى حدث. (فيكون): الفاء استئنافية، يكونُ: فعل مضارع تام مرفوع أي فهو يحدث». وقال الزمخشري في تفسيره (ج1 ص 315 ) :« كن فيكون، من كان التامة أي احْـدُث فيحْـدُث».
أما الوقف فقد اختلف باختلاف علاقة (فيكونُ) بالجملة قبلها؛ وهي علاقة سياقية وظيفية. فمن عطفها على (يقولُ)، لم تكتمل عنده الجملة إلا بالمعطوف، فلم يقف إلا على (فيكونُ) . ومن قطعها وجعل الفاء استئنافية، وقف على (كنْ)، ثم ابتدأ (فيكونُ). قال الطبري في تفسيره (ج14 ص 222) :« واختلف القَـرَأة في قراءة قوله تعالى (يكونُ)، فقرأه أكثر قـرَأة الحجاز والعراق على الابتداء، وعلى أن قوله ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقولَ له كن) كلام تام، مكتف بنفسه عما بعده. ثم يُـبْـتدأ فيقال ( فيكونُ)» .وقال النحاس في "القطع والائتناف" (ج1 ص 77) : «إن جعلت (فيكونُ) معطوفا على (يقولُ)، فالوقف (فيكونُ) ، وإن جعلته مستأنفا وقفت على (كنْ) ». وقال أبو عمرو الداني في " المكتفى في الوقف والابتدا" ص 172:« (فإنما يقولُ له كنْ) كافٍ إذا رُفع (فيكونُ) على الاستئناف بتقدير فهو يكون، ولم يُـنسَـق على (يقولُ) ».
أما الذي صرح بترجيح الرفع على العطف، فهو الطبري حيث قال في تفسيره ( ج2 ص 472): " فبيّـنٌ بذلك أن الذي هو أولى بقوله( فيكونُ) أن يكون رفعا على العطف على قوله (يقولُ)، لأن القول والكون حالهما واحدة. وهو نظير قول القائل :تاب فلان فاهتدى، واهتدى فلان فتاب، لأنه لا يكون تائبا إلا وهو مهتدٍ، ولا مهتديا إلا وهو تائب. فكذلك لا يكون أن يكون الله آمرا شيئا بالوجود، إلا وهو موجود، ولا موجودا، إلا وهو آمره بالوجود ". وإلى ذلك ذهب من بعده "جامع العلوم الباقولي" (ت 543) في كتابه "كشف المشكلات" حيث قال ص 92:« الوجه الرفع في (يكونُ)، لأنه معطوف على قوله (يقولُ).». بينما نجد معاصره ابن عطية (ت 546) في "المحرر الوجيز" يذهب إلى الوجه الآخر؛ ويقرر الرفع على الاستئناف ويخطئ الطبري فيما ذهب إليه. يقول في كتابه (ج2 ص 202) :« ويكون الرفع على الاستئناف . قال سيبويه: معناه فهو يكون. قال غيره: عطف على (يقولُ). واختاره الطبري وقرره، وهو خطأ من جهة المعنى، لآنه يقتضي أن القول مع التكوين والوجود ».
لكن المتامل في كلام الطبري في تفسيره لهذه الآيات، على وجه استقصاء البحث فيها ، يخلص إلى أن السياق في الآيات، له أثره الفاعل في ترجيح كل من العطف أو الابتداء. وذلك لآن هذه الآيات وردت فيها (فيكونُ) في ثلاث سياقات مختلفة؛ كما حددناه في تصنيفها في بداية المقال . لذلك وقف منها الطبري موقفين مختلفين؛ فرجح العطف، كما سبق، في الآيات التي ورد فيها الكلام بالفعل المضارع المرفوع (يقولُ) .وهي خمس آيات.أمافي باقي الآيات، حيث نصِب الفعل المضارع (يقولَ/نقولَ) بأن ، أو حيث جاءالفعل بصيغة الماضي(قال) ، فليس من مُـصَوغ ههنا للعطف، لذلك ذهب الطبري إلى الابتداء والقطع ، قال في (ج2 ص 472) :« وأما من رفع ذلك فإنه رأى أن الخبر قد تم عند قوله (إذا أردناه أن نقولُ له كنْ)، إذ كان معلوما أن الله إذا حَـتم قضاءه على شيء كان المَحْتوم عليه موجودا . ثم ابتدأ بقوله (فيكونُ) ". وقال في (ج5 ص 463) : « فقال جل ثناؤه (خلقه من تراب ثم قال له كن فيكونُ)، لأنه بمعنى الإعلام من الله لنبيه أن تكوينه الأشياء بقوله (كن)، ثم قال (فيكونُ) خبرا مبتدأ، وقد تناهى الخبر عن آدم عند قوله (كن) ».
وهكذا وبعد هذا التحليل، يتبين لنا بجلاء أن كلا الوقفين له أصوله التي يستند عليها، وأن القارئ لكتاب الله حيثما وقف منها كان مصيبا؛ لأن الذين فصلوا في الأمر أدوا إلينا ما وصلهم، أداء الأمناء. وأنهم كلهم أئمة لهم قدرهم، وشهد لهم علمهم وآثارهم، بالضبط والخشية. ولعل العكبري (ت 616) يكون قد لخص لنا ما عرضناه ، عندما قال في كتابه" التبيان في إعراب القرآن" ص 109: " قوله تعالى (فيكونُ): الجمهور على الرفع عطفا على ( يقولُ) أو على الاستئناف، أي فهو يكون".
الأستاذ: مصطفى بوعزة
يتوجب عليك
تسجيل الدخول
او
تسجيل
لروئية الموضوع